أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 318210
تحميل: 11072

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 318210 / تحميل: 11072
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأبواب البِر، وحرام على الجنّة أنْ يدخلها شحيح )(١).

وعن جعفر بن محمّد عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : السخيُّ قريبٌ مِن اللّه، قريبٌ مِن الناس، قريبٌ مِن الجنّة، والبخيل بعيدٌ مِن اللّه، بعيدٌ مِن الناس، قريبٌ من النار )(٢)

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( عجِبتُ للبخيل يستعجل الفَقر الذي منه هرَب، ويفوته الغِنى الذي إيّاه طلَب، فيعيش في الدنيا عَيش الفقراء ويُحاسَب في الآخرة حِساب الأغنياء )(٣).

وسنعرض أخباراً أُخرى في مطاوي هذا البحث.

مساوئ البُخل:

البخل سجيّةٌ خسيسة، وخُلُقٌ لئيم باعثٌ على المساوئ الجمّة، والأخطار الجسيمة في دنيا الإنسان وأُخراه.

أمّا خطره الأُخروي: فقد أعربت عنه أقوال أهل البيتعليهم‌السلام ولخّصه أمير المؤمنينعليه‌السلام في كلمته السالِفة حيث قال: ( والشحيح إذ شحَّ منع الزكاة، والصدقة، وصِلة الرحم، وقِرى الضيف، والنفقة في سبيل اللّه، وأبواب البِر، وحرام على الجنّة أنْ يدخلها شحيح ).

_____________________

(١) الوافي ج ٦ ص ٦٩ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ج ٣ عن كتاب الإمامة و التبصرة.

(٣) نهج البلاغة.

٨١

وأمّا خطره الدنيوي فإنه داعية المقت والازدراء، لدى القريب والبعيد وربما تمنى موتَ البخيل أقربُهم اليه، وأحبهم له، لحرمانه من نواله وطمعاً في تراثه.

والبخيل بعد هذا أشدّ الناس عناءً وشقاءً، يكدَح في جمع المال والثراء، ولا يستمتع به، وسُرعان ما يخلّفه للوارث، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويُحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.

صور البُخل:

والبُخل - وإنْ كان ذميماً مقيتاً - بَيد أنّه يتفاوت ذمّه، وتتفاقم مساوئه، باختلاف صوَرِه وأبعاده:

فأقبح صوره وأشدُّها إثما ً، هو البُخل بالفرائض الماليّة، التي أوجبها اللّه تعالى على المسلمين، تنظيماً لحياتهم الاقتصاديّة، وإنعاشاً لمعوزيهم.

وهكذا تختلف معائب البُخل، باختلاف الأشخاص والحالات:

فبُخل الأغنياء أقبح من بُخل الفقراء، والشحّ على العيال أو الأقرباء أو الأصدقاء أو الأضياف أبشَع وأذمّ منه على غيرهم، والتقتير والتضييق في ضرورات الحياة من طعامٍ وملابس، أسوأ منه في مجالات الترَف والبذخ أعاذنا اللّه مِن جميع صوره ومِثالِيه.

علاج البُخل:

وحيث كان البخل من النزعات الخسيسة، والخلال الماحقة، فجديرٌ

٨٢

بالعاقل علاجه ومكافحته، وإليك بعض النصائح العلاجيّة له:

١ - أنْ يستعرض ما أسلفناه مِن محاسن الكرَم، ومساوئ البُخل، فذلك يُخفّف من سَورة البُخل. وإنْ لم يُجدِ ذلك، كان على الشحيح أنْ يُخادع نفسه بتشويقها إلى السخاء، رغبةً في الثناء والسمعة، فإذا ما أنَس بالبذل، وارتاح إليه، هذّب نفسه بالإخلاص، وحبّب إليها البذل في سبيل اللّه عزّ وجل.

٢ - للبُخل أسبابٌ ودوافع، وعلاجه منوطٌ بعلاجها، وبدرء الأسباب تزول المسَّببات.

وأقوى دوافع الشحّ خوف الفقر، وهذا الخوف مِن نزَعات الشيطان، وإيحائه المثّبِّط عن السخاء، وقد عالَج القرآن الكريم ذلك بأُسلوبه البديع الحكيم، فقرّر: أنّ الإمساك لا يُجدي البخيل نفعاً، وإنّما ينعكس عليه إفلاساً وحرماناً، فقال تعالى:( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ..) (محمّد: ٣٨ ).

