القصص التربوية

القصص التربوية4%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 348108 / تحميل: 10135
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الإنسان أوَّله نُطفة وآخره جِيفة

ونموذج آخر نجده في قِصَّة المهلب بن أبي صفرة، والي عبد الملك على خُراسان، فقد كان في بعض الأيَّام مُرتدياً ثوباً مِن الخَزِّ، ويسير بكِبرياء في الطريق ويتبختر، فقابله رجل مِن عامَّة الناس، وقال له: يا عبد الله، إنَّ هذه المشية مَبغوضة مِن قِبَل الله ورسوله.

فقال له المهلب: أما تَعرِفني؟

قال: بلى أعرفك... أولك نُطفة مَذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تَحمل العَذرة.

فمضى المهلب، وترك مشيته تلك دون أنْ يتعرَّض للرجل بسوء (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨١

يجمع كلَّ الناس خير الآباء آدم وأفضل الأديان الإسلام

روي عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، أنَّه مَرَّ برجل مِن أهل السَّواد، دميم المنظر، فسلَّم عليه، ونزل عنده، وحادثه طويلاً، ثمَّ عرض عليه القيام بحاجته إنْ عُرِضت له، فقيل له: يا ابن رسول الله، أتنزل إلى هذا، ثمَّ تسأله عن حوائجه، وهو إليك أحوج؟!

فقال (عليه السلام): (عبد مِن عبيد الله، وأخٌ في كتاب الله، وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيَّاه خير الآباء آدم، وأفضل الأديان الإسلام) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٢

الرَّبُّ واحد والجزاء بالأعمال

عن رجل مِن أهل بَلخ قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له، فجمع عليها مواليه مِن السودان وغيرهم.

فقلت: جُعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة!!

فقال: (مَه، إنَّ الرَّبَّ تبارك وتعالى واحد، والأُمُّ واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٣

قولوا السَّداد مِن القول ولا تغلوا

عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج على نفرٍ مِن أصحابه، فقالوا:

مرحباً بسيدنا ومولانا.

فغضب رسول الله غَضباً شديداً، ثمَّ قال:

لا تقولوا: هكذا، ولكنْ قولوا: مرحباً بنبيِّنا ورسول رَبِّنا، قولوا السَّداد مِن القول، ولا تغلوا في القول فتمرقوا) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٤

أخاف أنْ يَدخلني ما دخلك

لقد كان أكثر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فُقراء في صدر الإسلام، لكنَّ القرآن الكريم تعهَّد بتربيتهم على عِزَّة النفس، وقوَّة الشخصيَّة؛ بحيث لم يكونوا يخسرون أنفسهم مُقابل الزَّخارف المادِّيَّة، بالرَّغم مِمَّا كانوا عليه مِن الفَقر.

وكشاهد صريح على ما أقول، نذكر القصة التالية: روي أنَّ رجلاً موسِراً، دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ دخل رجل فقير، وجلس إلى جنبه، فجمع الموسِر ملابسه...

كان النبي مُنتبهاً إلى ذلك، فسأل الموسِر: (أخشيت مِن اتِّصال فقره بك؟!).

ـ كَلاَ.

ـ (أخشيت مِن انتقال شيءٍ مِن ثروتك إليه؟!).

ـ كَلاَ.

ـ (أخشيت مِن تلوِّث ملابسك؟!).

ـ كَلاَ.

ـ (فلِمَ جمعت ملابسك؟).

ـ الثروة التي تُلازمني في كلِّ حين، منعتني مِن رؤية الحَقِّ، وحبَّبت إليَّ عيوبي؛ ولأتدارك هذا فقد وهبت له نِصف ما أملِك.

فقال رسول الله للفقير: (أتقبل؟).

قال: لاَ.

فقال له الرجل: ولِمَ؟!!

قال: أخاف أنْ يدخلني ما دخلك!! (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٥

الطِّيرَة ليست بحَقٍّ

ولِدت طفلة في اليوم الثالث عشر مِن الشهر، وعندما شَبَّت وترعرعت، وعلمت بأنَّ ولادتها تُصادف اليوم الثالث عشر؛ بدأ الاضطراب يَدبُّ في نفسها.

