القصص التربوية

القصص التربوية18%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 347893 / تحميل: 10132
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

الابتعاد عن إيذاء المؤمنين

يقول الحسين بن أبي العلاء: كنَّا في نحو عشرين نفراً عزمنا على الحَجِّ إلى بيت الله الحرام في مصاريف مُشتركة. وكنت أذبح لهم شاة في كل منزل ننزل فيه. وفي يوم، ونحن في السفر، زرت الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال لي: (يا حسين، أُتذلُّ المؤمنين؟!).

قلت: أعوذ بالله مِن ذلك.

فقال (عليه السلام): (بلغني أنَّك تذبح لهم في كلِّ منزل شاةً).

فقلت: يا مولاي، والله ما أردت بذلك غير وجه الله تعالى.

فقال (عليه السلام): (أما كنت ترى أنَّ فيهم مَن يُحبُّ أنْ يفعل مثل أفعالك فلا يبلغ مقدرته ذلك، فيتقاصر إليه نفسه؟!).

قلت: يا ابن رسول الله، أستغفر الله ولا أعود.

لم يكن الحسين بن العلاء يرى مِن عمله سوى قرى رفاق سفره، دون أنْ ينتبه لما في ذلك في تحقير للآخرين، فبيَّن له الإمام الصادق عيبه الأخلاقي، فتنبَّه الرجل إلى ذلك فوراً، ولم يعد لمثله (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٢١

اتَّق الله ولا تَعجل

عن جرير بن مرزام قال:

قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): إنِّي أُريد العُمرة، فأوصني.

قال: (اتَّق الله ولا تَعجل).

فقلت: أوصني. فلم يزد على هذا.

إنَّ العجلة والتسرُّع كانا واضحين في أُسلوب تفكيره، فهو في أول منزل مِن منازل سفره يُصادف مجهولاً ويسمع منه ما لا يُحبُّ أن يسمع. وبدلاً مِن أنْ يُناقش الرجل ويُصحِّح له خطأه، يُقرِّر مُنازلته وقتله، ولكنَّه يلتزم وصية الإمام الصادق (عليه السلام) ويُمسك نفسه عن تنفيذ قراره.

كان مُعلِّم الأخلاق الإسلاميَّة يعرف عيب جرير الخلقي، فاستثمر فرصة طلبه النصح فأوصاه بعدم التسرّع الذي كان مِن أهمِّ عُيوبه، وبذلك نجَّاه مِن خطر السقوط.

٣٢٢

الإسراف مذموم

كان منصور بن عمّار مارَّاً قرب بيت قاضي بغداد، وكان باب البيت مفتوح، فوقف منصور أمام الباب وأخذ ينظر إلى داخل البيت واسع وضخم، ولفت نظره الغرف المفروشة والأواني الفاخرة، وتعدُّد الغُلمان والخُدَّام، وتعجَّب مِن هذه الزخارف والزينة.

طلب منصور ماءً للوضوء، فملأ أحد الغُلمان إبريقاً كبيراً وجاء به إليه، وعندما جلس ليتوضَّأ أراق ماء الإبريق كلَّه، وشاهده قاضي بغداد فقال له:

يا منصور، لماذا هذا الإسراف في الماء؟

أجاب منصور: أيَّها القاضي، أنت تُحاسبي في الماء المُباح للوضوء، ولا تُحاسب نفسك على هذا الإسراف العجيب في البناء!

والله يعلم مِن أين جاءتك هذه الأموال، ولم تكتف بمنزل صغير وخادم؟!

لماذا كلُّ هذا الإسراف وتحمُّل المعصية؟!

انتبه قاضي بغداد مِن غفلته بسبب كلام منصور، واعتدل بعد ذلك في صرف الأموال (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٢٣

الشيطان لن ينصح مُسلماً

هناك حديث مرويٌّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) يدور حوله حوار يجري بين النبي يَحيى (عليه السلام)، وإبليس العدوِّ اللدود لبني آدم، فيُمعن النبيُّ يحيى (عليه السلام) النظر في أقوال إبليس ويستفيد منها.

