كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين15%

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 376

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين
  • البداية
  • السابق
  • 376 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127212 / تحميل: 8233
الحجم الحجم الحجم
كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الوحي القرآني

إنّ موضوع الوحي مرتبطٌ بشكلٍ وثيق ببحث إعجاز القرآن؛ لأنّنا بإثباته نثبت أنّ القرآن ليس ظاهرة بشريّة، فهو إذن ليس من صنع محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإنّ السرّ في كلّ ما فيه من جوانب تحدٍّ ناشئ من ارتباطه بعالم الغيب، وأيّة محاولة لنفي الوحي تعني فصل الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن الكريم عن عالم الغيب، فلو أثبتنا إعجاز القرآن لكان دليلاً حاسماً على ارتباطهما بالغيب.

وقد انقسمت محاولات المستشرقين إلى قسمين: قسمٌ منهما حاول نفي الإعجاز لينفي بذلك دليل الوحي الكاشف عن الارتباط بالغيب، والقسم الثاني حاول إبراز شخصيّة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أنّها شخصيّة ذات مَلَكات وقابليّات نادرة، كان ما أبدعه من قرآنٍ وحديثٍ وسيرة علامةً بارزةً على عبقريّته الفريدة، وبذلك طَوَوا مسألة الإعجاز ليُؤكّدوا على أنّ القرآن ظاهرة بشريّة من صنع محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما يتراءى من أنّهُ إعجاز، ليس إلاّ نتاجُ عبقريّ بُهِرَ الناس به.

وبذلك تتكامل المحاولتان لضرب أساس الدين الإسلامي، وبالتالي انهيار عقيدة المسلمين، فينفتح الطريق أمام أُوربّا النصرانيّة لتغزو الشرق الإسلامي فكريّاً وحضارياً.

وتدرّجت محاولات المستشرقين في مسألة نفي الوحي القرآني فمنها ما كان بصيغة النفي المتعصّب الذي لا يلبث أنْ يكشف عن خلطه العلمي، ومنها ما ارتقى إلى المحاولات المُتقنة بأساليب التنظير العلمي والاستدلال البرهاني. ولنأخذ نماذج من ذلك ثمّ نختم الموضوع بخلاصّة جامعة لمقولاتهم.

فمثلاً يقول المستشرق البريطاني(مونتغمري وات) : (إنّ زيارة محمّد

١٤١

لحراء، وهو جبل قريب من مكّة، بصحبة عائلته أو بدونها ليست مستحيلة، ويُمكن أنْ يكون ذلك للفرار من أُتون المدينة خلال فصل الصيف للذين لا يستطيعون التوجه الى الطائف)(١) .

ويحاول المستشرق(كازانوفا) (٢) في كتابه (محمّد ونهاية العالم) أنْ يثبت أنّ القرآن قد أضيف إلى الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد وفاته، وأنّه لم يكن وحياً من الله، وإنّما دعت الحاجة في نظر أبي بكر وعمر إلى نسبته إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

أمّا المستشرقون (بول ديك) و(نولدكه)(٣) و(بور)(٤) و(جونت)، فقد ادّعوا أنّ فواتح السِّور ليست من القرآن في شيء، واختلفوا في نسبتها، فالأوّل قال: إنّها رموز لمجموعات الصحُف، التي كانت عند المسلمين قبل أنْ يوجد المصحف العثماني، والثاني ادّعى أنّ الحروف المقطّعة في أوائل بعض السِّور ما هي إلاّ اختصارات للأسماء القديمة لسور القرآن، وحاولا ترقيع هذهِ الاختصارات في أكثر من سورة واحدة.

أمّا المستشرقان (أبراهام جيجر) و(رودي باريت) فقد ادّعيا أنّ النبيّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قد استقى الكثير من تعاليم القرآن الكريم من كتب الأديان السابقة، فقال الأوّل منهما: (إنّ النبيّ قرأ كتب اليهود المختلفة، من التوراة والمكتوبات والأنبياء، و(المشناو)

____________________

(١) وات، مونتغمري - (محمّد في مكّة) - ص١٨.

(٢) كازانوفا (١٨٦١ - ١٩٢٦م): مستشرق فرنسي، أُستاذ أُصول العربيّة في الجامعة المصريّة، ترجم (الخطط) للمقريزي. عن المنجد (الأعلام)، ص٥٨٠.

(٣) نولدكه، ثيودور (١٨٣٦ - ١٩٣٠م) من مشاهير المستشرقين الألمان. ولد في همبورغ، اشتغل خصوصاً في اللغات السريانيّة والعربيّة والفارسيّة. له (تاريخ القرآن). عن المنجد (الأعلام) ص ٧١٩.

(٤) بور، دي (١٨٦٦ - ١٩٤٢) مستشرق هولندي - أُستاذ الفلسفة في أمستردام له، (الفلسفة في الإسلام) و(الغزالي وابن رشد). عن المنجد (الأعلام) ص١٤٨.

١٤٢

و(الجمارا)(١) ، وهي من كتب التلمود و(المدراش)(٢) و(الترجوم) وضمّن تعاليمها في القرآن الكريم). أمّا الثاني فقال: (إنّ النبيّ قد تأثّر في قرآنه بتعاليم النصرانيّة والبوذيّة، وعلى الأخص دعوة التوحيد والإيمان بالبعث والنشور، فالأولى في نظره من خصائص اليهوديّة، والثانية من تعاليم النصرانيّة).

ولعلّ من أخبث أساليب إثارة الشبهة حول الوحي، هو الأُسلوب القائل بما سُمّي بالوحي النفسي، الذي حاول أو يضفي على النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، صفات الصدق والأمانة والإخلاص والذكاء، الأمر الذي أدّى به أنْ يتخيّل نفسه أنّه ممّن يُوحى إليهم.

فإنّ هذا الأُسلوب يُحاول أنْ يُستّر دوافعه المُغرِضة بمظاهر الإنصاف والمحبّة والإعجاب، وأبرز مَن فصّل في هذه الشبهة هو المستشرق الانجليزي (جب)(٣) ، وكذلك المستشرق (أميل درمنغام)(٤) على ضوء ما أجمله سابقهُ (مونتيه)(٥) .

ومن خلال ما أثاره المستشرق (جب) والمقدّمات العشر التي ساقها (درمنغام)،

____________________

(١) (لمشناو) هو الجزء الأوّل من التلمود، (الجمارا) الجزء الثاني من التلمود، وهي لفظةٌ أراميّة الأصل تعني (التكملة) أو (التتمّة)، ويعتبر شرحاً وملحقاً للجزء الأوّل من التلمود، وقد جُمع خلال فترة طويلة امتدّت من القرن الثالث إلى القرن الخامس للميلاد. عن البعلبكي، منير، موسوعة المورد المجلّد الرابع ص١٩٩.

(٢) (المدراش): مجموعة التفاسير التقليديّة للتوراة عند اليهود ويُرجّح الباحثون أنّها وُضِعت ما بين عام ١٠٠ ق، م وعام ٢٠٠م. واللفظة عبريّة الأصل، ومعناها (الشرح) أو (التفسير). عن البعلبكي، منير (موسوعة المورد) المجلّد السابع ص٢٧.

(٣) جبّ (غب)، هاملتون الكسندر Gibb Hamiton Alexandet Rosskeen ( ١٨٩٥ -...): مستشرق انجليزي. أُستاذ الدراسات العربيّة بجامعة هارفارد بالولايات المتحدّة الأميركيّة، طرح أفكاره في كتابه (المذهب المحمّدي) عني بدراسة التراث الإسلامي وتعريف الغربيين به. من أشهر آثاره: (دراسات في حضارة الإسلام) عام (١٩٦٢م) وقد نقله إلى العربيّة الدكاترة إحسان عباس ومحمّد يوسف نجم ومحمود زايد. راجع: البعلبكي، منير، موسوعة المورد - المجلّد ٤ ص٢١٥.

(٤) راجع كتاب (حياة محمّد).

(٥) مونتيه، ادوار (١٨٥٦ - ١٩٢٧م) مستشرق فرنسي ولد في ليون. له (حاضر الإسلام ومستقبله). عن المنجد (الإعلام) ص٦٩٦.

١٤٣

ورتّب عليها مقولة الوحي النفسي(١) ، نستطيع أنّ نصوغ الشبهة بالخلاصة التالية:

( إنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أدرك بقوّة عقلهِ الذاتيّة، وبما تمتّع به من نقاءٍ وصفاء روحي ونفسي، بطلان ما كان عليه قومه من عبادة الأصنام، كما أدرك ذلك أيضاً أفرادٌ آخرون من قومه، وإنّ فطرته الزكيّة - بالإضافة إلى بعض الظروف الموضوعيّة كالفقر - حالت دون أنْ يُمارس أساليب الظلم الاجتماعي من الاضطهاد، واكل المال بالباطل، أو الانغماس بالشهوات وارتكاب الفواحش، كالاستمتاع بالسكر والتسرّي، وعزف القيان وغير ذلك من القبائح، وإنّه طال تفكيره من أجل إنقاذهم من ذلك الشرك القبيح، وتطهيرهم من تلك الفواحش والمنكرات.

