كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين15%

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 376

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين
  • البداية
  • السابق
  • 376 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127164 / تحميل: 8225
الحجم الحجم الحجم
كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( ج ١؛ ٢١٥ ) والدّر المنثور ( ج ٣؛ ٢٨ ) والانتصار (١٠٥) وتفسير التبيان ( ج ٣؛ ٤٥٢ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ٢٠٧ ).

وأنس بن مالك. انظر تفسير الطبريّ ( ج ١٠؛ ٥٨ ) وأحكام القرآن لابن العربي ( ج ٢؛ ٥٧٧ ) وتفسير الرازيّ ( ج ١١؛ ١٦١ ) والمغني لابن قدامة ( ج ١؛ ١٥٠ ) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( ج ٦؛ ٩٢ ) وشرح المهذب للنووي ( ج ١؛ ٤١٨ ) والدرّ المنثور ( ج ٣؛ ٢٨ ) والانتصار (١٠٦) والتبيان ( ج ٣؛ ٤٥٢ ).

وعبد الله بن مسعود، وسلمان الفارسي، وأبو ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام جميعا. انظر نهاية الإقدام - في أوائل الكتاب - وهو مخطوط. كما ذهب إلى ذلك صحابة آخرون، وجمع من التابعين وفقهاء العامّة.

والوقوف عند الشبهة إلى الإمام، فإنّه لا شبهة عنده

في تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٨٦، ٢٨٧ ) عن عبد الله بن جندب، قال: كتب إليّ أبو الحسن الرضاعليه‌السلام : ذكرت رحمك الله وذكر في آخر الكتاب: أنّ هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترّهم بالشبهة، ولبّس عليهم أمر دينهم بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر، وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه؛ لأن الله يقول في محكم كتابه:( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (١) . يعني آل محمّد ...

وفي بصائر الدرجات ( ٤٣٢ - ٤٣٣ ) / الباب ١٧ من الجزء الثامن - الحديث ٢ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته، فهو عالم بما يرد من ملتبسات الوحي ومعمّيات السنن ومشتبهات الفتن وانظر ما في الكافي ( ج ١؛ ٢٠٣ ) عن الصادق مثله.

وهذا المعنى من مسلّمات عقائد الإماميّة. انظر ما يتعلق بهذا المعنى الكافي ( ج ١؛ ١٧٨، ٢١٠، ٢١٢ ) وفيه تسعة أحاديث في أنّ أهل الذكر الذين أمر الله الخلق

__________________

(١) النساء؛ ٨٣

٢٢١

بسؤالهم هم الأئمّةعليهم‌السلام ، و ( ج ١؛ ٢٦٩، ٢٧٦ ). وانظر المسترشد في الإمامة (٦٠٢) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٣ ) و ( ج ٣؛ ٩٨ ) وحلية الأولياء ( ج ١؛ ٦٣ ) ومناقب الخوارزمي (٤٢) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٢٥٩ ) في أنّ عليّا يبيّن للناس ما اشتبه عليهم وما اختلفوا فيه من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وطاعة وليّ الأمر بعدي، ومعرفته في حياتي وبعد موتي، والأئمّة: من بعده واحدا فواحدا

في ذلك نزل قوله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، ففي الكافي ( ج ١؛ ١٨٧ ) عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قولنا في الأوصياء « أنّ طاعتهم مفترضة »، قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ...

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٨٢ ) عن جابر الجعفي في تفسيره، عن جابر الأنصاريّ، قال: سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر؟ قال: هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا، لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ، الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، ذاك يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه بالإيمان.

__________________

(١) النساء؛ ٥٩

(٢) النساء؛ ٥٩

(٣) النساء؛ ٥٩

٢٢٢

وانظر تفسير الآية ونزولها في عليّعليه‌السلام ، وفيه وفي ولديه، وفيه وفي الأئمّةعليهم‌السلام ، في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٨٩ - ١٩١ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٥ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٧٦ ) وتفسير فرات ( ١٠٧ - ١١١ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٢٣ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٤١ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٤ - ١١٦ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٣ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة - بعد أن سألته عن معنى السيّد في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ سيّد العرب -: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي.

وقد تظافر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ وليكم بعدي

في الكافي ( ج ١؛ ١٨٥ - ١٩٠ ) سبعة عشر حديثا في فرض طاعة الأئمّةعليهم‌السلام ، منها ما رواه في ( ج ١؛ ١٨٨، ١٨٩ ) عن الصادقعليه‌السلام : فأشهد أنّ عليّا كان قيّم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجّة على الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وانظر كفاية الأثر (٢١٧) وأمالي الطوسي (٥٦٢) وأمالي المفيد (١٨) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٩٤ ) وبشارة المصطفى (٢٣) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٢٩٧ ) ومسند أحمد ( ج ٤؛ ٤٣٧ ) و ( ج ٥؛ ٣٥٦ ) وسنن أبي داود ( ج ٣؛ ١١١ ) وحلية الأولياء ( ج ٦؛ ٢٩٤ ) وخصائص النسائي ( ١٩، ٢٣ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٧١، ٢٠٣ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٤، ١٥٩، ٣٩٦ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٢٨، ١٩٩ ) وتاريخ بغداد ( ج ٤؛ ٣٣٩ ) وأسد الغابة ( ج ٥؛ ٩٤ ) والإصابة ( ج ٢؛ ٥٠٩ ).

وأمّا معرفة الإمام في حياته وبعد موته

فيدلّ عليه جميع الأدلّة الدالّة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بمعرفة أهل بيته والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام كما سيأتي، وأوامره المتكررة بمعرفة عليّعليه‌السلام ومتابعته في حياته وبعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد وجوب معرفتهمعليهم‌السلام في كثير من الأحاديث والروايات، منها:

ما رواه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ١٨٠ ) عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أخبرني

٢٢٣

عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقالعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّدا إلى الناس أجمعين رسولا وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟! ...

وفيه أيضا ( ج ١؛ ١٨٠ ) عن أحدهماعليهما‌السلام أنّه قال: لا يكون العبد مؤمنا حتّى يعرف الله ورسوله والأئمّة صلوات الله عليهم كلّهم، وإمام زمانه، ويردّ إليه ويسلّم له، ثمّ قال: كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأوّل؟!

وفي الكافي أيضا ( ج ١؛ ١٨٠ - ١٨٥ ) أربعة عشر حديثا في معرفة الإمام والردّ إليه.

وأمّا طاعة ومعرفة الأئمّة من بعد عليّعليهم‌السلام واحدا فواحدا

فقد فاقت النصوص فيها العدّ والحصر، وقد صرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الأئمّة من بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش أو كلّهم من بني هاشم، وذلك من طرق الفريقين. انظر ينابيع المودّة ( ٣؛ ١٠٤، ١٠٧ )، ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقا في أنّ الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، في البخاري من ثلاثة طرق، وفي مسلم من تسعة طرق، وفي أبي داود من ثلاثة طرق، وفي الترمذي من طريق واحد، وفي الحميدي من ثلاثة طرق. وانظر العمدة ( ٤١٦ - ٤٢٣ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ١٤٧ - ١٥٠ ) والخصال ( ٤٦٧ - ٤٦٩ ). وقد أخرج هذا الحديث عن عليّعليه‌السلام ، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن سمرة، وجابر الأنصاريّ، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عباس، القندوزي الحنفي - في ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ١٠٥ ) - وقال: قال بعض المحقّقين: إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديثه هذا الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترتهعليهم‌السلام .

٢٢٤

وأمّا الأحاديث المصرّحة بأسمائهمعليهم‌السلام فهي أيضا كثيرة جدّا، بل روى بعضها أعلام العامّة، فقد روى أسماءهم واحدا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحمويني في فرائد السمطين ( ج ٢؛ ١٣٢ - ١٣٥، ١٥٣ ) وفي مواضع أخرى من كتابه، ورواهم القندوزيّ الحنفي في ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ٩٩ - ١٠٣ ) وغيرهما.

وفي كفاية الأثر ( ٢١٣ - ٢١٩ ) عن علقمة بن قيس، قال: خطبنا أمير المؤمنينعليه‌السلام على منبر الكوفة فقام إليه رجل - يقال له عامر بن كثير - فقال: يا أمير المؤمنين لقد أخبرتنا عن أئمّة الكفر وخلفاء الباطل، فأخبرنا عن أئمّة الحقّ وألسنة الصدق بعدك؟ قال: نعم، إنّه بعهد عهده إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما، تسعة من صلب الحسين قلت: يا رسول الله أفلا تسمّيهم لي؟

قال: نعم، أنت الإمام والخليفة بعدي، تقضي ديني وتنجز عداتي، وبعدك ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين ابنه عليّ زين العابدين، وبعده ابنه محمّد يدعى بالباقر، وبعد محمّد ابنه جعفر يدعى بالصادق، وبعد جعفر ابنه موسى يدعى بالكاظم، وبعد موسى ابنه عليّ يدعى بالرضا، وبعد عليّ ابنه محمّد يدعى بالزكي، وبعد محمّد ابنه عليّ يدعى بالنقي، وبعد عليّ ابنه الحسن يدعى بالأمين، والقائم من ولد الحسن، سميّي وأشبه الناس بي، يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

هذا، وقد ثبت بالروايات الصحيحة المتظافرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ عليهم بأسمائهم جميعاعليهم‌السلام ، وأنّ كلّ إمام كان ينصّ على من بعده. وحسبك ما رواه أبو القاسم الخزّاز من علماء القرن الرابع في كتابه « كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر »، وما رواه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٢٨٦ - ٣٢٩، ٥٢٥ - ٥٣٥ ) وما في كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة، لوالد الشيخ الصدوقرحمه‌الله .

والبراءة من الأحزاب تيم وعدي وأميّة وأشياعهم وأتباعهم

هذا التعبير جاء في روايات أهل البيتعليهم‌السلام مرادا منه أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية،

٢٢٥

وهذا كثير في كلام العرب، قال السيّد المرتضى - في شرح القصيدة المذهّبة (٨٩) في شرح البيت السادس عشر من القصيدة، وهو قوله:

أإلى أميّة أم إلى شيع الّتي

جاءت على الجمل الخدبّ الشوقب

ـ قال: ذكر القبيلة نفسها وأراد أبناءها ومن نسلت، وهذا في الكلام المنظوم والمنثور كثير.