وقرّر كذلك أنّ ما يسديه المرء من عوارف السخاء، لا تضيع هدراً، بل تعود مخلوقة على المُسدي، من الرزّاق الكريم، قال عزّ وجل:(...وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( سبأ: ٣٩ ).

وهكذا يُضاعِف القرآن تشويقه إلى السخاء، مؤكّداً أنّ المُنفِق في سبيل اللّه هو كالمُقرِض للّه عزّ وجل، وأنّه تعالى بلطفه الواسع يُّرَدُ عليه القرض أضعافاً مضاعفة:( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ

٨٣

حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ( البقرة: ٢٦١ ).

أمّا الذين استرقّهم البُخل، ولم يُجدهم الإغراء والتشويق إلى السخاء، يوجّه القرآن إليهم تهديداً رهيباً، يملأ النفس ويهزّ المشاعر:

( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) ( التوبة: ٣٤ - ٣٥ )

ومن دواعي البُخل: اهتمام الآباء بمستقبل أبنائهم مِن بعدهم، فيضنّون بالمال توفيراً لأولادهم، وليكون ذخيرةً لهم، تقيهم العوَز والفاقة.

وهذه غريزة عاطفيّة راسخة في الإنسان، لا تضرّه ولا تجحف به، ما دامت سويّة معتدلة، بعيدةً عن الإفراط والمغالاة.

بيد أنّه لا يليق بالعاقل، أنْ يسرف فيها، وينجرف بتيارها، مضحّياً بمصالحه الدنيويّة والدينيّة في سبيل أبنائه.

وقد حذّر القرآن الكريم الآباء مِن سطوة تلك العاطفة، وسيطرتها عليهم كيلا يفتتنوا بحبّ أبنائهم، ويقترفوا في سبيلهم ما يُخالف الدين والضمير:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ( الأنفال: ٢٩ )

وأعظم بما قاله أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتابٍ له: ( أمّا بعد، فإنّ الذي في يدَيك من الدنيا، قد كان له أهلٌ قبلَك، وهو صائر إلى

٨٤

أهلٍ بعدك، وإنّما أنت جامع لأحدِ رجُلَين: رجلٌ عمَل فيما جمعته بطاعة اللّه، فسعِد بما شقيت به، أو رجُل عمَل فيه بمعصية اللّه، فشقِيَ بما جمعت له، وليس أحد هذين أهلاً أنْ تؤثره على نفسك، وتحمل له على ظهرك، فأرجو لِمن مضى رحمة اللّه، ولِمن بقيَ رزق اللّه )(١) .

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام في قول اللّه تعالى:( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ) ( البقرة:١٦٧ ). قال: ( هو الرجل يدَع ماله لا ينفقه في طاعة اللّه بُخلاً، ثُمّ يموت فيدعه لِمَن يعمل فيه بطاعة اللّه، أو في معصية اللّه، فإنْ عمِل فيه بطاعة اللّه، رآه في ميزان غيره فرآه حسرةً، وقد كان المال له، وإنْ كان عمِل به في معصية اللّه، قوّاه بذلك المال حتّى عمل به في معصية اللّه )(٢).

* * *

وهناك فئة تعشق المال لذاته، وتهيم بحبّه، دون أنْ تتّخذه وسيلةً إلى سعادةٍ دينيّةٍ أو دنيويّة، وإنّما تجد أُنسها ومُتعتها في اكتناز المال فحسب، ومِن ثُمّ تبخل به أشد ّالبُخل.

وهذا هوَس نفسي، يُشقي أربابه، ويوردهم المهالك، ليس المال غاية، وإنّما هو ذريعةً لمآرب المعاش أو المعاد، فإذا انتفت الذريعتان غدا المال تافهاً عديم النفع.

وكيف يكدَح المرء في جمع المال واكتنازه ؟! ثُمّ سرعان ما يَغنمه

_____________________

(١) نهج البلاغة.

(٢) الوافي ج ٦ ص ٦٩ عن الكافي والفقيه.

٨٥

الوارث، ويتمتّع به، فيكون له المهنى وللمورث الوزر والعناء.