وقد استفاد من النصارى، الذين لقيهم في أسفاره أو في مكّة نفسها، كثيراً من المعلومات عن الأنبياء والمرسلين، ممّن بعثهم الله في بني إسرائيل وغيرهم، فأخرجوهم من الظلمات إلى النور، كما أنّه لم يقبل جميع المعلومات التي وصلت إليه من هؤلاء النصارى، كإلوهيّة المسيح وأمّه، وغير ذلك، وأنّه كان قد سمع أنّ الله سيبعث نبيّاً، مثل أولئك الأنبياء، من عرب الحجاز بشّر بهِ عيسى المسيح وغيرهُ من الأنبياء، وتولّد في نفسه أمل ورجاء في أنْ يكون هو ذلك النبيّ الذي آن أوانه.

وأخذ يتوسّل إلى تحقيق هذا الأمل بالانقطاع إلى عبادة الله تعالى في خلوته بغار حِراء،. وهنالك قوِيَ إيمانه وسما وجدانه، فاتّسع محيط تفكيره، وتضاعف نور بصيرته، فاهتدى عقله الكبير إلى الآيات والدلائل البيّنة في السماء والأرض، على وحدانيّة الله سبحانهُ وتعالى خالق الكون ومدبّر أموره، وبذلك أصبح أهلاً لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ثمّ ما زال يفكّر ويتأمّل ويتقلّب بين الآلام والآمال، حتّى تكوّن في نفسه يقين أنّه هو النبيّ المنتظر الذي يبعثه الله لهداية

____________________

(١) راجع رضا، محمّد رشيد، الوحي المحمّدي - الفصل الثالث ص٨٧ - ١١٠.

١٤٤

البشريّة، وتجلّى له هذا الاعتقاد في الرؤى المناميّة، ثمّ قوِيَ حتّى صار يتصوّر أنّ الملَك يتمثّل له ليلقّنه الوحي في اليقظة، وأمّا المعلومات التي جاءته من هذا الوحي، فهي مستمدّة في الأصل من تلك المعلومات التي حصل عليها من اليهود والنصارى، وممّا هداه إليه عقله وتفكيره في التمييز بين ما يصحّ منها وما لا يصح، ولكنّها كانت تتجلّى وكأنّها وحي السماء، وخطاب الخالق عزّ وجل، يأتيه بها الناموس الأكبر، الذي كان ينزل على موسى بن عمران وعيسى بن مريم، وغيرهما من النبيّين (عليهم السلام)) .

ولم يكتفِ هؤلاء المستشرقون بطرح شُبهاتهم هذهِ عن القرآن الكريم سَواء في مسألة الإعجاز أم مسألة الوحي، بل راحوا يدخلونها فقرات في المناهج والبرامج الدراسيّة لبعض الجامعات، وتبنّوا مجموعة من الطلبة المسلمين لاستئناف دراسات وأبحاث في هذين الموضوعين، إدراكاً منهم أنّ حساسيّة المسلمين تجاه ما يصدر عن غير المسلمين، خصوصاً ما يتعلّق بمعتقداتهم ومقدّساتهم، سيشكّل عَقَبة رئيسيّة في التأثير والتسليم بما يدّعيه هؤلاء المستشرقون.

إضافة إلى أنّ استئناف دراسة وبحث مثل هذهِ المسائل ذات العلاقة الموضوعيّة الوثيقة بتراث الإسلام والمسلمين، وخصوصاً العرب ولغتهم العربيّة، سيثري الشبهات المطروحة من قِبلهم، ويعمّق مطالبها من الناحية العلميّة، باعتبار إنّ هؤلاء المسلمين العرب هُم أعرف بدقائق لغتهم ومعتقداتهم. وفعلاً نجحوا في ذلك واستطاعوا من خلال أمثال الدكتور طه حسين(١) الذي فصّلَ كثيراً فيما ادّعوه

____________________

(١) طه حسين (١٨٨٩ - ١٩٧٣م) أديب وناقد مصري. درس في الأزهر والجامعة الأهليّة (المصريّة القديمة)، نال الدكتوراه فيها، ثمّ درس في جامعة السوربون، وتسنّم مناصب عديدة، منها عميد كليّة الآداب بجامعة القاهرة، ثمّ وزيراً للمعارف أيّام الحكم الملََكَي في مصر عام ١٩٥٠م، وعضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق، ورئيساً لمجمع اللغة بمصر. أسّس جامعتي: الإسكندريّة التي تولّى إدارتها عام ١٩٤٢م وجامعة عين شمس. لهُ عشرات الكتب الأدبيّة والنقديّة من أبرزها (في الأدب الجاهلي). = عن الزركلي، خير الدين الأعلام (قاموس تراجم) م٣ ص٢٣١، والمنجد - (الأعلام) - ص٤٣٧.

١٤٥

بشأن الشعر العربي الجاهلي، وكذلك أمين الخولي(١) وتلميذه الدكتور (خلف الله)، أنْ يصِلوا إلى مآربهم، خصوصاً فيما تناولوه بشأن الأُسلوب الفنّي للقصص والأخبار القرآنيّة، بدعوى أنّها لا يُلتزم فيها الصدق وتحرّي الواقع، وإنّما يعطي فيها القاص لنفسهِ الحريّة فيغيّر ويُبدّل ويزيد ويُنقص، وبهذا يحاولون أنْ يشكّكوا فيما جاء في القرآن من قصص الأنبياء والرسل والأمم، ويُحاولون الادّعاء بأنّ القرآن المعتمد على التمثيل والتشبيه لا يَنظر إلى الواقع، وبذلك يفقد المسلمون ثقتهم بجانب إخباراته الغيبيّ كأحد أدلّة إعجازه، وكونه وحياً من الله لا يأتيه الباطل ولا يطرأ عليه التبديل.

ترجمة القرآن للغات الأُخرى

في هذا الجانب تبرز بشكلٍ واضح النزعات العدائيّة للمستشرقين، ويتفاقم خطر الشذوذ الاستشراقي لديهم، إضافةً إلى السبب الذي يعود إلى عدم إيمانهم بالنص القرآني، وعدم تقديسهم للأمانة العلميّة في الترجمة، فتكون النتيجة مليئةً بالمغالطات الكبيرة، وقد كانت أغلب ترجمات القرآن إلى اللغات الشرقيّة والغربيّة هي ما تمّ على يد المستشرقين، حيث تُرجم ترجمةً كاملة إلى ٧٩ لغة، وترجمة ناقصة إلى ٤٩ لغة وأبرز ما يُؤخذ على هذهِ الترجمات هي:

____________________

(١) أمين الخولي (١٨٩٥ - ١٩٦٦م) مصري، تعلمّ بالأزهر وتخرّج من مدرسة القضاء الشرعي وعُيّن في الشؤون الدينيّة في السفارة المصريّة بروما، ثمّ انتقل إلى برلين، ثمّ أستاذاً في الجامعة المصريّة، القديمة، ثمّ وكيلاً لكليّة الآداب إلى سنة ١٩٥٣م. من أعضاء المَجمع اللغوي بمصر. مثّل مصر في عدّة مؤتمرات، له كتب لغويّة وأدبية متعدّدة.

عن الزركلي، خير الدين، الإعلام (قاموس تراجم)، ص١٦.

١٤٦

١ - أنّها ترجماتٌ مصوغةٌ صياغةً تُساعد على استنباط مبادئ مغايرة للنظريّات الإسلاميّة الصحيحة، كالذي قام به المستشرقان (جولد صيهر) و(الفريد غيوم).

٢ - أنّها ترجماتٌ حرّة غير ملتزمة، وموافقة لأهوائهم من حيث التصرّف بالنصوص عن طريق التقديم والتأخير والإهمال والتحوير، من قبيل ترجمتهم لقوله تعالى من سورة النساء:( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ... ) ، فقد ترجمها(سافاري آب) كالآتي: (لا تتزوّجوا النساء اللاتي كنَّ زوجات لآبائكم، تلك جريمة، إنّه طريق الضياع، ولكنْ إذا كان الشرّ قد حدث فاحتفظوا بهن)، وترجم(ماكس هانتج) لفظة (الإبل) إلى الألمانيّة في قوله تعالى من سورة الغاشية:( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) ، بكلمة (فولكن Wolken ) أيّ سحاب.

أمّا(جورج سيل) (١) فقد ترجم خطاب( يَا أَيُّهَا النَّاسُ.... ) إلى (يا أهل مكّة)، وذلك بناءً على ادّعائه أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يُريد إصلاح بني جِلدته وتقدّمهم اقتصاديّاً وسياسيّاً، ولم يقصِد إلى مخاطبة البشر كلّهم(٢) .

