القصص التربوية

القصص التربوية18%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 347785 / تحميل: 10131
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والمستفاد من خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي ثابت بن دينار عند ما قصد زيارة الحسين (عليه السّلام) قادماً من الكوفة لأواخر عهد الدولة الاُمويّة ذكر باب الحائر وكرّر لفظه، بينما ابن اُخته الحسين اقتصر على ذكر القبر دون إيراد لفظ الباب(1) .

ومن الممكن إن لم يكن يقصد بالباب حدود حومة الحائر وجود بناء على سبيل الإجمال على التربة الطاهرة، وكلاهما يصرّخان إنّهما كانا على خوف ووجل من القتل، وصرح ابن الثمالي بوجود المسلحة المطوّقة للحفرة الطاهرة من الجند الاُموي للحيلولة دون مَنْ يؤم قصده.

كان لحركة الشيعة في استعراضهم لجند الشام بعين الوردة بزعامة سليمان بن صرد الخزاعي واستماتتهم بطلب ثأر الحسين (عليه السّلام)، وإعادتهم الكرّة تحت لواء إبراهيم الأشتر، واستقصائهم للجندي الاُموي مع زعيمهم ابن زياد، مستهونين غير محتفين بكلّ ما سامهم معاوية من خطوب وخسف، وما أذاقهم من مرّ العذاب وصنوف التنكيل بغارات بسر بن أرطأة، وصلب وقتل وسمل في ولاية زياد بن أبيه وسمرة بن جندب وابن زياد، ممّا خلف أثراً عميقاً سيئاً في نفوس آل مروان ودويّاً هائلاً.

فبعد أن تسنّى لعبد الملك بن مروان وصل حلقات فترة الحكم الذي دهم دور حكم آل أمية بموت يزيد بإقصائه آل الزبير عن منصّة الحكم والإمرة، أراد أن يستأصل الثورة من جذورها؛ لذلك اتّبع سياسة القسوة والشدّة تجاه أهل العراق، وضغط ما لا مزيد عليه لمستزيد، خصوصاً في ولاية الحجاج بن يوسف.

ونهج خلفاؤه عين خططه دون أيّ شذوذ مع تصلّب بالغ؛ كابن هبيرة،

____________________

(1) يقول في خبر طويل بعد أن نزل الغاضرية وقد أدركه الليل، وهدأت العيون ونامت، أقبل بعد أن اغتسل يريد القبر الشريف يقول: حتّى إذا كنت على باب الحير... وساق في خبره وقد كرّر لفظ الباب حيث يقول بعد ذلك: فلمّا انتهيت إلى باب الحائر... (إقبال الأعمال - لابن طاووس / 28)، ومجلد المزار من بحار الأنوار 22 / 120.

٦١

وخالد بن عبد الله القسري، ويوسف بن عمر.

فترى ممّا تقدّم أنّ من المستحيل إفساحهم المجال بأن يُشيّد بناء على قبر الحسين (عليه السّلام)، ويكون موضعاً للتعظيم والتقدير؛ ممّا يتنافى وسياستهم المبنية على الكراهية لآل البيت (عليهم السّلام) والتنكيل بشيعتهم.

وإن سلّمنا بتحقق خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي على سبيل استدراك الورود لفظ الباب، من الممكن أن نقول: أي وجود بناء في الفترة بين سنة أربع وستين لإحدى وسبعين، ونلتزم بتغاضي المروانيين من التعرّض لهم، وبقائه ليوم ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي لزيارة الضريح الأقدس.

وورد خبر لا يوثق به ولا يعوّل عليه من أنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي بنى على القبر الشريف وأقام حوله قرية(2) .

وقيل: إنّ سكينة بنت الحسين (عليه السّلام) أقامت بناء على الرمس الأقدس أمد اقترانها بمصعب في ولايته للكوفة، ففي أمد الفترة لسنة ست وستين عندما أمَّ التوّابون (عند مسيرهم للتلاقي مع جند عين الوردة) التربة الزاكية، وازدحموا على القبر

____________________

(1) جاء في مزار بحار الأنوار - للمولى محمّد باقر المجلسي / 120 ما نصه: (عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين (عليه السّلام) مستخفياً من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء، فاختفيت في ناحية القرية، حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر، فلمّا دنوت منه... حتّى كاد يطلع الفجر أقبلت... فقلت له عافاك الله، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني ها هنا... وصلّيت الصبح وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام.

(2) ذكر هذا القبر صاحب كنز المصائب دون إسناد، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذا الكتاب لا يُعتمد عليه كثيراً؛ لِما حُشي متنه من الأخبار الغير واردة.

وقد ذكر هذا الخبر عند سرده لما دار بين المختار ومصعب بن الزبير، وعدد المواقع التي دارت بينهم والتي انتصر في جميعها المختار، =

٦٢

كازدحام الناس على الحجر الأسود(1) .

لم يكن حينذاك ما يظلل قبره الشريف أيّ ساتر، واستقصوا أمد البقية من الفترة، المختار بن أبي عبيدة الثقفي، ومصعب، وابن أخيه حمزة؛ فالأخبار الواردة في زيارة الحسين (عليه السّلام) عن السجّاد علي، والباقر(2) محمّد بن علي (عليه السّلام) (لكونهما قضيا حياتهما في الدولة المروانية) يشفان عن خوف ووجل.

وممّا يؤيد وجود بناء بسيط (بل له بعض الشأن) على القبر الشريف في زمن ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة للزيارة، ما جاء من الألفاظ في الزيارات الواردة عن الصادق (سلام الله عليه) لجدّه الحسين (عليه السّلام)(3) ، حيث يقول في خبر: «... بعد الغسل بحيال قبره الشريف في الفرات، فتتوجه إلى القبر حتّى تدخل الحير من جانبه الشرقي، وتقول:...، ثمّ إذا استقبلت القبر...، ثمّ اجلس عند رأسه الشريف...، ثمّ تحوّل عند رجليه...، ثمّ تحوّل عند رأس علي بن الحسين...، ثمّ تأتي قبور الشهداء»(4) .

وفي خبر المفضل بن عمر عن الصادق (سلام الله عليه): «إذا أتيت باب الحير

____________________

= وهزيمة مصعب، إلى أن تمكّن مصعب من المختار آخر الأمر.

وإذ لم ترد مثل هذه الأخبار في الكتب التأريخية - والمعروف بل المحقّق أنّه لم يكن بين المختار ومصعب من مواقف سوى ما كان بالمذار، ثمّ تحصّن المختار بقصر إمارة الكوفة إلى أن قُتل -؛ لذا قلّ الاعتماد على ما ورد في هذا الكتاب من قيام المختار بتشييد قبر الحسين (عليه السّلام)، وإن كان المحلّ مناسب لإعطاء مثل هذه النسبة له.

كيف لا وقد قام المختار بأخذ ثأر الحسين (عليه السّلام)، وقتل قاتليه وصلبهم، وأحرق بعضهم بالنار؟ فلا يبعد من أن يقوم بتشييد قبره الشريف، إلاّ أنّنا نحكم بوقوع مثل هذا الأمر وجداناً لا استناداً على ما ورد في هذا الكتاب؛ للأسباب السالفة.

(1) تاريخ الطبري 7 / 70، وكان ذلك سنة 65 هـ.

(2) مجلد المزار 22 / 110.

(3) فقد توفي الصادق (عليه السّلام) سنة 148، والثمالي توفي في زمن المنصور.

(4) مجلد المزار / 145.

٦٣

فكبر الله أربعاً، وقل:...»(1) .

وفي خبر ابن مروان عن الثمالي عند آخر فصول الزيارة يقول: ثمّ تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومئ إليهم، وتقول:...(2) .

وفي خبر صفوان الجمّال عن الصادق (عليه السّلام) يقول: «فإذا أتيت باب الحائر فقف... وقل:... ثمّ تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس، وقل:...، ثمّ اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليه السّلام) وقل:...، ثمّ توجه إلى الشهداء وقل:...»(3) .

وفي خبر آخر عن صفوان يقول: «فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل:...، ثمّ ادخل رجلك اليمنى القبر وأخّر اليسرى، ثم ادخل الحائر وقم بحذائه وقل:...»(4) . وهذا ما يدلّك على أنّ له باباً شرقيّاً وغربيّاً.

فخلاصة القول: إنّ المستفاد من هذه الزيارات هو وجود بناء ذو شأن على قبره في عصر الصادق (سلام الله عليه).

ومع هذا فقد كان الاُمويّون يقيمون على قبره المسالح لمنع الوافدين إليه من زيارته، ولم يزل القبر بعد سقوط بني اُميّة وهو بعيد عن كلّ انتهاك؛ وذلك لانشغال الخلفاء العباسيِّين بإدارة شؤون الملك، ولظهورهم بادئ الأمر مظهر القائم بإرجاع سلطة الهاشميِّين، وهو غير خفي أنّ القائمين بالدعوة كانوا من أهل خراسان، وأكثر هؤلاء إن لم نقل كلّهم كانوا من أنصار آل البيت (عليهم السّلام).

ولمّا رسخت قدم العباسيِّين في البلاد، وقمعوا الثورات جاهروا بمعاداة شيعة علي (عليه السّلام)، ولكنّها كانت خفيفة الوطأة أيام السفّاح، فتوارد الزائرون

____________________

(1) المصدر نفسه / 148.

(2) المصدر نفسه / 105.

(3) المصدر نفسه / 159.

(4) المصدر نفسه / 179.

٦٤

لقبر الحسين (عليه السّلام) من شيعته عند سنوح هذه الفرصة جهاراً، واشتدّت الوطأة أيام المنصور بوقيعته بوجوه آل الحسن(1) ، وخفّت ثانية في أيام المهدي والهادي.

فلمّا كانت أيام الرشيد(2) ، وكانت قد استقرّت الأوضاع، وثبتت دعائم الحكم، وقضت على ثورات العلويِّين بما دبّرته من طرق الغدر والخيانة، فأرغمت أنوفهم الحمية، وأخمدت نفوسهم الطاهرة، فأرادت القضاء عليهم في محو قبور أسلافهم، فسلكوا سلوك بني اُميّة؛ إذ أمر الرشيد بهدم قبره الشريف ومحو أثره، فأخذت الشيعة الوسائط بالاهتداء إلى تعيين موضع القبر، وتعيين محلّ الحفرة منها السدرة، فبلغ الرشيد ذلك فأمر بقطعها(3) ، ثمّ وضع المسالح على حدوده إلى أن انتقل إلى طوس ومات فيها.

فلم يتتبع الأمين ذلك لِما كان منشغلاً باللهو والطرب وصنوف المجون والبذل، فاغتنموا الحال وبادروا إلى تشييد قبره الشريف، وقد اتخذوا عليه بناءً عالياً.

