كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين15%

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 376

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين
  • البداية
  • السابق
  • 376 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127215 / تحميل: 8233
الحجم الحجم الحجم
كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الطعام والشراب، فيجوز أنْ يكون مأخوذاً عن الاستعمال اللغوي اليهودي...) إلى آخره، يرد عليه ما أوردناه على قول(ر. پاريه) تحت مادّة(أُمّة). وما أوردناه على قول(هيك) تحت مادّة(سحر).

أمّا قوله تحت نفس المادّة: (... لكنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن على كلّ حال عارفاً بالتفصيلات؛ لأنّه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء، إلاّ بعد الهجرة، لمّا رأى اليهود يصومونه) ففيه:

أ - إنّ عاشوراء على وزن فاعولاء، مختومة بالألف الممدودة، وتصحّ بالألف المقصورة بلا همزة: عاشورا(١) ، فهي صفةٌ مؤنّثة لليلة العاشر من الشهر القمري العربي، وغلب إطلاقها على الليلة العاشرة من أوّل تلك الشهور وهو محرّم الحرام، ولا يُوصف بها اليوم، فلا يُقال: اليوم العاشوراء.

وقد اشتهر استعمال هذه الكلمة في ليلة العاشر من محرّم الحرام، ذكرى شهادة الإمام الثالث من أئمّة أهل بيت النبوّة الطاهرة (عليهم السلام) الحسين بن عليّ (عليهما السلام). مع العلم أن اللغويين قد نصّوا على أنّ هذه الكلمة(اسم إسلامي) (٢) (لم يُعرف في الجاهليّة)(٣) . وعلى هذا فمن أين جاءت دعوى وجود يوم باسم يوم عاشوراء لدى اليهود وأنّهم كانوا يصومونه؟

ب - لعلّ دعوى(بيرك) بوجود مثل هذا اليوم لدى اليهود، وأنّهم كانوا يصومونه، قد استندت على بعض الروايات الضعيفة سنداً، والمتناقضة دلالةً والتي وردت في بعض كتب الحديث، وأدناه نستعرض مجموعتين منها مع الإشارة الكلّيّة إلى ظروف وملابَسات اختلاف هذه الأحاديث ونسبتها كذِباً إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

____________________

(١) مجمع البحرين، مادّة (عشر).

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ٣: ٢٤٠.

(٣) الجمهرة في لغة العرب ٤: ٢١٢.

٢٨١

المجموعة الأولى:

١ - عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهليّة، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يصومه في الجاهليّة، فلمّا قدِم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلمّا فُرِض رمضان ترك يوم عاشوراء فمَن شاء صامه ومَن شاء تركه(١) .

٢ - عنها قالت: كان يوم عاشوراء فكان مَن شاء صامه ومَن شاء لم يَصمه(٢) .

٣ - عنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرَض رمضان، وكان يوماً تسترّ فيه الكعبة، فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):(مَن شاء أنْ يَصومه فليَصُمه، ومَن شاء أنْ يَتركه فليتركه) (٣) .

فكيف التوفيق بين هذا وبين ما مرّ من نصوص اللغويّين، على أنّ اسم عاشوراء اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة؟ وإذا كانوا يصومونه؛ لأنّه كان يوماً تُسترّ فيه الكعبة، فلماذا أُضيف إلى وصف الليلة (عاشوراء) كما مرّ؟ ولم تكن الكعبة تُسترّ في الليل طبعاً قطعاً. وهل وصفوا اليوم المُذكّر بصفة التأنيث؟ فالعجب من العرب كيف غاب عنهم هذا؟!

وهنا نتساءل:

بما أنّ الجاهليّة هي عهد ما قبل الإسلام، فإذا كان النبيّ يصوم يوم عاشوراء في الجاهليّة فلماذا تركه بعد الإسلام؟ فلو كان تركه لمخالفة المشركينّ

____________________

(١) صحيح البخاري، كتاب الصوم.

(٢) صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن، سورة البقرة.

(٣) صحيح البخاري، كتاب الحج، الباب ٤٧.

٢٨٢

فلماذا رجع إليه بعد الهجرة؟

المجموعة الثانية:

١ - عن ابن عبّاس قال: قدِم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال:(ما هذا؟) قالوا: هذا يوم صالح، يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. قال:(أنا أحقُّ بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه(١) .

٢ - عنه قال: إنّ النبيّ لما قدِم المدينة وجدهم يصومون يوماً (يعني يوم عاشوراء) فقالوا: هذا يومٌ عظيم، وهو يوم نجّى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون، فصام موسى شاكراً لله. فقال:(أنا أولى بِموسى مِنهُم). فصامه وأمر بصيامه.(٢)

٣ - عنه قال: لمّا قدم النبيّ المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسُئلوا عن ذلك فقالوا: هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيماً له. فقال رسول الله: ونحن أولى بموسى منكم. فأمر بصومه(٣) .

٤ - عنه قال: قدِم النبيّ المدينة واليهود تصوم عاشوراء فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبيّ لأصحابه:(أنتم أحقّ بموسى منهم، فصوموا) (٤) .

٥ - عنه قال: لمّا قدِم رسول الله المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا: هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبيّ:(نحن أولى بموسى

____________________

(١) صحيح البخاري، كتاب الصوم: ٣٠.

(٢) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: ٦٠.

(٣) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، الباب ٥٢.

(٤) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة يونس.

٢٨٣

منهم) (١) .

٦ - عن أبي موسى الأشعري قال: دخل النبيّ المدينة وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه فقال النبيّ:(نحن أحقّ بصومه)، فأمر بصومه(٢) .

٧ - عنه قال: كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً، فقال النبيّ: فصوموه أنتم(٣) .

وهذه المرويّات عن ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري لا نجد فيها أن اليهود كانوا يسمونه عاشوراء، أمّا ما هي حقيقته عند اليهود؟ فهذا ما تبينه لنا دائرة المعارف البريطانيّة بالانجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة حيثُ جاء فيها:

إنّ احتفال اليهود بنجاة موسى وبني إسرائيل يمتدّ سبعة أيّام لا يوماً واحداً فقط.

أمّا صوم اليهود فهو في اليوم العاشر، ولكنّه ليس العاشر من المحرّم، بل من شهرهم الأوّل: تشري، ويسمّونه يوم(كيپور) ، أي يوم(الكفّارة) ، وهو اليوم الذي تلقّى فيه الإسرائيليّون اللوح الثاني مِن ألواح الشريعة العشرة، ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون، بل بعد نجاتهم من فرعون، وميقات موسى (عليه السلام) وابتلائهم بعبادة العجل إلهاً لهم، ورجوع موسى من الميقات إليهم، وإعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم لبعض، وبحصولهم على العفو من رفقائهم، ولذلك فقد خُصّص اليوم قبل(كيپور) بتبادل العفو فيما بينهم، وخُصّص يوم(كيپور) للصيام والصلاة والتأمّل كأقدس أيّام اليهود.

والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمريّة، ولذلك فعدد أيّام

____________________

(١) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة يونس.

(٢) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، الباب ٥٢.

(٣) صحيح البخاري، كتاب الصوم: ٣٠.

٢٨٤

السنة في السنوات العاديّة ٣٥٥ أو ٣٥٤ أو ٣٥٣، ولكنّهم جعلوا سنواتهم شمسيّة بشهور قمريّة، ولذلك فلهم سنوات كبيسة، ففي كلّ سنةٍ كبيسة يُضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الثاني فيكون الشهر السابع، ويكون نيسان الشهر الثامن، وعليه تكون أيّام السنة الكبيسة ٣٨٥ أو ٣٨٤ أو ٣٨٣.

مناقشة ما ورد في روايات المجموعتين:

أ - يلاحظ بخصوص خبرَي أبي موسى الأشعري:

أنّه في الأوّل يقول: (وإذا أُناس من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه، فقال النبيّ:(نحن أحقّ بصومه) . فأمر بصومه) بلا ذكر لوجه تعظيمهم ليوم عاشوراء وصومه، ولا ذكر لوجه أحقيّة المسلمين بصومه.

وفي الثاني يقول: (كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً. قال النبيّ:فصوموه أنتم) بلا ذكر لوجه كون يوم عاشوراء عيداً عندهم، ولا ذكر لوجه أمره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصومه، وكأنّه يُقابل بين الأمرين: بين صوم المسلمين فيه وعدّه اليهود عيداً، دون الأولويّة.

ب - يلاحظ في الخبَرَين أيضاً:

أنّه قال في الأوّل: (وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء) وقال في الثاني: (كان يوم عاشوراء تعدّه عيداً) فعلّق وصف العيد وتعظيم اليهود على يوم عاشوراء، ولا وجه لذلك. وقد مرّ نص اللغويّين على أنّه اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة أي قبل الإسلام، وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الإسلام؟!

وقال في الثاني: (قال النبيّ:فصوموه أنتم ) وقال في الأوّل: (فقال النبيّ:نحن أحقّ بصومه . فأمر بصومه) وجوباً أم استحباباً؟ وظاهر الأمر الوجوب كما

٢٨٥

قالوا، وعليه فيخلو الخبر عن ذكر مدى هذا الأمر إلى متى كان أو يكون؟ وكذلك تخلو منه أخبار ابن عبّاس.