٣ - محاولة البحث عن القراءات الشاذّة، واتّخاذها ذريعةً لإيجاد الشكّ في وثاقة ومصدريّة القرآن.

٤ - كانت بعض عمليّات الترجمة لدحض المبادئ الإسلاميّة وتغييرها.

٥ - نشر الترجمات المضلّلة التي تنطوي على الحقد والتعصّب الأعمى.

____________________

(١) جورج سيل (١٦٩٧ - ١٧٣٦م) مستشرق بريطاني. درس العربيّة واهتم بالإسلاميّات. نشر مؤلّفات كثيرة، له ترجمة انجليزيّة شهيرة للقرآن. عن المنجد (الإعلام). ص٣٧٧.

(٢) الجندي، أنور، مخطّطات الاستشراق في ضرب العقيدة والقرآن والسنّة - مجلّة منار الإسلام العدد ٧ - السنة ١٤.

١٤٧

٦ - استخدام كلمات قديمة بائدة بحيث لا يفهمها المثقّفون الجُدد.

٧ - الترجمة قامت في كثير من الأحيان بأسماءٍ مُستعارة وفيها التضليل الكثير.

٨ - حاولوا من خلال ترجماتهم - خصوصاً الفرنسيّة منها - أنْ يبثّوا في الروع أنّ القرآن من وضع محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه كتابٌ متناقض وليس بكتابٍ يُوحى به من الله تعالى.

٩ - حاول بعض اليهود، ومنهم المستشرق(أبراهام جيجر) إثبات نظريّته الشرّيرة القائلة بأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اطلع على كتب اليهود بلغاتها المختلفة، وأخذَ منهم كلَّ ما يهمّه.

١٠ - عند متابعة المقدّمات التي وضعت قبل الترجمات، نجد التشهير بالإسلام وبالمسلمين وبالنبيّ بشكلٍ يأباه العلم والباحثون المنصفون.

١١ - حاولوا إثارة ترجمة القرآن حسب النزول لإيجاد حالة التشكيك والتردّد لدى المسلمين العاديّين والمثقّفين المتأثّرين بالثقافة الغربيّة.

هذهِ خلاصة لنماذج هي أبرز ما طالته يد المستشرقين للنيل من قدسيّة القرآن الكريم ومقامه باعتباره كتاباً إلهياً، وقد جاءت معبرة عن غاية خبثهم وعمق دوافعهم المعاديّة للإسلام وللأُمّة الإسلاميّة لتمهيد الطريق أمام حضارة أوربّا الاستعماريّة.

١٤٨

سيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)وأهل بيته (عليهم السلام)

لمّا كان الثقل الثاني من الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم هُم أهل البيت (عليهم السلام)، وأصلُهم البارز ومبدأهم الأوّل وعمود نورهم المقوّم، هو الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كان ثاني ما اهتمّ به المُستشرقون من موضوعات هذا الدين.

فتناول الكثير منهم شخصيّاتهم وسيرتهم بطريقةٍ مليئةٍ بالشيطَنة والخبث والتزوير، مُستترين بستار البحث والنقد العلميّين، خصوصاً أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأهل بيته (عليهم السلام) رسموا تاريخ هذا الدين وترجموه في الواقع، حركةً تغييريّةً شاملة عملت على استئصال جذور الجاهليّة والظلم والانحراف، وأماطت اللثام عنها، وكشفت مواطن الحق مِن الباطن، وما هو لله منه وما هو للشيطان...لتُميّز البشريّة طريق الهُدى مِن طريق الضلال، لا من خلال المفاهيم والنظريّات فحسب؛ لأنّها قد لا تسلم من التحريف والتلبيس عند التطبيق، بل من خلال المصاديق المعصومة التي تكشف عن الإرادة الحقيقيّة لله سبحانه وتعالى في خطابه للبشريّة وتشريعاته لنُظم حياتهم وترشيد مسيرتهم نحو السعادة والكمال المطلق.

وكان محور محاولات المُستشرقين في تناول السيرة النبويّة هو إسقاط هذا الثقل في واقع المسلمين، منضمّاً إلى الثقل الأوّل وهو القرآن الكريم، وبذلك ينهار البناء الإسلامي بكلّ أبعاده الفكريّة والسياسيّة... ومن أجل ذلك راحوا يتتبّعون مفردات التاريخ الإسلامي؛ لاستقصاء موارد الشذوذ ومواطن التزوير في السيرة النبويّة، التي أحدثها وعّاظ

١٤٩

السلاطين ومرتزق الحكام المنحرفين، كخلفاء بني أُميّة وخلفاء بني العبّاس، وتسليط الضوء عليها إظهارها على أنّها السيرة الفعليّة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)، ثمّ يبدأ استثمار ذلك عند تأسيس بحثٍ نقدي لشخصيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتحقيق هدفين:

الأوّل: إبراز تهافت وتناقض في سيرته وصولاً لنفي نبوّته وعالميّته، وتقرير أنّه ليس إلاّ رجلُ إصلاحٍ قومي، استثمر النصرانيّة واليهوديّة وأمثالهما وأضاف إليها من عنده؛ لتنسجم مع مجتمعه وظرفه الزماني والمكاني.

والثاني: وصمُ السنّة النبويّة بالاختلاق والوضع، ومِن ثمّ الدعوة إلى عدم حجّيتها كمصدر أساسي من مصادر التشريع في الإسلام، ولم تكن هذه المُعطيات جزافاً، بل هي إفراز طبيعي للصراع المُحتدم بين الإسلام والصليبيّة، وقد كان للنتائج التي تمخّضت عنها الحروب الصليبيّة طعم العلقم في حلوق الأوربيّين لا ينسونه أبداً.

ويتحدّث الكاتب المسلم(ليوبولد فايس) - (محمّد أسد) - عن التجربة المُرّة التي استحالت مُعضلة في مناهجهم يصعب تجاوزها، فيقول:( فيما يتعلّق بالإسلام فإنّ الاحتقار التقليدي أخذ يتسلّل في شكل تحزّبٍ غير معقول على بحوثهم العلميّة، وبقي هذا الخليج الذي حفره التاريخ بين أوربّا والعالم الإسلامي - مُنذ الحروب الصليبيّة - غير معقودٍ فوقه جسر، ثمّ أصبح احتقار الإسلام جزءاً أساسيّاً في التفكير الأوربّي، والواقع أنّ المستشرقين الأوائل في الأعصر الحديثة كانوا مُبشّرين نصارى يعملون في البلاد الإسلاميّة، أمّا تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزةٌ موروثة، وخاصّة طبيعيّة تقوم على المؤثّرات التي خلّفتها الحروب الصليبيّة بكلّ ما لها من ذيول في عقول الأوربيّين).

لقد كشفت أقلام الكثير من المستشرقين عن الحقد والغريزة العدائيّة الموروثة، تجاه الإسلام والمسلمين ونبيّهم نبيّ الرحمة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتّى كالوا من الشتائم ما يربأ قلمنا عن تناوله، لو لا أنّنا بصدد تعريتهم وكشف مخطّطاتهم الخبيثة

١٥٠

التي تنسج تحت ستار العلم والمعرفة.

فهذا(المونيسنيور كولي) يقول في كتابه(البحث عن الدين الحق) : (برَز في الشرق عدوٌّ جديد هو الإسلام، الذي أُسّس على القوّة وقام على أشدّ أنواع التعصّب، ولقد وضع محمّدٌ السيف في أيدي الذين تبعوه وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق، ثمّ سمح لأتباعه بالفجور والسلب، ووعَد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذّات في الجنّة، وبعد قليل أصبحت آسيا الصغرى وإفريقيا واسبانيا فريسةً له، حتّى ايطاليا هدّدها الخطر وتناول الاجتياح نصف فرنسا، لقد أُصيبت المدنية...

ولكن انظر: ها هي النصرانيّة تضع بسيف(شارل مارتل) سدّاً في وجه سيل الإسلام المُنتصر عند بوابّات(بواتييه) ثمّ تعمل الحروب الصليبيّة في مدى قرابة قرنين تقريباً (١٠٩٩ - ١٢٥٤م) في سبيل الدين، فتدجّج أوربّا بالسلاح وتنمّي النصرانيّة.

وهكذا تقهقرت قوّة الهلال أمام راية الصليب، وانتصر الإنجيل على القرآن، وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة).

أمّا(المسيو كيمون) فيقول في كتابه(ميثولوجيا الإسلام) : (إنّ الديانة المحمّديّة جذامٌ نشأ بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعاً، بل هو مرضٌ مروّع وشللٌ عام، وجنونٌ ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يُوقظهُ منهما إلاّ ليسفك الدماء ويدمن معاقرة الخمور ويجمح في القبائح.

