أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333127 / تحميل: 11873
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( احكام الحج )

الحج من أهم الفرائض في الشريعة الاسلامية ، قال الله تعالى( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) وفي المروي عن الامام الصادقعليه‌السلام أنه قال : ( من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تُجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ).

( مسألة 523 ) : يجب الحج على البالغ العاقل المستطيع ، وتتحقق الاستطاعة بتوفر الاُمور التالية :

1 ـ سلامة البدن ، بمعنى ان يكون متمكناً من مباشرة الحج بنفسه ، فالمريض أو الهرم ـ اي كبير السن ـ الذي لا يتمكن من أداء الحج إلى آخر عمره ، أو كانت مباشرته لأداء الحج موجبةً لوقوعه في حرج شديد لا يتحمل عادة لا يجب عليه الحج بنفسه.

2 ـ تخلية السرب : ويقصد بها ان يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً ، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى اماكن أداء المناسك ، وكذلك لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض والا لم يجب الحج.

وإذا كان طريق الحج مغلقاً أو غير مأمون الا لمن يدفع مبلغاً من المال فان كان بذله مُجحِفاً بحال الشخص لم يجب عليه ذلك والا وجب وان كان المبلغ معتداً به.

٢٢١

3 ـ النفقة ، ويقصد بها كل ما يحتاج اليه في سفر الحج من تكاليف الذهاب والاياب ـ أو الذهاب فقط لمن لا يريد الرجوع إلى بلده ـ وأجور المسكن وما يصرف خلال ذلك من المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

4 ـ الرجوع إلى الكفاية ، وهو ان يتمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته بحيث لا يحتاج إلى التكفف ولا يقع في الشدة والحرج بسبب الخروج إلى الحج وصرف ما عنده من المال في سبيله.

5 ـ السعة في الوقت ، بان يكون له متسع من الوقت للسفر إلى الأماكن المقدسة واداء مناسك الحج فلو حصل له المال الكافي لأداء الحج في وقت متأخر لا يتسع لتهيئة متطلبات السفر إلى الحج ـ من تحصيل الجواز والتأشيرة ونحو ذلك ـ أو كان يمكن ذلك ولكن بحرج ومشقة شديدة لا تتحمل عادة ففي هذه الحالة لا يجب عليه الحج في هذا العام ، وعليه أن يحتفظ بماله لأداء الحج في عام لاحق إذا كان محرزاً تمكنه من ذلك من دون عوائق اخرى وكان التصرف فيه يخرجه عن الاستطاعة بحيث لا يتيسر له التدارك ، واما مع عدم احراز التمكن من الذهاب لاحقاً أو تيسر تدارك المال فلا بأس بصرفه وعدم التحفظ عليه.

( مسألة 524 ) : إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج ولكنه كان مديناً بدين مستوعب لما عنده من المال أو كالمستوعب بان لم يكن وافياً لنفقاته لو اقتطع منه مقدار الدين ـ لم يجب عليه الحج ، الا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً كخمسين سنة مثلاً.

( مسألة 525 ) : إذا وجب عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرها من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها ولم يجز له تأخيرها لأجل السفر إلى

٢٢٢

الحج ، ولو كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطوف من المال الذي تعلق به الخمس أو نحوه من الحقوق لم يصحا على الأحوط لزوماً ، ولو كان ثمن هدية من ذلك المال لم يجزئه إلاّ إذا كان الشراء بثمن في الذمة والوفاء من ذلك المال.

( مسألة 526 ) : تجب الاستنابة في الحج اي ارسال شخص للحج عن غيره في حالات ثلاث :

أ ـ إذا كان الشخص قادراً على تأمين نفقة الحج ولكنه كان في حال لا يمكنه معها فعل الحج لمرض ونحوه.

ب ـ إذا كان متمكناً من ادائه بنفسه فتسامح ولم يحج حتى ضعف عن الحج وعجز عنه بحيث لا يأمل التمكن منه لاحقاً.

ج ـ إذا كان متمكناً من أداء الحج ولم يحج حتى مات فيجب ان يستأجر من تركته من يحج عنه.

( مسألة 527 ) : الحج على ثلاثة أنواع : حج التمتع ، وحج الافراد ، وحج القران ، والأول هو وظيفة كل من كان محل سكناه يبعد عن مكة المكرمة اكثر من ثمانية وثمانين كيلومترا ، والآخران وظيفة من كان من اهل مكة أو من كانت المسافة بين محل سكناه ومكة اقل من المقدار المذكور كالمقيمين في جدة.

( مسألة 528 ) : يتألف حج التمتع من عبادتين الأولى ( العمرة ) والثانية ( الحج ) وتجب في عمرة التمتع خمسة أمور حسب الترتيب الآتي :

1 ـ الإحرام بالتلبية.

٢٢٣

2 ـ الطواف حول الكعبة المعظمة سبع مرات.

3 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

4 ـ السعي بين الصفا والمروة سبع مرات.

5 ـ التقصير بقص شيء من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب.

ويجب في حج التمتع ثلاثة عشر أمراً :

1 ـ الاحرام بالتلبية.

2 ـ الوقوف في عرفات يوم التاسع من ذي الحجة من زوال الشمس إلى غروبها.

3 ـ الوقوف في المزدلفة مقداراً من ليلة العيد إلى طلوع الشمس.

4 ـ رمي جمرة العقبة يوم العيد سبع حصيات.

5 ـ الذبح والنحر في يوم العيد أو فيما بعده إلى آخر أيام التشريق في منى.

6 ـ حلق شعر الرأس او التقصير في منى.

7 ـ الطواف بالبيت طواف الحج.

8 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

9 ـ الطواف بالبيت طواف النساء.

11 ـ صلاة طواف النساء.

12 ـ المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

٢٢٤

( مسألة 529 ) : يتألف حج الافراد من الامور الثلاثة عشر المذكور لحج التمتع باستثناء ( الذبح والنحر ) فانه ليس من اعماله ، كما يشترك حج القرآن مع حج الافراد في جميع الأعمال باستثناء أن المكلف يصحب معه الهدي وقت احرامه لحج القران ، وبذلك يجب الهدي عليه ، والاحرام له كما يصح ان يكون بالتلبية يصح ان يكون بالإشعار والتقليد.

ثم ان من تكون وظيفته حج الافراد أو حج القران يجب عليه أداء العمرة المفردة ايضاً إذا تمكن منها بل إذا تمكن منها ولم يتمكن من الحج وجب عليه اداؤها ، وإذا تمكن منهما معاً في وقت واحد فالأحوط لزوماً تقديم الحج على العمرة المفردة.

وتشترك عمرة المفردة مع عمرة التمتع في الامور الخمسة المذكورة ويضاف اليها : الطواف بالبيت طواف النساء وصلاة هذا الطواف خلف مقام إبراهيم ويتخير الرجل فيها بين التقصير والحلق ولا يتعين عليه التقصير كما في عمرة التمتع.