ج - وذكرت المدى أخبار عائشة: (فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):(من شاء أنْ يصومه فليصمه، ومن شاء أنْ يتركه فليتركه) .

وقد ذكروا بلا خلاف أنّ فرْض الله صيام شهر رمضان كان بنزول القرآن به لمنتصف السنة الثانية للهجرة، أي أنّه لم يكن بين هجرته وبين نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء واحد، وإذا كان قد أمر بصيامه مواساة لموسى (عليه السلام) شكراً لنجاته على قول يهود المدينة له بعد هجرته جواباً عن سؤاله عن صومهم يوم عاشوراء، إذن فعاشوراء الأُولى قد مضت ولم تأتِ الثانية ليصوموا يومها، حتّى نزل القرآن بفرض رمضان فما معنى: (كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرض رمضان؟ وكذلك ما عن عائشة أيضاً قالت: كان عاشوراء يُصام قبل رمضان، فلمّا نزل رمضان مَن شاء صام ومَن شاء أفطر(١) .

٨ - وعنها قالت: كان رسول الله أمر بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر(٢) . وكأنّه أمر بالصيام فقط ولم يصوموه.

د - وهناك خبر آخر عن حميد بن عبد الرحمان ، أنّه سمِع معاوية بن أبي سفيان على منبر يوم عاشوراء عام حجّ يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمِعت رسول الله يقول:(هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر) (٣) .

فهذا يتضمّن تنكّراً لصيام قريش في الجاهليّة، ولصيام اليهود كذلك،

____________________

(١) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة البقرة.

(٢) صحيح البخاري، كتاب الصوم: ٣٠.

(٣) المصدر السابق.

٢٨٦

وينصّ من أوّل يوم على الندب والاستحباب دون الوجوب. ولكن يُلاحظ عليه أمران:

الأول: إنّه يتضمّن اعترافاً بعدم علم علماء أهل المدينة بالحديث عن رسول الله.

الثاني: أفكان هذا قبل الهجرة؟ أم بعدها؟ أم بعد فتح مكّة؟ فمتى سمعه معاوية؟ وإذا كان لليهود تقويم عِبري يخصّهم يختلف تمام الاختلاف عن التاريخ العربي القمَري، وإذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل من فرعون، فلا يصحّ ما جاء في بعض كتب الحديث ممّا نُسِب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أخبار في عاشوراء تتضمّن أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من الفراعنة فهو يوم عيد الخلاص.

وإلى جانبه ذكريات أُخرى منها: أنّه يوم خلْق الأرض والجنّة وآدم (عليه السلام) فهو عيد الخلق، وهو يوم نجاة نوح من الغرق، ونجاة إبراهيم من الحرْق(١) .

أمّا علّة وضع هذه الأحاديث فقد روى الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، مسنداً عن جبلة المكّيّة قالت: سمعت ميثم التّمار يقول: (والله لتقتلنّ هذه الأُمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشرٍ مضين منه، وليتخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وأنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم بذلك بعهدٍ عهِده إليّ مولاي أمير المؤمنين (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

قالت جبلة: فقلت: يا ميثم، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّ (عليهما السلام) يوم بركة؟!

فبكى ميثم، ثمّ قال: سيزعمون - بحديث يضعونه - أنّه اليوم الذي تاب الله

____________________

(١) تفصيل الرد تجده في مجلّة رسالة الثقلين العدد الثاني - يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث.

٢٨٧

فيه على آدم (عليه السلام) وإنّما تاب الله على آدم في ذي الحجّة. ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوحٍ على الجودي، وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجّة.

ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل. وإنّما كان ذلك في شهر ربيع الأوّل(١) .

ويزعمون أنّه اليوم الذي قَبل الله فيه توبة داود، وإنّما قبل الله توبته في ذي الحجّة. ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة.

ثمّ قال ميثم: يا جبلة، إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنّها دمٌ عبيط، فاعلمي أنّ سيّدك الحسين (عليه السلام) قد قُتِل)(٢) .

أمّا قول(بيرك) تحت نفس المادّة وكذلك قول(سبرنجر) وقول(نولدكه وشفالي) فهي مجرّد فرضيّات وادّعاءات احتماليّة لم يسوقوا أيّ دليلٍ أو قرينةٍ عليها، ويرد عليها ما أوردناه على قول(هيك) تحت مادّة (سحر) فراجع. على أنّ قول(بيرك): - (وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله اختار محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهر رمضان بالذات... قيلت آراءٌ عديدة) - لا مورد له؛ لأنّ الله سبحانه قد أظهر سرّ عظمة هذا الشهر في قوله تعالى:

( شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَالْفُرْقَانِ ) (٣) فجعل أداء هذه الفريضة العظيمة في

____________________

(١) وهذا يتّفق مع ظاهر أخبار ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري في أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا قدم المدينة - وقدِمها في ربيع الأوّل بلا خلاف - رأى اليهود يصومون اليوم ويقولون أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون والغرق، لا يوم عاشوراء.

(٢) أمالي الشيخ الصدوق: ١١٠ط. بيروت.

(٣) البقرة: ١٨٥.

٢٨٨

الشهر العظيم فقال سبحانه:( فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (١) .

٩ - قول(فير) تحت مادّة(الجاهليّة) وقول(فنسنك) تحت مادّة (أصل الحجّ في الإسلام)، وقوله أيضاً تحت مادّة(إحرام) ، وما نقله عن(سنوك هجروينيه) تحت نفس المادّة، وقول(بول) تحت مادّة(الجمرة) ، وقول(شاخت) تحت مادّة(زكاة) وقوله أيضاً تحت مادّة(زنى) ، وقول(هفننج) تحت مادّة(التجارة)، يرد عليها جميعاً ما أوردناه سابقاً على قول(هيك) تحت مادّة(سحر).

يُضاف إلى ذلك أن هذه الأقوال فيها روح الإنكار للوحي الإلهي للرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخصوصاً ما هو تحت مادّة( الجاهليّة) ومادّة (أصل الحجّ في الإسلام) ومادّة (إحرام)، إذ يكفيها جواباً أنّ القرآن الكريم يُصرّح في أكثر من آيةٍ كريمة، أنّ بيت الله الحرام هو واحد، وقد أقام قواعده نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) وولده نبي الله إسماعيل (عليه السلام) وذلك في قوله تعالى:

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّا إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٢) ، ثمّ أمر الله سبحانه نبيّه إبراهيم (عليه السلام) أنْ يُطهّر هذا البيت لأداء عبادة الحجّ الإلهي، حيثُ جاء في القرآن الكريم عن ذلك:

( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذّن فِي النّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى‏ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَمِيقٍ ) (٣) ، وقوله تعالى أيضاً:

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى وَعَهِدْنَا إِلَى‏ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهّرَا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرّكّعِ السّجُودِ ) (٤) . واستمرّ الحال زمناً طويلاً

____________________

(١) البقرة: ١٨٥.

(٢) البقرة: ١٢٧.

(٣) الحج: ٢٦، ٢٧.

(٤) البقرة: ١٢٥.

٢٨٩

حتّى أفسد أهل الجاهليّة هذا الحجّ الإبراهيمي، وحرّفوه عن شرعته الإلهيّة باتّخاذهم الأصنام في بيت الله وشعائر الحجّ الأخرى شركاء لله سبحانه يتقربون إليها دونه تعالى، ومحقوا صورته الأولى التي شرّعها الله لنبيّه إبراهيم (عليه السلام)، واستبدلوها بالدجل والهراء، حتّى وصفهم القرآن الكريم بقوله:

( وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) (١) ، فأمر الله تعالى نبيّه الكريم محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بإعادة عبادة الحجّ الإلهي إلى صورته الأُولى، إمضاءً لشريعة إبراهيم (عليه السلام) فيها، حيثُ قال في قرآنه المجيد:( إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللّهِ‏ِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (٢) .

كما أنّ قول(بول) تحت مادّة(الجمرة): جهلٌ منه أو تجاهل، فإنّ كثيراً من مفردات الشريعة الإسلاميّة جاءت كليّات في القرآن الكريم، ثمّ فصّلها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديثه وسيرته الشريفة، بوحيٍ وإلهامٍ من الله سبحانه وتعالى.

١٠ - قول(هـ. هـ. بروى) تحت مادّة(أُميّة بن أبي الصلت) صارخ في إنكار الوحي الإلهي للرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو يردّد بذلك دعوى أسلافه من اليهود والنصارى من الذين ابتدعوا هذه الأشعار، ونسبوها إلى أميّة كيداً للإسلام ونبيّه الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وقد ذكرت لنا كتب التاريخ أنّ أُميّة بن الصلت هذا كان من أعدى أعداء الإسلام ونبيّه الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ذلك ما جاء في تاريخ الأدب العربي في ترجمة أُميّة بن الصلت ما نصّه: (كان أُميّة تاجراً من أهل الطائف ينتقل بتجارته بين الشام واليمن. ومال أُميّة من أول أمره إلى التحنّف، هجر عبادة الأوثان وترك شرب

____________________

(١) الأنفال: ٣٥.

(٢) آل عمران: ٩٦ - ٩٧.