وقد عبّر عنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأحزاب لأنّهم من الّذين نفّروا ناقته وحاولوا اغتياله في ليلة العقبة، وهم الذين كتبوا الصحيفة لإزواء الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، وهم الّذين لم يؤمنوا بالله طرفة عين أبدا، وقد اتّفق الشيخان وابنتاهما على أن يسمّوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أبو سفيان رئيس الأحزاب المجمع لهم في غزوة الخندق ( الأحزاب ) كما في تطهير الجنان (٥٤) وكان معه معاوية ابنه، وكانت راية المشركين يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة العدويّ من بني عبد الدار كما في تفسير القمّي ( ج ١؛ ١١٢ ) وكان عبيد الله بن عمر بن الخطّاب من زعماء جيش معاوية في صفّين، وامتنع عبد الله بن عمر عن بيعة عليّعليه‌السلام وبايع الحجّاج من بعد، وهم من بني عدي، وكانت تيم أيضا تبغض عليّا، وقد خرجت عائشة منهم على عليّعليه‌السلام ، وكانت تقول - كما في الطبريّ ( ج ٥؛ ٢٢٢ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٧٤ ) -: « ما زلت أرجو النصر حتّى خفيت أصوات بني عدي »، وخرج معها مروان وسائر بني أميّة إلاّ من خشع كما في الطبريّ ( ج ٥؛ ١٦٩ ) واجتمعت بنو أميّة إلى عائشة، وتشاوروا وقالوا: كلنا نطلب بدم عثمان، ورأسهم عبد الله بن عامر الحضرمي، ومروان بن الحكم، والمشار إليهما طلحة والزبير كما في تذكرة الخواص (٦٥) وقد قاتل الأمويون النبي والوصي صلوات الله عليهما، ولذلك قال عليّعليه‌السلام في صفين: « انفروا إلى بقية الأحزاب » كما في تطهير الجنان (٥٤) وتقريب المعارف (٢٩٤) وقال عمّار بن ياسر لأبي زينب: « أثبت أبا زينب ولا تشك في الأحزاب عدوّ الله ورسوله » كما في صفين (١٠١) وقالرحمه‌الله : « إنّ مراكزنا على مراكز رايات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين، وإنّ هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب » كما في صفّين (٣٢١).

ورقى عثمان المنبر فقال: « أيّها الناس إنّ أبا بكر كان يؤثر بني تيم على الناس، وإنّ عمر

٢٢٦

كان يؤثر بني عدي على كلّ الناس، وإنّي أؤثر والله بني أميّة على سواهم » كما في أمالي المفيد (٧٠).

وفي شرح النهج ( ج ٦؛ ٢١ ) روى الزبير بن بكار، قال: روى محمّد بن إسحاق أنّ أبا بكر لمّا بويع افتخرت تيم بن مرّة، قال: وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليّاعليه‌السلام هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الفضل بن العبّاس: « يا معشر قريش، وخصوصا يا بني تيم، إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة، ونحن أهلها دونكم ». وانظر الموفقيات (٥٨٠).

وفي شرح النهج أيضا ( ج ٦؛ ١٨ ) قال ابن أبي الحديد: والذي ثبت عندي أنّ أوّل من بايعه عمر.

وفي الشرح أيضا ( ج ٦؛ ١١ ) قال: واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفّان فقام عثمان ومن معه فبايعوا أبا بكر.

هذه النصوص وغيرها تبيّن أنّ التحزّب التيمي والعدوي والأموي كان وراء غصب عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام الخلافة، وهذه حقيقة ثابتة من حقائق التاريخ، ذكرت تفاصيلها في كلّ كتاب أرّخ بيعة السقيفة الظالمة، ولذلك عبّر أبو سفيان بشعره عن هذه الأحزاب بقوله يحرّض عليّاعليه‌السلام :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

و لا سيّما تيم بن مرّة أوعدي

انظر شعره في الموفقيات (٥٧٧) وشرح النهج ( ج ٦؛ ١٧ ).

فهؤلاء هم الأحزاب وبقية الأحزاب الّذين قاتلوا النبي والوصي صلوات الله عليهما. وسيأتي مثل هذا المعنى في الطّرفة (٢٤) وأنّ الناكثين والقاسطين والمارقين أيضا من الأحزاب.

وقد ورد ذمّهم والبراءة منهم صريحا في روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، فمن ذلك ما في الكافي ( ج ٨؛ ٣٤٥ ) عن زرارة، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما كئيبا حزينا، فقال له عليّعليه‌السلام : مالي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أنّ بني تيم وبني عدي وبني أميّة يصعدون على منبري هذا،

٢٢٧

يردّون الناس عن الإسلام القهقرى، فقلت: يا ربّ في حياتي أو بعد موتي؟ فقال: بعد موتك.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٢١ ) عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) (١) قال: أري رجالا من بني تيم وعدي على المنابر يردّون الناس عن الصراط القهقرى، قلت( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) قال: هم بنو أميّة.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٣٨٩، ٣٩٠ ) قالت قريش: فمتى يكون ما تعدنا يا محمّد من أمر عليّ والنار، فأنزل الله( حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ ) (٣) يعني الموت والقيامة( فَسَيَعْلَمُونَ ) (٤) يعني فلانا وفلانا وفلانا ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش( مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ) (٥) ...

وفي الكافي ( ج ١؛ ٤٢٦ ) عن عليّ بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن الكاظمعليه‌السلام يقول: لمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تيما وعديّا وبني أميّة يركبون منبره أفظعه، فأنزل الله قرآنا يتأسى به ....

وفي كتاب سليم (١٩٢) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال في حديث: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان أخبرني أنّه رأى على منبره اثني عشر رجلا أئمّة ضلال من قريش، يصعدون منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القرود، يردّون أمّته على أدبارهم عن الصراط المستقيم، اللهم قد خبّرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كلّ واحد منهم، واحدا بعد واحد، عشرة منهم من بني أميّة، ورجلين من حيّين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمّة جميعا إلى يوم القيامة، ومثل جميع عذابهم، فليس دم يهرق في غير حقّه، ولا فرج يغشى، ولا حكم بغير حقّ إلاّ كان عليهما وزره.

وفي تقريب المعارف (٢٤٢) قول عليّعليه‌السلام للحارث الأعور: ابرأ منهما. وفي المصدر

__________________

(١) الإسراء؛ ٦٠

(٢) الإسراء؛ ٦٠

(٣) مريم؛ ٧٥

(٤) الجنّ؛ ٢٤

(٥) الجنّ؛ ٢٤

٢٢٨

نفسه (٢٤٥) قول الباقرعليه‌السلام : الله ورسوله منهما بريئان، وفيه أيضا (٢٤٨) قول الصادقعليه‌السلام : ابرأ منهما برأ الله ورسوله منهما. وفي الكافي ( ج ٨؛ ٢٣٧ ) أن أمّ خالد قالت للصادقعليه‌السلام : فإن هذا الذي معك [ تعني أبا بصير ] على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النوّاء يأمرني بولايتهما، فأيّهما خير وأحبّ إليك؟ قال: هذا والله أحبّ إليّصلى‌الله‌عليه‌وآله من كثير النوّاء وأصحابه.

وقد ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ما مات حتّى دعا بالويل على بني أميّة وهو عنهم غير راض. انظر مستدرك الحاكم ( ج ٤؛ ٤٧٩، ٤٨٠، ٤٨٧ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٤٠، ٦٨، ٩١ ) و ( ٧؛ ١٤٢، ١٧١ ) وحلية الأولياء ( ج ٦؛ ٢٩٣ ).

ونزل قوله تعالى:( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) في بني أميّة، وبني الحكم. انظر الدّر المنثور ( ج ٤؛ ١٩١ ) وتطهير الجنان (١٤٣) وكنز العمال ( ج ٧؛ ١٤٢ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٣٥ ) وتفسير الطبريّ ( ج ٣٠؛ ١٦٧ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٧٠ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ٢١ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ٤٢٤ ) والتبيان ( ج ٦؛ ٤٩٤ ) والكشّاف ( ج ٢؛ ٦٧٦ ) والسيرة الحلبية ( ج ١؛ ٣٣٧ ) وتفسير القرطبي ( ج ١٠؛ ٢٨٦ ) وتفسير الشوكاني ( ج ٥؛ ٢٦٣ ) وتفسير النيسابوريّ بهامش الطبريّ ( ج ١٥؛ ٥٥ ) والخصائص الكبرى ( ج ٢؛ ١١٨ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٢٠، ٣٢١ ) وانظر في هذا الشأن تخريجات الغدير ( ج ٨؛ ٢٤٨ ).

وقد صرّح عليّعليه‌السلام بهذا المعنى، وأنّه كان يعاديهم ويبرأ منهم، ففي الكافي ( ج ٨؛ ١٠٣ ) عن الباقرعليه‌السلام قال: إنّ عمر لقي عليّاعليه‌السلام فقال له: أنت الذي تقرأ هذه الآية( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) (٢) وتعرّض بي وبصاحبي؟! قال: فقال له عليّعليه‌السلام : أفلا أخبرك بآية نزلت في بني أميّة( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) (٣) ، فقال عمر: كذبت، بنو أميّة أوصل للرحم منك، ولكنّك أبيت إلاّ عداوة لبني تيم وبني عدي وبني أميّة.

وقالعليه‌السلام - كما في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٢ ) -: وبي كان [ رسول الله ] يبري

__________________

(١) الإسراء؛ ٦٠

(٢) القلم؛ ٦

(٣) محمّد؛ ٢٢

٢٢٩

جماجم البهم وهام الأبطال، إلى أن فزعت تيم إلى الفرار، وعديّ إلى الانتكاص.

وقالعليه‌السلام أيضا في المصدر نفسه ( ج ٢؛ ٢٠٣ ): سبقني إليها التيمي والعدوي كسباق الفرس، احتيالا واغتيالا وخدعة وغيلة، ثمّ قال بعد كلام له: يا معشر المهاجرين والأنصار أين كان سبقة تيم وعديّ ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاثفت الصفوف؟! ...

وقد اتّفقت روايات أهل البيتعليهم‌السلام وسيرتهم وفي أدعيتهم على لعن الثلاثة ومن تابعهم وشايعهم، وهو معنى آخر للبراءة منهم، ففي التهذيب ( ج ٢؛ ٣٢١ ): سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام وهو يلعن في دبر كلّ صلاة مكتوبة أربعة من الرجال وأربعا من النساء: التيمي والعدويّ وفعلان ومعاوية، ويسمّيهم، وفلانة وفلانة وهند وأمّ الحكم أخت معاوية.

وفي تقريب المعارف (٢٤٤) عن السجادعليه‌السلام : هما أوّل من ظلمنا حقّنا، وأخذا ميراثنا، وجلسا مجلسا كنّا أحقّ به منهما، فلا غفر الله لهما، ولا رحمهما، كافران كافر من تولاّهما.

وانظر في لعنهما والبراءة منهما الكافي ( ج ١؛ ٣٧٤ ) و ( ج ٢؛ ٥٢٩، ٥٣٠ ) و ( ج ٨؛ ١٠٢، ١٠٣، ٢٤٥، ٢٤٦ ) والتهذيب ( ج ٤؛ ١٤٥ ) وكتاب سليم (١٩٢) والخصال (١٠٦) ورجال الكشي ( ج ٢؛ ٤٦١ ) والاحتجاج ( ج ٢؛ ٤٦٥ ) وتقريب المعارف ( ٢٣٧ - ٢٥٧ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٨ ) وتفسير القمي ( ج ٢؛ ١٤، ٢١ ) وتقريب المعارف أيضا ( ٢٤٨ - ٢٥٣ ) ففيه عدّة روايات بأسانيد متعددة.

وقد استقصى ذلك العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار / المجلد الثامن من الطبع الحجريّ - باب « كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم ».

وأن تمنعني ممّا تمنع منه نفسك

لقد بايع المسلمون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة العقبة، وكان شرط عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شروطا لله ولنفسه، فأمّا الشروط الّتي لله فهي الترغيب في الإسلام وإطاعة الله، واشترط عليهم لنفسه أن يمنعوه وأهل بيته وذريتهعليهم‌السلام ممّا يمنعون منه أنفسهم وأهاليهم وذراريهم.