كانت تتصوَّر أنَّ نحوسة يوم ولادتها (اليوم الثالث عشر) تؤدِّي إلى تعاستها، وقد اضطرَّ الوالدان؛ لتهدئة الفتاة إلى أخذها إلى عيادة طبيب نفساني، وبَذَلَ الطبيب كلَّ جهوده؛ لاقتلاع جذور القَلق مِن نفس الفتاة، ولكنَّ جهوده باءت بالفَشل في جميع مُحاولاته.

تزوَّجت هذه الفتاة بعد إنهاء دراستها الجامعيَّة، وولدت طفلاً، ولكنَّها بقيت تحترق بنار القَلق والاضطراب.

وصادف يوماً أنْ كانت في سيَّارتها، بصُحبة زوجها وطفلها، حين شاهدها الطبيب النفساني، فاستوقفهم واقترب مِن الشابَّة، وقال لها: أرأيت كيف صَدقت أقوالي فيك، وأنَّ اضطرابك كان لا مُبرِّر له؟

انظري كيف أنَّك سعيدة بجوار زوجك وطفلك.

أجهشت الشابَّة بالبكاء، وقالت: سيِّدي الطبيب، إنِّي مُتيقِّنة مِن أنَّ نَحْس العدد (١٣) ستؤدِّي إلى تعاستي ودماري!!

يعتقد علماء النفس، أنَّ التشاؤم وليد جهل الإنسان، وليس خطراً حقيقيَّاً، أو آفة واقعيَّة، إنَّهم يقولون: إنَّه عِبارة عن إيحاء مؤلِم، يؤدِّي إلى إضعاف الروح، ويُسيطر على قلب المُعتقد به وفكره.

كذلك الأئمَّة عليهم السلام، فإنَّهم اعتبروا التشاؤم حقيقة نفسيَّة، قد تؤدِّي إلى أمراض ومشاكل كثيرة.

قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الطِّيرَة ليست بحَقٍّ) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٦

يا رَبِّ أنت حولي ومِنك قوَّتي

أبو طيَّار تاجر مِن تُجَّار الكوفة، وتدهور وضعه المالي مَرَّة، فذهب إلى المدينة، وتشرَّف بلقاء الإمام الصادق (عليه السلام)، وذكر حالته له، وطلب مِن الإمام عِلاجاً لذلك.

أوَّل سؤال بَدأ به الإمام (عليه السلام)، هو أنَّه: (هل عندك حانوت في السوق؟).

قال: نعم، ولكنِّي هجرته مُنذ مُدَّة؛ لأنَّي لا أملك ما أبيع فيه.

فقال (عليه السلام): (إذا رجعت إلى الكوفة، فاقعُد في حانوتك واكنسه).

لا يوجد طريق لتدارك التدهور الاقتصادي، الذي أصاب تاجراً، بغير استعادة العمل والنشاط، وهذا لا يحصل مع اليأس والتردُّد، بلْ لا بُدَّ مِن العَزْم والاستقرار؛ ولذلك فإنَّ الإمام (عليه السلام) قال له: (إذا أردت أنْ تخرج إلى سوقك، فصَلِّ رَكعتين، ثمَّ قُلْ في دُبُر صلاتك:

توجَّهت بلا حول مِنِّي ولا قوَّة، ولكنْ بحولك يا رَبِّ وقوَّتك، فأنت حولي ومِنك قوَّتي).

عَمِل أبو طيَّار بوصيَّة الإمام (عليه السلام)، ففتح حانوته، ولم تمض ساعة حتَّى جاء إليه بزَّاز، وطلب منه أنْ يؤجِره نِصف حانوته، فوافق على ذلك شَريطة أنْ يدفع أُجرة الحانوت كلِّه، فجاء البزَّاز وبسط أمتعته في نِصف الحانوت، وهذا جعل الحانوت يبدو بشكل جديد.

كان البزَّاز يملك عِدَّة عِدول مِن القماش لم تفتح بعد، فطلب أبو طيَّار منه أنْ يسمح له ببيع عِدل منها، على أنْ يأخذ الأُجرة لنفسه، ويُعيد لجاره قيمة العِدل، فوافق على ذلك، وسلَّمه عِدلاً، فأخذ أبو طيَّار العدل وعرضه في النِّصف الآخر مِن الحانوت، وصادف أنَّ الجوَّ أصبح بارداً جِدَّاً في ذلك اليوم، بحيث أقبل الناس على

٨٧

السوق يشترون الأقمشة؛ لوقاية أجسامهم مِن البرد، وما أنْ غرُبت الشمس، حتَّى كانت الأقمشة كلُّها قد بيعت.