وما قبر محمّد في مكّة [!](١) إلاّ عموٌد كهربائي يبثّ الجنون في رؤوس المسلمين ويُلجئهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع [الهستريا] والذهول العقلي، وتكرار لفظ (الله... الله...) إلى ما لا نهاية وتعوّد عادات تنقلب إلى طِباع أصيلة ككراهيّة لحم الخنزير، والنبيذ، والموسيقى، وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور في الملذّات).

____________________

(١) قبر رسول الإسلام محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المدينة المنوّرة وليس في مكّة المكرّمة.

١٥١

وتستمرّ أقلام الحقد الاستشراقي المُشبع بالدوافع التبشيريّة والاستعماريّة تسطّر - جزافاً - أوصافاً ومقولات رخيصة، بحقّ الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دون مراعاةٍ لأيّ حقيقة تاريخيّة، أو قاعدة من قواعد الطرح العلمي، فقد كتب الدكتور(غلاوو) في نهاية الباب الرابع من كتابه(تقدّم التبشير العالمي) الذي نشره في نيويورك سنة ١٩٦٠م:( إنّ سيف محمّد والقرآن أشدّ عدوٍّ وأكبرُ معاندٍ للحضارة والحريّة والحق، ومن العوامل الهدّامة التي اطّلع عليها العالم إلى الآن).

ويستمرّ في نقدهِ الوضيع لشخصيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيقول:( كان محمّدٌ حاكماً مطلقاً، وكان يعتقد أنّ من حقّ الملك على الشعب أنْ يتبع هواه ويفعل ما يشاء، وكان مجبولاً على هذهِ الفكرة، فقد كان عازماً على أنْ يقطع عنق كلّ من لا يوافقه في هواه، أما جيشه العربي فكان يتعطش للتهديم والتغلب، وقد أرشدهم رسولهم أنْ يقتلوا كلّ من يرفض اتّباعهم ويبعد عن طريقهم)! .

أمّا(سفاري) الذي ترجم معاني القرآن سنة (١٧٥٢م)، فيعتقد( أنّ محمّداً لجأ إلى السلطة الإلهية لكي يدفع الناس إلى قبول هذهِ العقيدة، ومن هنا طالب بالإيمان به كرسول الله، وقد كان هذا اعتقاداً مزيّفاً أملته الحاجة العقليّة...) . وبنفس المنطق يقول (جويليان) في كتابه (تاريخ فرنسا):

(إنّ محمّداً، مؤسّس دين المسلمين، قد أمر أتباعه أنْ يُخضعوا العالم وأنْ يبدلّوا جميع الأديان بدينه هو،....ماذا كان حال العالم لو أنّ العرب انتصروا علينا؟ إذن لكنّا مسلمين كالجزائريّين والمراكشيّين).

وعلى نفس المنوال كانت كتاباتهم عن أئمّة أهل بيت النبوّة (عليهم السلام)، نذكر أدناه نماذج منها: منها ما أورده المستشرق (تسترشتين K. V. Zettersteen ) عن (ابن تيمية) في دائرة المعارف الإسلاميّة تحت مادّة (ابن تيمية) طعناً في عصمة الإمام

١٥٢

عليّ (عليه السلام)، من (أنّ عليّ بن أبي طالب أخطأ ثلثمِئة مرّة)(١) .

وبهدف الانتقاص والنيل من شخصيّة ومقام الإمام الحسن (عليه السلام)، توالت افتراءات العديد من المستشرقين في اتّهام الإمام الحسن (عليه السلام)، واختلاق الأكاذيب حول أخلاقه الشخصيّة وسيرته ومواقفه الرساليّة، وعلى رأسها إبرام الشبهات حول حقيقة صلحه مع معاوية بن أبي سفيان.

وكان في مقدّمة هؤلاء المستشرقين (بروكلمان) و(راويت رونلدسن) و(هوكلي) و(ساكيس).

على أنّ أكثرهم افتراءً ودسّاً وتحاملاً، حاقداً فيما قال هو المستشرق (لامنس H. Lammens ) المعروف بعدائه للإسلام وحقده على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، ومن مفترياته المليئة بالعبارات التجديفيّة، الكاشفة عن سقوط منهجه العلمي إلى حضيض السبِّ والشتائم الرخيصة، ما جاء تحت مادّة(الحسن) بن عليّ بن أبي طالب، الذي خالف فيه بشكلٍ فاضحٍ المعقولَ والمنقولَ من ثوابت التاريخ الإسلامي في حقّ الإمام الحسن (عليه السلام).

كقوله: (... إنّ الصفات الجوهريّة التي كان يتّصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات، والافتقار إلى النشاط والذكاء، ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته، وقد انفق خير سنيّ شبابه في الزواج والطلاق، فأُحصيَ له حوالي المِئة زيجة عدّاً، وأُلصِقَت به هذه الأخلاق السائبة لقب المِطلاق، وأوقعت عليّا في خصومات عنيفة.

وأثبت الحسن كذلك أنّه مبذّر كثير السرَف، فقد اختصّ كلاً من زوجاته بمَسكن ذي خدم وحشم، وهكذا ترى كيف كان يُبعثر المال أيّام خلافة عليّ التي اشتدّ عليها الفقر، وشهد يوم صفّين دون أنْ تكون له فيها مشاركة ايجابيّة، ثمّ هو إلى ذلك لم يهتمّ أيّ اهتمام بالشؤون العامّة في حياة أبيه.

____________________

(١) دائرة المعارف الإسلاميّة: ١: ١١٢.

١٥٣

وبُويع الحسن بالخلافة في العراق بعد مقتل عليّ فحاول أنصاره أنْ يقنعوه بالعودة إلى قتال أهل الشام، وقلب هذا الإلحاح من جانبهم خطط الحسن القعيد الهمّة، فلم يعد يفكّر إلاّ في التفاهم مع معاوية كما أدّى إلى وقوع الفرقة بينه وبين أهل العراق، وانتهى بهم الأمر إلى إثخان إمامهم اسماً لا فعلاً بالجراح، فتملّكت الحسن مُنذ ذلك الوقت فكرةٌ واحدة هي الوصول إلى اتّفاق مع الأُمويّين.

وترك له معاوية أنْ يحدّد ما يطلبه جزاء تنازله عن الخلافة، ولم يكتف الحسن بالمليونَيّ درهم التي طلبها معاشاً لأخيه الحسين، بل طلب لنفسه خمسة ملايين درهم أُخرى ودخل كورة في فارس طيلة حياته، وعارض أهل العراق بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتّفاق، بَيد أنّه أُجيب إلى كلّ ما سأله حتّى أنّ حفيد النبيّ اجترأ فجاهر بالندم، على أنّه لم يُضاعف طلبه، وترك العراق مشيّعاً بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة.

وهناك عاد إلى حياة اللهو واستسلم للملذّات، ووافق معاوية على أنْ يدفع نفقاته ولم يطلب في مقابل ذلك إلا أمراً واحداً، هو ألا يخلّ الحسنُ بأمن الدولة، وكان قد أجبره من قبل على الجهر بتنازله عن الخلافة في اجتماعٍ عُقِد في(أذرح) ولم يعد معاوية يشغل باله به، ذلك أنّه كان واثقاً من قُعود همّته وإيثاره للدِعة.

ومع هذا فقد استمرّ الانقسام في البيت العلوي، ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين وإنْ اجتمعا على مناهضة ابن الحنفيّة وغيره من أبناء عليّ.

وتوفّي الحسن في المدينة بذات الرئة، ولعلّ إفراطه في الملذّات هو الذي عجّل بمنيّته. وقد بُذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس معاوية، وكان الغرض من هذا الاتّهام وصم الأمويّين بهذا العار، وتبرير لقب الشهيد أو (سيّد الشهداء) الذي

١٥٤

خُلِع على ابن فاطمة هذا...(١) . ولم يجرؤ على القول بهذا الاتّهام الشنيع جهرةً سِوى المؤلّفين من الشيعة، أو أولئك الذين كان هواهم مع العلويّة بنوعٍ خاص، وقد أعطى هذا الاتّهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المُبغضة من الشيعة، لما كان لها من شأن في الانقلاب الذي حدث يوم صفّين، وما كان معاوية بالرجل الذي يقترف إثماً لا مبرّر له.

كما أنّ الحسن كان قد أصبح مسالماً منذ أمدٍ طويل، وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أبهظته مطالبه المتكرّرة، ومن اليسير أنْ نعلّل ارتياح معاوية وتنفّسه الصعداء عندما سمِع بمرضِ الحسن)(٢) .