٢٩٠

الخمر واعتقد بوجود الله من غير أنْ يكون له فروض معينة في العبادة. وكاد أُميّة أنْ يسلِم لمّا جاء الإسلام، ولكن موقف قومه ثقيفٍ من الإسلام أملى عليه العداء للرسول وللمسلمين، فكان يُحرّض على قتال الرسول، ولمّا انتصر المسلمون على مشركي مكّة في غزوة بدرٍ، في رمضان من سنة ٢ للهجرة، رثى أُميّة الذين قُتلوا من المشركين في تلك الغزوة...ضاع القسم الأوفر من شعر أُميّة، ولم يثبت له على القطع سوى قصيدته في رثاء قتلى بدر من المشركين.

وكان أُميّة يحكي في شعره قصص الأنبياء على ما جاء في التوراة ويذكر الله والحشر، ويأتي بالألفاظ والتعابير على غير مألوف العرب، ولذلك كان اللغويّون لا يحتجون بشعره. وشعره كثير التكلّف ضعيف البناء قليل الرونق قلق الألفاظ. أمّا أغراضه في شعره الباقي بين أيدينا - صحيحاً ومنحولاً - فهي المدح والهجاء والرثاء وشيء من الحكمة وكثير من الزهد والتزهيد، ومن الكلام في الله والآخرة)(١) .

ومن ذلك نستنتج ما يلي:

١ - إنّه كان عدوّاً للإسلام ولرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى نُقل أنّه: لمّا ظهَر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قيل له: هذا الذي كنت تستريب وتقول فيه. فحسده عدوّ الله وقال: إنّما كنت أرجو أنْ أكونَه، فأنزل الله تعالى فيه:( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ) [الأعراف: ١٧٥].

وكان يحرّض قريشاً بعد وقعة بدر)(٢) ، وهذه قرينة على وجود تنافر بينه وبين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ممّا يبعد مقولة وجود صلة واستقاء منه خصوصاً بعد البعثة النبويّة.

٢ - إنّه كان يحكي في شعره بعض ما جاء في التوراة من قصص الأنبياء

____________________

(١) تاريخ الأدب العربي للدكتور عمر فروخ ١: ٢١٦ - ٢١٧.

(٢) كتاب الوافي بالوفيّات لصلاح الدين خليل أيبك الصفدي ٩: ٣٩٥ - ٣٩٦، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٤: ١٢٧.

٢٩١

وذكر الله والحشر ويأتي بالألفاظ والتعابير على غير مألوف العرب. وعليه فلو أراد الرسول أنْ يستقي هذه الأمور لاستقاها من التوراة مباشرة دون الحاجة إلى أشعار أُميّة خصوصاً وإنّ شعره متكلّف ضعيف البناء قليل الرونق قلق الألفاظ لا يؤدّي إلى المراد بالدقّة المطلوبة، ويؤيّد ذلك ما ذكره المؤرخون بقولهم: (ولذلك كان اللغويّون لا يحتجّون بشعره).

٣ - إنّ البيان والبلاغة الإعجازيّة لآيات القرآن الكريم تأبى وتتنافى ودعوى الأخذ من أشعار أُميّة المتكلّفة الضعيفة القلقة القليلة الرونق.

وقد أشار القرآن إلى هذه الافتراءات وما فيها من مفارقات صارخة، وأفحمهم بالبرهان الساطع الذي يثبت به - بما لا يقبل الشكّ والترديد - البَون المُطلق بين ما يُدّعى مصدراً لضعفه وهبوط بيانه، وبين البيان الإعجازي للقرآن الكريم وهو قوله تعالى:

( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مُبِينٌ ) (١) ، ثُمّ أشار إلى حقيقة أُخرى تدفع هذه الدعوى أيضاً إذ قال:

( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ ) (٢) ، وبذلك أثبت أنّ المشركين آنذاك لا يعلمون ممّا جاء في القرآن شيئاً، ولو كانت أشعار أُميّة مطابقة أو مشابهة لِما ورد في القرآن الكريم، إذن لكانت خير دليلٍ عندهم على دحض نبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإنكار الوحي والتنزيل الإلهي له (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ونضيف إلى ذلك ردّنا السابق على قول(هيك) تحت مادّة(سحر) ، في أنّنا لا نعدم وجود مشتركات وتشابه بين بعض المفردات في الإسلام والقرآن الكريم، ومفردات في اليهوديّة والنصرانيّة وكتابيهما التوراة والإنجيل، في الموارد التي لم

____________________

(١) النحل: ١٠٣.

(٢) هود: ٤٩.

٢٩٢

يطِلْها التحريف خصوصاً في كلّيّات الاعتقادات وقصص الأنبياء لِعَدم شمول النسخ لها كما ذكرنا سابقاً، فراجع.

شعائر الإسلام وليدة إبداعات وتأثيرات متنوّعة

وفيها يُحاول بعض كتّاب هذه الدائرة اختلاق ودعم شبهة أنّ شعائر الإسلام جاءت من خلال إبداعات خاصّة أو تأثيرات متنوّعة: (كالصحابة، الجاهليّة، اليهوديّة، النصرانيّة، الفارسيّة، و...).

ومن نماذج الدسّ والتشويه في صيغة هذه الشبهة ما جاء تحت مادّة(أذان) التي يقول فيها(جوينبل Th.Juynboll ) : (وتقول الرواية الإسلاميّة: إنّ النبيّ تشاوَر مع أصحابه بعد دخوله المدينة مباشرةً، في العام الأوّل أو الثاني للهجرة، في خير الطرق لتنبيه المؤمنين إلى وقت الصلاة، فاقترح بعضهم أنْ يُوقدوا لذلك ناراً أو ينفخوا في بوق أو يدقّوا ناقوساً، (مثل قطعة طويلة من الخشب تضرب بقطعة أُخرى وكان يستعمله المسيحيّون في الشرق للتنبيه إلى الصلاة)، ولكنّ واحداً من المسلمين هو عبد الله بن زيد أخبر أنّه رأى في المنام رجلاً يدعو المسلمين إلى الصلاة من سقف المسجد، وامتدح عُمر هذه الطريقة في الدعوة إلى الصلاة، ولمّا اتّفق رأي الجماعة على هذا الأذان أمر النبيّ باتّباعه، ومن ذلك الوقت أخذ بلال يُنادي المؤمنين إلى الصلاة بهذا الأذان، الذي يستعمله العالم الإسلامي إلى وقتنا هذا)(١) .

وتحت باب(بلال) يقول( Fr. Buhl ): (وأدخل النبيّ الأذان بعد أنْ أبدى

____________________

(١) دائرة المعارف الإسلاميّة ١: ٥٦٠.

٢٩٣

شيئاً من التردّد (انظر مادّة أذان) وجعل بلالاً مؤذّناً له)(١) .

ويسفّ(كاستر M. Gaster ) أكثر فيقول عن(القبلة) تحت باب(السامرة): (وقد ورد في الإنصرة أيضاً كلمة القبلة، أي التوجّه في الصلاة إلى الجبل المقدّس. والحق في أنّ الاتّجاه إلى المعبد معروف أيضاً عند اليهود... ويجوز أنّ محمّداً أخذ هذه الشعيرة من السامرة، وقد صبغها مثلهم بصبغة دينيّة خاصّة، أقوى وأشدّ ممّا يفعل اليهود، وكذلك غيّر محمّدٌ وجهة الصلاة عندما اختلف مع اليهود، وبذلك أفصح عن الأهميّة التي كان ينسبها إلى القبلة)(٢) .

أمّا(فنسنك A. J. Wensink ) فينقل هذه الشبهة إلى أهمّ شعائر الإسلام على الإطلاق، وهي الصلاة فيقول تحت مادّتها: (ويبدو أنّ كلمة صلاة لم تظهر في الآثار الأدبيّة السابقة على القرآن، وقد اتّخذها محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما اتّخذ الشعيرة من اليهود والمسيحيّين في بلاد العرب)(٣) .

ويستمرّ(فنسنك) في إبرام شبهته هذه فيقول تحت المادّة نفسها:( واشتقاق كلمة(صلوطا) الآراميّة واضح كلّ الوضوح، فالأصل(صلأ) ، في الآراميّة يعني الانحناء والانثناء والقيام... وتُستعمل في كثير من اللهجات الآراميّة للدلالة على الصلاة الشرعيّة... وقد نقل محمّد كلمة الصلاة بهذا المعنى من جيرانه.

ويكشف نظام الصلاة عند المسلمين عن تشابه كبير بصلاة اليهود والمسيحيّين... ومن البيّن أنّ محمّداً لم تكن بين يديه أوّل الأمر المادّة الوافية لهذه الشعيرة؛ ولقد كانت تعوزه النصوص التي يتلوها ويرتّلها اليهود والمسيحيّون في

____________________

(١) دائرة المعارف الإسلاميّة ٤: ٧٣.

(٢) المصدر السابق ١١: ٩٢.

(٣) المصدر السابق ١٤: ٢٧٧.

٢٩٤

صلاتهم) (١) .

ويستمر(فنسنك) تحت المادّة نفسها قائلاً: (ومن ثمّ فنحن نجد فجأةً الصلاة الوسطى تظهر في السورة المدنيّة وهي البقرة، الآية ٢٣٧. ولا بد إذن أنْ تكون هذه الصلاة قد أُضيفت في المدينة إلى الصلاتين المعتادتين، ويرجّح أنْ يكون ذلك قد تمّ محاكاةً لليهود الذين كانوا يُقيمون أيضاً صلاتهم(ثقلاه) ثلاث مرّات كلّ يوم)(٢) .