وفي هذا يقول أبو طيَّار: فما زلت آخذ عِدلاً وأبيعه وآخذ فضله، وأردُّ عليه رأس المال، حتَّى ركبت الدوابَّ واشتريت الرَّقيق وبنيت الدور (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٨

في أحد الأيَّام، وبينما كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يُصلِّي بالناس صلاة الصبح في المسجد، وعندما فَرغ مِن الصلاة، التفت إلى شابٍّ كان يُصلِّي خلفه، وقد اصفرَّ وجهه، وبدا عليه التعب مِن كثرة السَّهر، وبدا عليه أنَّه لم يَنمْ طوال الليل، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

(كيف أصبحت يا حارث؟).

فأجابه الشابُّ: لقد أصبحت وأنا على يقين.

فتعجَّب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن كلام الشابِّ وقال له: (إنَّ كلَّ يقين يقترن بحقيقة، فما هي حقيقة يقينك؟).

قال الشابُّ: يا رسول الله، إنَّ يقيني هو ما دعاني أنْ أسهر الليل، وأنْ أتغاضى عن مُغريات الدنيا. كأنِّي أنظر إلى عرش رَبِّي قد نصب للحساب، وحَشر الخلائق لذلك، وأنا فيهم، وكأنِّي أنظر إلى أهل الجَنَّة يتنعَّمون فيها ويتعارفون على الأرائك مُتَّكئين، وكأنِّي أنظر إلى أهل النار، فيها مُعذِّبون ويصطرخون، وكأنِّي أسمع الآن زفير النار يدور في مسامعي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (هذا عبد نوَّر الله قلبه بالإيمان)، ثمَّ قال له: (إلزم ما أنت عليه).

فقال الشابُّ: ادعُ الله لي يا رسول الله، أن أُرزق الشهادة معك.

فدعا له بذلك، فلم يلبث أنْ خرج في بعض غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستُشهد بعد تسعة نفرٍ وكان هو العاشر (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٨٩

جاءت مجموعة مِن قريش بينهم العتبة بن ربيعة، وأُبي بن خلف، والوليد بن المغيرة، والعاص بن سعيد جاؤوا إلى النبي، وتحدَّثوا أمامه عن المعاد بطريقة تنمُّ عن إنكارهم له، ثمَّ تقدَّم أُبي بن خلف نحو النبي، وهو يحمل بيده قطعة عَظم فهشَّمها بين أنامله بقوَّة، ثمَّ نفخ فيها فتناثرت ذرَّاتها في الهواء وقال:

أتزعم أنَّ رَبَّك يُحيي هذا بعد ما ترى؟!

لقد تصوَّر أُبيّ بن خلف، أنَّ تهشيمه قطعة العَظم، ونثر ذرَّاتها في الهواء، قد أقام الدليل القاطع على عدم وجود المَعاد واستحالته؛ ولهذا نراه يقول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): بعد الذي شاهدته، هل لازلت مُصرَّاً على رأيك، بأنَّ الناس يُبعثون يوم القيامة؟

وهنا جاء الرَّدُّ الإلهي مِن خِلال القرآن الكريم: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (يس) (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٠

لقِّنوا موتاكم شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله والولاية

عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (عليهما السلام) قال: كنَّا عنده، وعنده حَمران، إذ دخل عليه مولى له، فقال: جُعلت فِداك هذا عَكرمة في الموت.

وكان يرى رأي الخوارج، وكان مُنقطعاً إلى أبي جعفر.

ـ (أنظروني حتَّى أرجع إليكم).

فقلنا: نعم. فما لبث أنْ رجع.

فقال: (أما إنِّي لو أدركت عَكرمة، قبل أنْ تقع النفس موقعها لعلَّمته كلمات ينتفع بها، ولكنِّي أدركته، وقد وقعت النفس موقعه).

قلت: جُعلِت فِداك، وما ذاك الكلام؟

قال: (هو - والله - ما أنتم عليه، فلقِّنوا موتاكم شهادة أنْ لا إله إلاّ الله والولاية).