( مسألة 530 ) : كل واحد من افعال العمرة والحج ـ باقسامهما المذكورة ـ عمل عبادي لا بد من ادائه تخضعاً لله تعالى ، ولها الكثير من الخصوصيات والاحكام مما تكفلت لبيانها رسالة ( مناسك الحج ) فعلى من يروم ادائها ان يتعلم احكامها بصورة وافية لئلا يخالف وظيفته فينقص أو يبطل حجّه أو عمرته.

٢٢٥

٢٢٦

( أحكام زكاة المال )

الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدّس بها ، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في غير واحد من الآيات الكريمة ، وهي احدى الخمس التي بني عليها الإسلام ، وقد ورد أن الصلاة لا تقبل من مانعها ، وإنَّ من منع قيراطاً من الزكاة فليمت ان شاء يهودياً أو نصرانياً ، وهي على قسمين : زكاة الأموال ، وزكاة الأبدان ( زكاة الفطرة ) وسيأتي بيان القسم الثاني بعد ذلك.

( مسألة 531 ) : تجب الزكاة في اربعة اشياء :

(1) في الأنعام : الغنم بقسميها المعز والضأن ، والإبل ، والبقر ومنه الجاموس.

(2) في النقدين : الذهب والفضة.

(3) في الغلاّت : الحنطة والشعير ، والتمر والزبيب.

(4) في مال التجارة على ـ الأحوط وجوباً ـ.

ويعتبر في وجوبها في الجميع أمران :

( الأوّل ) : الملكية الشخصية ، فلا تجب في الأوقاف العامة ، ولا في المال الذي أوصى بان يصرف في التعازي أو المساجد ، أو المدارس ونحوها.

( الثاني ) : ان لا يكون محبوساً عن مالكه شرعاً ، فلا تجب الزكاة في الوقف الخاص ، والمرهون وما تعلق به حق الغرماء ، وأما المنذور التصدق به فتجب فيه الزكاة ولكن يلزم اداؤها من مال آخر لكي لا ينافي الوفاء بالنذر.

٢٢٧

( زكاة الحيوان )

( مسألة 532 ) : يشترط في وجوب الزكاة في الأنعام أمور : فلا تجب بفقدان شيء منها :

(1) استقرار الملكية في مجموع الحول ، فلو خرجت عن ملك مالكها اثناء الحول لم تجب فيها الزكاة ، والمراد بالحول هنا مضي احد عشر شهراً والدخول في الشهر الثاني عشر ـ وان كان الحول الثاني يبدأ من بعد انتهائه ـ وابتداء السنة فيها من حين تملّكها وفي نتاجها من حين ولادتها.

(2) تمكّن المالك ، أو وليّه من التصرف فيها في تمام الحول ، فلو غصبت أو ضلت ، أو سرقت فترة يعتد بها عرفاً لم تجب الزكاة فيها.

(3) السوم ، فلو كانت معلوفة ـ ولو في بعض السنة ـ لم تجب فيها الزكاة ، نعم لا يقدح في صدق السوم علفها قليلاً ، والعبرة فيه بالصدق العرفي ، وتحسب مدة رضاع النتاج من الحول وان لم تكن امهاتها سائمة.

(4) بلوغها حد النصاب ، وسيأتي بيانه.

( مسألة 533 ) : صدق السائمة على ما رعت من الأرض المستأجرة ، او المشتراة للرعي محل اشكال ، فثبوت الزكاة فيها مبني على ـ الاحتياط اللزومي ـ.

( مسألة 534 ) : لا يشترط في وجوب الزكاة في البقر والإبل زائداً على كونها سائمة ان لا تكون عوامل على ـ الأحوط لزوماً ـ فلو استعملت في

٢٢٨

السقي ، أو الحرث ، أو الحمل ، أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط باخراج زكاتها ، وإذا كان استعمالها من القلة بحد يصدق عليها انها فارغة ـ وليست بعوامل ـ وجبت فيها الزكاة بلا اشكال.

( مسألة 535 ) : في الغنم خمسة نصب :

(1) اربعون ، وفيها شاة.

(2) مائة واحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

(3) مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) ثلاثمائة وواحدة ، وفيها اربع شياه.

(5) اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة ، وما بين النصابين في حكم النصاب السابق ـ والأحوط لزوماً ـ في الشاة المخرجة زكاة ان تكون داخلة في السنة الثالثة ان كانت معزاً ، وان تكون داخلة في السنة الثانية ان كانت ضأناً.

( مسألة 536 ) : في الإبل اثنا عشر نصاباً :

(1) خمس ، وفيها شاة.

(2) عشرة ، وفيها شاتان.

(3) خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) عشرون ، وفيها اربع شياه.

(5) خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

(6) ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

(7) ست وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

٢٢٩

(8) ست واربعون ، وفيها حقة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

(9) احدى وستون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

(10) ست وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

(11) احدى وتسعون وفيها حقتان.

(12) مائة واحدى وعشرون فصاعداً ، وفيها حقة لكل خمسين ، وبنت لبون لكل اربعين ، بمعنى انه يتعين عدها بالأربعين اذا كان عادَّاً لها بحيث اذا حسبت به لم تكن زيادة ولا نقيصة ، كما اذا كانت مائة وستين رأساً ، ويتعين عدها بالخمسين اذا كان عاداً لها ـ بالمعنى المتقدم ـ كما اذا كانت مائة وخمسين رأساً ، وان كان كل من الأربعين والخمسين عاداً كما اذا كانت مأتي رأس تخير المالك في العدّ بأيّ منهما ، وان كانا معاً عادين لها وجب العد بهما كذلك كما اذا كانت مأتين وستين رأساً فيحسب خمسينين واربع اربعينات.

( مسألة 537 ) : في البقر نصابان :

(1) ثلاثون ، وزكاتها ما دخل منها في السنة الثانية ـ والأحوط لزوماً ـ ان يكون ذكراً.

(2) اربعون ، وزكاتها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفي ما زاد على اربعين يعد بثلاثين أو أربعين على التفصيل المتقدم ، وما بين النصابين في البقر والإبل في حكم النصاب السابق كما تقدم في الغنم.

( مسألة 538 ) : اذا تولى المالك اخراج زكاة ماله لم يجز له اخراج المريض زكاة اذا كان جميع النصاب في الانعام صحاحاً ، كما لا يجوز له

٢٣٠

اخراج المعيب اذا كان النصاب باجمعه سليماً ، وكذلك لا يجوز له اخراج الهرم اذا كان كان الجميع شباباً ، بل الأمر كذلك مع الاختلاف على ـ الأحوط لزوماً ـ نعم إذا كان جميع افراد النصاب مريضاً ، أو معيباً أو هرماً جاز له الإخراج منها.

( مسألة 539 ) : اذا ملك من الأنعام بمقدار النصاب ثم ملك مقداراً آخر بنتاج او شراء او غير ذلك ، ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون ملكه الجديد بعد تمام الحول لما ملّكه أولاً ، ففي هذه الصورة يبتدئ الحول للمجموع ، مثلاً إذا كان عنده من الابل خمس وعشرون ، وبعد انتهاء الحول ملك واحدة فحينئذٍ يبتدئ الحول لست وعشرين.

