قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة21%

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة مؤلف:
الناشر: المؤسّسة الإسلاميّة للبحوث والمعلومات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 276

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50545 / تحميل: 5979
الحجم الحجم الحجم
قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة

مؤلف:
الناشر: المؤسّسة الإسلاميّة للبحوث والمعلومات
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

السفياني وأصحابه، فيهزمونهم ويأخذون المـُلْك من أيدي الظالمين، ويسلِّموها إلى أهلها من الهاشميِّين، وهو الإمام المهدي الموعود المنتظر (عليه السلام) الذي يخرج في مكَّة المكرَّمة.

11- وفي الملاحم والفتن لابن طاووس (رحمه الله)، ج1، باب (104)، ص33، أخرج بسنده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(تنزِلُ الرايات السود - التي تَخرجُ من خُراسان - الكوفة، فإذا ظهر المهدي [ عليه السلام ] بمكَّة بعثت إليه بالبيعة).

المؤلِّف:

أخرج يوسف بن يحيى الشافعي في عقد الدُّرر الحديث في رقم (172) بسنده عن أبي جعفر محمَّد بن علي (عليهما السلام) قال:

(تنزِلُ الرايات السود - التي تُقبِل من خُراسان - الكوفةَ، فإذا ظهر المهدي بمكَّة، بَعَثتْ بالبيعة إلى المهدي)، وقال: أخرجه أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد.

المؤلِّف:

وأخرج الحديث في العرف الوردي، ج2، ص69، ولفظه ولفظ السيِّد في الملاحم سواءٌ.

12- وفي الملاحم والفتن لابن طاووس، ج1، باب (105)، ص 33، أخرج بسنده عن كعب قال:

(إذا دارت رحى بني العبَّاس، وربَط أصحابُ الرايات السود خيولهم بزيتون الشام، ويُهلك الله لهم الأصهب، ويَقتله وعامَّة أهل بيته على أيديهم، حتَّى لا يبقى أُموي منهم إلاَّ هاربٌ ومختفٍ، ويَسقط السعفتان: بنو جعفر وبنو العبَّاس، ويجلس ابن آكلة الأكباد على منبر دمشق، ويَخرج البربر إلى سرة الشام، فهو علامةُ خروج المهدي).

المؤلِّف:

قوله: (علامةُ خروج المهدي) أي: تكون مقدِّمةً لخروج الإمام المهدي (عليه السلام) كما يظهر ذلك من كثير من أحاديث الباب وغيره.

٦١

13- وفي الملاحم والفتن لابن طاووس، ج1، باب (128)، ص40، أخرج بسنده عن أبي رومان، عن علي (عليه السلام) قال:

(إذا هَزمت الرايات السود خيلَ السفياني - التي فيها شُعيب بن صالح - تمنَّى الناس المهدي فيطلبونه، فيخرج من مكَّة ومعه رايةُ رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، فيصلِّي ركعتين - بعد أن ييأس الناس من خروجه لمَّا طال عليهم من البلاء - فإذا فرغ من صلاته انصرف، فقال: أيُّها الناس: ألحَّ البلاء بأُمَّة محمَّد (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، وبأهل بيته خاصَّة، قُهرنا وبُغيَ علينا).

المؤلِّف:

فيخرج الإمام المهدي (عليه السلام) بعد بيعة أصحابه الخاصَّة معه، وبعد خسفِ جيش السفياني في البيداء، ووصول خبرهم إليه، وقوله: (هذا الذي كنَّا ننتظره).

14- وفي الملاحم والفتن لابن طاووس (رحمه الله) ج1 باب (129)، أخرج بسنده عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(ثمَّ يظهر المهدي بمكَّة عند العشاء، ومعه رايةُ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، وقميصه، وسيفه، وعلامات ونور وبيان، فإذا صلَّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أُذكِّركم الله أيُّها الناس ومقامكم بين يدي ربِّكم، فقد اتَّخذ الحُجَّة، وبعث الأنبياء، وأنزل الكتاب، يأمرُكم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، وأن تحيوا ما أحيى القرآن، وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراً على التقوى، فإنَّ الدنيا قد دنى فناؤها وزوالها، وأَذِنت بالوداع، وإنِّي أدعوكم إلى الله وإلى رسوله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سُنَّته، فيظهر في ثلاثمئة وثلاثةَ عشرَ رجلاً عدَّة أهل بدرٍ، على غير ميعادٍ قُزعاً كقُزع الخريف ، رهبانٌ بالليل، أُسدٌ بالنهار

٦٢

فيفتح الله أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن [ في المدينة ] من بني هاشم، وتنزل الرايات السود الكوفة، فيبعث بالبيعة إلى المهدي، ويبعث المهدي جنوده إلى الآفاق، ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان، ويفتح الله على يديه القسطنطينيَّة).

المؤلِّف:

يأتي هذا الحديث الشريف بلفظ آخر في رقم (23) نقلاً من (القول المختصر) لابن حجر الهيتمي الشافعي المخطوط، ونسخته توجد في مكتبة أمير المؤمنين في النجف الأشرف عندنا، ويُطبع إنشاء الله في ذيل هذا الكتاب.

15- وفي الملاحم والفتن لابن طاووس، باب (132)، ص41، أخرج بسند عن رزين، عن علي (عليه السلام) قال:

(يُرسل الله على أهل الشام مـَن يُفرِّق جماعتهم حتَّى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، وعند ذلك يخرج رجلٌ من أهل بيتي في ثلاث رايات، المـُكْثِر يقول: خمسةَ عشرَ ألفاً، والمـُقْلِل يقول: اثني عشر ألفاً، أمارتهم: أَمت أَمت، على رايةٍ منها رجلٌ يطلب المـُلْك، أو يُبْتَغى له المـُلْك، فيقتلهم الله جميعاً، ويردّ الله على المسلمين أُلفَتهم وفاصتهم وبزارتهم).

قال ابن ليهعة: وأخبرني إسرائيل بن عبَّاد، عن محمَّد بن علي مثله، قال: حدَّثنا نعيم، حدَّثنا رشدين، حدَّثنا ابن لهيعة قال: وأخبرني عبد الرحمان بن سالم، عن أبيه، عن أبي رومان، عن علي (عليه السلام)، الحديث، إلاَّ أنَّه قال: (تسع راياتٍ سودٍ)، [ أي: مكان ثلاثِ راياتٍ في الحديث ].

المؤلِّف:

الحديث مرَّ ذكره في قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (المهدي رجلٌ من أهل بيتي)، في الباب (2) في رقم (110)، ورقم (111)، نقلاً من كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، ج7، ص317، ومن المستدرك للحاكم، ج4

٦٣

، ص553 ط حيدر آباد الدكن، والحديثين فيهما اختلاف في الألفاظ مع حديث الفتن، وفيهما مقدِّمة لم تُذكر في الفتن والله أعلم بسبب النقص والاختلاف.

وأخرج الحديث علي المتَّقي الحنفي في كنز العمَّال، ج7، ص263، نقلاً من المستدرك والملاحم والفتن، وأخرج الحديث ابن خلدون في كتابه المعروف (بمقدِّمة ابن خلدون، ص267)، ولفظه يَقرُب لفظ مجمع الزوائد ولا يساويه، راجع الباب (2) تجد اللفظين بنصِّهما.

16- وفي ينابيع المودَّة، ص193، أخرج بسنده من مسند أبي حاتم، وصحيح ابن حبَّان، وكتاب ابن السري بأسانيدهم عن ابن مسعود مرفوعاً أنَّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال:

(... إنَّا أهلُ بيتٍ اختار الله - تعالى - لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهلَ بيتي سيلقون بعدي إثرةً وشدَّةً وتطريداً في البلاد، حتَّى يأتي قومٌ من ها هنا - وأشار إلى المشرق - أصحابُ راياتٍ سودٍ، فيسألون حقَّهم فلا يُعطَوْنه - مرَّتين أو ثلاثاً - فيقاتلون فَيُنصَرُون، فيعطون ما شاؤوا فلا يقبلونها، حتَّى يدفعونها إلى رجلٍ من أهلِ بيتي، فَيَملَؤها عدلاً بعدما مـُلئت ظلماً، فمن أدرك ذلك [ منكم ] فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج).

.

المؤلِّف:

في الحديث اختصار، ويأتي في رقم (17) الحديث كاملاً، وقد أخرجه كاملاً ابن خلدون في المقدِّمة، وأخرجه الحاكم كاملاً، وأخرجه الذهبي كاملاً، ويأتي الحديث عن غيرهم.

17- وفي سُنن ابن ماجه، ج2، ص518، طبع مصر، سنة 1349، أخرج الحديث المتقدِّم بسندٍ متَّصل عن عبد الله بن مسعود - وله مقدِّمة - وهذا نصُّه:

بحذف السند عن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) إذ أقبلَ فتيةٌ من بني هاشم، فلمَّا رآهم النبي (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) اغرورقت عيناه، وتغيَّر لونه

٦٤

قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ فقال:

(إنَّا أهلُ بيتٍ اخْتارَ الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهلَ بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً، حتَّى يأتي قومٌ من قِبَل المشرق معهم راياتٌ سودٌ، فيسألون الخير فلا يُعْطَوْنه، فَيُقاتِلون فيَنُصَرُون فَيُعطَونَ ما سألوا فلا يَقْبلونه، حتَّى يدفعوها إلى رجلٍ من أهلِ بيتي، فَيَمْلَؤُهَا قسطاً كما مـَلَئُوهَا جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج).

