(بيّض الله وجهك كما بيّضت وجهي عند رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم
(في حفظ رسالته).
وبعد ذلك يتقدم حِجْر إلى الشهادة، بعد أن احتفل بعيد ميلاد ابنه همام، وقبل أن يقتل يوصي الحاضرين، ولكن كيف كانت وصيته؟ هل كانت أن يحافظوا على عائلته، ولا يأخذوا أمواله؟ كلاّ، إنّما كانت الوصية:
- (لا تغسلوا عني دماً..). (ولا تطلقوا عني حديداً..). (وادفنوني في ثيابي..).
وأمام دهشة الجميع، وتساؤلهم عن ذلك، استطرد قائلاً: (فإنّا جميعاً نلتقي غداً في الجادّة)..
ويتقدم السيّاف إليه، فيجفل حِجْر، ويقول له السيّاف: (زعمت أنّك لا تجزع من الموت).
فقال حِجْر: (ومالي لا أجزع، وأنا أرى قبراً محفوراً، وكفناً منشوراً، وسيفاً مشهوراً) أي أنني إنسان، وأنني بشر أخاف مثلما يخاف بقيّة الناس، وأجزع كما يجزع الناس، ولكنّي في سبيل مبادئي لا يهمنّي إن قدّمت حياتي طعمة للسيف.
وبعدها يقول له السيّاف: (مد عنقك).
فيقول حِجْر بكلّ تحدٍّ، وبكلّ ثبات على الموقف: (إنّ ذلك لدم ما كنت لأعين عليه، وما كنت لأعين عليه، وما كنت لأعين الظالمين). لماذا؟
لأنّ الرأس المناضل، المجاهد في سبيل تحقيق الحرية للجميع بترسيخ حكم الله، هذا الرأس لا يمكن أن يخضع لسيف الباطلّ حتى ولو سيطر عليه؛ لأنّ (الحقّ يعلو) في مثل هذه المواقف، وهذا الدم المراق، لن يراق ببساطة، أن يمدّ عنقه ليذبح كما يذبح الحيوان.
وبعد ثوان.. كان المجاهد العظيم يتمرغ في دمائه، ولحيته البيضاء قد تحولت إلى حمراء، يعلوها تراب الصحراء.. وبعد هذه الثواني ابتدأت حياة حِجْر من جديد؛ لأنّ يوم الشهادة للثائر، هو يوم ولادته، ويوم ولادته هو يوم شهادته.
هذه هي صفحات من حياة أحد الثوار، الذين جاهدوا، وناضلوا، وقدّموا حياتهم ثمناً لبقاء رسالة الله ولم تنتهِ حياتهم، إنّما ستستمر مع بقاء الرسالة باقية.
ولأنّ النداء، لا زال يأتي، من مرج عذراء، فسيبقى حِجْر رمزاً للشهادة، ومعلّماً للثائرين من أجل الله.
فسلام عليك يا حِجْر يوم فتحت مرج عذراء..
وسلام عليك يوم استشهدت بها..
وسلام عليك يوم تبعث في يوم القيامة، مع الشهداء والصديقين.