وراح يُعْلِنُها بالتالي دعوةً كريمةً، وصرخةً مدوِّيةً تدعو إلى الإصلاح والوحدة، وهما مفهومان يتلاحمان في شخصيّته وسيرته ودعوته العالميّة..
فإذا انضمَّ لكلِّ هذا الوعي الإخلاصُ، فإنَّ مِنَ الطبيعيّ أنْ يتْبعَه التفاني والتضحية ونسيان الراحة، وكلُّ ما يَمُتُّ إليها، وحينئذ يأتي النصرُ الإلهي المؤزّر لعباده الصالحين.
وهكذا كان الأمر، وسرتْ النيران لِتعصفَ بالعروش في إيران وتركيا ومصر، وهكذا تساقطتْ العروش الكرتونية التي حملتْ في أَمْخاخِها العمالةَ والاستكبار، ومشتْ دعوةُ جمال الدين في الأفئدة الحُرَّة؛ لتصوغ مُصْلِحِين مِن أمثال محمّد عبده، هذا الرجل العظيم الذي خَلَّدَ أُستاذه في كتاباته وأعماله معاً.
ومضى الزعيم المسلم إلى ربّه بعد أنْ غرس الروح الثوريّة في مُجْمَل الحياة الإسلاميّة؛ لتفرّع بعد ذلك بما يحقق أهدافه السامِيَة.
وظنّ الاستعمار أنّه ماتَ وماتتْ معه أفكارُه، وربّما ظنَّ أنّه يستطيع أنْ يُسَخِّرَ شخصيتَه لتغطية بعض عملياته هو، وراح يزرع عملاءَه هنا وهناك آمناً.
إلاّ أنّه فوجِيءَ بَعد مُدَّةٍ بالعملاق الإسلاميّ يتحرّك فيَهُزّ الأرض تحت أقدام العملاء، بل وينْطلِق مِنْ أرضٍ كان يعتبرها جزيرة الأمان، مِنْ إيران الثورة، فإذا بأكبر قلعةٍ استعماريةٍ تهتزُّ، وأعْتَى مُتكبِّرٍ يسقط بكلّ حقارةٍ، في قمامة التأريخ.
وقد لاحظ أنّ هذه الثورة المباركة تَحْمِلُ ملامحَ واضحةً، تتشابه مع ملامح شخصيّة الأفغانيّ، ولكنْ بشكلٍ أروع وأجلى وأبعد تأثيراً.
إنّها ثورةٌ دينيةٌ يقودها رجل العِلم الديني، وتَشْعَلُها الجماهير المسلمة، معلنةً لزوم عودة التصوّر الصحيح إلى العالَم الإسلاميّ كلِّه، وضرورة بَعْث الحماس الإسلاميّ في كلّ قطّاعاته وذلك لاستعادة الأمجاد الإسلاميّة