وقد استنكر القرآن الكريم هذا الهَوس، وأنذر أربابه إنذاراً رهيباً:( كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا * كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) ( الفجر: ١٧ - ٢٦ ).

وقال تعالى:( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) ( الهمزة ).

وأبلغُ ما أثر في هذا المجال، كلمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي في القمّة من الحكمة وسموّ المعنى، قالعليه‌السلام : ( إنّما الدنيا فناءٌ وعناء، وغِيَر وعِبَرِ، فمِن فنائها: أنّك ترى الدهر مُوتِراً قوسَه، مفوّقاً نبله، لا تخطئ سهامه ولا تُشفى جراحه. يرمي الصحيحَ بالسقم، والحيَّ بالموت.

ومِن عنائها: أنَّ المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثُمّ يخرج إلى اللّه لا مالاً حمَل، ولا بناءً نقَل.

ومن غِيَرها: أنّك ترى المغبوط مرحوماً، والمرحوم مغبوطاً، ليس بينهم إلاّ نعيم زال، وبؤس نزَل

٨٦

ومن عِبَرِها: أنّ المرء يُشرف على أملِه، فيتخطفه أجلُه، فلا أملٌ مدروك، ولا مؤُمَّل مَتروك )(١).

_____________________

(١) سفينة البحار ج١ ص ٤٦٧.

٨٧

العفّة

وهي: الامتناع والترفع عمّا لا يحل أو لا يجمل، من شهوات البطن والجنس، والتحرّر من استرقاقها المُذِل.

وهي من أنبل السجايا، وأرفَع الخصائص. الدالة على سموّ الإيمان، وشرف النفس، وعزّ الكرامة، وقد أشادت بفضلها الآثار:

قال الباقرعليه‌السلام : ( ما من عبادة أفضل عند اللّه من عفة بطن وفرج )(١).

وقال رجل للباقرعليه‌السلام : ( إنّي ضعيفُ العمل، قليل الصلاة قليلُ الصيام، ولكنّي أرجو أنْ لا آكلَ إلاّ حلالاً، ولا أنكَح إلاّ حلالاً. فقال له: ( وأيّ جهاد أفضل من عفّة بطن وفرج )(٢) .

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ( أكثر ما تلِج به أُمّتي النار، الأجوَفان البطْن والفرج )(٣) .

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٥ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٨٤ عن محاسن البرقي وقريب منه في الكافي.

(٣) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٨٣ عن الكافي.

٨٨

حقيقة العفّة:

ليس المراد بالعفّة، حرمان النفس مِن أشواقها، ورغائبها المشروعة، في المطعَم والجنس. وإنّما الغرَض منها، هو القَصد والاعتدال في تعاطيها وممارستها، إذ كلّ إفراط أو تفريط مضرٌّ بالإنسان، وداعٍ الى شقائه وبُؤسه:

فالإفراط في شهَوَات البطن والجنس، يفضيان به إلى المخاطر الجسيمة، والأضرار الماحقة، التي سنذكرها في بحث ( الشره ).

والتفريط فيها كذلك، باعث على الحرمان مِن متع الحياة، ولذائذها المشروعة، وموجبٌ لهزال الجسد، وضعف طاقاته ومعنويّاته.

الاعتدال المطلوب:

من الصعب تحديد الاعتدال في غريزَتَيّ الطعام والجنس، لاختلاف حاجات الأفراد وطاقاتهم، فالاعتدال في شخصٍ قد يُعتبَر إفراطاً أو تفريطاً في آخر.

والاعتدال النِّسبِي في المأكل هو: أنْ ينال كلّ فردٍ ما يُقيم أودّه ويسدّ حاجته من الطعام، متوقّياً الجشَع المقيت، والامتلاء المرهق.

وخير مقياس لذلك هو ما حدّده أمير المؤمنين، وهو يُحدّث ابنه

٨٩

الحسنعليه‌السلام : ( يا بني إلاّ أُعلّمك أربع كلمات تستغني بها عن الطبّ ؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: لا تجلس على الطعام إلاّ وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلاّ وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نِمت فأعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ ).

وقال: ( إنّ في القرآن لآية تجمع الطبّ كلّه:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) )( الأعراف: ٣١ )(١).

والاعتدال التقريبي في الجنس هو تلبيةَ نداء الغريزة، كلّما اقتضتها الرغبة الصادقة، والحاجة المحفّزة عليه.