قال يحيى: (فهل ظفرت بيَ ساعة قطُّ؟).

قال: لا، ولكنْ فيك خِصلة تُعجبني.

قال يحيى: (فما هي؟).

قال: أنت رجل أكول، فإذا أفطرت أكلت وبشمت، فيمنعك ذلك مِن صلاتك وقيامك بالليل.

قال يحيى: (فإنِّي أُعطي الله بهذا (عهداً) أنِّي لا أشبع مِن الطعام حتَّى ألقاه).

قال له إبليس: وإنِّي أُعطي الله عهداً أنِّي لا أنصح مسلماً حتَّى ألقاه (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٢٤

لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ

أرسل الخليفة العباسي عبد الله بن طاهر والياً على خراسان، فدخل هذا بجنوده مدينة نيسابور، واستقرَّ بهم في المواضع المُخصَّصة لهم، إلا أنَّها لم تتَّسع لهم جميعاً، فوزَّع بعض جنوده على الأهالي وأجبرهم على استضافتهم، فأثار فيهم موجة مِن السخط والتذمُّر.

واتَّفق لأحد الجنود أنْ يسُكن مع رجل غيور زوجته جميلة، فاضطرَّ الرجل إلى أنْ يترك عمله ليبقى في البيت رقيباً لئلا تتعرَّض زوجه لاعتداء مِن الجنديِّ الشابِّ.

في أحد الأيَّام طلب الجندي من صاحب البيت أنْ يأخذ فرسه ليورده الماء غير أنَّ الرجل الذي لم يكن - مِن جِهة - يجرؤ على ترك زوجه مع الجنديِّ وحدهما في البيت، ويخاف - مِن جِهة أُخرى - رفض طلب الجندي، قال لزوجه أنْ تأخذ هي الفرس إلى الماء، ويبقى هو للمُحافظة على أثاث البيت، فأخذت الزوجة بزمام الفرس واتَّجهت نحو موضع الماء.

وفي تلك اللحظة اتَّفق أنْ مَرَّ عبد الله بن طاهر مِن ذلك المكان، فرأى امرأة وقوراً جميلة تقود فرساً نحو الماء، فعُجب مِن ذلك، واستدعى المرأة وقال لها: لا أراك مِن اللواتي يوردن الخيل، فما الذي دعاك إلى هذا؟!

قالت المرأة بغضب: هذا نتيجة عمل عبد الله بن طاهر الظالم، ثمَّ شرحت له الأمر.

تأثَّر عبد الله مِن قول المرأة وغَضب على نفسه؛ لأنَّه كان سبباً في أنْ يَشعر أهل نيسابور بالتعاسة والشقاء، فأمر المُنادين أنْ ينادوا في البلدة أنْ على جميع الجنود الخروج مِن المدينة حتَّى الغروب مِن ذلك اليوم، ومَن بات منهم في المدينة يُهدر

٣٢٥

ماله ودمه.

وترك هو المدينة إلى (شادياخ) القريبة مِن نيسابور حيث لحق به جنوده، فبنى في تلك المنطقة الواسعة لنفسه قصراً ولجنوده مقرَّات يسكنونها.

هذه المرأة التي كانت حياتها عُرضة للخطر ذكرت عبد الله بن طاهر بالسوء، فكان مِن أثر هذا الكلام والذَّمِّ الموجع أنْ حلَّ العُقدة ورفع الظلم، لا عن نفسها وزوجها فحسب، بلْ إنَّه قد أنقذ سائر الناس مِن التعسُّف والجور، وَوُضِع حَدٌّ للحالة المُزرية التي مَرَّت بها مدينة نيسابور.