فالإمام الباقر (عليه السلام) يقول: لو أنِّي وصلت إلى عَكرمة، قبل أنْ تصل روحه إلى مكانها وموقعها الروحاني، في عالم ما بعد الموت، لعلَّمته كلمات يستفيد منها، وهنا سأله أبو بصير:

وما هو الكلام الذي أردت أنْ تُعلِّمه له؟

فقال الباقر (عليه السلام): والله، أردت أنْ أُعلِّمه الذي تؤمنون به أنتم، أيْ: إنَّ الإمام أراد أنْ يُعرِّف السائل، ويُلفت انتباهه إلى المقام الشامخ لولاية علي (عليه السلام)، ويُطلعه على الخطأ الذي ارتكبه الخوارج بحَقِّ عليٍّ (عليه السلام)، لعلَّه يرجع عن تأييده لموقف الخوارج، ويُنزِّه ويُطهِّر ضميره مِن سوء الظَّنِّ بالإمام عليٍّ (عليه السلام)، ويُغادر هذه الدنيا بقلب سليم ونقي ٍّ (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩١

مَن يتَّقِ الله يجعل له مَخرجاً

ذكر أحد القُضاة في مدينة همدان: أنَّه تعرَّف إلى شخصٍ مرموقٍ في هذه المدينة، واقترض هذا مبلغاً مِن المال مِن أحد الأشخاص، وأعطاه إيصالاً بخطِّ يده، تعهَّد فيه بتسديد مبلغ القرض في التاريخ الفُلاني، وفي التاريخ المُحدَّد أحضر المَدين المبلغ الذي اقترضه، وجاء إلى الدائن؛ ليُسلِّمه المبلغ، ويسترجع منه الإيصال، ولكنَّ الدائن قال له: إنِّي لا أدري أين وضعت إيصالك، وإذا توافق فإنِّي أُعطيك إيصالاً آخر، بدل إيصالك القديم. ووافق المَدين واستلم الإيصال مِن الدائن.

يقول القاضي: إنِّي كنت على علم بهذه القضيَّة، وبعد فترة توفِّي صديقي، وبعدها عثر الشخص الذي أُعطي القرض (الدائن) على الإيصال، الذي سبق أنْ أعطاه له المَدين (المُتوفَّى) فأخذ الإيصال، وذهب إلى زوجة المُتوفَّى، وطالبها بالمبلغ المذكور في الإيصال، وبما أنَّ الزوجة كانت على علم بالأمر، قالت للدائن: إنَّ زوجي عندما كان على قيد الحياة، دفع لك ما بذمَّته واستلم منك إيصالاً بذلك. فقال لها الدائن: إذنْ، أعطيني إيصالي. ولكنَّ الزوجة لم تعثر على الإيصال، فأقام الدائن دعوى أمام المحكمة ضِدَّ المَدين (المُتوفَّى) ، وطلب مِن قاضي المحكمة - وهو صديق المُتوفَّى - النظر في القضيَّة، والقاضي كان يعلم بأنَّ صديقه قد سَدَّد دينه، ولكنَّه وافق على النظر في القضيَّة؛ استناداً إلى القوانين القضائيَّة، وأبلغ زوجة صديقه المُتوفَّى بأنَّ عليها أنْ تعثر على إيصال المُدَّعي، وتُسلِّمه إلى المحكمة.

بحثت الزوجة كثيراً عن الإيصال، ولكنْ دون جدوى، وكان القاضي على وَشك أنْ يُصدِّر حُكمه لصالح المُدَّعي، عندها رأت الزوجة زوجها في المنام وسألته: هل سَدَّدت قرض فُلان؟

٩٢

فقال لها: نعم، سَدَّدت الدَّين، واستلمت إيصالاً مِن الدائن، فسألته زوجته: إذنْ، أين الإيصال؟ لقد فتَّشت جميع أرجاء البيت ولم أعثر عليه.

قال لها الزوج: الإيصال ليس في البيت، لقد أعطيته لفلان المُحامي، الذي وضع الإيصال داخل كتاب الدُّعاء، اذهبي إليه وخُذي الإيصال منه.

وفي صباح اليوم التالي، ذهبت الزوجة إلى بيت المُحامي، الذي أخرج الإيصال مِن الكتاب، كما أخبر بذلك زوجها، وسلَّمه للزوجة التي سلَّمته بدورها للمَحكمة، وأُغلق بذلك ملفَّ القضية (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٣