ولمّا جاء دور المأمون وتمكّن من سرير الخلافة تنفس الشيعة الصعداء، واستنشقوا ريح الحرية، ولم يتعرّض لذلك، وكان المأمون يتظاهر بحبّه لآل البيت (عليهم السّلام) حبّاً جمّاً حتّى إنّه استعاض بلبس السواد - وهو شعار العباسيِّين - بلبس الخضرة - وهو شعار العلويِّين -، وأوصى بالخلافة من بعده لعلي الرضا

____________________

(1) مروج الذهب - للمسعودي 2 / 171.

(2) الظاهر إنّ الرشيد لم يتعرّض لقبر الحسين (عليه السّلام) إلاّ في اُخريات أيامه، ولعل سبب ذلك غضبه ممّا كان يشاهد من إقبال الناس لزيارة الحسين (عليه السّلام) وتعظيمه والسكنى بجواره، وكان قبل ذلك يجري ما أجرته أمّ موسى من الأموال على الذين يخدمون قبر الحسين في الحير. انظر الطبري 10 / 118. (عادل)

(3) روى ذلك محمّد بن الحسن الطوسي في أماليه / 206 طبع إيران، بسنده إلى جرير بن عبد الحميد، وذكر أنّه عندما سمع جرير بالخبر رفع يديه قائلاً: الله أكبر! جاءنا فيه حديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «لعن الله قاطع السدرة» ثلاثاً. فلم نقف على معناه حتّى الآن.

٦٥

ابن موسى الكاظم (عليه السّلام)، ولعل ذلك كيد منه، وكان هذا الوقوع بعد قتل أخيه الأمين، واسترضاء لمناصريه الخراسانيين.

وقد زعم البعض أنّه هو الذي شيّد قبره الشريف، وبنى عليه لهذه الفترة(1) ، وفي ورود أبي السرايا بن السري بن المنصور إلى قبر الحسين (عليه السّلام) أيام المأمون عام تسعة وتسعين بعد المئة حين قام ببيعة محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط، دليل على تشييد قبر الحسين(2) بعد مضي الرشيد إلى طوس.

وبقي الحال على هذا المنوال والشيعة في حالة حسنة حتّى قام حول قبره الشريف سوقاً، واتخذت دوراً حوله، وأخذ الشيعة بالتوافد إلى قبره للسكنى بجواره، إلى أن كان من المغنّية الشهيرة التي قصدت من سامراء في شعبان زيارة قبره الشريف، وكانت تبعث بجواريها إلى المتوكّل قبل أن يلي الخلافة يغنين له إذا شرب، وقد بعث إليها بعد استخلافه فأخبر بغيبتها، فأسرعت بالرجوع عندما أبلغها الخبر بطلب المتوكّل لها، فبعثت إليه بجارية وكان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟

قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها.

فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟

قالت: إلى قبر الحسين (عليه السّلام).

فاستطير غضباً(3) ، وفيه من بغض آل أبي طالب ما هو غني عن البيان، فبعث بالديزج بعد أن استصفى أملاك المغنّية - وكان الديزج يهودياً قد أسلم - إلى قبر الحسين (عليه السّلام)، وأمره بحرث قبره الشريف ومحوه، وهدم كلّ ما حوله من الدور والأسواق، فمضى لذلك وعمل بما أمر به، وقد حرث نحو مئتي جريب من جهات القبر، فلمّا بلغ الحفرة لم يتقدّم

____________________

(1) نزهة الحرمين - للعلاّمة السيد حسن الصدر (مخطوط) نقلاً عن تسلية المجالس.

(2) انظر مقاتل الطالبيِّين - لأبي الفرج الإصبهاني / 341 ط النجف.

(3) المصدر نفسه / 386.

٦٦

إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء عليه(1) ، فحار الماء عند حدود قبره الشريف(2) ، ثمّ وكّل به المسالح بين كلّ مسلحتين ميل، ولا يزوره أحد إلاّ وأخذوه ووجهوا به إلى المتوكّل(3) ، فحصل للشيعة من ذلك كرب عظيم لِما طرأ على قبره من الجور، ولم يعهد مثله إلى هذا الحد.

فضاق بمحمد بن الحسين الأشناني بعد طول عهده بالزيارة، فوطّن نفسه على المخاطر، وساعده رجل من العطّارين، فخرجا يمكثان النهار ويسيران الليل حتّى بلغا الغاضرية، وخرجا منها نصف الليل، فسارا بين مسلحتين وقد ناموا حتّى دنا من القبر الشريف، فخفى عليهما موضعه، فجعلا يتحرّيان موضع القبر حتّى أتياه وقد قُلع الصندوق الذي كان عليه واُحرق، وفي الموضع اللبن قد خُسف وصار الخندق، فزاراه وانكبّا عليه، وقد شمّا من القبر رائحة ما شمّا مثلها قطّ من الطيب.

فقال الأشناني للعطّار: أي رائحة هذه؟

فقال: والله ما شممت مثلها بشيء من العطر.

فودّعاه وجعلا حوله علامات في عدّة مواضع، وبعد قتل المتوكّل حضر مع بعض الطالبيِّين والشيعة فأخرجوا العلامات وأعادوا القبر إلى ما كان عليه أوّلاً.

وقد نالت الشيعة شيء من الحرية على عهد المنتصر، وكان هذا محبّاً لآل البيت (عليهم السّلام)، مقرّباً لهم، رافعاً مكانتهم، معظّماً قدرهم، ومن حسناته إليهم أنّه شيّد قبر الحسين (عليه السّلام)، ووضع ميلاً عالياً يرشد الناس إليه(4) ، وذلك في عام السابع والأربعين بعد المئتين.

ولم يُهدم بناء المنتصر ظلماً؛ لعدم تعرّض أخلافه له؛ لِما ظهر من الوهن في دولتهم، وانحلال أمرهم، وتسلّط الأتراك عليهم، وانشغالهم بأنفسهم.

وفي خلافة المسترشد ضاقت الأرض على رحبها على الشيعة؛ وذلك عندما أمر بأخذ جميع ما اجتمع من هدايا

____________________

(1) المصدر نفسه / 386.

(2) المصدر نفسه / 386.

(3) المصدر نفسه / 387.

(4) فرحة الغري - لعبد الكريم بن طاووس.

٦٧

الملوك والأمراء والوزراء والأشراف من وجوه الشيعة من الأموال والمجوهرات في خزانة الروضة المطهّرة، وأنفقه على العسكر، واعتذر بأنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة(1) ، إلاّ أنّه لم يتعرّض للبناء ولم يمسّه؛ لقصور يده، وضعف شأنه لا لشيء آخر.

وكان البناء الذي شيّد في عهد المنتصر قد سقط في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومئتين(2) ، فقام إلى تجديده محمّد بن زيد القائم بطبرستان في خلافة المعتضد بالله العباسي(3) لسنة ثلاث وثمانين ومئتين(4) ، وقد أخذ حال القبر الشريف منذ تشييد المنتصر إيّاه بالعروج إلى مدارج العمران يوماً بعد يوم حيث أمن الناس من إتيانه واتخاذ الدور عند رمسه.

وقد زار القبر عضد الدولة بن بويه سنة (370 هـ) بعد أن بالغ في تشييد الأبنية حول الضريح وزخرفتها(5) ، وكان آل بويه يناصرون الشيعة.

وقد استحفل التشيّع على عهدهم حتّى إنّ معزّ الدولة أمر سنة 352 بإقامة المآتم في عاشوراء، وكان ذلك أوّل مأتم أُقيم في بغداد.

____________________

(1) المناقب - لابن شهر آشوب، وكان ذلك سنة 511 هـ.

(2) فرحة الغري / 61.

(3) جاء في بحر الأنساب (العائد لخزانة المرحوم الشيخ عبد الحسين شيخ العراقيين الطهراني) عند ذكره لنسب المعتضد بالله العباسي بقوله: وأمر بعمارة مشهد الغري بالكوفة ومشهد كربلاء، وافتقد الخزائن بدار الخلافة، فأخرج منها ما وجده من نهب الواثق من مال مشهد الحسين بن علي (عليه السّلام) وأعاده إليه.

(4) فرحة الغري، وكان محمّد بن زيد هذا دائم التصدّق على العلويِّين في المشاهد؛ فقد بعث في خلافة المعتضد بالله اثنين وثلاثين ألف دينار لمحمد بن ورد ليفرّقها على العلويِّين. (انظر الكامل 6 / 80، والطبري 12 / 346).

(5) تسلية المجالس - لمحمد المجدي (بالفارسية)، طبع حجر.

٦٨

(وعندما عفا عضد الدولة عن عمران بن شاهين البطائحي بنى الرواق المشهور برواق عمران بن شاهين في المشهدين الشريفين الغروي والحائري (على مشرفهما السّلام»(1) .

وفي سنة سبع وأربعمئة هجـ احترق الحرم الشريف إثر اندلاع حريق عظيم كان سببه إشعال شمعتين كبيرتين سقطتا في الليل على التأزير واحترق، وتعدّت النار بعد الحرق القبة إلى الأروقة(2) ، فكان البناء على القبر الشريف بعد وقوع هذا الحريق ما وصفه الطنجي في رحلته، إلاّ أنّي لم أقف على خبر مَنْ شيّد هذا البناء، وفي أيّ تاريخ كان ذلك(3) ، ولعله كان قد تبقى شيء من البناء الذي

____________________

(1) فرحة الغري / 67.

(2) الكامل - لابن الأثير 9 / 110 ط ليدن، و7 / 295 من ط القاهرة، والمنتظم - لابن الجوزي 7 / 283، البداية - لابن كثير 12 / 4، والنجوم الزاهرة - لابن تغري بردى 4 / 241.

(3) ذكر كلّ من العلاّمة السيد حسن الصدر الكاظمي في نزهة الحرمين / 35، والعلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 4 / 302، ومن أخذ عنهما، أنّ أبا محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان وزير سلطان الدولة البويهي هو الذي جدّد بناء الحائر بعد وقوع هذا الحريق، لكن المصادر التي عوّلوا عليها لم تنسب إلى ابن سهلان هذا سوى بناء سور الحائر وليس تجديد بنائه، كما في المنتظم 7 / 283، والبداية والنهاية 12 / 16، ومجالس المؤمنين / 211، والنجوم الزاهرة 4 / 259.

هذا فضلاً عن أنّ ابن سهلان بدأ ببناء سور الحائر في سنة 400 هـ، أيّ قبل وقوع الحريق بسبعة أعوام، وهي نفس السنة التي أمر ببناء سور على مشهد أمير المؤمنين(عليه السّلام). (الكامل 7 / 249. ط القاهرة).