ومن أقوالهم وآرائهم لجزافيّة التي تكشف عن سطحيّة معلوماتهم وعدم استقصائهم لحقائق تاريخ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ما أورده (تسترشتين K. V. Zettersteen ) في دائرة المعارف الإسلاميّة تحت مادّة(جعفر) بقوله:( جعفر بن محمّد، ويلقّب أيضاً بالصادق، سادس الأئمّة ألاثني عشريّة.. وخلف في الإمامة أباه محمّداً الباقر، ولم يكن له شأن في عالم السياسة، ولكنّه عُرِف بدرايته الواسعة بالحديث، ويُقال أيضاً: إنّه اشتغل بالتنجيم والكيمياء وغيرهما من العلوم الخفيّة، أمّا المؤلّفات التي تحمل اسمه فقد دُسّت عليه فيما بعد...)(٣) .

بهذا المنهج وبهذه الروح المُتعصّبة، تناولوا شخصيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) وسيرتهم، فكانت المعطيات رؤىً واستنتاجات ما أنزل الله بها من سلطان، يصوّرونها وكأنّها حقائقٌ ثابتة ويقينٌ راسخ، رغم أنّها بُنيت أساساً على الوهم الذي تستحيل معهُ رؤية الحقائق بحجمها الطبيعي؛ لأنّها انبثقت عن زاوية

____________________

(١) اعرضنا عن ذكر هذا المحذوف لما فيه من إساءة فاحشة بحقّ الإمام الحسن (عليه السلام) لا يليق بنا إيرادها.

(٢) دائرة المعارف الإسلاميّة: ٧: ٤٠٠.

(٣) دائرة المعارف الإسلاميّة: ٦: ٤٧٣.

١٥٥

ضيّقة مترعة بالتعصّب، ونظر إليها من خلال خلفيّة سلبيّة مُسبقة، جعلت منهم ينتقون لبناء نظريّتهم عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأهل بيته (عليهم السلام) الشاذّ الغريب ممّا نُقِل عنهم صلوات الله عليهم، بل واختلاق الأكاذيب والافتراءات عليهم.

ويُمكننا وضع اليد على الكثير من مصاديق ذلك في كتاباتهم ومؤلّفاتهم، ونكتفي بالإشارة لأهمّ أنماط هذه المصاديق المُنحرفة، التي تضمّنتها نظريّتهم عن الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام):

أولاً: تتبّع الشاذّ والضعيف من الأخبار الواردة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأهل بيته (عليهم السلام) وعن سيرتهم وتاريخهم: وهذه الأخبار غالباً ما تكون من تلك التي عُرِفت بالإسرائيليّات، أو من الموضوعات في ظلّ الحكومات التي كانت تُعادي أهل بيت النبوّة (عليهم السلام)، وبإبرازها دون المشهور والموثوق منها؛ لكي يتمّ لهم الأساس الذي يبنون عليه نظريّتهم عن سيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام).

وبهذا الصدد يقول (جواد عليّ) في كتابه (تاريخ العرب في الإسلام): (لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف والموضوع في بعض الأحيان وحكموا بموجبه واستعانوا بالشاذّ والغريب، فقدموه على المعروف والمشهور)(١) ، وقد مهّد لذلك قيام بعضهم بإصدار كتب عن السنّة النبويّة، ومعاجم مفهرسة لألفاظ الحديث دُسّت فيها الأخبار والتقارير الشاذّة والمردودة ضمن سياق الصحيح، لتسوغ معها ويختلط أمرها فيعتمد القارئ أو الباحث عليها على أنّها من السنّة النبويّة، كما فعلهُ المستشرق(فينسنك) في كتابه(كنوز السنّة) ومعجمهِ المفهرس لألفاظ الحديث.

ومن ذلك نقلهم للروايات الكاذبة حول زوجات الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) كرواية (السبعين والتسعين، وغيرها من الروايات التي تصف

____________________

(١) عليّ، جواد - (تاريخ العرب في الإسلام) - الجزء الأوّل - ص٨ - ١١ من موضوع (السيرة النبويّة).

١٥٦

الإمام الحسن (عليه السلام) بأنّه مطلاق، وأنّ والده كان يقول: لا تزوّجوا ولدي الحسن فإنّه مطلاق، فلا مصدر لها، إلاّ المدائني وأمثاله من الكَذَبة كما يبدو من أسانيدها، والمدائني والواقدي وغيرهما من المؤرّخين القدامى قد كتبوا التاريخ في ظلّ الحكومات التي كانت تناهض أهل البيت، وتعمل بكلّ ما لديها من الوسائل على تشويه واقعهم وانتقاصهم، ولم يكن حكّام الدولة العباسيّة بأقلّ سوءاً وتعصّباً من أسلافهم الأمويّين، فقد شاركوهم في وضع الأحاديث التي تسيء إلى العلويّين، وكانوا يحقدون على الحسنَين بصورةٍ خاصّة؛ لأنّ أكثر الثائرين على الظلم كانوا من أولاد الحسن وأحفاده.

وعلى ما يبدو أنّ الذين ألصقوا بالحسن كثرة الزواج والطلاق هؤلاء الثلاثة: المدائني، والشبلنجي، وأبو طالب المكّي في قوت القلوب، وعنهم أخذَ المستشرقون، أمّا عليّ بن عبد الله البصري المعروف بالمدائني، والمُعاصر للعباسيّين فهو من المتّهمين بالكذِب في الحديث.

وجاء في ميزان الاعتدال للذهبي أنّ مسلماً في صحيحه قد امتنع عن الرواية عنه، وأنّ ابن عدِي قد ضعّفه، وقال له الأصمعي: والله لتتركنّ الإسلام وراء ظهرك، وكان من خاصّة أبي إسحاق الموصلي، وقد تبعه لثرائه، ويروي عن عوانة بن الحكم المتوفّى سنة ١٥٨ والمعروف بولائه لعثمان والأمويّين.

ونصّ ابن حجر في لسان الميزان أنّ عوانة كان يضع الأخبار لبني أميّة، وجاء في معجم الأُدباء أنّه كان مولى لسمرة بن حبيب الأموي، أمّا صاحب لسان الميزان فقد قال: إنّه كان مولىً لعبد الرحمان بن سمرة بن حبيب الأموي، هذا بالإضافة إلى أنّ أكثر رواياته من نوع المراسيل، كلّ ذلك ممّا يبعث على الاطمئنان بأنّ رواية السبعين، التي لم يروِها غير المدائني من موضوعاته لمصلحة الحاكمين أعداء العلويّين.

١٥٧

أمّا رواية التسعين فقد أرسلها الشبلنجي في كتابه نور الأبصار ولم ينسبها لأحد، والشبلنجي في كتابه المذكور لم يتحرّ الصحيح في مرويّاته وأخباره كما يبدو ذلك للمتتبّع فيه، والمرسل إذا لم يكن مدعوما بشاهد من الخارج أو الداخل لا يصلح للاستدلال، في حين أنّ الشواهد والقرائن ترجّح بأنّه من صنع الحاقدين على أهل البيت.

وأمّا رواية المكّي في قوت القلوب فهي أقرب إلى الأساطير من غيرها؛ لأنّها لم ترد على لسان أحدٍ من الرواة، وأبو طالب المكّي كان مصابا بالهستيريا كما نص على ذلك معاصروه، وحينما وفد على بغداد وجد البغداديون في حديثه هذياناً وخروجاً عن ميزان الاعتدال والاستقامة)(١) .

ومثله ما ألصقوه، على أساس الروايات الشاذّة والمختلقة، من تهم شنيعة وشُبهاتٌ ظالمة للإمام الحسن (عليه السلام)، حول صلحه مع معاوية بن أبي سفيان، وقد ردّ عليها علماءُ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وكثير من المفكّرين الإسلاميّين والمنصفين من أهل العلم والتخصّص، ومن أبرزهم العلاّمة المحقّق الإمام السيّد(عبد الحسين شرف الدين الموسوي) في مقدّمته لكتاب(صلح الحسن) للشيخ راضي آل ياسين، التي جاء فيها:

( .. نشَط معاوية في عهد الخليفتين الثاني والثالث، بإمارته على الشام عشرين سنة، تمكّن بها في أجهزة الدولة، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصّة في الشام كلّها مِن أعوانه، وعظم خطره في الإسلام، وعُرِف في سائر الأقطار بكونه مِن قُريش - أسرة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - وأنّه من أصحابه، حتّى كان - في هذا - أشهر من كثير من السابقين الأوّلين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، كأبي ذر وعمّار والمقداد وأضرابهم).

____________________

(١) الحسني، هاشم معروف - سيرة الأئمّة الاثني عشر - ١: ٥٥٤ - ٥٥٧.

١٥٨

هكذا نشأت (الأمويّة) مرّة أُخرى، تغالب الهاشميّة باسم الهاشميّة في علنها، وتكيد لها كيدها في سرّها، فتندفع مع انطلاق الزمن تخدع العامّة بدهائها، وتشتري الخاصّة بما تغدقه عليه من أموال الأمّة، وبما تؤثرهم به من الوظائف التي ما جعلها الله للخوَنة مِن أمثالهم، وتستغلّ مظاهر الفتح وإحراز الرضا من الخلفاء.

