القصص التربوية

القصص التربوية18%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 347725 / تحميل: 10129
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

القَصص التربويَّة

عند الشيخ محمَّد تقي فلسفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

٢

القَصَص التربويَّة

عند الشيخ محمد تقي فلسفي

لطيف الراشدي

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مُقدِّمة

الحمد لله الواحد المنَّان، الذي خلق الإنسان، وعلَّمه البيان ووضع الميزان، والصلاة الأبد، والسلام السرمد على مَن بُعث إلى الخلائق بالقرآن، وعلى آله الأطهرين، الذين هم أمناء الرحمان.

أمَّا بعد:

فلا يخفى على أحد، أنَّ التربية جزء لا يتجزَّأ مِن الحياة الإنسانيَّة، وقد مَنَّ الله تعالى على عباده؛ إذ بعث فيهم رسولاً، يتلو عليهم آياته، ويُزكِّيهم ويُعلِّمهم الكتاب والحِكمة.

ولا ريب، بأنَّ الله تعالى أنزل القرآن هُدىً للمُتَّقين، الذين يؤمنون بالغيب و...

وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنَّ قومي اتَّخذوا هذا القرآن مهجوراً...)، وفي كلام آخر قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعِترتي، ما إنْ تمسَّكتم بهما لن تضلوا...).

والتربية للإنسان، هي الهداية والنجاة مِن الضلالة. وغنيٌّ عن البيان، بأنَّ التربية الإسلاميَّة، هي الطريق والسبيل الوحيد للنجاة مِن الضلالة؛ فيجب على مَن يطلب السعادة في الدارين، أنْ يتمسَّك بالتربية والشريعة الإسلاميَّة.

فنجد في هذه الشريعة المُقدَّسة رجالاً، يتمثَّلون تعاليم هذه الشريعة المُقدَّسة، قد أدَّبهم الله فأحسن تأديبهم، والتزموا هذا الأدب والتربية الإلهيَّة.

٥

وعلى الذين يرغبون في الحياة النبيلة، والعَيش الهنيء أنْ يتَّبعوا خُطاهم وحياتهم السامية. وها نحن نَقصُّ حياتهم وسيرتهم، تحت عنوان (القَصص التربويَّة) ، آملين تطبيقها في حياتنا؛ لكي نفوز بالدارين... والله عنده حسن المآب...

دعواهم فيها سبحانك اللَّهمَّ وتحيَّتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أنْ الحمد لله رَبِّ العالمين.

العبد

لطيف محمد علي مُطوَّف الراشدي

٦

لا إفراط ولا تفريط

كان في مدينة البصرة أخوان أحدهما يُدعى: العلاء بن زياد الحارثي، والآخر: عاصم. وكانا كلاهما مِن المُخلصين لعليٍّ (عليه السلام)، ولكنْ كانا مُختلفيَن في السُّلوك، فعلاء مُفرِط في حُبِّه للدنيا وجمعه للمال... أمَّا عاصم، فكان على العَكس منه مُدْبِراً ظهره للدنيا، صارفاً جُلَّ وقته في العبادة وتحصيل الكمالات الروحيَّة، وفي الواقع كانا كلاهما قد تجاوز الطريق المُستقيم، وانحرف عن الصراط السويِّ...

وذات يوم مَرِض العلاء، فذهب علي (عليه السلام) لعيادته، وما أنْ استقرَّ به الجلوس، حتَّى التفت الإمام إلى سِعة عَيشه، وإفراطه في سَعيه وراء الدنيا؛ فخاطبه قائلاً: (وماذا تصنع - يا علاء - بهذه السِّعة المُفرِطة مِن العَيش؟ إنَّك إلى تحصيل وسائل سعادتك المعنويَّة أحوج، فاسعِ في ذلك الجانب أيضاً...)، ثمَّ قال (عليه السلام): (اللَّهمَّ إلاَّ أنْ تكن عملتَ ذلك كلَّه؛ لتمهيد طريق السعادة المعنويَّة؛ لتتمكَّن مِن استقبال الضيوف في بيتك، وتستطيع صِلة أرحامك، وأداء حقوق إخوانك بأكمل وجه) (١) .

لقد أثَّر هذا الدرس البليغ، بأسلوبه الهادئ المَتين في علاء كثيراً، وجاشت به العواطف للشكوى مِن تفريط أخيه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك عاصم بن زياد.

قال: (وما له؟).

قال: لبس العَباء، وتخلَّى عن الدنيا.

قال: (عليَّ به!).

وبعد أنْ حضر عاصم بين يدي الإمام، وبَّخَه الإمام قائلاً: (يا عُدَيَّ نفسه، لقد استهام بك الخبيثُ! أما رحمتَ أهلك ووِلدَك؟! أترى الله أحلَّ لك الطيِّبات وهو يكره أنْ تأخُذها؟! أنت أهون على الله مِن ذلك...).

____________________

(١) مُلاحظة: لمعرفة نصِّ الكلام راجع نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) جمعه الشريف الرضيِّ.

٧

مِن خِلال هذه القِصَّة التاريخيَّة؛ يتَّضح لنا مدى استقامة المنهج الإسلامي، الذي نطق به الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يُعبِّر عن تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحكم الله عَزَّ وجَلَّ...

لكن بقيت في نفس عاصم بن زياد مُشكلةٌ لم يجد لها حَلاً، وهي كيفيَّة التوفيق بين كلام الإمام (عليه السلام) وعمله؛ حيث قد زهد في الدنيا، وترك الملاذَّ.

فاندفع لسؤاله، وما أسرع أنْ قال:

(... يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة مَلبسك وجُشوبة مأكلك؟!).

فقال الأمير: (إنِّي لستُ كأنت... إنَّ الله فرض على أئمَّة الحَقِّ أنْ يُقدِّروا أنفسهم بضَعَفَة الناس؛ كي لا يتبيَّغ بالفقيرة فقره...) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

٨

الخال أحد الضجيعين

كان محمد بن الحنفية بن الإمام علي (عليه السلام)، حامل اللواء في حرب الجَمل، فأمره عليٌّ بالهجوم فأجهز على العدوِّ، لكنَّ ضربات الأسنَّة، ورشقات السِّهام منعته مِن التقدُّم فتوقَّف قليلاً... وسرعان ما وصل إليه الإمام، وقال له: (احمل بين الأسنَّة)؛ فتقدَّم قليلاً ثمَّ توقَّف ثانية، فتأثَّر الإمام مِن ضُعف ابنه، فاقترب منه، و(... ضربه بقائم سيفه، وقال له: (أدركك عِرقٌ مِن أُمِّك).