فقد ورد في المنتظم 7 / 246: وفي جمادى الأولى (سنة 400 هجـ) بدأ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحبّ أن يؤثر فيه مؤثراً، ثمّ ما نذر لأجله أن يعمل عليه سوراً حصيناً مانعاً؛ لكثرة مَنْ يطرق الموضع من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر، ففعل وعمل السور، وأحكم وعرض، ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمّم وفرغ منه، وتحسّن المشهد به، وحسن الأثر فيه. (عادل).

٦٩

شيّده عضد الدولة، إلى أن شيّد عليه البناء الموجود اليوم على القبر الشريف، أو إنّه قد جدّده بعد الحريق أخلاف عضد الدولة؛ إذ كانت دولتهم قائمة عند وقوع الحريق.

هذا وكان إكمال بناء الحرم في سنة سبع وستين وسبعمئة، وقد أمر بتشييده السلطان أويس الإيلكاني، وأتمّه وأكمله ولده السلطان حسين(1) .

____________________

(1) زينة المجالس - لمحمد المجدي (مخطوط) باللغة الفارسية / 84، والمجدي من معاصري الشيخ البهائي، وقد صنّف كتابه هذا سنة 1004 هجـ، فقد جاء فيه: إلى أن أمر السلطان أويس الإيلكاني، وابنه السلطان حسين ببناء عمارة عالية.

وللسيد المؤلّف (عبد الحسين) ملاحظة مهمة في هذا الخصوص، خطر لي أن أثبتها هنا، يقول: ذكر سماحة السيد محسن الأمين العاملي في المجلد 3 / 593، من أعيان الشيعة، قال فضيلته عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلّي المجاور بالنجف الأشرف، في نسخته المخطوطة في خزانة العلوية الذي تمّت كتابته في محرّم سنة 755 هجـ، قال: (في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية (صلوات الله على مشرّفها)، وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760 سبعمئة وستون). انتهى.

أقول: هذا الحريق هو الذي ذكره ابن مهنا الداودي في العمدة / 5، ولكنّه لم يذكر اسم المجدّد للبناء الذي شيّد على الروضة المطهّرة الحيدرية، حيث المدّة تقارب زمن البناء الذي قام به السلطان أويس، وولده السلطان حسين الإيلكانية في سنة (767) على قبر الحسين (سلام الله عليه) الموجود اليوم على الروضة الطاهرة.

من المقتضي أن يكون السلطان حسين الإيلكاني هو منفرداً أقام البناء على الروضة الطاهرة الحيدرية، وبالخاصة لموقع قبورهم التي ظهرت في سنة الخامس عشر بعد الثلاثمئة والألف هـ وسط الصحن الشريف ما يلي باب الطوسي، أحد أبواب الصحن الشريف، في القسم الشمالي من الروضة الزاكية؛ إذ ظهر سرب فيه ثلاثة قبور على أحدهم في القاشاني مرقوم (توفي الشاهزاده الأعظم معزّ الدين عبد الواسع في 15 جمادى الأوّل سنة 790)، وعلى لوح القبر الثاني (هذا ضريح الطفل الصغير سلالة السلاطين الشاهزادة ابن الشيخ أويس (طاب ثراه). توفي يوم الأربعاء حادي عشر محرّم الحرام سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة).

وعلى لوح القبر الثالث (هذا قبر الشاهزادة سلطان بايزيد (طاب ثراه). توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة هلالية)، وعلى قبر آخر (هذا قبر المرحومة السعيدة بايندة السلطان).

وقد ابتدأ حكم الأسرة الإيلكانية الجلائرية في بغداد وآذربايجان بعد موت أبي سعيد بن أولجياتو محمّد خدابنده بقليل بالشيخ حسن الكبير، تقريباً بين سنة تسع وثلاثين وسبعمئة، أو سنة الأربعون، وكانت وفاته سنة 757 هـ، ثمّ تلاه في الحكم ولده السلطان أويس سنة 757 هـ، وتوفي سنة 776 هـ، ثمّ تلاه ولده السلطان حسين من سنة 776 هـ، إلى أن توفي في سنة 784 هـ، ثمّ تلا السلطان حسين أخوه السلطان أحمد الجلائري ابن أويس، إلى أن قُتل في تبريز بين سنة ثلاث عشرة وثمانمئة وأربع عشرة، وبه تقريباً انتهت أيامهم.

٧٠

وكان تاريخ هذا البناء موجوداً فوق المحراب الذي موضعه اليوم الرخام المنعوت بنخل مريم(1) فيما يلي الرأس الشريف، وقد شاهد ذلك التأريخ بنفسه محمّد بن سليمان بن زوير السليماني، وذكره في كتابه المسمّى بـ (الكشكول).

وقد كان إنزال هذا التاريخ سنة السادس عشر بعد المئتين والألف (1216)، ومن موضعه، عند عمل المرايا والتزيينات للحرم الشريف بأمر محمّد علي خان القواينلو كما تشير إلى ذلك الكتابة

____________________

(1) جاء في كتاب (دلائل الدين) تأليف عبد الله ابن الحاج هادي ما ترجمته: روى عن السجّاد (عليه السّلام): أنّ الله تعالى ذكر في القرآن أنّ السيدة مريم (عليها السّلام) عندما أرادت أن تلد ابنها المسيح ابتعدت عن قومها، وذهبت إلى كربلاء - بصورة معجزة - بجنب نهر الفرات، وقد ولد المسيح قرب مكان ضريح الحسين (عليه السّلام)، وفي نفس الليلة عادت السيدة مريم إلى دمشق.

ومصداق هذا الخبر ما ورد عن الباقر (عليه السّلام) - على ما أتذكر - أنّ صخرة على مقربة من قبر الحسين نُصبت في الحائط قد أجمع ساكنوا هذا المقام على أنّ الرأس الشريف قد حزّ على هذه الصخرة، ويقولون أنّ المسيح قد ولد على نفس تلك الصخرة أيضاً.

٧١

الموجودة في أعلى الباب الثالث من أبواب الحرّم المقابل للشبكة المباركة: (واقفه محمّد علي خان القواينلو سنة 1216) هـ.

وكذلك هذا التأريخ موجود بعينه في الكُتيبة القرآنية داخل القبّة على الضريح المقدّس، وفي سنة 920 هـ أهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقاً(1) إلى القبر الشريف،

____________________

(1) عندما دخل الشاه إسماعيل الصفوي الأوّل - مؤسس الدولة الصفوية في إيران والذي يرتقي نسبه إلى الإمام السابع موسى بن جعفر (عليه السّلام) - بغداد فاتحاً سنة 914 هـ كان همّه الأول هو التبرّك بزيارة أجداده الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، فقصد زيارة مرقد الحسين (عليه السّلام)، وعمل ثوباً حريرياً لقبره الشريف، وعلّق اثنى عشر قنديلاً من الذهب أطراف القبر، وفرش تلك الحضيرة القدسية بالبسط، وجلّله بأنواع الحرير والإستبرق، وبذل الأموال الكثيرة لللائذين بقبره الشريف، ثمّ خرج قاصداً النجف الأشرف. (وقد ترجم النص المتقدّم العلاّمة المؤلّف عن (حبيب السير) لخواند مير بالفارسية - مخطوط في 3 مجلدات في مكتبة المؤلّف سنة 1008 هـ).

وقد جاء أيضاً في (عالم آراى عباسي) لإسكندر منشي جـ 2 عن زيارة هذا الشاه ما ترجمته: توجه الشاه من بغداد إلى تربة كربلاء بعد إخلاص النيّة، وتشرّف بزيارة مرقد الحسين المنوّر وشهداء كربلاء، وقد زيّن الروضة وأنعم على المجاورين، ثمّ توجه من هناك إلى زيارة علي المرتضى (عليه السّلام) عن طريق الحلّة. راجع أيضاً فارسنامه ناصري 1 / 93.

وزار كربلاء أيضاً الشاه عباس الأول الصفوي، فقد جاء في فارسنامه ناصري ما ترجمته: غادر الشاه عباس الأول الصفوي أصفهان في سنة 1033 هجري متجهاً نحو بغداد، وفي غرّة ربيع الأوّل من نفس السنة دخل بغداد فاتحاً...، ثمّ توجه إلى النجف الأشرف في محرّم الحرام، وعلى بعد (30) كيلو متر ترجّل عن فرسه وخلع نعله، وأنعم على كافة سكنة النجف، وتوجه بعد ذلك مسروراً فرحاً إلى زيارة كربلاء وطاف بالبقعة الطاهرة، ثمّ أقفل راجعاً إلى بغداد وزار الإمامين الكاظمين وسامراء.

وفي ربيع هذه السنة أعاد الكرّة لزيارة كربلاء والنجف الأشرف، وقبل أعتاب هاتين الحضرتين أدّى لوازم الزيارة، وأهدى من الصناديق القيمة والطنافس الحريرية المطرّزة والديباج الشيء الكثير، ورجع مقفلاً إلى بغداد، وأعاد الزيارة مرّة أخرى إلى الروضة الحسينيّة.

وانظر أيضاً =

٧٢

ولم يرد ما يهمّ خبره من أخلافه الصفوية إلاّ الإقدام بأمور طفيفة لا مجال لذكرها، إلاّ أنّه بلغني - ولم أتثبّت من ذلك أنّ الشاه سليمان الصفوي قام ببناء القسم الشمالي من الصحن المطهّر، والإيوان الكبير الذي فيه المسمّى (بصافي صفا) نسبة إلى الصفويِّين، وليس اليوم في هذا الإيوان دليل على ذلك سوى إنّ الكاشي المعرّق الموجود في سقف هذا الإيوان، والزخارف المعمولة من البورق فيه يستدل منها أنّ بناء هذه الجهة أقدم بناء من الجهات الثلاث للصحن الشريف، فضلاً عن أنّ نقوش الكاشي المعرّق وصنعتها تشبه إلى حدّ كبير نقوش الكاشي المعرّق الموجود في روضة الجوادين (سلام الله عليهما)، وحرم حضرة الرضا (عليه السّلام)، ومقبرة خواجه ربيع، والقدم كاه.

وقد كان في حواشي الكاشي المعرّق الموجود في جنبتي هذا الإيوان - الشرقي والغربي - كُتيبة تنص على اسم الباني وتأريخ بنائه، ولكن مع مرور الزمن تلف واندرس أثره، ومع شديد الأسف لم يسعَ أحد بعد

____________________

= عالم آراي عباسي، وهناك مصدر لا بدّ من الإشارة إليه في هذا الخصوص هو (تاريخ دهامر الألماني) الذي تُرجم من اللغة الفرنسية إلى الفارسية باسم: سلطان التواريخ، في تاريخ سلاطين آل عثمان، يقع في ثلاث مجلدات ضخام، تحتوي على 72 باباً، ينتهي به مؤلفه إلى آخر عهد عبد الحميد الأول العثماني، بعد حرب الروس والأتراك وعقد معاهدة (كنارجة).