المؤلِّف:

في الأربعين لأبي نعيم، أخرج نحوه، وقال فيه:

(حتَّى يأتي قومٌ من المشرق ومعهم راياتٌ سود، فيسألون الحقَّ فلا يُعْطَوْنه...). الحديث، وقال في آخره: (ومن استطاع منكم فليأتهم ولو حبواً).

18- وفي الصواعق المـُحرقة لابن حجر الهيتمي الشافعي، ص100 طبع مصر، سنة 1308 هـ، أخرج حديث عبد الله بن مسعود مع المقدِّمة، نقلاً من سُنن ابن ماجة بسنده عن عبد الله قال:

بينما نحن عند رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) إذ أقبلَ فتيةٌ من بني هاشم، فلمَّا رآهم (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) اغرورقت عيناه وتغيَّر لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ فقال:

(إنَّا أهلُ بيتٍ)، وذكر الحديث.

ولفظه يساوي لفظ ابن ماجة إلى قوله: (فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج)، وزاد فيه: (فإنَّ فيها خليفة الله المهدي).

المؤلِّف:

يظهر من لفظِ حديثِ ابن حجر في الصواعق أنَّه الحديث الذي في ينابيع المودَّة، وفي نفس السُنن أسقط منه قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (فإنَّ فيها خليفة الله المهدي).

هذا وقد أخرج الحديث في عقد الدُّرر - تأليف الشافعي - وفيه زيادات كثيرة، وإليك لفظه في الرقم الآتي.

19- وفي عقد الدُّرر، الحديث (162)، من الفصل (4)، أخرج بسنده عن علقمة بن قيس وعبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود قال:

٦٥

أتيتا رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، فخرج إلينا مـُستبشراً، يُعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيءٍ إلاَّ أخبرنا به، ولا سكتنا إلاَّ ابتدأنا، حتَّى مرَّت فئةٌ من بني هاشم، فيهم الحسن والحسين، فلمَّا رآهم خبر بممرهم، وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله: ما نزال نرى في وجهك شيئاً تكرهه، فقال:

(إنَّا أهلُ البيت اخْتار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّه سَيَلْقى أهلُ بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتَّى تُرفع راياتٌ سودٌ من المشرق، فيَسألون الحقَّ فلا يُعْطَوْنه، ثمَّ يَسألونه فلا يُعْطَونه، فيُقاتِلون فَيُنصَرَون، فمـَن أدركه منكم ومِن أعقابكم فليأتِ إِمامـَ أهلَ بيتي، ولو حَبْواً على الثلج؛ فإنَّها راياتُ هدىً يدفعونها إلى رجلٍ من أهلِ بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملك الأرض فيملأها قسطاً وعدلاً، كما مـُلئت جوراً وظلماً).

أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله في مستدركه هكذا، ورواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، والإمام أبو عبد الله محمَّد بن يزيد بن ماجه، والحافظ أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد، كلُّهم بمعناه.

المؤلِّف:

يأتي في رقم (29) الحديث من مستدرك الحاكم مع اختلافٍ، ويأتي بقيَّةُ ألفاظه من كتبٍ عديدة بعد رقم (29).

المؤلِّف:

تقدَّم لفظ ابن ماجه، ولفظ ابن حجر، ولفظ ينابيع المودَّة، وليس فيها ما في هذا الحديث من الألفاظ النافعة المهمَّة، ومنه يُعرف أنَّ ألفاظ الحديث في الكتب المتقدِّمة وقعَ فيها تغييرٌ أو تحريف.

وأخرج الحديث في كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان)، ص315، ولفظه يساوي لفظ ابن ماجه القزويني الشافعي، وأخرج الحديث ابن الصبَّاغ المالكي في كتاب الفصول المهمَّة في الفصل (12)، ص276 – 277، ولفظه يقرب لفظ ابن ماجه في سُننه وقال: أخرجه الحافظ أبو نعيم، ثمَّ ذكر بعده حديثاً آخر مختصر مضمونه فيه ما في الحديث السابق، وأخرجه الحاكم في المستدرك، ج4، ص553، وقد تقدَّمت ألفاظهم، ويأتي في رقم

٦٦

(29) لفظ الحاكم وغيره، ولفظ السيِّد في الملاحم والفتن، ج1، ص117، راجع رقم (33).

20- وفي الفصول المهمَّة الفصل (12)، ص277، الطبعة الثانية، النجف، سنة 1369 قال: وروى الحافظ أيضاً بسنده عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله):

(إذا رأيتم الرايات السود من خراسان فأتوها ولو حَبْواً على الثلج؛ فإنَّ فيها خليفة الله المهدي).

المؤلِّف:

أخرج أبو نعيم حديث ثوبان في الأربعين حديث الذي جمعه في أحوال الإمام المنتظر (عليه السلام)، وذكر السيِّد في غاية المرام، ص700 جميع الأربعين حديث، ومن جملتها حديث ثوبان، ولفظه يساوي لفظ ابن الصبَّاغ.

وأخرجه يوسف بن يحيى في عقد الدُّرر في الحديث (173)، ولفظه عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(تجيءُ الرايات السود من قِبَل المشرق، كأنَّ قلوبهم زُبَرَ الحديد، فمن سَمِع بهم فليأتهم فيبايعهم، ولو حَبْواً على الثلج).

أخرجه الإمام أبو نعيم في صفةِ المهدي، وأخرج السيِّد في غاية المرام، ص700 هذا الحديث بلفظه نقلاً من الأربعين حديث لأبي نعيم وقال فيه: (كأنَّ قلوبهم من حديد...). الحديث، وهو الحديث (104) من الأحاديث التي جمعها في الإمام المهدي (عليه السلام).

وأخرج ذلك جلال الدين السيوطي الشافعي في العرف الوردي، ج2، ص63، ولفظه يساوي لفظ ابن الصبَّاغ المالكي في الفصول المهمَّة.

21- وفي الأربعين حديث للحافظ أبي نعيم في الحديث (31) من الأحاديث التي أخرجها السيِّد في غاية المرام، ص700، فقد أخرج بإسناده عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله):

(يَقْتتل عند كَنْزِكُم ثلاثةٌ كلُّهم ابن خليفة، ثمَّ لا يصير [ الأمر ] إلى واحدٍ منهم، ثمَّ تجئ الرايات السود من قِبَل المشرق، فيقتلونهم

٦٧

قتلاً لا يُقاتله قومٌ... ثمَّ يجئ خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه؛ فإنَّه خليفة الله المهدي).

المؤلِّف:

أخرج يوسف بن يحيى الشافعي حديث ثوبان في كتابه عقد الدُّرر، الحديث (89)، ولفظه يخالف لفظ أبا نعيم، وهذا نصُّه: عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(يَقْتَتِل عند كَنْزِكُم ثلاثة، كلُّهم ابن خليفة، ثمَّ لا يصير إلى واحدٍ منهم، ثمَّ تَطْلع الرايات السود من قِبَل المشرق، فيقاتلونهم قتالاً لم يُقاتِله قومٌ - ثمَّ ذكر شيئاً، فقال -: إذا رأيتموه فبايعوه، ولو حَبْواً على الثلج؛ فإنَّه خليفة الله المهدي).

أخرجه الحافظ عبد الله الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يُخرجاه.

وأخرج أبو نعيم بمعناه وقال: موضع قوله: (ذَكَر شيئاً): (ثمَّ يجيء خليفة الله المهدي)، وأخرج الحديث في رقم (92) ولفظه لفظ الأربعين لأبي نعيم وقال في آخره: (ثمَّ يجيء خليفة رسول الله المهدي)، ثمَّ قال: أخرجه أبو نعيم هكذا، وأبو عمرو الدَّاني في سُننه، وسيأتي الحديث في رقم (26)، وفي لفظه زيادةٌ واختلاف نفهم منه معنى الحديث.

22- وفي الأربعين حديث للحافظ أبي نعيم، وهو الحديث (33) من الأربعين حديث، قال: وعن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(تجيءُ الراياتُ السودُ مِن قِبَل المشرق، كأنَّ قُلوبَهم مِن حديدٍ، فمـَن سَمِع بهم فليأتِهم ولو حَبْواً على الثلج) .

المؤلِّف:

تقدَّم حديث عن ثوبان في رقم (20) ولفظه يقرُب هذا اللفظ، وفيه زيادةٌ واختلافٌ لا يغيِّر المعنى.

المؤلِّف:

الحديث مـُفصّل اختصره أبو نعيم، وقد أخرجه في

٦٨

كتاب البيان، ص313 مفصَّلاً، ويأتي لفظه في رقم (26)، وأخرجه في مقدِّمة ابن خلدون، ص267، وتكلَّم في رجالِ الحديث؛ لأنَّهم ليسوا على مذهبه وفيهم من يتشيَّع، وأخرجه ابن ماجه في سُننه، ج2، ص269، ويأتي لفظه في رقم (27) إنشاء الله.

