أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333363 / تحميل: 11880
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

يصون شهادة المرأة عن التزوير والافتراء، ليحفظ حقوق المتخاصمين عن البَخس والضياع.

فالمرأة سُرعان ما تستبدّ بها عواطفها الجيّاشة، وشعورها المرهَف، وانفعالها السريع، فتزيغ عن العدل، وتتناسى الحقّ والواجب، متأثّرةً بنوازعها نحو أحد المُتداعيين، قريباً لها أو عزيزاً عليها. وتفادياً من ذلك، قرَن الإسلام بين المرأتين في الشهادة، لتكون إحداهما مذكّرةً للأُخرى ورادعةً لها عن الزيغ والمُمالاة:( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) ( البقرة: ٢٨٢ ).

هذا إلى أنّ الطبّ الحديث قد اكتشف أنّ بعض النساء إبّان عادتهنّ الشهريّة، قد تضعف طاقاتهن الذهنيّة ويغدون آنذاك مظنّةً للنسيان، كما أوضحته التقارير السالفة، في بحث المساواة(١).

وهذا ما يؤيّد ضرورة اقتران امرأتين في الشهادة، إذ باقترانهما وتذكير إحداهما للأُخرى يتجلّى الحقُّ ويتّضح الواقع.

٤ - تعدّد الزوجات:

وما فتئ أعداء الإسلام يشنّون الحملات الظالمة على الدين الإسلامي وشريعته الغرّاء، في صور مِن النقد اللاذع، والتنديد الرخيص، الكاشف

_____________________

(١) انظر ص ٤٨٦ من هذا الكتاب ( قول الطبيب جب هارد ).

٤٢١

عن حِقدهم وكيدهم للإسلام.

فمن ذلك تشنيعهم على الإسلام بإباحته تعدّد الزوجات، وأنّها على زعمهم إضرار بالزوجة وإرباك لحياتها.

وقد جهل الناقدون أو تجاهلوا أنّ الإسلام لم يكن المشرّع الأوّل لذلك، فقد شرّعته الأديان السماويّة والقوانين الوضعيّة قبل الإسلام بآمادٍ وقرونٍ مديدة.

( فلا حجر على تعدّد الزوجات في شريعةٍ قديمة سبَقت قبل التوراة والإنجيل، ولا حجْر على تعدّد الزوجات في التوراة أو في الإنجيل، بل هو مباحٌ مأثور عن الأنبياء أنفسهم، مِن عهد إبراهيم الخليل إلى عهد الميلاد. ولم يرد في الإنجيل نصٌّ واحد يُحرّم ما أباحه العهد القديم للآباء والأنبياء، ولِمَن دونهم من الخاصّة والعامّة.

وما ورد في الإنجيل يُشير إلى الإباحة في جميع الحالات، والاستثناء في حالة واحدة، وهي: حالة الأسقف حين لا يطيق الرهبانيّة فيقنع بزوجة واحدة اكتفاءً بأهوَن الشرور...

وقال( وسترمارك ) العالِم الثقة في تاريخ الزواج: إنّ تعدّد الزوجات باعتراف الكنيسة بقيَ إلى القرن السابع عشر، وكان يتكرّر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة...

فالإسلام لم يأتِ ببدعةٍ فيما أباح من تعدّد الزوجات، وإنّما الجديد الذي أتى به: أنّه أصلَح ما أفسدَته الفوضى من هذه الإباحة، المطلقة مِن كلّ قيد، وأنّه حسَب حساب الضرورات التي لا يغفل عنها الشارع الحكيم، فلم يُحرّم أمراً قد تدعو إليه الضرورة الحازبة.

ويجوز أنْ تكون إباحته

٤٢٢

خيراً مِن تحريمه في بعض ظروف الأُسرة، أو بعض الظروف الاجتماعيّة العامّة )(١).