ففي تفسير القمّي ( ج ١؛ ٢٧٢، ٢٧٣ ): لمّا أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدعوة بمكّة قدمت

٢٣٠

عليه الأوس والخزرج، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تمنعوني وتكونون لي جارا حتّى أتلو عليكم كتاب ربّي وثوابكم على الله الجنّة؟ فقالوا: نعم، خذ لربّك ولنفسك ما شئت، فقال لهم: موعدكم العقبة في اللّيلة الوسطى من ليالي التشريق، فحجّوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممّن قد حجّ بشر كثير، فلمّا كان اليوم الثاني من أيّام التشريق، قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان اللّيل فاحضروا دار عبد المطلّب على العقبة، ولا تنبّهوا نائما، ولينسلّ واحد فواحد، فجاء سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تمنعوني وتجيروني حتّى أتلو عليكم كتاب ربّي وثوابكم على الله الجنّة؟ فقال سعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حزام: نعم يا رسول الله، اشترط لربّك ولنفسك ما شئت، فقال: أمّا ما أشترط لربّي فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون أنفسكم وتمنعوا أهلي ممّا تمنعون أهاليكم وأولادكم، فقالوا: وما لنا يا رسول الله؟ فقال: الجنّة في الآخرة ....

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٢٦١ ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كنت أبايع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على العسر واليسر والبسط والكره، إلى أن كثر الإسلام وكثف، قال: وأخذ عليهم عليّعليه‌السلام أن يمنعوا محمّدا وذريته صلوات الله عليهم ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريهم، فأخذتها عليهم، نجا من نجا وهلك من هلك.

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤ ) والسقيفة وفدك (٦٩) وشرح النهج ( ج ٦؛ ٤٤ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٢؛ ٢٣٨، ٢٣٩ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٩٨، ٩٩ ) وتاريخ ابن خلدون ( ج ٢؛ ٤١٨ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٣٨ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٢؛ ٤٤٢ ) والروض الأنف ( ج ٤؛ ٨٢ ).

وزاد ابن هشام في سيرته ( ج ٢؛ ٤٥٤ ) المبايعة بشرط: وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحقّ أينما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم. وهو أيضا في الروض الأنف ( ج ٤؛ ١٣٥ ) وأنساب الأشراف ( ج ١؛ ٢٩٤ ).

وواضح أنّ عليّاعليه‌السلام كان قد بايع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك ووفى به، ولذلك كان

٢٣١

هوعليه‌السلام يأخذ منهم البيعة على ذلك، نجا من نجا وهلك من هلك منهم.

وقد وفى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ببيعته فلم يفرّ ولم ينكل في حرب، ولم يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ تركه الثلاثة وغيرهم فلم يفوا بالبيعة، فلذلك عدّ عليّ نقض شروط هذه البيعة كفرا بالله، ففي كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩٢، ١٩٤ ) روى عكرمة، قال: سمعت عليّاعليه‌السلام يقول: لمّا انهزم الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليفرّ، وما رأيته في القتلى وحملت على القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وقع مغشيّا عليه، فنظر إليّ وقال: ما فعل الناس يا عليّ؟ قلت: كفروا يا رسول الله وولّوا الدّبر وأسلموك. ونقل هذا الخبر في كشف اليقين (١٢٨) وفيه: أنّ عليّاعليه‌السلام قال: للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : نقضوا العهد وولّوا الدّبر.

وفي حديث عمران بن حصين - كما في كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩٤ ) - قال: لمّا تفرّق الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء عليّعليه‌السلام متقلّدا بسيفه حتّى قام بين يديه، فرفعصلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إليه وقال: مالك لم تفرّ مع الناس؟ فقالعليه‌السلام : يا رسول الله أرجع كافرا بعد إسلامي؟!

وكان ممّن ثبت ذلك اليوم أبو دجانة الأنصاري، ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٢٠ ) قال: فلم يزل يقاتل حتّى أثخنته الجراحة فلمّا سقط احتمله عليّعليه‌السلام فجاء به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أوفيت ببيعتي؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم.

وفي تفسير فرات (٩٤) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا دجانة ذهب الناس فالحق بقومك، فقال أبو دجانة: يا رسول الله ما على هذا بايعناك وبايعنا الله، ولا على هذا خرجنا.

فكان عليّعليه‌السلام قد وفى ببيعته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الوقعة وفي جميع الوقائع. وقد فرّ الشيخان في أماكن شتّى، وشاركهما عثمان بذلك فيما عدا خيبر، فقد فرّوا في أحد وحنين ونكل الشيخان في خيبر وغيرها. انظر في فرارهم وجبنهم وعدم وفائهم بالبيعة. تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٤٧، ٦٢ ) ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٥٥٣ - ٥٦١ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٨٣، ١٩٢ - ١٩٥، ١٩٧، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢١٣، ٢٢١، ٢٢٣ ) وشرح النهج

٢٣٢

( ج ١٣؛ ٢٧٨، ٢٩٣ ) و ( ج ١٥؛ ٢٠ - ٢٥، ٢٩ ) ومغازي الواقديّ ( ج ١؛ ٩٢، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٣٧، ٢٤٠، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٧٧ - ٢٨٠، ٢٩٣، ٢٩٥، ٣١٠، ٣٢١ ) و ( ج ٢؛ ٢٧٠، ٤٧٠، ٦٠٧، ٦٠٩، ٦٥٣، ٦٥٧ ) و ( ج ٣؛ ٨٨٩، ٨٩٠، ٩٠٤، ٩٣٦ ) والامتاع للمقريزيّ (١٣٢) والإرشاد ( ٤٢، ٤٥، ٥٥، ٦٦، ٧٤، ٧٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ١١٩، ١٥٥ - ١٥٨، ٢٢٠، ٢٦٢ ) وتاريخ الطبريّ ( ٣؛ ١٨، ٢٠، ٩٣، ٩٤ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٣؛ ٧٨، ٨٦، ٣٤٩ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٢؛ ٣٧ ) و ( ج ٣؛ ٣٧، ٧٣، ١١٢ ) وكنز العمال ( ج ٣؛ ٧٠، ٢٩٤ ) و ( ج ٥؛ ٣٠٤ ) كتاب الغزوات ( ج ٦؛ ٣٩٤ ) والدرّ المنثور ( ج ٢؛ ٨٩، ٩٠ ) و ( ج ٣؛ ٢٢٤ ) وأنساب الأشراف ( ١، ٣٢٦ ) وسيرة ابن إسحاق ( ٣٣٠، ٣٣٢ ) والسيرة الحلبية ( ج ٣؛ ١٢٣ ) وتذكرة الخواص ( ٢٥، ٣٨ ) وتفسير النيسابوريّ ( ج ٤؛ ١١٢، ١١٣ ) وروح المعاني ( ج ٤؛ ٩٩ ) وتفسير مفاتيح الغيب ( ج ٩؛ ٥٢ ) والفصول المهمّة ( ٥٧، ٥٨، ٦٠، ٦١ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٢٠ ) وكشف اليقين ( ١٢٨، ١٤٠، ١٤٣، ١٤٤ ) وخصائص الوحي المبين ( ١٨٨، ١٩٠، ١٩١ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٩٩ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٠٠، ١٠١ ) و ( ج ٢؛ ١، ٢ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٢٤ ) ومناقب الخوارزمي ( ١٠٣، ١٠٤ ) والبداية والنهاية ( ج ٤؛ ٢١١ - ٢١٣، ٣٧٦ ) ودلائل البيهقي ( ٤؛ ٢١٠ - ٢١٢ ) ومناقب بن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢١٠، ٢١١ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ١٧ ) والتبيان ( ٥؛ ١٩٧، ١٩٨ ) وتجارب الأمم ( ج ١؛ ١٥٥ ) والاستيعاب ( ج ٢؛ ٨١٢، ٨١٣ ) وصحيح البخاريّ ( ج ٣؛ ٦٧ ).

يا خديجة هذا عليّ مولاك ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي

ويدلّ على إيمان أمّ المؤمنين خديجة بولاية أمير المؤمنين، ومبايعتها إياه على ذلك، والتسليم له، حديث المعراج؛ فإنّ فيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن يسأل من أرسل قبله من الأنبياء على ما بعثوا؟ فسألهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا بأنّهم بعثوا وأرسلوا على الشهادة بالتوحيد والإقرار بنبوّة وولاية رسول الله، وولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث المعراج الناس، فكذّبته قريش وعتاتها، وصدّقه المؤمنون وعلى رأسهم خديجة

٢٣٣

بلا خلاف بين المسلمين، ولذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس » كما في مسند أحمد بن حنبل ( ج ٦؛ ١١٧ ) فتكون من المؤمنات بولاية عليّعليه‌السلام ، ومبايعة للنبي على ولاية أمير المؤمنين.

ففي المحتضر (١٢٥) عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث الإسراء: فإذا ملك قد أتاني، فقال: يا محمّد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقلت:

معشر الرّسل والنبيّين، على ما بعثكم الله قبلي؟ قالوا: على ولايتك يا محمّد وولاية عليّ بن أبي طالب.

وفي شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٢٢، ٢٢٣ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبد الله، أتاني الملك، فقال: يا محمّد، واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب.

انظر كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣١٢ ) وروضة الواعظين (٥٩) وكنز جامع الفوائد ( ٥٤، ٥٥ ) ونهج الحقّ وكشف الصدق (١٨٣) ومقتضب الأثر ( ٣٧ - ٤٣ ) وكنز الفوائد ( ٢٥٦ - ٢٥٨ ) وإرشاد القلوب (٢١٠) وتفسير فرات ( ١٨١، ١٨٢ ) عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وخصائص الوحي المبين (١٥٣) والبرهان ( ج ٤؛ ١٤٧، ١٤٨ ) وبحار الأنوار ( ج ٣٦؛ ١٥٤، ١٥٥ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) ومناقب الخوارزمي ( ٢٢١ - ٢٢ ) وفرائد السمطين ( ج ١، ٨١ ) وذخائر العقبى (٦٩) وكفاية الطالب (٧٥) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٤، ١٥٦ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٨ ) وتفسير النيسابوري ( ج ٣؛ ٣٢٨ ) وشواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٢٢ - ٢٢٥ ) وانظر تخريجاته في هامش شواهد التنزيل.

هذا، بالإضافة إلى عموم الأدلّة الدالّة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صدع بولاية أمير المؤمنين من بدء البعثة، عند بيعة الدار وبعدها، وما من موقف وقفه النبي إلاّ وأخذ الولاية لنفسه ولأخيه - كما سيأتي - فلا يبقى أدنى شك ولا شبهة في أنّ أمّ المؤمنين خديجة كانت من المبايعات لعليعليه‌السلام والمقرّات بإمامته وولايته.

٢٣٤

الطرفة الثانية

ذكر هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ١٨؛ ١٧٩ ) فإنّه بعد أن روى ما في العلل قال: « أقول ورواه السيّد في الطّرف بإسناده عن الأعمش مثله ».