إنْ كان كما نقول نجونا ونجوتَ

ابن أبي العوجاء، كان دهريَّاً معروفاً في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، وكان يعيش في المدينة، وكثيراً ما كان يتشرَّف بلقاء الإمام الصادق (عليه السلام)، ويطرح عليه بعض الأسئلة، ويستفيد مِن الأجوبة التي كان يُقدِّمها الإمام. وكان ابن أبي العوجاء في بعض السنين، يذهب إلى مَكَّة في موسم الحَجِّ، لكي يُشاهد ما يفعله الناس. ولكنَّه بقي ماديَّاً حتَّى آخر حياته، ولم يؤمن بالله خالق هذا الكون، كما لم يؤمن بتعاليم الإسلام، وفي آخر سنة مِن حياته ذهب إلى مَكَّة أثناء موسم الحَجِّ، وكانت هي المَرَّة الأُولى التي يلتقي فيها بالإمام، وهو في طريقه إلى الحَجِّ، حيث أدَّى واجب الاحترام وخاطبه عبارة: (يا سيدي ومولاي) .

فقال له الإمام: (ما جاء بك إلى هذا الموضع؟).

قال: عادة الجَسد، وسُنَّة البلد؛ ولننظر ما الناس فيه مِن الجنون والحَلق ورمي الحِجارة.

قال الإمام: (أنت بعد على عتوِّك وضلالك يا عبد الكريم).

فذهب يتكلَّم، فقال الإمام له: (لا جِدال في الحَجِّ)، ونفض رِداءه مِن يده وقال: (إنْ يكن الأمر كما تقول - وليس كما تقول - نجونا ونجوت، وإنْ يكن الأمر كما نقول - وهو كما نقول - نجونا وهلكت).

فأقبل عبد الكريم على مَن معه فقال: وجدت في قلبي حَزازة فردُّوني.

فردُّوه فمات (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٤

لو عاينتم ما قد عاين مَن مات منكم

لجزعتم ووهلتم وسمعتم وأطعتم

قبل سنوات تعرَّفت على رجل مُثقَّف ومؤمن، كان يُتقن ثلاث لُغات، ويُحبُّ المُطالعة كثيراً، وكان يُحاول دائماً الحصول على مزيد مِن الكتب والمَجلاَّت العلميَّة، التي تصدر في مُختلف دول العالم؛ ليطَّلع مِن خلالها على الاختراعات والاكتشافات العلميَّة الجديدة في العالم، ولأنَّه كان رجلاً مُتديِّناً ومؤمناً؛ فإنَّه كان يأتي إلى بين الحين والآخر؛ ليسألني حول موضوع جديد قرأه في الكُتب والمَجلاَّت، وما إذا كان القرآن الكريم والأئمَّة (عليهم السلام) قد تطرَّقوا إلى مِثل هذا الموضوع أم لاَ.

وفي ظهيرة أحد أيَّام الصيف الحارَّة اتَّصل بي، وقال: أُريد أنْ أراك بسُرعة؛ حيث لديَّ موضوع جديد، أُريد أنْ أُطلعك عليه.

وبعد عِدَّة ساعات جاءني الرجل، وهو يحمل في يده مَجلَّة أجنبيَّة، ثمَّ فتح المَجلَّة وإذا فيها صورة رجل جالس على كرسيٍّ، وعلى رأسه قُبَّعة خاصَّة، تتفرَّع منها أسلاك عديدة تتَّصل بلوحة قريبة مِن الكُرسي، وفي نفس الصفحة مِن المَجلَّة عدد مِن لوحات الحفر الزنكوكرافي (الغرافر) مساحة كلَّ واحد منها، كمساحة علبة كبريت، وتظهر على كلِّ واحد منها خطوط بيضاء مُنكسرة، عريضة ورفيعة، ورفيعة جِدَّاً مُتباعدة ومُتقاربة، ومُتقاربة جِدَّاً، وهي تختلف مِن حيث قطرها وسماكتها وأشكالها.

لقد قاموا بتصميم وصنع هذه الأجهزة؛ لتقوم بتسجيل الموجات المُنبعثة مِن دماغ المريض، على شريط مِن ورق، يوضع تحت تصرُّف الطبيب؛ ليتمكَّن بواسطته مِن التعرَّف على طبيعة المرض الدماغي، الذي يُعاني منه المريض، وبالتالي وصف العلاج الذي تتطلَّبه حالة المريض، ولكنَّ لوحات الغرافر المطبوعة في هذه المجلَّة

٩٥

لا تصلح لأمراض الدماغ، بلْ إنَّهم قاموا بتسجيل هذه الموجات الدماغيَّة؛ ليعرفوا كيف تكون عليه موجات دماغ الإنسان، في حالات الهيجان: كالغضب، والخوف، والاضطراب، والتألُّم وسائر الحالات الأُخرى المُماثلة.