حتّى إذا استتب أمر (الأمويّة) بدهاء معاوية، انسلّت إلى أحكام الدين انسلال الشياطين، تدسّ فيها دسّها، وتفسد إفسادها، راجعة بالحياة إلى جاهليّة تبعث الاستهتار والزندقة، وفق نهجٍ جاهلي، وخطّة نفعيّة، ترجوها (الأمويّة) لاستيفاء منافعها، وتستخرها لحفظ امتيازاتها.

والناس - عامّة - لا يفطنون لشيء من هذا، فإنّ القاعدة المعمول بها في الإسلام - أعني قولهم: الإسلام يجبّ ما قبله - ألقت على فظائع (الأمويّة) ستراً حجبها، ولا سيّما بعد أنْ عفا عنها رسول الله وتألفها، وبعد أنْ قرّبها الخلفاء منهم، واصطفوها بالولايات على المسلمين، وأعطوها من الصلاحيّات ما لم يعطوا غيرها من ولاتهم، فسارت في الشام سيرتها عشرين عاما( ..لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ.... ) ولا ينهون.

وهذا ما أطغى معاوية، وأرهف عزمه على تنفيذ خططه (الأمويّة)، وقد وقف الحسن والحسين من دهائه ومكره إزاء خطرٍ فظيع، يهدّد الإسلام باسم الإسلام، ويطغى على نور الحقّ باسم الحق، فكانا في دفع هذا الخطر أمام أمرين لا ثالث لهما: إمّا المقاومة، وإمّا المسالمة.

وقد رأيا أنّ المقاومة في دور الحسن تؤدّي لا محالة إلى فناء هذا الصفّ المدافع عن الدين وأهله، والهادي إلى الله عزّ وجل، وإلى صراطه المستقيم، إذ لو غامر الحسن يومئذٍ بنفسه وبالهاشميّن وأوليائهم، فواجه بهم القوّة التي لا قِبل لهم بها مصمّما على التضحية، تصميم أخيه يوم(الطف)

١٥٩

لانكشفت المعركة عن قتلهم جميعاً، ولانتصرت (الأمويّة) بذلك نصراً تعجز عنه إمكانيّاتها، ولا تنحسر عن مثله أحلامها وأُمنياتها، إذ يخلو بعدهم لها الميدان، تمعن في تَيهها كلّ إمعان، وبهذا يكون الحسن - وحاشاه - قد وقع فيما فرّ منه على أقبح الوجوه، ولا يكون لتضحيته أثر لدى الرأي العام إلاّ التنديد والتفنيد؛ لأنّ معاوية كان يطلب الصلح ملحّا على الحسن بذلك، وكان يبذل له من الشروط لله تعالى وللأُمّة كلّ ما يشاء، يناشده الله في حقن دماء أمّة جدّه.

وقد أعلن طلبه هذا فعلمه المعسكران، مع أنّ الغلبة كانت في جانبه لو استمرّ القتال، يعلم ذلك الحسن ومعاوية وجنودهما، فلو أصرّ الحسن - والحال هذه - على القتال، ثمّ كانت العاقبة عليه لعذله العاذلون وقالوا فيه ما يشاؤون.

ولو اعتذر الحسن يومئذٍ بأنّ معاوية لا يفي بشرط، ولا هو بمأمون على الدين ولا على الأمّة، لمَا قَبل العامّة يومئذٍ عذره، إذ كانت مغرورة بمعاوية كما أوضحناه، ولم تكن الأمويّة يومئذٍ سافرة بعيوبها سفوراً بيّناً بما يؤيّد الحسن أو يخذل معاوية، لاغترار الناس بمعاوية وبمكانته من أُولي الأمر الأوّلين، لكنْ انكشف الغطاء، في دور سيّد الشهداء فكان لتضحيته (عليه السلام) من نصرة الحق وأوليائه آثاره الخالدة.

ومن هنا رأى الحسن (عليه السلام) أنْ يترك معاوية لطغيانه، ويمتحنه بما يصبو إليه من الملك، لكن أخذ عليه في عقد الصلح، أنْ لا يعدو الكتاب والسنّة في شيء من سيرته وسيرة أعوانه ومقوّية سلطانه، وأنْ لا يطلب أحداً من الشيعة بذنبٍ أذنبه مع الأموية، وأنْ يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين، وأنْ، وأنْ، وأنْ. إلى غير ذلك من الشروط التي كان الحسن عالماً بأنّ معاوية لا يفي له بشيء منها، وأنّه سيقوم بنقائضها.

هذا ما أعدّه (عليه السلام) لرفع الغطاء عن الوجه (الأموي) المموّه، ولصَهر الطلاء

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بمنى دون مكة(١) ، فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو عند أهله(٢) ، والأحوط الاولى أن تكون متواليات(٣) .

ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلا منه بالحكم، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أوالتذكر، فإن لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الاحوط(٤) .

مسألة ٢٧٦: إن جملة من مناسك الحج كالوقوف في عرفات وفي المزدلفة ورمي الجمار والمبيت بمنى، بما أن لها أياما وليالي خاصة من شهر ذي الحجة الحرام، فوظيفة المكلف أن يتحرى رؤية هلال هذا الشهر ليتسنى له الإتيان بمناسك حجه في أوقاتها.

وإذا ثبت الهلال عند قاضي الديار المقدسة، وحكم على طبقه،

____________________

رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله.

(١) كما هو ظاهر صحيحة ضريس، اذ قولهعليه‌السلام «ينحرها يوم النحر» كناية عن النحر في منى والقرينة واضحة فتدبر.

(٢) للصحيحة المتقدمة.

(٣) خروجا عن خلاف المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر.

(٤) وجه الاحتياط أن موضوع الكفارة في النصوص الافاضة العمدية، وبإطلاقها قد تكون شاملة للمقام وهو لايخلو من قوة.

٢٤١

وفرض مخالفته للموازين الشرعية، فقد يقال بحجيته حكمه في حق من يحتمل مطابقته مع الواقع، فيلزمه متابعته وترتيب آثار ثبوت الهلال فيما يرتبط بمناسك حجه من الوقوفين وغيرهما، فإذا فعل ذلك حكم بصحة حجه وإلا كان محكوما بالفساد.

بل قد يقال بالاجتزاء بمتابعة حكمه حتى فيما لم يحتمل مطابقته مع الواقع في خصوص ماتقتضي التقية الجري على وفقه.

ولكن كلا القولين في غاية الإشكال(١) ، وعلى هذا فإن تيسر للمكلف أداء أعمال الحج في أوقاتها الخاصة حسبما تقتضيه الطرق المقررة لثبوت الهلال وأتى بها صح حجه مطلقا على الأظهر.

وإن لم يأت بها كذلك - ولو لعذر - فإن ترك أيضا اتباع رأي القاضي في الوقوفين فلا شك في فساد حجه، وأما مع اتباعه ففي صحة حجه إشكال.

____________________

(١) للقصور في دلالة النصوص، وجزم السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته بالاجزاء في صورة احتمال المخالفة، وفصل بعض الاساتذة في صورة العلم بالخلاف بين كون التقية مستوعبة للوقت او لا، فيجزي في الاول دون الثاني وله شواهد في باب الصلاة، ويمكن استشعار الصحة مطلقا من معتبرة ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس.

٢٤٢

الوقوف في المزدلفة

وهو الثالث من واجبات حجّ التمتع.

والمزدلفة اسم لمكان يقال له: المشعر الحرام، وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر، وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف إلا عند الزحام وضيق الموقف، فإنه يجوز حينئذ الارتفاع الى المأزمين(١) .

مسألة ٢٧٧: يجب على الحاجّ - بعد الإفاضة من عرفات - أن يبيت شطرا من ليلة العيد بمزدلفة حتى يصبح بها، والاحوط أن يبقى فيها إلى طلوع الشمس(٢) ، وإن كان الاظهر جواز الإفاضة منها إلى وادي

____________________

(١) ففي موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

(٢) تبعا للاكثر.

٢٤٣

محسر قبل الطلوع بقليل(١) .

نعم لايجوز تجاوز الوادي إلى منى قبل أن تطلع الشمس(٢) .

مسألة ٢٧٨: الوقوف في تمام الوقت المذكور وإن كان واجباً في حال الاختيار إلا أن الركن منه هو الوقوف في الجملة.

فإذا وقف بالمزدلفة مقدارا من ليلة العيد ثم أفاض قبل طلوع الفجر صح حجه على الاظهر وعليه كفارة شاة إن كان عالماً، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه(٣) .