إنّ الذين استنكروا إباحة تعدّد الزوجات في التشريع الإسلامي، قد مارسوه فعلاً بطُرق الغواية والعلاقات الأثيمة بالخليلات والعشيقات، وتجاهلوا واقعهم السيّئ وتحلّلهم من القِيَم الأخلاقيّة، كأنّما يَحلُو لهم أنْ يتنكّبوا النهج السويّ المشروع، ويتعسّفوا الطرُق الموبوءة بالفساد.

ولو أنّهم فكّروا وأمعنوا النظر بتجرّدٍ وإنصاف في حكمة ذلك التشريع الإسلامي، لأيقنوا أنّه العلاج الوحيد لحلّ المشاكل والأزَمات التي قد تنتاب الفرد وتنتاب المجتمع ويُصلحها إصلاحاً فريداً لا بديل له ولا محيص عنه.

أ - المبرّرات:

ونستطيع أنْ نستجلي أهداف الشريعة الإسلاميّة في تعدّد الزوجات على ضوء المبرّرات التالية:

١- قد تمرض الزوجة جسميّاً أو عقليّاً، وتعجز آنذاك عن أداء رسالتها الزوجيّة، ولا تستطيع تلبية رغَبَات الزوج، ورعاية الأُسرة والأبناء، ممّا يفضي بهم إلى القلق والتسيّب.

ولا ريب أنّها أزمة خانقة تستدعي العلاج الحاسم الحكيم، وهو

_____________________

(١) عن كتاب حقائق الإسلام، للأستاذ العقّاد، بتصرّف.

٤٢٣

لا يخلو من فروضٍ ثلاثة:

أ - إمّا أنْ يُترك الزوج هملاً يُعاني مرارة الحِرمان مِن حقوقه الزوجيّة، ويغدو عرضةً للتردّي في مهاوي الرذيلة والإثم، وتُترك الأُسرة كذلك نهباً للفوضى والتبعثر، وهذا إجحافٌ بالزوج والأُسرة، وإهدارٌ لحقوقهما معاً.

ب - وإمّا أنْ يتخلّص الزوج من زوجته المريضة بالطلاق، والتخلّي عنها، ويدَعها تُقاسي شدائد المرض ووحشة النبذ والانفراد، وهذا ما يأباه الوجدان لمنافاته مبادئ الإنسانيّة وسجايا النُبل والوفاء.

ج - وإمّا أنْ يتسرى الزوج على زوجه المريضة، متّخذاً زوجة أُخرى تُلبّي رغَباته، وتلمّ شعث الأُسرة، وتحيط الأُولى بحسن الرعاية واللطف، وهذا هو أفضل الحلول وأقربها إلى الرُشد والصواب.

٢ - وقد تكون الزوجة عقيمة محرومة مِن نعمة النسل والإنجاب، فماذا يصنع الزوج والحالة هذه، أيظلّ محروماً من الأبناء يتحرّق شوقاً إليهم، وتلهفّاً عليهم مستجيباً لغريزة الأبوّة ووخزها المُلحّ في النفس. فإن هو صبَر على ذلك الحرمان مؤثِراً هوى زوجته على هواه، فذلك نُبلٌ وتضحية وإيثار. أو يتسرّى عليها بأُخرى تنجب له أبناءً يملأون فراغه النفسي، ويكونون له قرّة عينٍ وسلوةَ فؤاد.

وهذا هو منطق الفطرة والغريزة الذي لا يحيد عنه إلاّ نفرٌ قليلٌ من الناس.

٣ - والنساء - في الغالب - أوفر عدداً وأكثر نفوساً من الرجال، وذلك لأمرين:

٤٢٤

أ - إنّ الرجال أكثر تعرّضاً لإخطار العمل وأحداث الوفاة مِن النساء، لممارستهم الأعمال الشاقّة الخطيرة، المؤديّة إلى ذلك، كالمعامل والمناجم والمطافي ونحوها، ممّا يُسبّب تلفهم وقلّتهم عن النساء.