( الثانية ) : ان يكون ملكه الجديد اثناء الحول ، وكان هو بنفسه بمقدار النصاب ، ففي هذه الصورة لا ينضم الجديد إلى الملك الأوّل ، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده ـ وان كان الملك الجديد مكملاً للنصاب اللاحق على الأحوط لزوماً ـ ، فإذا كان عنده خمس من الابل فملك خمساً اخرى بعد مضي ستة اشهر ، لزم عليه اخراج شاة عند تمام السنة الأولى ، واخراج شاة اخرى عند تمام السنة من حين تملكه الخمس الاُخرى ، واذا كان عنده عشرون من الابل وملك ستة في اثناء حولها فالأحوط لزوماً ان يعتبر للعشرين حولاً وللستة حولاً آخر ويدفع على رأس كل حول فريضته.

( الثالثة ) : ان يكون ملكه الجديد مكملا للنصاب اللاحق ولا يعتبر نصاباً مستقلاً ، ففي هذه الصورة يجب اخراج الزكاة للنصاب الأوّل عند انتهاء سنته ، وبعده يضم الجديد الى السابق ، ويعتبر لهما حولا واحداً ، فاذا ملك ثلاثين من البقر ، وفي اثناء الحول ملك احد عشر رأساً من البقر

٢٣١

وجب عليه ـ بعد انتهاء الحول ـ اخراج الزكاة للثلاثين ويبتدئ الحول للاربعين.

( الرابعة ) : ان لا يكون ملكه الجديد نصاباً مستقلاً ولا مكملاً للنصاب اللاحق ، ففي هذه الصورة لا يجب عليه شيء لملكه الجديد ، وان كان هو بنفسه نصاباً لو فرض انه لم يكن مالكاً للنصاب السابق ، فاذا ملك اربعين رأساً من الغنم ثم ملك اثناء الحول اربعين غيرها لم يجب شيء في ملكه ثانياً ما لم يصل إلى النصاب الثاني.

( مسألة 540 ) : إذا كان مالكاً للنصاب لا أزيد ـ كاربعين شاة مثلاً ـ فحال عليه ، احوال فان اخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، وان اخرجها منه أو لم يخرجها اصلاً لم تجب الا زكاة سنة واحدة ، ولو كان عنده ازيد من النصاب ـ كأن كان عنده خمسون شاة ـ وحال عليه احوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى ان ينقص عن النصاب.

( مسألة 541 ) : لا يجب اخراج الزكاة من شخص الأنعام التي تعلقت الزكاة بها ، فلو ملك من الغنم اربعين جاز له ان يعطي شاة من غيرها زكاة.

٢٣٢

( زكاة النقدين )

يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة أمور :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا تجب الزكاة في النقدين من اموال الصبي والمجنون.

( الثاني ) : بلوغ النصاب ، ولكل منهما نصابان ، ولا زكاة فيما لم يبلغ النصاب الأوّل منهما ، وما بين النصابين بحكم النصاب السابق ، فنصابا الذهب : خمسة عشر مثقالاً صيرفياً ، ثم ثلاثة فثلاثة ، ونصابا الفضة : مائة وخمسة مثاقيل ، ثم واحد وعشرون ، فواحد وعشرون مثقالاً وهكذا ، والمقدار الواجب اخراجه في كل منهما ربع العشر ( 2.5%).

( الثالث ) : ان يكونا من المسكوكات النقدية التي يتداول التعامل بها سواء في ذلك السكة الاسلامية وغيرها ، فلا تجب الزكاة في سبائك الذهب والفضة ، والحلي المتخذة منهما ، وفي غير ذلك مما لا يكون مسكوكاً او يكون من المسكوكات القديمة الخارجة عن رواج المعاملة.

وبذلك يعلم انه لا موضوع لزكاة الذهب والفضة في العصر الحاضر الذي لا يتداول فيه التعامل بالعملات النقدية الذهبية والفضية.

( الرابع ) : مضي الحول ، بان يبقى في ملك مالكه واجداً للشروط تمام الحول ، فلو خرج عن ملكه اثناء الحول ، أو نقص عن النصاب ، او الغيت سكته ـ ولو بجعله سبيكة ـ لم تجب الزكاة فيه ، نعم لو ابدل الذهب

٢٣٣

المسكوك بمثله ، أو بالفضة المسكوكة ، أو ابدل الفضة المسكوكة بمثلها ، أو بالذهب المسكوك كلاً أو بعضاً بقصد الفرار من الزكاة وبقي واجداً لسائر الشرائط الى تمام الحول فلا يترك الاحتياط باخراج زكاته حينئذٍ ، ويتم الحول بمضي احد عشر شهراً ، ودخول الشهر الثاني عشر.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول ، فلا تجب الزكاة في المغصوب والمسروق ، والمال الضائع فترة يعتد بها عرفاً.

٢٣٤

( زكاة الغلات الأربع )

يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات الأربع أمران :

( الأوّل : بلوغ النصاب ) ولها نصاب واحد وهو ثلاثمائة صاع ، وهذا يقارب ـ فيما قيل ـ ثمانمائة وسبعة واربعين كيلو غراماً(1) ، ولا تجب الزكاة في ما لم يبلغ النصاب ، فاذا بلغه وجبت فيه وفي ما يزيد عليه ، وان كان الزائد قليلاً.

( الثاني : الملكية حال تعلق الزكاة بها ) فلا زكاة فيها اذا تملكها الانسان بعد تعلق الزكاة بها.

( مسألة 542 ) : تتعلق الزكاة بالغلات حينما يصدق عليها اسم الحنطة

__________________

(1) ان نصاب الغلات قد حدد في النصوص الشرعية بالمكاييل التي كانت متداولة في العصور السابقة ولا تعرف مقاديرها اليوم بحسب المكاييل السائدة في هذا العصر ، كما لا يمكن تطبيق الكيل على الوزن بضابط عام يطرد في جميع انواع الغلات لانها تختلف خفة وثقلاً بحسب طبيعتها ولعوامل اُخرى ، فالشعير اخف وزناً من الحنطة بكثير كما ان ما يستوعبه المكيال من التمر غير المكبوس أقل وزناً مما يستوعبه من الحنطة لاختلاف افرادهما في الحجم والشكل مما تجعل الخلل والفُرَج الواقعة بين أفراد التمر ازيد منها بين افراد الحنطة ، بل ان نفس افراد النوع الواحد تختلف في الوزن بحسب اختلافها في الصنف وفي نسبة ما تحملها من الرطوبة ، ولذلك لا سبيل إلى تحديد النصاب بوزن موحد لجميع الانواع والاصناف ، ولكن الذي يسهل الأمر ان المكلف اذا لم يحرز بلوغ ما ملكه من الغلة حد النصاب لا يجب عليه اخراج الزكاة منه ومع كونه بالمقدار المذكور في المتن يقطع ببلوغه النصاب على جميع التقادير والمحتملات.

٢٣٥

أو الشعير ، أو التمر أو العنب ، إلاّ أن المناط في اعتبار النصاب بلوغها حده بعد يبسها ، حين تصفية الحنطة والشعير من التبن ، واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فاذا كانت الغلة حينما يصدق عليها احد هذه العناوين بحد النصاب ، ولكنها لا تبلغه حينذاك لجفافها لم تجب الزكاة فيها.