____________________

(١) تشهد له صحيحة هشام عنهعليه‌السلام قال: لاتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس »، وفي موثقة اسحاق قال: سألت أبا ابراهيمعليه‌السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع ؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال: لابأس »، ومثلها صحيحة معاوية بن حكيم، وعن ابن مهزيار عمن حدثه عن حماد عن جميل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا »، وفي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها.

(٢) كما هو مقتضي صحيحة هشام.

(٣) تدل عليه صحيحة مسمع عن ابي ابراهيمعليه‌السلام في رجل

=

٢٤٤

وإذا وقف مقدارا مما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صح حجه أيضا ولاكفارة عليه وإن كان آثما(١) .

مسألة ٢٧٩: يستثنى من وجوب الوقوف بالمزدلفة بالمقدار المتقدم الخائف والصبيان والنساء والضعفاء - كالشيوخ والمرضى - ومن يتولى شؤونهم، فإنه يجوز لهؤلاء الاكتفاء بالوقوف فيها ليلة العيد والإفاضة منها إلى منى قبل طلوع الفجر(٢) .

مسألة ٢٨٠: يعتبر في الوقوف بالمزدلفة نية القربة والخلوص(٣) ، كما يعتبر فيه أن يكون عن قصد نظير مامر في الوقوف بعرفات.

مسألة ٢٨١: من لم يدرك الوقوف الاختياري - الوقوف في الليل والوقوف فيما بين الطلوعين - في المزدلفة لنسيان أولعذر آخر أجزأه

____________________

=

وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» وهي كما ترى ظاهر في وجوب الكفارة على من أفاض قبل الفجر مطلقا حتى الجاهل، لوجه المقابلة فتدبر.

(١) اما عدم الكفارة فلعدم الدليل، واما الاثم فلترك الواجب.

(٢) بلا خلاف في ذلك لجملة من النصوص.

(٣) لكونها عبادة متقومة بذلك.

٢٤٥

الوقوف الاضطراري(١) - الوقوف قليلا فيما بين طلوع الشمس الى زوالها يوم العيد - ولو تركه عمداً فسد حجه(٢) .

إدراك الوقوفين أو أحدهما

تقدم أن كلاً من الوقوفين - الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة - ينقسم الى قسمين: اختياري واضطراري، فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، وإن فاته ذلك لعذر فله صور:

الاولى: أن لايدرك شيئا من الوقوفين - الاختياري منهما والاضطراري - أصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج(٣) .

وإذا كان حجه حجة الإسلام وجب عليه اداء الحج بعد ذلك

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك للنصوص.

(٢) لتركه الركن بترك بدله الاضطراري.

(٣) نصاً واجماعاً.

٢٤٦

فيما اذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته(١) .

الثانية: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.

الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة.

ففي هاتين الصورتين يصحّ حجه بلا إشكال(٢) .

الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة، والاظهر في هذه الصورة صحة حجه(٣) ، وإن كان الاحوط إعادته(٤) بعد ذلك كما في الحالة المتقدمة في الصورة الاولى(٥) .

____________________

(١) ووجهه ظاهر.

(٢) للنص والاجماع.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة العطار: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولاشيء عليه.

(٤) والظاهر أنه لاوجه لهذا الاحتياط، إلا أن يكون خروجا عن خلاف من تردد او حكم بالبطلان.

(٥) اذا كانت استطاعته باقية او كان الحج مستقرا عليه.

٢٤٧

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورةيصح حجه أيضا(١) .

السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط والاظهر في هذه الصورة بطلان الحج(٢) وانقلابه الى عمرة مفردة.

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك وتدل عليه جملة من النصوص منها صحيحة معاوية المتقدمة.

(٢) كما هو المشهور، لجملة من النصوص الصريحة الصحيحة، وفي قبالها طائفة اخرى تدل على الصحة بالاطلاق، فيرفع اليد عنها تقديما للنص على الظاهر، اذ لسان الثانية «من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» فبإطلاقها تشمل من لم يدرك عرفات اصلا، اما لسان الاولى ففي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلايتم حجه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل » وهى ناصة على بطلان من أدرك المشعر الاضطراري كما لايخفي.

وذهب بعض الاساتذة الى التفصيل بين حج التمتع والافراد، فذهب الى

=

٢٤٨

السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، والأظهر في هذه الصورة أيضا بطلان الحج(١) فينقلب حجه الى

____________________

=

الصحة في الاول والبطلان في الثاني، لكون أدلة الصحة بعضها صريح في التمتع والاخر مطلق، وأدلة البطلان بعضها مقيد بالافراد والاخر مطلق من حيث نوعية الحج، ففي صحيحة حريز قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » ومثلها رواية اسحاق.

وفي صحيحة جميل: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، ومن ادرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة.

(١) خلافا للمشهور والمعروف بين الاصحاب، وفي الجواهر نفى الخلاف المحقق في صحة الاجتزاء به بل في المنتهى أنه موضع وفاق، تبعا لعدة من النصوص.

ففي صحيحة الخثعمي عن ابي عبداللهعليه‌السلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتي منى، قال: ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها ؟ قلت: فإنه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته، قال: لابأس.

وفي صحيحة معاوية قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : مملوك اعتق يوم عرفة ؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»، وفي صحيحته

=

٢٤٩

العمرة المفردة، ويستثنى من ذلك ما إذا مر بمزدلفة في الوقت الاختياري في طريقه الى منى، ولكن لم يقصد الوقوف بها جهلا منه بالحكم، فإنه لايبعد صحة حجه حينئذ إذا كان قد ذكر الله تعالى عند مروره بها(١) .

____________________

=

الاخرى عنهعليه‌السلام في مملوك اعتق يوم عرفة، قال: اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » فدلالتها صريحة بل نص في اجزاء أحد الموقفين ولاخصوصية قطعا للعبد اذ قولهعليه‌السلام «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » حكم كلي أحد موارده العبد المعتوق ليلة عرفة.

أما قولهعليه‌السلام في حسنة الحلبي « اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » فهو قابل للتقييد، أو الحمل على أن الانسان اذ قدم وقد فاتته المزدلفة فقد فاته الحج بخلاف ما اذا قدم وقد فاته عرفات فإن الحج لايفوت بفواته، فهي في مقام تحديد آخر مايمكن أن يدرك به الحج، فما عليه المشهور هو المعتمد خلافا للعلامة وغيره من المعاصرين، والله العالم.

(١) ففي صحيحة ابن حكيم قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : أصلحك الله الرجل الاعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الاعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هو إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أليس قد صلوا بها، فقد أجزأهم، قلت: فإن لم يصلوا بها ؟ قال: فذكروا الله فيها، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم.

٢٥٠

الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجه(١) وينقلب الى العمرة المفردة.

منى وواجباتها

يجب على الحاج بعد الوقوف في المزدلفة الإفاضة الى منى، لاداء الأعمال الواجبة هناك، وهي كما نذكرها تفصيلا ثلاثة:

١ - رمي جمرة العقبة

الرابع - من واجبات الحج -: رمي جمرة العقبة يوم النحر ويعتبر فيه أمور:

١ - نية القربة والخلوص.

٢ - أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولايجزىء الأقل من ذلك، كما لايجزىء رمي غيرها من الأجسام.

٣ - أن يكون رمي الحصيات واحد بعد واحدة، فلا يجزىء

____________________

(١) لعدم الدليل على الصحة.

٢٥١

رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة.

٤ - أن تصل الحصيات إلى الجمرة فلا يحسب مالا يصل(١) .

٥ - أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي، فلا يجزىء وضعها عليها(٢) .

٦ - أن يكون كل من الاصابة والرمي بفعله(٣) ، فلو كانت الحصاة بيده فصدمه حيوان أو انسان وألقيت إلى الجمرة لم يكف، وكذا لو ألقاها فوقعت على حيوان أو انسان فتحرك فحصلت الإصابة بحركته(٤) .

نعم، إذا لاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم أصابت الجمرة - ولو بصدمته كما لو وقعت على أرض صلبة فطفرت فأصابتها - فالظاهر الإجزاء(٥) .

____________________

(١) نصاً واجماعاً وسيرةً في كل مامر.

(٢) لعدم تحقق الرمي.

(٣) ووجه واضح.

(٤) ففي صحيحة معاوية: اذا رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها.

(٥) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: وإن اصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك.

٢٥٢

٧ - أن يكون الرمي بيده(١) ، فلو رمى الحصيات بفمه أو رجله لم يجزئه، وكذا لو رماها بآلة - كالمقلاع - على الاحوط(٢) .

٨ - أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها(٣) ، ويجزىء للنساء وسائر من رخص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد).

* مسألة ٢٨٢: من يتولى شؤون المعذورين والنساء اذا استغني عن مرافقته لهم في نهار يوم العيد بمقدار الرمي لم يجزئه الرمي ليلا(٤) .

