كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين0%

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 376

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

مؤلف: الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
تصنيف:

الصفحات: 376
المشاهدات: 123316
تحميل: 7759

توضيحات:

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 376 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123316 / تحميل: 7759
الحجم الحجم الحجم
كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

مؤلف:
العربية

أرندجان فنسنك Arendjan Wensink

(١٢٩٩ - ١٣٥٨هـ، ١٨٨٢ - ١٩٣٩م)

هو مستشرق هولندي كان أُستاذ اللغة العربيّة في جامعة ليدن من سنة ١٩٢٧م إلى مماته، وقام برحلات إلى مصر وسورية وغيرها من بلاد العرب.

اهتمّ بالحديث النبويّ، وتولّى الإشراف على تحرير معظم موضوعات (دائرة المعارف الإسلاميّة) سنة ١٩٢٥م بلغاتها الثلاث، فأتمّ منها أربعة مجلّدات وخمس ملازم، وكتب مقالات كثيرة في مجالات مختلفة، وله كتب بالإنجليزيّة عن الإسلام والمسلمين(١) .

رُشّحفنسنك لعضويّة مجمع اللغة العربيّة في مصر، ولشدّة تعصّبه ضدّ الإسلام تعرّض لهجوم من قِبل الدكتورحسين الهواري مؤلّف كتاب(المستشرقون والإسلام) ، الذي صدر سنة ١٩٣٦م ممّا أحدث أزمةً معه كانت نتيجتها أنْ أُخرجفنسنك من عضويّة المجمع، وكان السبب في هذا الهجوم قيامه بنشر رأيه في القرآن والرسول، مدّعياً أنّ الرسول ألّف القرآن من خلاصة الكتب الدينيّة والفلسفيّة التي سبقته(٢) .

ولهذا عُرف بأنّه عدوٌّ لدود للإسلام ونبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومتعصّب بكتاباته كما في

____________________

(١) الزركلي، خير الدين - الأعلام (قاموس تراجم) ١: ٢٨٩.

(٢) د. الهواري، حسين - المستشرقون والإسلام: ٧١٠ وما بعدها.

١٨١

كتابه(عقيدة الإسلام) الذي صدر في سنة ١٩٣٢م(١) .

ولمّا كانت مدينة(ليدن) وجامعتها في هولندا قد اشتهرت بغزارة إنتاجها الاستشراقي، فقد ترأّسفنسنك ، الذي كان يدرّس فيها، مجموعة من زملائه للقيام بعملَين كبيرين:

أوّلهما: دائرة المعارف الإسلاميّة، وصدر الجزء الأوّل منها عام ١٩١٣م، التي ضمّنها أخطر آرائه، منها ما ورد في كلمة (إبراهيم) وفي كلمة (كعبة).

فقد أشار تحت لفظ (إبراهيم) إلى أنّ الآيات الكميّة ليس فيها ذكر لنسب إسماعيل لإبراهيم، ويقول: إنّه لا يعرف شيئاً عن شعور محمّد نحو الكعبة في شبابه، وإنّ ما لديه مِن تاريخ حياته لا يصحّ أنْ يُؤخذ أساساً تاريخيّاً. وينسب فنسنك إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه لم يشذّ عن الجماعة في العبادة المكيّة، أي بعبارةٍ أكثر وضوحاً أنّه كان وثنيّاً قبل البعثة، ويفتري فنسنك حين يصرّح أنّ كلمة إبراهيم اخترعت اختراعاً، ويزعم أنّ محمداً أراد بهذا الاختراع أنْ يتّصل بإبراهيم(٢) .

ويطرح رأيه هذا ليؤكّد نفس المقولة التي ردّدها أسلافه اليهود والنصارى، عندما بُعث النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإسلام، والتي ردّدها القرآن الكريم بقوله تعالى:( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً.... ) (٣) .

ويستمرّ فنسنك في افتراءاته فيُشارك كلّ من المستشرقين(سبرنجر) و(سنوك) ، في ترجمة النبيّ إبراهيم (عليه السلام) ضمن دائرة المعارف الإسلاميّة قائلاً: إنّ القرآن لم يحفل بإبراهيم، ولم يذكر أُبوّته لإسماعيل، ولا أُبوّته للإسلام، إلاّ في السور المدنيّة، وسرّ هذا الاختلاف أنّ محمّداً اعتمد على اليهود في مكّة، فلمّا اتّخذوا حياله

____________________

(١) د. البهي، محمّد - الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي: ٥٥٥.

(٢) الجندي، أنور - الموسوعات الغربيّة من أخطر أعمال التغريب والغزو الثقافي - مجلّة منار الإسلام، العدد ٦، السنة ١١.

(٣) آل عمران: ٦٧.

١٨٢

العداء لم يجد بُدّاً من أنْ يلتمس غيرهم ناصراً، هناك هداه ذكاءٌ شديد إلى شأنٍ جديد لأبي العرب إبراهيم، وبذلك استطاع أنْ يتخلّص من يهوديّة عصره ليصل حبله بيهوديّة إبراهيم، تلك اليهوديّة التي كانت ممّهدة للإسلام(١) .

ثانيهما: في مجال فهرست السنّة أصدر كتابين: أحدهما: معجم بالإنجليزية، للألفاظ الواردة في أربعة عشر كتاباً من كتب السنن والسيرة. نقله إلى العربيّة الأُستاذ محمّد فؤاد عبد الباقي، وسمّاه(مفتاح كنوز السنّة) .

والآخر: المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبويّ الذي نشره بالعربيّة وتوفّي قبل إتمامه(٢) .

