ابن عباس و أموال البصرة

ابن عباس و أموال البصرة0%

ابن عباس و أموال البصرة مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 93

  • البداية
  • السابق
  • 93 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29997 / تحميل: 6512
الحجم الحجم الحجم
ابن عباس و أموال البصرة

ابن عباس و أموال البصرة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أكاذيب وحقائق: الحلقة الأولى

ابن عبّاس و أموال البصرة

دراسة وتحليّل

جعفر مرتضى

الطّبعة الأولى، ١٣٩٦هـ،شعبان.

حقوق الطّبع محفوظة للمؤلف

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيّم

٣
٤

تقديم:

بسم الله الرّحمن الرحيّم

والحمّد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خير خلقه أجمعين، سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين.. .

وبعد:

فقد سنحت لي الفرصة أخيراً للقيام ببحث هذه القضّية، الّتي طالما تشوّقت لبحثها وتمّحيصها، وكشف النّقاب عن ظروفهاوملابساتها...

٥

هذه القضّية التي لها علاقة مباشرة بابن عبّاس الشّخصيّة الفذّة، الّذي قام بدور رئيس في تأييد الامام عليّعليه‌السلام ، سواء في حياة الإمامعليه‌السلام ، أم في تأييد حق علي وحق أهل البيت بعد وفاته( صلوات الله وسلامه عليه)،والرجل الّذي أشتهر بصراحته المثيرة ومواقفه الجريئة،والإنسان الّذي كان - وما يزال - يتمتّع بالاحترام والتقدير، وله شهرة علميّة وأدبيّة واسعة. والّتي لم تكن لتكون له؛ لو لم يكن يتمتّع بالمؤهّلات الحقيقيّة والنّادرة، الّتي رسخّت بمعطياتها هذه الشّهرة الواسعة، وجسّدت المثال الحيّ للشّخصيّة الّتي تستحق كلّ هذا الإحترام، وكلّ ذلك التّقدير..

ولكنّنا - ومع كل أسى وأسف - نُلاحظ: أنّه قد نُسب إلى هذا الرّجل بالذّات ،ابن عبّاس،ما يمس كرامته، ويطعن في نزاهته، ويُنّزله من أوج الجلال والمهابة.. إلى حضيض الذل والمهانة.. لقد نُسب إليه سرقة بيت مال البصّرة، حينما كان والياً عليها من قبل عليّعليه‌السلام ...

٦

ولعلّ ممّا يعمّق فينا الشّعور بالأسف والمرارة، أنْ نرى كاتباً، كبيراً، وأديباً بارعاً كالدّكتور طه حسين، يحاول إستغلال هذه القضيّة، فيعقد لها فصلاً خاصاً في كتابه: الفتنة الكبرى، ويعرضها - من ثمّ - على طريقته الخاصّة، ويحاول أن يصوّرها بشكل مقنع ومقبول.. ودون ما أيّ تمّحيص أو بحث، نراه يعتبرها من المسلّمات التّاريخيّة ، بالرغم من محاولاته التّشكيّك فيما هو أكثر قوةً ووضوحاً منها ثم هو يركّز عليها بشكل بارز وملحوظ في كثير من إستنتاجاته وملاحظاته، في العديد من الموارد في كتابه الآنف الذكر... .

وعلى كل حال.. ومهما يكن الدّافع لطه حسين في موقفه هذا من ابن عبّاس، وزير عليّعليه‌السلام ، ومدبّر أموره - على حدّ تعبير هذا الكاتب - ،فإنّ الشّيء الّذي لابدّ لنا من الإشارة إليه، هو:

إنّ شخصيّة ابن عبّاس الفذّة.. ، وإن بقيت طاغية على هذا الإتّهام، وخنقته في مهده أو كادت..، إلاّ أنّه لا يسع الباحث - في أيٍّ من الظّروف والأحوال - تجاهل إتّهام كهذا، والإستسلام في رده أو قبوله إلى إنّفعالات عاطفيّة، أو وجدانيّة بحتة.. كما قد يفعله الآخرون.. .