ويقول أيضاً: إنّ(جولد صيهر Gold Ziher ) وفي معرض ردّه على(هوتسما) في كيفيّة تقرير الصلوات الخمس، يرى عكس ما يراه الأخير ويذهب إلى القول بوجود أثر فارسي في تقرير الصلوات الخمس(٣) .

وعن عدد الركعات في الصلوات الخمس يقول(فنسنك) تحت مادّة(الصلاة):

(... إنّ الحديث [النبويّ] يقول أيضاً: إنّ الصلاة كانت في الأصل من ركعتين وإنّ هذا العدد نفسه عمل به في صلاة السفر... ويفترض(متفوخ) وجود التأثير اليهودي في الاختيار الأصلي للركعتين)(٤) .

وردّنا على مفردات هذه الصياغة من الدسّ، والتشويه، واختلاف الشبهات كالآتي:

أ - قول(جوينبل) تحت مادّة(أذان) وقول(بول) تحت مادّة(بلال) يرد عليه: إن مثل هذه الرواية التي ادّعاها (جوينبل) ولم يذكر لنا مصدرها، لا شكّ إنّها من المختلقات الإسرائيليّة التي اشتهر أمرها وحذّر العلماء وأهل الحديث

____________________

(١) المصدر السابق ١٤: ٢٧٨.

(٢) المصدر السابق ١٤: ٢٨١.

(٣) المصدر السابق ١٤: ٢٨٢.

(٤) المصدر السابق ١٤: ٢٨٦.

٢٩٥

والرواية منها، أمّا الروايات الصحيحة التي وردت عن أئمّة أهل بيت النبوّة والعصمة (عليهم السلام) فهي على خلاف ذلك، حيث تنصّ على أنّ الأذان كان من الله بواسطة الوحي(جبرئيل)، بل إنّ بعضاً منها تضمّن استنكاراً وزجراً ولعناً لِمَن زعموا أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد.

ومن هذه الروايات ما عن محمّد بن يعقوب عن أبيه عن ابن أبي عُمير عن حمّاد عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:(لمّا هبط جبرئيل (عليه السلام) بالأذان على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كان رأسه في حِجْر عليّ (عليه السلام)، فأذّن جبرئيل وأقام، فلمّا انتبه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: يا علي، سمِعت؟ قال: نعم، قال: حفظت؟ قال: نعم، قال: ادع بلالاً فعلّمه، فدعا عليّ (عليه السلام) بلالاً فعلّمه).

ورواه الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم، وروى الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله.

وعن محمّد بن مكّي الشهيد في الذكرى: عن ابن أبي عقيل عن الصادق (عليه السلام) أنّه (لعن قوماً زعموا أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد، فقال:(ينزل الوحي على نبيّكم فتزعمون أنّه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد؟!) (١) .

ب - قول(كاستر) فيما يتعلّق بالقبلة تحت باب(السامرة) فيه: ما أوردناه على قول(هيك) تحت مادّة(سحر) وقول(ر. پاريه) تحت مادّة(أمّة) فراجع.

على أنّ قضيّة القبلة لم تكن بالشكل الذي عرضه(كاستر) ، هذا من أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غيّر القبلة عندما اختلف مع اليهود، بل كان أمراً إلهيّاً للردّ على دعوى اليهود التي ردّدها(كاستر) في قوله السالف من تبعيّة الإسلام ورسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم، بدليل اتّخاذه (بيت المقدّس) التي هي قبلة اليهود قبلةً للمسلمين،

____________________

(١) وسائل الشيعة ٤: ٦١٢ - ٦١٣، ح٣.

٢٩٦

وبهذا الأمر الإلهي تميّز المسلمون عن اليهود بجعل الكعبة المشرّفة قبلتهم دون سواهم.

وفي بيان هذه الحقيقة روى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (تحوّلت القبلة إلى الكعبة بعدما صلّى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمكّة، ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدِس، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدِس سبعه أشهر، قال: ثمّ وجّهه الله إلى الكعبة، وذلك أنّ اليهود كانوا يعيّرون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويقولون له:

أنت تابع لنا، تصلّي إلى قبلتنا، فاغتمَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ذلك غمَّاً شديداً، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء، ينتظر مِن الله تعالى في ذلك أمراً، فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظهر، كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فأخذ بعَضُديه وحوّله إلى الكعبة، وأنزل عليه:

( قَدْ نَرَى‏ تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّماءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.... ) ، وكان صلّى ركعتين إلى بيت المقدِس وركعتين إلى الكعبة، فقالت اليهود والسفهاء:

( ...مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا... ) (١) .

ج - أقوال(فنسنك) المتعدّدة تحت مادّة(الصلاة) يرد عليها جميعاً ما أوردناه على(هيك) تحت مادّة(سحر) فراجع. ونضيف إليه:

١ - قوله: (ويبدو أنّ كلمة صلاة لم تظهر في الآثار الأدبيّة السابقة على القرآن...)، فيرد عليه ما أوردناه على(ر. پاريه) تحت مادّة(أُمّة)، مع تأكيدنا على بطلان ما ادّعاه، فإنّ كلمة صلاة وردت في الشعر العربي الجاهلي قَبل نزول القرآن الكريم، كما في قول أعشى قيس:

يُراوِح في صَلواتِهِ لِمَلِيك * طَورَاً سُجودَاً وطَورَاً جوار

____________________

(١) مجمع البيان ١: ٢٢٣.

٢٩٧

ومعنى الصلاة لغة الدعاء والاستغفار؛ فقد قال الأعشى أيضاً:

لها حارسٌ لا يَبرَح الدهر بَيتَها * فإنْ ذبحت صلّى عليها وزمزما

أي دعا لها، وقال أيضاً:

وقابلها الريح في دنّها * وصلّى على دنّها وارتسم

أي دعا لها أنْ لا تحمض ولا تفسدَ. والصلاة من الله تعالى: الرحمة، قال عدِي بن الرقاع:

صلّى الإله على امرئ ودّعتُه * وأتمّ نعمته عليه وزادها

وقال:

صلّى على عزّة الرحمان وابنتها * ليلى، وصلّى على جاراتها الأُخر(١)

وأصل الاشتقاق في الصلاة من اللزوم من قوله:( تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ) ، والمصدر(الصلا) ، ومنه اصطلى بالنار إذا لزمها، والمصلِّي الذي يجيء في أثر السابق للزوم أثره، ويُقال للعظم الذي في العجز صلاً، وهما صلوان.

أمّا في اصطلاح الشريعة الإسلاميّة، فهي عبارة عن العبادة الخاصّة التي شرعها الإسلام والمشتملة على الركوع والسجود على وجهٍ مخصوص وأركانٍ وأذكارٍ مخصوصة.

وقيل إنّها سُمّيت صلاة لأنّ المصلّي متعرّض لاستنجاح طلبته، من ثوابِ الله ونِعَمه مع ما يسأل ربّه فيها مِن حاجاته(٢) .

٢ - قوله: إنّ نظام الصلاة عند المسلمين يُشابه بدرجةٍ كبيرة صلاة اليهود والمسيحيّين... وإنّ الصلاة الوسطى ظهرت فجأة في سورة البقرة المدنية، وإنّها أُضيفت إلى الصلاتين المعتادتين فأصبحت ثلاثة، ثمّ يفرّع عليها رجحان أنّ ذلك

____________________

(١) لسان العرب: ماّدة (صلاة).

(٢) الطوسي، البيان ١: ٥٦ - ٥٧.

٢٩٨

قد تمَّ محاكاةً لصلاة اليهود(ثقلاه) (١) التي تقام ثلاث مرّات كلّ يوم.

يرد عليها أنّ التشابه يكون مرّة بعدد الصلوات، وأُخرى بشكليّة الصلاة مِن قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ وأمثالها، وثالثة بمضامين الصلاة من قراءات وأذكار، أمّا الجانب الأوّل فإنّ الصلاة التي شرّعها الإسلام، هي خمس صلوات وليس ثلاث صلوات، كما لدى اليهود حسب قول(فنسنك) نفسه، وليست سبعاً كما لدى المسيحيّين وهي: (صلاة البكور وصلاة الساعة الثالثة، والسادسة والتاسعة، والحادية عشرة والثانية عشرة ثمّ صلاة منتصف الليل)(٢) .

والصلوات الإسلاميّة الخمسة هذه محدّدة أوقاتها بموجب آيتين قرآنيّتين نزلتا على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مكّة المكّرمة وليس في المدينة المنوّرة، وهما في سورة الإسراء في قوله تعالى:

( أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إِلَى‏ غَسَقِ اللّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ) (٣) ، وفي سورة هود في قوله تعالى:( وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ... ) (٤) .

وفي بيان دلالة هاتين الآيتين، روي عن زرارة مسنداً قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عمّا فرض الله عزّ وجل من الصلاة، فقال:(خمسَ صلواتٍ في الليلِ والنهار)، فقلت: هل سمّاهنّ الله وبيّنهن في كتابه؟ قال:(نعم، قال الله تعالى لنبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إِلَى‏ غَسَقِ اللّيْلِ ) ودلوكها زوالها، وفيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات، سمّاهنّ الله وبيّنهنّ ووقّتهنّ، وغسق الليل هو انتصافه، ثم قال تبارك وتعالى: ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ

٢٩٩

كَانَ مَشْهُوداً ) ، فهذه الخامسة، وقال تبارك وتعالى في ذلك:( أَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ ) وطَرَفاه: المغرب والغداة( وَزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ ) وهي صلاة العشاء الآخرة...)(١) .