وانظر مضمون هذه الطّرفة في علل الشرائع ( ١٧٠ / الباب ١٣٣ - الحديث ٢ ) والصراط المستقيم ( ج ١؛ ٣٢٥ ) حيث قال: « ذكر ذلك الفرّاء في معالمه والثعلبي بإسناده في تفسيره، وغيره من طرق كثيرة »، وسعد السعود ( ١٠٥، ١٠٦ ) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٨٥، ٨٦ ) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١٠٧ ) وأمالي الطوسي ( ٥٨١ - ٥٨٣ / المجلس ٢٤ - الحديث ١١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٢؛ ٢١٧ ) وتفسير فرات ( ٣٠٠، ٣٠١ ) ومجمع البيان ( ج ٤؛ ٢٠٦ ) وشواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٤٢ - ٥٤٧ ) والمناقب لابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤، ٢٥ ) وكشف اليقين (٤٠) ونظم درر السمطين ( ٨٢، ٨٣ ) وكفاية الطالب ( ٢٠٥، ٢٠٦ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٠٤، ١٠٥ ) وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٢١٠ ) وتقريب المعارف (١٩٣) وتهذيب الآثار (٦٠) وإثبات الوصيّة ( ٩٩، ١٠٠ ) وطبقات ابن سعد ( ج ١؛ ١٨٧ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ٢؛ ١١٦ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ١١١ ) وسليم بن قيس (٢٠٠) والدرّ المنثور ( ج ٥؛ ٩٧ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٢٤ ) والسيرة الحلبيّة ( ج ١؛ ٤٦٠ ) وأسنى المطالب ( ١٢ / الباب الثالث ) وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٩٧ - ٩٩ ) رواه؛ بسبعة طرق، ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٨٣ ) والكامل لابن الأثير ( ج ٢؛ ٦٢ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٢٥ ) وأخرجه ابن البطريق في خصائص الوحي المبين ( ٩٤ - ٩٨ ) عن الحافظ أبي نعيم ومناقب أحمد

٢٣٥

وتفسير الثعلبي عن كلّ منهم بعدّة أسانيد. وهناك مصادر أخرى كثيرة ذكرت هذا الحدث التأريخي العظيم، انظر الغدير ( ج ٢؛ ٢٧٩ - ٢٨١ ) وقادتنا ( ج ١؛ ٧٨ - ٨٦ ) والملل والنحل ( ج ١؛ ١٤٤ ). وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٤٢ ) « بيعة العشيرة كانت بعد مبعثه بثلاث سنين كما ذكره الطبريّ في تاريخه، والخركوشي في تفسيره ومحمّد بن إسحاق في كتابه ».

٢٣٦

الطّرفة الثالثة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٢٧٨، ٢٧٩ ) و ( ج ٦٥؛ ٣٩٥ ) ونقلها باختصار العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ ).

هذه الطّرفة من مختصات الكتاب، لكن تدلّ عليها قرائن وأدلّة كثيرة، فأمّا الزهراءعليها‌السلام فقد قضت عمرها تدافع عن ولاية عليّعليه‌السلام وأحقّيّته في الخلافة، ويكفيك خطبتها الّتي خطبتها بعد غصب الأوّل فدكا منها، وفيها عيون البلاغة والفصاحة في المطالبة بحقّ عليّعليه‌السلام وإمامته وخلافته، وهذا من المسلّمات والثوابت التاريخيّة بلا نزاع بين المسلمين.

وأمّا حمزة أسد الله وأسد رسوله، فيدل على مبايعته للإمام عليّعليه‌السلام عمومات أدلّة الإمامة والولاية، وكلّ ما دلّ على بيعة خديجة ممّا تقدّم، ويزيد على ذلك هنا النصوص الصريحة في ولايته هو وجعفر لعليعليه‌السلام ، وتصريحات عليّعليه‌السلام بذلك وأنّهما لو كانا حيّين لما غصب الخلافة.

ويزيد الأمر تأكيدا التصريح بوجود أعمام النبي في بيعة العشيرة السالفة، ونصّ على وجود حمزة فيهم، ولم ينكر دعوة النبي وولاية عليّعليه‌السلام إلاّ أبو لهب. ففي تفسير فرات ( ٢٩٩ - ٣٠١ ) قال: فيهم أعمامه العبّاس وحمزة وأبو طالب، وأبو لهب الكافر، وهذا يدلّ على مبايعتهم عليّاعليه‌السلام وأنّ أبا لهب الكافر امتنع من ذلك.

هذا مع أنّ حمزة وجعفرا كانا أوّل المسلمين بعد عليّ، قال المسعوديّ في إثبات الوصيّة:

٢٣٧

١٠٠ ثمّ آمن من بعد أمير المؤمنين قوم من عشيرته أوّلهم جعفر وحمزة.

وأمّا الروايات في مبايعتهم لعليعليه‌السلام ، ففي الكافي ( ج ١؛ ٤٢٦ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٩٦ ) عن الصادقعليه‌السلام - في قوله تعالى( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ ) (١) - قال: ذاك حمزة وجعفر هدوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام . وانظر اليقين (٤١٣) وتفسير فرات ( ٣٤٠ / الحديث ٤٦٥ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٣٣ ).

وأمّا الروايات الدالّة على أنّ حمزة وجعفر من النجباء ومن المخلصين وأنّهم مع الخمسة أصحاب الكساء فكثيرة جدّا، منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن بنو عبد المطّلب سادة أهل الجنّة، أنا وعليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين. انظر هذا النصّ وما يؤدي معنى انتجابهم في تذكرة الخواص (٤٨) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٣٤ ) وذخائر العقبى ( ١٥، ٨٩ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٨٢ ) وشرح النهج ( ج ٧؛ ٦٤ ) والخصال (٤١٢)، وأمالي الصدوق (١٧٢)، وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٦٩ ) وتفسير القمي ( ج ٢؛ ١٢٦ ) والكافي ( ج ١؛ ٤٥٠ ) وروضة الواعظين (٢٦٩) ودلائل الإمامة (٢٥٦) وبصائر الدرجات (١٤١) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٦٩ ) والمسترشد (٦١١) ومناقب ابن المغازلي (٤٨) ومناقب الخوارزمي (٢١٢).

وفي الكافي ( ج ٨؛ ١٨٩، ١٩٠ ) عن سدير الصيرفي، قال: كنا عند أبي جعفر فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم واستذلالهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عزّ بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفر: ومن كان بقي من بني هاشم؟! إنّما كان جعفر وحمزة فمضيا أما والله لو أنّ حمزة وجعفر كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما.

وفي شرح النهج ( ج ١١؛ ١١١ ) وكان عليّعليه‌السلام يستصرخ تارة بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتارة بعمّه حمزة وأخيه جعفر - وهما ميّتان - وعقد ابن أبي الحديد في هذا الشرح

__________________

(١) الحجّ؛ ٢٤

٢٣٨

( ج ١١؛ ١١٥ - ١٢٠ ) فصلا في أنّ جعفرا وحمزة لو كانا حيّين لبايعا عليّا بالخلافة بعد النبي. وانظر التصريح بذلك في المسترشد: ٤١٧، وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٥٨، ٥٩ ).

والذي يؤكّد هذا هو تجديد البيعة لعليعليه‌السلام على حمزة قبل شهادتهرحمه‌الله لأنّه مسئول عن ولاية عليّعليه‌السلام ، ومثله في هذا مثل فاطمة بنت أسد أمّ الإمام عليّعليه‌السلام ، حين لقّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّ وإمامته. انظر في ذلك الكافي ( ج ١؛ ٤٥٣، ٤٥٤ ) وبشارة المصطفى ( ٢٤١، ٢٤٢ ) وروضة الواعظين ( ج ١؛ ١٤٢ ) وأمالي الصدوق (٢٥٩).

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خلا دعا عليّاعليه‌السلام فأخبره من يفي منهم ومن لا يفي

أمالي الصدوق (٣١١) عن الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: بلغ أمّ سلمة فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله ما رددتك من موجدة، وإنّك لعلى خير من الله ورسوله، لكن أتيتني وجبرئيل عن يميني وعليّ عن يساري وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي، وأمرني أن أوصي بذلك عليّا وهو في بشارة المصطفى ( ٥٨، ٥٩ ).

وفي تذكرة الخواص (١٠٩) قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام ما يلقى من بعده، قال: فبكى عليّ.

وفي شرح النهج ( ج ٢؛ ٢٨٨ ) قال عليّعليه‌السلام : إنّ خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني بالمتمرّدين عليّ من الرجال والمتمرّدات من النساء إلى أن تقوم الساعة. وانظر الفتوح ( ج ١؛ ٤٨٣ ) وقول عليّعليه‌السلام : وقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكلّ متمرّد عليّ.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٦١ ) عن مروان، عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ) (١) ، قال: نحن والله أولو النهى، فقلت: جعلت فداك وما معنى « أولي النّهى »؟ قال: ما أخبر الله به رسوله ممّا يكون بعده من ادّعاء فلان الخلافة والقيام بها،

__________________

(١) طه؛ ١٢٨

٢٣٩

والآخر من بعده، والثالث من بعدهما وبني أميّة، فأخبر رسول الله، وكان كما أخبر الله به نبيّه، وكما أخبر رسول الله عليّا، وكما انتهى إلينا من عليّعليه‌السلام فيما يكون من بعده من الملك في بني أميّة وغيرهم. ومثله في بصائر الدرجات: ٥٣٨.

وفي الخصال ( ٥٧٢ - ٥٨٠ ) فيه ذكر فضائل لعليعليه‌السلام ، وفيها قولهعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثني ودعا لي بدعوات وأطلعني على ما يجري بعده، فحزن لذلك بعض أصحابه، وقالوا: لو قدر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل ابن عمّه نبيّا لجعله، فشرّفني الله بالاطّلاع على ذلك على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي كتاب سليم بن قيس: ١١٩ قال عليّعليه‌السلام لعبد الله بن عمر: فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني بكلّ ما قال [ أي عمر ] لك وقلت له، قال ابن عمر: ومتى أخبرك؟ قالعليه‌السلام : أخبرني في حياته ...

وعن كتاب سليم بن قيس: ١٩٢ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال في حديث: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني أنّه رأى على منبره اثني عشر رجلا أئمّة ضلال من قريش، يصعدون على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القردة، يردّون أمّته على أدبارهم عن الصراط المستقيم، اللهم قد أخبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كلّ واحد منهم ...

هذا، ويدلّ عليه ما سيأتي من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علّم عليّاعليه‌السلام كلّ ما علمه هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافا إلى ما ورد من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دفع إلى عليّعليه‌السلام صحيفتين في إحداهما أسماء أهل الجنّة أصحاب اليمين، وفي الأخرى أسماء أصحاب النار أصحاب الشمال. وحسبك في ذلك ما في بصائر الدرجات ( ٢١٠ - ٢١٢ ) وفيه ستة أحاديث، وانظر كتاب اليقين (٤٥٢) ونقل ابن شهرآشوب في المناقب ( ج ١؛ ٢٥٣ ) في صفات الأئمّة عن أخبار الإماميّة: « ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة ».

هذا، مضافا إلى ما ورد من أنّهمعليهم‌السلام يعرفون الرجل إذا رأوه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق. انظر بصائر الدرجات (٣٠٨) وفيه ستّة أحاديث في ذلك.