مِن الواضح هنا، أنَّ الجُبن الذي ظهر واضحاً في ابنه محمد، ليس موروثاً منه (عليه السلام)؛ لأنَّه لم يَعرف للجُبن مَعنى قَطّ، فلا بُدَّ وأنْ يكون مِن أُمِّه؛ لأنَّها لم تكن مِن الفضيلة بدرجة، تكون معها بمنزلة الصِّدِّيقة الزهراء (عليها السلام) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

٩

كلُّ إنسان بينه وبين آدم صِلة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (أتى رجُلٌ مِن الأنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: هذه ابنة عَمِّي وامرأتي، لا أعلم منها إلاَّ خيراً، وقد أتتني بولدٍ شديد السواد، مُنتشِر المِنخر، جَعْدٌ، قَطَطٌ، أفطس الأنف، لا أعرف شَبَهه في أخوالي ولا في أجدادي.

فقال لامرأته: ما تقولين؟

قالت: لا والذي بعثك بالحق نبيَّاً، ما أقعدت مقعده مِنِّي - مُنذ ملكني - أحداً غيره)

قال: (فأطرق رسول الله رأسه مَليَّاً، ثمَّ رفع بصره إلى السماء، ثمَّ أقبل على الرجل، فقال: يا هذا، إنَّه ليس مِن أحد إلاَّ بينه وبين آدم تسعة وتسعون عِرقاً، كلُّها تضرب في النسب، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العُروق، وسألتْ الله الشَّبَه لها، فهذا مِن تلك العُروق التي لم تُدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك!).

فقالت المرأة: فرَّجت عنِّي يا رسول الله (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٠

صِفات الابن مِن الأب أو الأُمِّ

عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: (أقبل رجل مِن الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله، هذه بنت عمي وأنا فلان بن فلان.. حتَّى عَدَّ عشرة مِن آبائه، وهي بنت فُلان... حتَّى عَدَّ عشرةً مِن آبائها، ليس في حَسبي ولا حَسبها حَبشيٌّ، وإنَّها وضعت هذا الحبشيَّ، فأطرق رسول الله طويلاً، ثمَّ رفع رأسه، فقال: إنَّ لك تسعة وتسعين عِرقاً، ولها تسعة وتسعين عِرقاً، فإذا اشتملت اضطربت العُروق وسأل الله عَزَّ وجَلَّ كلَّ عِرقٍ منها أنْ يذهب الشَبَه إليه. قُمْ، فإنَّه وَلَدُك، ولم يأتك إلاَّ مِن عِرقٍ منك أو عِرقٍ منها.

قال: فقام الرجل، وأخذ بيد امرأته وازداد بها وبولدها عجباً) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١١

الاستعمال يكون بعد التجربة

سأل المأمون العباسي بعض خواصِّه ومَحارمه يوماً، سبب ما يُلاقيه مِن: جَفاء، وخيانة، وقِلَّة إنصاف مِن بعض أصحابه وأقاربه، الذين كان قد قلَّدهم مناصب عاليةً، ورُتباً مُهمَّة في الدولة، في حين أنَّ المفروض أنْ يُقابلوا إحسانه بالإحسان لا الإساءة.

فقال له أحدهم: إنَّ المَعنيِّين بأمر الحَمْام الزاجل، والمُهتمِّين بتربيته، يتحقَّقون عن أصله وفَصيله الذي ينتمي إليه، وعندما يطمئنُّون إلى عَراقة نسبه يهتمُّون بتربيته كثيراً، ويَجنون مِن ذلك فوائد كثيرة... وأنت يا أمير المؤمنين، تأخذ أقواماً مِن غير أُصول ولا تدريج، فتبلغ بهم الغايات، فلا يكون منهم ما تؤثِره.

فمِن الطبيعي أنْ لا يكون مَن يتمُّ اختيارهم لأشغال ومناصب، دون امتحان ولا نظر في أصولهم وأحسابهم وأنسابهم على حالة غير مرضيَّة مِن حيث الإخلاص والأمانة والوفاء...

إنَّ الإسلام يرى في سُلوك الآباء والأُمَّهات، تأثيراً كبيراً على سلوك أبنائهم، الذين يرثون صفاتهم الصالحة أو الطالحة؛ ولذلك نجد القرآن الكريم يحكي على لسان نوح هذه الحقيقة الناصعة؛ حيث يقول - بعد أنْ يئس مِن هداية قومه، طِيلة تسعمئة وخمسين عام (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٢

الجُملة العصبيَّة هي الأساس

جاءت امرأة في زمن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولدت مِن زوجها طفلاً له بدنان ورأسان على حُقوٍ واحدٍ، وتحيَّرت هي وقومها في حِصَّته مِن الإرث، هل يُعطى حِصَّة واحدة أم حِصَّتين؟

فصاروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسألونه عن ذلك؛ ليعرفوا الحكم فيه، فكان جواب الإمام (عليه السلام): (اعتبروا إذا نام ثمَّ نبِّهوا أحد البدنين والرأسين، فإنْ انتبها معاً، في حالة واحدة؛ فهُما إنسان واحد، وإنْ استيقظ أحدهما والآخر نائم؛ فهُما اثنان وحَقُّهما مِن الميراث حَقُّ اثنين).

والسِّرُّ في هذا القضاء العادل، والحكم الدقيق واضح؛ لأنَّه اعتبر مِلاك الحُكم هو المركز العَصَبي؛ إذ عليه المُعوَّل في توجيه الإنسان، فإنْ كانت قيادة واحدة توجِّه البدنين والرأسين؛ فهو شخصٌ واحدٌ، ولكنْ إذا كان كلُّ قسم يُدار مِن قِبَل جهازٍ عصبيٍّ مُستقلٍّ عن الآخر، فهما بدنان (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٣

الفَرق بين قضاء الله وقَدَره

عن ابن نُباتة، قال: إنَّ أمير المؤمنين عدل مِن عند حائط مائل إلى حائط آخر.

فقيل له: يا أمير المؤمنين، تَفرُّ مِن قضاء الله؟!