إذاً، فعمليَّة تخطيط الدماغ أو الرأس (وهي عمليَّة تسجيل الموجات الكهربائيَّة المُختلفة المُنبعثة مِن أجزاء الدماغ) تتمُّ لهذا الغرض، فهم قد أخذوا أجزاءً صغيرة مِن الأشرطة، المُسجَّلة عليها هذه الموجات الدماغيَّة الكهربائيَّة، على شكل لوحات الحفر الزنكوكرافي (الغرافر)، وطبعوها في هذه المجلَّة، وكتبوا تحت كلِّ لوحة مِن لوحات الكرافر عبارة: هذا هو شكل الموجات الدماغيَّة، لشخص في حالة الغضب، أو في حالة الخوف، أو في حالة الاضطراب، أو في حالات أُخرى مُشابهة.

وكتب أيضاً في تلك الصفحة مِن المجلَّة، بأنَّه مِن المُمكن إجراء تخطيط لدماغ إنسان، وهو في حالة النوم، وبالتالي التأكُّد مِمَّا إذا كان هذا الشخص النائم، هو في عالم الرؤيا، أو في وضع عادي، أو في حالة اضطراب وقلق وهيجان، وهل أنَّه يرى الآن أحلاماً مُزعجة ومُرعبة (كوابيس) أم لا؟

والأمر المُثير للانتباه، هو أنَّ الصفحة الأخيرة مِن تلك المِلَّة، تضمَّنت لوحة الحفر الزنكوكرافي - الكليشية - وعليها خطوط تختلف مِن حيث العدد، ومِن حيث الشكل مع تلك المرسومة على سائر اللوحات الغرافر الأُخرى، بحيث إنَّ لوحة الغرافر هذه محشوَّة ومُكتظَّة بالخطوط الكثيرة، وكتب تحتها عبارة هذه موجات دماغ إنسان مُحتضر (يُنازع الموت).

الوضع الاستثنائي، الذي كان يُشير إليه المُخطَّط البياني (الغرافر)، للشخص الذي يُنازع الموت، يُشير إلى هذه الحقيقة: وهي أنَّ الضغوط التي يتعرَّض لها الفرد المُحتضر، هي مِن الشِّدَّة والقوَّة، بحيث لا يُمكن مُقارنتها مع أقوى الضغوط التي يتعرَّض لها الإنسان، نتيجة الغضب والخوف والألم، وسائر الاضطرابات التي يواجهها خلال حياته.

وبعد أنْ قدَّم هذا الصديق المُحترم، توضيحاته حول لوحات الغرافر سألني

٩٦

قائلاً: ماذا تقول الروايات والأحاديث المنقولة عن الأئمَّة (عليهم السلام) عن مصاعب وشدائد الموت؟

قلت له: هناك روايات وأحاديث كثيرة في هذا المجال، مذكورة في نهج البلاغة، وفي سائر كتب الحديث، وقرأت عليه هذه الكلمة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):

(... فإنَّكم لو عاينتم ما قد عاين مَن مات منكم؛ لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم، ولكنْ محجوب عنكم ما قد عاينوا، وقريب ما يُطرح الحِجاب) (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٧

إنَّ الله يُحبُّ عبداً إذا عمل عملاً أتقنه

أُخبِر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم مِن الأيَّام، بأن سعد بن معاذ قد توفِّي؛ فنهض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن مكانه على الفور، ولحق به الصحابة الذين كانوا معه، فأمر بتغسيل سعد وتكفينه، وسار خلف جنازته، وهو يحمل الطرف الأيسر مِن النعش تارة، والطرف الأيمن تارة أُخرى، حتَّى وضعوا الجنازة إلى جانب القبر، فنزل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه إلى داخل القبر، وأخذ جسد سعد ووضعه في اللحد، وأخذ يُغطِّي اللحد بالحَجر والطين، ويَسدُّ المنافذ الموجودة فيه.

لعلَّ البعض مِن الذين شاهدوا ما قام به رسول الله، تساءلوا مع أنفسهم:

ما الفائدة مِن سَدِّ منافذ القبر بالأحجار والطين، طالما أنَّ اللِّحد سوف ينهار ويتلاشى تلقائيَّاً، عندما يُغطَّى بالأحجار والتراب؛ وذلك بسبب ثقل هذه الطبقة مِن الأحجار والتراب؟

بعد أنْ انتهى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن وضع التراب على القبر، قال للحاضرين ما معناه: إنِّي أعلم بأنَّ القبر سينهار ويتلاشى، ولكنَّ الله يُحبُّ عبداً إذا عمل عملاً أتقنه .