وقد نزل الأمر بكتمان ذلك السرّ من الله سبحانه وتعالى، ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٨٠ )

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

تحديد مرحلتين تاريخيّتين تميّزت كل مرحلة منهما بعوامل وظروف مانعة اختصّت بها وهما:

المرحلة الأولى: مرحلة التنزيل القرآني، حيث اتسمت بسيطرة المسلمين وسطوتهم على الواقع السياسي والاجتماعي للحاضرة العربيّة، ومحاربتهم لكل من يظهر العِداء للإسلام أو يتحدّاه، ممّا أبرز عوامل الخوف والرهبة في نفوس العرب المعاصرين، فأحجموا عن المعارضة والتحدّي للقرآن حفاظاً على أنفسهم وأموالهم من سطوة المسلمين.

المرحلة الثانية: مرحلة الخلافة الأُمويّة وممّا بعدها والتي أعقبت سلطة الخلفاء الأربعة الأُوّل. وقد عرف عن الأُمويّين أنّ خلافتهم لم تقم على أساس الحفاظ على الإسلام والالتزام به والدعوة إليه، فكان من الممكن إظهار المعارضة والتحدّي للقرآن، إلاّ أنّ الأُنس الذهني بمعانيه المتينة والألفة النفسيّة لألفاظه الجميلة جعلته من المرتكزات التي يتوارثونها جيلاً بعد آخر، فانصرفوا نفسيّاً وذهنيّاً عن التفكير بمعارضته وتحدّيه.

وردّ هذه الشبهة يكمن بملاحظة ما يلي:

١ - إنّ أوّل تحدٍّ بالقرآن الكريم للمشركين وطلب معارضته ولو بسورة مِن مثله جاء في سورتَي يونُس وهود، وهما مكيّتان، أي في أوّل مراحل الدعوة الإسلاميّة حين كان المسلمون مضطهدين ومطاردين، وكان المشركون في أوج قدرتهم، ومع كلّ ذلك لم يستطع أيٌّ من بلغائهم أن يقابل التحدّي بالمعارضة، مع العلم أنّ شوكة وسلطة المسلمين لم تظهر إلاّ بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وانحصرت بحدودها إلى إنْ تمَّ النصر بفتح مكّة أو آخر عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

٢ - أنّ ظهور شوكة المسلمين وامتداد سلطانهم في الجزيرة العربيّة أواخر عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعصر الخلفاء الأربعة بعده، لم يلغِ وجود الكفّار، ولم يمنعهم من

٣٢١

إظهار كفرهم، خصوصاً إذا كان على مستوى الاحتجاج وقبول التحدّي بالمعارضة، والدليل على ذلك بقاء مجموعات عديدة من المشركين على دياناتهم كما هو شأن أهل الكتاب، وقد أقرّهم الإسلام على ذلك، ورعى مصالحهم الإنسانيّة والاجتماعيّة في ظلّ الدولة الإسلاميّة، شأنهم في ذلك شأن المسلمين، ومع كلّ ذلك لم نجد مَن تصدّى لمعارضة القرآن الكريم وادّعى القدرة على الإتيان بمثله، رغم أنّهم كانوا يحاولون الاجتهاد بمحاجَجات مختلفة أُخرى انتصاراً لدياناتهم على الإسلام.

٣ - لو سلّمنا أنّ فرضيّة وجود الخوف من معارضة القرآن الكريم بسبب السيطرة الإسلاميّة، إنّما منعت المشركين من إظهار هذه المعارضة والتجاهر بها، إلاّ أنّ معارضتهم السريّة كانت مُمكنة في إطار تجمّعاتهم الخاصّة، ولو ثبتت مثل هذه المعارضة لأظهروها في الفرَص السانحة، ولنُقلَت الينا كما نقلت نصوص أهل الكتاب الدينيّة فيما بعد وخصوصاً قصص العهديَن الخرافيّة المعارضة للقرآن الكريم.

٤ - من الطبيعي فيما عُهِد في الكلام البليغ وإنْ علت رتبته، أنّه يفقد رونقه ويتضاءل وقعه الجميل على الحسّ البشري كلّما تكرّر على المسامع، ويتحوّل بالتدريج إلى كلام عادي في شدّه وتحريكه البلاغي. فنرى الجديد من المقطوعات الأدبيّة أو القصائد البليغة يشدّ ويحرّك السامع أكثر من المكرّر وإنْ كان أقلّ منه بلاغةً وبياناً، ويتركّز هذا الحس كلّما تعدّد التكرار، ولو طبّقنا هذا الأمر على القرآن الكريم لوجدناه على العكس من ذلك، حيث يُجمِع أهل اللغة وأرباب البلاغة العربيّة أنّ حسّهم وتذوّقهم لبلاغة القرآن الكريم ومعانيه الجميلة المتناسقة تزداد شدّةً وحسناً كلّما أكثروا من قراءته وترديد آياته، ثمّ إنّنا لا نجد ذلك منحصراً بهم، بل يعمّ عادة الناطقين باللغة العربيّة على اختلاف مستوياتهم

٣٢٢

وحسّهم الأدبي. وهذا يؤكّد الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم لا أنْ يكون نقصاً عليه.

ولو سلّمنا وافترضنا أنّ التكرار يُوجب الأُنس الذهني والأُلفة النفسيّة بالقرآن وبالتالي الانصراف عن معارضته، فهذا إنّما يتمّ عند المسلمين المؤمنين به والتالين له بشوقٍ وعقيدة، أمّا غيرهم مِن بُلغاء العرب وفصحائهم فليسوا كذلك، فهم مترّبصون به، وبإمكانهم قَبول التحدّي ومعارضته لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

الشبهة الرابعة: من خلال عقد مقارنة بين ما جاء في القرآن من قصص الأنبياء، وما جاء في كتب العهدين المتداولة(التوراة والإنجيل) نجد أنّ ما جاء في القرآن يختلف كثيراً في تفصيلات الحوادث ونسبتها إلى الأنبياء وأُممهم السالفة عمّا جاء في تلك الكتب. ولمّا كانت هذه الكتب ممّا يعترف القرآن بها أنّها من الوحي الإلهي، وكان هو وحيَاً إلهيّاً أيضاً فكيف يُخالفها في ذلك؟ وهل يُمكن أنْ يناقض الوحي الإلهي نفسه في الإخبار عن الأحداث والوقائع التاريخيّة؟

ثمّ إنّ القرآن جاء في مجتمعٍ وأُمّةٍ منفصلة عن تاريخ أنبياء تلك الكتب السماويّة وأُممهم، في حين أنّ تلك الكتب بَقِيَت متداولة جيلاً بعد آخر في أُمم هؤلاء الأنبياء، وهذا يعني أنّهم أدقّ معرفةً واطلاعاً بأوضاع هؤلاء الأنبياء وما جرى لهم مع آبائهم وأجدادهم، فيكون ذلك دليلاً على صِدق ما جاء في كتب العهدَين دون ما جاء في القرآن، وعليه يدلّ القرآن على صِدق نبوّة مَنْ جاء به.

ودفع هذه الشبهة يتمّ بلحاظ ما يلي:

١ - إنّ ادعاء بقاء كتب العهدَين متداولة، كما أُنزلت على أنبيائها في أُممهم جيلاً بعد آخر هو أوّل الكلام، إذ أنّ الصلة بين أجيال تلك الأمم لا تشكّل دليلاً على بقاء تلك الكتب سليمةً وبعيدةً عن يدِ التحريف والتزوير، خصوصاً إذا

٣٢٣

عرفنا أنّ انفصالاً تاريخيّاً قد وقع بين تلك الأُمم وأنبيائهم، ممّا أفقد تلك الأُمم القدرة على الاحتفاظ بأُصول كتب العهدَين كما أُنزلت على هؤلاءِ الأنبياء، فكثُرت في نصوصها الاجتهادات وطالتْها يد التحريف والتزوير جيلاً بعد آخر، ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة في معرض بيانه لواقع أُمم هؤلاء الأنبياء التي نزلت فيهم تلك الكتب(١) .

٢ - إنّ عقد المقارنة بين ما جاء في القرآن الكريم من قصص الأنبياء، وما جاء في كتب العهدَين المتداولة، والتعرّف على مواطن الاختلاف، يدعو بنفسه إلى تصديق القرآن الكريم دون كتب العهدَين وليس العكس؛ وذلك لأنّ تفاصيل قصص هؤلاء الأنبياء في القرآن الكريم، جاءت دقيقة ومتطابقة تمام الانطباق مع الأصول العقليّة والثوابت العقائديّة لواقع الأنبياء وصفاتهم الأساسيّة، في حين أنّنا نجد خلاف ذلك في التوراة والإنجيل، فهما يذكران العديد من الخرافات والأباطيل، وينسبان إلى أنبياء تلك الفترة مواقف لا تتّفق والصفات الواقعيّة للأنبياء وسلوكيّات لا تليق برُسُل الله وأُمنائه على أرضه ودينه(٢) . بل إنّها تتنافى مع صفات أصل الصلاح والإصلاح من عامّة الناس.

وعليه فإنّ العرض القرآني لقصص الأنبياء ووقائعهم، يظهر لنا جانباً مهمّاً من إعجاز القرآن الكريم؛ لانسجامه وائتلافه مع طبيعة الصفات الواقعيّة للأنبياء والرُسُل التي أرشدت إليها العقول وأقرّتها العقائد الدينيّة، ويؤكّد يقيننا بأنّ

____________________

(١) كقوله تعالى في سورة البقرة - الآية ٧٥ في تحريف بني إسرائيل للتوراة:(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) .

وكذلك قوله تعالى في سورة المائدة - الآية ١٣:(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ....) . وغيرهما من الآيات الشريفة.

(٢) للوقوف على نماذج من ذلك يُمكن الرجوع إلى كتاب الهدى إلى دين المصطفى للعلاّمة البلاغي، الجزء الثاني.

٣٢٤

مصدرها الوحي الإلهي، وليس كتب العهدَين وأمثالها كما يدّعون.

هذه خلاصة لِما يرد على ما استلَلْناه من شُبهاتٍ مبثوثة، إجمالاً وتفصيلاً في طيّات دسِّ وتشويه المستشرقين، خصوصاً في دائرة المعارف الإسلاميّة، على أنّنا أجبْنا عن غير هذه الشُبهات سلفاً(١) .

الطريق الثاني: شبهات حول الوحي الإلهي للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ويُمكن عموماً إرجاع هذه الشبهات إلى شبهةٍ أساسيّة، هي أنّ الوحي القرآني لا علاقة له بالسماء، إنّما هو وحي نفسي نابع من ذات محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم). على أنّ أُصول بعض هذه الشبهات ليس جديداً في موضوعه، فلطالما أثارها المعاندون من أهل الكتاب وأمثالهم بعد بعثة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونزول الوحي القرآني عليه، وما فعله بعض المستشرقين فيما بعد هو مجرد ترديد لتلك الشبهات وتطوير لها، وإضافة بعض الجديد عليها، وإخراجه بطابع البحث العلمي وشكلية الدراسة الموضوعية، ولقد أشار القرآن الكريم إلى مجموعة من هذه الشبهات في موارد مختلفة من آياته الكريمة، منها قوله تعالى:( أَنّى‏ لَهُمُ الذّكْرَى‏ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمّ تَوَلّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلّمٌ مَجْنُونٌ ) (٢) ،

وقوله تعالى:( وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذَا إِلاّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (٣) ،

وقوله تعالى:( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مُبِينٌ ) (٤) ،

وقوله تعالى:( بَلْ

____________________

(١) لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة ما يلي:

أ - الشيخ البلاغي، محمّد جواد، الهدى إلى دين المصطفى، الجزأين الأوّل والثاني.