وهذا هو مصداق الآية القرآنيَّة: ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ... ) (النساء: ١٤٨) (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٢٦

اللَّهمَّ إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه

ومثلما يسعى الناس بدافع مِمَّا فيهم مِن أنانيَّة ورغبة في الحياة، إلى مُعالجة أمراضهم الجسميَّة، ويبحثون عن الدواء والعلاج، كذلك يسعى الذين يتمسَّكون بالحياة الإنسانيَّة والمعنويَّة بدافع مِن حُبِّ الذات وعِشق السموِّ والكمال، مِن أجل إصلاح أفكارهم وأخلاقهم، ويُباشرون بإرادة قويَّة بمُعالجة أنفسهم، فيقومون بواجباتهم، دون أنْ يُبالوا بالمشقَّات والصعاب. هؤلاء يستطيعون تزكية أنفسهم بما يبذلونه مِن سَعي وجُهد، ويتخلَّقون بمكارم الأخلاق والسجايا الإنسانيَّة، ليبلغوا في النهاية الكمال اللائق بمقام الإنسان.

أمثال هؤلاء كثيرون بين المسلمين، مُنذ عهد الرسول حتَّى العصر الحاضر، مِن الرجال والنساء مِن ذوي الإرادة القويَّة والعزم الراسخ، وعلى الرغم مِن أنْ أكثريَّة هؤلاء مجهلون، إلاَّ أنَّ التاريخ احتفظ لنا ببعض الأسماء، وفيها اسم عبد الله ذي البِجادَين.

كان عبد الله مِن قبيلة (هزينة) وكان اسمه عبد العُزَّى - والعُزَّى هو أحد أصنام عرب الجاهليَّة - مات أبوه وهو صغير، فكفله عَمُّه العابد للأصنام فعَني به وربَّاه حتَّى بلغ سِنَّ الشباب، فوهب له بعض أمواله وأغنامه. يومئذ كان الإسلام قد بدأ يُثير الحماس والتحرُّك في الناس، وكان كلام يدور في كلِّ مكان على هذا الدين الجديد، فكان أنْ أخذ عبد العُزَّى الشابّ يبحث عن حقيقة أمر هذا الدين بكلِّ حَماس وعِشق، مُتابعاً جميع الشؤون الإسلاميَّة، وعلى أثر سماعه كلام نبيِّ الإسلام والتعرُّف على التعاليم الإلهيَّة، أدرك فساد المُعتقدات التي كان هو وقبيلته يتَّبعونه، فعافت نفسه الأصنام وعبادتها والعادات الجاهليَّة، وآمن في قلبه بدين الله ولكنَّه لم يُظهر ذلك علانيَّة رعاية لعَمِّه.

٣٢٧

ظلَّت الحال على هذا المنوال بعض الوقت. وبعد فتح مَكَّة قال يوماً لعمِّه: ظللت أنتظرك طويلاً أنْ تعود إلى نفسك فتُسلِم وأُسلم معك، ولكنِّي أراك لا تُريد أنْ تترك عبادة الأصنام، وما تزال تُصرُّ على دينك الباطل، فاسمح لي أنْ أعتنق أنا الإسلام وألتحق بركب المسلمين. كان عَمُّه قد طرق سمعه مِن قِبل ميول ابن أخيه إلى الإسلام؛ لذلك غضب عند سماع كلامه غضباً شديداً، وقال: إنَّه لن يسمح له أبداً بذلك، وأقسم أنَّه إذا خالفه واعتنق الإسلام فسوف يسترجع منه كلَّ ما كان قد وهبه له.

كان الرجل يظنُّ أنَّ ابن أخيه الشابَّ سوف يرجع عن رأيه في الإسلام إذا هدَّده بانتزاع كلِّ شيء منه، وأنَّه سوف يطرد فكرة اعتناق الإسلام مِن رأسه، ويبقى عاكفاً على عبادة الأصنام. ولكنَّ الشابَّ كان مسلماً حقيقيَّاً، لا يُمكن أنْ تتزلزل عقيدته بالتهديد والوعيد، ولا أنْ يرجع عمَّا عزم عليه، فأعلن إسلامه بكلِّ جُرأة وصراحة، ولم يعبأ بالتهديدات الماليَّة.