____________________

(١) لانصراف الرمي إليه وهو القدر المتيقن، مؤيدا ببعض النصوص، ففي مصححة أبي بصير قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى »، وفي صحيحة البزنطي عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة - الى ان قال - تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة.

(٢) وجه التوقف صدق الرمي باليد، مع مخالفتها للسيرة الجارية والعادة المتبعة من زمان المعصومين الى الان.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) لعدم العذر الموجب لجواز الرمي ليلا.

٢٥٣

مسألة ٢٨٣: إذا شك في الاصابة وعدمها بنى على العدم(١) إلا مع التجاوز عن المحل، كما إذا كان الشك بعد الذبح أو الحلق أو بعد دخول الليل(٢) .

مسألة ٢٨٤: يعتبر في الحصيات أمران:

١ - أن تكون من الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف(٣) ، والافضل أخذها من المشعر(٤) .

٢ - أن تكون أبكاراً على الاحوط(٥) ، بمعنى أن لاتكون

____________________

(١) اذ الاصل عدم الاصابة.

(٢) لقاعدة الفراغ وكذا التجاوز.

(٣) لقولهعليه‌السلام في معتبرة حنان: يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف.

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: خذ حصى الجمار من جمع، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك.

(٥) بلاخلاف وقد ادعي عليه الاجماع، وتدل عليه عدة من النصوص:

ففي مرسلة حريز عمن أخبره عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار ؟ قال: لاتأخذ من موضعين: من خارج الحرم ومن حصى الجمار، ولابأس بأخذه من سائر الحرم.

وفي حسنة عبد الاعلى عنهعليه‌السلام في حديث: لاتأخذ من حصى

=

٢٥٤

مستعملة في الرمي قبل ذلك، ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة، وإن يكون حجمها بمقدار أنملة، وإن يكون الرامي راجلا، وعلى طهارة(١) .

مسألة ٢٨٥: إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال(٢) ، فالاحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقا، فإن لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه، ولافرق في ذلك بين العالم

____________________

=

الجمار » وزاد عليه الصدوق «الذي قد رمي».

وحيث ان هذه النصوص على مذاق الاعلام ضعيفة السند وعدم انجبار الرواية بعمل المشهور فالمقام يقتضي الاحتياط.

(١) كل ذلك تبعاً لجملة من النصوص فراجع.

(٢) الظاهر من جملة من الروايات ان الواجب هو رمي موضع الجمرة الذي تمثل فيه الشيطان لابراهيمعليه‌السلام ، فرمي المقدار الزائد على ماكان يصدق عليه أنه رمي لموضع الجمرة، إذ البناء ماهو إلا رمز لهذا الشعار وإنه في هذا الموضع لافي آخر، مضافا الى تجدد البناء مرات عديدة طوال التاريخ - بل في عصر الائمةعليهم‌السلام - وهذا امر لايمكن ان ينكر، إذ استمرار عملية الرمي يستلزم منه تهشم الجمرة في السنة الواحدة فضلا عن السنوات المتعاقبة، ولم نر في اسئلة الرواة مايثير الشك في ذلك.

٢٥٥

والجاهل والناسي.

* مسألة ٢٨٦: الجدار الخلفي لجمرةالعقبة الذي أزيل أخيراً لايجتزى به على الاحوط إن لم يكن أقوى(١) .

* مسألة ٢٨٧: لايعتبر الكون في منى عند القيام برمي جمرة العقبة، فلا مانع من الوقوف حال الرمي بعيداً عنها من جهة وجهها(٢) ، بل يستحب أن يقف الرامي بعيداً بمقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً.

مسألة ٢٨٨: إذا لم يرم يوم العيد لعارض من نسيان أو جهل بالحكم أو غيرهما لزمه التدارك متى ارتفع العارض(٣) ، ولو كان

____________________

(١) وذهب السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته الى الاجتزاء.

(٢) لعدم إشتراطه في النصوص.

(٣) تشهد له صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام ماقولك في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة ؟ قال: فلترجع ولترم الجمار، كما كانت ترمي والرجل كذلك » ومقتضى اطلاق وجوب الرجوع للرمي وإن كان بعد ايام التشريق، وذهب المشهور بل لم ينقل الخلاف من وجوب الرجوع مادامت لم تنقضي ايام التشريق، تمسكاً بحسنة عمر بن يزيد عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه

=

٢٥٦

ارتفاعه في الليل أخر التدارك الى النهار، إذا لم يكن ممن رخص له الرمي ليلا كماسيأتي في رمي الجمار.

والظاهر وجوب التدارك عند ارتفاع العارض مادام الحاج بمنى، بل وفي مكة، حتى ولو كان ذلك بعد اليوم الثالث عشر، وإن كان الأحوط في هذه الصورة أن يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه إن حج أوبنائبه إن لم يحج(١) .

وإذا ارتفع العارض بعد خروجه من مكة فلا يجب عليه الرجوع(٢) ، بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الاحوط

____________________

=

وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فانه لايكون رمي الجمار إلا في أيام التشريق » وتوقف بعض الاعلام فيها لضعف سندها لوجود محمد بن عمر بن يزيد وهو لم يوثق، لكن يمكن اعتبار حاله لانه من اصحابنا المصنفين وقد ذكره الشيخ والنجاشي مع عدم طعن الاخير فيه وهو من أمارات الحسن اذ من دأبه الطعن او المدح.

(١) خروجا عن خلاف المشهور، وعملا بإطلاق صحيحة معاوية.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: فان نسيها حتى اتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد.

٢٥٧

الاولى(١) .

مسألة ٢٨٩: إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً، فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف(٢) ، وإن كانت الإعادة أحوط(٣) .

وأما اذا كان الترك لعارض آخر - سوى الجهل او النسيان - فالظاهر بطلان طوافه، فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي(٤) .

٢ - الذبح أو النحر في منى

وهو الخامس من واجبات حج التمتع.

ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص، وعدم تقديمه على نهار يوم العيد إلا للخائف ن فإنه يجوز له الذبح والنحر في ليلته(٥) ، ويجب

____________________

(١) لحسنة ابن يزيد وإطلاق صحيحه معاوية المتقدمة.

(٢) لعدم الامر به في النصوص.

(٣) رعاية للترتيب.

(٤) لاخلاله بالترتيب الواجب.

(٥) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل.

٢٥٨

الإتيان به بعد الرمي على الاحوط(١) ، ولكن لو قدمه عليه جهلا أو نسيانا صح ولم يحتج إلى الاعادة(٢) .

ويجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى(٣) ، وإن لم يمكن ذلك لكثرة الحجاج وضيق منى عن استيعاب جميعهم، فلا يبعد جواز الذبح أو النحر بوادي محسر(٤) ، وإن كان الاحوط تركه مالم يحرز

____________________

(١) ذهب الشيخ في الخلاف وابو الصلاح في الكافي وابن ابي عقيل وابن ادريس الى استحباب الترتيب بين اعمال منى الثلاثة، وقرّبه العلامة في المختلف، تمسكا بصحيحة ابن سنان قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لابأس وليس عليه شيء ولايعودن.

وذهب الاكثر الى وجوب الترتيب للروايات البيانية التي ظاهرها ذلك وسيأتي بيانه في الحلق والتقصير فراجع.

(٢) نصاً واجماعاً.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) تشهد له موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

فإذا جاز الوقوف والمبيت بوادي محسر بدلا عن منى في ظرف الضيق

=

٢٥٩

عدم التمكن من الذبح أو النحر بمنى الى آخر أيام التشريق(١) .

مسألة ٢٩٠: الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد، وإن كان الاقوى جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق(٢) ، والأحوط عدم الذبح في الليل مطلقا(٣) حتى الليالي المتوسطات بين أيام التشريق إلا

____________________

=

جاز ترتيب بقية الاحكام من الذبح والحلق، إذ الضيق كما يتحقق من الوقوف والمبيت بها يتحقق أيضا من الذبح فيها كما لايخفي، بل لعله اكثر مصداقية من المبيت لكثرة ماكان يضحى من الانعام الثلاثة في يوم العيد وهذه الكثرة تتطلب مساحات كبيرة من أرض منى.

(١) لعله لجواز تأخير الذبح الى اخر ايام التشريق اختيارا.

(٢) وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والمصباح الى ان وقت النحر او الذبح طول ذي الحجة، ومثله في الغنية والسرائر وهو ظاهر المهذب، لاطلاقات الادلة ومفهوم الشرط في حسنة الكرخي عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الاضحى »، وصريح صحيحة ابي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد مايهدي، حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أيذبح أو يصوم، قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»، مضافا إلى القصور في ادلة التعيين.

(٣) بل الظاهر ذلك، لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لابأس

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376