في أحد الأيَّام كنت أتحدَّث على المنبر، فقرأت هذا الحديث الشريف، وكان المجلس يعجُّ بالحاضرين، فجلست قليلاً حتَّى يفتح الطريق ويخفُّ الازدحام، وفي هذه الأثناء جاءني أحد الأشخاص، مِن الذين حضروا المجلس، وسلَّم عليّ وقال لي: إنِّي لم أفهم حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل جَيِّد، وأرجو أنْ توضِّح لي هذا الحديث.

فقلت: لا بأس، اجلس إلى جانبي.

٩٨

ثمَّ قلت له: إنَّني غالباً ما أسأل الأشخاص الذين لديهم أسئلة، يُريدون طرحها عليَّ، غالباً ما أسألهم عن طبيعة أعمالهم ومِهنهم التي يعملون فيها؛ وذلك لكي أذكر لهم بعض الأمثلة مِن نفس المجال، الذي يعملون فيه، الأمر الذي يُساعدهم على فهم الأجوبة التي أُعطيها لهم، فهل توافق على أنْ أسألك عن طبيعة عملك؟

قال: إنِّي أعمل طبيباً جرَّاحاً.

فكَّرت للحظة، وقلت في نفسي: إنَّ المِهنة التي يُزاولها هذا الشخص، يُمكن أنْ تُعينني على توضيح هذا الحديث، وبالتالي إفهامه فقلت: يا دكتور، إنَّ الشخص المحكوم عليه بالإعدام مِن قِبَل المحكمة، إذا أُصيب بمرض قبل تنفيذ حُكم الإعدام، تتمُّ مُعالجته ثمَّ يُنفَّذ فيه حُكم الإعدام، وهو بصحَّة جَيِّدة. والآن نفترض أنَّك رئيس قسم الجراحة في المَشفى، والشخص المحكوم مِن المُقرَّر أنْ يُعدم في الساعة الرابعة فجراً، ولكنَّه في الساعة العاشرة مساءً استلزم نقله إلى المَشفى، بعارضٍ مرضيٍّ شديد، فذهبت إلى المَشفى، ونُقل المريض إلى غرفة العمليَّات، فهل تُجري له العمليَّة الجراحيَّة بشكل دقيق، ووفقاً للأصول العلميَّة والطبيَّة المُتعارفة أم لا؟

أجاب الجراح: نعم بالتأكيد.

قلت: ولماذا تُجري له العمليَّة بدِقَّة وعناية، أليس هذا الشخص يجب أنْ يُعدم بعد عِدَّة ساعات؟

أجاب: إنَّ الإعدام لا عَلاقة له بعملي، فالعمليَّة الجراحيَّة يجب أنْ تتمَّ بصورة صحيحة ودقيقة، سواء أُعْدِم الشخص بعد ذلك أم لاَ.

قلت له: إنَّ هذا هو ما يُريد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يقوله؛ فهو يُريد القول: بأنَّ خراب وانهيار القبر لا عَلاقة له بعملي؛ لأنَّ الله يُحبُّ عبداً إذا عَمِل عملاً أنْ يُتقنه، ومِثل هذا الشخص الذي يُحبُّه الله لا يتخلَّى عن التدريب على إتقان العمل، تحت أيِّ ظرفٍ مِن الظروف.

٩٩

شكرني الطبيب الجرَّاح، على الجواب الذي قدَّمته له وانصرف.

وبعد أنْ انتهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن دفن سعد بن معاذ، خاطبت أُمُّ سعد ولدها قائلة له: هنيئاً لك الجَنَّة.

فقال رسول الله: (يا أُمَّ سعد، مَهْ، لا تجزمي على رَبِّك، فإنَّ سعداً قد أصابته ضَمَّة).

ورجع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمُشيِّعون مِن المقبرة، فسأله البعض: يا رسول الله، لقد بالغت في إكرام سعد بن معاذ، وقُمتَ مِن أجله بعمل لم تَقُمْ بمثله مع أحدٍ غيره، وقلت بعد ذلك: إنَّ سعداً تعرَّض لضغطة القبر!

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (نعم، إنَّه كان في خُلُقه مع أهله سوء) (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421