23- وفي كتاب (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) تأليف ابن حجر الهيتمي الشافعي قال:

الرابعة والعشرون : - من علامات الإمام المهدي (عليه السلام) - يظهر من مكَّة عند العشاء، معه رايةُ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، وقميصُه، وسيفُه، وعلامات، ونور، وبيان، فإذا صلَّى العشاء خطبَ خطبةً طويلة، ودعى الناس إلى طاعةِ الله وطاعةِ رسوله، فيفتح له أرض الحجاز، ويُخرِج مـَن في السجن من بني هاشم، ويبعث الرايات السود إليه من الكوفة، ويبعث جنوده في الآفاق.

المؤلِّف:

وذكر ابن حجر قبل هذا الحديث في العدد (18) وقال: ينزل قبل رايات سود من خراسان بالكوفة فإذا ظهر [ وليُّ الله الحُجَّة (عليه السلام) ] بمكَّة بعث إليه بمكَّة.

24- وفي عقد الدُّرر، الحديث (176) قال: وعن الحسين قال:

( يَخرجُ بالريِّ رجلٌ رُبْعةٌ أَشَمُّ، مولى لبني تميم، كوسج، يقال له: شُعيب بن صالح، في أربعةِ آلافٍ، ثيابهم بيض، وراياتهم سود، يكون على مقدِّمة المهدي، لا يلقاه أحدٌ إلاَّ فَلَّه).

أخرجه أبو عبد الله في كتاب الفتن.

المؤلِّف:

تقدَّم الحديث في رقم (4) نقلاً من كتاب الملاحم والفتن، ص31، ولفظه يُخالف هذا اللفظ، وقال: رواه عبد الله بن إسماعيل البصري، عن أبيه، عن الحسن والظاهر، أنَّ في أحدِ الحديثين تحريف.

٦٩

25- وفي عقد الدُّرر، الحديث (143)، أخرج بسنده عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال:

(انظروا الفرج في ثلاث ، قلنا: يا أمير المؤمنين: وما هي؟ قال: اختلاف أهلِ الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان! فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ قال: أوَ ما سمعتم قول الله عزَّ وجلَّ في القرآن: ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمـَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) ، وهي آيةٌ تُخرِج الفتاةَ من خِدرها، وتُوقظ النائم، وتُفزع اليقظان!).

أخرجه أبو الحسن أحمد بن جعفر المـُنادي.

26- وفي كتاب البيان للكنجي الشافعي، ص336، طبع إيران، سنة 1322 هـ، أخرج بسنده عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

(يُقتل عند كَنْزِكُم ثلاثةٌ كلُّهم ابن خليفة، ثمَّ لا يصير إلى واحدٍ منهم، ثمَّ تجئ الرايات السود، فيقتلونهم قتلاً لم يَقتُله قومٌ، ثمَّ يجئ خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه؛ فإنَّه خليفة الله المهدي).

المؤلِّف:

أخرج العلاَّمة السيِّد هاشم البحراني الحديث في غاية المرام، ص701 نقلاً من كتاب البيان للكنجي الشافعي، وفي لفظه اختلاف وزيادة، ويظهر منه: أنَّ الحديث - في طبع إيران - فيه سَقْط، وهذا نصُّ ما في غاية المرام: عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

( يقتتل عند كَنْزِكُم ثلاثةٌ كلُّهم ابن خليفة، ثمَّ لا تصير إلى واحدٍ منهم، ثمَّ تطُلع الرايات السود مِن قِبَل المشرق فيقتلونهم قتلاً لم يَقتُله قومٌ - ثمَّ ذكر شيئاً لا احتفظه، ثمَّ قال النبي (صلَّى الله عليه وآله): فإذا رأيتم أميرهم فبايعوه ولو حَبْواً على الثلج؛ فإنَّه خليفة الله المهدي). أخرجه الحافظ ابن ماجه.

المؤلِّف:

بالتأمُّل في هذا الحديث الشريف يتَّضح لك الحديث المتقدِّم في رقم (20)، ورقم (21)، ورقم (22)، وأخرج الكنجي الحديث أيضاً في الباب الرابع من كتاب البيان، ص313، طبع إيران، وهذا

٧٠

لفظه عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

(يُقتل عند كَنْزِكُم ثلاثةٌ كلُّهم ابن خليفة، ثمَّ لا تَصير [الخلافة] إلى واحدٍ منهم، ثمَّ تطُلع الرايات السود من قِبَل المشرق، فيقتلوهم قتلاً لم يقتله قوم - ثمَّ ذكر شيئاً لا أحفظه - قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حَبْواً على الثلج؛ فإنَّه خليفة الله المهدي).

المؤلِّف:

تأمَّل دقيقاً لعلَّك تعرف الفرق بين اللفظ الذي أخرجه في غاية المرام، واللفظ الذي في كتاب البيان، ثمَّ قال الكنجي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، أخرجه الحافظ ابن ماجه القزويني في سُننه كما سُقناه.

المؤلِّف:

ثمَّ أخرج الكنجي الحديث بسند آخر، ولفظه فيه اختصار واختلاف، وهذا نصُّه: عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

(يُقتل عند كَنْزِكُم ثلاثةٌ، ثمَّ يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه وبايعوه؛ فإنَّه خليفة الله المهدي).

ثمَّ قال الكنجي: قلت: رواه عبد العزيز بن المختار، عن خالد الحذّاء نحوه، إلاَّ أنَّه قال في حديثه:

(تجيء راياتٌ سودٌ مِن قِبَل المشرق كأنَّ قلوبهم زُبَر الحديد - فمن سَمِع بهم فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج - حتَّى يأتوا مدينة دمشق، فيهدمونها حَجَراً حَجَراً ويقتلون بها أبناء الملوك).

رواه أبو نعيم في مناقب المهدي (عليه السلام) عن الطبراني، رُزِقْناه عالياً بحمد الله.

27- وفي سُنن ابن ماجه، ج2، ص269، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(يَقتَتِل عند كَنْزِكُم ثلاثةٌ كلُّهم ابن خليفة، ثمَّ لا يَصير إلى واحدٍ منهم، ثم تَطلُع الرايات السود مِنْ قِبَل المشرق، فَيقْتلُونكم قتلاً لم يُقْتَلْهُ قومٌ - ثمَّ ذكر شيئاً لا أحفظه - فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حَبْواً على الثلج؛ فإنَّه خليفة الله المهدي).

٧١

المؤلِّف:

ذكر أبو الحسن محمَّد بن عبد الهادي الحنفي نزيل المدينة، سنة 1138 عند شرحه للحديث في الهامش ص269، ج2، من سُنن ابن ماجه قوله: (عند كَنْزِكُم): أي: مـُلْكِكِم.

وقال ابن كثير: الظاهر أنَّ المراد بالكنز المذكور [ في الحديث ] كنز الكعبة، [ قال ]: وقوله: (ثمَّ تطلع الرايات السود).

قال ابن كثير: هذه الرايات السود ليست هي التي أقبلَ بها أبو مـُسلم الخُراساني فاستلب بها دولة بني أُميَّة، بل راياتٌ سودٌ أُخرى تأتي صحبة المهدي.

قال: وقوله: (خليفة الله المهدي)، كذا ذكره السيوطي، قال: وفي الزوائد، أي زوائد المسند، هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك، ج4، ص463، ويأتي لفظه في رقم (28) إنشاء الله.

المؤلِّف:

قال جلال الدين السيوطي في كتابه العرف الوردي، ص60، أخرج أحمد، والترمذي، ونعيم بن حمَّاد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(تَخرجُ مِن خُراسان راياتٌ سودٌ، فلا يَرُدَّها شئٌ حتَّى تُنْصب بإيلياء).

قال ابن كثير: هذه الرايات ليست هي التي أقْبل بها أبو مسلم الخُراساني، فاستلب بها دولةَ بني أُميَّة، بل راياتٌ سودٌ أُخرى تأتي صحبة المهدي.

المؤلِّف:

أخرج جلال الدين في كتاب العرف الوردي - قَبل نقلِه هذا الحديث - حديثاً عن أحمد بن حنبل، والترمذي، والطبراني بأسانيدهم عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(يَخرج ناسٌ مِن المشرق [ خراسان ] فَيُوطِّئون للمهدي سُلطانه).

وهم أهل الرايات السود المذكورين في الحديث، وهم الذين أمر النبي (صلَّى عليه وآله وسلَّم) بمبايعة الناس مع أميرهم، وهو المهدي (عليه السلام).

المؤلِّف:

وقع اختلاف في المصادر في كلمة: (كَنْزِكُم)، ففي

٧٢

مقدِّمة ابن خلدون قال: عند (كِبَرِكُم)، وفي نسخةٍ للبيان قال: عند (كَرْبِكُم)، وفي الأكثر عند (كَنْزِكُم)، والظاهر أنَّ الصحيح هو هذا، وعليه وافقت الشرَّاح للحديث، والله أعلم.