وفي سنة 1034 هـ أعاد السلطان مراد الرابع العثماني العراق إلى حوزة دولته، وفي 27 جمادى الأولى سنة 1039 هـ احتل بغداد مرّة أخرى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول، وزار كربلاء في سنة 1048 هـ في يوم عيد، فقبّل أعتاب ضريح سيد الشهداء وأخيه العباس بعد أن أنذر النذور، وأكرم ذوي الحاجة. (روضة الصفاي ناصري المجلد الثامن).

وفي سنة 1156 هـ توجه نادر شاه من النجف الأشرف إلى تقبيل أعتاب الحسين (عليه السّلام) الذي حرمه مطاف ملائكة الرحمن، وقدّمت زوجته رضية سلطان بيكم كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي عشرين ألف نادري لتعمير جامع الحرم الشريف (التاريخ النادري).

٧٣

ذلك لإرجاع هذا النص التأريخي المهم إلى موضعه.

وعندما أرادوا دفن ميرزا موسى الوزير فيه(1) عملوا موضعية الكُتيبة

____________________

(1) وقد شيّد هذا الإيوان الكبير في سنة 1281 هـ من قبل المرحوم ميرزا موسى وزير طهران، لتكون مقبرة له ولعائلته، وقد جدّد المرايا والكُتيبة القرآنية، وزوّق جدرانها الداخلية بالكاشي النفيس.

وقد نظم الشاعر (قلزم) الذي كان من الشعراء الشهيرين في تلك الفترة، هذه القصيدة بالمناسبة:

اي نمودار حريمت حرم عرش برين

ظـل دركـاهت خـركه زده بر عليين

قـدسيان بسته بفرمان تو از عرش كمر

آسمان سوده در ايوان تو بر فرش جبين

بـوده دارلـت شـاهنشه اقـليم شهود

بـيشكا رانـت فـرمان ده سرحد يقين

ظل خركاه تو را قبله كند روح القدس

خاك دركاه تو را سجده برد حور العين

از ازل تـاج شـهادة جه نهادي بر سر

شـد ترا ملك شفاعت همه در زير نكين

از بـهاي كـهر باك تو اين توده خاك

كعبه دين شود وشد سجده كه أهل زمين

إلى أن يقول:

قـصة طـور كـليم الله فاخلع نعليك

هـمه از خاك درت مظهر آيات مبين

عكس از شمسه ايوان تو شد شمس فلك

بر تو اوبر همه كون مكان كشت مكين

سـاكـنان حـرم وجـلال مـلكوت

هـه بـرخاك رهـت بايد خاك نشين

=

٧٤

الموجودة اليوم من المرايا، رُقمت بهذه الآية:( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً

____________________

=

بـهر فـراشي حجابت هر شام وسحر

قيصر أز روم كمر بندى وفقفور أز جين

إلى أن يقول:

اين هـمان وادى دوروا تـش شـوق

صـه جـه موسى باميد قبسي خاك نشين

انـدرين عـهد هـمايون از فـو ظـفر

رايـت دولـت اسـلام بر از جرخ برين

شـاه شـاهان جهان ظل خدا كهف زمان

خـسرو مـلك مـلل بـادشاه دولت ودين

شـهـر بـازيكه زأواز كـوي سـخطش

تـااب درشـده در جـحمه كـوه طـنين

مـير فـرخنده نـزادى زد راوكـه بـود

افـتـاب فـلك ورفـعت كـوه وتـمكين

داشـت جـون كوهري آراسته نور صفا

كـرد ايـن صـفه ايـوان صفارا ترين

دولت نـاصرى وسـعى امـام مـلت

أنـدرين عـهد بـود مـحيي آثار جنين

افـتـخار فـضلا قـبله أربـاب فـلاح

بـيشواى دو جـهان بـادشاه شرع مبين

انـكه از بـندكي صـاحب روضـه باك

شـده بـرخا جـكي علم ازل صدر تشين

جون زفيض كف موسى شد اين طور صفا

..........................................

كـلك قـلزم بي تاريخ سخنور شده وكفت

بـا كـف مـوسى آراسـته طـور سنين

٧٥

وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ... ) .

هذا وقام السلطان مراد الرابع العثماني سنة ثمان وأربعين وألف بتعمير وتجديد القبّة السامية، وجصّصها من الخارج(1) .

وفي سنة 1135 هـ نهضت زوجة نادر شاه وكريمة حسين الصفوي إلى تعمير المسجد المطهّر، وأنفقت على ذلك عشرين ألف نادري.

وقام أغا محمّد خان (الخصي) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبّة السامية للسنة السابعة بعد المئتين والألف الهجرية(2) .

وقد نظم بهذه المناسبة الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر، مؤرّخاً هذا التذهيب بقوله:

كلك صباحي از اين تاريخ أونوشت

در كبند حسين علي زيب بافت زر

1207 هـ

____________________

(1) لم نعثر على مصدر هذا الخبر، ولكنّه قد جاء في كلشن خلفاء (ص 102 وجه) لنظمي زاده بالتركية: أنّ الوالي علي باشا الوند زادة، بأمر من السلطان مراد الثالث العثماني قد جدّد بناء جامع الحسين وقبّته المنوّرة، وذلك سنة 984 هـ.

وقد أرّخ هذا البناء أحد الشعراء المشهورين بأبيات مطلعها:

بـحمد الله كه از عون الهي

نـموده خـدمت شاه شهيدان

شه كشور ستان خاقان اعظم

مـراد بن سليم ابن سليمان

وقد وهم الأستاذ حسن الكليدار في كتابه (مدينة الحسين / 38) إذ ذكر أنّ هذه الأبيات قد قيلت بمناسبة تشييد القبّة من قبل مراد الرابع العثماني، إلاّ أنّ الصحيح ما ذكرناه. (عادل)

(2) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ - للسان الملك سبيهر / 33 سنة 1206 هـ.

٧٦

وفي أوائل القرن التاسع عشر (1214هـ) أهدى فتح علي شاه القاجاري - أحد ملوك إيران - شبكة فضية(1) ، وهي إلى اليوم موجودة على القبر الشريف، وحوالي هذا التاريخ أمرت زوجته بتذهيب المأذنتين حتّى حدّ الحوض.

وفي سنة 1259 هـ قام محمّد علي شاه - ملك أود - سلطان الهند بتذهيب الإيوان الشريف وصياغة بابه بالفضة.

ويوجد اليوم على الفردة اليمنى من باب الفضة في إيوان الذهب: (هو الله الموفّق المستعان، قد أمر بصنع هذا الباب المفتوح لرحمة الملك المنان، وبإتمام تذهب هذا الإيوان الذي هو مختلف ملائكة الرحمن، وبحفر الحسينيّة وبناء قناطرها التي هي معبر أهل الجنان).

وعلى الفردة الثانية، الجانب الأيسر تتمته: (وتعمير بقعة قدوة الناس مولانا وسيدنا أبو الفضل العباس، السلطان ابن السلطان، والخاقان ابن الخاقان، السلطان الأعظم والخاقان الأكرم، سلطان الهند، محمّد على شاه (تغمّده الله بغفرانه، وأسكنه فسيح جناته)، وكان ذلك في سنة 1259 هـ ألف ومئتين وتسعة وخمسين).

وقام بعد ذلك أمراء الأكراد البختيارية إلى تزيين المسجد والأروقة، وقد وسع الضلع الغربي من الصحن الشريف، وجدّد بناءه المتغمّد برحمته المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني(2) (شيخ العراقين) من قبل شاه

____________________

(1) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ / 63.

(2) جاء في مستدرك الوسائل - للعلاّمة النوري 3 / 397 في ترجمة الشيخ عبد الحسين الطهراني: (شيخي وأستاذي ومَنْ إليه في العلوم الشرعية استنادي، أفقه الفقهاء، وأفضل العلماء، العالم الرباني، الشيخ عبد الحسين الطهراني... حتّى يقول: وجاهد في الله في محو صولة المبتدعين، وأقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات، وبالغ مجهوده في عمارة القباب الساميات).

وقد توفي في الكاظمية في 22 شهر رمضان سنة 1286 هـ، ونُقل إلى كربلاء، ودُفن في إحدى حجرات الصحن الحسيني.

٧٧

إيران ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1275 هـ، وشيّد إيوانه الكبير وحجر جهتيه.

وقد أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر الكبير مؤرّخاً لهذا البناء بالفارسية يقول:

بـنائي ناصر الدين شاه بنا كرد

زخـاك أوست بائين كاخ خضرا

نه صحن وكنبدي جرخي مكوكب

زنـور أو مـنور روي غـبرا

بـراي كـشوار عـرش يـعني

حـسين بـن عـلي دلبند زهرا

بـناي سـال أو جابر همي كوي

أز ايوان شـكست كـسرى

بكو تأريخ ايوانش مؤرخ 1275 هـ

وله تأريخ بالعربية:

لـله إيوانٌ سما رفعةً

فطاول العرشَ به الفرشُ

قال لسانُ الغيب تأريخه

أنت لأملاك السما عرشُ

ولم يحدث بعد ذلك ما يهمّ ذكره سوى ما جدّدت إنشاءه إدارة الأوقاف في العهد الأخير، في القسم الغربي من الصحن؛ لظهور الصدع فيه.

وفي المشهد الحسيني عدّة نقوش وكتابات تدلّ على تواريخ إصلاحه والزيارات فيه؛ ففي أعلى عمود وسط الضلع الجنوبي من شبكة الفولاد المنصوبة على قبر الحسين (عليه السّلام) ما يقابل الوجه الشريف، هذه العبارة: (مَنْ بكى وتباكى على الحسين فله الجنّة صدق الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنة 1185 هـ).

وما يقابل الزوايا الأربعة من القبر الشريف عبارة: (واقفه الموفّق بتوفيقات الدارين، ابن محمّد تقي خان اليزدي محمّد حسين سنة 1222 هـ).

٧٨

ويوجد في الإيوان الخارج من جدار الرواق الغربي المقابل للشبكة المباركة في الكاشي، فوق الشباك: (عمل أوسته أحمد المعمار سنة 1296 هـ).

ويستفاد من أبيات منظومة بالفارسية فوق شباك المقبرة الشمالية المقابلة للضريح أنّه بمباشرة الحاج عبد الله ابن القوام على نفقة الحاج محمّد صادق التاجر الشيرازي الأصفهاني الأصل، قد قام بتكميل تعمير سرداب الصحن الحسيني، وتطبيق الأروقة الثلاثة الشرقي والشمالي والغربي بالكاشي في سنة ألف وثلاثمئة الهجرية.