وقد حقّق فنسنك بهذا المشروع الضخم هدفين أساسيّين، كان يسعى إليهما أغلب المستشرقين في أعمالهم الاستشراقيّة في هذا الباب العلمي. الهدف الأوّل: هو تيسير العمل أمام المستشرقين، لتناول السيرة النبويّة بشكلٍ تفصيلي دقيق يمكّنهم من استقصاء ما يُمكن أنْ يكون - بعد العلاج - مورداً للنقض والتشكيك والنيل من الإسلام ونبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

والهدف الثاني: تحويل توجّه الكتّاب والباحثين عن السنّة النبويّة إلى المراجع الاستشراقيّة، خصوصاًَ إذا لوحظ امتيازها الفنّي والموسوعي، ممّا يجعلها في الصدارة والمجال الأوّل بين مراجع المسلمين، فيعتمدون عليها ويكتفون بها رغم ما فيها من خلطٍ وتحريفٍ وافتراء، وينسون مع تقدّم الزمان مراجعهم الأصليّة.

وفي هذا المجال يقول الشيخ محمّد حسام الدين: وكان أخطر عملهم في مادّة (حديث) ومادّة (سنّة)، لنجد فيها ما يجرح الإسلام وما يُفسد الحقيقة، وأنّهم يقدّمون الشبهات في أساليب يعجز عنها الشيطان، وذلك ما رمى إليه (فنسنك)، وهو الطعن على وجهٍ أشدّ في المصدر الثاني بعد كتاب الله وهو السنّة النبويّة، بل بوصفها البيان لكتاب الله تعالى، فإذا جرى الاعتماد على

____________________

(١) دائرة المعارف الإسلاميّة - مادّة إبراهيم.

(٢) الزركلي، خير الدين - الأعلام (قاموس تراجم) ١: ٢٨٩.

١٨٣

مراجعهم كان هذا شديد الخطر على الإسلام والأجيال القادمة(١) .

وقد أدخل فنسنك بكتابيه(كنوز السنّة) و(المعجم المفهرس لألفاظ الحديث) أخبار وتقارير شاذّة وواهية مردودة نثرها في الكتابين، ودسّها في سياق الصحيح لتسوغ معه وتشتبه به، وليستقرّ في ذهن القارئ أنّها من الثوابت الواردة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعضه يصل إلى درجة الشناعة وتبرأ منه السنّة الشريفة.

وإنّ اعتماد المنهج العقلي والعلمي يقتضي التنويه - ولو إجمالاً - إلى أنّ الأخبار والروايات المنسوبة إلى السنّة الشريفة فيها الصحيح الموثّق، وفيها الضعيف والمرسل والمتروك، ويُطلب من القارئ - على الأقلّ - مراجعة المصادر الخاصّة ببيان قواعدها وطُرق التثبّت منها.

____________________

(١) الجندي، أنور - أبرز أهداف المستشرقين، مجلّة منار الإسلام، العدد: ٨، السنة: ١٤.

١٨٤

صموئيل زويمر Samual Zwemer (١٨٦٧ - ١٩٥٢م)

من أبرز المستشرقين الأميركيّين الذين خاضوا عملهم ميدانيّاً في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً جنوب العراق ودول الخليج العربيّة، وهو المحرّر للمجلّة الإنجليزيّة الاستشراقيّة الشهيرة(عالم الإسلام) ، وقد اشتهر بدوره التبشيري وعِدائه الشديد للإسلام.

له مؤلّفات عديدة عن الإسلام في العالم، وعن العلاقات بين المسيحيّة والإسلام، منها: كتاب(يسوع في إحياء الغزالي) ، وكتاب(الإسلام تحدٍ لعقيدة) صدر سنة ١٩٠٨م، وكتاب(الإسلام) وهو مجموعة مقالات قدّمت للمؤتمر التبشيري الثاني سنة ١٩١١م بمدينة(لكناو) في الهند.

ويعتبر(زويمر) من أكثر المستشرقين توجّهاً نحو التنصير، وتقديراً لجهوده التبشيرية أنشأ الأميركيّون وقفاً باسمه على دراسة اللاهوت وإعداد المبشّرين(١) .

وكانت أُولى أعماله الميدانيّة اختياره عضواً في الإرساليّة الأميركيّة العربيّة عام ١٨٨٩م(٢) ، وهي إرساليّة أميركيّة بروتستانتيّة ذات أهداف تبشيريّة في

____________________

(١) د. البهي، محمّد - الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي: ٥٥٣ - ٥٥٤.

(٢) قام الدكتور(لا نسننج) وهو أُستاذ اللغة العربيّة في معهد اللاهوت فينيوبرونسوك في ولاية نيوجرسي الأميركيّة بتدريب المبشّرين التابعين لكنيسة الإصلاح في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وثلاثة من مساعديه وهُم: جيمس كانيتن، وصموئيل زويمر، وفيليب فيلبس بتشكيل هذه الإرساليّة، وكان اسمها الأصلي (العَجَلَة The Weel ) وقد أطلق الدكتور لانسننج ومساعدوه هذا الاسم عليها، ولكنّه اضطرّ لتغييره إلى الإرساليّة العربيّة عام ١٨٨٩م، تلبيةً لطلبٍ رسميٍّ مقدّم إلى هيئة الإرساليّات الأجنبيّة = التابعة لكنيسة الإصلاح في أميركا؛ للسماح بالقيام بعمل تبشيري في البلاد الناطقة بالعربيّة.

عن د. التميمي - عبد الملك خلف، كتاب (التبشير في منطقة الخليج العربي): ٤٥ - ٤٦.