( مسألة 543 ) : لا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بُسراً ( خلالاً ) أو رطباً وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمراً ، وأمّا ما يؤكل ويصرف من ثمر الكرم عنباً فيجب إخراج زكاته لو كان بحيث لو بقي وصار زبيباً لبلغ حد النصاب.

( مسألة 544 ) : لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلاّ مرة واحدة ، فاذا ادى زكاتها لم تجب في السنة الثانية ، ولا يشترط فيها الحول المعتبر في النقدين والأنعام.

( مسألة 545 ) : يختلف مقدار الزكاة في الغلات باختلاف الصور الآتية :

( الأولى ) : ان يكون سقيها بالمطر ، أو بماء النهر ، أو بمصّ عروقها الماء من الأرض ونحو ذلك مما لا يحتاج السقي فيه إلى العلاج ، ففي هذه الصورة يجب اخراج عشرها ( 10% ) زكاة.

( الثانية ) : ان يكون سقيها بالدلو والرشا ، والدوالي والمضخات ونحو ذلك ، ففي هذه الصورة يجب اخراج نصف العشر ( 5% ).

( الثالثة ) : ان يكون سقيها بالمطر أو نحوه تارة ، وبالدلو أو نحوه تارة اُخرى ، ولكن كان الغالب احدهما بحد يصدق عرفاً انه سقي به ، ولا يعتد بالآخر ، ففي هذه الصورة يجري عليه حكم الغالب.

٢٣٦

( الرابعة ) : ان يكون سقيها بالأمرين على نحو الاشتراك ، بان لا يزيد احدهما على الآخر ، أو كانت الزيادة على نحو لا يسقط بها الآخر عن الاعتبار ، ففي هذه الصورة يجب اخراج ثلاثة ارباع العشر ( 7.5% ).

( مسألة 546 ) : المدار في التفصيل المتقدم في الثمرة عليها لا على شجرتها ، فاذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء مثلا فلما بلغ اوان اثمارها صار يمص ماء النزيز بعروقه وجب فيه العشر 10%.

( مسألة 547 ) : إذا زرع الأرض حنطة ـ مثلاً ـ وسقاها بالمضخات أو نحوها ، فتسرّب الماء إلى ارض مجاورة فزرعها شعيراً فمصّ الماء بعروقه ولم يحتج الى سقي آخر فمقدار الزكاة في الزرع الأوّل 5% وفي الزرع الثاني 10% على ـ الأحوط لزوماً ـ ومثل ذلك ما إذا زرع الأرض وسقاها بعلاج ثم حصده وزرع مكانه شعيراً مثلا فمصّ الماء المتخلف في الأرض ولم يحتج الى سقي جديد فان ـ الأحوط لزوماً ـ ثبوت الزكاة فيه بنسبة 10%.

( مسألة 548 ) : لا يعتبر في بلوغ الغلات حدّ النصاب استثناء ما صرفه المالك في المؤن قبل تعلق الزكاة وبعده ، فلو كان الحاصل يبلغ حد النصاب ولكنه إذا وضعت المؤن لم يبلغه وجبت الزكاة فيه ، بل الأحوط لزوماً إخراج الزكاة من مجموع الحاصل من دون وضع المؤن ، نعم ما تأخذه الحكومة من اعيان الغلات لا تجب زكاته على المالك.

( مسألة 549 ) : اذا تعلقت الزكاة بالغلات لا يتعين على المالك تحمل مؤونتها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء ، فان له المخرج عن ذلك بان يسلمها الى مستحقها ، أو الحاكم الشرعي وهي على الساق ، أو على الشجر ثم يشترك معه في المؤن.

( مسألة 550 ) : لا يعتبر في وجوب الزكاة أن تكون الغلة في مكان

٢٣٧

واحد ، فلو كان له نخيل أو زرع في بلد لم يبلغ حاصله حد النصاب ، وكان له مثل ذلك في بلد آخر ، وبلغ مجموع الحاصلين في سنة حد النصاب وجبت الزكاة فيه.

( مسألة 551 ) : إذا ملك شيئاً من الغلات وتعلقت به الزكاة ثم مات وجب على الورثة إخراجها ، وإذا مات قبل تعلقها به انتقل المال باجمعه الى الورثة ، فمن بلغ نصيبه حد النصاب ـ حين تعلق الزكاة به ـ وجبت عليه ، ومن لم يبلغ نصيبه حده لم تجب عليه.

( مسألة 552 ) : من ملك نوعين من غلة واحدة كالحنطة الجيدة والرديئة ، جاز له اخراج الزكاة منهما مراعياً للنسبة ، ولا يجوز اخراج تمامها من القسم الرديء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 553 ) : إذا اشترك اثنان أو أكثر في غلة ـ كما في المزارعة وغيرها ـ لم يكف في وجوب الزكاة بلوغ مجموع الحاصل حد النصاب ، بل يختص الوجوب بمن بلغ نصيبه حده.

٢٣٨

( زكاة مال التجارة )

وهو المال الذي يتملكه الشخص بعقد المعاوضة قاصداً به الاكتساب والاسترباح ، فيجب ـ على الأحوط ـ أداء زكاته ، وهي ربع العشر ( 2.5% ) مع استجماع الشرائط التالية :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل.

( الثاني ) : بلوغ المال حد النصاب وهو نصاب احد النقدين المتقدم في ص (233).

( الثالث ) : مُضيِّ الحول عليه بعينه من حين قصد الاسترباح.

( الرابع ) : بقاء قصد الاسترباح طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية ، أو الصرف في المؤونة مثلاً في الأثناء لم تجب فيه الزكاة.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول.

( السادس ) : ان يطلب برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول ، فلو طلب بنقيصة اثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

٢٣٩

( من أحكام الزكاة )

يجب قصد القربة في أداء الزكاة حين تسليمها الى المستحق ، أو الحاكم الشرعي ، أو العامل المنصوب من قبله ، أو الوكيل في ايصالها الى المستحق ـ والأحوط استحباباً ـ استمرار النية حتى يوصلها الوكيل ، وان ادى قاصداً به الزكاة من دون قصد القربة فالأظهر تعيّنه واجزاؤه وإن أثم ، والأولى تسليم الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليصرفها في مصارفها.

( مسألة 554 ) : لا يجب اخراج الزكاة من عين ما تعلقت به فيجوز اعطاء قيمتها من النقود ، دون غيرها على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 555 ) : من كان له على الفقير دين جاز له ان يحتسبه زكاة ، سواء في ذلك موت المديون وحياته ، نعم يعتبر في المديون الميت ان لا تفي تركته باداء دينه ، أو يمتنع الورثة عن ادائه ، او يتعذر استيفاؤه لسبب آخر.

( مسألة 556 ) : يجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلامه بالحال.

