أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333364 / تحميل: 11880
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

أنْ يأخذ حذره منه، وأنْ يجتهد - إذا ما داخلته أعراضه - في علاج نفسه، وتطهيرها مِن مثالبه، وإليك مُجملاً من النصائح العلاجيّة:

(١) - أنْ يعرف المتكبّر واقعه وما يتّصف به مِن ألوان الضعف والعجز: فأوّله نطفةٌ قذرة، وآخره جيفةٌ منتنة، وهو بينهما عاجز واهن، يرهقه الجوع والظمأ، ويعروه السقم والمرض، وينتابه الفقر والضُّر، ويدركه الموتُ والبِلى، لا يقوى على جلب المنافع وردّ المكاره، فحقيق بمن اتّصف بهذا الوهن، أنْ ينبذ الأنانيّة والتكبّر، مستهدياً بالآية الكريمة:( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( القصص: ٨٣ ).

فأفضل الناس أحسنهم أخلاقاً، وأكثرهم نفعاً، وأشدّهم تقوى وصلاحاً.

(٢) - أنْ يتذكّر مآثر التواضع ومحاسنه، ومساوئ التكبّر وآثامه، وما ترادف في مدح الأوّل وذمّ الثاني من دلائل العقل والنقل، قال بزر جمهر: ( وجدنا التواضع مع الجهل والبخل، أحمد عند العقلاء من الكِبَر مع الأدب والسخاء، فأنبِل بحسنة غطّت على سيئتين، وأقبح بسيّئةٍ غطّت على حسنتين )(١).

(٣) - أنْ يروّض نفسه على التواضع، والتخلّق بأخلاق المتواضعين، لتخفيف حدّة التكبّر في نفسه، وإليك أمثلةٌ في ذلك:

أ - جديرٌ بالعاقل عند احتدام الجدل والنقاش في المساجلات العلميّة أنْ يذعن لمناظره بالحقّ إذا ما ظهر عليه بحجّته، متفادياً نوازع المكابرة والعناد.

_____________________

(١) محاضرات الأُدباء للراغب.

٦١

ب - أنْ يتفادى منافسة الأقران في السبْق إلى دخول المحافل، والتصدّر في المجالس.

ج - أنْ يخالط الفقراء والبؤساء، ويبدأهم بالسلام، ويؤاكلهم على المائدة، ويجيب دعوتهم، متأسيّاً بأهل البيت ( عليهم أفضل الصلاة والسلام ).

٦٢

القناعة

وهي: الاكتفاء من المال بقدر الحاجة والكفاف، وعدم الاهتمام فيما زاد عن ذلك.

وهي: صفةٌ كريمة، تُعرِب عن عزّة النفس، وشرف الوجدان، وكرم الأخلاق.

وإليك بعض ما أُثِر عن فضائلها من النصوص:

قال الباقرعليه‌السلام : ( مَن قنع بما رزَقه اللّه فهو مِن أغنى الناس )(١) .

إنّما صار القانع من أغنى الناس ؛ لأنّ حقيقة الغنى هي: عدم الحاجة إلى الناس، والقانع راض ومكتف بما رزقه اللّه، لا يحتاج ولا يسأل سِوى اللّه.

قيل: لمّا مات جالينوس وُجد في جيبه رقعةً فيها مكتوب:( ما أكلته مقتصِداً فلجسمك، وما تصدّقت به فلِروحك، وما خلّفته فلِغيرك، والمُحسِن حيّ وإنْ نُقلَ إلى دار البلى، والمُسيء ميّت وإنْ بقي في دار الدنيا، والقناعة تستر الخِلة، والتدبير يُكثّر القليل، وليس لابن آدم أنفع من

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٧٩ عن الكافي.

٦٣

التوكّل على اللّه سبحانه )(١).

وشكى رجلٌ الى أبي عبد اللّهعليه‌السلام أنّه يطلب فيصيب، ولا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علّمني شيئاً أنتفع به. فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام ( إنْ كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها يغنيك، وإنْ كان ما يكفيك لا يُغنيك، فكلّ ما فيها لا يغنيك )(٢)

وقال الباقرعليه‌السلام : ( إيّاك أنْ يطمح بصرك إلى مَن هو فوقك فكفى بما قال الله تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ) وقال:( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...) ، فإنْ دخلك من ذلك شيءٌ، فاذكر عيش رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّما كان قوته الشعير، وحلوه التمر، ووقوده السعف إذا وجده )(٣) .