١٨٥

منطقة الخليج العربيّة وشبه الجزيرة العربيّة (الحجاز)، وقد كانت المهمّة الرئيسيّة للإرساليّة هي التبشير والتعليم الديني، وتقديم الخدمات الطبيّة والصحيّة من خلال الواجهة التبشيريّة، وكانت عمليّاتهم اليوميّة تُدار من قِبل لِجان مُشكّلة لهذا الغرض محليّاً، وذلك وفق خطّة عمل الإرساليّة تحويل أهالي الجزيرة العربيّة إلى الديانة المسيحيّة، حيث تقول(آن هاريسون) : لقد أُرسلنا لتحويل الناس إلى المسيحيّة والدعوة إلى قدرة الله(١) .

وهكذا فإنّ هدف صموئيل زويمر - الذي كان من أبرز رفاقه في الإرساليّة نشاطاً واندفاعاً(الدكتور لانسننج) - دفع جميع بني الإنسانيّة ليصبحوا أتباعاً للسيّد المسيح (عليه السلام)، وكانت خطّة الإرساليّة تجسيداً لهذه الأفكار، وقد عمل (زويمر) وصحبه كلّ ما بوسعهم لإرساء دعائم هذه الإرساليّة.

ولمعرفة طريقة ومنهج تفكير وعمل (زويمر) يُطرح السؤال التالي: لماذا اختاروا اسم (الإرساليّة العربيّة) لهذه المنظمة التبشيريّة؟ وجوابه نجده في متن الخطّة(٢) التي وضعها زويمر ورفاقه وهي:

١ - إنّ الهدف الأساسي لهذه المنظمة كان العمل التبشيري في البلاد العربيّة، وبشكلٍ أساسي شبه الجزيرة العربيّة، التي هي موطن العرب والدين الإسلامي.

٢ - إنّهم أرادوا أنْ تكون هذه الإرساليّة مختلفةً ومميّزة عن غيرها من الإرساليّات المسيحيّة؛ لكي تستطيع أنْ تلفت الانتباه لهذا الميدان الجديد الذي

____________________

(١) HARRISON - Ann – Atol in his hand, N Y. ١٩٥٨ p. ١٢٦.

عن د. التميمي - عبد الملك خلف، كتاب (التبشير في منطقة الخليج العربي).

(٢) د. التميمي، عبد الملك خلف، التبشير في منطقة الخليج العربي، الملحق الأوّل، خطّة الإرساليّة الأميركيّة العربيّة: ٣١٧ - ٣١٨.

١٨٦

كانوا يعتقدون أنّه مهيّأ لاستقبال أمثال هذه الدعوة.

٣ - إنّ اختيار الاسم يهدف إلى التغلّب على الشكوك التي يحملها العرب نحو أنشطة الأجانب، وهذه الشكوك كانت طبيعيّة جدّاً، خصوصاً في ذلك الوقت عندما كان الصراع الأجنبي على أشدّه في منطقة الخليج العربيّة بشكلٍ خاص. وقد وضعت الأُصول العامّة لنشاط الإرساليّة في المرحلة المُقبلة واختيرت الجزيرة العربيّة هدفاً لها.

وعن الأسباب التي دعت لاختيار الجزيرة العربيّة هدفاً للإرساليّة يقول(صموئيل زويمر) : إنّ من بين الدوافع للعمل في (الجزيرة العربيّة)....

أولاً: الأسباب التاريخيّة. إنّ للمسيح حقّاً في استرجاع الجزيرة العربيّة، وقد أكّدت الدلائل التي تجمّعت لدينا في الخمسين سنة الأخيرة، على أنّ المسيحيّة كانت منتشرة في هذه البلاد في بداية عهدها، وهناك دلائل أثريّة واضحة على وجود الكنيسة المسيحيّة هناك، ولهذا فإنّ من واجبنا أنْ نعيد هذه المنطقة إلى أحضان المسيحيّة(١) .

والسبب الثاني هو أنّ النجاح المسيحي في الجزيرة العربيّة سيكون نقطة تحوّلٍ في العمل التبشيري المسيحي، وهذه الفكرة كانت تفترض أنّ نجاحهم سيكون منطلقاً لفتح أبواب المنطقة بأكملها أمام التبشير المسيحي.

إنّ أهمّ ما قامت به الإرساليّة أنّها قدّمت للمبشّرين الأميركيّين مساعدات قيمة، وأهمّ هذه المساعدات ما يتعلّق بتقديم المعلومات عن أحوال المنطقة وخصوصاً الجغرافيّة والاجتماعيّة والدينيّة، بالإضافة إلى هذا، فإنّ الإرساليّة العربيّة حصلت على تعاون المنظّمات المشابهة في العراق كالإرساليّة المتّحدة في العراق، والمجلس المسيحي للشرق الأوسط، وجمعيّة الكنيسة التبشيريّة، وكانت أُولى محطّات العمل

____________________

(١) Zwemer. S. M. and Cantine, J, OP Cit, pp. ١٤١ – ٢.

عن د. التميمي، عبد الملك خلف: كتاب التبشير في منطقة الخليج العربي.

١٨٧

الميداني لهذه الإرساليّة هي البصرة، التي أصبحت فيما بعد مركزاً وقاعدةً لعمليّاتهم في منطقة الخليج العربيّة، وهي من بين المناطق الهامّة التي كانوا يخطّطون لاحتلالها(١) .