قال: (أفرُّ مِن قضاء الله إلى قَدَر الله عَزَّ وجَلَّ) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٤

بأبي وأُمِّي مَن لم ينخل له طعام

يقول سويد بن غفلة: دخلت على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً، وقد حان وقت طعامه، فرأيته جالساً على جانب مائدة، وفي يده رغيف أرى قِشار الشعير في وجهه، فذهبت إلى خادمته، وقلت لها:

يا فضة، ألا تتَّقين الله في هذا الشيخ؟! ألا تنخلون له طعاماً مِمَّا أرى فيه مِن النِّخالة؟!

فقالت: قد تقدَّم إلينا أنْ لا ننخل له طعاماً...

فرجع سويد إلى الإمام ثانية، وذكر قِصَّته مع فِضَّة، فتبيَّن أنَّ الإمام (عليه السلام) قد أخذ هذا الأُسلوب مِن النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)... ثمَّ ذكر عظمة النبي قائلاً: (بأبي وأُمِّي، مَن لم يُنخل له طعامٌ) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٥

عن مِثل هذا الرجُل أخبرتك

بينما المنصور بن أبي عامر في بعض غزواته، إذ وقف على نَشزٍ مِن الأرض مُرتفعٍ، فرأى جيوش المسلمين مِن بين يديه، ومِن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله قد ملؤوا السهل والجَبل، فالتفت إلى مُقدَّم العسكر وهو رجل يُعرَف بابن المضجعي.

فقال له: كيف ترى هذا العسكر أيُّها الوزير؟

قال: أرى جمعاً كثيراً، وجيشاً واسعاً كبيراً.

فقال له المنصور: تُرى، هل يكون في هذا الجيش ألف مُقاتل مِن أهل الشجاعة والنجدة والبَسالة؟

فسكت ابن المَضجعي.

فقال له المنصور: ما سكوتك؟! أليس في هذا الجيش ألف مُقاتل؟!

قال: لا.

فتعجَّب المنصور، ثمَّ قال: فهل فيهم خمسمئة مُقاتل مِن الأبطال المَعدودين؟

قال: لا.

فحَنَق المنصور، ثمَّ قال: أفيهم مِئة رجل من الأبطال؟

قال: لا.

قال: أفيهم خمسون رجُلاً مِن الأبطال؟

قال: لا.

فسبَّه المنصور، وأغلظ عليه وأمر به، فأُخرِج على أسوأ حالٍ، فلمَّا توسطَّوا بلاد الورم، اجتمعت الروم وتصادف الجَمعان، فبرز عِلْجٌ مِن الروم بين الصَّفَّين شاكي السلاح، وجعل يكرُّ ويفرُّ ويقول: هل مِن مُبارز؟!

فبرز إليه رجل مِن المسلمين فتجاولا ساعة، فقتله العِلْجُ؛ ففرِح المُشركون وصاحوا، واضطرب المسلمون له. ثمَّ جعل العِلْج يموج بين الصَّفَّين ويُنادي: هل مِن مُبارز؟! اثنين لواحد

فبرز إليه

١٦

رجل مِن المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العِلْج، وجعل يكرُّ ويحمل ويُنادي ويقول: هل مِن مُبارز؟! ثلاثة لواحد!!

فبرز إليه رجل مِن المسلمين فقتله العِلْج، فصاح المُشركون وذَلَّ المسلمون، وكادت أنْ تكون كَسرة.

فقيل للمنصور: ما لها إلاَّ ابن المضجعي، فبعث إليه، فحضر، فقال له المنصور: ألا ترى ما صنع هذا العِلْج... منذ هذا اليوم.

فقال: لقد رأيته، فما الذي تُريد؟

قال: أنْ تكفي المسلمين شَرَّه.

قال: الآن يُكفى المسلمون شَرَّه، إنْ شاء الله تعالى.

ثمَّ قصد إلى رجال يعرفهم، فاستقبله رجل مِن أهل الثغور، على فرس قد تَهرَّت أوراكها هَزالاً، وهو حامل قِربة ماء بين يديه على الفرس، والرجل في حليته ونفسه غير مُتصنِّع.

فقال له ابن المضجعي: ألا ترى ما يصنع هذا العِلْج مُنذ اليوم؟!

قال: قد رأيته، فما الذي تُريد؟

... أنْ تكفي المسلمين شَرَّه؟

قال: حُبَّاً وكَرامة.

ثمَّ إنَّه وضع القِربة على الأرض، وبرز إليه غير مُكترث به، فتجاولا ساعة، فلم يرَ الناس إلاَّ والمسلم خارجاً إليهم يركض، ولا يدرون ما هناك، وإذا برأس العِلْج يلعب بها في يده، ثمَّ ألقى الرأس بين يدي المنصور.

فقال له ابن المضجعي: عن هؤلاء الرجال أخبرتك... ثم رد المنصور إلى ابن المضجعي منزلته وأكرمه، ونصر الله جيوش المسلمين وعساكر الموحِّدين (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٧

الذاكرة الخارقة

أبو زكريَّا التبريزي، تلميذ أبي العلاء المَعرِّي، وقد تَلمذ على يده سنوات عديدة، ولمَّا كان أبو العلاء مكفوف البصر، فقد كان لا يستطيع القراءة. وفي أحد الأيَّام كان أبو زكريَّا يقرأ لأبي العلاء كتاباً له في مسجد المَعرَّة. وفي الأثناء حضر مُسافر مِن تبريز إلى الجامع ليُصلِّي، فسَرَّ أبو زكريَّا لرؤيته كثيراً، وتوقَّف عن قراءة الكتاب عِدَّة لحظات، فسأله الأستاذ عن السبب، فأخبره بمجيء صاحبه، فأمره أبو العلاء بأنْ يذهب إليه ويتحدَّث معه.

فقال له: أمهلني أكمل الصفحة.

قال: لا، وسأنتظرك حتَّى تُنهي حديثك.

فجلس أبو زكريَّا مع صاحبه، على بُعْد خَطوات مِن أبي العلاء، وأخذ يتحدَّث معه باللغة التركيَّة المحلِّيَّة في تبريز، ويسأله عن بعض القضايا فيُجيبه، وعندما رجع إلى أستاذه سأله: أيَّ لغة هذه؟

قال: لغة آذربايجان!

فقال: إنِّي لم أفهم ما جرى بينكما مِن حديث، ولكنِّي حفظت ما قلتماه، وأعاد جميع الألفاظ بلا زيادة أو نُقصان، فتعجَّب صاحب أبي زكريَّا مِن حافظة أُستاذه بشِدَّة، وكيف أنَّه حَفِظ تلك الألفاظ بسُرعة، دون أنْ يفهم معانيها (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٨

واعمراه لولا عليٌّ لهَلك عمر

قال: سمعت غلاماً بالمدينة، وهو يقول: يا أحكم الحاكمين، أُحكم بيني وبين أُمِّي! فقال له عمر بن الخطاب: يا غلام، لمَ تَدْعُو على أُمِّك؟!

فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّها حملتني في بطنها تسعاً، وأرضعتني حولين كاملين، فلمَّا ترعرعتُ وعرفت الخير مِن الشَّرِّ ويميني مِن شِمالي طردتني، وانتفت مِنِّي، وزعمت أنَّها لا تعرفني.

فقال عمر: أين تكون الوالدة؟

قال: في سقيفة بني فلان.

فقال عمر: عليَّ بأُمِّ الغُلام. فأتوا بها مع أربعة أخوة لها، وأربعين قَسَّامة يشهدون لها أنَّها لا تعرف الصبي، وأنَّ هذا الغُلام مدَّعٍ ظالم، يُريد أنْ يفضحها في عشيرتها، وأنَّ هذه جارية مِن قريش لم تتزوَّج قطُّ؛ لأنَّها بخِتام ربِّها.

فقال عمر: يا غُلام، ما تقول؟

فقال: يا أمير المؤمنين، هذه - والله - أُمِّي! حملتني في بطنها تسعاً، وأرضعتني حولين كاملين، فلمَّا ترعرعت وعرفتُ الخير والشَّرَّ، ويميني مِن شمالي طردتني، وانتفت مِنِّي، وزعمتْ أنَّها لا تعرفني!

فقال عمر: يا هذه، ما يقول الغُلام؟

فقالت: يا أمير المؤمنين، والذي احتجب بالنور، فلا عين تراه، وحَقِّ محمد وما ولد، ما أعرفه ولا أدري مِن أيِّ الناس هو! وإنَّه غلام يُريد أنْ يفضحني في عشيرتي، وأنا جارية مِن قريش، ولم أتزوَّج قطُّ، وإني بخاتم ربِّي.

فقال عمر: ألكِ شهودٌ؟

١٩

فقالت: نعم هؤلاء، فتقدَّم الأربعون قَسامة، وشهدوا عند عمر أنَّ الغُلام مُدَّعٍ، يُريد أنْ يفضحها في عشيرتها، وأنْ هذه جارية مِن قريش لم تتزوَّج قَطُّ، وأنَّها بخاتم رَبِّه.

فقال عمر: خذوا بيد الغُلام وانطلقوا به إلى السِّجن، حتَّى نسأل عن الشهود، فإنْ عَدْلت شهادتهم جَلدته حُدَّ المُفتري. فأخذوا بيد الغُلام، وانطلقوا به إلى السِّجن، فتلقَّاهم أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) في بعض الطُّرق، فنادى الغُلام: يا ابن عَمِّ رسول الله، إنِّي غُلام مظلوم، وأعاد عليه الكلام الذي تكلَّم به عند عمر، ثمَّ قال: وهذا عمر قد أمر بي إلى السِّجن.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (ردُّوه إلى عمر).

فلمَّا ردُّوه قال لهم عمر: أمرت به إلى السِّجن فرددتموه إليَّ!

فقالوا: يا أمير المؤمنين، أمرنا عليُّ بن أبي طالب أنْ نرُدَّه إليك، وسمعناك تقول: لا تعصوا لعليٍّ أمراً.

فبينا هم كذلك، إذ أقبل عليٌّ (عليه السلام)، فقال: (عليَّ، بأمِّ الغُلام)، فأتوا بها.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (يا غُلام، ما تقول؟).

فأعاد الكلام على عليٍّ (عليه السلام).

فقال علي لعمر: (أتأذن لي أنْ أقضي بينهم؟).

فقال عمر: سبحان الله، وكيف لا، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أعدلكم عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).

ثمَّ قال للمرأة: (يا هذه المرأة، ألك شهود؟).

قالت: نعم، فتقدَّم الأربعون قَسَّامة، فشهدوا بالشهادة الأُولى.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (لأقضينَّ اليوم بينكم بقضيَّة، هي مرضاة الرَّبِّ مِن فوق عرشه، علمنيها حبيبي رسول الله).

فقال لها: (ألك وليٌّ؟).

قالت: نعم، هؤلاء إخوتي.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثالث و الخمسون في الفتن و الشبه و البدع

١٦١

١ في أوّل الباب الثالث من النهج باب المختار

من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله و الكلام القصير الخارج في ساير أغراضه .

قالعليه‌السلام :

كُنْ فِي اَلْفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ قول المصنّف : « باب المختار » هو القسم الأخير من كتابه « من حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام » اقتصر عليه في ( المصرية ) و زاد ابن أبي الحديد و ابن ميثم : « و مواعظه » و هو الصحيح لأصحية نسختيهما لا سيما الأخير الذي نسخته بخط المصنف .

و لأنّ فيه مواعظ كثيرة و منها في العنوان ( ١٥٠ ) كلامهعليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه الذي قال المصنف فيه « و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة » .

١٦٢

و وصف الشعبي كلامهعليه‌السلام في الحكم و غيرها فقال : تكلّم أمير المؤمنينعليه‌السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في الحكمة و ثلاث في المناجاة و ثلاث في الأدب ، أما اللائي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه .

و أما اللائي في المناجاة فقال : اللّهم كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب و أما اللائي في الأدب فقال : امنن على من شئت تكن أميره ، و استغن عمّن شئت تكن نظيره و احتج إلى من شئت تكن أسيره(١) .

« و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسألته » ترى أجوبة مسألته في العناوين ( ١٦ ) ( ٣٠ ) ( ٩٤ ) ( ١٢٠ ) ( ١٥٠ ) ( ٢٢٧ ) ( ٢٢٩ ) ( ٢٣٥ ) ( ٢٦٦ ) ( ٢٨٧ ) ( ٢٩٤ ) ( ٣٠٠ ) ( ٣١٨ ) ( ٣٥٦ ) ( ٤٧٠ ) .

« و الكلام القصير » كان حاجب هشام بن عبد الملك يأمر منتجعيه بالإيجاز في الكلام ، فقام أعرابي فقال : إنّ اللَّه تعالى جعل العطاء محبة و المنع مبغضة فلأن نحبك خير من أن نبغضك فأعطاه و أجزل له .