أضف إلى ذلك، أنّ الرجال أضعف مناعةً مِن النساء وأكثرُ إصابة بعدوى الأوبئة والأمراض، ممّا يجعلهم أقلّ عدداً منهنّ، ( ويعزو عُلماء الحياة ذلك إلى ما تتميّز به المرأة على الرجل بدنيّاً. وإلى أنّ الأمراض كلّها تقريباً تهلك من الرجال أكثر ممّا تهلك من النساء، ولذا فإنّ في الولايات المتّحدة في الوقت الحاضر (٧٠٠،٠٠٠و٧ أرملة )، ويتنبّأ مكتب التعداد الأمريكي بأنّ هذه الفِئة سيرتفع عددها في أمريكا بمعدّل مليونين كلّ ١٠ سنين.

وأنّ الدكتورة(ماريون لانجر) العالمة الاجتماعيّة المتخصّصة في استشارات الزواج تقول: إنّ لدى المجتمع حَلّين مُمكنين فقط لتغطية النقص المتزايد في الرجال إمّا تعدّد الزوجات، أو إيجاد طريقة ما لا طالة أعمار الرجال...)(١).

ب - الحروب:

فإنّها تفني أعداداً ضخمة مِن الرجال وتُسبّب هبوط نسبتهم عن النساء هبوطاً مريعاً. فقد كان المصابون في الحرب العالميّة الأولى ( واحداً وعشرين مليون نسمة ) بين قتيلٍ وجريح. وكانت ضحايا الحرب العالميّة الثانية ( خمسين

_____________________

(١) الإسلام والعلم الحديث، عن مجلّة المختار ( عدد فبراير ١٩٥٨ ).

٤٢٥

مليون نسمة ).

وقد أحدَث ذلك فراغاً كبيراً في صفوف الرجال وأثار أزمة عالميّة تستدعي العلاج الحاسم الناجع.

أمّا الأُمم الغربيّة، فقد وقفت إزاء هذه الأزمة موقف العاجز الحائر في علاجها وملافاتها... لمنعها تعدّد الزوجات، فراحت تُعالجه عن طريق الفساد الخُلُقي، ممّا دنّسها وأشاع فيها البغاء وكثرة اللقطاء، وعمّتها الفوضى الأخلاقيّة.

وأمّا الإسلام، فقد عالج ذلك علاجاً فذّاً فريداً يُلائم الفطرة البشريّة، ومقتضيات الظروف والحالات. حيث أباح التعدّد وقاية للفرد والمجتمع مِن تلك المآسي التي عانتها الأُمم المحرّمة له،( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ) ( النساء:٣ ).

وحين شرّع الإسلام التعدّد لم يطلقه إرسالا وجزافاً، فقد اشترط فيه العدل والمساواة بين الأزواج صيانةً لحقوق المرأة وكرامتها.

بيد أنّ ذلك العدل مشروطٌ في مستلزمات الحياة المادّية، كالمطعم والملبَس والمسكن، ونحوها من المآرب الحسّية المتاحة للإنسان، والداخلة في نطاق وسعه وقدرته.

أمّا النواحي الوجدانيّة والعاطفيّة، كالحبّ والميل النفسي، فإنها خارجة عن طوق الإنسان، ولا يستطيع العدل فيها والمساواة، لوهنه إزاء سلطانها الآسر،( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) ( النساء: ١٢٩ ).

٤٢٦

وقد يعترض البعض، أنّ المرأة الغربيّة قادرة على مُمارسة الأعمال وكسب المعاش، فهي غنيّة عن الزواج.

وهو زعمٌ باطلٌ يُكذّبه واقع الفطرة الإنسانيّة وغرائزها الراسخة في النفس. فحاجة المرأة إلى الرجل ليست مقصورة على المآرب الماديّة فحسب، وإنّما هي حاجة نفسيّة مُلحّة تستكمل به كيانها وتشعر بوجودها كحاجة الرجل إليها على سَواء.

٤- ومِن مُبرّرات التعدّد أنّه قد يتّصف بعض الرجال بطاقة جنسيّة عارمة، تتطلّب المزيد من التنفيس والإفضاء وتستدعي الأزواج، فإنْ تيسّر له ذلك، وإلاّ نفّس عن طاقته بالدعارة والفساد، كما حدَث ذلك في الأُمم التي حرّمت التعدّد المشروع، فابتلت بالتعدّد الموبوء مِن الخليلات والعشيقات.