28- وفي المستدرك للصحيحين - البخاري ومسلم - للحاكم النيسابوري الشافعي، ج4، ص463، أخرج بسنده عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

(يَقْتَتِل عند كَنْزِكُم ثلاثةٌ كلُّهم ابن خليفة، ثمَّ لا يصير إلى واحدٍ منهم، ثمَّ تَطلُع الرايات السود مِن قِبَل المشرق، فيقاتلونكم قتالاً لم يُقاتِلْه قومٌ - ثمَّ ذكر شيئاً - فقال: إذا رأيتموه فبايعوه ولو حَبواً على الثلج، فإنَّه خليفة الله المهدي ).

ثمَّ قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين.

المؤلِّف:

هذا الحديث الشريف، أخرجه جماعةٌ من الحُفَّاظ وعلماء الحديث في كتبهم المعتبرة، وقد تقدَّم ذِكْرُ بعضهم في رقم (26)، وقد أخرجوه بألفاظٍ مختلفةٍ مفصَّلةٍ ومختصرةٍ وهم جماعة.

منهم: ابن الصبَّاغ المالكي في الفصول المهمَّة في الفصل الثاني عشر في ص277، وقد تقدَّم لفظه في رقم (20).

منهم: الحافظ أبو نعيم في أربعينه، وقد تقدَّم لفظه في رقم (21).

منهم: يوسف بن يحيى الشافعي، وقد أخرجه في عقد الدُّرر، وقد تقدَّم لفظه في رقم (21) (23) أيضاً.

ومنهم: ابن حجر الهيتمي، فإنَّه أخرجه في الصواعق المحرقة، ص 100، ولفظه يَقرُب لفظ ابن الصبَّاغ المالكي في الفصول المهمَّة.

ومنهم: علي المتَّقي الهندي الحنفي، أخرج الحديث في كنز العمَّال، ج7، ص186، الحديث (1932)، نقلاً من سُنن ابن ماجه ومستدرك

٧٣

الحاكم عن ثوبان وقد تقدَّم لفظ ابن ماجه في رقم (27)، ولفظ الحاكم في رقم (28)، وفي لفظيهما اختلاف يسير.

ومنهم: السيوطي في العرف الوردي، ج2، ص63.

ومنهم: القندوزي في ينابيع المودَّة، ص431، وقال: أخرجه أحمد، والبيهقي في دلائل النبوَّة.

ومنهم: علي المتَّقي في كنز العمَّال، ج7، ص187، أخرج بسنده من مسند الفردوس للديلمي أنَّه قال:

عن ثوبان: (سَتطْلُع عليكم راياتٌ سودٌ من قِبَل خُراسان، فأتوها ولو حَبواً على الثلج؛ فإنَّه خليفة الله تعالى المهدي). الديلمي عن ثوبان.

المؤلِّف:

تقدَّم الحديث في رقم (3)، ورقم (20) من كُتبٍ عديدة لعلماء أهل السنَّة، وليس في ألفاظهم هذا اللفظ.

ومنهم: الشبلنجي في نور الأبصار، ص154 من أربعين أبي نعيم، ولفظه يساوي لفظ ابن الصبَّاغ، وقد تقدَّم في رقم (20).

ومنهم: السيِّد في الملاحم والفتن، ج1، ص31، باب (94)، وقد تقدَّم في رقم (3).

29- وفي المستدرك للحاكم، ج4، ص464، أخرج بسنده عن عبد الله بن مسعود قال:

أتينا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فخرج إلينا مـُستبْشِراً يُعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيءٍ إلاَّ أخبرنا به، ولا سكتنا إلاَّ ابتدأنا، حتَّى مرَّت فِتيةٌ من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلمَّا رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟!

٧٤

فقال: (إنَّا أهلُ بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّه سَيلْقى أهلُ بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتَّى تَرتَفِع راياتٌ سودٌ من المشرق، فيَسألُون الحقَّ فلا يُعْطُونه، ثمَّ يَسألونه فلا يُعْطُونه، ثمَّ يسألونه فلا يُعْطُونه، فيقاتلون فَيُنصَرون، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمامـَ أهلِ بيتي ولو حَبْواً على الثلج، فإنَّها راياتُ هدىً يدفعونها إلى رجلٍ من أهلِ بيتي).

30- وفي ينابيع المودَّة، ص433، أخرج الحديث المتقدِّم من جواهر العقدين وقال: ولابن ماجه عن طريق إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال:

بينا نحن عند رسول الله (ص) إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي (ص) اغرورقت عيناه وتغيَّر لونه، فقلت: يا رسول الله: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟! فقال:

(إنَّا أهلُ بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهلَ بيتي سَيَلْقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً، حتَّى يأتي قومٌ من قِبَل المشرق معهم راياتٌ سودٌ، فيَسألون الخير فلا يُعْطُونه، فيُقاتلِون فَيُنْصَرون، فيُعْطَون ما سألوه فلا يَقْبلونه، حتَّى يدفعوها إلى رجلٍ من أهلِ بيتي فيملأها قسطاً كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج).

المؤلِّف:

أخرج الحديث في العرف الوردي عن ابن أبي شَيْبة في سُننه، [ وعن ] نعيم بن حمَّاد في الفتن، وعن ابن ماجه في سُننه، وأبي نعيم، عن ابن مسعود، وزاد في آخره بعد قوله: (ولو حبواً على الثلج)، (فإنَّه المهدي).

وقال السيوطي: فيه دلالةٌ على أنَّ المهدي يكون بعد دولة بني العبَّاس.

المؤلِّف:

من الغريب أن يخفى على جلال الدين السيوطي المتوفَّى سنة 911 أنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بعد انقضاء دولة العباسيين وغير العباسيين، وأمَّا الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في سُننه، ج2، ص269

٧٥

فحديثين، تقدَّم أحدُهما في رقم (27)، والحديث الآخر هذا بحذف السند عن علقمة، عن عبد الله قال:

(بينما نحن عند رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إذ أقبل فِتيةٌ من بني هاشم...). الحديث، ولفظه يساوي لفظ الحديث المنقول من جواهر العقدين فيما تقدَّم بلا اختلافٍ وبلا زيادةٍ.

المؤلِّف:

قال شارح السُنن: (اغرورقت) أي: غَرِقتا بالدموع .

وهذا الحديث الشريف أخرجه الحاكم في المستدرك، وأخرجه غيره، فهو حديثٌ ثابتٌ رواته من رواة الصحاح، كالجامع للترمذي، والسُنن لأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، ومن رواةِ صحيح مـُسلم، وفيهم من يتشيَّع، أي: يُقدِّم أمير المؤمنين في الفضل على غيره؛ ولأجل ذلك توقَّف بعض المـُتعصِّبين عن روايته.

وقد تقدَّم نقلُ الحديث من كتاب البيان للكنجي الشافعي، ومن سُنن ابن ماجه، ومن الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي الشافعي، وأخرج السيِّد في الملاحم والفتن الحديث بلفظ آخر كما في ج1، ص32 راجع الحديث الآتي.

31- وفي الملاحم والفتن لابن طاووس، ج1، ص32، قال:

الباب (100) فيما ذكره نعيم - مِن نصرِ الذي اسمه اسم النبي (عليه السلام) برايةٍ من المشرق - قال: حدَّثنا نعيم، حدَّثنا عبد الله بن مروان، عن العلاء بن عقبة، عن الحسن:

(أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) ذَكَرَ بلاءً يلقاه أهل بيته، حتَّى يبعث الله رايةً من المشرق سوداء، من نَصَرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتَّى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي، فيولُّوه أمرهم، فيؤيِّده الله ويَنصُره).

المؤلِّف:

قد تقدَّم الحديث في رقم (8)، وعلَّقنا عليه وقلنا: إنَّ الحديث في روايته تصحيف، والرواية عن الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، عن النبي، كما في عقد الدُّرر، الحديث رقم (174) من الباب (5)، ولفظُه يساوي لفظَه.

٧٦

المؤلِّف:

إنَّ هذا الحديث هو الحديث السابق المروي في كُتبٍ عديدة، ولكنَّ الراوي اختصره كما هو عادةُ الرواة، وهو أمرٌ غير صحيح؛ لأنَّه يوجب الإجمال وعدم الوصول إلى معنى الحديث.

المؤلِّف:

ويأتي في باب أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) أحاديث عديدة ذُكر فيها الرايات السود، وأنَّهم من أصحابه وأنصاره، غير أنَّهم يتقدَّمون عليه، وعند انتصارهم يُسلِّمون الأمر إليه.

وقد ذُكر من أوصافهم أنَّ راياتِهم سودٌ صغارٌ، وقلانِسُهم سود، وثيابهم بيض، وهم على خلاف الجيش الذي حارب بني أُميَّة وأخذ السلطة منهم وسلَّمها إلى بني العبَّاس، وهم أصحاب أبي مسلم الخراساني.