وفي تفسير الآية الأولى قال ابن عبّاس والحسن ومجاهد وقتادة: (دلوكها زوالها، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)... وقال الجبائي: غسَق الليل ظُلمته، وهو وقت العشاء... وقال الحسن:(لدلوك الشمس) لزوالها: صلاة الظهر، وصلاة العصر إلى(غسق الليل) صلاة المغرب والعشاء الآخرة، كأنّه يقول من ذلك الوقت إلى هذا الوقت على ما يُبيّن لك مِن حال الصلوات الأربع، ثمّ صلاة الفجر، فأُفرِدت بالذكر)(٢) .

أمّا الصلاة الوسطى الواردة في سورة البقرة:( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى ‏ ) (٣) فقد جاء في معنى الآية: الحثّ على مراعاة الصلوات، ومواقيتهنّ، وألاّ يقع فيها تضييع وتفريط(٤) .

وجاء في روايات متعدّدة أنّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر، منها ما رُوي مسنداً عن أبي جعفر (عليه السلام) (في حديث) قال:(وقال تعالى: ( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى ‏ ) وهي صلاة الظهر) (٥) .

وعليه فلا يضُرّ أنْ تكون هذه الآية مدنيّة؛ لأنّها لم تكن بصدد أصل تشريع الصلوات الخمس، بل جاءت للحثّ على مراعاة الصلوات ومواقيتهن، وخصوصاً الصلاة الوسطى منهنّ والتي سبَق تشريعها في الآيات المكيّة السالفة الذكر، وبهذا

____________________

(١) وسائل الشيعة ٣: ٥، ح١.

(٢) الطوسي، التبيان ٦: ٥٠٩ - ٥١٠.

(٣) البقرة: ٢٣٨.

(٤) الطوسي، التبيان ٢: ٢٧٥.

(٥) وسائل الشيعة ٣: ١٤، ح١.

٣٠٠

المخالفين لأنّه منصب الهيّ وكمال نفسانيّ ودرجة وهيبة

وما قيل من أنّ الولاية بمنزلة الحليلة للأئمّة واغتصبها المغتصبون منهم فتزوّجها فالنواصب أبناء هذه البغيّة ونزّلوا أخبار خبث مولد النواصب هذا التنزيل وقالوا : إنّ الزوج الشرعي للولاية هم الأئمّةعليهم‌السلام وقد عقد الله هذا الزواج في السماء

وهذا حديث باطل ومردود وهو أدنى من كلام المبرسمين أصحاب الماليخوليا ، والأولى أن ندعوه هذيان القلم ، وأكثر من هذا لا يستحقّ من عناية العلماء لردّه ولا يتّسق مع سابقة العلماء وشئوناتهم العلميّة ورتب أهل الفضل كما قال الحكماء :

از سخن پُر در من هم چون صدف هر گوش را

قفل گوهر ساز ياقوت زمر پوش را

در جواب هر سؤالى حاجت گفتار نيست

چشم بينا عذر مى خواهد لب خاموش را

لا تجعلنّ كلّ قول مثل جوهرة

تقرط الأُذن فيها كي تحلّيها

أبعد عن العين بالأقفال جوهرة

فإنّ حقّ يتيم الدرّ تخفيها

ولا تجيبنّ يوماً كلّ مسألة

إطباق كلّ شفاه عذرها فيها

ومن الأشعار التي أنشدها الإمام الرضاعليه‌السلام في حضرة المأمون ونسبه إلى بعض فتيان آل عبد المطّلب كما ورد في العيون هذان البيتان :

وإذا ابتليت بجاهل متكلّف

يجد المحال من الأُمور صوابا

أوليته منّي السكوت وربّما

كان السكوت عن الجواب جوابا(١)

وجملة القول : إنّ هذه الفقرة من الزيارة مساوقة لفقرة الصحيفة السجاديّة

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٥٧ وفيه بدل « ابتليت » « بليت » وبدل « متكلّف » « متحكّم » ( هامش الأصل ) وفي المجلّد الأوّل منه ص ١٨٧ أربعة أبيات بدل البيتين ( المترجم )

٣٠١

وفيها يشير الإمام السجّاد إلى عيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة ويقول : « اللهمّ هذا المقام لخلفائك وأصفياءك ومواضع اُمناءك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها »(١) وهذا الابتزاز والإزالة والدفع كلّ ذلك ناشئ عن الصدر السالف والقرن الأوّل من عدول الصحابة ، ولا تتنافى عدالتهم مع ظلم أهل البيت وإيذاء فاطمةعليها‌السلام وإحراق بيتها والخلاف مع عليّعليه‌السلام وبغض الحسنينعليهما‌السلام ، كما مرّ عليك جانب من ذلك وعسى أن نشير فيما يأتي إلى جملة اُخرى منه

بل لا يتنافى ذلك عندهم مع تغيير جميع الفروع والاُصول والأحكام وهدم أساس الشريعة المقدّسة ـ على الصادع بها ألف سلام ـ كما يظهر ذلك من الأخبار المبثوثة في مطاوي كتبهم المعتمدة واُصولهم الصحيحة

نقل السيّد المحقّق الأمين شارح الصحيفة المقدّسة من الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأوّل من أخبار البخاري : قالت اُمّ الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمّد شيئاً إلّا أنّهم يصلّون جميعاً(٢)

وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك نقل عن الزهري قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرض شيئاً ممّا أدركت إلّا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت(٣)

وفي حديث آخر إنّه قال : ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________

(١) الصحيفة السجاديّة ، دعاء ٤٩ ( هامش الأصل ) الكاملة : ٢٨١ نشر جامعة المدرّسين ( المترجم )

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ باب فضل صلاة الفجر في جماعة ، ط دار مطابع الشعب بمصر ( هامش الأصل )

(٣) نفسه ، باب تضييع الصلاة عن وقتها ، ص ١٤١ ( هامش الأصل )

٣٠٢

قيل : فالصلاة ؟ قال : أليس صنعتم ما صنعتم فيها(١)

وهذه شهادة صريحة من أبي الدرداء وأنس بن مالك ـ وهما من أكابر الصحابة عند أهل السنّة والجماعة ـ بأنّ أحكام الشريعة بأجمعها غيّرت ، وبدّلت أحكام الشرع الشريف عامّة ، حتّى الصلاة وهي أظهر الواجبات وأعرف الفرايض ، وجميع ما مرّ جرى على أيدي الصحابة والتابعين الذين رووا في حقّهم « خير القرون قرني ثمّ القرن الذي يليه »(٢)

وإذا كان حال القرن الأوّل والثاني بهذه المثابة فما بالك بالقرون اللاحقة والأعصار التابعة التي تتبدّل في كلّ يوم أحوالها ، وتتنزّل شئونها باعترافهم

وطبقاً للحديث سابق الذكر يمكن أن نقول :

õ خُذ جملة البلوى ودع تفصيلها õ

_________________

(١) نفسه

(٢) عمران بن حصين ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خيركم قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم قال عمران : فما أدري قال النبيّ بعد قوله مرّتين أو ثالثاً ، ثمّ يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن

وفي خبر آخر : خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم إيمانهم ، وإيمانهم شهادتهم [ صحيح البخاري ، ٨ : ١١٣ باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ط دار ومطابع الشعب بمصر ] ( هامش الأصل )

٣٠٣

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ

الشرح : التمهيد مأخوذ من المهاد بمعنى البساط والفراش أو من العهد بمعنى سرير الطفل ، وكلاهما عائد إلى أصل واحد ونصّ في أساس البلاغة على أنّ التمهيد معناه التوطئة وتسهيل الأمر والإصلاح ، والمراد في أمثال هذه الوقائع وتمهيد العذر من المعاني المجازيّة ، ومعناه بسطه وتهيئة قبوله

والباء في « بالتمكين » للسببيّة على الظاهر والتمكين بمعنى الإقدار ، والظاهر أنّ اشتقاق المكان منه بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب المعنى فاشتقاقه من الكون

القتال : بمعنى القتل والذبح والحرب

والمقصود من الممهّدين هم الأوائل الذين سهّلوا السبيل ووطّئوا الاُمور ، وهيّئوا أسباب الظلم ، لأنّه لولاهم وما ارتكبوه من السلوك الوحشي الخشن مع أهل البيت لما جرأ الأواخر على ظلمهم بتلك القسوة المعهودة

وهذا أصحّ الوجوه في تفسير الفقرة المعروفة « المقتول في يوم الجمعة أو الاثنين »(١)

_________________

(١) كما في البحار ٤٤ : ١٩٩ و ٢٠١

وعن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : يوم الاثنين يوم نحس قبض الله عزّ وجلّ نبيّه ، وما اُصيب آل محمّد إلّا يوم الاثنين [ الكافي ، باب صوم عرفة وعاشوراء ؛ بحار الأنوار ٤٥ : ٩٤ ] وتأتي هذه الرواية بتفصيلها ذيل « اللهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو اُميّة »

مروج الذهب : وسُمعت في جنازته ( الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ) سوداء وهي تقول : ماذا لقينا من يوم الاثنين [ بحار الأنوار ٥٠ : ٢٠٧ ]