بل لابدّ للباحث المُنّصف من تلمُّس الحقيقة في الوقائع التّاريخيّة نفسها، ومحاكمة أيّة قضيّة في ضوئها، وعلى أساسها،

٧

بعد التّعرّف الكامل على الأجواء والمناخات التّاريخيّة، الّتي تُعطي الباحث الضّوء الأخّضر، وتمنحه شجاعة إصّدار الرّأي الحر، قبولاً أو رفضاً؛ إذا اقتضى الأمر أياً من الرّفض أو القبول..

وكان ذلك هو المنطلق في هذه الدّراسة الموجزة، كما سيلمسه القارئ بنفسه..

ومن الله نستمد العون..

وهو الموفق والمسدّد..

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

٨

ابن عبّاس في سطور:

هو: عبدالله ، بن العبّاس، بن عبد المطّلب، بن هاشم، بن عبد مناف..

أبوه: العبّاس، عم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمه: أمّ الفضل، لبابة بنت الحارث الهلاليّة..

ولادته: قبل هجرة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاث سنين، عنّدما كان بنو هاشم محاصرين في الشعب من قبل قريش.. وقيل: بل قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل غير ذلك. والأول هو الأشهر،وعليه الأكثر..

٩

وفاته: في سنة ٦٨هـ ،على أشهر الأقوال، أي: في خلافة عبدالملك بن مروان في الشّام، وعبدالله بن الزّبير في مكّة.. ،عن عُمْرٍ ناف على السّبعين. وكانت وفاته بالطّائف، وصلّى عليه محمّد بن الحنفيّة..

صفته: كان أبيضاً، طويلاً، جسيماً، وسيماً، صبيح الوجه، له وفرة، ولما كُفّ بصره، إعترى لونه صفرة يسيرة..

يقال: إنّه غزا أفريقية مع ابن أبي سرح سنة سبع وعشرين.

شهد مع عليّعليه‌السلام : الجمل، وصفّين، والنّهروان..

كان على مقدّمة عليّعليه‌السلام في حرب الجمل، كما ذكره الشّيخ المفيّد في كتاب الجمل..، لكن يظهر من آخرين أنّه كان على ميّمنة عليّ فيها..،وكان على ميسرة عليّعليه‌السلام في صفّين..

ولاّه عليّعليه‌السلام البصرة بعد حرب الجمل، واستمر والياً عليها إلى أن قُتل عليّعليه‌السلام في سنة أربعين..

وولّي البصرة أيضاً من قِبل الإمام الحسنعليه‌السلام ، وبقي عليها إلى أن صالح الحسن معاوية على شروط لم يفِ بها معاوية له.. ويقال: إنّه شهد الصّلح أيضاً..

١٠

رشّحه الإمام عليّعليه‌السلام ممثّلاً عنه في التّحكيم بعد صفّين، فرفضه أولئك الّذين أصبحوا فيما بعد خوارج..

ناظر الخوارج في النّهروان، وكان يُلقي عليهم ما يُلقّنه إياه الإمامعليه‌السلام ؛ فرجع منهم - على ما قيل - ألفان عن غيّهم وضلالهم..

كان مع الطّالبيين الّذين حاصرهم ابن الزّبير، وجمع الحطب حول دورهم، وأراد إحراقهم، فأنّقذتهم النّجدة من الكوفة من شر ابن الزّبير..

اشتهر عنه: أنّه كان يكتب الحديث، ويحتفظ به، ويقصد بيوت الصّحابة في طلبه..

اشتهر بالتّفسير والفقه، وقوّة العارضة في الجواب، وإيراد الحجج..

له مواقف، واحتجاجات ومناظرات مشهورة مع معاوية، وابن العاص، ومروان، وابن الزّبير.. وغيرهم، من أعداء عليّعليه‌السلام وأهل بيته..

كُفّ بصره في آخر عمره، فعيّره معاوية بذلك؛ حيث قال له: أنتم يا بني هاشم تُصأبون في أبصاركم. فقال له ابن عبّاس: وأنتم يا بني أميّة تُصأبون في بصائركم.. ؛ ولعلّ فقْده بصره ،كان هو المانع له عن الخروج مع الحسين، كما يُفهم من ابن كثير في البداية والنّهاية.. .