وكان الرائد الأوّل للعمل في هذه المحطّة هو المستشرق (صموئيل زويمر)، الذي كان يحظى بحماية القنصليّة الأميركيّة في البصرة من ردود فعل المواطنين وقياداتهم الدينيّة التي كان بواجههما بالإضافة إلى سلطات الدولة العثمانيّة.

ومن البصرة بدأ عمل الإرساليّة بقيادة (زويمر) لتغطية معظم أراضي الخليج، وبعض أجزاء شبه الجزيرة العربيّة، ممهّدين لذلك برحلات استكشافيّة لدراسة الأوضاع الجغرافيّة والسياسيّة بشكلٍ مباشر، ثمّ على ضوئها يتمّ التخطيط للامتداد في المناطق المناسبة، ويبدأ العمل تدريجيّاً حتّى تثبت أقدامهم في تلك المناطق.

وقد استطاعوا أنْ يستقرّوا في البحرين ثمّ في مسقط، وهكذا في الكويت وقطر، ثمّ تلتها المحطّات الفرعيّة كالعمارة والناصريّة في العراق، وميناء مطرح في مسقط.

وقد اشتهر (زويمر) هذا بأنّه كان يلقّب نفسه بـ (ضيف الله) عند تردّده بين البصرة والبحرين والإحساء، وكان عمليّاً جداً، بحيث إنّ أوّل أعماله ضمن الإرساليّة الأميركيّة العربيّة فتحه حانوتاً في السوق لبيع الكتب المختلفة، ثمّ

____________________

(١) إنّ كلمة (احتلال المنطقة) استخدمها المستشرقون المبشّرون في أدبيّاتهم، وهي أقرب إلى اللغة العسكريّة منها إلى التبشير السلمي الذي يدعون لأجله.

The Arabian Mission Correspondence ١٨٩٠ – ١٨٩٨ Archives No. ٧٥٣ – Box VI. Letter From Rev. – J. Contian to the Board dated May ٢٦ – ١٨٩٢ , the theological seminary, new panswick, N. J. U. S. A

عن د - التميمي، عبد الملك خلف - كتاب التبشير في منطقة الخليج العربي.

١٨٨

تَخصّص بالتدريج في بيع الكتب التي تفرّق بين الأديان، ثمّ باشر بنفسه تأسيس مدرسة ومستشفى صغير للتنصير، ثمّ استقدم عدداً من المراسلين والدعاة للتنصير من النساء والرجال الأميركيّين إلى دول الخليج، وخصوصاً البحرين، وقد عرف بجرأته حتّى أنّه استطاع أنْ يقتحم الأزهر ويوزّع منشوره المعروف تحت عنوان(ارجع إلى القبلة القديمة) ولعلّ هذا أحد قرائن ولائه الصهيوني الذي عُرف عنه مؤخّراً.

لقد رأس زويمر عدداً من مؤتمرات التنصير العالميّة التي عُقدت في القاهرة والهند والقدس، وأدلى فيها بتقاريرٍ إضافيّةٍ عن الخطوات التي حقّقتها محاولته في (تنصير المسلمين)، وقد كشف هذا المستشرق في أخطر مؤتمراته، عن فشل مغامرة التنصير خلال ربع قرن، وتراجَع عن دعوته فقال:

إنّه لا يدعو لإدخال المسلم في النصرانيّة، وإنّما يدعو إلى إخراجه من الإسلام، ويقول: لقد صرفنا من الوقت شيئاً كثيراً، وأنفقنا من الذهب قناطير مقنطرة، وألّفنا ما استطعنا أنْ نؤلّف، وخطبنا، ومع ذلك كلّه فإنّنا لم ننقل من الإسلام إلاّ عاشقاً بنى دينه الجديد على أساس الهوى، فالذي نحاوله من نقل المسلمين من دينهم هو باللعب أشبه منه بالجد...وعندي أنّنا يجب أنْ نعمل حتّى يصبح المسلمون غير مسلمين.

إنّ عمليّة الهدم أسهل من البناء في كلّ شيء إلاّ في موضوعنا هذا؛ لأنّ الهدم للإسلام في نفس المسلم معناه هدم الدين على العموم(١) . وقد دعا زويمر إلى توسيع نطاق التعليم التنصيري تحت أسماء أُخرى لخداع المسلمين، ودعا إلى توحيد هيئات التنصير.

لقد كان زويمر متطرّفاً شديد التعصّب ضدّ الإسلام والمسلمين، وقد بلغ به الأمر إلى أنّ يحذّر من أيّ تقارب وتوافق مع المسلمين (فقد هاله أنْ يرى نفراً من

____________________

(١) الجندي، أنور - مجلّة منار الإسلام، العدد ٦، السنة ١١، حرب الكلمة ومخطّطات كرومر، ودنلوب، وزويمر ضدّ الإسلام.

pp. ١٤١ ff

١٨٩

النصارى يدعون إلى مصادقة المسلمين في الصين؛ لأنّ هذه الصداقة في نظره تخلق في نفس النصارى جبناً عن التبشير)(١) .

ونلاحظ من خلال ما تقدّم عن هذا المستشرق المبشّر، أنّ جوهر عمله هو تحقيق غاية الدول الغربيّة الطامحة إلى السيطرة والاستعمار، ولم يكن يخفي في نفسه ذلك، بل إنّه يعتبر أنّ دوره ودور نظرائه لا ينتهي عند حدّ استعمار الشرق، بل لابدّ أنْ يستمرّ لاستدامة هذا الاستعمار وتركيز أرضيّته، فيقول في المؤتمر التبشيري الذي عقد في عام ١٩١١م في(لكناو) بالهند: إنّ خمسة وتسعين مليوناً على أقلّ تقدير من أتباع نبيّ مكّة يتمتّعون اليوم بنعمة الحكم البريطاني(٢) .