عند ذلك لم يجد العمُّ إزاء مقالة الشابِّ إلاّ أنْ يُنفِّذ تهديده، فاسترجع منه كلَّ الأموال التي كان قد أعطاها له، ونزع عنه حتَّى الثوب الذي كان يرتديه، فانطلق الشابُّ عارياً إلى أُمِّه وقال لها: أحمل هوى الإسلام، ولا أطلب منك سوى إكساء العُريان. فأعطته أُمُّه قطعة مِن قماش كتَّان عندها، فشقَّها نِصفين كسا عُريِّه بهما واتَّخذ سبيله في الطريق إلى المدينة للتشرّف برؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

كان الفتى قد فُتِن بالحقيقة التي اكتشفها، فامتلأ قلبه بالثورة والحماس، والطهارة والخلوص، والصدق والصفاء. كان يغذُّ السير، كطائر أُطلق مِن سجنه وأصبح حُرَّاً يُحلِّق حيث يشاء، يُريد أنْ يرى رسول الإسلام بأسرع ما يستطيع؛ ليعُبَّ مِن عذب نمير تعاليمه الإلهيَّة المُحيية؛ ليصنع نفسه كما يليق به، ولينال السعادة الحقيقية والكمال الإنسانيِّ المنشود.

دخل المسجد بين الطلوعين عندما كان المسلمون قد اجتمعوا لأداء فريضة

٣٢٨

صلاة الصبح، فأدَّاها جماعة معهم بإمامة رسول الله. وبعد الصلاة استدعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسأله عمَّن يكون، فقال له: اسمي عبد العُزَّى.

ثمَّ سرد عليه ما جرى له. فقال الرسول: (اسمك عبد الله).

وإذ رآه يلفُّ نفسه بتينك القطعتين مِن القماش لقَّبه بذي البِجادَين. ومُنذ ذلك اليوم عرفه الناس باسم عبد الله ذي البِجادَين.

وخرج عبد الله ذو البِجادَين مع المسلمين في حرب تبوك مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوفَّاه الله في هذه الغزوة. وعند دفنه قام النبي بنفسه بإنزال جسده إلى القبر. وبعد الانتهاء مِن مراسم الدفن، اتَّجه إلى القبلة، ورفع يديه نحو السماء ودعا له قائلاً: (اللَّهمَّ، إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه).

٣٢٩

التضرُّع إلى الله وأسباب الانتصار

في إحدى الحروب الإسلاميَّة حاصر جُند الإسلام إحدى قِلاع العدوِّ، بهدف الاستيلاء عليها بالقوَّة العسكريَّة، غير أنَّ القلعة كانت حصينة وطالت أيَّام الحصار. وعلى الرغم مِن أنَّ جُند الإسلام بذلوا خلال تلك المُدَّة جهوداً جبَّارة ومساعي حميدة؛ فإنَّهم لم ينجحوا في اقتحام الحِصن، فأخذت معنويَّات الجيش تهبط شيئاً فشيئاً، ويضعف عزمهم على الاستمرار .

وإذ وجد قائد الجيش أنَّ انتصاره في تلك الظروف مُستبعَد جِدَّاً، توجَّه إلى الله تعالى واستعاذ به مِن ذِلِّ النكوص فصام أيَّاماً، ورفع يديه بالدعاء إلى الله مُخلصاً صادقاً، طالباً الانتصار على العدوِّ، فتقبَّل الله تعالى دعواته، وسُرعان ما استجاب له .