* * *

الطلاق في الإسلام

وهكذا انطلقت حناجرٌ لاغية، تتشدّق بانتقاد الإسلام على تشريع الطلاق، بأنّه يُهدّد كيان المرأة وسعادتها، فتغدو بنزوة مِن نزوات الرجل ولَوثة مِن لوثاته الغاضبة، طريدةً كسيرة القلب مهدورة الكيان.

وهذا مِن صور التجنّي والتشنيع على الإسلام، إذ لم يكن هو المشرّع الأوّل للطلاق، ولا المقنّن الوحيد له، وإنّما كان شائعاً في أغلب الأُمم ومِن أقدم العصور. وكان آنذاك بأُسلوبٍ فوضويٍّ يهدِر حقوق الزوجة

٤٢٧

وكرامتها، ويجعلها طريدةً شريدة هائمة حيثُ تشاء.

فقد شاع عند اليونانيّين دون قيدٍ أو شرط، وأباحهُ الرومانيّون دينيّاً ومدنيّاً بعد أنْ حرّمته الأجيال الأُولى منهم.

وحينما جاءت الشريعة الموسويّة قلّصت مِن نطاق الطلاق وأباحته في حالاتٍ ثلاث: الزنا والعقم والعيب الخَلقي والخُلقي.

وأمّا الشريعة المسيحيّة فقد حرّمته إلاّ في حالتين: اقتراف أحد الزوجين أو كلاهما جريمة الفسق، أو في حالة العقم.

وهذا ما دفع الأُمم الغربيّة الحديثة، بضغط الحاجة الملحّة إلى تقنين الطلاق المدني وجعله قانوناً ثابتاً، وإنْ خالف دينها وشريعتها.

ولمّا أطلّ الإسلام بعهده الزاهر وتشريعه الكافل، أقرّ الطلاق وأحاطه بشروطٍ مِن التدابير الوقائيّة والعلاجيّة، لتقليصه وملافاة أزَماته ومشاكله.

فهو أبغضُ الحلال إلى اللّه عزَّ وجل، ولكنّ الضرورة تبيح المحذور، فهناك حالات يتّسع الخلاف فيها بين الزوجين ويشتدّ الخِصام وتغدو الحياة الزوجيّة أتوناً مُستعراً بالشحناء والبغضاء، ممّا يتعذّر فيها التفاهم والوفاق.

وهنا يُعالج الإسلام هذه الحالة المتوتّرة والجوّ المكفهرّ المحموم بحكمة وتدرّج بالغَين، فهو ( لا يسرع إلى رباط الزوجيّة المقدّس فيفصمه لأوّل وهلة، ولأوّل بادرةٍ مِن خلاف، إنّه يشدّ على هذا الرباط بقوّة، ويستمسّك به في استماتة، فلا يدعه يفلت إلاّ بعد المحاولة واليأس.

إنّه يهتف بالرجال:( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) ( النساء: ١٩ ).

٤٢٨

فيميل بهم إلى التريّث والمصابرة حتّى في حالة الكراهيّة.

فإنْ تجاوَز الأمر مسألة الكُره والحب إلى النشوز والنفور، فليس الطلاق أوّل خاطر يهدي إليه الإسلام، بل لا بدّ مِن محاولة يقوم بها الآخرون وتوفيق يحاوله الخيّرون:( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) ( النساء: ٣٥)،( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) ( النساء: ١٢٨ ).

فإنْ لم تجدِ هذه الوساطة فالأمر إذن جدّ، وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة، وإمساك الزوجين على هذا الوضع محاولةٌ فاشلة، ويزيدها الضغط فشلاً. ومن الحكمة التسليم بالواقع وإنهاء هذه الحياة - على كُرهٍ من الإسلام - فإنّ أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق.

ولعلّ هذه التفرقة تثير في نفس الزوجين رغبةً جديدة لمعاودة الحياة فكثيراً ما نرى حسَنَات الشيء عندما نحرمه، والفرصة لم تضَع:( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) ( البقرة: ٢٢٩ ).