« الخارج في سائر أغراضه » أي باقي مقاصده ، و الأصل في ( الغرض ) الهدف و ( سائر ) يأتي بمعنى الجميع و معنى الباقي ، و الأخير هو المراد هنا .

قوله « كن في الفتنة » الأصل في « الفتنة » قولهم « دينار مفتون » فتن بالنار ، و كلّ شي‏ء ادخل النار فقد فتن ، و قالوا « الناس عبيد الفتانين » أي الدرهم و الدينار .

« كابن اللبون » ابن اللبون : ولد الناقة الذكر إذا دخل في الثالثة ، لأن امّه

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق : ١٨٦ .

١٦٣

وضعت غيره فصار لها لبن ، و الانثى بنت اللبون ، و يجمعان بنات اللبون .

« لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب » نظيره قول حاجب بن زرارة في القعقاع :

ما هو رطب فيعصر و لا يابس فيكسر .

و في المثل : لا تكن حلوا فتزدرد و لا مرّا فتلفظ .

و من الأمثال في الاعتزال قولهم : لا ناقة لي في هذا و لا جمل و قالوا : ان كنت من أهل الفطن فلا تدر حول الفتن .

ثم كما لا ينتفع بابن اللبون لصغره كذلك بالثلب لكبره ، و هو الذي انكسرت أنيابه من شدّة هرمه ، و إنما الانتفاع الكامل بالناب الذي في وسط الشباب ، قال بعضهم :

ألم تر أن الناب يحلب علبة

و يترك ثلب لا ضراب و لا ظهر

قال ابن أبي الحديد : أيام الفتنة هي أيام الخصومة بين رئيسين ضالين يدعوان كلاهما إلى ضلالة ، كفتنة عبد الملك و ابن الزبير و فتنة مروان و الضحاك و فتنة الحجاج و ابن الأشعث ، و أما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين(١) .

قلت : إن جانبوا العصبية و أرادوا فهم الحقيقة فأول أيام الفتنة أيام أوّلهم ، ففي ( الطبري ) : قال أبو مويهبة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعث إليّ النبي من جوف الليل فقال : يا أبا مويهبة إنّي قد امرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السّلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى إلى أن قال ثم انصرف فبدأ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

١٦٤

بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه الذي قبض فيه(١) .

و في ( بلاغات نساء أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) من رجالهم في ذكره خطبة سيّدة نساء العالمين باتفاق فرق المسلمين لما منعها أبو بكر فدك و في الخطبة : فأنقذكم اللَّه برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا و التي ، و بعد ما مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب ، كلّما حشوا نارا للحرب أطفأها و نجم قرن للضلال و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات اللَّه قريبا من رسول اللَّه سيّدا في أولياء اللَّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون ، حتى إذا اختار اللَّه تعالى لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلّة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفلين و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير أبلكم و أوردتموها غير شربكم ، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجراح لما يندمل ، بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين(٢) .

و روى الإسكافي منهم في نقضه ( عثمانية الجاحظ ) عن أبي رافع قال :

أتيت أبا ذر بالربذة اودّعه ، فلما أردت الانصراف قال لي و لا ناس معي :

ستكون فتنة فاتقوا اللَّه و عليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه ، فإني سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة ، و أنت الصدّيق الأكبر ، و أنت الفاروق الذي تفرّق بين الحق و الباطل ،

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٢ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ١٣ ١٤ .

١٦٥

و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين ، و أنت أخي و وزيري و خير من أترك بعدي(١) .

ثم ما قاله ابن أبي الحديد : من فتنة الحجاج و ابن الأشعث خلاف عقيدة أهل نحلته ، فإنّ عندهم كان قيام ابن الأشعث فتنة ، و أمّا الحجاج فكان عامل من بايعه جميع الناس و كان عندهم خليفة حقّا و أميرا للمؤمنين به .

و كذلك قوله « فتنة عبد الملك و ابن الزبير » غير صحيح عند أهل ملته ، فانّه عندهم كان ابتداء ابن الزبير ولي اللَّه و عبد الملك عدوّ اللَّه ، و لما غلب عبد الملك صار هو ولي اللَّه و ابن الزبير عدوّ اللَّه(٢) .

ففي ( كامل المبرد ) : خرج مصعب بن الزبير إلى باجميراء ، ثم أتى الخوارج خبر مقتله بمسكن و لم يأت المهلب و أصحابه ، فتواقفوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج : ما تقولون في المصعب ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : ضالّ مضل فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل صعب و إنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلما تواقفوا ناداهم الخوارج : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : يا أعداء اللَّه بالأمس ضال مضل و اليوم امام هدى ، يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللَّه(٣) .

و الخوارج و إن طعنوا عليهم بكون ما عليهم خلاف العقل و خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها ، إلاّ أنّه يقال لهم : إنّ ذلك لازم لكم أيضا بموافقة العامة في إمامة صديقهم و صديقه ، فلا يمكن القول بالملزوم و ترك اللازم .

____________________

( ١ ) نقض العثمانية لأبي جعفر الإسكافي : ٢٩٠ ملحقة بالعثمانية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٣ : ١١٠١ ١١٠٢ .

١٦٦

و أما قوله « إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين » فأيضا أهل ملّته غير معترفين به ، فهذا ابن عبد البر من أئمتهم قال في سعد بن أبي وقاص الذي لم يشهد الجمل و صفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام :

كان ممّن قعد و لزم بيته في الفتنة و أمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشي‏ء حتى تجتمع الامة على إمام(١) .

و قال في ترجمة ابن فاروقهم : قيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية و لم يبايع عليّا ؟ فقال : كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة و لا يمنعها من جماعة ، و لم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه(٢) .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي يصير معاوية الذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه في غير موطن و عدوّ الدين أولى بالإمامة من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي جعله اللَّه تعالى في كتابه كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله .( و أنفسنا و أنفسكم . ) (٣) و جعله النبي بمنزلة نفسه في المتواتر منه في قوله للناس : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .

لا يقال : انّما قال « من كنت مولاه فعلي مولاه » لا ما قلت قلت : ما ذكرته ان لم يكن لفظه هو معناه ، ألم يكن قال تلك الجملة بعد قوله للناس « ألست بكم أولى من أنفسكم » و قول الناس له « بلى أنت أولى بنا من أنفسنا » فهل يصير معناها غير ما قلناه .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي هو خلاف ناموس الإنسانية ، حتى ان الحجاج الذي قال عمر بن عبد العزيز الذي هو أحد خلفائهم : لو أنّ جميع الامم جاءت

____________________

( ١ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٩٥٣ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

١٦٧

يوم القيامة كلّ واحدة منهم بشرارهم و جئناهم بالحجاج لغلبنا جميعهم لم يرضه ، فقال الاسكافي أحد أئمتهم في نقض ( عثمانيته ) : امتنع ابن عمر من بيعة عليعليه‌السلام و طرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، زعم لأنّه روي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « من مات و لا إمام له مات ميتة جاهلية »(١) و حتى بلغ من احتقار الحجاج له و استرذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال : اصفق بيدك عليها قال و رواه بعضهم و زاد : و لما خرج قال الحجاج : ما أحمق هذا يترك بيعة علي و يأتيني مبايعا في ليله .

٢ الخطبة ( ٩١ ) إِنَّ اَلْفِتَنَ

إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْلَ اَلرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً أقول : رواه الثقفي في أول ( غاراته ) باسنادين عن زر بن حبيش عنهعليه‌السلام : الأول عن إسماعيل بن ابان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمرو عن ذر و الثاني عن أحمد بن عمران الأنصاري عن أبيه عن أبن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر قال : خطب عليعليه‌السلام بالنهروان إلى أن قال فقام إليه رجل آخر فقال لهعليه‌السلام : حدّثنا عن الفتن قال : ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات ، ان الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا و يخطئن اخرى(٢) .

« ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت » في ( نهاية الجزري ) : التشابه قسمان ، قسم إذا ردّ إلى المحكم يفهم معناه ، و قسم لا سبيل إلى معرفة

____________________

( ١ ) نقض العثمانية : ٣٠١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٧ .

١٦٨

حقيقته ، فالمتتبع له متتبع للفتنة ، لأنّه لا يكاد ينتهي إلى شي‏ء تسكن إليه نفسه ، و منه حديث ذكر فيه فتنة « تشبه مقبلة و تبين مدبرة » أي أنّها إذا أقبلت شبهت على القوم و أرتهم أنّهم على الحق حتى يدخلوا فيها و يركبوا منها ما لا يجوز ، فإذا أدبرت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنّه كان على الخطأ(١) .

« ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات » قد عرفت أنّ ( غارات الثقفي ) رواه « يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات » .

« يحمن حول الرياح » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « حوم الرياح » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) ، مع أنّه لا معنى لما في ( المصرية ) ، فالفتن لا يدرن حول الرياح بل يدرن حول الناس دور الرياح ، من قولهم « حام الطائر حول الشي‏ء حوما » أي دار .

« يصبن بلدا و يخطئن اخرى » أي كما أن الرياح الشديدة تصيب بلدا و تخطى‏ء بلدا كذلك الفتن يصبن بلدا فيبتلى الناس بوخامتهن و يخطئن بلدا فيسلمون منها .

٣ الحكمة ( ٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْأُمُورَ إِذَا اِشْتَبَهَتْ اُعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا كان العباسيون يدّعون إجراء العدالة إذا ظهروا إلاّ انّه كان حالهم في الآخر معلومة من أوّلها .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير للجزري ٢ : ٤٤٢ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٣٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٤٤ الخطبة ( ١٩٢ ) ، أمّا شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٨ ، بلفظ « حول » ، أما الخطبة ٧٤ بلفظ « حوم » .

١٦٩

و لما بايعت الأوس أبا بكر لئلا يصير الأمر إلى الخزرج و كانت بينهما رقابة من الجاهلية ، قال لهم المنذر بن الحباب : فعلتموها أما و اللَّه لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم و لا يسقون الماء .

و صار كما قال(١) .

٤ الحكمة ( ٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اِسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اِعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ١ ٧ ٨ : ٢٨ وَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ اَلسَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَ اَلرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَكِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ اَلذُّكُورَ وَ يَكْرَهُ اَلْإِنَاثَ وَ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ اَلْمَالِ وَ يَكْرَهُ اِنْثِلاَمَ اَلْحَالِ و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير « لا يقولن أحدكم اللّهم اني أعوذ بك من الفتنة » قال ابن بابويه في ( توحيده ) :

الفتنة على عشرة أوجه : فوجه الضلال ، و الثاني : الاختبار و هو قوله تعالى .( و فتناك فتونا ) .(٢) ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ) (٣) و الثالث : الحجّة و هو قوله تعالى( ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا

_ ___________________

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٨٦ .

( ٢ ) طه : ٤٠ .

( ٣ ) العنكبوت : ١ ٢ .

١٧٠

 و اللَّه ربنا ما كنّا مشركين ) (١) و الرابع : الشرك و هو قوله تعالى .( و الفتنة أشدّ من القتل ) .(٢) و الخامس : الكفر و هو قوله تعالى .( ألا في الفتنة سقطوا ) .(٣) و السادس : الإحراق بالنار و هو قوله تعالى( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ) . .(٤) و السابع : العذاب كقوله تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٥) ( ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ) (٦) .( و من يرد اللَّه فتنته فلن تملك له من اللَّه شيئا ) . .(٧) و الثامن : القتل كقوله تعالى .( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) .(٨) ( فما آمن لموسى إلاّ ذريّة من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم ) .(٩) و التاسع : الصدّ كقوله تعالى( و ان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك ) .(١٠) و العاشر : شدّة المحنة كقوله تعالى .( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) (١١) ، و قد زاد علي بن ابراهيم وجها آخر ، و هو المحبة كقوله تعالى .( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(١٢) و عندي أنّه المحنة بالنون لا المحبة بالباء لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « الولد مجبنة مبخلة »(١٣) .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٢٣ .

( ٢ ) البقرة : ١٩١ .

( ٣ ) التوبة : ٤٩ .

( ٤ ) البروج : ١٠ .

( ٥ ) الذاريات : ١٣ .

( ٦ ) الذاريات : ١٤ .

( ٧ ) المائدة : ٤١ .

( ٨ ) النساء : ١٠١ .

( ٩ ) يونس : ٨٣ .

( ١٠ ) الاسراء : ٧٣ .

( ١١ ) يونس : ٨٥ .

( ١٢ ) الأنفال : ٢٨ .

( ١٣ ) بحار الأنوار ١٠٤ : ٩٧ رواية ٦٠ ب ٢ .