وكذلك يؤكّد ما قلناه عنه من رأيه الصريح الذي يفصح عنه بقوله: إنّ الأبواب المفتوحة التي تؤدّي فعلاً إلى الإسلام، إنّما هي المستعمرات التي يعيش فيها المسلمون تحت حكمٍ مسيحي، أو حكمٍ وثني أيضاً (في إفريقيا والهند مثلاً)(٣) ، ويقصد بذلك أنّ عملهم يجب أنْ يبدأ بمرحلته الثانية عندما يستعمرون هذه البلاد، ولا يتركون للإسلام فرصة حياةٍ ووجوداً في واقع المسلمين.

وعندما أخذ المؤتمرون في مؤتمر(لكناو) بالهند يَتَدارسون الأحوال السياسيّة في العالم الإسلامي، خطب زويمر وقال: إنّ الانقسام السياسي الحاضر في العالم الإسلامي دليلٌ بالغٌ على عمل يد الله في التاريخ، واستثارة للديانة المسيحيّة (لكي تقوم بعمل)، إذ إنّ ذلك يشير إلى كثرة الأبواب التي أصبحت مفتّحة في العالم الإسلامي على مصاريعها.

إنّ ثلاثة أرباع العالم الإسلامي يجب أنْ

____________________

(١) عن د. خالدي، مصطفى. ود. فروخ، عمر.

MW. Adr. ٢٨ , pp. ١٠٩ ff

من كتاب (التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة): ٣٨.

(٢) عن د. خالدي، مصطفى. ود. فروخ، عمر Islam and Missions في كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ١٤٦.

(٣) المصدر السابق: ١٤٦ Islam and Missions

١٩٠

تُعتبر الآن سهلة الاقتحام على الإرساليّات التبشيريّة.

إنّ في الإمبراطوريّة العثمانيّة اليوم وفي غربي جزيرة العرب، وفي إيران والتركستان والأفغان وطرابلس الغرب ومراكش سدوداً في وجه التبشير، ولكن هناك مِئة وأربعون مليوناً من المسلمين في الهند وجاوة والصين ومصر وتونس والجزائر، يمكن أنْ يصل إليهم التبشير المسيحي بشيء من السهولة(١) .

وهكذا نجد زويمر يقوم بدوره الميداني ممهّداً ومنظّراً لحركة الاستعمار في الشرق، حتّى وصل به الأمر أنْ ينصح بريطانيا العظمى أنْ تبدّل سياستها المهادنة في مصر تبديلاً أساسيّاً، وأنْ تشعر المصريّين بقوّة بريطانيا وبنعمها عليهم(٢) . وهذا بكلمةٍ أُخرى ترسيخ الاستعمار بالقوّة والقهر.

ولم يهمل زويمر أُسلوب الإغراء مستفيداً ممّا يُعتبر أحد الأساليب الناجعة، التي مارسها المسلمون لكسب الناس إلى الدين الإسلامي، فقد كتب في المجلّة الاستشراقيّة التي يُحرّرها (العالم الإسلامي) مقالاً عنوانه: (استخدام الصدقات لاكتساب الصابئين)، الذي يبحث فيه كيف أنّ الإسلام على عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أجاز إعطاء الزكاة للمؤلّفة قلوبهم، أي أُولئك الذين دخلوا في الإسلام وكانوا ذوي حاجة وذوي اتّجاه مادّي(٣) ، ويقصد بذلك أنّ استخدام الإحسان المادّي من الأساليب المؤثّرة في طريق التبشير المسيحي، وتحويل الناس نحو النصرانيّة.

وهكذا وفي خاتمة الحديث عن هذا المستشرق الفعّال يمكننا القول: إنّ ما وضعه من خطط وبرامج تبشيريّة واستعماريّة ما يزال العمل بها سارياً حتّى اليوم، خصوصاً من خلال مناهج التعليم والتربية والثقافة في أغلب البلاد الإسلاميّة.

____________________

(١) عن د. خالدي، مصطفى، ود. فروخ، عمر - التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ١٦٩ - ١٧٠.

Islam and Missions ٢٢.

(٢) المصدر السابق: ١٧٤ ibid ٢٥ f

(٣) عن د. خالدي، مصطفى. ود. فروخ، عمر - التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ١٩٥.

١٩١

لويس ماسينيون Louis Massignon ( ١٨٨٣ - ١٩٦٣م)

من أكبر مستشرقي فرنسا، تسنّم مناصب حسّاسة كان لها الدور الكبير في توجّهاته الاستشراقيّة، فقد شغل منصب مستشار وزارة المستعمرات الفرنسيّة في شؤون شمال إفريقيّا، وكذلك الراعي الروحي للجمعيّات للتبشيريّة الفرنسيّة في مصر، ولعلّ العمل الذي شغله(ماسينيون) قد تناسب مع دور فرنسا في تشويه الفكر الإسلامي، مقدمةً وطريقاً لإزالة العقبات عن حركتها الاستعماريّة للشرق الإسلامي، ولهذا اشتهرت بأنّها من أبرز دول أوربّا الغربيّة في مجال إعداد جيش من المبشّرين والمستشرقين، مدرّبين على أحدث وسائل التنصير والتبشير، انتشروا في إفريقيا ودول الشرق الأوسط(١) .