وفي العرف الوردي، ج2، ص68 قال: أخرج نعيم بن حمَّاد، عن الحسن:

(أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ذكر بلاءً يلقاه أهلُ بيته، حتَّى يبعث الله رايةً من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتَّى يأتي رجلٌ اسمه كاسمي، فيولُّونه أمرهم، فيؤيِّده الله وينصره).

المؤلِّف:

الظاهر أنَّ المراد من الحسن في هذه الرواية - وغيرها - هو: الحسن البصري على اصطلاح علماء أهل السنَّة.

32- وفي كنز العمَّال، ج6، ص68، نقلاً مِن مسند علي (عليه السلام)، قال: وعن أبي الطفيل، أنَّ علياً (عليه السلام) قال له:

(يا عامر: إذا سمِعتَ الرايات السود مـُقبلة مِن خُراسان، فكنت في صندوقٍ مـُقْفلٍ عليك، فاكْسر ذلك القفل، وذلك الصندوق، حتَّى تُقتل تحتها! [ أي: تحت الرايات السود ] فإن لم تستطع [ أي: أن تمشي ] فتدحرج حتَّى تُقْتلَ تحتها [ أي: تحت الرايات السود ]) .

قال السيوطي: - بعد نقل الحديث - قال: أخرجه أبو الحسن علي بن عبد الرحمان بن أبي السري البكالي في جزء من حديثه.

٧٧

33- وفي الملاحم والفتن للسيِّد ابن طاووس، ج1، ص117 قال: أخرج زكريا في الفتن، بسنده عن عبد الله، قال:

بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، إذ مرَّ فِتيةٌ من قريش، فتغيَّر لونه، فقلنا: يا رسول: الله إنَّا لا نزال نرى في وجهك شيئاً نَكرَهُهُ؟! قال:

(إنَّا أهلُ بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهلَ بيتي هؤلاء سيُصيبُهم بعدي بلاءٌ، وتطريدٌ، وتشريدٌ، حتَّى يَخرُج قومٌ مِن ها هنا - وأومأ بيده نحو المشرق - معهم راياتٌ سودٌ، يَسألون الحقَّ فلا يُعْطَوْنه، ويَسألون فلا يُعْطَوْن، فيُقاتِلون ويصبِرون، فيُعْطونَ ما سألوا، فلا يقبلُونه، حتَّى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي، يملأها قسطاً وعدلاً كما مـُلِئت ظلماً وجوراً، فمن أدركهم فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج).

المؤلِّف:

تقدَّم الحديث من كُتبٍ عديدةٍ وألفاظ الجميع تُخالف لفظ السيِّد في الملاحم والفتن؛ ولذلك أخرجناه.

٧٨

البَابُ الخامِس وَالعِشرُون

1- في عقد الدُّرر، الحديث (122) من الباب (4)، أخرج بسنده عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال:

(السفياني: من وُلْدِ خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجلٌ ضخمـُ الهَامةِ، بوجهه آثار جُدري، بعينه نُكتةُ بياضٍ، يَخرُج من ناحيةِ مدينة دمشق، في وادٍ يقال له: الوادي اليابس، يَخرُج في سبعةِ نفرٍ، مع رجلٍ منهم لواءٌ معقود، يُعرَفون به في النصر، يَسيرُ بين يديه على ثلاثين ميلاً، لا يَرى ذلك العلم أحدٌ يريده إلاَّ انهزم).

أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد في الفتن.

المؤلِّف:

أخرج ابن الصبَّان في إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار في ص127 حديثاً مفصَّلاً في علامات الإمام المهدي (عليه السلام)، والنداء السماوي، أخرجنا أوَّله في أحاديث النداء في رقم (6).

وذَكرَ في آخره من كتاب (المسائل الظريفيِّة) للشيخ مجدولي: أنَّ السفياني رجلٌ من وُلدِ خالد بن يزيد بن أبي سفيان، ضخم الهامة، بوجهه أثرُ الجُدري، وبعينه نكتهٌ بيضاء، يخرج من ناحية دمشق، وعامَّة من يَتْبعه من كلب [ اسم عشيرة ]، يفعل الأفاعيل، ويقتل قبيلةَ قيسٍ.

[ ثمَّ قال ]: وإنَّ المهدي يستخرج تابوتَ السكينة من غار أنطاكية، وأسفار التوراة من جبلٍ بالشام، يُحاجُّ به اليهود فيُسْلِم كثيرٌ منهم [ قال ]: وإنَّه يكون بعد موت المهدي

٧٩

القحطاني: رجلٌ من أهل اليمن، يَعدِل في الناس، ويسير فيهم بسيرة المهدي، يمكث مدَّة ثمَّ يُقتل.

المؤلِّف:

يأتي في رقم (45)، حديث نور الأبصار - الذي فيه علامات الإمام المهدي (عليه السلام) - بتفصيله، راجع واغتنم أيُّها الطالب.

2- وفي عقد الدُّرر، الحديث (123)، من الباب (4)، أخرج بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(يَخرجُ رجلٌ يُقال له: السفياني، في عمق دمشق، وعامَّة من يَتْبعه من كلب [ أي: من عشيرة كلب ] ، فيَقتلُ حتَّى يَبْقر بطون النساء، ويَقْتل الصبيان، فتجمع لهم قيس، فيقتلها، حتَّى لا يمنع ذنب تلعة، ويَخرجُ رجلٌ من أهل بيتي في الحرم [ أي: مكَّة ] فيبلغ [ إلى ] السفياني [ خروجه ] فيبعث إليه من جُنْدِه فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه، حتَّى إذا جاز بِبَيْدَاءَ مِن الأرض خُسِف بهم، فلا ينجو منهم إلاَّ المـُخبِر عنهم).

أخرجه أبو عبد الله الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، ولم يُخرجاه.

المؤلِّف:

أخرج الحديث في كنز العمَّال، ج7، ص188، نقلاً من المستدرك للحاكم، عن أبي هريرة، وهذا نصُّه:

(يَخرج رجلٌ يُقال له: السفياني، في عُمقِ دمشق، وعامَّة من يَتْبعه من كلب، فيَقتُل حتَّى يبقر بطون النساء، ويقتلُ الصبيان، فتجمع لهم قيس، فيقتلها، حتَّى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجلٌ من أهل بيتي في الحرَّة، فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جُنْداً من جُنْدهِ فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمِن معه، حتَّى إذا صار بِبَيْدَاءَ من الأرض خُسف بهم، فلا ينجو منهم إلاَّ المـُخبِر عنهم).

(ك، عن أبي هريرة).

3- وفي عقد الدُّرر، الحديث (124) من الباب (4)، عن المهاجر

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

رقيقاً... بلْ رأى أنَّهم سيكونون النواة القويَّة لأُمَّة الإسلام كلِّها، كذلك لم يرَ الحسينعليه‌السلام في أيِّ شخصٍ مِن أصحابه امرأً يُمكن الاستغناء عنه، بلْ رأى أنّهم مُكمِّلون لركب الرسالة الأوَّل، الذي بدأ ضعيفاً بنظر قريش وأعداء الإسلام، ورأى أنَّ أيَّ شخصٍ يلتحق عن قناعة وفهم بركبه، سيكون عُنصر قوَّة إضافيَّة لتلك الثورة التي بناها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومِن هنا كان حُرصه على نصيحة مَن يستشفُّ أنَّهم قد يكونون مؤهَّلين للمسير معه والـمُساهمة بثروته(١) .

أمَّا مَن لم يُحالفه التوفيق مِن الـمُخلصين للانضمام إلى ركب الشهداء، فسوف يُمثِّل النواة لانطلاقة جمهور الثورة فيما بعد الواقعة.

في ثورة أهل المدينة وثورة التوَّابين وثورة الـمُختار.

____________________

(١) وتنفَّس صُبْح الحسين: ص٢٥٥.

١٦١

الـمُجتمع الكوفيِّ واستجابة الإمام لرسائلهم

يُعدُّ الـمُجتمع الكوفيِّ مِن أغرب وأعقد الـمُجتمعات، في تركيبته الاجتماعيَّة في عهد الثورة الحسينيَّة، حيث كانت الكوفة مِن أعظم الأمصار الإسلاميَّة وأكثرها كثافة سُكَّانيَّة، وبدأ تاريخها الإسلامي في السنة السابعة عشرة للهِجرة بعد فتح العراق مُباشرة ومَصَّرها المسلمون في تلك السنة(١) .

(وكان بناؤها الأوَّل بالقصب فأصابها حريق فبُنيت باللُّبن، وكانت شوارعها العامَّة بعرض عشرين ذراعاً بذراع اليد، وأزقَّتها الفرعيَّة بعرض سبعة أذرُع، وما بين الشوارع أماكن البناء وهي بسعة أربعين ذِراعاً والقطايع وهي بسعة وسِتِّين ذراعاً...

وزاد عمران الكوفة زيادة مفاجئة، حين هاجر إليها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام فاتَّخذها مقرَّاً له بعد وقعة الجَمل سنة ٣٦ للهجرة، وكان دخوله إليها في الثاني عشر مِن شهر رَجب... وتقاطر على الكوفة - إذ هي عاصمة الخلافة - كبار المسلمين مِن مُختلف الآفاق وسكنتها القبائل العربيَّة مِن اليمن والحِجاز والجاليات الفارسيَّة مِن المدائن وإيران...