١١

وأخيراً.. فقد كان يتمتّع بمكانة مرموقة، سواء في حياة عليّعليه‌السلام ، أم بعد وفاته..، وأمّا مكانته من عليّ نفسه؛ فتلك غنيّة عن البيان. ويكفي أن نذكر: أنّ طه حسين يراه: (أقرب النّاس إلى عليّ، وآثرهم عنده). وأنّه: (صاحب رأي عليّ، وأعرف النّاس بدخيلة أمره) إلى آخر كلامه.. الّذي لا نرى حاجة لإيراده..

١٢

ابن عبّاس وأموال البصرة..

البداية

النّص التّاريخي للرّواية

قيس بن سعد الغاضب

ابن الزّبير أيضاً

١٣

١٤

البداية:

يذكر بعض المؤرّخين: أنّ ابن عبّاس قد سرق أموال البصرة ؛وذلك عنّدما كان والياً عليها من قبل ابن عمّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

ولقد أطال بعضهم في تفصيل هذه القضيّة، وذكر ملابساتها، ونصوص الكتب المتبادلة بين عليّ وأبي الأسود من جهة، ومن جهة ثانية: بين عليّ وابن عبّاس، وهو في البصرة تارة، وفي مكّة أخرى..

ونحن ننقل هذه القضيّة بعين النّصوص الّتي جاءت في المصادر الّتي رجعنا إليها،

١٥

ولا نُسقط منها إلاّ نصوص الكتب المتبادلة بين من ذكرنا آنفاً؛ لأنّنا رأينا: أن ذكر الرّسائل أيضاً سوف يطول به المقام، ويوجب - ولا شكْ - الملل لدى القارئ، كما لابدّ وأنْ نُشير إلى أنّنا قد حاولنا إدخال حديث بعض تلك المصادر في بعض، وتتميم ما نقص من بعضها، ممّا زاد في الآخر..

ونستطيع أن نعرض هذه الرّواية - بعدما قدّمناه - على النّحو التّالي:

(النّص التّاريخي للرّواية):

إنّه في سنة أربعين للهجرة(١) خرج عبدالله بن العبّاس من البصرة، ولحق بمكّة..

____________________

(١) تعيين السّنة قد ورد في: الكامل لابن الأثير، ج ٣ ،ص ٣٨٦ ،ط صادر، تارخ الطّبري، ج ٤ ،ص ١٠٨ ،ط مطبعة الاستقامة، تذّكرة الخواص، ص ١٠٧. وفي أنساب الأشراف،ج ١ ،ص ٤٠٥،ط الأعلمي ، قال: (وكان عبدالله قد نافر عليّاً بالنّهروان؛ ولحق بمكّة..).

١٦

وسبب ذلك: أنّ عبدالله قد مرّ - وهو والي البصرة - على أبي الأسود الدؤلي، فقال له: يا أبا الأسود، لو كنت من البهائم كنت جملاً، ولو كنت راعياً ما بلغت المرعى، ولا أحسنت مهنته في المشتا..

فكتب أبو الأسود إلى عليّ يتّهم ابن عبّاس: بأنّه قد أكل ما تحت يده، بغير علمه..

فكتب عليّ إليه: يشكره على وشايته، ويطلب منه إعلامه بكل ما يكون بحضرته..ثم كتب إلى ابن عبّاس: يطلب منه أن يرفع إليه حسابه..فأجابه ابن عبّاس نافياً التّهمة عن نفسه، ويطلب منه أن لا يصدّق الظّنون فيه..فأجابهعليه‌السلام بالإصرار على محاسبته، ومعرفة كل ما أخذه، وأين وضعه..فأجابه ابن عبّاس، بكلام قاسٍ، يتّهمه فيه: بأنّه قتل النّاس، وسفك الدّماء من أجل الملك،وأنّه ظاعن عن عمله؛ فليبعث مكانه من أحب ، فعندّما تسلّم عليعليه‌السلام كتابه تعجّب منه،

١٧

وقال: أو ابن عبّاس لم يشركنا في هذه الدّماء؟!..