وهذا هو الذي دفع رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق (محمّد كرد علي) للقول: إنّنا نرى من واجبنا أنْ يشكّ كلّ عربي وكلّ مسلم، في أكثر ما يصدر من الأحكام من الفرنسيّين على الإسلام والمسلمين؛ وذلك لأنّه ثبت أنّ من الفرنسيّين مَن لا ينظرون إلى كلّ أمر إلاّ بمنظار الاستعمار(٢) . ويؤكّد الكاتب الإسلامي(مالك بن نبي) هذه الحقيقة في دور ماسينيون قائلاً: إنّ ماسينيون قد تفرّغ آخر حياته للتبشير، وقد مدّ وزارة الخارجيّة الفرنسيّة بالمعلومات والتوصيات حول

____________________

(١) المركز الإسلامي للأبحاث السياسيّة في قم، عن كتاب (السياسة الفرنسيّة في الشرق الأوسط): ٥٦.

(٢) د. خالدي، مصطفى، ود. فروخ، عمر - التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ٢٢١.

١٩٢

البلاد الإسلاميّة، وتهيئة العملاء والكتّاب(١) . ويُساعد على ما ذكرناه الوضع الميداني لماسينيون، فقد زار العالم الإسلامي أكثر من مرّة، وخدم بالجيش الفرنسي خمس سنوات في الحرب العالميّة الأولى، وكان عضواً بالمجمع اللغوي المصري، خمس سنوات في الحرب العالميّة الأولى، وكان عضواً بالمجمع اللغوي المصري، وكذلك عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق، و(تعاون مع النظام الاستعماري الفرنسي في المغرب، وعبّر عن مواقفه الاستعمارية علانية)(٢) .

أمّا التوجّهات العلميّة لماسينيون في العلوم الاستشراقيّة، فقد تعلم اللغات: العربيّة والفارسيّة والتركيّة والألمانيّة والانجليزية، وعني بالآثار القديمة، وأدّت مشاركته في التنقيب عنها بالعراق (١٩٠٧ - ١٩٠٨م) إلى اكتشاف قصر الاخيضر.

درّس تاريخ الاصطلاحات الفلسفيّة بالعربيّة في الجامعة المصريّة القديمة (١٩١٣م) واستهواه التصوّف الإسلامي فكتب عن (مصطلحات الصوفيّة)، و(أخبار الحلاّج) ونشر (ديوان الحلاّج) مع ترجمته إلى الفرنسيّة، وكذلك نشر(الطواسين) للحلاّج، وكتب عن (ابن سبعين) الصوفي الأندلسي، وعن (سلمان الفارسي) وتظاهر بالدعوة إلى فكرة توحيد الديانات الكتابيّة الثلاث.

نشر (منتخبات من نصوصٍ عربيّة خاصّة بتاريخ الصوفيّة في الإسلام) وتولّى تحرير (مجلّة العالم الإسلامي) الفرنسيّة التي سمّيت فيما بعد بـ (مجلّة الدراسات الإسلاميّة) وأصدر بالفرنسيّة أيضاً (حوليات العالم الإسلامي) من سنة ١٩٢٣م الى سنة ١٩٥٤م، وكتب كثيراً في (دائرة المعارف الإسلاميّة) عن القرامطة والنصيريّة والكندي وفلسفة ابن سينا وأمثال ذلك. وكتب كذلك (تاريخ

____________________

(١) ابن نبيّ، مالك - شاهد القرن الطالب.

(٢) د. ابن عبود، محمّد - مجلّة العالم، العدد ٢٩٤، المساهمة الإيجابيّة لحركة الاستشراق لا تنفي تعصّب بعض المستشرقين ضدّ الإسلام.

١٩٣

العلم عند العرب) في (دائرة المعارف الممتازة)، التي صدرت بباريس (المجلّد الأوّل سنة ١٩٥٧م)(١) .

وممّن تأثّر به ماسينيون تأثّراً كبيراً هو المستشرق اليهودي النمساوي (أغناس غولد صيهر)، الذي حاول أنْ يثبت أنّ الحديث النبوي كلّه موضوع في عهود لاحقة لعهد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وذلك في كتابه (دراسات إسلاميّة)، كما اعتبر الدين الإسلامي نسخة مشوّهة للديانة اليهوديّة والمسيحيّة، حيث عبّر عن ذلك بوضوح في قوله: لا يهمّنا من وجهة نظر التاريخ الثقافي أنْ لا تكون تعاليم محمّد ناتجة عن إبداع عبقريّته التي جعلته نبيّاً لدى شعبه، وإنّما المهم أنّه أخذ جميع تعاليمه من اليهوديّة والمسيحيّة(٢) .

وبالتالي فإنّ ماسينيون أخذ كثيراً من تعاليم هذا المستشرق اليهودي، وبدت واضحة على كتاباته وشروحه التي نشرها في أكثر من كتاب، فمثلاً كان ماسينيون يُركّز على المعارف الفلسفيّة والصوفيّة الشاذّة والسيّئة، كالتي كتبها في دائرة المعارف الإسلاميّة تحت مادّة (الشطح) كقول البسطامي: (سبحاني، سبحاني، إنّ لوائي أعظم من لواء محمّد، طاعتك لي يا رب أعظم من طاعتي لك)(٣) .

إنّ ماسينيون قد وضع ووظّف جُلّ معارفه الاستشراقيّة في خدمة الأهداف الاستعماريّة، وفي مقدّمتها التبشير للنصرانيّة، ويتّضح هذا في أكثر من دليل، منها زعمه أنّ المسلمين يعتقدون في شأن عيسى بن مريم على ما جاء في القرآن، ومن أجل ذلك يرجو أنْ توجّه الجهود إلى جعلهم يعتقدون بعيسى بن

____________________

(١) الزركلي، خير الدين - الأعلام (قاموس تراجم) ٥: ٢٤٧.