كان القائد في أحد الأيَّام جالساً، فشاهد كلباً أسود يركض بين المُعسكر فشدَّ ذلك انتباهه وراح يُدقِّق فيه. وبعد ساعات وجد الكلب نفسه على حائط القلعة، فأدرك أنَّ للقلعة طريقاً إلى الخارج، وأنَّ الكلب يأتي مِن القلعة إلى المُعسكر بحثاً عن طعام ويعود إليه. فكلَّف بعض الجُند بتقصِّي مسير الكلب لمعرفة الطريق الذي يسلكه، ولكنَّهم لم يوفَّقوا للعثور على الطريق. فأمر بجراب أنْ يلوَّث بالسمن لإغراء الكلب به، ويملأ بالدفن ويُثقب في عِدَّة مواضع لينساب منه الحَبُّ فيما يجرُّ الكلب الجراب إلى حيث يُريد. ففعلوا ما أمر به، وألقوا بالجراب في المُعسكر في طريق الكلب .

وفي اليوم التالي خرج الكلب مِن القلعة مُتَّجهاً إلى المُعسكر حتَّى وصل إلى الجراب المدهون، فعضَّ عليه بأسنانه وكَرَّ راجعاً إلى القلعة، مُخلِّفاً وراءه حبَّات الدفن التي كانت تسقط مِن ثقوب الجراب. وبعد ساعة تتبَّع الجُند آثار الدفن على الأرض حتَّى وصلوا في النهاية إلى نقب كبير كان

٣٣٠

يسمح بالدخول إلى القلعة بيُسر وسهولة. فعيَّن القائد موعداً لجنده فاجتازوا النقب إلى داخل القلعة، وهاجموا العدوَّ الذي لم يجد بُدَّاً مِن الاستسلام، وانتهى الحصار بانتصار الإسلام .

لقد كان هذا الكلب دائم التردُّد على المُعسكر، ولكنَّ أحداً مِن الضباط والجنود لم يلتفت إليه؛ لأنَّ أحداً منهم لم يخطر له أنْ يكون هذا الحيوان سبباً لفتح القلعة ولانتصار المسلمين، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى عندما استجاب دعوة القائد، أوقع في قلبه أنْ يتنبَّه إلى الكلب كسبب مِن أسباب الانتصار، وبذلك أخرج المسلمين مِن مُشكلتهم الكُبرى، وفتح أمامهم باب الظفر، وأنقذهم مِن ذِلِّ الهزيمة والانكسار ) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣١

يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ

إنَّ الله تعالى قد يشاء أنْ يصون المؤمنين مِن الأخطار والبلايا، بطُرق خارقة للعادة عن طريق إزالة العِلَّة التي تتهدَّدهم بالخطر، ومِن ذلك صيانة خليل الرحمان مِن الاحتراق بنيران عَبدة الأصنام .

لقد حطَّم النبي إبراهيم (عليه السلام) أصنام المُشركين، فأثار غضبهم، فقرَّروا أنْ يُحرقوه دفاعاً عن أصنامهم، فأوقدوا ناراً عظيمة وألقوا به فيها .

في مثل هذه الحالة لم يكن أمام إبراهيم الخليل مفرٌّ مِن الاحتراق في تلك النيران ليستحيل رماداً، ولكنَّ الله لم يُرِدْ له ذلك، بلْ أراد أنْ يصونه مِن نيرانهم، فقال للنار: ( ... يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (الأنبياء: ٦٩ ).

فانقلبت النار المُحرقة برداً وسلاماً عليه بمشية الله تعالى الخاصَّة، وتبدَّل ذلك السعير المُلتهب إلى جوٍّ مِن السلامة خالٍ مِن كلِّ خطرٍ، وانهارت خُطَّة المُشركين في إحراق نبيِّ الله، وظلَّ سليماً في حفظ الله وصيانته ) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣٢

لا يَخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين

إنَّ محمد بن أبي عمير كان رجلاً بزَّازاً فذهب ماله وافتقر، وكان له على رجل عشرة آلاف درهم، فباع داراً له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم، وحمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟

قال: هذا مالك الذي عليَّ .