وغلب على الكوفة تحت ظِلِّ الحُكم الهاشمي التشيُّع لعليٍّ ووِلْدهعليه‌السلام ، ثمَّ لم يزل طابعها الثابت اللون، ووجد معه - بحُكم اختلاف العناصر التي يمَّمت المصر الجديد -

____________________

(١) صِلح الإمام الحسن: ص٦٤.

١٦٢

أهواء مُناوئة أُخرى، كانت بعد قليل مِن الزمن أداة الفتن، في أكثر ما عصفت بالكوفة مِن الزعازع التاريخيَّة والرَّجَّات العنيفة لها وعليها)(١) .

فبمُقتضى تعدُّد القوميَّات والفئات والقبائل؛ فلا بُدَّ أنْ تتعدَّد النزعات والأهواء والمصالح، كلُّ قوميَّة لها خصائصها الفكريَّة والنزعات الخاصَّة في الحياة، وكلُّ قبيلة تعيش إطارها القِبَلي الضيِّق، وكلُّ فئة تحمل هَمَّها المصلحي الدنيوي الخاصّ؛ لأنَّ جميع هذه الأطراف لم تصل في الوعي الإسلامي مُستوى تذوب عنده الفوارق والنزعات والاتِّجاهات؛ فتكون النتيجة الطبيعيَّة لهذه التركيبة الاجتماعيَّة أنْ تبرز التناقضات في الموقف، ويكون الـمُجتمع مُهيَّأَ للفرقة والتشتُّت والتقلُّب.

ونلمس هذا مِن الـمُعاناة التي عاناها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في تربيته لهذا الـمُجتمع، وقد وصفعليه‌السلام ذلك الـمُجتمع بقوله: (إنَّهم أناس مُجتمعة أبدانهم، مُختلفة أهواؤهم، وإنَّ مَن فاز بهم فاز بالسَّهْم الأخيب، وأنَّه أصبح لا يطمع في نُصرتهم ولا يُصدِّق قولهم)(٢) .

وفي خُطبة لهعليه‌السلام شخَّص تلك التناقضات التي يعيشها ذلك الـمُجتمع، وأشار إلى الـمُعاناة التي عاشها معهم والمرارة التي تجرَّعها في سبيل تقويمهم، قالعليه‌السلام : (لقد أصبحت الأُمَم تخاف ظُلم رُعاتها، وأصبحتُ أخاف ظُلم رعيَّتي، استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سِرَّاً وجَهراً فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، أشهودٌ كغياب وعبيدٌ كأربابٍ؟ أيُّها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عقولهم الـمُختلفة أهواؤهم، الـمُبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم يُطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يُطيعونه، لوددت - والله - أنَّ مُعاوية صارفني بكم

____________________

(١) صلح الإمام الحسن: ص٦٥.

(٢) الإمامة والسياسة: ١ / ١٣٨.

١٦٣

صَرْف الدينار بالدرهم، فأخذ مِنِّي عشرة منكم وأعطاني رجُلاً منهم.

يا أهل الكوفة، مُنيت بكم بثلاث واثنتين: صُمٌّ ذوو أسماع، وبُكمٌ ذوو كلام، وعُمي ذوو أبصار، لا أحرار صِدْق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء، تربت أيديكم، يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلَّما جُمِعت مِن جانب تفرَّقت مِن جانب)(١) .

لقد أعطى أمير المؤمنين عليٌّعليه‌السلام الصورة الواضحة للظواهر الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة للـمُجتمع الكوفي، ولقد كانت تجربة أمير المؤمنينعليه‌السلام مع هذا الـمُجتمع تجربة مُرَّة، وكذلك تجربة ولديه الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام .

أمَّا التشيَّع الذي ذُكِر أنَّه كان طابعاً واضحاً على مُجتمع الكوفة، فإنِّي لا أعتقد أنَّ ذلك التشيّع هو ذلك الإيمان الصحيح الواعي لقضيَّة أهل البيت وموقعهم مِن القرآن والرسالة، والذي يعني الفهم الصحيح للإمامة وموقعها مِن العقيدة الإسلاميَّة وأنَّها صِنو الرسالة.

نعم، توجد شريحة في ذلك الـمُجتمع تحمل هذا الإيمان وهذا الوعي، إلاَّ أنَّها قليلة بالقياس إلى كَثافة ذلك الـمُجتمع، وهذه الشريحة هي التي كان نصيبها الـمُطاردة والقتل، والسجن والتجويع مِن قِبَل الحُكَّام الأُمويِّين.

أمَّا التشيُّع الذي كان واضحاً على الـمُجتمع الكوفي في عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام فإنَّه التشيُّع العاطفي الـمُجرَّد مِن الوعي الرسالي، وهذا الـمُستوى مِن التشيُّع ليس له ذلك التأثير الثابت على مواقف الإنسان، فسُرعان ما يتغيَّر ويتأثَّر بالمؤثِّرات الخارجيَّة مِن ترغيبٍ أو ترهيبٍ، وهذه هي السِمة البارزة على مُجتمع الكوفة، وقد شخَّصها الفرزدق عند لقائه مع سيِّد الشهداء في أثناء الطريق في منطقة تُسمَّى بـ (الصفاح).

____________________

(١) نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده: ص١٨٨ وص١٨٦.

١٦٤

(قال الفرزدق للإمامعليه‌السلام : بأبي أنت وأُمِّي! يا بن رسول الله، ما أعجلك عن الحَجِّ!.

فأجابه بأُسلوب الحكيم: (لو أُعجِّل لأُخِذت)، فلم يُطِل معه. ثمَّ سأله الإمام عن أوضاع الكوفة، فقال الفرزدق: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أُميَّة، وأضاف قائلاً: والقضاء ينزل مِن السماء، والله يفعل ما يشاء، وربُّنا كلُّ يوم هو في شأن.

فصادق الإمام على ما تُنزِله وتقتضيه إرادة السماء فقال:

(صدقت، لله الأمر مِن قبلُ ومِن بعد، يفعل الله ما يشاء وكلُّ يومٍ ربُّنا في شأن، إنْ نزل القضاء بما نُحبُّ فنحمد الله على نعمائه، وهو الـمُستعان على أداء الشكر، وإنَّه حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدَّ مَن كان الحَقُّ نيَّته والتقوى سريرته).

وأردفعليه‌السلام قائلاً:

لئِنْ تكن الدنيا تُعدُّ نفيسةً

فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإنْ كانت الأبدان للموت أُنشئت

فقتل امرئٍ بالسف في الله أفضل

وإنْ كانت الأرزاق شيئاً مُقدَّراً

فقلَّة سعي المرء في الرزق أجمل

وإنْ كانت الأموال للترك جمعها

فما بالُ متروكٍ به الـمَرْءُ يبخل

١٦٥

ففهم الفرزدق صَرامة الإمام وعزمه الـمُقدام على الـمُضيِّ حتَّى الفتح الأكبر)(١) .

فنُلاحظ - هنا - أنَّ الفرزدق قد شخَّص حالة مُجتمع الكوفة آنذاك، وبأنَّه يعيش حالة مِن الانشطار ما بين واقعه النفسي والعاطفي، وبين المواقف العمليَّة تِجاه الإمام، فهو يحمل عاطفة تِجاه الحسينعليه‌السلام ولكنْ لـمَّا كانت هذه العاطفة لم يكنْ منشؤها الوعي الإيماني، المبنيَّ على الفهم الصحيح لدور أهل البيت وموقعهم القيادي في حياة الأُمَّة... لـمَّا لم تكن هذه العاطفة كذلك لم يكن لها أيُّ أثر على موقف ذلك الـمُجتمع تجاه الإمامعليه‌السلام .

وقد كشف أبو الأحرار في خُطبته يوم عاشوراء الواقع السيِّء لذلك الـمُجتمع، حينما قالعليه‌السلام - وقد وجّه خطابه إليهم قائلاً - لهم:

(تبَّاً لكم أيَّتُها الجماعة وترحاً، أفحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجِفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم،

____________________

(١) التسيير الذاتي لأنصار الحسين: ص١٥٩ وص١٦٠، هذا وقريب منه أنَّ الإمام الحسينعليه‌السلام التقى مع الفرزدق في مكان يُقال له: (الشقوق) موضع بعد زُبالة للذاهب مِن الكوفة إلى مَكَّة وذكر الأبيات الأربعة مع بعض الاختلافات، كلُّ ذلك ذكره ابن أعثم الكوفي الـمُتوفَّى نحو ٣١٤ هـ في الفتوح: ج٥: ص٧١، وكذلك نقل الـمُقرَّم عن الخوارزمي في مقتله ج١ ص٢٣٣ وقال: (اشتباه)، بينما نقل ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب: ج٤: ص١٠٣ طبع دار الأضواء: فلـمَّا نزل شقوق أتاه رجل فسأله عن العراق فأخبره بحاله فقال: (إنَّ الأمر لله يفعل ما يشاء وربُّنا تبارك كلُّ يومٍ هو في شأن، فإنْ نزل القضاء فالحمد لله على نعمائه وهو الـمُستعان على أداء الشكر، وإنْ حال القضاء دون الرجاء فلم يبعُد مَن الحَقُّ نيَّتُه) ثمَّ أنشد:

فإنْ تكن الدنيا تُعدُّ نفيسةً

فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإنْ تكن الأموال للترك جمعها

فما بالُ متروكٍ به الحُرُّ يبخل

وإنْ تكن الأرزاق قِسماً مُقدَّراً

فقلَّة حرصٍ المرء في الكسب أجمل

وإنْ تكن الأبدان للموت أُنشئت

فقتل امرئٍ بالسيف في الله أفضل

عليكم سلام الله يا آل أحمدٍ

فإنِّي أراني عنكمُ سوف أرحل

فيبدو مِن ابن شهرآشوب: أنَّ الذي التقى مع الإمامعليه‌السلام رجل غير الفرزدق، وأنَّ الأبيات أنشدها الإمام وكانت لغيره، خصوصاً مع إضافة البيت الخامس، بينما الذي ذكره ابن أعثم والخوارزمي: إنَّ الذي التقى مع الإمامعليه‌السلام هو الفرزدق والأبيات للإمام أنشأها.