محاسن العفّة:

لا ريب أنّ العفة، هي مِن أنبل السجايا، وأرفع الفضائل، المُعربة عن سموّ الإيمان، وشرف النفس، والباعثة على سعادة المجتمع والفرد.

وهي الخلّة المشرَّفة التي تُزيّن الإنسان، وتسمو به عن مٌُزريات الشره والجشَع، وتصونه عن التملّق للّئام، استدراراً لعطفهم ونوالهم، وتحفّزه على كسب وسائل العيش ورغائب الحياة، بطرقها المشروعة، وأساليبها العفيفة.

_____________________

(١) سفينة البحار م ٢ ص ٧٩ عن دعوات الراوندي.

٩٠

الشره

وهو: الإفراط في شهوات المأكل والجنس، ضدّ ( العفة ).

وهو: من النزعات الخسيسة، الدالة على ضعف النفس، وجشع الطبع، واستعباد الغرائز، وقد نددت به الشريعة الإسلاميّة وحذّرت منه أشدّ التحذير.

قال الصادقعليه‌السلام : ( كلّ داءٍ مَن التخمة، ما خلا الحُمّى فإنّها ترِد وروداً )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ البطن إذا شبع طغى )(٢).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ اللّه يبغض كثرة الأكل )(٣).

وقال أبو الحسنعليه‌السلام : ( لو أنّ الناس قصدوا في المطعم، لاستقامت أبدانهم )(٤).

وعن الصادق عن أبيه قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : مَن

_____________________

(١) الوافي ج ١ ١ ص ٦٧ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١ ١ ص ٦٧ عن الفقيه.

(٣) الوافي ج ١ ١ ص ٦٧ عن الكافي.

(٤) البحار م ١٤ ص ٨٧٦ عن المحاسن للبرقي (ره).

٩١

أراد البقاء ولا بقاء، فليخفّف الرداء، وليباكر الغذاء، وليُقل مجامعةَ النساء )(١).

ومَن أراد البقاء أي طول العمر، فليخفّف الرداء أي يُخفّف ظهره مِن ثقل الدين.

وأكل أمير المؤمنينعليه‌السلام من تمرٍ دَقَل، ثُمّ شرب عليه الماء، وضرب يده على بطنه وقال: ( من أدخل بطنه النار فأبعده اللّه ). ثُمّ تمثّل:

وإنّك مهما تُعطِ بطنَك سؤله

وفرجَك نالا منتهى الذمِّ أجمعا(٢)

مساوئ الشره:

الشرَهُ مفتاح الشهَوات، ومصدر المهالك. وحسب الشرَه ذمّاً، أنْ تسترقّه الشهوَات العارمة، وتعرّضه لصنوف المساوئ، المعنويّة والمادّية.

ولعلّ أقوى العوامل في تخلّف الأُمَم، استبداد الشرَه بهم، وافتتانهم بزخارف الحياة، ومفاتِن الترف والبذخ، ممّا يفضي بهم إلى الضعف والانحلال.

ولشره الأكل آثار سيئة ومساوئ عديدة:

فقد أثبت الطب: ( أنّ الكثير مِن الأمراض والكثير من الخطوط والتجعّدات التي تُشوّه القسَمات الحلوة في النساء والرجال، والكثير من

_____________________

(١) البحار م ١٤ ص ٥٤٥ عن طب الأئمّة.

(٢) سفينة البحار م ١ ص ٢٧.

٩٢

الشحم المتراكم، والعيون الغائرة، والقُوى المُنهكَة، والنفوس المريضة كلهّا تُعزى الى التخمة المتواصلة، والطعام الدسم المترف ).

وأثبت كذلك أنّ الشرَه يُرهِق المعِدة ويُسبّب ألوان المآسي الصحيّة كتصلّب الشرايين، والذبحة الصدريّة، وارتفاع ضغط الدم، والبول السكري.

وهكذا يفعل الشرَه الجنسي في إضعاف الصحّة العامّة، وتلاشي الطاقة العصبيّة، واضمحلال الحيويّة والنشاط، ممّا يُعرّض المسرفين للمخاطر.

علاج الشرَه:

أمّا شرَه الأكل فعلاجه:

١ - أنَ يتذكّر الشَّرِه ما أسلَفناه مِن محاسن العفّة، وفضائلها.