( مسألة 557 ) : إذا أدى الزكاة الى من يعتقد كونه مصرفاً لها ثم انكشف خلافه استردها إذا كانت عينها باقية ، وكان له استرداد بدلها إذا تلفت العين وقد علم الآخذ ان ما اخذه زكاة ، وأما إذا لم يكن الآخذ عالماً بذلك فلا ضمان عليه ، ويجب على المالك حينئذٍ وعند عدم امكان الاسترداد في الصورة الأولى اخراج بدلها ، نعم اذا كان أداؤه بعد الفحص

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

دينار، فقالوا له: إنّ دارك تساوي خمسمِئة دينار. فقال: أبيع داري بخمسمِئة، وجوار أبي دلَف بخمسمِئة، فبلغ أبا دلَف الخبَر، فأمَر بقضاء دينه ووصله، وقال: لا تنتقل مِن جوارنا. فانظر كيف صار الجوار يُباع كما تُباع العقار ).

* * *

٤٦١

حقوق المجتمع الإسلامي

فضل المجتمع الإسلامي:

كان المجتمع الإسلامي إبّان رُقيّه وازدهاره، نموذجاً فذّاً ونمَطاً مثاليّاً بين المجتمعات العالميّة المتحضّرة، بخصائصه الرفيعة، ومزاياه الغُرّ التي بوّأته قمَم المفاخر والأمجاد، وأنشأت مِن أفراده أُسرةً إسلاميّةً مرصوصةَ الصفّ، خفّاقةَ اللواء، مرهوبةَ الجانب، موصوفةً بالفضائل والمُكرمات.

لقد كان فذّاً في عقيدته التي حوَت أسرار التوحيد، وأوضحت خصائص الإلوهيّة وصفاتها الحقّة، وجلّت واقع النبوّة والأنبياء، وفصلت حقائق المعاد، وما يجيش به مِن صوَر النعيم والعذاب.

حوَت كلّ ذلك، وصوّرته تصويراً رائعاً يستهوي العقول والقلوب ويقنع الضمائر حتّى باركها اللّه واصطفاها بين العقائد والأديان.

( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( آل عمران: ٨٥ ).

وكان فذّاً في شريعته الغرّاء، تلك التي تكاملت بها شرائع السماء وبلَغت قمّة الوحي الإلهي ما جعلها الشريعة الخالدة عبر الحياة، والدستور الأمثل للبشريّة جمعاء.

وكان فذّاً في أخلاقه، فقد ازدهرت في ربوعه القِيّم الأخلاقيّة وتكاملت

٤٦٢

حتّى أصبحَت طابعاً مميّزاً للمسلم الحقّ، كما وصفه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: ( المؤمن مَن أمنه الناسُ على أموالهم ودمائهم، والمُسلم من سلِم المسلمون مِن يدِه ولِسانه، والمُهاجر مَن هجَر السيّئات )(١).

وكان مثلاً رفيعاً في آدابه الاجتماعيّة:

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا بني، اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبِب لغَيرِك ما تُحبُّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظلِم كما لا تحبّ أنْ تُظلم، وأحسن كما تُحبُّ أنْ يُحسن إليك، واستقبح مِن نفسك ما تستقبح مِن غيرك، وارضَ مِن الناس بما ترضاه لهم مِن نفسك، ولا تقُل ما لا تعلم، وإنْ قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحبّ أنْ يُقال لك )(٢).

وكان فريداً في تآخيه: فقد أعلن مبدأ المؤاخاة وحقّقه بين أفراده بأُسلوبٍ لم تستطِع تحقيقه سائر الشرائع والمبادئ:

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات:١٠ ).

وأصبح المجتمع أُسرةٌ واحدة تستشعر روح الإخاء، وتتجاوب في عواطفها ومشاعرها، وكان ذلك مِن أعظم منجزات الإسلام وفتوحاته الإصلاحيّة.

وكان مثاليّاً في أريحيّته وتكافله: فالمسلم معنيٌّ بشؤون المجتمع والاهتمام بمصالحه، والعطف على بؤسائه ومعوزيه.

_____________________

(١) الوافي ج ١٤ ص ٤٨ عن الفقيه.

(٢) نهج البلاغة، من وصيّته لابنه الحسنعليه‌السلام .

٤٦٣

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله ): مَن أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الخلق عيالُ اللّه، وأحبُّ الخلقِ إلى اللّه مَن نفَع عيالَ اللّه، وأَدخَل على بيتٍ سروراً )(٢).

حقوق المجتمع الإسلامي:

للفرد قيمتهُ ومنزلته في المجتمع، بصفته لبنةً في كيانه، وغصناً مِن أغصان دَوحته، وبمقدار ما يَسعَد الفرد، وينال حقوقه الاجتماعيّة يَسعّد المجتمع، وتشيع فيه دواعي الطمأنينة والرخاء، وبشقائه وحِرمانه يشقَى المجتمع وتسوده عوامل البَلبَلَة والتخلّف.

لذلك كان حتماً مقضيّاً على المجتمع رعاية مصالح الفرد، وصيانة كرامته، ومنحه الحقوق الاجتماعيّة المشروعة، ليستشعر العزَّة والسكينة والرخاء، في إطار أُسرته الاجتماعيّة، وإليك أهمّ تلك الحقوق:

١ - حقُّ الحياة:

وهو حقٌّ طبيعيٌّ مقدّس يجب رعايته وصيانته، ويَعتبر الإسلام هدرَه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

٤٦٤

والاعتداء عليه جنايةً نَكراء، وجُرماً عظيماً يتوعّد عليه بالنار:( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) ( النساء: ٩٣ ).

ولم يكتفِ الإسلام بإنذار السفّاكين، ووعيدهم بالعقاب الأُخروي، فقد شرّع القَصاص مِن القاتل عمداً، والديَة عليه خطأً، حمايةً لدِماء المسلمين، وحسماً لإحداث القتل وجرائمه:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ).

وليس للإنسان أنْ يُفرّط في حياته ويزهقها بالانتحار، وإنّما يجِب عليه حفظها وصيانتها مِن الأضرار والمهالك:( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ( البقرة: ١٩٥ ).

وقد بالغ الإسلام في قدسيّة الأرواح وحمايتها، حتّى حرّم قتل الجنين وإجهاضه تخلّصاً منه، وفرَض الديَة على قاتله.

٢ - حقُّ الكرامة:

لقد شرّف اللّه المؤمن وحَباه بصنوفِ التوقير والإعزاز، وألوان الدعمِ والتأييد. فحفَظ كرامته، وصَان عِرضه، وحرّم ماله ودمه، وضمِن حقوقه، ووالى عليه ألطافه، حتّى أعلن في كتابه الكريم عنايته بالمؤمن ورعايته له في الحياة العاجلة والآجلة:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ

٤٦٥

تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) ( حم السجدة: ٣٠ - ٣١ ).

( الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) ( يونس: ٦٣ - ٦٤ ).

( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) ( غافر:٥١ ).

وحرّم الإسلام بعد هذا كلّ ما يبعث على استهانة المؤمن، وخدْشِ كرامته وتلويث سُمعته باغتيابه والتجسّس عليه، والسخريةِ منه ؛ ليُطهّر المجتمع الإسلامي مِن عوامل التباغض والفُرقه. ولِيُشِع في رُبوعه مفاهيم العزّة والكرامة.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) ( الحجرات: ١٢).

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( الحجرات: ١١ ).