١٦٦

وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوِّنا وعدوِّكم، فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاَّ لكم الويلات، تركتمونا والسيف مَشيم والجأش طامن والرأي لـمَّا يَستحصِف، ولكنْ أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثمَّ نقضتموها، فسُحقاً لكم يا عبيد الأُمَّة، وشُذَّاذ الأحزاب، ونَبذة الكتاب، ومُحرِّفي الكَلِم، وعُصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومُطفئي السُّنن. ويحَكُم! أهؤلاء تعضدون وعنَّا تخاذلون. أجل والله، الغدر فيكم قديم، وشجت إليه أصولكم، وتآزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمرة شجىً للناظر وأكلة للغاصب)(١) .

وأيُّ تصوير أدقُّ مِن هذا التصوير لما اتَّصف به ذلك الـمُجتمع مِن مظاهر اجتماعيَّة مُنحرفة، وما ساده مِن النزعات الشيطانيَّة والرذائل الخُلقيَّة مِن سرعة التلوُّن والغدر والانقلاب، على مَن جاء مُلبِّياً استغاثتهم؛ ليُخلِّصهم مِن رِبقة الذِّلِّ الذي كانوا يعيشونه، تحت وطأة الظلم مِن أعدائهم وأعداء الأُمَّة، فسُرعان ما وقفوا إلى جانب جلاَّديهم في وجه مُحرِّريهم، فأصبحوا القوَّة الضاربة، والأداة الـمُنفِّذة لمآرب الظالمين.

وقد أصبحوا بذلك مِن أحطِّ شعوب الأرض، فهُمْ عبيد الأُمَّة وشُذَّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، وعصبة الإثم ومُحرِّفي الكَلِم ومُطفئي السُّنن... إلى آخر القائمة مِن الصفات الدنيئة والنزعات الشريرة.

____________________

(١) اللهوف: ص٥٨.

١٦٧

وهنا تأتي الإشكاليَّة ويطرح السؤال نفسه: أما كان الإمام الحسينعليه‌السلام مُطَّلعاً على سلبيَّات هذا الـمُجتمع وتقلُّباته؟ ألم يُعايش الإمام هذا الـمُجتمع إلى جانب أبيه أمير المؤمنين وأخيه الإمام الحسنعليهم‌السلام في مِحنتهما مع الـمُجتمع الكوفيِّ؟ فكيف يثق الإمام في هؤلاء، فيستجيب لرسائلهم ودعوتهم بالخروج إليهم حتى حَدَثَ ما حَدَثَ؟

هذا الأشكال أو هذا التساؤل طالما طُرِح مِن قِبَل الكثيرين في القديم والحديث، وقد أُجيب عليه بوجوه مُختلفة، تتناسب مع القراءات الـمُختلفة والتفسيرات الـمُتعدِّدة للثورة الحسينيَّة الـمُقدَّسة، وهنا يأتي الجواب مَبنيَّاً على ما سَبَق مِن القراءات لنصوص الثورة، فنُذكِّر القارئ الكريم بما أشرنا إليه سابقاً مِن أنَّ الإمام الحسينعليه‌السلام لم يكن الانتصار العسكري على الدولة الأُمويَّة في حساباته، وأنَّ الهدف الـمُقدَّس الذي وضعه نُصب عينيه - ولا هدف سواه - هو التضحية والشهادة لإيقاظ الأُمَّة مِن رقْدتها الـمُميتة، وتجديد روح الجهاد ومُقاومة الفساد والانحراف؛ ولتبقى هذه الروح سارية المفعول في حياة الأُمَّة بكلِّ أجيالها.

وإنَّ هذا الهدف وذلك التصميم لدى سيِّد الشهداء لم تبعثه رسائل أهل الكوفة، وإنَّما الباعث له هو الشعور بالمسؤوليَّة أمام الله والإسلام والأُمَّة؛ لأنَّه تكليف ربَّاني اندفع الإمام للقيام به وامتثاله.

ولم يكن أبو الأحرار يجهل حال الـمُجتمع الكوفي وتناقضاته، إلاَّ أنَّ الإمام وجد المسير نحو العراق هو أفضل الخيارات - إنْ لم يكن الخيار الوحيد الـمُناسب لهدفه الـمُقدَّس - لا لأنَّهم كتبوا إليه فقط، بلْ لأنَّ العراق أنسب أرضيَّة اجتماعية تتنامى فيه جماهير الثورة فيما بعد الشهادة، بالرغم مِن أنَّ الـمُجتمع الكوفي قد نفَّذ إرادة السلطة الحاكمة في قتال وقتل الإمامعليه‌السلام ؛ نظراً إلى ما أشرنا إليه فيما سَبَق مِن وجود شريحة واعية لقضيَّة أهل البيت مع قِلَّتها، إلاَّ أنَّها تُمثِّل النواة لتنامي هذا الخَطِّ مع مرور الأيَّام.

١٦٨

بالإضافة إلى ذلك أنَّ الإمامعليه‌السلام إذا لم يخرج إلى العراق، فما هو البديل الـمُتصوَّر مِن بين سائر الأقطار الإسلاميَّة، لينطلق منه الإمام لأداء رسالته الجهاديَّة، والخيارات التي يُمكن تصوُّرها هي كما يلي:

الخيار الأوَّل: السكوت والتراجع عن الثورة، والاستسلام لذلك الواقع الـمُنحرف عن خَطِّ الإسلام، هذا ما لا يرتضيه الإمام لنفسه بأنْ يقعد عن أداء مسؤوليَّته الرساليَّة ويترك الإسلام والأُمَّة يسيران نحو الهاوية التي يُريدها لهما الحُكم الأُموي.

الخيار الثاني: أنْ يبقى في مَكَّة فيُعلن رفضه لبيعة يزيد وعدم اعترافه بحُكمه، وعندها يُقتَل في داخل الحرم فيُهتك حرم الله، وهذا ما يتحاشاه الإمام؛ لأنَّه هو أحرص الناس على حُرمة بيت الله تعالى، وهذا ما أجاب بهعليه‌السلام يقول: (ولئنْ أقلَّ وبيني وبين الحرم باعٌ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أُقتَل وبيني وبينه شبراً، ولئن أُقتل بالطَّفِّ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أُقتل بالحرم)(١) .

الخيار الثالث: أنْ يبقى في المدينة المنوَّرة مع رفضه لبيعة يزيد، ويواصل أداء تكليفه مِن هناك؛ وتكون النتيجة بأنْ يُستشهَد الإمام مِن دون أنْ يكون لشهادته أيُّ مَدٍّ ثوريٍّ في حياة الأُمَّة؛ لأنَّ النظام الأُموي سوف يعمل على خنق الثورة في مَهدها فلا يترتَّب عليها الأثر المنشود، على عكس ما كان لها مِن أثر عندما قام الإمام بتلك المسيرة التي قطعها نحو كربلاء، حيث كان على مدى أربعة أشهر قد قام بعمليَّة إعلاميَّة خطيرة لثورته الـمُقدَّسة، فاستطاع مِن خلالها أنْ يضع الأُمَّة أمام مسؤوليَّتها الشرعيَّة.

(إنَّه كان سيذهب إلى الكوفة، حتَّى إذا لم تكن دعوتهم له بتلك الحرارة وذلك الإلحاح؛ لأنَّ قضيَّته تُعرِّضه للخطر الـمُؤكَّد في المدينة أو مَكَّة دون عرض قضيَّته

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين: ص٣٢٦.

١٦٩

بشكل واضح، ورفعها أمام الأُمَّة كقضيَّة يُعتمَد عليها، مصيرها ووجودها أمر مُحتَّم؛ وحينذاك لن يجني هو أو الأُمَّة أيَّ شيءٍ جرَّاء ذلك الموت، وستُزوَّر القضيَّة برُمَّتها وتُعرَض بالشكل الذي يُريده الإعلام الأُموي ثمَّ يضيع كلُّ شيءٍ)(١) .

