صموداً في الانطلاق، صموداً في المسيرة، وأخيراً تتويجاً لذلك الصمود بالنصر أو الشهادة.
وهكذا كان حِجْر وأصحاب حِجْر لأنهم كانوا ينتمون إلى جيل الأنبياء العظام والذين جاهدوا في سبيل قضية الله في الأرض..
فعندما كان المغيرة يخطب في أحد الأيام ويكثر من شتم الإمام، كان حِجْر - دائماً - يقوم ويعترض كلامه، فما كان من المغيرة ذات مرة، إلاّ أن هدده قائلاً: (يا حِجْر اتق غضب السلطان، فإنه كثيراً ما يهلك أمثالك)!.
وبالرغم من هذا التهديد الشديد لحجر، إلاّ أنّه استمر في معارضته ورفضه، ذلك لأنّه يعرف موقفه من الباطل، ويعرف أن صموده على هذا الموقف يعني انتصار الرسالة وانتصار الحقّ، وفي هذه المرة، وحيث لم يكن التهديد من قبل السلطة كافياً، فكّر الوالي الجديد في وسيلة أخرى لتجميد نشاط حِجْر، فاستعمل وسيلة الترغيب، ووعده بالأموال، والعطاءات الخاصة، والهدايا المستورة، فبمجرد أن جاء زياد بن أبيه إلى الكوفة والياً عليها، طلب حِجْر إليه، وقال له ضمن كلامٍ طويل: (وهذا سريري فهو مجلسك).
ويسكت حِجْر ولا يعطيه جواباً مقنعاً، ولكنّه يعطيه الجواب الصارم، عندما يخرج ويعاود نشاطه الثوري، ويعاود عقد الاجتماعات مع عناصره، لكي يثبت للناس أن الثائر الرسالي، موقفه واحد، وعمله يتّجه في اتجاه واحد، سواء كان الوالي هو المغيرة أو زياد, معاوية أو غيره.. وكان هذا الموقف صامداً حتى في ليلة الشهادة.
وبعد أن عرف الثوار إلى أين هم صائرون، بعد أن عرفوا أنّ تلك السيوف التي تبرق الآن لمّاعة بيضاءٍ، سيختفي بريقها ولمعانها حينما تأخذ طريقها إلى رقابهم.
في تلك الليلة كان اختبار الموقف الأخير، قال لهم الجلادون: (يا هؤلاء.. لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء.. فأخبرونا قولكم في عثمان؟.
وكان الموقف واحداً.. كان منذ البداية واحداً، واستمر إلى النهاية.. إنّه واحدٌ، رُغم أنّ السيف الذي يواجههم الآن، هو غير السيف الذي طاردهم في الكوفة، لكن ما دام السيفان يلتقيان على درب الباطل.. ويسيران في نفس الاتجاه، فإنّ الموقف هو واحد، وإن اختلف السيفان. ولذلك قالوا وبصوت واحد: (إنّه أوّل من جار في الحكم، وعمل بغير الحقّ).
ويسألونهم ثانية: (أوَ تتبرءون من هذا الرجل؟) أي الإمام، فقالوا وقضيّتهم لا تزال ترتسم أمامهم: (بل نتولاّه، ونتبرّأ ممن تبرّأ منه).
وهكذا علّم حِجْر كل الثائرين: (إذا جاء الجلاد لقتلك). (فأعلن كلمتك بصراحة).
هذه بعض المواقف التي كان عليها حِجْر لأنّه كان يريد إقامة