(٢) د. ابن عبّود، محمّد - المساهمة الإيجابيّة لحركة الاستشراق لا تنفي تعصّب بعض المستشرقين ضدّ الإسلام. مجلّة العالم، العدد ٢٩٤.

(٣) الجندي، أنور - أخطاء دوائر المعارف والموسوعات العالميّة، مجلّة (منار الإسلام)، العدد ٦، السنة ١١.

١٩٤

مريم نفسه، ولكن باسمه المسيحي(١) .

ولا شكّ في أنّ ماسينيون يدرك جيداً أنّ نظر المسلمين ونظر النصارى إلى عيسى بن مريم مختلفان، إلاّ أنّه كان يُريد أنْ يُغري المبشّرين لاستثمار أيّ تشابه يُمكن أنْ يكون مدخلاً للتأثير على المسلمين وتحويلهم إلى النصرانيّة، أو على الأقل القبول ببرامجها التثقيفيّة ومناهجها التعليميّة التي تكون طريقاً لربط المسلمين بالإيديولوجيّة الاستعماريّة لأوربا النصرانيّة.

وممّا تميّز به ماسينيون هو عدم اكتفائه بطبقة المتعلّمين في التبشير، بل راح يُنظّر لطريقة التبشير في وسط الأُمّيين، ومارس ذلك بنفسه رغم أنّه أُستاذ جامعة في باريس ومستشار وزارة المستعمرات الفرنسيّة، وخلاصة طريقته كانت الاتّصال المباشر بالأمّيين وطرح الأفكار والمفاهيم المسيحيّة من خلال الإشارات الكليّة الواردة في القرآن الكريم، أو من خلال مفاهيم الإسلام المرتكزة في الوسط العام للاميّين. فمثلاً كان يدعو في إحدى مقالاته أنْ يعود الاعتقاد الإسلامي في رجوع عيسى بن مريم فيتّفق مع الحادث الثاني للمسيح النصراني الذي يعمل المهدي العربي على انتصاره(٢) .

ويقصد بذلك أنّه مادام لدى المسلمين أخبار برجوع المسيح عيسى بن مريم، فلماذا لا يكون هذا المسيح الراجع هو المسيح الذي يعتقد به النصارى اليوم؟ وبعبارة أُخرى أنْ يعود المسلمون عن قولهم عيسى بن مريم، إلى القول عيسى ابن الله، إذن فليؤمن به المسلمكون ويتحوّلوا إلى عقيدة النصارى. وكانت هذه الطريقة أحد أساليبه التي اعتقد بأنّها ستكون فعّالة لتحويل المسلمين عن دينهم، وبالتالي

____________________

(١) عن د. خالدي، مصطفى. ود. فروخ، عمر - كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ٤٤.

L, Islam et I, occident ١٦٤.

(٢) عن د. خالدي، مصطفى. ود. فروخ، عمر - كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ٨٣.

L,Islam. Et L, occident (les cahiers du sud ١٩٤٧ ) p. ١٦٤.

١٩٥

يسهل استعمارهم على دول أوربّا.

ومن أساليب(ماسينيون) التي دبّج لها المقالات الطوال، هي ضرورة تشجيع الشرقيّين للدراسة في أوربّا وأميركا، وذلك للتأثير عليهم عن طريق ضخّهم في أجواء وأساليب الحياة الأوربيّة، في التفكير والعلم والسلوك، ليكون ذلك أرضيّةً مناسبةً لتطويعهم للفكر الاستعماري الأوربّي، وبالتالي توظيفهم في خدمة أهدافهم في تطويع بلدانهم الشرقيّة لأوربّا المستعمِرة، وفي هذا يقول ماسينيون لنظرائه الأوربيّين: إنّ الطلاب الشرقيّين الذين يأتون إلى فرنسا يجب أنْ يلوَّنوا بالمدنيّة المسيحيّة(١) .

ولعلّ من أبرز مصاديق هذا التوجّه لدى ماسينيون هو عنايته الفائقة ببعض هؤلاء الطلبة، مثل (ميشيل عفلق) مؤسّس حزب البعث العربي الاشتراكي ومنظّره الفكري، الذي قال عنه ماسينيون: إنّه أنبغ وأعزّ تلميذ في حياتي(٢) . وقد أظهرت عناية ماسينيون بميشيل عفلق بوضوح آراء التلميذ الفلسفيّة ومواقفه الخاصّة ومدى انتمائه للفكر الأوربّي الصليبي، وترجمته الحرفيّة لتعاليم الدين الكنيسي ومضامينه الفلسفيّة، ولعلّ أبرز وأخطر ما طرحه (عفلق) وأسّس عليه فكر حزب البعث العربي الاشتراكي هو مقولته المعروفة(٣) :(الإيمان قبل المعرفة) (٤) .

وهي مقولة نصرانيّة محضة أفرزتها المدرسة الكنيسيّة، وتوصّل إليها عقلها اللاهوتي بناءً على قواعد وأُسس القدّيس أوغسطين، التي جاءت لسدّ الثغرة الفكريّة القائمة بين فكرهم اللاهوتي والعقل، المتمثّلة بمسألة التعقيد والنقص

____________________

(١) عن د. خالدي، مصطفى، ود. فروخ، عمر - التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ٨٩.

Evue (Dieu Vivant) No. ٤ , pp. ٧ ss

(٢) بلوط، عليّ - إعدام البعث - مجلّة الدستور اللبنانيّة.