قال: ورثته؟

قال: لا .

قال: وهِبَ لك؟

قال: لا .

قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟

قال: لا .

قال: فما هو؟

قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيني .

فقال محمد بن أبي عمير: حدَّثني ذريح المُحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين) ) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣٣

أذلُّ الناس مَن أهان الناس

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أذلُّ الناس مَن أهان الناس ).

روي أنَّ عمر بن عبد العزيز دخل إليه رجل، فذكر عنده عن رجلٍ شيئاً .

فقال عمر: إنْ شئتَ نظرنا في أمرك، فإنْ كنت كاذباً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) (الحجرات: ٦)، وإنْ كنت صادقاً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ) (القلم: ١١)، وإنْ شئتَ عَفونا عنك؟

فقال: العفو، لا أعود إلى مثل ذلك أبداً ) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣٤

البادئ أظلم

كان مُعاوية بن أبي سفيان مِن بني أُميَّّة، وعقيل مِن بني هاشم، وكان آل هاشم سادات قريش، مُكرَّمين ومُحترمين، بينما كان آل أُميَّة يشعرون قِبالهم بالصِّغار والضِّعة، فكان ذلك مُدعاة لحِقدهم على آل هاشم، والسعي لمُعاداتهم والانتقام منهم .

كان مجلس مُعاوية في الشام يوماً مُكتظَّاً بالحاضرين، ومنهم عقيل، فأراد مُعاوية أنْ ينتهز الفرصة لينتقص منه، فالتفت إلى الحاضرين وسألهم، أتدرون مَن أبو لهب؟ الذي قال عنه القرآن: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ... ) (المسد: ١) إنَّه عَمُّ عقيل هذا .

فبادر عقيل قائلاً: أتدرون مَن كانت زوج أبي لهب؟ التي قال عنها القرآن: ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ) (المسد: ٤ - ٥) إنَّها عَمَّة مُعاوية هذا .

كان مُعاوية يومئذ في أوج سُلطانه وفي يده أزمَّة الأُمور في البلاد الإسلاميَّة الشاسعة، فلم يكن أحد ليجرؤ على إهانته، ولكنَّه بكلامه المُهين الذي قاله في عقيل، مزَّق ستار الاحترام عن نفسه وجرَّأ عقيلاً على أنْ يُكلِّمه بغِلظة، وأنْ يردَّ إهانته بمِثلها ويُحقِّره أمام الحاضرين ) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣٥

لعنة الله على الظالمين

كان الحَكم مِن ألدِّ أعداء الإسلام، وساهم مع مُشركي مَكَّة في إيذاء الرسول والمسلمين، وبعد هِجرة الرسول إلى المدينة، ظلَّ الحَكم في صفوف أعداء الإسلام ولم يترك إيذاء المسلمين، وعندما فتح جُند الإسلام مَكَّة تظاهر باعتناق الإسلام، وترك مَكَّة إلى المدينة، ولكنَّه لم يكفَّ هناك عن أعماله القبيحة، فاضطرَّ الرسول إلى نفيه إلى الطائف حيث ظلَّ حتَّى حُكم عثمان .

بعد موت يزيد بن مُعاوية، تسلَّم مروان بن الحَكم كرسيَّ الخلافة في الشام، وراح يدير شؤون البلاد، غير أنَّ أهل مَكَّة والمدينة لم يُبايعوه؛ لأنَّهم كانوا قد بايعوا عبد الله بن الزبير بالخلافة على نجد والحِجاز .

وبعد موت مروان خَلَفه ابنه عبد الملك، فصمَّم هذا على القضاء علىخلافة عبد الله بن الزبير عن طريق الحرب؛ ليبسط سُلطانه على تلك البلاد أيضاً، فأرسل الحَجَّاج بن يوسف على رأس جيش إلى مَكَّة، حيث اندلعت حرب ضَروس، انتصر فيها الحَجَّاج، وقتل عبد الله بن الزبير، ودخلت منطقة نجد والحِجاز الواسعة في مُلك عبد الملك القويِّ .