ثم كتب إليه: أنّه هو أيضاً قد شارك في سفك هذه الدّماء، ولكنه يقول ذلك؛ لأنّه لاحياء له..

قالوا: ولمّا أراد ابن عبّاس الخروج من البصرة، دعا أخواله من بني هلال بن عامر؛ فجاءه الضّحّاك بن عبدالله - وكان على شرطة البصرة - وعبدالله بن رزين، وقبيصة بن عبد عون، وغيرهم من الهلاليّين. فقال الهلاليّون: لا غناء بنا عن إخواننا من بني سليم. ثم اجتمعت معه قيس كلّها.

وصحب ابن عبّاس أيضاً: سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي، والحصين بن أبي الحر العنبّري، والرّبيع بن زياد الحارثي..

فلما رأى عبدالله من معه، حمل المال - وهو ستة آلاف ألف - في الغرائز (قال أبو عبيدة: كانت أرزاقاً قد اجتمعت؛ فحمل مقدار ما اجتمع له)، ثم سار، واتّبعه أخماس البصرة(١) كلهم، فلحقوه بالطّف على أربعة فراسخ من البصرة؛ فتواقفوا يريدون أخذ المال.

____________________

(١) قيل لهم ذلك؛ لأنّ البصرة كانت قد قسّمت حسب القبائل إلى خمسة أقسام..

١٨

فقالت قيس: والله، لا يصلون إليه ومنا عين تطرف. فطلب صبرة بن شيمان بن عكيف الحداني، وهو رأس الأزد، الإنصراف؛ إبقاءاً على مودّة عشيرته مع قيس. واعتزلت أيضاً بكر، وعبد القيس. وأبى بنو تميم الإنصراف، فنصحهم الأحنف، فأصرّوا على القتال من أجل المال؛ فاعتزلهم الأحنف؛ فرأسوا عليهم ابن المجاعة التّميمي. فاقتتلوا قتالاً كثيراً، وحمل الضّحّاك على ابن المجاعة؛ فطعنه، فاعتنقه عبدالله بن رزين، فسقطا إلى الأرض يعتركان. وكثُرت الجرحى من الفريقين، ولم يُقتل أحد..

فقالت الأخماس: ما صنعنا شيئاً؛ اعتزلناهم، وتركناهم يتحاربون؛ فضربوا وجوه بعضهم عن بعض، وحجزوا بينهم، وقالوا لبني تميم: والله، لنحن أسخى أنفساً منكم؛ حين تركنا هذا المال لبني عمّكم وأنتم تقاتلونهم عليه؛ إنّ القوم قد حملوا وحموا، فخلّوا عن القوم، وعن ابن أختهم؛ ففعلوا ذلك..

ومضى ابن عبّاس، ومعه من وجوههم نحو عشرين، سوى مواليهم، ومواليه، ولم يفارقه الضّحّاك، ولا ابن رزين، حتى وافى مكّة..

١٩

وقال قائل أهل البصرة، وقيل: بل القائل هو راجز عبدالله بن العبّاس نفسه:

صبح من كاظمة الحض الغضب

سبع دجاجات وسنور جرب

مع ابن عبّاس بن عبد المطلب

وجعل ابن عبّاس يرتجز ويقول:

آوي إلى أهلك يا رباب

آوي فقد آن لك الإياب

وجعل أيضاً يرتجز ويقول:

وهنَّ يمشين بنا هميسا

أن يصدق الطير (...) لميسا(١)

فقالوا له: يا أبا العبّاس، أمثلك يرفث في هذا الموضع!، قال: إنما الرفث ما يقال عنّد النساء..

وكان ابن عبّاس يعطي في طريقه من سأله ، ومن لم يسأله من الضّعفاء، حتى قدم مكّة. ولمّا قدمها ابتاع من عطاء بن جبير، مولى بني كعب بن خزاعة: ثلاث مولِّدات: شادن، وحوراء، وفنون، بثلاثة آلاف دينار..

فأرسل إليه عليّعليه‌السلام كتاباً يؤنّبه فيه على شرائه الإماء بأموال اليتامى والأرامل ويتهدّده.

____________________

(١) محل النّقاط الثّلاث كلمة يُستقبح التّصريح بها.

٢٠