محاسن القناعة:

للقناعة أهميّة كُبرى، وأثرُ بالغ في حياة الإنسان، وتحقيق رخائه النفسي والجسمي، فهي تُحرره من عبوديّة المادّة، واسترقاق الحِرْص والطمَع، وعنائهما المرهِق، وهوانهما المُذلّ، وتنفخ فيه روح العزّة،

_____________________

(١) كشكول البهائي، طبع إيران ص ٣٧١.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٧٩ عن الكافي.

(٣) الوافي الجزء ٣ ص ٧٨ عن الكافي.

٦٤

والكرامة، والإباء، والعفّة، والترفّع عن الدنايا، واستدرار عطف اللئام.

والقانع بالكفاف أسعد حياةً، وأرخى بالاً، وأكثر دعةً واستقراراً، مِن الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، والذي لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم.

والقناعة بعد هذا تمدّ صاحبها بيقظةٍ روحيّة، وبصيرةٍ نافذة، وتحفّزه على التأهّب للآخرة، بالأعمال الصالحة، وتوفير بواعث السعادة فيها.

ومن طريف ما أُثر في القناعة:

أنّ الخليل بن أحمد الفراهيدي كان يُقاسي الضُّر بين أخصاص البصرة، وأصحابه يقتسمون الرغائب بعلمه في النواحي.

ذكروا أنّ سليمان بن عليّ العبّاسي، وجّه إليه مِن الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزاً يابساً، وقال: كُل فما عندي غيره، وما دُمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان. فقال الرسول: فما أُبلغه ؟ فقال:

أبلغ سليمان أنّي عنه في سعة

وفي غنىً غيرَ أنّي لستُ ذا مال

والفقر في النفس لا في المال فاعرفه

ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال

فالرزْقُ عن قدر لا العجز ينقصه

ولا يزيدك فيه حول محتال(١)

وفي كشكول البهائي: ( أنّه أرسل عثمان بن عفّان مع عبدٍ له كيساً مِن الدراهم إلى أبي ذرٍّ وقال له: إنْ قبِل هذا فأنت حُرّ، فأتى الغلام بالكيس إلى أبي ذرّ، وألحّ عليه في قبوله، فلم يقبل، فقال له: اقبله

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٤٢٦ بتصرّف.

٦٥

فإنّ فيه عتقي. فقال: نعم ولكن فيه رِقّي )(١).

( وكان ديوجانس الكلبي من أساطين حُكماء اليونان، وكان متقشّفاً. زاهداً، لا يقتني شيئاً، ولا يأوي إلى منزل، دعاه الاسكندر إلى مجلسه، فقال للرسول قل له: إنّ الذي منعك من المسير إلينا، هو الذي منعنا من المسير إليك، منعك استغناؤك عنّا بسلطانك، ومنعني استغنائي عنك بقناعتي )(٢).

وكتب المنصور العبّاسي إلى أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام : لِمَ لا تغشانا كما يغشانا الناس ؟ فأجابه: ( ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك مِن الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّيك بها، ولا في نقمة فنعزّيك بها ). فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا.

فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : ( من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك )(٣) .

وما أحلى قول أبي فراس الحمداني في القناعة:

إنّ الغنيّ هو الغنيُّ بنفسه

ولو أنّه عارِ المناكب حافِ

ما كلّ ما فوق البسيطة كافياً

فإذا قنعت فكلّ شيءٍ كافِ

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٤٨٣.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٤٥١.

(٣) كشكول البهائي.

٦٦

الحِرص

الحرص: هو الإفراط في حُبّ المال، والاستكثار منه، دون أنْ يكتفي بقدرٍ محدود. وهو من الصفات الذميمة، والخصال السيّئة، الباعثة على ألوان المساوئ والآثام، وحسب الحريص ذمّاً أنّه كلّما ازداد حرصاً ازدادا غباءً وغماً.

وإليك بعض ما ورد في ذمه:

قال الباقرعليه‌السلام : ( مثَل الحريص على الدنيا، مثَل دودة القز كلّما ازدادت مِن القزّ على نفسها لفاً، كان أبعد لها من الخروج، حتّى تموت غمّاً )(١).