وهناك فترة العدّة في حال الدخول بالزوجة، وعليه أنْ ينفق عليها في هذه الفترة ولا يقتر. وفي خلالها يجوز له - إنْ كان قد ندم - أنْ يُراجع زوجه، وأنْ يستأنفا حياتهما بلا أيّ إجراءٍ جديد.

فإنْ تركَت مدّة العدّة تمضي دون مراجعة، ففي استطاعتهما أنْ يستأنفا هذه الحياة متى رغبا. ولكن بعقدٍ جديد.

وتلك هي التجربة الأُولى وهي تكشف لكلا الزوجين عن حقيقة

٤٢٩

عواطفهما، وعن جِدّية الأسباب التي انفصلا بسببها، فإذا تكرّرت هذه الأسباب، أو جدّ سواها، واندفع الزوج إلى الطلاق مرّة أُخرى، فعندئذٍ لا تبقى سِوى فرصةٌ واحدة، هي الثالثة.

فإذا كانت الثالثة، فالعلّة إذن عميقة والمحاولة غير مُجدية، ومِن الخير له ولها أنْ يُجرّب كلٌّ منهما طريقه، ومِن الخير كذلك أنْ يتلقّى الزوج - إنْ كان عابثاً - نتيجة عبَثه أو تسرّعه:( فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ( البقرة: ٢٣٠)(١).

فماذا ينقم الثرثارون على الإسلام بتشريع الطلاق ؟ أيريدون إلغاءه وتحريمه، لتشيع المآسي في المجتمع الإسلامي، التي عاشتها الأُمم الكاثوليكيّة، التي حرّمت الطلاق وحرّمت تعدّد الزوجات، ممّا اضطرّهم إلى اتّخاذ العشيقات والأخدان، وتعسّف مسالك الغواية والآثام الخلقيّة ؟

* * *

_____________________

(١) نقل بتصرّف واختصار عن كتاب السلام العالمي، لسيّد قطب ص ٦٤ - ٦٧.

٤٣٠

حقوق الأقرباء

فضل الأقرباء:

الأقرباء: هُم الأُسرة التي ينتمي إليها الإنسان، والدوحة التي تفرع منها وهُم ألصَق الناس نسَباً به، وأشدُّهم عطفاً عليه، وأسرعهم إلى نجدته ومواساته.

وقد وصفهم أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: ( أيّها الناس، إنّه لا يستغني الرجل وإنْ كان ذا مالٍ عن عشيرته، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهُم أعظم الناس حيطة مِن ورائه، وألمّهم لشعثه، وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به )(١).

وأفضل الأقرباء وأجدرهم بالإعجاب والثناء هُم: المتحابّون المتعاطفون المتآزرون على تحقيق أهدافهم ومصالحهم.

وكلّما استشعر الأرحام وتبادلوا مشاعر التضامن والتعاطف كانوا أعزّ قدراً، وأمنع جانباً، وأشدّ قوّة على مجابهة الأعداء ومُعاناة الشدائد والأزَمات.

مِن أجل ذلك أولت الشريعة شؤون الأُسرة عنايةً بالغة، ورعتها بالتنظيم والتوجيه لمكانتها الاجتماعيّة وازدهار حياته وأثرها في إصلاح المجتمع الإسلامي.

صلة الرحم:

وفي طليعة المبادئ الخلقيّة التي فرضتها الشريعة وأكّدَت عليها صلة

_____________________

(١) نهج البلاغة.

٤٣١

الأرحام، وهُم ( المتّحدون في النسب ) وإنْ تباعدَت أواصر القُربى بينهم وذلك بالتودّد إليهم والعطف عليهم وإسداء العون المادّي لهم ودفع المكاره والشرور عنهم ومواساتهم في الأفراح والأحزان.

وإليك طرَفاً مِن نصوص أهل البيتعليهم‌السلام في صلة الأرحام ورعايتهم:

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أُوصي الشاهد مِن أُمّتي والغائب منهم، ومَن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة. أنْ يصِل الرحم وإنْ كان منه على مَسيرةِ سنة فإنّ ذلك مِن الدين )(١).