ب - السيّد الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن.

ج - الشيخ معرفة، محمّد هادي، التمهيد في علوم القرآن الجزء الرابع.

(٢) الدخان: ١٣ - ١٤.

(٣) الفرقان: ٤ - ٥.

(٤) النحل: ١٠٣.

٣٢٥

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ) (١) .

وفي الردّ على هذه الشبهات سوف نكتفي بمناقشة الشبهة الأساسيّة التي أشرنا إلى أنّها مرجع كلّ تلك الشبهات، ونمهّد لذلك ببيان معنى الوحي بشكلٍ واضح ليتسنّى لنا تحديد موضوع الشبهة بدقّةٍ أكثر.

ولتحديد معنى الوحي الإلهي اصطلاحاً نجده لا يخرج من جوهره عن المعنى اللغوي لكلمة الوحي، وهو الإعلام في خفاء(٢) . وهو أصلٌ يدلّ على إلقاء علمٍ في إخفاء أو غيره، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك حتّى عَلِمَهُ فهو وحيٌ كيف كان(٣) .

فهو على ضوء ذلك مركّب ينحلّ إلى معرفةٍ تُدرك، وإدراكٌ عقليٌّ لها، وواسطة تنقلها، ومصدر تصدر عنه. وفي ما نحن فيه معنى الوحي الإلهي، الذي اختصّ به الله سبحانه أنبياءه ورُسُلَه من بني الإنسان، وكان القرآن الكريم أبرز مصاديقه، نجد أنّ شعور الإنسان المدرِك يختلف تجاه مصدر أفكاره وواسطة إيصالها إليه، ويُمكننا حصر أنحاء شعوره هذا في ثلاثة:

١ - شعوره بأنّ هذه المعرفة هي من بنات تفكيره الخاص، فهي نابعة من ذاته، وحصيلةَ جُهده الفكري الخاص وتعقّله الشخصي، وهذا ما يتعلّق عادةً بأفكارنا ومعارفنا العاديّة، ونحسه في حالات الإدراك الاعتياديّة، وهو يحصل لمطلق الإنسان العاقل، غاية الأمر أنّ المؤمن بالله سبحانه وتعالى يعتقد بأنّ جميع أفكاره تنتهي إلى الله الخالق الواهب المدبّر، المهيمن على جميع عوالم الوجود، بما في ذلك قدرتنا على التفكير والإدراك، فهو يعتقد بأنّ هذه الأفكار والمعارف العاديّة هي ثمرة تلك القدرة العقليّة التي وهبها الله له، ومكّنه من تفعيلها في ذات نفسه

____________________

(١) الأنبياء: ٥.

(٢) لسان العرب: مادّة وحي.

(٣) معجم مقاييس اللغة ٦: ٩٣.

٣٢٦

فكانت واسطته في تحصيلها.

٢ - أنْ يشعر الإنسان بأنّ الفكرة أو المعرفة التي وعاها بإدراكه العقلي جاءته وخطرت إليه من خارج ذاته ونفسه، ويشعر بوضوحٍ كامل أنّها أُلقيت إليه من ذاتٍ عُليا منفصلةً عن ذاته تمام الانفصال، إلاّ أنّه لا يحسّ إحساساً واضحاً بالواسطة والطريقة، التي تحقّقت فيها عمليّة الإلقاء والإخطار في نفسه، من تلك الذات العليا، وهذا النحو من الشعور والإحساس تجاه الفكرة أو المعرفة المدرَكة هو الذي يحصل، فيما يُسمّى عند المؤمنين بالله سبحانه بحالة الإلهام الإلهي.

٣ - أنْ يقترن بالشعور الحسّي تجاه الفكرة أو المعرفة المُشار إليها في الفقرة الثانية أعلاه، شعورٌ حسّيٌّ آخر بالواسطة والطريقة التي تقوم بعمليّة الإلقاء والإخطار، وتشكّل همزة الوصل بين الذات العليا المُلقية وذات الإنسان المُتلقّي، ويكون هذا الشعور والإحساس واضحاً جليّاً وضوح إحساسنا وإدراكنا للأشياء بحواسّنا العاديّة. وهذا ما يُسمّيه المؤمنون بالله سبحانه بالوحي الإلهي، وهذا الوحي مختص بالأنبياء، وهو الذي حدث في وحي القرآن الكريم إلى نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وعليه فإنّ هناك ثلاث صور من الإدراك يُمكن أنْ تحصل للإنسان بشروطٍ معيّنة يختلف أحدها عن الآخر، فالإدراك نتيجة الموهبة غيره في الإلهام وغيرهما في الوحي.

شُبهة المستشرقين حول الوحي:

لقد أصبح واضحاً لدينا، بعد معالجة أهمّ الشبهات التي أثيرت حول إعجاز القرآن، أنّ القرآن ليس ظاهرةً بشريّة وليس من إبداعات محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل إنّه، ومن خلال جوانب إعجازه، التي تحدّى بها كلّ البشر، مرتبطٌ بالغيب المُطلق وهو

٣٢٧

وحيٌ من الله سبحانه وتعالى إلى نبيّه.

وهنا تأتي شبهة المستشرقين ومَن تأثّر بهم حول مدى صدق الوحي الإلهي بالقرآن الكريم إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فينكرون الوحي الإلهي إليه، ويرجعونه إلى نوعٍ من الإدراك الوهمي الذي جعل من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتخيّل، بسبب صفاء نفسه وصدقه وأمانته وتوقّده الذهني، أنّه يُوحى إليه من الله سبحانه، وهو في اعتقاد المستشرقين ليس إلاّ وحياً نفسيّاً يتفرّد به مَن يملك تلك الصفات، التي امتاز بها محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ولإحكام صورة هذه الشبهة يذهب المستشرقون إلى تصوير العوامل التي أثّرت في محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأذكت فطرته الزكيّة ودفعته للتفكير في إنقاذ قومه من ذلك الواقع المرير والعقائد الفاسدة، وتطهيرهم من الفواحش والمنكرات.

وكان أبلغ ما جاء به مُحرّرو دائرة المعارف الإسلاميّة، في تأسيس هذه الشبهة قد استقي ممّا كتبه(أميل درمنغام) الذي فصّل ما أجمله(مونتيه) في مقدّمات عشرة، وخلاصة ذلك أنّهم استعرضوا ما كان عليه العرب من الشرك بالله، وعبادة الأصنام والظلم الاجتماعي والفقر الاقتصادي، وارتكاب الفواحش والانغماس في الشهوات وأكل المال بالباطل، وتفشي المفاسد كشرب الخمر والزنى وغيرها من القبائح.

ثمّ يدعون أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أدرك، كما أدرك أفراد آخرون من قومه بقوّة عقولهم الذاتيّة، هذا الواقع الفاسد، إلاّ أنّ تميّزه عن الآخرين بشدّة نقائه وصفائه الروحي والنفسي، وتوقّد ذهنه وقوّة عقله وطول تفكيره وتأمّله وسعيه الحثيث من أجل إنقاذ قومه ممّا هُم فيه من الشرك والظلم، وتزكيتهم من المفاسد والشهوات وتطهيرهم من الفواحش والمنكرات، هو الذي أوجد له مثل هذا الوحي النفسي.

٣٢٨

ويذهب المستشرقون أكثر من ذلك في دسّهم وتشويههم، فيدّعون - كما أسلفنا بنماذج منه - أن محمداً قد استقى من اليهود والنصارى خلال لقاءاته بهم في أسفاره إلى الشام، أو ممّن كان منهم في مكّة الكثير من قصص الأنبياء والرسُل، وخصوصاً أنبياء بني إسرائيل ورسلهم، ولاعتقاده بأنّ البِدَع قد طالت العديد من المعارف والمعلومات التي حصل عليها من هؤلاء اليهود والنصارى، واندساس الكثير من الانحرافات والأفكار الوثنيّة فيها كالقول بأُلوهيّة المسيح وأُمّه، فقد رفض الكثير من تلك المعارف والمعلومات.

كما أنّه عرف من تلك اللقاءات أنّ بعض الأنبياء ومنهم نبيّ الله عيسى (عليه السلام)، قد بشّروا ببعثة نبيٍّ مثلهم من عرب الحجاز، فخلقت هذه المعرفة في نفس محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أملاً كبيراً ورجاءً شديداً في أنْ يكون ذلك النبيّ الموعود، وأنّ بعثته قد حان أوانها، فانقطع إلى مناجاة الله وعبادته، واختلى لذلك في غار حِراء سعياً منه إلى تحقيق هذا الأمل الذي استقطب كلّ وجوده.

وباستمراره في خلواته العباديّة هذه تأصّل إيمانه وقَوِيَ يقينه وتسامت نفسه، فتألّق تفكيره واشتدّ نور بصيرته، فاستشرف بعقله الكبير آياتٍ ودلائل وبيّنات ربّه في السماوات والأرض.

واهتدى إلى وحدانيّة الله سبحانه في الخلق والتدبير، فتأهّل بذلك لمهمّة دعوة الناس وهدايتهم الى الحقّ واليقين، والنور الذي اهتدى إليه.

وامتزج تفكيره وتأمّله بالمعاناة التي يعيشها في قومه والآمال التي تنشأ في نفسه، فارتكز لديه اليقين بأنّه هو النبيّ الموعود، الذي بشّر الأنبياء السابقون بأنّ الله سيبعثه لهداية الناس.

وتجلّت عقيدته هذه في الرؤى التي تكرّرت لديه في المنام وقوِيت الى الدرجة التي تحوّلت الى اعتقاد بأنّه قد بُعث نبيّاً لهذه الأُمّة وأنّ ملَكاً أخذ يتمثّل له

٣٢٩

ويلقّنه الوحي في اليقظة كما يوحي له في المنام.

أمّا مصدر المعلومات التي نسجها له هذا الوحي، فهي مستقاة في الأصل ممّا حصل عليه من اليهود والنصارى، وأعمل فيه عقله وتفكيره، فاهتدى إلى التميّيز بين ما يصحّ منها وما لا يصح، كلّ ذلك كان يتجلّى له وكأنّه وحي الله له وخطابه إليه يأتيه بواسطة(الناموس الأكبر) ، الذي نزل على موسى بن عمران وعيسى بن مريم وغيرهما من الأنبياء (عليهم السلام).

إنّ مراجعة نقديةّ لهذه الدعوى(نظريّة الوحي النفسي) نجدها تتهافت في أدلّتها وتتداعى قوائمها، ولا تصمد أمام المناقشة العلميّة. ويمكننا الإجهاز عليها من جوانبٍ ثلاثة:

الجانب الأوّل: الأدلّة والوقائع التاريخيّة تناقض نظريّة الوحي النفسي.