لذلك قال الشاعر:

يفني البخيل بجمع المال مدّته

وللحوادث والأيّام ما يدع

كدودة القزّ ما تبنيه يهدمها

وغيرها بالذي تبنيه ينتفع

وقال الصادق ( عليه السالم ): ( إنّ فيما نزل به الوحي من السماء: لو أنّ لابن آدم واديَين، يسيلان ذهباً وفضّة، لابتغى لهما ثالثاً، يابن آدم إنّما بطنك بحرٌ من البحور، ووادٍ من الأودية، لا يملأه شيء إلاّ التراب )(٢).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٥٢ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٥٤ عن من لا يحضره الفقيه للصدوق ( ره ).

٦٧

وقالعليه‌السلام : ( ما ذئبان ضاريان، في غنمٍ قد فارقها رعاؤها أحدهما في أوّلها والآخر في آخرها، بأفسد فيها من حبّ المال ( الدنيا خ ل )، والشرف في دين المسلم )(١).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في ضمن وصيّته لولده الحسنعليه‌السلام : ( واعلم يقيناً أنّك لنْ تبلغ أملك، ولنْ تعدو أجلك، وأنّك في سبيل مَن كان قبلك، فخفّض في الطلب، وأجمل في المكتسَب، فإنّه رُبّ طلبٍ، قد جرّ إلى حرب، فليس كلّ طالبٍ بمرزوق، ولا كلّ مجملٍ بمحروم )(٢).

وقال الحسن بن عليّعليهما‌السلام : ( هلاك الناس في ثلاث: الكبر، والحرص، والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لُعِن إبليس، والحرص عدوّ النفس، وبه أُخرج آدم من الجنّة، والحسد رائد السوء ومنه قتَل قابيل هابيل )(٣) .

مساوئ الحرص:

وبديهي أنّه متى استبدّ الحرص بالإنسان، استرقه، وسبّب له العناء

_____________________

(١) مرآة العقول في شرح الكافي للمجلسي (ره) ج ٢ عن الكافي. ص ٣٠٣.

(٢) نهج البلاغة.

(٣) كشف الغمّة.

٦٨

والشقاء، فلا يهمّ الحريص، ولا يشبع جشعه إلاّ استكثار الأموال واكتنازها، دون أنْ ينتهي إلى حدٍّ محدود، فكلّما أدرك مأرباً طمح إلى آخر، وهكذا يلج به الحرص، وتستعبده الأطماع، حتّى يوافيه الموت فيغدو ضحيّة الغنا والخسران.

والحريص أشدّ الناس جهداً في المال، وأقلّهم انتفاعاً واستمتاعاً به، يشقى بكسبه وادخاره، وسرعان ما يفارقه بالموت، فيهنأ به الوارث، من حيث شقِيَ هو به، وحُرِم من لذّته.

والحرص بعد هذا وذاك، كثيراً ما يزجّ بصاحبه في مزالق الشبهات والمحرّمات والتورّط في آثامها، ومشاكلها الأخرويّة، كما يعيق صاحبه عن أعمال الخير، وكسب المثوبات كصلة الأرحام وإعانة البؤساء والمعوزين، وفي ذلك ضرر بالغ، وحرمان جسيم.

علاج الحرص:

وبعد أنْ عرفنا مساوئ الحرص يحسن بنا أنْ نعرض مجملاً مِن وسائل علاجه ونصائحه وهي:

١ - أنْ يتذكر الحريص مساوئ الحرص، وغوائله الدينيّة والدنيويّة وأنْ الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب.

٢ - أنْ يتأمّل ما أسلفناه من فضائل القناعة، ومحاسنها، مستجلياً سيرة العظماء الأفذاذ، من الأنبياء والأوصياء والأولياء، في زهدهم في

٦٩

الحياة، وقناعتهم باليسير منها.

٣ - ترك النظر والتطلّع إلى مَن يفوقه ثراءً، وتمتّعاً بزخارف الحياة والنظر إلى من دونه فيهما فذلك من دواعي القناعة وكبح جماح الحرص.

٤ - الاقتصاد المعاشي، فإنّه مِن أهمّ العوامل، في تخفيف حدّة الحرص، إذ الإسراف في الإنفاق يستلزم وفرة المال، والإفراط في كسبه والحرص عليه.

قال الصادقعليه‌السلام : ( ضمنت لمن أقتصد أنْ لا يفتقر )(١).

_____________________

(١) البحار مج ١٥ ج ٢ ص ١٩٩ عن الخصال للصدوق (ره).

٧٠

الكـرَم

الكرَم ضدّ البُخل، وهو: بذلُ المال أو الطعام، أو أيّ نفعٍ مشروعٍ عن طيب نفس.