كان لعبد الله بن الزبير ولد اسمه ثابت اشتهر بالخطابة، حتَّى سمَّوه بلسان آل الزبير، وفي أحد الأيَّام دخل ثابت على عبد الملك، خليفة بني مروان المُقتدر مبعوثاً مِن قبل شخصٍ ما. فبادر عبد الملك إلى تحقيره وذكر مثالب آل الزبير، وقال له: إنَّ أباك كان يعرفك يوم سبَّك وشتمك .

فغضب ثابت مِن كلامه، وقال له: يا خليفة، أتدري لِمَ كان أبي يسبُّني؟

قال: كلا .

قال ثابت: لأنِّي كنت أنصحه بألاَّ يدخل الحرب اعتماداً على مُساندة أهل مَكَّة؛ لأنَّ الله لا ينصر بهم أحد؛ ولأنَّ أهل مَكَّة هُمْ الذين آذوا الرسول وأخرجوه منها،

٣٣٦

ثمَّ جاؤوا إلى المدينة واستمرُّوا في فسادهم وقبيح أعمالهم، حتَّى نفاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها عقاباً لهم .

كان هذا تعريفاً مِن ثابت بن عبد الله بالحَكم بن أبي العاص، جَدِّ عبد الملك قصد به رَدَّ إهانته والانتقام منه لما تفوّه به عنه، فغضب عبد الملك، وقال: لعنة الله عليك .

فردَّ ثابت في الحال: لعنة الله على الظالمين، كما لعنهم الله في القرآن الكريم .

وكان هذا تعريفاً آخر بعبد الملك، فاشتدَّ غضبه وأمر بسجن ثابت .

عبد الملك بن مروان، الخليفة القويُّ المُقتدر، بذكره مثالب ثابت بن عبد الله عرَّض نفسه لإهانته وتحقيره، وبلعنه زاد مِن جُرأة ثابت على رَدِّ اللعنة، وإنْ كان مِن دون تصريح، وبسجنه دلَّ على ضعفه وكَشف عن عجزه، وكأنَّه في الحقيقة قد اعترف بهزيمته ) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣٧

ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه

كان ليزيد بن أبي مسلم مقامٌ رفيعٌ في حكومة الحَجَّاج، إذ كان كاتبه الخاصَّ، ولكنَّه كان يتدخَّل في كلِّ أمر. وفي أيَّام خلافة سليمان بن عبد الملك طُرِد مِن وظيفته وأصبح غير مرغوب فيه .

وفي يوم مِن الأيَّام أُدخل على سليمان بن عبد الملك وهو مُكبَّل بالحديد، فلمَّا رآه ازدراه، فقال :

ما رأيت كاليوم قطُّ. لعنَ الله رجلاً أجرك رَسنه وحَكَّمك في أمره .

فقال له يزيد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنَّك رأيتني والأمر عنِّي مُدبر، وعليك مُقبل، ولو رأيتني والأمر مُقبل عليَّ لأستعظمت منِّي ما استصغرت، ولأستجللت منِّي ما استحقرت .

قال: صدقت، فاجلِس، لا أُمَّ لك .

فلمَّا استقرَّ به المجلس، قال سليمان: عزمت عليك لتُخبرني عن الحَجَّاج، ما ظنُّك به؟ أتراه يهوي في جهنَّم، أمْ قد استقرَّ فيها؟

قال: يا أمير المؤمنين، لا تقلُ هذا في الحَجَّاج، فقد بذل لكم نصَفه وأحقن دونكم دمه، وأمَّن وليكم، وأخاف عدوَّكم، وإنَّ يوم القيامة لعن يمين أبيك عبد الملك ويسار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت .

فصاح سليمان: أُخرج عنِّي إلى لعنة الله .

ثمَّ التفت إلى جلسائه فقال: قبَّحه الله! ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه، ولقد أحسن المُكافأة، خلُّوا سبيله ) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣٨

لا تذيعَنَّ شيئاً على أخيك تَهدم به مروَّته

محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الأوَّل (عليه السلام)، قال :

قلت له: الرجل مِن إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله ذلك فيُنكره، وقد أخبرني قوم ثقات .

قال لي: (يا محمد، كَذِّب سمعك وبصرك على أخيك، فإنْ شهد عندك قَسَّامة قالوا لك قولاً فصدِّقه وكذِّبهم، ولا تُذيعن عليه شيئاً تُشينه به وتهدم به مروَّته، فتكون مِن الذين قال الله تعالى فيهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ... ) ) (النور: ١٩) (١) .

____________________

( ١) الأخلاق، ج١ .

٣٣٩

مُروءة قائدٍ

كان إسماعيل بن أحمد الساماني يحكُم بلاد ما وراء النهر، فعزم عمرو بن الليث الصفاري على أنْ يُحاربه، ويُخرجه مِن ما وراء النهر، ويضمَّ أرضه إلى أرض بلدته التي يحكمها، فجهَّز جيشاً كبيراً في نيسابور، ثمَّ انطلق نحو بلخ، فبعث إليه إسماعيل بن أحمد برسالة قائلاً:

إنَّك تحكم أرضاً واسعة بينما لا أحكم أنا إلاَّ على منطقة صغيرة مِن ما وراء النهر، فاقنع بما عندك واترك لي ما عندي. ولكن عمرو بن الليث لم يلتفت إلى قوله، وواصل سيره وعبر نهر جيحون وطوى المنازل حتَّى بلغ بلخ.

هناك اختار مكاناً لجيشه، حيث حفر الخنادق وأعدَّ المراصد وقضى بضعة أيَّام يتهيَّأ للقتال، بينما ظلَّت فرق جيشه تتوافد وتستقرُّ في المكان المُخصَّص لها.

أمَّا قوَّاد إسماعيل بن أحمد وحاشيته، الذين كانوا قد سمعوا بشجاعة عمرو بن الليث، فعندما شاهدوا كثرة جنوده المُدجَّجين بالسلاح ارتعبوا وتشاوروا فيما بينهم قائلين: إنَّنا إنْ دخلنا الحرب مع عمرو وجنوده الأشدَّاء فإمَّا أنْ نُقتل عن آخرنا، وإمَّا أنْ نولِّي الأدبار عندما يَحمى وطيس الحرب ونرضى بذِلِّ الفرار، وكلا هذين الأمرين ليس فيهما عقل ولا صلاح، فمِن الخير - إذنْ - أنْ نغتنم الفرصة فنتقرَّب إليه ونطلب منه الأمان قبل أنْ تقع الهزيمة المُحتَّمة فهو رجل عاقل وقويٌّ، ولا يُنتظر منه أنْ تشوَّه سمعته بقتل هذا وذاك وهو سلاح العجزة والحَمقى.

فقال أحد الحاضرين: هذا كلام معقول ونصحُ شفوق فلا بُدَّ مِن العمل به.

فتقرَّر أنْ يجتمعوا في ليلة مُعيَّنة؛ لينفذُّوا ما عزموا عليه، وفي الليلة المُعيَّنة اجتمعوا وكتب كلٌّ منهم رسالة إلى عمرو يَعرضون عليه إخلاصهم ووفاءهم له طالبين منه الأمان، ووصلت الرسائل إلى يد عمرو، فقرأها واطّلع على مضامينها، ووضعها في خُرجه وختمه بختمه وأرسل إليهم بالأمان الذي طلبوه.

ودارت رَحى الحرب وانتصر إسماعيل بن أحمد بخلاف ما كان قوَّاده يتوقَّعون،

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421