ولنعم ما قيل : « ما قُتل الحسين إلّا في يوم السقيفة » فلعنة الله على من أسّس أساس الظلم والجور على أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين [ بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٨ ]

٣٠٤

لأنّ يوم السقيفة حدث في يوم الاثنين ، وقد أجاد الشاعر المفلّق الحاج هاشم الكعبي حيث قال :

تا الله ما سيف شمر نال منك ولا

يدا سنان وإن جلّ الذي ارتكبوا

لولا الذي أغضبوا ربّ العُلى وأبوا

نصّ الولا ولحقّ المصطفى غصبوا

أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا

وما المسبّب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنة

حتّى إذا أبصروها فرصة وثبوا

فادرك الكلّ ما قد كان يطلبه

والقصد يدرك لمّا يمكن الطلب

كفُّ بها اُمّك الزهراء قد ضربوا

هي التي اُختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغىً صاليت جمرتها

كانت لها كفّ ذاك البغي تحتطب

وليبك يومك من يبكيك يوم غدوا

بالصنوا قوداً وبنت المصطفى ضربوا

والله ما كربلا لو لا السقيفة والإحياء

تدري(١) ولا لا النار ما الحطب

وورد في كثير من الأخبار لعن قاتلي سيّد الشهداء ومقاتليه ، ولعلّنا نشير إلى جانب منه فيما يأتي ونكتفي هنا بذكر حديث واحد ليقوم بأداء حقّ هذا العنوان ،

_________________

ولنعم ما نقله عليّ بن عيسى عن بعض الأصحاب عن القاضي أبي بكر بن أبي قريعة في ضمن أبياتٍ له :

وأريتكم أنّ الحسين

اُصيب في يوم السقيفه

ولأيّ حالٍ اُلحدت

بالليل فاطمة الشريفه

ولما حمت شيخيكم

عن وطي حجرتها المنيفه

أوّه لبنت محمّد

ماتت بغصّتها أسيفه

فوالله لا أنسى زينب بنت عليّعليهما‌السلام وهي تندب وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمّداه ! صلّى عليك مليك السماء وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فساط مقطّع العُرى . [ بحار الأنوار ٤٥ : ٥٩ ]

(١) جاء في الكتاب « تعلم » ولا يستقيم بها الوزن فاستبدلنا بها « تدري » لأنّي أحفظها هكذا

٣٠٥

ولئلّا تخلو هذه المقولة من هذه الأخبار من رأس

وفي تفسير الإمام الحسن العسكري :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (١) نزلت في اليهود ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزلت هذه الآية في هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله وكذّبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله : أفلا اُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الاُمّة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : قومٌ من اُمّتي ينتحلون بأنّهم أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب اُرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريّا ويحيى

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين بن عليّعليهما‌السلام رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً

ألا وإنّ الراضين بقتل الحسينعليه‌السلام شركاء قتله

ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم ، والمتقدّمين بهم برآء من دين الله

ألا إنّ الله ليأمر الملائكة المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسينعليه‌السلام إلى الخزّان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإنّ الملائكة ليتلقّون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسينعليه‌السلام ويلقونها في ألهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغسّاقها وغسلينها فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدّد بها على

_________________

(١) البقرة : ٨٤

٣٠٦

المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم(١)

اللهمّ اجر دموعنا في مصاب الحسين ، ووفّقنا للعن قتلته من الأوّلين والآخرين ، اللهمّ العنهم لعناً وبيلاً ، وعذّبهم عذاباً أليماً لا تعذّب به أحداً من خلقك ، وصلّ على محمّد وآله الطاهرين من اليوم إلى يوم الدين

_________________

(١) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٣٦٧ ط اُولى ١٤٠٩ مهر ـ قم المقدّسة ( المترجم ) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ١٤٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٣٠٤ رقم ١٧ ( هامش الأصل )

٣٠٧

بَرِئْتُ إِلَىٰ اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ(١)

برء : من باب سمع أي فارق ، والتبرّي بمعنى المفارقة ، وهذا المعنى مأخوذ من كتب الأدب من قبيل منتهى الإرب وتاج المصادر ، وترجمة القزويني على القاموس ، ولم تبيّن الكتب العربيّة حقيقة معنى البرائة ، وبرأ من مرضه أي تنق وعوفي ، وبرأ من دينه أي سقط عنه طلبه ، وكلا المعنيين مأخوذ من المعنى المتقدّم

وفي تفسير مجمع البيان ومفاتيح الغيب لابن الخطيب الرازي فسّر البرائة بانقطاع العصمة ، وهذا تفسير باللازم

وبعض المنتسبين إلى العلم فسّروا البرائة بالامتناع ، وبعد التتبّع والفحص الكامل لم نجد وجهاً لهذا التفسير

وسبب تعدّيته بـ « إلى » كان لإشرابه معنى توجّه أو تعطّف ، لأنّ المتبرّء من واحد متقرّب إلى الآخر ، إذ المتبرّء حين يدبر عنه يقبل على غيره فيثير حنقه بمحبّة غيره ورعاية قربه ، ولعلّ هذا المعنى هو الذي صحّح دخول « إلى » على هذا الطرف

والضمير في « منهم » راجع إلى جميع الطوائف المذكورة المراد من هذه الصفات أولئك الذين لهم المدخليّة التامّة في ذلك الأمر حيث استندت إليهم الأفعال ممّا جرى على الحسينعليه‌السلام بنحو من الأنحاء لينفى عنهم عنوان الأشياع والأتباع وينطبق عليهم عنوان مستقلّ آخر

تبع تباعاً وتِباعاً : اقتفى أثر فلان ، وتبع وزان فرس بمعنى تابع ، ويطلق على

_________________

(١) الصحيح من أشياعهم وأتباعهم وغفلةً من المؤلّف أو الناسخ حدث التقديم والتأخير ( هامش الأصل )

٣٠٨

المفرد والجمع مثل :( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ) (١) وجمع أتباع ، وتباعة ، وإن كان يطلق على المشي الظاهر ولكنّه من جهة التوسّع في الإطلاق يتناول المعنوي أيضاً وفي هذا السياق يوجد حديث مبنى على ذوق أهل المعرفة وليس هذا المقام موضع بيانه

الشيعة : عبارة عن الأنصار والأتباع ، صرّح بذلك في المصباح وغيره ، واشتقاقه من المشايعة ومعناها المتابعة والنصرة ، وهو مأخوذ من التشييع والمشايعة بمعنى المصاحبة للتعظيم ، كما يستعمل في معنى مشايعة الموتى وتشييعهم ، وكلا الحقيقتين مأخوذ من الشيوع بمعنى الظهور لأنّ في لفظ : مشيّع ومشايع يتبادر الميّت والضيف إلى الذهن وبه يتعالى اسمه ويشيع شرفه

ومجمل القول : جمع الشيعة شيعٍ ، وجمع الشيع أشياع ، وقد ارتكب الفيروزآبادي في القاموس خطأً حين اعتبر الأشياع والشيع كلاهما جمع التشيّع ، لأنّ قياس العربيّة لا يسمع بجمع « فعله » على « أفعال » وصرّح بما قلناه الفيّومي في المصباح

الولي : مأخوذ من ولي ومعناه الحقيقي القرب ، ويستعمل في القرابة النسبيّة والقرب الروحاني وهو المحبّة ، ويستعمل أيضاً في قرب الإحاطة وهو الرئاسة

واعلم أنّ رعاية الصحّة تتمّ في أمرين :

الأمر الأوّل : التنقية وهي دفع الفضلات والأخلاط الفاسدة

والأمر الثاني : التقوية وهي حفظ البنية وبقاء المزاج الذي هو الصورة الخامسة الحاصلة من تفاعل الكيفيّات الأربع ، المتداعية بالانفكاك والانفصال

كما أنّ حصول الكمال الإنساني والترقّي النفساني في السلوك الأخلاقي بأمرين :

_________________

(١) إبراهيم : ٢١

٣٠٩

أحدهما : دفع الرذائل من قبيل الحسد واللؤم والقساوة وحبّ الجاه

وثانيهما : كسب الفضائل من جنس العفو والسماح ورقّة القلب والإعراض عن الخلق

ومثله الإيمان وهو مصحّح جميع الأعمال وميزان كلّ كمال مركّب كذلك من جزئين :

الأوّل : البرائة من أعداء الله

والثاني : محبّة الله وأوليائه

وهذا المعنى مضافاً إلى ما جاء في سرده وتوضيحه من الكتاب والسنّة فإنّه وارد في خصوص جماعة معيّنة من طريق أهل بيت النبيّ ؛ أهل العصمة والطهارة أرواحنا لهم الفداء ، وذلك معترف به ومشهود به من جميع القلوب الصافية والنفوس الزاكية

حيث ما من عاقل نبيه يستولي عليه الوهم بالقدرة على الجمع بين محبّة إنسان ومحبّة عدوّه ، كما قال الشاعر في الحكمة الشعريّة :

تحبّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي منك لعازبُ

وللعقلاء أصحاب البصائر والقلوب الواعية تكفي هذه الآية المباركة التي يقول الحقّ تعالى فيها :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) وفي هذه الآية المباركة وردت وجوه من تأكيد المنع عن موادّة أعداء الله

_________________

(١) المجادلة : ٢٢

٣١٠

وفي الحديث المنقول عن العيون بطرق عدّة أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام كتب إلى المأمون في حديث طويل : حبّ أولياء الله واجب وكذلك بغض أعداء الله والبرائة منهم ومن أئمّتهم ولعلّنا نشير في أثناء البحث إلى جانب منه في مقام آخر(١)