وهو من أشرف السجايا، وأعزّ المواهب، وأخلَد المآثر. وناهيك في فضله أنّ كلّ نفيسٍ جليلٍ يوصَف بالكرَم، ويُعزى إليه، قال تعالى:

( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) ( الواقعة: ٧٧ ). ( وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ) ( الدخان: ١٧ ).( وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) (الدخان: ٢٦ ).

لذلك أشاد أهل البيتعليهم‌السلام بالكرم والكرماء، ونوّهوا عنهما أبلغ تنويه:

قال الباقرعليه‌السلام : ( شاب سخيّ مرهق في الذنوب، أحبّ إلى اللّه من شيخ عابد بخيل )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( أتى رجلٌ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول اللّه، أيّ الناس أفضلهم إيماناً ؟ فقال: أبسطهم كفّاً )(٢).

وعن جعفر بن محمّد عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللّه

_____________________

(١) الوافي ج ٦ ص ٦٨ عن الكافي والفقيه.

(٢) الوافي ج ٦ ص ٦٧ عن الكافي.

٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( السخيّ قريبٌ من اللّه، قريبٌ من الناس، قريبٌ من الجنّة. والبخيل بعيدٌ من اللّه، بعيدٌ من الناس، قريبٌ من النار )(١).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( أنفِق وأيقن بالخلَف مِن اللّه، فإنّه لم يبخل عبدٌ ولا أَمَةٌ بنفقةٍ فيما يُرضي اللّه، إلاّ أنفق أضعافها فيما يُسخِط اللّه )(٢).

محاسن الكرَم:

لا يسعد المجتمع، ولا يتذوّق حلاوة الطمأنينة والسلام، ومفاهيم الدِّعَة والرخاء، إلاّ باستشعار أفراده روح التعاطف والتراحم، وتجاوبهم في المشاعر والأحاسيس، في سرّاء الحياة وضرائها، وبذلك يغدو المجتع كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضه بعضاً.

وللتعاطف صور زاهرة، تشع بالجمال والروعة والبهاء، ولا ريب أنّ أسماها شأناً، وأكثرها جمالاً وجلالاً، وأخلدها ذِكراً هي: عطف الموسرين، وجودهم على البؤساء والمعوزين، بما يخفّف عنهم آلام الفاقة ولوعة الحرمان.

وبتحقيق هذا المبدأ الإنساني النبيل ( مبدأ التعاطف والتراحم ) يستشعر المعوزون إزاء ذوي العطف عليهم، والمحسنين إليهم، مشاعر

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٣ عن كتاب الإمامة و التبصرة.

(٢) الوافي ج ٦ ص ٦٨ عن الكافي.

٧٢

الصفاء والوئام والودّ، ممّا يسعد المجتمع، ويشيع فيه التجاوب، والتلاحم والرخاء.

وبإغفاله يشقى المجتمع، وتسوده نوازع الحسَد، والحِقد، والبغضاء، والكيد. فينفجر عن ثورة عارمة ماحقة، تزهق النفوس، وتمحق الأموال، وتُهدّد الكرامات.

من أجل ذلك دعت الشريعة الإسلاميّة إلى السخاء والبذل والعطف على البؤساء والمحرومين، واستنكرت على المجتمع أنْ يراهم يتضوّرون سُغَباً وحرماناً، دون أنْ يتحسّس بمشاعرهم، وينبري لنجدتهم وإغاثتهم. واعتبرت الموسرين القادرين والمتقاعسين عن إسعافهم أبعد الناس عن الإسلام، وقد قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما آمن بي مَن بات شبعاناً وجاره جائع، وما من أهلِ قريةٍ يبيت فيهم جائع ينظر اللّه إليهم يوم القيامة )(٢).

وإنّما حرّض الإسلام أتباعه على الأريحيّة والسخاء، ليكونوا مثلاً عالياً في تعاطفهم ومواساتهم، ولينعموا بحياة كريمة، وتعايش سلمي، ولأنّ الكرم حمام أمن المجتمع، وضمان صفائه وازدهاره.

مجالات الكرَم:

تتفاوت فضيلة الكرَم، بتفاوت مواطنه ومجالاته. فأسمى فضائل

_____________________

(١) و (٢) عن الكافي.

٧٣

الكرم، وأشرف بواعثه ومجالاته، ما كان استجابةً لأمر اللّه تعالى، وتنفيذاً لشرعهِ المُطاع، وفرائضه المقدّسة، كالزكاة، والخُمس، ونحوهما.