وعن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن سرّه أنْ يمُدّ اللّه في عمره، وأنْ يبسط في رزقه، فليَصِل رحِمَه، فإنّ الرحم لها لسان - يوم القيامة - ذلق، تقول: يا ربِّ، صِل مَن وصَلَني واقطَع مَن قطعني )(٢).

وعن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ضمِن لي واحدة ضمِنت له أربعة: يصِل رحِمه، فيحبّه اللّه تعالى،

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٣ عن الكافي.

(٢) البحار، كتاب العشرة، ص ٢٧ عن عيون أخبار الرضا وصحيفة الرضاعليه‌السلام .

٤٣٢

ويوسّع عليه رِزقه، ويزيدُ في عمُره، ويدخله الجنّة التي وعده )(١).

وقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : ( ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلا صلة الرحم، حتّى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين، فيكون وَصُولاً للرَّحِم، فيزيد اللّه في عمُره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم فينقصه اللّه تعالى ثلاثين سنة، ويجعل أجله إلى ثلاث سنين )(٢).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ صِلةَ الرحم والبِرَّ ليُهوّنان الحساب، ويَعصِمان مِن الذنوب، فصلوا أرحامكم، وبرّوا بإخوانكم ولو بحُسنِ السلام وردّ الجواب )(٤).

وقال أبو جعفرعليه‌السلام : ( صلة الأرحام تُزكّي الأعمال، وتُنمّي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الأجل )(٥).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : ( إنّ رجُلاً أتى النبيّ ( صلّى اللّه عليه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٤ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٤ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ٩٤ عن الكافي.

(٤) الوافي ج ٣ ص ٩٤ عن الكافي.

(٥) الوافي ج ٣ ص ٩٤ عن الكافي.

٤٣٣

وآله ) فقال: يا رسول اللّه، أهل بيتي أبَوا إلاّ توثّباً عليّ، وقطيعةً لي وشتيمةً، فأرفضهم ؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذاً يرفضكم اللّه جميعاً.

قال: فكيف اصنع ؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : تصِل مَن قطَعك، وتُعطِي مَن حرَمك، وتعفو عمّن ظلَمك، فإنّك إذا فعلت ذلك كان لك مِن اللّه عليهم ظهيراً )(١)

وقد أحسن بعض الشعراء المتقدّمين حيثُ قال:

وإنّ الذي بيني وبين بني أبي

وبين بني عمّي لمختلف جدّا

فإنْ أكلوا لحمي وفّرت لحومهم

وإنْ هدَموا مجدي بنَيتُ لهم مَجدا

وإنْ ضيّعوا غَيبي حفِظتُ غيوبَهم

وإنْ هُم هَوَوا عنّي هوَيت لهم رُشدا

لهم جُلّ مالي إنْ تَتَابع لي غِنىً

وإنْ قلّ مالي لم أُكلّفهم رفدا

خصائص صلة الرحم:

ولا غرابة أنْ نلمس في هذه النصوص قوّة التركيز والتأكيد على صِلة الرحم، وذلك لِما تنطوي عليه مِن جليل الخصائص والمنافع.

فالأُسرة الرحمية تضمّ عناصرَ وأفراداً متفاوتين حالاً وأَقداراً، فيهم الغنيُّ والفقير، والقويُّ والضعيف، والوجيهُ والخامل، وهي بأسرها فرداً وجماعةً لا تستطيع أنْ تنال أماني العزّة والمنَعة والرخاء، وتُجابه مشاكل

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٤ عن الكافي.

٤٣٤

الحياة ومناوأة الأعداء بجلَدٍ وثبات، إلاّ بالتضامن والتعاطف اللذين يشُدّان أزرها ويجعلانها جبهةً متراصّةً لا تُزعزعها أعاصير المشاكل والأحداث، ولا يستطيع مكابدتها الأعداء والحسّاد.