إيضاح ما يوجد في خارطة كربلاء من المواقع

أنهار كربلاء

(النهرين): فرعان يشتقان من عمود الفرات، ويتصلان ببعضهما في قرية نينوى في جوار الحاير الحسيني، ويتجهان إلى الشمال الشرقي إلى الكوفة معاً على سبيل توحيد وتفرد؛ وللفارق يعرفان بنهري كربلاء، يتوضّح على ضوء ما سرده أبو الفرج في المقاتل(1) ، ونورد بين قوسين ما تفرّد بإيراده صاحب الدرّ النظيم(2) :

قال أبو الفرج: لمّا قُتل زيد بن علي دفنه ابنه يحيى، تفرّق عنه الناس ولم يبقَ معه إلاّ عشرة نفر. قال سلمة بن ثابت: قلت له: أين تريد؟

قال: أريد النهرين. ومعه الصياد العبدي.

قلت: إن كنت تريد النهرين فقاتل ها هنا حتّى تُقتل.

قال: اُريد نهري كربلاء (وظننت أنّه يريد أن يتشطط الفرات)، فقلت له: النجاء قبل الصبح. فخرجنا فلمّا

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 61 ط القاهرة.

(2) الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم - لجمال الدين الشامي جـ 2 خط.

٧٩

جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان، فخرجنا مسرعين، فكلّما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعموني الأرغفة، فأطعمه إيّاها وأصحابي حتّى أتينا نينوى، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى، ومضى سابق إلى الفيوم فأقام به.

(فلمّا خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذنين فصلّينا الغداة بالنخيلة، ثمّ توجهنا سراعاً قبل نينوى، فقال: اُريد سابقاً مولى بشر بن عبد الملك. فأسرع السير إلى أن انتهينا إلى نينوى وقد أظلمتنا، فأتينا منزل سابق فاستخففت الباب فخرج إلينا).

وذكر ابن كثير في البداية(1) عن محمّد بن عمرو بن الحسن قال: كنّا مع الحسين بنهري كربلاء. وأورد ابن شهر آشوب في المناقب: مضى الحسين قتيلاً يوم عاشوراء بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين(2) .

قال الطبري(3) بعد مهادنة أهل الحيرة لخالد بن الوليد في مفتتح الفتح، وخضوع الدهاقين لأداء جزية وضريبة، وزع بينهم العمال؛ ولتمهيد الأمن أقام مخافر عهد بعمالة النهرين إلى بشر بن الخصاصية، فاتخذ بشر الكويفة ببابنورا قاعدة لعمالته.

وذكر عند حوادث سنة 278 هـ(4) ابتداء أمر القرامطة: وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة، فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من خوزستان، ومقامه بموضع يُقال له: النهرين، يظهر الزهد والتقشّف، ويسفّ الخوص ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة.

إذا قعد إليه إنسان ذكّره أمر الدين، وزهده في الدنيا، وأعلمه أنّ الصلاة المفروضة

____________________

(1) ج 8 / 188.

(2) المناقب 4 / 83، ط بمبي.

(3) ج 4 / 17، ط ليدن.

(4) ج 8 / 159، ط الاستقامة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

إنَّما اللَّوْمُ لَوْمُ الجاهليَّةِ

كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة يكتب إليه ما يَحدث فيها، فكتب له يوماً أنَّ علي بن الحسين (عليه السلام) أعتق جارية له ثمَّ تزوَّجها.

فكتب عبد الملك إلى علي بن الحسين (عليه السلام):

أمَّا بعد: فقد بلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنَّه كان في أكفائك مِن قريش مَن تُمجَّد به في الصهر، وتستنجبه في الوُلد، فلا لنفسك نظرت ولا على وُلدك أبقيت والسَّلام.

فكتب إليه الإمام عليُّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام):

(أمّا بعد: فقد بلغني كتابك تعنفني بتزويجي مولاتي، وتزعم أنَّه قد كان في نساء قريش مَن أتمجَّد به في الصهر، وأستنجبه في الوُلد، وإنَّه ليس فوق رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُرتقى في مَجد ولا مُستزاد في كرم، وإنَّما كانت مِلك يميني ثمَّ خرجت مِن مِلكي، فأراد الله عَزَّ وجَلَّ أمراً ألتمس به ثوابه فارتجعتها على سُنَّته، ومَن كان زكيَّاً في دين الله فليس يُخلُّ به شيء مِن أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمَّم به النقيصة، وأذهب اللوم، فلا لَوْمَ على امرِئٍ مُسْلِمٍ، إنَّما اللَّوْمُ لَوْمُ الجاهليَّةِ والسَّلام).

فلمَّا قرأ الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان فقرأه، فقال: يا أمير المؤمنين، لشدَّ ما فخر عليك عليُّ بن الحسين!! فقال: يا بُنيَّ، لا تقل ذلك، فإنَّها ألسُن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف مِن بحر، إنَّ عليَّ بن الحسين (عليه السلام) - يا بني - يرتفع مِن حيث يتَّضع الناس (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢٠١

العَدل أساس المُلك

لّمَا صارَ محمد (صلى الله عليه وآله) ابْنَ سَبْعِ سِنينَ قالَ لأُمَّهِ حَليمَةَ: (يا أُمِّي، أَيْنَ إخْوَتي؟).

قالتْ: يا بُنيّ إنَّهُمْ يَرْعَوْنَ الغَنَمَ التي رَزَقَنا الله إيَّاها بِبَرَكَتِكَ.

قالَ: (يا أُمّاهُ، ما أَنْصَفْتِني!).

قالَتْ: كَيْفَ ذلِكَ يا وَلَدي؟!

قالَ: (أكُونُ أَنا في الظِّلِّ وإخْوَتي في الشَّمْسِ والْحَرِّ الشّديدِ وأنا أَشْرِبُ مِنها اللَّبَنَ!).

الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان وهو في سِنِّ السابعة يتحدَّث مع مُرضعته عن الإنصاف داخل مُحيط الأُسرة الصغير، ويُنمِّي في عقله الفتيِّ مفهوم العدل والإنصاف، وعندما بلغ (صلى الله عليه وآله) وشَبَّ ترسَّخ هذا المفهوم في ذهنه أكثر، وعمد إلى نقل هذا المفهوم مِن مُحيط الأُسرة المحدود وتطبيقه على مُحيط مدينة مَكَّة الواسع، فاجتمع (صلى الله عليه وآله) مع مجموعة مِن كِبار رجال العرب في حِلف سُمِّيَ بـ: (حلف الفضول) وذلك بهدف تحقيق العدالة وتطبيق العدل الاجتماعي، فتحالف معهم دفاعاً عن حقوق الناس، وكان ما كان كما نقله لنا التاريخ.

كان نفر مِن جُرْهم وقطوراء يُقال لهم: الفضيل بن الحارث الجُرهمي، والفضيل بن وداعة القطوريِّ، والمفضل بن فضالة الجرهمي اجتمعوا فتحالفوا أنْ لا يُقرُّوا ببطن مَكَّة ظالماً، وقالوا: لا ينبغي إلاَّ ذلك؛ لما عَظَّم الله مِن حَقَّها، فقال عمر بن عوف الجُرهمي:

إنَّ الفُضول تحالفوا وتعاقدوا

ألا يَـقرَّ بـبطن مَكَّة ظالم

أمـرٌ عليه تعاهدوا وتواثقوا

فـالجار والمعترُّ فيهم سالم

٢٠٢

ثمَّ درس ذلك، فلم يبق إلاَّ ذِكره في قريش.

ثمَّ إنَّ قبائل مِن قريش تداعت إلى ذلك الحلف، فتلاقوا في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وسِنِّه، وكانوا بني هاشم وبني عبد المُطَّلب وبني أسد بن عبد العِزَّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مُرَّة، فتحالفوا وتعاقدوا أنْ لا يجدوا بمَكَّة مظلوماً مِن أهلها أو مِن غيرهم مِن سائر الناس، إلاّ قاموا معه وكانوا على ظلمه حتَّى تُردُّ عليه مظلمته، فسَّمت قريش ذلك الحِلف حِلف الفُضول.

كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتجنَّب في فترة شبابه الاختلاط في ذلك العصر الجاهلي قدر الإمكان، ويمتنع عن مُجالستهم، لكنَّه (صلى الله عليه وآله) شارك في هذا الحِلف بكلِّ سرور ورَحابة صدرٍ، وتعاون مع الأشخاص الذين تعاهدوا وتواثقوا على بَسط العدل؛ لأنَّ هذا الحِلف جاء مُطابقاً لمرامه وطباعه (صلى الله عليه وآله) ونفسِهِ التَّوَّاقةِ للعدل.

فالذي يُفكِّر بالعدل مُنذ طفولته، ويتحدَّث عن الإنصاف مع مُرضعته وهو ابن سبع سنين، لا بُدَّ أنْ يترسَّخ هذا المفهوم في نفسه أكثر عندما يُصبح شابَّاً. وكان لا بُدَّ للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنْ يستفيد مِن كلِّ فُرصة تُسنح له، ويلجأ إلى اتِّباع شتَّى الأساليب لتطبيق العدل الاجتماعي، الذي يُشكِّل هدفاً مُقدَّساً بالنسبة له (صلى الله عليه وآله). وفعلاً حانت الفُرصة المُنتظرة، عندما قرَّر عدد مِن كبار رجال مَكَّة بذل ما بوسعهم لتطبيق العدل ووضع حَدٍّ للظلم والجور، فاغتنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُعلناً استعداده للتعاون معهم والانضمام للحٍلف، فكان ما كان.

وقد دعا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الناس قاطبة إلى العدل مُنذ بُعِث نَبيَّاً. وقد تخطَّت دعوته حدود مَكَّة وبلاد الحِجاز، وكان لها صدى واسع في جميع أنحاء المعمورة. ولم تَغِب ذِكرى حِلف الفضول عن بال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يتذكَّرها، فيسعد ويفخر بها.

٢٠٣

فَقَالَ حِينَ أَرْسَلَهُ الله تعالى: (لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ عُمومَتي حِلْفاً في دارِ عَبْدِ الله بنِ جَدْعانَ، ما أُحِبُّ أنَّ لي بهِ حُمْرَ النَّعّمِ، ولّو دُعِيتُ بهِ في الإسْلام لأَجَّبْتُ).

لا أحد يعلم - على وجه التحديد - كمْ مَرَّة نجح حِلف الفضول مُنذ قيامه في إحقاق الحَقِّ وبسط العدل بين الناس، ولكنْ هناك حالتان نوردهما بإيجاز حسبما وردت في التواريخ.