وهذا هو مقياس الكرم والسخاء في عرف الشريعة الإسلاميّة، كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مِن أدّى ما افترض اللّه عليه، فهو أسخى الناس )(١) .

وأفضل مصاديق البِر والسخاء بعد ذلك، وأجدرها - عيال الرجل وأهل بيته، فإنّهم فضلاً عن وجوب الإنفاق عليهم، وضرورته شرعاً وعرفاً، أولى بالمعروف والإحسان، وأحقّ بالرعاية واللطف.

وقد يشذّ بعض الأفراد عن هذا المبدأ الطبيعي الأصيل، فيغدقون نوالهم وسخاءهم على الأباعد والغرباء، طلباً للسمعة والمباهاة، ويتّصفون بالشحّ والتقتير على أهلهم و عوائلهم، ممّا يجعلهم في ضنك واحتياج مريرين، وهُم ألصق الناس بهم وأحناهم عليهم، وذلك من لؤم النفس، وغباء الوعي.

لذلك أوصى أهل البيتعليه‌السلام بالعطف على العيال، والترفيه عنهم بمقتضيات العيش ولوازم الحياة:

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : ( ينبغي للرجل أنْ يوسِع على عياله، لئلاّ يتمنّوا موته )(٢).

وقال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : ( إنّ عيال الرجل أسراؤه، فمَن أنعم اللّه عليه نعمةً فليوسع على أسرائه، فإنْ لم يفعل

_____________________

(١) الوافي ج ٦ ص ٦٧ عن الفقيه.

(٢) الوافي ج ٦ ص ٦١ عن الكافي والفقيه.

٧٤

أوشك أنْ تزول تلك النعمة )(١).

والأرحام بعد هذا وذاك، أحقّ الناس بالبِر، و أحراهم بالصلة والنوال، لأواصرهم الرحميّة، وتساندهم في الشدائد والأزَمات.

ومن الخطأ الفاضح، حرمانهم من تلك العواطف، وإسباغها على الأباعد والغرباء، ويعتبر ذلك إزدراءً صارخاً، يستثير سخطهم ونفارهم، ويَحرم جافيهم من عطفهم ومساندتهم.

وهكذا يجدر بالكريم، تقديم الأقرب الأفضل، من مستحقّي الصلة والنوال: كالأصدقاء والجيران، وذوي الفضل والصلاح، فإنّهم أولى بالعطف من غيرهم.

بواعِث الكرَم:

وتختلف بواعث الكرم، باختلاف الكرماء، ودواعي أريحيّتهم، فأسمى البواعث غاية، وأحمدها عاقبة، ما كان في سبيل اللّه، وابتغاء رضوانه، وكسب مثوبته.

وقد يكون الباعث رغبة في الثناء، وكسب المحامد والأمجاد، وهنا يغدو الكريم تاجراً مساوماً بأريحيّته وسخائه.

وقد يكون الباعث رغبةً في نفع مأمول، أو رهبةً مِن ضرر مخوف، يحفّزان على التكرّم والإحسان.

_____________________

(١) الوافي ج ٦ ص ٦١ عن الكافي والفقيه.

٧٥

ويلعب الحبّ دوراً كبيراً في بعث المُحِبّ وتشجيعه على الأريحيّة والسخاء، استمالةً لمحبوبه، واستداراً واستدراراً لعطفه.

والجدير بالذكر أنّ الكرم لا يجمل وقعه، ولا تحلو ثِماره، إلاّ إذا تنزّه عن المنّ، وصفي مِن شوائب التسويف والمطل، وخلا من مظاهر التضخيم والتنويه، كما قال الصادقعليه‌السلام : ( رأيت المعروف لا يصلح إلاّ بثلاث خصال: تصغيره، وستره، وتعجيله. فإنّك إذا صغّرته عظّمته عند مَن تصنعه إليه. وإذا ستَرته تمّمته، وإذا عجّلته هنّيته، وإنْ كان غير ذلك محقته ونكدته )(١).

_____________________

(١) البحار م ١٦ من كتاب العشرة ص ١١٦ عن علل الشرائع للصدوق (ره).