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٢٢ رقم ٣٥ ما كتبه الرضاعليه‌السلام إلى المأمون في محض الإسلام وشرايع الدين ( هامش الأصل ) وفي نسختي ص ١٢٤ ( المترجم )

٣١١

يَا أَبا عبد الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ

الشرح : السلم : بمعنى المسالمة والصلح والموادعة لأنّه جاء بمعنى المسالمة والصلح كما في القاموس وغيره ، والظاهر عدم الاشتراك بل من باب استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل ، فإمّا أن يكون محمولاً على المبالغة أو بتقدير ذو ( اي ذو سلم ) كما صرّح بذلك الأُدباء ، وهذا المعنى وإن لم يكن قياسيّاً بل متوقّفاً على مقتضى الحال الخاصّة التي يعرفها الأديب بالممارسة ، كما صرّح بذلك الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وإن كانت الأمثلة التي استشهد بها لا تخلو من نقاش ، ولكنّ الميزان في هذا الموضع ثابت ومحقّق

ومثله الحديث في كلمة « حرب » والأظهر في رأي هذا العبد لله أنّها المعنى المصدري نفسه

ويجب أن نقول ذلك من أجل إظهار كمال المطاوعة والتوغّل في العبوديّة والمتابعة أنّا وصلنا في هذا المقام إلى درجة أصبحنا حقيقة السلم مع من سالمكم ومصداقاً واقعيّاً للحرب لمن حاربكم

اليوم : بحسب أصل اللغة من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها ـ كما هو المشهور بين اللغويّين ـ ويطابق اصطلاح حكماء الفرس وعلماء الهيئة والحساب أو أنّه من أوّل طلوع الفجر حتّى غروب الشمس كما صرّح بذلك ابن هشام في « شرح الكعبيّة » والظاهر أنّ المعنى الثاني لليوم هو تحديد الزمن الشرعي من اليوم وليس المعنى اللغوي ، وهذا القليل البضاعة أشار تلويحاً في « منظومة ميزان الفلك » إلى هذا المعنى :

واليوم من طلوع جرم الشمس

إلى غروبها بزعم الفُرْس

كذاك في النجوم والحساب

وذاك في السنّة والكتاب

يؤخذ من طلوع فجر صادق

إلى ذهاب حمرة المشارق

٣١٢

وتفصيل هذه الجملة أنّ غاية النهار زوال الحمرة(١) كما هو المعروف من مذهب الإماميّة ، أو غروب القرص كما هو مذهب أهل السنّة ، وقال بهذا شرذمة من علماء الشيعة نظراً إلى الأخبار المحمولة على التقيّة أو أنّهم جعلوا الأخبار في القول السابقة حاكمة على الأخبار التي قال بها الشيعة لا الأقلّيّة منهم فمالوا إليها وقالوا بها ، والإفاضة بها خارجة عن منهج هذا الشرح

وأحياناً يطلق اليوم على مطلق الزمان كما صرّح به ابن هشام في شرح الكعبيّة وحكى القول به عن سيبويه واستشهد بما أثر عن القوم من قولهم : أنا اليوم أفعل كذا ، ويريدون الوقت الحاضر ، ومن هذا القبيل قولهم : تلك أيّام الهرج ، كما قال بعض شرّاح القاموس(٢)

وأكثر اللغويّين والاُدباء نصّوا على هذا المعنى واستعماله في يوم القيامة أظهر ، لأنّه مبنى على هذا المعنى غير ملحوظٍ به طلوعاً أو غروباً ، ولابدّ من أخذهما في المعنى عند الوقوف على ظواهر العبارات

وفي الحقيقة إنّنا وإن أمكننا القول عن حقيقة اليوم بأنّه مدّة ظهور الشمس في نصف الفلك المرئي ، وأخذ الطلوع والغروب في معناه للدلالة على مصاديق أفراده في الخارج ، وبناءاً على هذا يكون يوم القيامة من مصاديق المعنى الأوّل ، والله أعلم بالصواب

القيامة : مصدر قيام ظاهراً ، يقال : قام قياماً وقيامة كما نقل بعض العلماء المتبحّرين اللغويّين ، وإن لم يذكر في كثير من الكتب

_________________

(١) يجب تحديدها بالمشرقيّة وبها يعرف دخول الليل ، أمّا الحمرة المغربيّة التي تمتدّ بعد اختطاط الظلام فلا عبرة بها ( المترجم )

(٢) قال الزبيدي : وقد يراد باليوم الوقت ، ومنه الحديث : تلك أيّام الهرج أي وقته ، ولا يختصّ بالنهار دون الليل [ تاج العروس ٩ : ١١٥ ]

٣١٣

وإطلاق يوم القيامة على يوم الحشر إمّا بسبب قيام البشريّة كافّة من مضاجعها للعرض على الله تعالى ، وإمّا بسبب قيام الخلق كافّة في ساحة العدل الربّاني جلّت عظمة الله ، كما في قوله تعالى عزّ من قائل :( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١)

وزعم بعضهم أنّ الكلمة مولّدة من السريانيّة بمعنى « قيماً » أي يوم الحشر ، وهذا غاية في البعد ، والأصحّ الأوّل

والظاهر أنّ التعبير عن يوم الجمعة بيوم القيامة نظراً لهذا المعنى ، لقيام الخطيب فيها بالخطبة أو لقيام الناس فيه كافّة بالصلوات ، أو لقيام أمر النبيّ فيه ، أو لتذكاره بأمر يوم القيامة ، والله أعلم

فائدة

في الأخبار الكثيرة المرويّة عن الفريقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة وأمير المؤمنينعليهما‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي(٢) وكذلك قال لأهل العباعليهم‌السلام : « أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم » أو قريباً من هذا اللفظ ، كما أوصل الترمذي في الجامع السند إلى زيد بن أرقم : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم(٣)

يتبيّن من هذا الحديث على اُصول أهل السنّة والجماعة كفر معاوية وأصحاب الجمل وأصحاب واقعة كربلاء جميعاً ، لأنّ من حارب رسول الله باتفاق الاُمّة ونصّ الكتاب والسنّة كافر ، فإذا كان محارب هذه الجماعة محارباً لرسول الله فهو كافر البتّة

_________________

(١) المطفّفين : ٦

(٢) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٦١ وتجد ذلك أيضاً في الأجزاء التالية ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٦٥ ( المترجم )

(٣) اُنظر : سنن ابن ماجة القزويني ١ : ٥٢ ( المترجم ) صحيح الترمذي ، ج ٥ باب ٦١ فضل فاطمة رقم ٣٨٧٠ ( هامش الأصل )

٣١٤

وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ

الشرح : يمكن أن يكون الواو في مطلع الجملة للعطف ، وتكون هذه الجملة الدعائيّة معطوفة على ما سبقها من اللعائن ، وعلى هذا الوجه تكون الجملة المتضمّنة للبرائة والاستسلام والمتابعة معترضة بين العاطف والمعطوف عليه ، والنكتة المتصوّرة في وجه إقحام هذه الجملة بينهما أنّ الزائر وهو يمارس لعن الأعداء يتذكّر أعمالهم الشنيعة وآثارهم الفظيعة ، فتقلّبهم الأيّام الخوالي فيهيج وجده الكامن وشوقه الساكن فيفقد السيطرة على نفسه وهو يستعرض جرائم القوم ومنكراتهم فيظهر البرائة منهم دونما اختيار منه ، وتدركه النفرة منهم ومن أتباعهم وأشياعهم ، من هنا يخاطب الإمام المظلوم لفرط حبّه وخلوص إرادته فيحمله ذلك على عرض مسالمته الكاملة ومتابعته الشاملة مع صفاء الباطن وخلوص النيّة بين يدي ساحة الإمام المقدّسة وسدّته الرفيعة

وينعتق من هذا الكلام الذي اندفع فجئة على لسانه مرّة اُخرى ويعدل عنه إلى الحديث الأوّل من لعن الأعداء ويعطف عليهم أولئك الذين هم أعيان الظالمين المسبّبين لهذا الخطب الفادح والرزء الجليل ، والذين لهم أثر يذكر في جريان هذه الخطوب وإعانة على حدوثها فيأخذ بلعنهم واحداً واحداً ، ويعطفهم على الأوائل لكي يشفي غيظه ويريح حنقه ويبرأ من لواعج صدره من ذكرهم بالتفصيل ، كما يمكن أن تكون الواو استئنافيّة

وعلى كلّ حال فإنّ النكتة تعود إلى ما ذكرناه تفصيلاً

وسوف نذكر معنى الآل بعد هذا الحديث إن شاء الله(١)

_________________

(١) ذيل « صلّی الله عليه وآله » ( هامش الأصل )

٣١٥

وزياد المنصوص عليه باللعن هو والد عبيد الله لعنهما الله المعروف بزياد بن أبيه وزياد بن اُمّه وزياد بن عبيد وزياد بن سميّة ، واشتهر بعد استلحق معاوية إيّاه بابن أبي سفيان ، وعبيد وسميّة كلاهما من موالي كسرىٰ فأهداهما كسرى إلى أبي الخير بن عمر الكندي أحد أقيال اليمن ، وأشار إلى ذلك أبو بكر بن دريد في مقصورته المعروفة ، فقال :