السبب في هذا الحِلف والحامل عليه أنَّ رجلاً مِن زبيد قدم مَكَّة ببِضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل، وكان مِن أهل الشرف والقَدر بمَكَّة، فحبس عنه حقَّه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف: عبد الدار، ومخزوماً وجمح، وسهماً، وعدي بن كعب فأبوا أنْ يُعينوا على العاص وانتهروه - أيْ الزبيدي - فلمَّا رأى الزبيدي الشرَّ رقي على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فقال بأعلى صوته:

يـا آل فِـهرٍ لمَظلوم بضاعته

بـبطن مَكَّة نائي الدهر والقَفر

ومُحرم أشعث لم يقض عمرته

يا للرجال وبين الحِجر والحِجر

إنَّ الـحرام لمَن تمَّت مكارمه

ولا حـرام لثواب الفاجِر الغَدر

والحرام بمعنى الاحترام؛ فقام في ذلك الزبير بن عبد المُطَّلب مع عبد الله بن جدعان، واجتمع إليه مَن تقدَّم وتعاقدوا وتعاهدوا ليكونُنَّ يداً واحدة مع المظلوم على الظالم، حتَّى يؤدَّى إليه حَقَّه شريفاً أو وضيعاً، ثمَّ مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.

وفي رواية أُخرى أنَّ رجلاً مِن خثعم قَدِم مَكَّة مُعتمراً أو حاجَّاً، ومعه بنت له جميلة فاغتصبها منه نبيه بن الحَجَّاج فقيل له: عليك بحِلف الفضول، فوقف عند الكعبة ونادى يا لحلف الفضول، فإذا هُمْ يعنقون إليه مِن كلِّ جانب، وقد انتضوا أسيافهم - أيْ جرَّدوها - يقولون: جاءك الغوث فما لك؟

فقال: إنَّ نَبيهاً ظلمني في بُنيَّتي فانتزعها مِنِّي قَسراً.

٢٠٤

فساروا إليه حتَّى وقفوا على باب داره فخرج إليهم، فقالوا له: أخرج الجارية فقد علمت مَن نحن، وما تعاهدنا عليه.

فقال: أفعل، ولكنْ متِّعوني بها الليلة.

فقالوا: لا والله، ولا شَخْب لقحة - أيْ مُقدار زمن - فأخرجها إليهم (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢٠٥

الأحداث أسرع إلى الخير

عندما خرج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) شاهراً دعوته بين الناس في مَكَّة، دبَّت فورة عظيمة بين جيل الشابِّ، فتجمعَّوا بدافعٍ مِن ميولهم الفطريَّة حول الرسول (صلى الله عليه وآله) ينهلون مِن مَعين أحاديثه الشريفة، وقد أثار هذا الأمر خلافات بين الشباب وأُسرهم، ودفع بالمُشركين إلى الاحتجاج على ذلك عند الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).

... فاجتمعت قريش على أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، إنَّ ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرَّق جماعتنا.

لقد بلغت دعوة النبيِّ محمّد (صلى الله عليه وآله) أسماع كلِّ الناس مِن رجال ونساء، وشيوخٍ وشبابٍ، إلاّ أنَّ الشباب كانوا أكثر تأثُّراً بهذه الدعوة واندفاعاً لها؛ لأنَّ توقُّد الحِسِّ الديني لديهم خِلال مرحلة البلوغ، جعلهم مُتعطِّشين لتعلُّم فضائل الإيمان والأخلاق، ولهذا كانت كلمات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تنزل في نفوسهم كالماء السلسبيل، كما أنَّها كانت بالنسبة لهم بمثابة غذاء للروح، دون غيرهم مِن الشيوخ والطاعنين في السِّنِّ.

فلمَّا أوفد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مصعب بن عمير إلى المدينة، ليُعلِّم أهلها قراءة القرآن، وينشر بينهم التعاليم والمعارف الإسلاميَّة، كان الشباب أوَّل مَن لبَّى دعوته، حيث أبدوا رغبة شديدة في تعلُّم قراءة القرآن واكتساب التعاليم الإسلاميَّة.

وكان مصب نازلاً على أسعد بن زرارة، وكان يخرج في كلِّ يوم ويطوف على مجالس الخزرج، يدعوهم إلى الإسلام فيُجيبه الأحداث (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢٠٦

الحِلم سيِّد الأخلاق

مَرّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِقَوْمٍ فيهِمْ رَجُلٌ يَرْفَعُ حَجَراً يُقالُ لَهُ: حَجَرُ الأَشِدَّاءِ وهُمْ يُعْجَبُونَ مِنْهُ.

فَقالَ: (ما هذا؟).

قالُوا: رَجُلٌ يَرْفَعُ حَجَراً يُقالُ لَهُ: حَجَرُ الأَشِدّاءِ.

قال: (أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِما هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ؟

رَجُلٌ سَبَّهُ رَجُلٌ فَحَلُمَ عَنْهُ، فَغَلَبَ نَفْسَهُ وغَلَبَ شَيْطانَهُ وشَيْطانَ صاحِبهِ).

يرى أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ غلبة النفس الأمَّارة، التي فيها يكمن عزم الإنسان وقُدرته، لتبعث على العِزَّةِ والفَخر. والفتى الذي يبحث عن حَقٍّ وصدق عمَّا يرفع به رأسه بين الناس، عليه أنْ يبني شخصيَّته على أساسٍ مِن الحِلم والصبر والثبات والإرادة وغلبة النفس، ليؤمِّن سعادته في الدنيا والآخرة (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢٠٧

في حلالها حساب وفي حرامها عِقاب

كان ليزيد بن مُعاوية وَلد يُدعى: مُعاوية، كان يُحبُّه حُبَّاً جَمَّاً، ويودُّ تربيته تربية تعينه على بلوغ مُنيته، فاختار له مؤدِّباً ومُعلِّماً فاضلاً يُدعى (عمو المقصوص)، وقد عُرف هذا المؤدِّب بإيمانه وورعه، وحُبِّه ومولاته لأمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام)، وبغضه الدفين لظلم وبغي مُعاوية بن أبي سفيان ووَلده يزيد.

وقد حرص هذا المُعلِّم الكفوء على تعليم وتربية مُعاوية بن يزيد على التعاليم الإسلاميَّة، وتحريم وتنمية حِسِّ الإيمان والعقل والرغبة في المعرفة الدينيَّة في كيانه، وقد أفلح فعلاً في أنْ يصنع مِن مُعاوية بن يزيد فرداً مؤمناً عاقلاً، ومُحبِّاً لعليٍّ وآله (عليهم السلام أجمعين).

وقد بُويع لمُعاوية بن يزيد بالخلافة يوم موت أبيه وهو في عنفوان شبابه، حيث لم يكن يتجاوز العشرين مِن عُمره.

إنَّ سِنّ العشرين هو مِن سِنيِّ الدورة الواقعة بين سِنِّ الـ ١٨ والـ ٢٣، وهي مرحلة تبرز فيها الرغبات بقوَّة في أعماق الفتيان والشباب، ففيها تصل الشهوة الجنسيَّة إلى ذروتها، وتنفتح أحاسيس التفوُّق والشُّهرة، وحُبُّ المال والجاه في ذات الشابِّ بعُنفٍ.

وخلال هذه الدورة يُصبح الشابُّ مُتعطِّشاً لتحصيل اللذائذ وإشباع الشهوات، وقد يلجأ إلى سلوك الطريق الملتوية وغير المشروعة؛ لتحقيق أمانيه ورغباته الدفينة.

إنَّ خلافة يزيد وحكومة بلاد واسعة كانت بالنسبة لمُعاوية الشابِّ أفضل وسيلة لإشباع ميوله ورغباته؛ إذ كان بإمكانه إشباع نزواته الجنسيَّة، وأحاسيس التفوُّق، وحُبِّ المال والجاه وغيرها مِن الرغبات الجامعة التي تكمن في أعماق كلِّ شابٍّ

٢٠٨

بصورة فطريَّة، فمُعاوية بن يزيد كان قادراً على استغلال وجوده على عرش الخلافة شَرَّ استغلال، في إرضاء غرائزه لو كان عبداً لهواه، ذليلاً لشهواته، لو لم يكن قد نشأ في ظِلِّ تربية إسلاميَّة صحيحة، وترعرع في كِنف مؤدِّبٍ كفوءٍ رسَّخ في نفسه روح الإيمان بالله والتعاليم الإسلاميَّة الحَقَّة؛ ليجعل منه إنساناً ذا إرادة قويَّة، مُتحرِّراً مِن قيود النفس الأمَّارة مُستقلَّاً لن يؤثِّر فيه منصب الخلافة بكلِّ عظمتها.

لقد أقام مُعاوية بن يزيد في الخلافة أربعين يوماً، نظر فيها في كلِّ ما ارتكبته حكومة أبيه وجَدِّه، مِن بغي وسوء فِعالٍ وجُرأة على الله سبحانه وتعالى، فأدرك عُظم الجرائم التي ارتكبها أبوه يزيد بن مُعاوية طيلة فَترة خلافته، الذي تجرَّأ على الله وبغى على مَن استحلَّ حُرمته مِن أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فوجد مُعاوية بن يزيد أمام مُفترق طريقين، عليه أنْ يختار سلوك أحدهما، فإمَّا أنْ يستمرَّ في الخلافة ويسير على خُطى أبيه وجَدِّه في البغي والرذيلة، ومُمارسة الظلم بحَقِّ العباد، وإشباع جميع رغباته وغرائزه، وإمَّا أنْ يُطيع أوامر الله ويسلك طريق الحَقِّ والفضيلة، ويخلع نفسه عن الخلافة التي لن تعود عليه إلاّ بالذِّلِّ والعار.

وقد اتَّخذ مُعاوية بن يزيد قراره، واستطاع بقوَّة إيمانه والتربية السليمة، التي عاش في ظلِّها أيَّام طفولته وصباه، أنْ يتغلَّب على هواه ويُصمِّم على إقالة نفسه مِن الخلافة، فصعد المِنبر ثمَّ حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي (صلى الله عليه وآله) بأحسن ما يذكر به، ثمَّ قال:

أيُّها الناس، إنَّ جَدِّي مُعاوية بن أبي سفيان قد نازع في أمر الخلافة مَن كان أولى بها منه ومِن غيره؛ لقَرابته مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعظم فضله وسابقته، أعظم المُهاجرين قدراً وأشجعهم قلباً، وأكثرهم علماً، وأوَّلهم إيماناً، وأشرفهم منزلة، وأقدمهم صُحبة، ابن عَمِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصِهره وأخوه، زوَّجه (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة وجعله لها بَعلاً وجعلها له زوجة، أبو سِبطيه سيِّدي شباب أهل الجَنَّة، وأفضل هذه الأُمَّة، فركب جَدِّي منه ما تعلمون وركبتم معه ما لا

٢٠٩

تجهلون حتَّى انتظمت لجَدِّي الأُمور، فلمَّا جاءه القدر المحتوم واخترمته أيدي المَنون، بقي مُرتهناً بعلمه فريداً في قبره، ووجد ما قدَّمت يداه ورأى ما ارتكبه واعتداه.