٧٦

الإيثـار

وهو: أسمى درجات الكرَم، وأرفع مفاهيمه، ولا يتحلّى بهذه الصفة المثالية النادرة، إلاّ الذين جلَوا بالأريحيّة، وبلغوا قمّة السخاء، فجادوا بالعطاء، وهُم بأمَسّ الحاجة إليه، وآثروا بالنوال، وهُم في ضنك من الحياة. وقد أشادَ القرآن بفضلهم قائلاً:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) ( الحشر: ٩ )

وسئُل الصادقعليه‌السلام : أيُّ الصدقة أفضل، قال: ( جُهد المُقِلّ، أما سمعت اللّه تعالى يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) )(١).

ولقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المثل الأعلى في عظمة الإيثار، وسموّ الأريحيّة.

قال جار بن عبد اللّه: ما سُئل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً فقال لا.

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّه أقبَل إلى الجِعرانة، فقسم فيها الأموال، وجعَل الناس يسألونه فيُعطيهم، حتّى ألجؤوه إلى

_____________________

(١) الوافي ج ٦ ص ٥٨ عن الفقيه.

٧٧

شجرة فأخذت بُرده، وخدَشت ظهره، حتّى جلَوه عنها، وهُم يسألونه. فقال: ( أيّها الناس ردّوا عليّ بُردي، واللّه لو كان عندي عدد شَجَرِ تهامة نِعماً لقسمته بينكم، ثُمّ ما ألفيتموني جَباناً ولا بَخيلاً...)(١).

وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤثِر على نفسه البؤساء والمعوزين، فيجود عليهم بماله وقوّته، ويظلّ طاوياً، وربّما شدّ حجَر المجاعة على بطنه مواساةً لهم.

قال الباقرعليه‌السلام : ( ما شبَع النبيّ مِن خبز بُر ثلاثة أيّامٍ متوالية، مُنذ بعثَه اللّه إلى أنْ قبَضَه )(٢).

وهكذا كان أهل بيتهعليهم‌السلام في كرمهم وإيثارهم:

قال الصادقعليه‌السلام : ( كان عليّ أشبه الناس برسول اللّه، كان يأكل الخبز والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم )(٣).

وفي عليّ وأهل بيته الطاهرين، نزلت الآية الكريمة:

( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) ( الدهر: ٨ - ٩ )

فقد أجمع أولياء أهل البيت على نزولها في عليّ وفاطمة والحسن والحسين... وقد أخرجه جماعة من أعلام غيرهم، وإليك ما ذكره الزمخشري في تفسير

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٠٧ عن علل الشرائع. والجعرانة موضع بين مكّة والطائف.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ١٩٤ عن الكافي.

(٣) البحار م ٩ ص ٥٣٨ عن الكافي.

٧٨

السورة من الكشّاف.

قال: ( وعن ابن عبّاس أنّ الحسن والحسين مرِضا، فعادهما رسول اللّه في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذَرت على ولَدَيك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جاريةً لهما، إنّ برئا ممّا بهما أنْ يصوموا ثلاثةَ أيّام فَشُفيا، وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوِع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً، واختبزت خمسةَ أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة، فآثروه، وباتوا ولم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.

فلمّا أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول اللّه، فلمّا أبصرهم وهُم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ( ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك )، فنزل جبرائيل وقال: ( خُذها يا محمّد، هنّاك اللّه في أهل بيتك، فأقرأه السورة )(١).

وقد زخرت أسفار السير بإيثارهم، وأريحيّتهم، بما يطول ذكره في هذا البحث المجمل.

_____________________

(١) عن الكلمة الغرّاء - للمرحوم آية اللّه السيّد عبد الحسين شرف الدين ص ٢٩ نُقِل بتصرّفٍ وتلخيص.

٧٩

البُخـل

وهو: الإمساك عمّا يحسن السخاء فيه، وهو ضدّ الكرَم.

والبخل من السجايا الذميمة، والخلال الخسيسة، الموجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه، وقد عابها الإسلام، وحذّر المسلمين منها تحذيراً رهيباً.

قال تعالى:( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ) . ( محمّد: ٣٨ )

وقال تعالى:( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً ) ( النساء: ٣٧ )

وقال تعالى:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. ) .

( آل عمران: ١٨٠ )

وعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام : ( أنّ أمير المؤمنين سمِع رجُلاً يقول: إنّ الشحيح أعذرُ من الظالم. فقال: ( كذِبت إنّ الظالم قد يتوب ويستغفر، ويردّ الظلامة عن أهلها، والشحيح إذا شحَّ منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وقرى الضيف، والنفقة في سبيل اللّه تعالى،

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517