وقد جسّدأكثم بن صيفي هذا الواقع في حكمته الشهيرة حيث:

( دعى أبناءه عند موته، فاستدعى إضمامةً مِن السهام، فتقدّم إلى كلّ واحد منهم أنْ يكسرها فلم يقدر أحدٌ على كسرها.

ثمّ بدّدها فتقدّم إليهم أنْ يكسروها فاستسهلوا كسرها، فقال:

كونوا مجتمعين ليعجز مِن ناوأكم عن كسرِكم كعجزِكم عن كسرها مجتمعة، فإنّكم إنْ تفرقتم سهل كسركم وأنشد:

كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى

خطب ولا تتفرّقوا آحادا

تأبى القداح إذا اجتمعن تكسّراً

وإذا افترقن تكسّرت أفرادا

هذا إلى ما في صِلة الرحم مِن جليل الخصائص والآثار التي أوضحتها النصوص السالفة.

فهي:

مدعاة لحبّ الأقرباء وعطفهم وإيثارهم وموجبةً لطيلة العمُر، ووفرة المال، وزكاة الأعمال الصالحة ونحوها في الرصيد الأُخروي، ومنجاة من صروف الأقدار والبلايا.

قطيعة الرحم:

وهي:

فعل ما يسخط الرحم ويؤذيه قولاً أو فعلاً، كسبه واغتيابه وهجره

٤٣٥

وقطع الصلات الماديّة وحرمانه مِن مشاعر العطف والحنان.

وتعتبر الشريعة الإسلاميّة قطيعة الرحم جرماً كبيراً وإثماً ماحقّاً توعد عليها الكتاب والسنّة.

قال تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) ( محمّد: ٢٢ ).

وقال سُبحانه:( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ( البقرة: ٢٧ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أربعةٌ أسرع شيءٍ عقوبة: رجلٌ أحسنت إليه فكافأك بالإحسان إساءة، ورجلٌ لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجلٌ عاهدتّه على أمرٍ فوفّيت له وغدَر بك، ورجلٌ وصل قرابته فقطعوه )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( في كتابِ عليّعليه‌السلام ثلاثُ خِصال لا يموت صاحبهنّ أبداً، حتّى يرى وبالهُنّ: البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يُبارز اللّه بها.

وإنْ أعجل الطاعات ثواباً لصِلة الرحم، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمو أموالهم ويَثرون، وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتَذَران الديار بلاقع مِن أهلها، وتثقل الرحم، وإنْ ثقل الرحم انقطاع النسل )(٢).

_____________________

(١) الوافي ج ١٤ ص ٤٧ من وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام .

(٢) الوافي ج ٣ ص ص ١٥٦ عن الكافي.

٤٣٦

وعن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام قال: قُلت له: ( إنّ إخوتي وبني عمّي قد ضيّقوا عليّ الدار والجأوني منها إلى بيت، ولو تكلّمت أخذت ما في أيديهم ).

قال: فقال لي: ( اصبر فإنّ اللّه سيجعل لك فرجاً ).

قال: فانصرفت، ووقَع الوباء سنة ( ١٣١ هجري ) فماتوا واللّه كلّهم فما بقيَ منهم احد.

قال: فخرجت فلمّا دخلت عليه قال: ( ما حال أهل بيتك ؟)

قال: قلت: قد ماتوا واللّه كلّهم، فما بقيَ منهم أحد.

فقال: ( هو بما صنعوا بك، وبعقوقهم إيّاك وقطع رحمهم بُتروا، أتحبُّ أنّهم بقوا وأنّهم ضيقوا عليك )، قال: قلت أي واللّه(١).

وفي خبَر شُعيب العقرقوفي في دخول يعقوب المغزَلي على موسى بن جعفرعليه‌السلام وقولهعليه‌السلام له: ( يا يعقوب، قدِمت أمس ووقَع بينك وبين أخيك شرٌّ في موضع كذا وكذا حتّى شتَم بعضكم بعضاً، وليس هذا ديني ولا دين آبائي، ولا نأمر بهذا أحداً مِن الناس، فاتّق اللّه وحده لا شريك له، فإنّكما ستفترقان بموت، أما إنّ أخاك سيموت في سفَرِه قبل أنْ يصل إلى أهله، وستندم أنت على ما كان منك، وذلك أنّكما تقاطعتما فبَتَر اللّه أعماركما ).