وخلاصة هذا الجانب يُمكننا حصرها في ما يلي:

أ - إنّ أغلب الأدلّة التاريخيّة التي اتخذت مقدّمات للقول بالوحي النفسي وأُسّست النظريّة على أساسها، ليس لها واقع في التاريخ الصحيح المنقول إلينا، إنّما جاءت وفق منهجٍ معكوس، حيثُ افترضوا رؤيةً مسبقة تقول: إنّ الوحي القرآني ليس وحياً منفصلاً عن ذات محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ ساقوا حوادثَ وأخباراً نسجتها خيالاتهم الخصبة أو اختلقتها ذهنيّات جهلهم المركّب في تأويل بعض الوقائع التاريخيّة، وتشويه حقيقتها بالدسّ والتحميل بما لا تتحمّل لتكتمل لديهم حلقات وأجزاء الصورة المفترضة.

ومن أمثلة ذلك: ادّعاؤهم أنّ خبر غلب الفرس وانتصارهم على الروم، وأنّ الروم سيغلبون الفرس بعد ذلك، الوارد في سورة مريم، قد سمِعه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من نصارى الشام. وهذا ممّا تكذّبه الوقائع التاريخيّة المنقولة الينا، حيثُ إنّ غلَبَة الفرس على الروم كانت في سنة(٦١٠م)، أي بعد رحلة محمّد الأخيرة الى الشام

٣٣٠

بأربع عشرة سنة وقبل بدء الوحي الإلهي بسنة، ثمّ إنّ التاريخ يحدّثنا أنّ إمبراطوريّة الروم آنذاك كانت مُتداعية الأركان خائرة القُوى، فطبيعة الأشياء ومنطق الظواهر يحكي لنا عدم قدرتهم على الظهور والانتصار على الفرس، حتّى إنّ أهل مكّة عندما سمعوا ما قرأه عليهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من الخبر في القرآن الكريم هزئوا به.

ومن الأمثلة أيضاً افتراضهم أحاديثَ دينيّة معضلة وفلسفيّة معقّدة فيما زعموه من لقاء الراهب بُحيرى مع محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو بصحبة عمّه أبي طالب، ولم ينقل لنا التاريخ مثل هذه الأحاديث، ممّا يؤكّد لنا أنّهم نسجوا واختلقوا ذلك لدعم رؤيتهم المسبقة في الوحي النفسي.

ويدّعون أيضاً في مسألة إحاطة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأخبار عادٍ وثمود وتفاصيلها، أنّه حصل عليها وعرفها عند مروره بأرض الأحقاف، على أنّ التاريخ لم ينبئنا أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان قد مرَّ بتلك الأرض، خصوصاً وأنّ هذه الأرض لا تقع على الطريق المتعارف لمرور القوافل التجاريّة.

ب - لو كان زعمهم أنّ النبيّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد تعلّم من نصارى الشام ومن غيرهم صحيحاً، لاحتجّ به المشركون وأعلنوه، ولَما وقعوا في الحيرة والتردّد مِن أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودعوته، خصوصاً وأنّهم كانوا يتتبّعون أخباره ويرصدون تحركّاته ومواقفه، ولم يتركوا شيئاً من سفراته ورحلاته وغيرها من شؤون حياته العامّة إلاّ وأحاطوا بها، فكيف تفوتهم مثل هذه اللقاءات والعلاقات المهمّة لو كانت واقعاً؟

رغم أنّهم بذلوا الكثير في سبيل اختلاق التهم وإطلاق الأباطيل والأراجيف حول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودعوته، كما في اتّهامهم إيّاه أنّه تعلّم وتلقّى ما يدّعيه وحياً مِن أشخاص تعرّف عليهم، كالحدّاد الرومي صانع السيوف في مكّة. هذه التهمة التي نزل في ردّها وتكذيبها قوله تعالى:( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا

٣٣١

يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) (١) .

ج - لم ينقل لنا التاريخ أيّ شاهد على أن الرسول محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يأمل أنْ يكون النبيّ المنتظر ويترقّب الوحي في أيّة لحظة... لينمو هذا الأمل - وفق زعمهم - ويتكامل في نفسه، ويشتدّ ترقّبه للوحي ويستحكم ليخلق ذلك الواقع النفسي المفترض. ونحن نعلم أنّ كتب السيرة النبويّة الشريفة قد نقلت لنا أدقّ الأحداث والوقائع واستقصّت تفصيلات الحياة الشخصيّة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم تشر لنا من قريب أو بعيد الى مثل هذا الزعم.

د - إنّ من مفروضات هذه النظريّة أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، تدرّج في تكامله العقلي والنفسي ضمن مراحل طويلة مليئة بالمعاناة من واقع قومه الفاسد، والتفكير المتواصل بعقائدهم الباطلة في الشرك بالله وعبادة الأصنام، والتأمّل في طريقة إنقاذهم من ذلك ومن الظلم الاجتماعي الذي رزحوا فيه، وأنّه لم يعلن نبوّته إلاّ في مرحلة عُليا مِن هذا التكامل وتلك المعاناة وذلك التفكير..

فهو إذن في أعلى درجات الفهم والإدراك، لما يجب أنْ يطرحه من مفاهيم وأفكار ومناهج عن الكون وجميع جوانب الحياة والإنسان، وهذا يعني أنّ أُطروحة دعوته في خطواتها الأُولى ولحظاتها الأوليّة يجب أنْ تشتمل على تلك المفاهيم والأفكار والمناهج.. في حين أنّ التاريخ يؤكّد لنا خلاف ذلك. فالبداية تخلّلها اضطراب وخوف ثمّ جاءه الوحي بآيات التوحيد متدرّجاً في بيان أدلّته، واستئصال جذور الشرك وتسخيف عبادة الأوثان، والردّ على أباطيل المنحرفين والضالّين من أهل الأديان السابقة، مذكّراً بالعِبَر وضارباً الأمثال بسُنن الله في الماضين من الأنبياء والرسُل. ثمّ انقطع الوحي ثلاث سنين لم يحدّثنا التاريخ أنّ الرسول ادّعى شيئاً

____________________

(١) النحل: ١٠٣.

٣٣٢

جديداً من الوحي فيها، ليعود بعد ذلك الانقطاع فيوحي للنبيّ الكريم آيات ربّه الأخرى.. ومن الواضح أن هذا يناقض القول بتكامل مفاهيم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأفكاره واستعداده العقلي والنفسي لطرحها في أولى مراحل إعلان نبوّته.

الجانب الثاني: نظريّة الوحي النفسي تناقض محتوى الوحي القرآني:

وفي هذا الجانب يقف الناقد الموضوعي إزاء نظرية الوحي النفسي موقف التشكيك بل الرد والرفض، لأنه لا يستطيع التوفيق إطلاقا بين ما تفترضه هذه النظرية من مصادر في طبيعتها ومحدوديتها وبين السعة والشمولية التي اتسم بها المحتوى الداخلي للوحي القرآني.

ويمكننا توضيح ذلك من خلال ملاحظة الأُمور التالية:

أ - إنّ موقف الوحي القرآني من الأديان السماويّة السابقة، وخصوصاً الديانتَين اليهوديّة والمسيحيّة، له صورتان: الصورة الأُولى، هي التصديق بأصل هاتَين الديانتين، والإقرار بأنّ الله تعالى قد بعث رُسُلاً بهما مُبشّرين ومنذرين. والصورة الثانية، هي اتّخاذه موقع المهيمن عليهما جملةً وتفصيلاً، فهو حاكم على تشريعاتها نَسخاً وإمضاءً، ورقيباً على ما طرأ عليها من انحرافات، وما دُسَّ فيها من ضَلالات ليظهر الحقّ ويدحض الباطل.

وذلك في قوله تعالى:

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ... ) (١) ، وقوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ *... مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ..... ) (٢)

____________________

(١) المائدة: ٤٨.

(٢) النساء: ٤٤ -٤٦.

٣٣٣

وقوله أيضاً:( فَبِمَا نَقْضِهِم مِيثَاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمّا ذُكّرُوا بِهِ.... * وَمِنَ الّذِينَ قَالُوا إِنّا نَصَارَى‏ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمّا ذُكّرُوا بِهِ ) (١) .

واتّصفت هذه الرقابة بالشموليّة والدقّة التامّة، فقد استوعبت كلّ المفاهيم والأحكام والوقائع التاريخيّة، وجعلت للصحيح منها مقياساً أظهرت فيه الحقّ وردّت الباطل. وهو مفاد قوله تعالى:

( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢) .

فمع هذه الرقابة الشاملة والدقيقة، والتصريح القاطع بكلّ يقينٍ ورسوخٍ بجهل أهل الكتاب ونسيانهم وتحريفهم الكلِم وتبديله، كيف يُمكننا القبول بدعوى أخذ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن أهل الكتاب؟ وبماذا نفسّر هذا التتبّع الدقيق والشامل لتفاصيل ما اختلفوا فيه، أو خالفوا ما نزل عليهم من الدين الصحيح، والبيان المُحكم لِما هو الحقّ والصواب منه بلا تناقض ولا تخلّف ولا اختلافٍ فيه؟ وليس للمنطق جواب إلاّ التصديق بأنّ كلّ ذلك قد تلقّاه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحياً إلهيّاً، مصدّقا لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليه.

ب - لو كان ما يزعمون من الوحي النفسي صحيحاً وأنّ مصادره التي استقى منها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هما التوراة والإنجيل، لكان الأَولى أنْ يُجمل في كثير من الموارد أو يغض الطرف عنها أو عن بعضها، لئلاّ يقع مثل هذا التعارض والاصطدام بهما، إلاّ أنّنا نجد العكس من ذلك، فقد جاء محتوى الوحي القرآني بلسان التأكيد والإصرار على بيان الحقائق بكلّ قوّة، وإظهار مخالفته للتوراة والإنجيل في بعض الوقائع التاريخيّة بكلّ وضوح ودون أي تردّد أو إجمال. ومن

____________________

(١) المائدة: ١٣ - ١٤.

(٢) المائدة: ١٥ - ١٦.

٣٣٤

نماذج ذلك ما في قصّة موسى، حيث يُخالف القرآن الكريم ما جاء في سِفر الخروج من أنّ التي كفلت موسى هي ابنة فرعون، في حين يؤكّد القرآن أنّها كانت امرأته في قوله تعالى:

( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرّتُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى‏ أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) (١) ، وفي نموذج آخر نجد التوراة تذكر غرَق فرعون بإجمال وإبهام، في حين نجد القرآن الكريم يشير الى غرق فرعون، وكيّفيّته بشكلٍ دقيقٍ وواضح، بما في ذلك بيان مسألة نجاة بدَن فرعون من الغرق رغم موته وهلاكه، وكذلك بيان الحكمة من ذلك، وهو قوله تعالى:

( فَالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) (٢) .

ومثال آخر هو عزو التوراة صنع العجل الذي عبده بنو إسرائيل الى هارون (عليه السلام)، في حين يصرّح القرآن خلاف ذلك ويعزوه الى السامري، ويثبت إنكار هارون (عليه السلام) عليهم في ذلك، ونفس الأمر يرد في قصّة ولادة مريم للمسيح (عليهما السلام)، وغيرها من القضايا.

وعليه فلا نتصوّر في محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي يعترفون بحقّه أنّه الصادق الأمين الفطِن أنْ يأتي بمثل هذه التفاصيل ويُعارض بها التوراة والإنجيل، دون أنّ يكون ذلك قد تلقّاه من لَدُن العليم الخبير عن طريق وحيه الأمين، ويتحمّل الكثير من أذى أهل الكتاب في الثبات عليها وعدم مخالفتها.