وهكذا حرص الإسلام على إعزاز المؤمن وحماية شرفه وكرامته حتّى بعد وفاته، فجعَل حُرمته ميّتاً كحرمتهِ حيّاً، وفرَض على المسلمين تجهيزه بعد الممات وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وحرّم كلّما يثلب كرامته كالمُثلة به ونبشِ قبره، واستغابته والطعن فيه.

٤٦٦

وقد جهد الإسلام في حماية المسلمين، وضمان كرامتهم فرداً ومجتمعاً،ماديّاً وأدبيّاً:

فشرّع الحدود والديات صيانةً لأرواحهم وأموالهم وحرماتهم، وردعاً للمجرمين العابثين بأمنِ المجتمع ومقدّراته.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ).

( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ) ( المائدة: ٣٣ ).

وبالَغ الإسلام في عقوبة الزاني لاستهتاره بقُدسيّة أعراض الناس، وانتهاكه صميم كرامتهم وشرفهم.

( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) ( النور: ٢ ).

وقرّر الحدّ الصارم على السارق حسماً لإجرامه وحِرصاً على أمن المسلمين واطمئنانهم.

( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ ) ( المائدة: ٣٨ ).

وهكذا أعلن أهل البيتعليهم‌السلام شرف المؤمن وعزّته، وأحاطوه بهالة مِن التوقير والإجلال وألوان الحصانة والصيانة:

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه

٤٦٧

وآله ): سُباب المؤمن فسوق، وقتالُه كُفر، وأكلُ لحمه مَعصية، وحُرمة مالهِ كحُرمة دمِه )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال اللّه عزّ وجل: مَن أهان لي وليّاً، فقد أرصد لمُحاربتي. وما تقرّب إليّ عبدٌ بشيءٍ أحبُّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمَع به، وبصره الذي يُبصرُ به، ولِسانه الذي ينطق به، ويدُه التي يَبطش بها، إنْ دعاني أجبته، وإنْ سألني أعطَيته، وما تردّدت عن شيءٍ إنّا فاعله كتردّدي عن موت عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته )(٢).

وعنهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر مَن أسلَم بلسانه، ولم يخلُص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه مَن يتّبع عوراتهم يتّبع اللّه عورته، ومَن يتّبع اللّه عورته يفضَحه ولو في بيته )(٣).

وعنهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أذاع فاحشةً كان كمبتدئها

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٤١ عن الكافي.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤١ عن الكافي.

(٣) البحار كتاب العشرة ص ١٧٧ عن الكافي.

٤٦٨

ومَن عيّر مؤمناً بشيءٍ، لم يمُت حتّى يركبه )(١).

٣ - حقُّ الحريّة:

والحريّة هي: انعتاق الإنسان وتحرّره مِن أسرِ الرقّ والطغيان، وتمتّعه بحقوقه المشروعة. وهي مِن أقدَس الحقوق وأجلّها خطراً، وأبلغُها أثَراً في حياة الناس.

لذلك أقرّ الإسلام هذا الحقَّ وحرَص على حمايته وسيادته في المجتمع الإسلامي.

وليست الحريّة كما يفهمها الأغرار: هي التحلّل مَن جميع النظم والضوابط الكفيلة بتنظيم المجتمع، وإصلاحه وصيانة حقوقه وحُرُماته، فتلك هي حريّة الغاب والوحوش الباعثة على فساده وتسيّبه.

وإنّما الحريّة الحقّة هي: التمتّع بالحقوق المشروعة التي لا تناقض حقوق الآخرين ولا تجحف بهم.

وإليك طرفاً مِن الحريّات:

أ - الحريّة الدينيّة:

فمِن حقِّ المسلم أنْ يكون حرّاً طليقاً في عقيدته وممارسة عباداته، وأحكام شريعته. فلا يجور قسره على نبذها أو مخالفة دستورها، ويُعتبر ذلك عدواناً صارخاً على أقدَس الحرّيات، وأجلّها خطراً في دنيا الإسلام

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٦٣ عن الكافي.

٤٦٩

والمسلمين. وعلى المسلم أنْ يكون صُلباً في عقيدته، صامداً إزاء حملات التضليل التي يشنّها أعداء الإسلام، لإغواء المسلمين وإضعاف طاقاتهم ومعنويّاتهم.

ب - الحريّة المدنيّة:

ومِن حقّ المسلم الرشيد أنْ يكون حرّاً في تصرّفاته، وممارسة شؤونه المدنيّة، فيستوطن ما أحبّ مِن البلدان، ويختار ما شاء من الحرف والمكاسب ويتخصّص فيما يهوى مِن العلوم، وينشئ ما أراد مِن العقود، كالبيع والشراء والإجارة والرهن ونحوها. وهو حرٌّ في مزاولة ذلك على ضوء الشريعة الإسلاميّة.

ج - حريّة الدعوة الإسلاميّة:

وهذه الحريّة تخصّ الأكفاء مِن المسلمين القادرين على نشر التوعية الإسلاميّة، وإرشاد المسلمين وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. وذلك ما يبعث على تصعيد المجتمع الإسلامي ورقيّه دينيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً، ويعمل على وقايته وتطهيره مِن شرور الرذائل والمنكرات.

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( آل عمران: ١٠٤ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( لا يزال الناسُ بخيرٍ ما أمروا بالمعروف، ونهَوا عن المُنكر، وتعاونوا

٤٧٠

على البرِّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعَت منهم البرَكات، وسُلّط بعضُهم على بعض، ولم يكُن لهم ناصرٌ في الأرض ولا في السماء )(١) .

٤ - حقُّ المساواة:

كانت الأُمَم العالميّة تعيش حياة مُزرية، تسودُها الأُثرة والأنانيّة، وتُفرّقها نوازع الامتيازات الطبقيّة. فكان التفاوت الطبَقي مِن أبرَز مظاهر العرَب الجاهليّين، إذ كانوا يضطهدون الضُّعفاء ويستعبدونهم كالأرقّاء، ولا يؤاخذون الأشراف على جنايةٍ او جُرمٍ تمييزاً لهم عن سوَقَة الناس.

وحسبُك ما كان عليه مُلوك العرَب يومذاك مِن الأنانيّة واستذلال الناس.

( فكان عَمْر بن هِند ملِكاً عربيّاً: وقد عوّد الناس أنْ يُكلّمهم مِن وراء حِجاب، وقد استكثر على سادة القبائل أنْ تأنَف أُمّهاتهم مِن خدمته في داره.

وكان النُّعمان بن المُنذر قد بلَغ به العسف أنْ يتّخذ لنفسه يوماً للرضى، يغدِق فيه النِّعم على كلّ قادِم إليه خبط عشواء، ويوماً للغضَب يقتل فيه كلّ طالع عليه مِن الصباح إلى المساء.

ومِن القصص المشهورة: قصّة ( عمليق ) ملِك طسم وجديس.

_____________________

(١) الوافي ج ٩ ص ٢٩ عن التهذيب.

٤٧١

كان يستبيح كلّ عروسٍ قبل أنْ تُزَفُّ إلى عروسها) (١).