فقال له الرجل: فأنا - جُعلت فداك - متى أجلي ؟

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٥١٦ عن الكافي.

٤٣٧

فقالعليه‌السلام : ( أما إنّ أجلَك قد حضَر، حتّى وصَلْت عمّتك بما وصلْتها به في منزل كذا وكذا فزيد في أجلَك عشرون ).

قال شعيب: فأخبرني الرجل ولقيته حاجّاً، أنّ أخاه لم يصِل إلى أهله حتّى دفنه في الطريق )(١).

مساوئ قطيعة الرحم:

ونستنتج مِن هذه النصوص أنّ لقطيعة الرحم مغبّةً سيّئةً وآثاراً خطيرة تنذر القاطع وتعاجله بالفناء، وقصف الأعمار، ومحق الديار، والخسران المبين في دينه ودنياه.

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٥١٦ عن الكافي.

٤٣٨

حقوق الأصدقاء

فضل الأصدقاء

الإنسان مدنيّ بالطبع، لا يستطيع اعتزال الناس والانفراد عنهم ؛ لأنّ اعتزالهم باعثٌ على استشعار الغُربة والوحشة والإحساس بالوَهن والخُذلان إزاء طوارئ الأحداث وملمّات الزمان.

مِن أجل ذلك كان الإنسان توّاقاً إلى اتّخاذ الخلاّن والأصدقاء، ليكونوا له سنَداً وسلواناً، يسرون عنه الهموم ويُخفّفون عنه المتاعب، ويشاطرونه السرّاء والضرّاء.

وقد تضافرت دلائل العقل والنقل على فضل الأصدقاء والترغيب فيهم، وإليك طرفاً منها:

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديث له: ( عليك بإخوان الصدق، فأكثر من اكتسابهم، فإنّهم عدّة عند الرخاء، وجنّة عند البلاء )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( لقد عظُمت منزلة الصديق، حتّى إنّ أهل النار يستغيثون به ويدعونه قبل القريب الحميم ).

قال اللّه سُبحانه مخبراً عنهم:( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ

_____________________

(١) البحار كتاب العشرة ص ٥١ عن أمالي الشيخ الصدوق.

٤٣٩

حَمِيمٍ ) (١) ( الشعراء: ١٠٠ - ١٠١).

وقال بعض الحكماء: ( إنّ إخوان الصدق هُم خيرُ مكاسب الدنيا، زينةٌ في الرخاء، وعدّة في الشدّة، ومعونةٌ على خير المعاش والمعاد ).

وقيل الحكيم: ( أيّما أحبّ إليك، أخوك أمّ صديقك ؟

فقال: إنّما أحبّ أخي إذا كان صديقاً لي.

واقع الصداقة والأصدقاء:

قد يحسِب الناس أنّ الصديق هو مَن يحسن مجاملتهم ويظهر البشاشة والتودّد إليهم، ويعتبرونه خِلاّ ًوفيّاً وصديقاً حميماً، فإذا اختبروا في واقعة، أسفر عن صديق مزيّف، وخلٍّ مُخادع عاطلٍ مِن خِلال الصداقة الحقّة وواقعها الأصيل.

ومِن هنا كثُرت شكاوى الأُدباء قديماً وحديثاً مِن تنكّر الأصدقاء وجفائهم وخذلانهم،رغم ما يكنّونه لهم مِن حبٍّ وإخلاص.

وأغلب الظنّ أنّ سبب تلك المأساة أمران:

الأوّل: الجهل بواقع الصداقة والأصدقاء، وعدم التمييز بين خصائص وخِلال الواقعيّين مِن المزيّفين منهم.

الثاني: اتّصاف أغلب الأصدقاء بنقاط الضعف الشائعة في الأوساط

_____________________

(١) البحار كتاب العشرة ص ٥١ عن أمالي ابن الشيخ الطوسي.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517