ج - إنّ استيعاب الوحي القرآني في جانب كبير من محتواه الداخلي لتفاصيل التشريع الإسلامي بكلّ دقّةٍ وعمق، وبشموليّة وسِعَتْ كافّة مجالات الحياة المختلفة وجوانب الإنسان ووجوده، لا تجد فيما بينها إلاّ الانسجام التام والتناسق الفريد، ليس إلاّ برهاناً ساطعاً على تلقيه كل ذلك عن طريق الوحي

____________________

(١) القصص: ٩.

(٢) يونس: ٩٢.

٣٣٥

الإلهي، ولا يُمكننا أنْ نتصوّر معه أنّ إنساناً كمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو الأُمّي الذي كان يعيش ذلك العصر المُظلم بالجهل والخرافات، والذي قضى أغلب أدوار حياته الرساليّة في خوضِ صراعٍ اجتماعيٍّ مرير، أنْ يقع له ما يزعمونه من الوحي النفسي، ويحقّق عن طريقه ذلك الكمال الإعجازي في مسائل التشريع الإسلامي.

الجانب الثالث: سُلوك النبيّ تجاه الوحي القرآني يأبى نظريّة الوحي النفسي:

قبل أنْ ندخل في تفاصيل طبيعة سُلوك النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، تجاه الوحي القرآني الذي يكشف عن إدراكه الواضح للانفصام التام، بين ذاته المُتلقّية والذات الإلهيّة المُلقية مِن عليائها بواسطة الوحي، نُشير باختصار الى أنحاء هذا الوحي الرسالي الذي تلقّاه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والذي يثبت حقيقته وإدراكه الكامل له، وهي في قوله تعالى:( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً... ) ، أي إلهاماً وإلقاماً وإلقاءً في روعه يدركه المُوحَى إليه ويحسّه وكأنّما قد كُتِب في صفحة ضميره بوضوحٍ وجلاء، أو رؤيا في منام، وهذا هوالنحو الأوّل للوحي الرسالي.

والنحو الآخر في قوله تعالى:( ..أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ.. ) ، أي يكلّمه تكليماً يسمع صوته وهو محتجبٌ عنه لعلوّه تعالى شأنه وكماله، وتدنّي المُوحَى إليه ونقصِه، وذلك بخلق الصوت المتضمّن للكلام في الفضاء المُحيط بالمخاطب فيخرق مسامعه، ويأتيه من كلّ مكان حوله، كما كلّم موسى (عليه السلام) وكلّم نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة المعراج.

أمّاالنحو الثالث فهو في قوله تعالى:( ..أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً.. ) ، أي ملكاً مِن الملائكة يتمثّل على شكل رجل:( فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنّهُ عَلِيّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

وقد بيّن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك للمسلمين تكراراً وفي مناسبات عديدة، منها قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إشارةً الى الوحي القرآني:(أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرَس وهو أشدّه علي فينفصم عني وقد وعيت ما قال. وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول) .

أمّا طبيعة سُلوك النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي يأبى مقولة وحيه النفسي، ويعكس وعيه الكامل وإدراكه التام بالانفصال في الوحي القرآني بين الذات العُليا المُلقِية للخطاب وذاته الخاضعة المُتلقّية، فله حالات عديدة نشير الى ثلاث صور منها هي:

٣٣٦

الصورة الأُولى: وهي التي يتمثّل سُلوك النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيها تجاه الوحي القرآني كعبدٍ ضعيف مفتقر الى الله تعالى، يتخضّع بين يَدَي ربّه، ويبتهل إليه، ويخشى أنْ يحول بينه وبين قلبه، فيستمدّ منه العون والهداية، ويطلب منه المغفرة والرحمة، ويتمثِل أوامره ونواهيه ويصدع بها، ويتلقّى منه بكلّ خشوع مختلف درجات العتاب وأنواعه.

ولقد طفحت آياتٌ قرآنيّة عديدة بوصف النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنّه ذلك العبد المطيع الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلاّ بإذن ربّه، يخافه إنْ هو عصاه، ويرجو رحمته، ولا يخرج عن حدوده التي رسمها له، فهو لله وهو إليه يرجع، ولا حول ولا قوّة له إلاّ به سبحانه، فهو مُقِرٌّ بالعجز المطلق أمام أمر الله وإرادته، وليس بقادرٍ على أنْ يُبدّل حرفاً واحداً مِن القرآن الكريم.

ومِن أمثلة تلك الآيات الكريمة قوله تعالى:( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

وقوله تعالى:( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) .

ثُمّ تُؤكّد وتكرّر آيات قرآنيّة أُخرى الفارق بين صفات الذات الإلهيّة الملقيّة وصِفات الذات المحمّديّة المتلقّية من أنّه بشرٌ مثل سائر البشر، ليس عليه إلاّ البلاغ، ولا يملك خزائن الله ولا يعلم الغيب، ولا يزعم أنّه مَلَك، بل هو مخلوقٌ يتّبع ما يُوحى إليه من ربّه.

ومِن تلك الآيات قوله تعالى:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ.. ) .

وقوله تعالى:( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ... ) .

٣٣٧

ومن المعاني اللطيفة في البلاغة القرآنيّة هو مدلول عبارة (قل)، التي تُؤكّد على معنى المغايرة بين المُلقي والمتلقّي، وأنّ الخطاب الإلهي كان يُلقى على الرسول إلقاءً، وأنّه كان يُعلَّم ما ينبغي له أنْ يقوله، تصديقاً لامتثال ما يوحى إليه وعدم نطقه عن هواه، لهذا نجد أنّ عبارة (قل) قد تكرّرت في القرآن الكريم أكثر مِن ثلاثمِئة مرّة ليدرك مَنْ يقرأ القرآن أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُخاطَب يُلقى إليه الخطاب إلقاءً، وليس متكلّماً ينطق به عن هواه وما يجول في نفسه.

كما نجد أنّ الفرق يتجلّى أكثر ويزداد وضوحاً بين ذات الله وصفاته، كونه المُتكلّم والمنزِّل للوحي وبين ذات نبيّه وصفاته كونه المخاطَب والمتلقّي للوحي، وذلك في آيات العتاب الإلهي لرسوله وإنذاره وتهديده، وتختلف درجات هذا العتاب والإنذار، فمنه ما يكون خفيفاً مشوباً بالعفو والغفران على تفويته الأَوْلى، كما في قوله تعالى لرسوله في شأن مَن أذِن لهم بالعفو عن القتال في غزوة تبوك:( عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتّى‏ يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبينَ ) (١) .

وكذلك قوله تعالى:( إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً ) (٢) .

ومنه الشديد الذي يكون بلسان التوجيه لرسوله مقترناً بالإنذار والتهديد وبمستويات تختلف في الشدّة، فمن درجاته الأولية قوله تعالى:( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ... ) (٣) ، ويشتدّ أكثر في قوله تعالى:( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) (٤) .

____________________

(١) يونس: ١٥ - ١٦.

(٢) الأعراف: ١٨٨.

(٣) الكهف: ١١٠.

(٤) الأنعام: ٥٠.

٣٣٨

ويبلغ الإنذار أعلى درجاته لتتضاءل أمامه كلّ صوَر التهديد والوعيد الأُخرى، وذلك في قوله تعالى:( وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (١) .

وهكذا نجد أنّ آيات التأديب والعتاب وآيات الوعيد والإنذار تكشف لنا أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كان يتمثّل صفة المخلوق الضعيف الخاضع لربّه الخالق القادر القاهر ذي القوّة المتين، الذي لا معقّب لحكمه وإرادته، وفي نفس الوقت تكشف لنا الآيات الكريمة عن كامل وعي الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإدراكه للفرق بين ذاته المأمورة وذات الله الآمرة، والذي يجعله مستحضراً بوضوح الفرق بين الوحي القرآني الذي ينزل عليه، وبين الإلهام الإلهي في حديثه النبويّ الخاص.

وهذا هو الذي جعله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينهى في أوّل عهد نزول الوحي القرآني عن تدوين شيء عنه سوى القرآن الكريم، حفظاً لصفته الربّانيّة الخالصة من أنْ تختلط بشيءٍ غيره، لهذا كان يدعو كتّاب الوحي فور نزول شيء من القرآن الكريم لتدوينه، حتّى لو كان آيةً أو بعضَ آية.

الصورة الثانية: وهي التي تُبدي لنا موقف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تجاه الوحي القرآني، وهو مستسلم لأمر الله فيه لا يملك أيّ اختيار وإرادة في نزوله عليه أو انقطاعه عنه، فهو يدرك تماماً أنّ التنزيل القرآني منسلخٌ عن الطبيعة البشريّة وإرادتها انسلاخاً تامّاً. فتارة يتتابع الوحي القرآني ويحمى حتّى يشعر أنّه يكثر عليه، وتارةً وبدون سابق إنذار يفتر عنه وهو في أشدّ الحاجة إليه.

وممّا يؤكّد ذلك أيضاً هو أنّ الوحي القرآني ينزل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أحوال مختلفة، منها: ما يكون في منامه، فما يكاد يغفو إغفاءةً حتّى ينهض ويرفع رأسه مُبتسماً وقد أوحيَت إليه سورة الكوثر. ومنها ما يكون وهو وادع في بيته وقد بقي من الليل ثلثه، فتنزل عليه آية التوبة في الثلاثة الذين خافوا، وهي قوله تعالى:

____________________

(١) الحاقّة: ٤٤ - ٤٧.

٣٣٩

( حَتّى‏ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنّوا أَن لاَمَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ ) (١) .

وهكذا نجد أنّ الوحي القرآني ينزل على قلب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ليلٍ دامس أو ضُحى النهار، وفي البرد القارس أو حرّ الهجير، وفي استجمام الحضر أو وعثاء السَفَر، وفي هدأة السوق أو وطيس الحرب... وهو تعبيرٌ واضح عن تمام الانسلاخ وفقدان اختيار النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في نزول الوحي أو انقطاعه.

ونجد أنّ ذلك يتجسّد أكثر في انقطاع الوحي القرآني تماماً عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الوقت الذي كان في أشدّ الشوق والطلب له، بعد أنْ نزل عليه الروح الأمين بأوائل سورة العلق:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) ، ثمّ فتر ثلاث سنوات فحزن فيها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بعدها حمي الوحي وتوالى عليه فاستبشر النبيّ به وغمرته فرحة الوصال.

ويتجسّد ذلك أيضاً حين أبطأ الوحي بعد حديث الإفك الذي رمى به المنافقون زوج النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وشهّروا به إمعاناً في فضحها، حتّى عصف هذا الأمر بقلب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وثَقُل عليه عدم نزول الوحي. وقد تصرّمت على الحادثة مدّة من الزمن كانت عليه أثقل من سنين متمادية بعد أنْ خاض المنافقون في زوجه خوضاً باطلاً.

فما بال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يستنجد بالوحي النفسي المزعوم، أو يسرع الى استنزال الأمر الإلهي على طريقة الرهبان وأهل التعاويذ والأسجاع فيبرّئ زوجه من قذف المنافقين؟

كما ونجد أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد حزَّ في نفسه غمز اليهود له، فظلّ يقلب وجهه في

____________________

(١) التوبة: ١١٨.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376