١٧١

قلت : و المفهوم من الخليل أن الأصل في معناه الإحراق ، فقال : الفتن الإحراق(١) ، قال تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٢) ، و ورق فتين أي فضة محرقة و يقال للحرة فتين كأن حجارتها محرقة .

هذا ، و عن الأصمعي لا يقال أفتنته بل فتنته ، ورد عليه بقول أعشى همدان في سعيد بن جبير :

لئن أفتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلى كلّ مسلم(٣) و عن ام عمرو بنت الأهتم : مررنا بمجلس فيه سعيد بن جبير و نحن جوار و معنا جارية تغني بدف معها و تنشد البيت « لئن أفتنتني . » ، فقال سعيد : كذبتن كذبتن .

« لأنّه ليس أحد إلاّ و هو مشتمل على فتنة » و لو بالمال أو الولد ، و لأنّ سنته تعالى فتن عباده و لن تجد لسنته تبديلا ، قال تعالى( أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فَليعلمنَّ اللَّه الذين صدقوا و ليعلَمَنَّ الكاذبين ) (٤) .

« و لكن من استعاذ فليستعذ باللَّه من مضلاّت الفتن » كما في فتنة بني اسرائيل بالعجل الذي أضلّهم السامري به حتى تركوا هارون و أرادوا قتله .

و كما في فتنة المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل فتنة بني اسرائيل بجعل الثاني الأول عجله حتى تركوا خليفة نبيّهم و أرادوا قتله ، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم في المتواتر : لتتبعن بني إسرائيل حذوا بحذو حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

____________________

( ١ ) العين لأحمد الفراهيدي ٨ : ١٢٧ مادة ( فتن ) .

( ٢ ) الذاريات : ١٣ .

( ٣ ) العين للفراهيدي ٨ : ١٢٨ مادة ( فتن ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٢ ٣ .

١٧٢

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في قصة السقيفة فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو لضرب عنقك قال : إذن تقتلون عبد اللَّه و أخا رسوله قال عمر : أما عبد اللَّه فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه ؟ فقال : لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح و يبكي و ينادي : يابن امّ إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني إلى آخر ما ذكر(١) .

هذا ، و روى ( توحيد الصدوق ) أنّه تعالى قال : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالفقر و لو أغنيته لأفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى و لو أفقرته لأفسده ، و ان منهم لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم و لو صححت جسده لأفسده ذلك ، و إنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحّة و لو أسقمته لأفسده ، و إنّي ادبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإنّي عليم خبير(٢) .

« فإنّ اللَّه سبحانه يقول( و اعلموا أنّما أموالكم و أولادكم فتنة و أن اللَّه عنده أجر عظيم ) (٣) .

« و معنى ذلك أنّه سبحانه » سقطت كلمة « سبحانه » من ( المصرية )(٤) مع وجودها في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية )(٥) .

____________________

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٣ .

( ٢ ) التوحيد للصدوق : ٣٩٨ ح ١ .

( ٣ ) الأنفال : ٢٨ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٧٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٢٨٧ .

١٧٣

« يختبرهم » أي : يمتحنهم .

« بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه » في الأموال .

« و الراضي بقسمه » في الأولاد .

« و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم » .( فليعلمن اللَّه الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ) (١) .

« و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب » لأن الجزاء على العمل لا مجرّد النيّة و مقتضى الطوية ، و إن كان هو تعالى يثيب على مجردهما تفضلا و لا يؤاخذ على صرفهما تكرّما .

« لأنّ بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث » حتى قال تعالى( في مثلهم و إذا بُشّر أحدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم يتوارى عن القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (٢) .

قالوا : و لحب الناس الذكور و كراهتم للإناث و كان الواجب عليهم التسليم لمشيته تعالى شأنه قدّم عز و جل هبة الإناث على الذكور فقال .( يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور ) (٣) .

« و بعضهم يحبّ تثمير المال و يكره انثلام الحال » أي وقوع الخلل فيه ، قال تعالى( و إنّه لحبّ الخير لشديد ) (٤) و فسر الخير هنا بالمال .

و قال تعالى في امتحان عبيده بالمال و الولد و غيرهما( و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات

_ ___________________

( ١ ) العنكبوت : ٣ .

( ٢ ) النحل : ٥٨ ٥٩ .

( ٣ ) الشورى : ٤٩ .

( ٤ ) العاديات : ٨ .

١٧٤

 و بشّر الصابرين ) (١) .

« و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير » و لو كان قال ما روي عنهعليه‌السلام بدل ما سمع منهعليه‌السلام كان أحسن .

جعله من غريب التفسير لأنّ المتبادر من كون الأموال فتنة أنّ الانسان يطغى أن رآه استغنى ، و أنّ كثيرا من الناس يميل المال بهم إلى الشهوات كما أنّ كثيرا منهم يصعب عليهم إخراج الحقوق التي أوجب اللَّه تعالى عليهم في المال فيهلكون كما ان المتبادر من كون الأولاد فتنة أنّهم يصيرون سببا للتخلّف عن الجهاد ، و البخل عن الزكاة ، و تحصيل المال لهم من غير طريق المشروع لو ضاق عليه المشروع و لموافقة الآباء غالبا أهواء أبنائهم المهوية ، كما اتفق للزبير مع ابنه ، فقالعليه‌السلام : ما زال الزبير منّا حتى نشأ ابنه الميشوم .

و روت العامة في تفسير الآية عن بريدة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب فجاء الحسن و الحسينعليهما‌السلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران ، فنزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما فأخذهما و وضعهما في حجره على المنبر و قال : صدق اللَّه تعالى( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(٢) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما(٣) .

هذا ، و مما روي عنهعليه‌السلام من غريب التفسير غير ما مرّ أنّهعليه‌السلام قال :

الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و لو بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الآية . و اذكر ربّك إذا نسيت .(٤) .

و أنّهعليه‌السلام قال : تستحب المقاربة مع أهله ليلة أول شهر الصيام لقوله

____________________

( ١ ) البقرة : ١٥٥ .

( ٢ ) التغابن : ١٥ .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦١٦ ح ٣٧٧٤ .

( ٤ ) الكافي ٧ : ٤٤٨ الرواية ٦ ، و الآية ٢٤ من سورة الكهف .

١٧٥

تعالى( اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) . .(١) .