ثمَّ انتقلت الخلافة إلى أبي يزيد - والكلام ما زال لمُعاوية - ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه، غير خليق بالخلافة على أُمَّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، فركب هواه واستحسن خُطاه، وأقدم على ما أقدم مِن جُرأته على الله، وبغيه على مَن استحلَّ حُرمته مِن أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلَّت مُدَّته وانقطع أثره وضاجع عمله، وصار حليف حُفرته رهين خطيئته، وبقيت أوزاره وتبعاته.

ثمَّ اختنقته العبرة، فبكى طويلاً وعلا نحيبه، ثمَّ قال:

وما كنت لأتحمَّل آثامكم، ولا يراني الله جلَّت قدرته مُتقلِّداً أوزاركم وألقاه بتبعاتكم، فشأنكم أمركم فخذوه ومَن رضيتم به عليكم فولُّوه، فلقد خلعت بيعتي مِن أعناقكم والسَّلام.

فاضطرب المجلس، وقام مروان بن الحكم - وكان تحت المنبر - فقال له: أسنَّة عُمريَّة يا أبا ليلى؟!

فقال مُعاوية: اغدُ عنِّي، أعن ديني تخدعني؟! فو الله، ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرَّع مرارتها. والله، لئن كانت الخلافة مَغنماً لقد نال أبي منها مَغرماً ومأثماً، ولئن كانت سوءاً فحسبه منها ما أصابها.

ثمَّ نزل عن المنبر وعيناه مُغرورقتان بالدموع.

ولمَّا رأى بنو أُميَّة ما حصل قالوا لمؤدِّبه عمر المقصوص:

أنت علَّمته هذا ولقَّنته إيَّاه، وصددته عن الخلافة، وزيَّنت له حُبَّ عليٍّ وأولاده، وحملته على ما وسمنا به مِن الظلم وحسَّنت له البِدع، حتَّى نطق وقال ما قال.

٢١٠

فقال: والله، ما فعلته ولكنَّه مجبول ومطبوع على حُبِّ عليٍّ، فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حيَّاً حتَّى مات (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢١١

جزاء مَن يتعدَّ حُرمات الله

كان الخليفة العباسي المُتوكِّل يبرز عِداءه الشديد وبُغضه للإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وعندما يذكره كان لا يُسمِّيه إلاِّ بـ: (أبو تراب)، ولا يتورَّع في المجالس العامَّة عن توجيه الإهانة له (عليه السلام)، لكنَّ وَلَده الشابَّ وولي عهده المُنتصر كان مُتألِّماً جِدَّاً مِن سُلوك أبيه إزاء الإمام علي (عليه السلام)، ولكنْ لم يكن يملك أمام هذا السلوك إلاَّ التزام الصمت، وقد جاء في كُتب التاريخ أنَّ المُتوكِّل كان يُبغض عليَّاً (عليه السلام) وينتقصه، فذكره وغَضَّ منه، فتمعَّر وجه ابنه المُنتصر لذلك، فشتمه المُتوكِّل وأنشأ يقول:

غَضِبَ الفَتى لابنِ عَمِّه

رَأسُ الفَتى في حَرِّ أُمِّهِ

لم يُطِق المنتصر هذه الإهانة التي سمعها مِن أبيه، وهو وليُّ العهد الذي كان آنذاك في الخامسة والعشرين مِن العمر، وتأثَّر كثيراً لانتقاص أبيه منه أمام المَلأ، فأضمر له أمراً يُعوِّض له عمَّا حَقَّره به وحَقد عليه، وقَرَّر الأخذ بالثأر الذي يمحو عنه إهانة أبيه، وأغراه ذلك على قتله، فخطَّط مع بعض الغُلمان على قتله في أوَّل فُرصة ووعدهم بالمال والمنصب.

فبينما المُتوكِّل جالس في قصره يشرب مع ندمائه وقد سَكر، إذ دخل بغاء الصغير وأمر النُّدماء بالانصراف، فانصرفوا ولم يَبقَ عنده إلاَّ الفتح بن خاقان، فإذا الغُلمان الذين عيَّنهم المُنتصر لقتل المُتوكِّل قد دخلوا وبأيديهم السيوف مُصلتة، فهجموا عليه، فقال الفتح بن خاقان: ويلكم! أتقتلون أمير المؤمنين؟! ثمَّ رمى بنفسه عليه، فقتلوهما جميعاً، ثمَّ خرجوا إلى المُنتصر فسلَّموا عليه بالخلافة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢١٢

المؤمن مُبتلى

كان أحد صحابة الإمام الصادق (عليه السلام) يُدعى يونس بن عمّار، وذات يوم أُصيب يونس بمرض البَّرص أو الجُذام، وغطَّت بُقعٌ بيضاء كامل وجهه، فأثَّرت في نفسه، وأخذت شخصيَّته تضمحلُّ شيئاً فشيئاَ فاقدة مكانتها الاجتماعيَّة، وقد قيل في حَقِّه: لو كان للإسلام به حاجة، أو كان لوجوده أدنى أثر أو قيمة لما ابتُلي بهذا البَلاء، فجاء يونس بن عمَّار إلى الإمام الصادق (عليه السلام) شاكياً لسان الناس، فقال له (عليه السلام): (لَقَدْ كانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرعَوْنَ مُكَنَّعَ الأصابعِ فَكانَ يَقُولُ هكَذا ويَمُدُّ يَدَيْهِ ويَقُولُ: ( . .. يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ).

لقد رَدَّ الإمام الصادق (عليه السلام) بهذه العبارة القصيرة على أقاويل الناس الجَوفاء، حيث حاول (عليه السلام) أنْ يُثبت لنا إمكانيَّة ابتلاء المؤمن بالله وسُنَّة نبيِّه ببليَّة أو عاهة ما، مِثلما ابتُلي مؤمن آل فرعون بتلك العاهة. كما أنَّه (عليه السلام) قد ساعد في رفع معنويَّات يونس بن عمّار؛ حيث دعاه إلى عدم الابتعاد عن الناس بسبب البُقع البيضاء التي انتشرت في وجهه، وطلب منه الاستمرار بواجباته في التبليغ، كما كان يفعل مؤمن آل فرعون، حيث كان يمدُّ يده التي كانت تنقصها الأصابع ويقول: ( ... يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ، فتلك العاهة لم تَثنِ عزيمة مؤمن آل فرعون، ولم تُحبط معنويَّاته وشخصيَّته (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢١٣

لسانك حصانك إنْ صِنته صانك

كان ابن المقفع رجلاً ذكيَّاً ذا شأنٍ عظيمٍ في عصره، وكان يمتاز عن غيره بقوَّة عقله وحِدَّة ذكائه. وقد نجح في بداية شبابه في تلقِّي العلوم، وترجمة بعض الكُتب العلميَّة إلى اللغة العربيَّة لفطنته وكفاءته الفطريَّة، إلاّ أنَّ تفوّقه العقلي والفكري جعل منه إنساناً مَغروراً، وترك في سلوكه وأخلاقه آثاراً سيِّئة، مِمَّا جعله يواجه مَشاكل جَمَّة في عَلاقاته الاجتماعيَّة.

وكان ابن المُقفع يستهزئ بالناس ويُحقِّرهم بكلمات وألفاظ بذيئة؛ ليُثير في نفوسهم روح الحِقد والعِداء.

وكان سفيان بن مُعاوية - الذي نصَّبه المنصور الدوانيقي والياً على البصرة - مِن جُملة الأشخاص الذين لم يأمنوا لسان ابن المقفع، إذ كان هذا الأخير يستهزئ بسفيان بن مُعاوية أمام الناس.

وكان سفيان بن مُعاوية ذا أنف كبير قبيح الشَّكل، وكلَّما دخل عليه ابن المقفع في دار الولاية قال بأعلى صوته أمام الملأ: السَّلام عليكم، ويعني به: السَّلام عليك وعلى أنفك الكبير، وذات يوم رَدَّ عليه سفيان بالقول: إنَّني لستُ نادماً على التزامي الصمت حيالك، فقال له ابن المقفع: إنَّ مَن خِصلته التلعثُم في الكلام يجب أنْ لا يندم أبداً على التزام الصَّمت.

وأحياناً كان ابن المقفع يُعيِّر سفيان بن مُعاوية بأُمِّه، حيث كان يُناديه بأعلى الصوت وأمام الجميع (يابن المُغتلمة) أيْ: يا ابن المُنقادة للشهوة. وذات يوم أراد ابن المقفع أنْ يظهر جهل وسذاجة سفيان، فسأله في محفل عامٍّ عن رجل يموت ويُخلِّف زوجة وزوج، كيف يتمُّ تقسيم الميراث بينهما؟

آثار ابن المقفع ذلك الرجل الذكي الفطن بكلامه المُهين، النابع مِن غُروره وتكبُّره، حِقد سفيان عليه وعداءه له، وبات سفيان يتحيَّن الفُرص للانتقام مِن ابن المقفع شرَّ انتقام.

٢١٤

وصادف أنْ ادَّعى عبد الله بن علي الخلافة على ابن أخيه المنصور الدوانيقي، وخرج لقتاله. فطلب الخليفة المنصور مِن أبي مُسلم الخراساني الخروج إلى البصرة بجيش جرَّار لقتال عَمِّه، وأخيراً انتصر جيش أبي مسلم على جيش عبد الله بن علي، الذي لجأ إلى أخويه سليمان وعيسى مُتخفِّياً عندهم. وبعد فترة توجَّه الأخوان إلى المنصور، وطلبا منه الصَّفح عن أخيهما عبد الله، فقبل المنصور شفاعتهما، وقرَّر أنْ يَكتُبا عهد أمان ليوقِّعه المنصور الدوانيقي.

وبعد عودتهما إلى البصرة أوكلا إلى ابن المقفع، الذي كان يعمل حينها كاتباً لدى عيسى، كتابة عهد الأمان، وطلبا منه أنْ يكون الكتاب مِن القوَّة بمكان، بحيث يسلب الدوانيقي كلَّ قُدرة على إلحاق الأذى بأخيهما عبد الله، فكتب ابن المقفع عهد الأمان وغالى في تنظيمه، حيث ذكر فيه أنَّ المنصور الدوانيقي إذا ما مكر بعَمِّه عبد الله بن علي وألحق به الأذى، فإنَّ أمواله ستوزع على الرعيَّة، وسيعتق عبيده وجواريه ويُصبِح المسلمون في حِلٍّ مِن بيعته. وعندما دخلا على المنصور وهما يحملان كتاب الأمان ليوقِّعه، ثارت ثائرته فسأل عن الكاتب، فقيل له: إنَّه ابن المقفع، فأمر المنصور بعد أنْ امتنع عن التوقيع، أمر والي البصرة سِرَّاً بقتل ابن المقفع.