(٣) كاظم، فؤاد - آراء وأرقام حول نظام البعث في العراق: ٨٥.

(٤) عفلق، ميشيل - في سبيل البعث: ٤٥.

١٩٦

في إدراك الثالوث المقدّس(١) .

وينظّر عفلق مقولة: (الإيمان قبل المعرفة) التي استقاها من أُستاذه ماسينيون مكوّناً منها الفكر القومي، الذي بنى عليه إيديولوجيّة حزب البعث العربي الاشتراكي، فيقول: (... إنّنا نُريد أنْ نعرف مَن قَبِل بنا، ويؤثّر على غيرنا من مجرّد سماع نبرات صوتنا، ومشاهدة حركتنا العاديّة وسلوكنا اليومي، نُريد أنْ نعرف الذين يدركوننا بالغريزة، أيّ هواء صافٍ نستنشق، أيّ جوٍّ نزيهٍ نحيا، دون أنْ نحتاج للبراهين والعلم والإثبات والأرقام...)(٢) .

وممّا عُرف عن ماسينيون أنّه كان زعيم الحركة الرامية إلى الكتابة بالعاميّة وبالحرف اللاتيني، التي تبنّاها الفرنسيّون في الشرق الإسلامي، وركّز بدعوته هذه على المغرب ومصر وسورية ولبنان، وممّن استجاب لدعوته في هذا المجال الأب(رافائيل نخلة) حيثُ ألّف كتاباً تحت عنوان (قواعد اللهجة اللبنانيّة السوريّة)، وهو موضوع باللغة الفرنسيّة، والنصوص العربيّة منسوخة بالحرف اللاتيني.

واستجاب أيضاً لهذه الدعوة (شكري الخوري) الذي ألّف كتاب (التحفة العاميّة في قصّة فنيانوس) التي نشرها الأب لاي اليسوعي، واستجاب كذلك (الخوري مارون غصن) أحد المدرّسين في مدرسة (عين طور) في لبنان، وقد ألّف كتاباً ذا عنوانين ومضمون عامي تحت اسم (في متلو هلكتاب)(٣) .

أي (هل يوجد مثل هذا الكتاب) وأمثال هؤلاء كثيرون، والهدف من هذه الدعوة واضح، حيث إنّ ضياع اللغة الفصحى، وحصر دائرة تداولها سوف يُساهم في الحجر على مفاهيم القرآن اللغوية وبياناته البلاغيّة، وكذا الحديث الشريف وكتب المعارف الإسلاميّة

____________________

(١) كاظم، فؤاد - آراء وأرقام حول نظام البعث في العراق: ٨٥.

(٢) عفلق، ميشيل - في سبيل البعث: ١.

(٣) د. خالدي، مصطفى، ود. فروخ، عمر - التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ٢٢٤.

١٩٧

وتراثنا العلمي الثري، وبدون اللغة العربيّة الفصحى تُفقد لغة العلم والمعرفة الإسلاميّة لتحلّ محلّها تدريجيّاً اللغة اللاتينيّة، التي تكون مدخلاً للمعارف الأوربيّة نصرانيّةً كانت أم علمانيّة، وهكذا نجد ومن خلال هذه الإلمامة المختصرة عن المستشرق ماسينيون، أنّه بذل جهوداً كبيرة على الصعيدين الفكري والميداني لربط الشرق الإسلامي بالعَجَلَة الأوربيّة، وأساليب متنوّعة كان أبرزها تربية نماذج متميّزة من تلامذته في الجامعات الفرنسيّة، بهدف إعدادهم رجال فكر في الشرق على الطريقة الأوربيّة.

وقد أشرنا إلى واحد من تلك النماذج، وهو ميشيل عفلق الذي برَز أحد روّاد فكرة البعث القومي العربي في الشرق.

هذه إلمامة سريعة بنماذج منتقاة من كبار رجال الغرب المستشرقين كانوا روّاد تنظير ومَنْهَجَة، ومراكز إدارة، وإعداد لعمل أكثر من اهتمّوا بالشرق الإسلامي، تطرّفاً وحركةً باتّجاه الأهداف التبشيريّة والاستعماريّة لأوربّا.

وقد سِيقت هذه النماذج مثالاً بارزاً يكشف عن دوافع عملهم الحقيقيّة، وطريقتهم المتعصّبة في التفكير، وأساليبهم الخبيثة في تشويه الإسلام ومجتمعاته، ومدى ارتباط ذلك بحركة الاستعمار الغربي للسيطرة على الشرق الإسلامي.

١٩٨

الفصل السّادس

نماذج من الدّسّ والتّشويه في الإنتاج الموسوعى للمستشرقين

* دوائر المعارف (البريطانيّة، الأميركيّة، لاروس الفرنسيّة).

* الموسوعة العربيّة الميسّرة.

* قاموس المنجد.

* الموسوعة الإسلاميّة الميسّرة.

* دائرة المعارف الإسلاميّة.

* هويّة وخلفيّة أبرز كتّابها.

* الدّسّ والتّشويه في موادّها (شُبهات وردود).

* ذكاء محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخياله عماد دعوته.

* تناقض القرآن والتّردّد في بعض آياته.

* تأثّر محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باليهوديّة والنصرانيّة والجاهليّة، واستقاؤه منها في صياغة قرآنه ودينه الجديد.

* شعائر الإسلام وليدة إبداعات وتأثيرات متنوّعة.

* غموض العديد من مقولات النّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) القرآنيّة.

* ادّعاء النّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وابتكاره واصطناعه وتأثّره بمن حوله.

١٩٩

٢٠٠