٢ - أنْ يتدبّر مساوئ الشرَه، وغوائله الماحقة.

٣ - أنْ يروّض نفسه على الاعتدال في الطعام، ومجانبة الشرَه جاهداً في ذلك، حتّى يزيل الجشَع. فإنّ دستور الصحّة الوقائي والعلاجي هو الاعتدال في الأكل وعدَم الإسراف فيه، كما لخّصَته الآية الكريمة:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) . ( الأعراف: ٣١ ).

وقد أوضحنا واقع الاعتدال في بحث ( العفّة ).

وأمّا الشره الجنسي فعلاجه:

١ - أنْ يتذكر المَرء أخطار الإسراف الجنسي، ومفاسده المادّيّة والمعنويّة.

٩٣

٢ - أنْ يكافح مثيرات الغريزة، كالنظر إلى الجمال النسوي، واختلاط الجنسين، وسروح الفكر في التخيّل، وأحلام اليقظة، ونحوها من المثيرات.

٣ - أنْ يمارس ضبط الغريزة وكفّها عن الإفراط الجنسي، وتحرّي الاعتدال فيها، وقد مرَّ بيانه في بحث العفّة.

٩٤

الأمانة والخيانة

الأمانة هي: أداء ما ائتمن عليه الإنسان من الحقوق، وهي ضدّ ( الخيانة ).

وهي مِن أنبل الخِصال، وأشرَف الفضائل، وأعزّ المآثر، بها يُحرِز المرء الثقة والإعجاب، ويَنال النجاح والفوز.

وكفاها شرفاً أنّ اللّه تعالى مدَح المتحلّين بها، فقال:( وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) ( المؤمنون: ٨. المعارج:٣٢ )

وضدّها الخيانة، وهي: غَمْط الحقوق واغتصابها، وهي مِن أرذل الصفات، وأبشع المذام، وأدعاها إلى سقوط الكرامة، والفشَل والإخفاق.

لذلك جاءت الآيات والأخبار حاثّة على التحلّي بالأمانة، والتحذير من الخيانة، وإليك طرَفاً منها:

( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ...) ( النساء: ٥٨ )

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( الأنفال:٢٧ )

قال الصادقعليه‌السلام : ( لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم

٩٥

فإنّ الرجُل ربّما لهِج بالصلاة والصوم حتّى لو ترَكه استوحش، ولكن اختبروهم عند صِدق الحديث وأدَاء الأمانة )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس منّا من أخلف الأمانة ).

وقال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أداء الأمانة يجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر)(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام :

( اتّقوا اللّه، وعليكم بأداء الأمانة إلى مَن ائتمنكم، فلو أنّ قاتل عليّ بن أبي طالب ائتمنَني على أمانةٍ لأدّيتها إليه )(٣).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تزال أُمّتي بخير، ما لم يتخاونوا، وأدّوا الأمانة، وآتوا الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك، ابتلوا بالقحط والسنين )(٤).

محاسن الأمانة ومساوئ الخيانة:

تلعب الأمانة دوراً خطيراً، في حياة الأُمم والأفراد، فهي نظام

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٨٢ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١٠ ص ١١٢ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٠ ص ١١٢عن الكافي والتهذيب.

(٤) عن ثواب الأعمال للصدوق ( ره ).

٩٦

أعمالهم، وقوام شؤونهم، وعنوان نُبلهم واستقامتهم، وسبيل رُقيّهم المادّي والأدبي.

وبديهيّ أنّ مَن تحلّى بالأمانة، كان مَثار التقدير والإعجاب، وحازَ ثقة الناس واعتزازهم وائتمانهم، وشاركهم في أموالهم ومغانمهم.

ويصدق ذلك على الأُمم عامّة، فإنّ حياتها لا تسمو ولا تزدهر، إلاّ في محيطٍ تسوده الثقة والأمانة.

وبها ملك الغرب أزمّة الاقتصاد، ومقاليد الصناعة والتجارة، وجنى الأرباح الوفيرة، ولكنّ المسلمين، وا أسفاه ! تجاهلوها، وهي عنوان مبادئهم، ورمز كرامتهم، فباؤوا بالخيبة والإخفاق.