٥ في الخطبة ( ١٤٣ ) منها :

وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا اَلْبِدَعَ وَ اِلْزَمُوا اَلْمَهْيَعَ إِنَّ عَوَازِمَ اَلْأُمُورِ أَفْضَلُهَا إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا « و ما احدثت بدعة إلاّ ترك بها سنة » قال ابن أبي الحديد : البدعة كلّ ما لم يكن في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنها الحسن كصلاة التراويح و منها القبيح كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية و إن كانت قد تكلّفت الأعذار عنها(٢) .

قلت : صلاة التراويح أيضا من بدع ، قالعليه‌السلام ترك بها سنة ، و كيف تكون حسنة و كانت تشريعا في قبال الدين ، و إنما التشريع للَّه تعالى( ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إنّ لكم فيه لما تخيرون ) (٣) .

ما كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشرّع شيئا من قبل نفسه إلاّ بوحي منه تعالى إليه ، فكيف كان لعمر الذي أفحمته مرأة في أنفها فطس في حظره جعل الصداق أكثر من خمسمائة درهم بأنّه تعالى قال .( و آتيتم إحداهن قنطاراً ) .(٤) فقال : كل الناس أفقه من عمر .

و روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه

____________________

( ١ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) القلم : ٣٦ ٣٨ .

( ٤ ) النساء : ٢٠ .

١٧٦

ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها تفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي و قليل من شيعتي ، و اللَّه لقد أمرت أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي يا أهل الاسلام لقد غيرت سنّة عمر نهينا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و قد خفت أن يثوروا في ناحية عسكري(١) .

و روى محمد بن علي بن بابويه عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان في جماعة بدعة ، و صلاة الضحى بدعة ، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(٢) .

و روى محمد بن يعقوب الكليني : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مر برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة ، فغمز جنبه بالدرة و قال : نحرت صلاة الأوابين نحرك اللَّه(٣) .

و أما أعمال عثمان و لم قال كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية كنفيه أبا ذر و ضربه عمارا و نهبه بيت المال لأقاربه و توليته لهم حتى يصلّوا بالناس سكارى و يصلّوا الصبح أربعا و يغنوا في الصلاة و غيرها من نظائرها فشنائع ينكرها الموحد و الملحد و المسلم و الكافر .

و أما ما قاله من تكلّف الأعذار الذي نوريهم ، فالتكلّف لعدم منكرية عداوة أبي جهل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرب إلى العقول منه .

ثم جعلها في عداد البدع كصلاة التراويح في غير محله .

____________________

( ١ ) سليم بن قيس ، لا وجود له في الطبعة النجفية ، لعل المؤلف أخذه من البحار حيث ذكر المجلسي في ٩٦ : ٢٠٣ الرواية ٢١ باب ٢٤ .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٧ الرواية ١٩٦٤ باب ٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٤٥٢ رواية ٨ .

١٧٧

« فاتقوا البدع » روى ابن بابويه عن الصادقعليه‌السلام : من مشى إلى صاحب بدعة فوقرها فقد مشى في هدم الإسلام(١) .

« و الزموا المهيع » أي الطريق الواسع و هو طريق الاسلام ، قال تعالى( و إنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ) . .(٢) .

« إنّ عوازم الامور أفضلها » قال ابن أبي الحديد : عوازم ما تقادم منها من قولهم « عجوز عوزم » أي مسنّة ، و يجوز أن يكون جمع عازمة بمعنى مفعول أي معزوم عليها ، أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ، و الأول أظهر لأن في مقابلته « و ان محدثاتها » و المحدث في مقابلة القدم(٣) .

قلت : بل الظاهر أن « عوازم » محرف « قدائم » جمع قديم للتشابه الخطي بينهما ، لأن العزم في مقابل الرخصة لا المحدث ، يقال عزائم القرآن و رخصه ، ثم جمع العوزم بالعوازم كما قاله غير معلوم .

٦ الخطبة ( ٥٠ ) و من كلام لهعليه‌السلام :

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللَّهِ وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اَللَّهِ فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى اَلْمُرْتَادِينَ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا

____________________

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٥٧٢ ح ٤٩٥٧ الباب ٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

١٧٨

ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ٢ ٤ ٢١ : ١٠١ مِنَ اَللَّهِ اَلْحُسْنى‏ ٦ ٦ ٢١ : ١٠١ أقول : رواه الكليني في ( بدع كافيه ) بإسنادين عن عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أيها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اللَّه ، يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا ، فهنا لك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم منه الحسنى(١) .

و رواه في ( روضته ) مع زيادات ، فروى عن سليم بن قيس قال : خطب عليعليه‌السلام فقال : إنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم اللَّه ، يتولى فيها رجال رجالا ، إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا ، فهنا لك يستولي الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم الحسنى ، إنّي سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

كيف أنتم إذا لبستكم فتنة تربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير يجري الناس عليها و يتخذونها سنة ، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة ، و قد أتى الناس منكرا ثم تشتدّ البلية و تسبى الذريّة و تدقهم الفتنة كما تدقّ النار الحطب و كما تدقّ الرحى بثفالها ، و يتفقهون لغير اللَّه و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ناقضين بعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ٥٤ رواية ١ و أيضا ٨ : ٥٨ الرواية ٢١ .

١٧٩

و الى ما كانت في عهد رسول اللَّه لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة رسوله ، أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه و رددت فدك إلى ذريّة فاطمة و رددت صاع رسول اللَّه كما كان و أمضيت قطائع أقطعها النبي لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ و رددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد و رددت قضايا من الجور قضي بها و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم ( في الفروج و الأحكام ) و سبيت ذراري بني تغلب و رددت ما قسم من أرض خيبر و محيت دواوين العطاء و أعطيت كما كان النبي يعطي بالسوية و لم أجعلها دولة بين الأغنياء و ألقيت المساحة و سويت بين المناكح و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللَّه عز و جل و فرضه و رددته إلى ما كان عليه و سددت ما فتح من الأبواب و فتحت ما سد منه و حرمت المسح على الخفين و حددت على النبيذ و أمرت باحلال المتعتين و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخرجت من ادخل مع رسول اللَّه في مسجده ممن كان رسول اللَّه أخرجه و أدخلت من اخرج بعد رسول اللَّه و حملت الناس على حكم القرآن ( في ) الطلاق على السنّة و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و حدودها و رددت أهل نجران إلى مواضعهم و رددت سبايا فارس و سائر الامم إلى كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، إذن لتفرّقوا عني ، و اللَّه لقد أمرت الناس ألا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و لقد خفت أن

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421