وهكذا كانت الأُمم الغربيّة في تمايزها الطبَقي حتّى قيام الثورة الفرنسيّة التي طفقت تنادي بالمساواة، وتحفّز عليها ممّا أيقَظ الغربيّين وأثار فيهم شعور المساواة.

ولكنّ رواسب الطبقة لا تزال عالِقة في نفوس الغربيّين تُستشَفّ مِن خلال أقوالهم وتصرّفاتهم:

فالألمانيّة النازيّة: تُقدّس الجِنس الآري، وتفضّله على سائر الأجناس البشريّة.

والأُمَم الأمريكيّة: لا يزال الصراع فيها قائماً بين البيض والسود مِن جرّاء أنانيّة البيض وترفّعهم عن مخالطة السود، ومشاركتهم في المدارس والمطاعم وسائر مرافق الحياة.

وهكذا درَجَت بريطانيا على إشاعة التفاوت الطبَقي بين البيض والملوّنين في جنوب إفريقيا، حيثُ جعلَت البيض سادةً مدلّلين، والسود أرقّاء مُستعبَدين لهم.

وكذلك نجد التمايز والتفاوت واضحَين في ظِلال الحكم الشيوعي بين العامل ورئيسه، والجندي وقائده، والفنّانين والكادحين، ولم يستطيع رغم تشدّقه بالمساواة: محو الطبقيّة بين أتباعه.

_____________________

(١) حقائق الإسلام. للعقّاد ص ١٥٠.

٤٧٢

المساواة في الإسلام

لقد شرّع الإسلام مبدأ المساواة، ونشَر ظِلاله في رُبوع المجتمع الإسلامي بأُسلوبٍ مثاليٍّ فريد، لم تستطع تحقيقه سائرُ الشرائع والمبادئ. فأفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً، أشرافاً وسَوَقَة، أغنياءً وفقراء، كلّهم في شرعة الإسلام سواسيةً كأسنان المشط، لا يتفاضلون إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ ).

والقوانين الإسلاميّة والفرائض الشرعيّة نافذةً عليهم جميعاً دون تمايز وتفريق بين الأجناس والطبَقات. وما انفك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تركيز مبدأ المساواة وتصعيده حتّى استطاع تطويره والتسامي به إلى المؤاخاة الروحيّة بين المؤمنين.

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات: ١٠ ).

حسبُك في ذلك أنّ الملوك كانوا يحسبون أنّهم فوق مستوى البشر، ويترفّعون عنهم في أبراجٍ عاجيّة يطلّون منها زهواً وكِبَراً على الناس.

يأمر القرآن الكريم سيّد المُرسلين أنْ يعلن واقعه للناس:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ( الكهف:١١٠ ).

٤٧٣

لذلك كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذرّيته الأطهار: المثل الأعلى في تطبيق مبدأ المساواة والدعوة إليه قولاً وعملاً.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ اللّه تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوةَ الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، ألا إنّ الناس مِن آدم، وآدم مِن تراب، وأكرمهم عند اللّه اتقاهم )(١).

ويُحدّثنا الرواة: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في سفَر فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول اللّه، عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ طبخها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وعليّ جمع الحطَب ).

فقالوا يا رسول اللّه، نحن نكفيك، فقال:

( قد علِمت أنّكم تكفوني، ولكن أكره أنْ أتميّز عليكم، فإنّ اللّه يكره مِن عبدهِ أنْ يراه متميّزاً بين أصحابه وقام فجمع الحطب )(٢).

ويحدّث الرواة: أنْ سوادة بن قيس قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيّام مرضه: يا رسول اللّه، إنّك لمّا أقبلت مِن الطائف استقبلتك، وأنت على ناقتك العضباء، وبيَدِك القضيب المَمْشوق، فرفعت القضيب وأنتَ تريد الراحلة فأصاب بطني، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يقتصّ منه فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه، فكشَف عن بطنه. فقال سوادة: أتأذن لي أنْ أضع فمي على بطنك، فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص مِن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله النار يوم النار، فقال

_____________________

(١) الوافي ج ١٤ في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام .

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤١٥.

٤٧٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص ؟ ) فقال: بل أعفو يا رسول اللّه.

فقال: ( اللهمّ اعفُ عن سَوادة بن قيس كما عفَى عن نبيّك محمّد )(١).

وهكذا كان أمير المؤمنينعليه‌السلام :

قال الصادقعليه‌السلام : ( لما وِلّيَ عليّعليه‌السلام صعَد المنبر فحمِد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّي لا أرزؤكم مِن فَيئكم درهماً ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أ فَتروني مانعاً نفسي ومُعطيكم ؟.

قال: فقام إليه عقيل كرّم اللّه وجهه فقال له: اللّه ! لتجعلني وأسوَد بالمدينة سَواء. فقالعليه‌السلام : اجلس أما كان هنا أحدٌ يتكلّم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلاّ بسابقةٍ أو تقوى )(٢).

( ومشى إليه ثُلّة مِن أصحابه عند تفرّق الناس عنه، وفرار كثير منهم إلى معاوية طلَباً لِما قي يدَيه مِن الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعطِ هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف مِن العرَب وقُرَيش على المَوالي والعجَم ومَن تخاف عليه مِن الناس فراره إلى معاوية.

فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : أ تأمروني أنْ أطلب النصر بالجور ؟ لا واللّه ما أفعل، ما طلَعت شمسٌ ولاحَ في السماء نجم، واللّه لو كان مالهم

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٧١.

(٢) البحار م ٩ ص ٣٥٩ عن الكافي.

٤٧٥

لي لواسَيت بينهم، وكيف وإنّما هي أموالهم )(١).

( وقال عُمَر بن الخطّاب للناس يوماً: ما قولكم لو أنّ أميرَ المؤمنين شاهدَ امرأةَ على معصية - يعني أتكفي شهادته في إقامة الحدّ عليها - ؟.

فقال له عليّ بن أبي طالب: ( يأتي بأربعةِ شهود، أو يُجلَد حدّ القذف شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين )(٢).

وفقد انبهر الكاتب الغربي( جَـب ) بمبدَأ المساواة في الإسلام، وراح يُعرِب عن إعجابه وإكباره لذلك، فقال في كتابه - مع الإسلام -:

ليس هناك أيّة هيئة سِوى الإسلام يُمكن أنْ تنجح مثله نجاحاً باهراً في تأليف هذه الأجناس البشريّة المُتنافرة في جبهةٍ واحدة أساسها المساواة.

وإذا وضعت منازعات دول الشرق والغرب العظمى موضع الدرس فلا بدّ مِن الالتجاء إلى الإسلام لحزم النزاع.

وبتقرير مبدأ المساواة استشعر المسلمون مفاهيم العزّة والكرامة، ومعاني الوئام والصفاء، وغدَوا قادة الأُمم وروّادها إلى العدل والحريّة والمساواة.

وفي الوقت الذي قرّر الإسلام فيه المساواة، فإنّه قرّرها بأُسلوبٍ منطقيٍّ حكيم يُلائم العقول النيّرة والفطَر السليمة، ويُساير مبادئه الخالدة في إشاعة العدل، وإتاحة فُرَص التكافؤ بين عامّة المسلمين، وإناطة التفاضل

_____________________

(١) البحار م ٩ ص ٥٣٣ ( بتصرّف وتلخيص ).