مِن أجل ذلك كانت الخيانة من أهم أسباب سقوط الفرد وإخفاقه في مجالات الحياة، كما هي العامل الخطير في إضعاف ثقة الناس بعضهم ببعض، وشيوع التناكر والتخاوف بينهم، ممّا تسبّب تسيّب المجتمع، وفَصْم روابطه، وإفساد مصالحه، وبعثرة طاقاته.

صوَر الخيانة:

وللخيانة صور تختلف بشاعتها وجرائمها باختلاف آثارها، فأسوأها نُكراً هي الخيانة العلميّة التي يقترفها الخائنون المتلاعبون بحقائق العِلم المقدّسة، ويشوبونها بالدسّ والتحريف.

ومِن صورها إفشاء أسرار المسلمين، التي يحرصون على كتمانها،

٩٧

فإشاعتها والحالة هذه جريمةٌ نكراء، تعرّضهم للأخطار والمآسي.

ومن صورها البشِعة: خيانة الودائع والأمانات، التي أؤتُمِن عليها المرء، فمصادرتها جريمةٌ مضاعفة مِن الخيانة والسرقة والاغتصاب.

وللخيانة بعد هذا صورٌ عديدة كريهة، تثير الفزع والتقزّز، وتضرّ بالناس فرداً ومجتمعاً، مادّياً وأدبياً، كالخداع والغشّ والتطفيف بالوزن أو الكيل، ونحوها من مفاهيم التدليس والتلبيس.

٩٨

التآخي

التآخي الروحي:

كان العصر الجاهلي مسرحاً للمآسي والأرزاء، في مختلف مجالاته ونواحيه الفكريّة والمادّيّة.

وكان من أبشع مآسيه، ذلك التسيب الخُلقي، والفوضى المدمّرة، ممّا صيّرهم يُمارسون طباع الضواري، وشريعة الغاب والتناكر والتناحر، والفتك والسلب، والتشدق بالثأر والانتقام.

فلما أشرق فجر الإسلام، وأطل بأنواره على البشريّة، استطاع بمبادئه الخالدة، ودستوره الفذ أنْ يُطبّ تلك المآسي، ويحسِم تلك الأوزار، فأنشأ مِن ذلك القطيع الجاهلي:( خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) (١) عقيدةً وشريعة، وعِلماً وأخلاقاً. فأحلّ الإيمان محلّ الكُفر، والنظام محلّ الفوضى، والعِلم محلّ الجهل، والسلام محلّ الحرب، والرحمة محلّ الانتقام.

فتلاشت تلك المفاهيم الجاهليّة، وخلَفتها المبادئ الإسلامية الجديدة، وراح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يبني ويُنشئ أُمّةً مثاليّةً تَبُذُّ الأُمَمَ نظاماً، وأخلاقاً وكمالاً.

وكلّما سار المسلمون أشواطاً تحت راية القرآن، وقيادة الرسول الأعظم

_____________________

(١) آل عمران: ١١٠.

٩٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله ، توغّلوا في معارج الكمال، وحلقوا في آفاق المكارم، حتّى حقّقوا مبدأ المؤاخاة بأُسلوب لم تحقّقه الشرائع والمبادئ، وأصبحت أواصر العقيدة أقوى من أواصر النسَب، ووشائج الإيمان تسمو على وشائج القوميّة والقبَليّة، وغدا المسلمون أُمّةً واحدة، مرصوصةَ الصف، شامخة الصرح، خفّاقة اللواء، لا تُفرّقهم النعرات والفوارق:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (١).

وطفق القرآن الكريم يَغرِس في نفوس المسلمين مفاهيم التآخي الروحي، مركّزاً على ذلك بآياته العديدة وأساليبه الحكيمة الفذّة.

فمرّةً شرّع التآخي ليكون قانوناً للمسلمين:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٢).

وأُخرى يؤكّد عليه محذّراً من عوامل الفرقة، ومذكّراً نعمة التآلف والتآخي الإسلامي، بعد طول التناكر والتناحر الجاهليَّين:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (٣).

وهكذا جهد الإسلام في تعزيز التآخي الروحي وحِماه مِن نوازِع الفرقة والانقسام، بما شرّعه من دستور الروابط الاجتماعيّة في نظامه الخالد.

_____________________

(١) الحجرات: ١٣.

(٢) الحجرات: ١٠.

(٣) آل عمران: ١٠٣.

١٠٠