ولمَّا كان سُفيان والي البصرة يحمل ما يحمل في جوفه مِن عِداءٍ لابن المقفع، الذي طالما مَسَّ كرامته وجرح شعوره، ويتحيَّن الفرصة للانتقام، جاءت أوامر الخليفة المنصور بقتل ابن المقفع لتَثْلُج صدر سفيان الذي استغلَّ هذه الفُرصة المُناسبة للانتقام مِن غريمه.

فأمر سفيان بحبس ابن المقفع في حُجرة، فدخل عليه وقال له: أتذكر ما قتله في شأني وشأن أُمِّي؟ والله، إنَّ أُمِّي لمُغتلمة إنْ لم أقتلك قتلة لم ترَ الرعيَّة مِثلها مِن قبل، فأمر سفيان بإشعال التنُّور، وجيء بابن المقفع وكان حينها في السادسة والثلاثين مِن العُمر، فأخذ يقتطَّع مِن جسمه قطعة قطعة ويرميها أمام ناظريه داخل التنُّور، ومازال كذلك حتَّى قضى بهذه الطريقة المُفجعة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢١٥

لا طاعة لمَخلوق

حتَّى لو كان أُمَّاً في مَعصية الخالق

لقد أحدثت كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله) وخُطبه المؤثِّرة في بدايات الدعوة تحوُّلاً روحيَّاً عظيماً في جيل الشباب، ولمَّا كان الشباب بفطرتهم ثوريِّين ويرغبون في التجدُّد والحداثة، التفُّوا حول الرسول (صلى الله عليه وآله) مُعلنين انضواءهم تحت راية الإسلام، فبدأوا في ظِلِّ قيادته الرشيدة وتوجيهاته الحكيمة حملة ضِدَّ السُّنَن الفاسدة، والعادات والتقاليد المذمومة التي كانت سائدة آنذاك، مُعلنين عن مُخالفتهم للمُعتقدات والأفكار الباطلة أينما حلُّوا في أُسرتهم ومُجتمعهم، أو في حِلِّهم وترحالهم.

كان سعد بن مالك مِن الشباب النشيطين والمُتحمِّسين في صدر الإسلام، وقد اعتنق الإسلام على يد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهو في سِنِّ الـ ١٧، وكان سعد قد أظهر وفاءه للإسلام ومُخالفته للجاهليَّة في أكثر مِن مكان وزمان، لا سِيَّما في الظروف الحرجة التي مَرَّ بها المسلمون قبل الهِجرة.

وكان أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا أرادوا الإتيان بالصلاة، ينزلون إلى شعاب مَكَّة ليتَّقوا شَرَّ المُشركين، فبينا سعد بن مالك في نفر مِن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شِعبٍ مِن شعاب مَكَّة، إذ ظهر عليهم نفر مِن المُشركين، فناكروهم وعابوا عليهم دينهم حتَّى قاتلوهم فاقتتلوا، فضرب سعد رجُلاً مِن المُشركين بلِحي جَمَل، فشجَّه فكان أوَّل دَمٍ أُريق في الإسلام.

وكان المُشركون في تلك الأيَّام في ذروة قوَّتهم وجَبروتهم، بينما المسلمون في نهاية الضعف والعجز، وأيُّ صِدامٍ بين الطرفين - آنذاك - كان يَجرُّ إلى أحداث خطيرة، ولكنَّ الشباب الذين أعدُّوا أنفسهم لتحمُّل شتَّى أنواع التعذيب والأذى لم

٢١٦

يخشوا عواقب الأُمور، أو المخاطر التي قد يواجهونها نتيجة دفاعهم عن حُرمة الإسلام.

يقول سعد: كنتُ رجلاً برَّاً بأُمِّي، فلمَّا أسلمت قالت: يا سعد ما، هذا الدين الذي أحدثت؟! لَتَدَعَنَّ دينك أو لا آكل ولا أشرب حتَّى أموت، وعيَّرتني، فقال: لا تفعلي يا أُمَّاه، فإنِّي لا أدع ديني، قال: فمكثتْ يوماً وليلة لا تأكل فأصبحت وقد جهدت وتصوَّرت أنَّ ابنها لو رآها على هذا الحال مِن الضعف سيترك دينه لبرِّه بها، وقد غاب عنها. إنَّ عطف الأُمِّ وبَرَّها لا يُمكنه أنْ يقف أمام الحُبِّ الإلهي لو تغلغل إلى النفس، ولهذا قال لها سعد في اليوم التالي:

والله، لو كانت لك ألف نفس، فخرجت نفساً نفساً ما تركتُ ديني.

ولمَّا رأت الأُمُّ التصميم القاطع لولدها، ويئست مِن تغيير مُعتقده عدلت عن قرارها بالإمساك عن الطعام.

وخُلاصة القول: إنَّ السلوك الثوري للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والخُطب الحماسيَّة كان لها الأثر الكبير في بناء شخصيَّة ثوريَّة للشباب، الذين ثاروا بالاتِّكال على الله وتوجيهات قائدهم العظيم ضِدَّ سُنَن الجاهليَّة الفاسدة، فحطَّموا الأصنام وهدُّوا بيوتها واقتلعوا جذور الظلم والعدوان، وقضوا على الآداب والتقاليد والعادات الباطلة والنُّظم الفاسدة، وأقاموا مكانها نظاماً جديداً قائماً على أساس العلم والإيمان، والعدل والحُرِّيَّة، والأخلاق والفضيلة، استطاع أنْ يُنقذ البشريَّة مِن الجهل والضلالة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢١٧

مَن يَتَّقِ الله يجعل له مَخرجاً

مِن الأشخاص الذين آمنوا بما جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في بداية البعثة، وفي ظلِّ أكثر الظروف قساوةً، عياش بن أبي ربيعة وزوجته أسماء بنت سلامة، فقد عانا الكثير مِن المشاكل والصعوبات والضغوطات في طريق إعلاء كلمة الحَقِّ.

كان لعياش شقيقان مِن أُمِّه هُما: أبو جهل، والحارث، وكان عندما اعتنق الإسلام في الثلاثين مِن عُمُره وزوجته في العشرين مِن العُمر، وما أنْ أعلن عياش إسلامه حتَّى ثارث ثائرة قومه، فحاولوا تعذيبه وإلحاق الأذى به؛ لمنعه مِن اتِّباع النبي (صلى الله عليه وآله)، إلاَّ أنَّ ذلك لم يؤثِّر به وبقي ثابتاً على إسلامه.

وهاجر عياش وزوجته بمعيَّة مجموعة مِن المسلمين إلى الحبشة، بأمر مِن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لكنَّهما عادا إلى مَكَّة ثانية قبل الآخرين، فتعرَّضا مُجدَّداً لأذى المُشركين وتعذيبهم، حتَّى حان موعد هِجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) والمسلمين إلى المدينة، فهاجرا وتخلَّصا مِن شَرِّ الأعداء.

وعندما علمت أسماء أُمُّ عياش بهجرة ولدها أقسمت اليمين، بأنَّها لن تدهن شَعرها ولن تجلِس في فَيء حتَّى يعود عياش، فشدَّ أبو جهل والحارث الرحال إلى المدينة، وأخبرا عياش بما أقسمت عليه أُمُّهم، وقالا له: إنَّك أكثرنا مكانة عند أُمِّنا، وإنَّك على دين يوصي ببَرِّ الوالدين، فعُدْ إلى مَكَّة واعبدْ ربَّك فيها كما تعبده هنا في المدينة.

فلمَّا سمع عياش بذلك تألَّم لحال أُمِّه وصَدَّق أخويه، فطلب منهما عهداً بعدم الخيانة إنْ هو عاد إلى مَكَّة، فغادر معهما المدينة، وما أنْ ابتعدوا عن المدينة حتَّى شرعا يُعذِّبانه ويؤذيانه، فربطاه ودخلا به مَكَّة نهاراً وهو على هذه الحال، وقالا:

٢١٨

(يا أهل مَكَّة، هكذا فافعلوا بسُفهائكم كما فعلنا بسفيهنا)، ثمَّ رميا به في حُجرة لا سقف له.

وبقي عياش سجيناً في مَكَّة لسنوات عديدة، لاقى خلالها شتَّى صنوف التعذيب، لكنَّه لم تظهر عليه علامات الضعف المعنوي والانهيار الروحي، فقد كان على اتَّصال بخالقه مُتسلِّحاً بقوَّة الإيمان في وجه المصائب والمصاعب.

وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في المدينة يدعو له بالخلاص، وكان الناس مُتأثِّرين لما حَلَّ بعياش، وبعد مُدَّة تمكَّن أحد المسلمين - في خُطَّةٍ بارعةٍ - مِن التسلُّل إلى مَكَّة وإنقاذ عياش مِن السِّجن والعودة به إلى المدينة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢١٩

قوَّة الإيمان أقوى مِن قوَّة الجَسد

مِن المسلمين الأوائل سعيد بن زيد وزوجته فاطمة، حيث اعتنق سعيد الإسلام وهو في العشرين مِن العُمر وزوجته تصغره بسنوات، كان سعيد وزوجته يحضران عند الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ظروف مشحونة بالمخاطر لاكتساب تعاليم الإسلام وتعلُّم قراءة القرآن.

وكان لفاطمة شقيق حادُّ الأخلاق قويَّ الجِسم، شديد المُعارضة للإسلام. وذات يوم مِن أيَّام الصيف الحار التقى به رجل مِن قريش في أزقَّة مَكَّة، وقال له: أنت تزعم أنَّك هكذا؟ وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك وصبأت أُختك، فرجع غاضباً. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوَّة، فيكونان معه ويُصيبان مِن طعامه. وقد كان ضُمَّ إلى زوج أُخته رجلين، فجاء وقرع الباب والقوم يقرأون القرآن في صحيفة معهم، فلمَّا سمعوا الصوت تبادروا واختفوا، وقامت المرأة وفتحت الباب، فقال لها: يا عدوَّة نفسها، قد بلغني أنَّك أسلمت، وصفعها بقوَّة فسال الدمُ مِن وجهها، فلمَّا رأت الدمَ كشفت عن السِّرِّ وقالت بكلِّ صَراحة وثَبات: ما كنتَ فاعلاً فافعل، فقد أسلمت.

لقد كانت النساء والبنات مُضطهدات في العصر الجاهليِّ ومحرومات مِن حُقوقهنَّ الإنسانيَّة والمدنيَّة، وكُنَّ يُعاملن أسوأ مِن مُعاملة العبيد والحيوانات، إلى أنْ جاء الإسلام حاملاً منهجه التربوي، الذي يضمن للمرأة شخصيَّتها ويمحنها قوَّة في الإرادة واستقلالاً في الفكر، استطاعت مِن خِلالهما فتاة شابَّة الوقوف بوجه أخيها دفاعاً عن إيمانها ومُعتقدها بكلِّ شجاعة (١).

____________________

(١) الشاب، ج٢.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421