(٢) عن كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام، وإعلان الأُمم المتّحدة ص ٢٧ لمحمّد الغزالي.

٤٧٦

والتمايز بينهم فيما هو مقدور لهم وداخلٌ في إمكاناتهم، مِن أعمال الخير والصلاح دون ما كان خارجاً عن طاقتهم وإرادتهم، مِن وَفرة المال أو سعة الجاه.

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ ).

فهو يشرّع المساواة تحقيقاً لمبادئه العادلة البنّاءة ويقرّر التمايز كذلك نظَراً لبعض القِيَم والكفاءات التي لا يجوز إغفالها وهدرها.

( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر:٩ ).

لذلك فضّل اللّه الأنبياء بعضهم على بعض، لاختلاف كفاءتهم وجهادهم في سبيل اللّه تعالى، وإصلاح البشَر وإسعادهم.

( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) ( البقرة: ٢٥٣ ).

وفضّل العلماء على الجهّال، والمؤمنين بعضَهم على بعض، لتفاوتهم في مدارج العِلم والتُّقى والصلاح.

( يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ( المجادلة: ١١).

وهكذا فاضَل بين الناس في الرزق، لاختلاف كفاءاتهم وطاقاتهم في إجادة الأعمال، ووفرة الإنتاج، فلَيس مِن العدل مساواة الغبيّ بالذكيّ، والكسول بالمُجِد والعالِم المُخترع بالعامل البسيط، إذ المساواة والحالة هذه مدعاة لخَفق العبقريّات والمواهب وهدر الطاقات والجهود.

( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ

٤٧٧

بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) ( الزخرف: ٣٢ ).

٥ - حقّ العِلم:

للفرد قيمتُه وأثَره في المجتمع بصِفته عضواً مِن أعضائه، ولبنةً في كيانه، وعلى حسَب كفاءته ومؤهّلاته الفكريّة والجسميّة تُقاس حياة المجتمع وحالته رُقيّاً أو تخلّفاً، ازدهاراً أو خمولاً، للتفاعل القويّ بين الفرد والمجتمع.

مِن أجل ذلك دأَبت الأمَم المتحضّرة على تربية أبنائها وتثقيفهم بالعلم، حتّى فرَضوا التعليم الإجباري ويسّروه مجّاناً في مراحله الأُولى، دَعماً لحضارتهم وتصعيداً لكفاءاتهم.

وقد كان المسلمون إبّان حضارتهم مثلاً رفيعاً وقدوةً مثاليّةً في إشاعة العِلم لطلاّبه وتمجيد العُلماء وتكريمهم، حتّى استطاعت المعاهد الإسلاميّة أنْ تُخرّج أُمّةً مِن أقطاب العِلم وأعلامه.

كانوا قادةَ الفكر وبُناة الحضارة الإسلاميّة، وروّاد الأًمم إلى العلم والعرفان، وعليهم تَتلْمذ الغرب ومنهم اقتبس علمه وحضارته.

قال( سديو ) في كتابه تاريخ العرب:

- كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العِلم والفلسفة والفنون وقد نشروها اينما حلت اقدامهم، وتسربت عنهم إلى أُوربا، فكانوا هُم سبباً لنهضتها وارتقائها.

٤٧٨

وقال( جوستاف لويون ) في كتابه حضارة العرب:

- ثبت الآن أنّ تأثير العرَب في الغرب عظيمٌ كتأثيرهم في الشرق، وأنّ أوربّا مدينةٌ للعرب بحضارتها.

وكان مِن أقوى بواعث ازدهار العلوم الإسلاميّة واتّساع آفاقها، أنّ حقَّ التعليم - في المجتمع الإسلامي - كان مضموناً ومتاحاً لكلّ طالبٍ مهما كان عنصره ومستواه شريفاً أو وضيعاً، غنيّاً أو فقيراً، عربيّاً أو أعجميّاً.

وأنّ الشريعة الإسلاميّة كما فرضت على كلّ مسلمٍ طلَب العِلم والتحلّي به والانتفاع بثماره اليانعة، حتّمت على العالِم أنْ ينشر علمه ويذيعه بين المسلمين ولا يكتمه عنهم.

قال الباقرعليه‌السلام : ( عالمٌ يُنتفعُ بعلمه، أفضل مِن سبعين ألف عابد )(١).

فلَم يعرف المسلمون تلك الإثرة العلميّة، التي اتّصف بها رجال الدين الغربيّون، حتّى قيام النهضة الحديثة، وبذلك أصبَح المسلمون مَشعلاً وهّاجاً بالعِلم والعرفان.

٦ - حقّ الملكيّة:

لم يشهد التاريخ فتنةً أثارت الجدل الحادّ والنزاع الضاري كفتنة المال والملكيّة في هذا العصر، فقد انقسم العالَم فيها إلى فريقين متناحرين: أحدهما

_____________________

(١) الوافي ج ١ ص ٤٠ عن الكافي.

٤٧٩

يبيح الملكيّة الفرديّة بغير حدٍّ أو شرط، وهو الفريق الرأسمالي.

وثانيهما يستنكرها ويمنعها وهو الفريق الاشتراكي. وغدا العالَم مِن جرّاء هذَين المبدَأين المتناقضين يُعاني ضروب الأزَمات والمشاكل.

وقد حسَم الإسلام هذه الفتنة، وعالَجها علاجاً ناجحاً حكيماً، لا تجِد البشريّة أفضل منه أو بديلاً عنه لتحقيق سعادتها وسلامتها.

فهو: لا يمنع الملكيّة الفرديّة، ولا يبيحها مِن غير شرط

لا يمنعها: لأنّ الإنسان مفطور على غريزة التملّك، وحُبّ النفع الذاتي، وهما نَزعَتان راسختان في النفس، لا يستطيع الانفكاك منهما والتخلّي عنهما، وإنْ تجاهلتهما النظريّات الخياليّة التي لا تؤمن بغرائز الإنسان وميوله الفطريّة.

هي حقٌّ طبيعي يُحقّق كرامة الفرد، ويُشعره بوجوده، ويُحرّره مِن عبوديّة السلطة التي تحتكر أرزاق الناس وتستعبدهم بها.

هي حقٌّ يُفجّر في الإنسان طاقات المواهب والعبقريّات، وينفخ فيه روح الأمل والرجاء، ويُحفّزه على مضاعفة الجهود ووفرة الإنتاج وتحسينه.

وفي الوقت الذي منح الإسلام حقّ الملكيّة، فإنّه لم يمنحه على طرائق الجاهليّة الرأسماليّة، التي تُجيز اكتساب المال واستثماره بأيّ وجهٍ كان، حلالاً أم حراماً ؛ ممّا يُوجِب اجتماع المال واكتنازه في أيدٍ قليلة وحِرمان أغلَب الناس منه، ووقوعهم في أسرِ الأثرياء يتحكّمون فيهم ويستغلون جهودهم كما يشاؤون.

إنّه أباح الملكيّة بأُسلوبٍ يضمن صالح الفرد، ويَضمن صالح الجماعة

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517