فخامرت نفس أبي الخير جوىٰ

حتّى حواه الحتف فيمن قد حوىٰ

وشرح حاله في الشروح الدريديّة وغيرها ، وفي شرح الدريديّة(١) : وكان من حديثه مسيره إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة فلمّا صاروا بكاظمة ونظروا إلى وحشة بلاد العرب ، فقالوا : أين نمضي مع هذا ، فعمدوا إلى سمّ فدفعوه إلى طبّاخه ووعدوه بالإحسان إليه(٢) إن ألقى السمّ في طعام الملك ، ففعل ذلك ، فما استقرّ الطعام في جوفه حتّى اشتدّ وجعه ، فلمّا علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنّك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنّك قد أذنت لنا في الرجوع ، فكتب لهم بذلك

ثمّ إنّ أبا الجبر خفّ ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بالقرب من مكّة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب العرب الثقفي ، فعالجه فأبرأه فأعطاه سميّة ـ بضمّ العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثنّاة من تحتها وفي آخره هاء ـ وعبيداً ـ بضمّ العين المهملة تصغير عبد ـ وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه(٣) وهذا يوافق ما نقله ابن عبد ربّه وابن خلّكان

_________________

(١) فيها : إنّه أبو الجبر ولم يذكر سميّة ولا عبيداً [ الخطيب التبريزي ، شرح مقصورة ابن دريد ، ص ٥٩ ] ( المترجم )

(٢) إلى هنا أخذناه من هامش الخطيب : ٥٩

(٣) ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ٦ : ٣٥٦

٣١٦

ويقول ابن الأثير في الكامل وابن خلدون في العبر : أنّ سميّة جارية لدهقان من أهل زنده رود ، أهداها للحارث بن كلدة لمّا عالجه ، والطريق الأوّل أتقن وأمتن

وخلاصة القول : إنّ سميّة ولدت نافعاً على فراش الحارث ولكنّه نفاه ، ثمّ ولدت أبابكرة الصحابي المعروف على فراشه ، فنفاه أيضاً ولم يعترف به ، وأعطى سميّة لعبيد ، وهؤلاء الثلاثة : زياد ونافع وأبوبكرة أولاد سميّة ومعهم شبل بن معبد الذين شهدوا على المغيرة لعنه الله بالزنا عند عمر بن الخطّاب ، وتلكّأ زياد بشهادته بتلويح من عمر ، فدرأ عن المغيرة الحدّ وأقامه على الشهود ، وهي من أشدّ المطاعن على عمر ، كما هو مذكور بالتفصيل في الأسفار الكلاميّة

وقال في العقد الفريد : كان الزانيات من النساء في الجاهليّة ينصبن على بيوتهنّ رايات ليعرفن بذلك ويقصدهنّ الشباب ، وكان بغاة النفع من الناس يرسلون جواريهم في هذا السبيل كرهاً ليجمعن لهم الحطام الفاني والعرض الزائل وينالوا بذلك الحياة الدنيا ، وقد أشار الله تعالى في محكم كتابه المجيد بقوله :( وَلَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ
) (١) يريد في الجاهليّة( فَإِنَّ اللَّـهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يريد في الإسلام

وفي مروج الذهب : وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّي الضريبة إلى الحارث بن كلدة وكانت تنزل بالموضع الذي نزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلّة يقال لها : حارّة البغايا .

وجاء أبو سفيان يوماً إلى أبي مريم السلولي وهو خمّار في الطائف في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة فقال : ائتني بها على ذفرها وقذرها ( يظهر من قول أبي سفيان هذا أنّه

_________________

(١) النور : ٣٣

٣١٧

وطأها قبل هذا اليوم ) ( الى أن قال ) والله لقد أخذ بدرعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(١)

وولدت سميّة زياداً عام أوّل من الهجرة على فراش عبيد الله ، فكان يعرف بزياد بن عُبيد وابن اُمّه وابن أبيه وابن سميّة ، ولمّا بلغ أشدّه استكتبه أبو موسى الأشعري فأرسله عمر في حاجة فأحسن القيام بها فقدم على عمر وهو في المسجد ، فخطب بين يديه خطبة أعجب بها الحاضرون ، فقال عمرو بن العاص : لو كان قرشيّاً لساق العرب بعصاه ،

فقال أبو سفيان : اُقسم بالله أنّي أعرف الذي وضعه في رحم اُمّه

فقيل له : من يا تُرى ؟

فقال : أنا هو !

ولمّا استخلف أمير المؤمنين ، كان زياد معروفاً بالنزاهة ولم يظهر منه خلاف وكان إدرايّاً سياسيّاً حازماً ذا فطنة وكياسة ، من ثمّ عهد إليه أمير المؤمنين بإدارة حدود فارس(٢) ، وأراد معاوية خديعته فما تأتّىٰ ذلك له ، وكتب إليه يوماً يتهدّده ، فقال عقيب ذلك : « أتعجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إيّاي » ، وأثنى على أمير المؤمنينعليه‌السلام ثناءاً بليغاً فأرسل إليه أمير المؤمنين رسالة يحذّره من مكر معاوية ويأمره بالثبات على عهده إلى أن استشهد أمير المؤمنين وانقضت أيّامه عند ذلك فتح معاوية أحابيله عليه ، واستعان عليه بخبث فطرته

_________________

(١) مروج الذهب ٢ : ١٥ و ١٦ بتصرّف من المؤلّف ( المترجم ) و ٣ : ٦ ط دار الهجرة ( هامش الأصل )

(٢) لم يعهد إليه الإمام بذلك إنّما كان بفعل ابن عبّاس لأنّه والي البصرة يومئذٍ وفارس من توابعها ( المترجم )

٣١٨

ودنائة مولده وأوكل أمر جذبه نحوه إلى المغيرة بن شعبة وهو يومئذٍ رأس النفاق ومعدن النصب فانطلّت الحيلة على زياد واستلحقه معاوية وصيّره أخاه واعترف زياد حبّاً في الدنيا وميلاً إلى جاهها بخباثة مولده ورضي باُخوّة معاوية وأبوة أبي سفيان وعند ذلك أقسم أبوبكرة أن لا يكلّمه لأنّه زنىّ سميّة وقدح في نسبه(١)

ولمّا استقرّ رأيهما على ذلك أرسلت إليه جويريّة بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية ، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه وقالت : أنت أخي ، أخبرني بذلك أبو مريم ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع الناس ، فقام أبو مريم السلولي ، فقال : أشهد أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة ، فقال : إأتني بها على ذفرها(٢) وقذرها

فقال له زياد : مهلاً يا أبا مريم ، إنّما بعثت شاهداً ولم تبعث شائماً ، فقال أبو مريم : لو كنتم كفيتموني لكان أحبّ إليّ وإنّما شهدت بما عاينت ورأيت ، والله لقد أخذ بكُمِّ درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه ، يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم ، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(٣)

وفي رواية الكامل : فخرجت من عنده وإنّ اسكتيها لتقطر منيّاً(٤)

_________________

(١) كان صرم أبي بكرة له قبل هذا التاريخ أي عندما تلجلج في الشهادة وكان أحد الشهود على المغيرة فأقسم أبوبكرة لا يكلّمه مادام حيّاً ( المترجم )

(٢) الذفر : الرائحة الخبيثة

(٣) المسعودي ٣ : ١٦ ط دار الكتب العلميّة لبنان ـ ١٤١١ ( المترجم )

(٤) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٠١ ( المترجم )

٣١٩

ولولا أنّ ذلك في فضائح أعداء أهل البيت لما ذكرت هذه الجملة ، ولكنّها في فضائهم وأنا مترجمها أيضاً

ويقال : إنّ المتنبّي قال في حقّها :

أقم المسالح حول شفر سميّة

إنّ المنيّ بحلقتيها خضرم

وخلاصة الحديث : إنّ معاوية بهذه الشهادة صيّر زياداً أخاه ، وقام يونس بن عبيد فقال : يا معاوية ، قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحجر للفراش مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافاً عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان(١)

والحقّ أنّ هذا العار لا يمحوه الماء وهو طعن لا تجد له جواباً بأيّ كتاب ، وكان الفضل بن روزبهان التزم بالجواب على مطاعن معاوية في ردّه على نهج الحقّ وحين يبلغ الحديث إلى هذا الحدّ يقول : لم يكن معاوية بالخليفة الشرعي فلا يلزمنا الجواب عن كلّ مطاعنه وهذه الحكاية مذكورة في جميع كتب أهل السنّة والجماعة ، ولم يردّها أحد منهم ، وذكرها الشعراء في تلك الفترة وطعنوا بها على معاوية وزياد منهم عبدالرحمن بن الحكم أخو مروان لعنه الله :

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ

مغلغلة من الرجل اليماني(٢)

أتغضب أن يقال أبوك عفّ

وترضى أن يقال أبوك زاني

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد أنّها حملت زياداً

وصخر من سميّة غير دان

_________________

(١) مروج الذهب ٣ : ١٧ ( المترجم ) والكامل لابن الأثير ٣ : ٤٤٢ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٢) كذا في مروج الذهب وفي شرح النهج والوفيات فقد ضاقت بما تأتي اليدان وهو أثبت على هذه الرواية وقيل أنّها ليزيد بن المفرغ فيصحّ ما ذكرناه في المتن ( منهرحمه‌الله )

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376