وكذلك الحال لو اختار جِهة أُخرى - كاليمن مثلاً - فإنَّه لا يتمكَّن أنْ يُعطي ثورته هذه القوَّة التي أوجدها في مسيرة الأُمَّة وأجيالها، فلو فعل ذلك (لم يكن ذلك سوى هزيمة أراد بها حِفظ حياته التي لم تمتدَّ على الأغلب إلاَّ لبِضع سنوات، فهو في مُنتصف العقد السادس مِن عمره الشريف، وسينتهي بموته كلُّ شيء بعد أنْ يقضي تلك السنوات القليلة معزولاً وبعيداً عن الأُمَّة، وستضيع قضيَّته وينتهي كلُّ شيء وكأنْ لم يَحدَث شيء.

إنَّ الأُمَّة ستُسجِّل في تاريخها أنَّ الحسينعليه‌السلام قد اكتفى برفض بيعة يزيد وحسب، وقد تهيَّأت له الظروف الموضوعيَّة للثورة، بعد أنْ دعاه أهل العراق ولم يذهب إليهم، ولو كان قد استجاب لدعوتهم لكانوا قد ساروا خلفه واستجابوا له بإخلاص وواجه معهم الدولة الأُمويَّة، وربَّما أطاح بها، وأنَّه قد أخطأ بقعوده في مَكَّة أو بهروبه إلى اليمن لو كان ذلك قد تمَّ فعله)(٢) .

وسوف يترك هذا الموقف أثره السيِّء على مسيرة الأُمَّة؛ حيث سوف تبقى مُستسلمة للجور والظلم، وتستمرُّ في انحدارها الـمُميت إلى أنْ تُصبح في حالة يصعب إرجاعها - معها - إلى خَطِّها الصحيح إنْ لم يكن ذلك مُستحيلاً.

فكان المضيُّ إلى الكوفة هو الخيار الأمثل للإمامعليه‌السلام ، وكان تعامله مع رسائل أهل الكوفة تعامُلاً طبيعيَّاً جِدَّاً، بغَضِّ النظر عن النتائج، فأرسل لهم جوابه الأوَّل الذي

____________________

(١) وتنفَّس صُبح الحسين: ص٤٤٦.

(٢) وتنفَّس صُبح الحسين: ص٤٤٩.

١٧٠

جاء فيه: (أمَّا بعد: فإنَّ هانئاً وسعيداً قَدِما عليَّ بكتبكم، وكان آخر مَن قَدِم عليَّ مِن رُسُلِكم، وقد فهمت كلَّ الذي قصصتم وذكرتم، ومَقالة جُلِّكم: إنَّه ليس علينا إمام فأقبل لعلَّ الله يجمعنا بك على الهُدى والحَقِّ، وقد بعثت إليكم أخي وابن عَمِّي وثقتي مِن أهل بيتي، وأمرته أنْ يكتب إليَّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإنْ كتب إليَّ أنَّه قد أجمع رأي مَلَئكم وذوي الفضل والحُجْى منكم مِثل ما قَدِمتْ عليَّ به رُسلكم، وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إنْ شاء الله. فلعمري ما الإمام إلاَّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحَقِّ، والحابس نفسه على ذات الله والسلام)(١) .

وعندما وصل السفير الحسيني (مسلم بن عقيل) إلى الكوفة، قام بمُهمَّته التي أرسله الإمام مِن أجلها، وهي استطلاع أحوال أهل الكوفة، والكتابة إلى الإمام بما يظهر له مِن مواقفهم وآرائهم، وقد كان اندفاعهم نحو البيعة اندفاعاً سريعاً، إلاَّ أنَّ ذلك الاندفاع لم يكن نابعاً عن شعور بالمسؤوليَّة الشرعيَّة تجاه هذه الثورة وتجاه الرسالة الإسلاميَّة، وإنَّما هو اندفاع عاطفيٌّ يتناسب مع الظروف في بداية الأحداث في الكوفة، حيث كانت الظروف أشبه بالظروف الطبيعيَّة، فلا إرهاب ولا إرغاب. ولعلَّ الأغلبيَّة الساحقة مِن الـمُندفعين للبيعة إنَّما كان اندفاعهم رجاء نجاح الثورة الحسينيَّة في القضاء على النظام الأُموي، واستيلاء الإمام على أزمَّة الحُكم، فيُصيبوا شيئاً مِن عطايا وجوائز الحُكم الجديد، ولكنْ عندما انقلبت الأوضاع بعد دخول ابن زياد إلى الكوفة، تلاشى ذلك الحماس وتراجع ذلك الاندفاع، بلْ انقلب الموقف بعدما كانوا أنصاراً للثورة أصبحوا أنصاراً للنظام الحاكم.

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين: ص٣١٢ وص٣١٣، واللهوف: ص٥٨.

١٧١

ولعلَّ أبا الأحرار إنَّما يعني هذا المعنى حيث يقولعليه‌السلام :

(فهلاَّ لكم الويلات تركتمونا والسيف مَشيم والجأش طامن والرأي لـمَّا يَستحصف، ولكنْ أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثمَّ نقضتموها فسُحقاً لكم)(١) .

وشاءت الأقدار للسفير الحسيني العظيم (مسلم) أنْ يكون افتتاحيَّة ديوان الشهادة في هذه الثورة الـمُقدَّسة، حيث قام بمُهمَّته على أكمل وجه، وأبدى هذا البطل العملاق - مِن البطولة والجهاد - ما يُعتبر مِن أروع ما سجَّله التاريخ لأبطاله وصانعيه، فإنَّه قد واجه النظام الأُموي بكلِّ ما يمِلك في الكوفة مِن قوَّة عسكريَّة، مِن دون أنْ يُعطي مسلم أيَّ تنازلٍ عن شيء مِن مبادئه وأهدافه التي أُرسل مِن أجلها، حتَّى كتب بدمائه أوَّل مَلحمة مِن ملاحم الثورة، وعندما وصل خبر استشهاد مسلم إلى الحسين، وهو في طريقه إلى الكوفة، حزن عليه حزناً شديداً وأبَّنه بقوله:

(رحم الله مسلماً، فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيَّته ورضوانه)، ثمَّ أضاف قوله: (إنَّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا)(٢) .

والجدير بالذكر أنَّ الإمامعليه‌السلام إلى الآن - أيْ في هذا الموقف - لم يصطدم بالنظام ولا زال لديه الفرصة للتراجع عن المضيِّ إلى الكوفة لو أراد ذلك، ولكنْ لـمَّا كان تصميمه

____________________

(١) حياة الإمام الحسين: ج٣: ص١٩٣.

(٢) التسيير الذاتي لأنصار الحسين: ص١٦٩.

١٧٢

السابق مواصلة السير نحو الكوفة، حتَّى يصطدم بالنظام في حرب جهاديَّة وتضحية دمويَّة، تهزُّ أركان الحُكم الأُموي، وتوجد خَطَّاً جهاديَّاً مُستمرَّاً، لـمَّا كان هذا هدفه استمرَّ في السير، ولم ينثنِ عن عزمه، وبهذا أجاب الإمام الحُرَّ الرياحي عندما التقى به في الطريق، والحر على رأس ألف فارس، وقد كُلِّف أنْ يجوب الصحراء مِن أجل مُحاصرة الحسين؛ ليدخله الكوفة بالقوَّة.

وبعد الجدال الذي حصل بينهما، وأصرَّ الإمام - وبقوَّة - على عدم إذعانه لإرادة الحُرِّ، قال الحُرُّ للإمام: إنِّي أُذكِّرك الله في نفسك، إنِّي لأشهد لئن قاتلت لتُقتلَنَّ. أيْ: إنْ قاتلت فيما بعد - لا يقصد مُقاتلة جيشه؛ إذ لم يكن الحُرُّ مُستعدَّاً لقتال الإمام أبد... - وسَخَر الإمام مِن التهديد بالقتل، فالقتل في سبيل الله ليس بعارٍ يَحذره الإمام، بلْ وسام الشرف الذي لا يُدانيه وسام، قال الإمام:

(أفبالموت تُخوِّفني؟! وهل يعدو بكم الخَطب أنْ تقتلوني؟! وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عَمِّه، وهو يُريد نُصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخوَّفه ابن عَمِّه وقال: أين تذهب فإنَّك مقتول، فقال:

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حَقَّاً وجاهد مُسلماً

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً وباعد مُجرماً

فإنْ عشت لم أندم وإنْ مِتُّ لم أُلَمْ

كفى بك ذلَّاً أنْ تعيش وتُرغم(١)

ولـمَّا سمع الحُرُّ ذلك تنحَّى عنه، وعرف أنَّه مُصمِّم على الموت، وعازم على التضحية في سبيل غايته الهادفة إلى الإصلاح الشامل(٢) .

____________________

(١) الإرشاد للشيخ الـمُفيد: ج٢: ص٨١ وتقدَّمت بعض مصادره.

(٢) حياة الإمام الحسين: ج٣: ص٨١ وص٨٢.

١٧٣

وواصل أبو الأحرار مسيرته حتَّى حَطَّ رحاله بين النواويس وكربلاء، وهو مَقرُّ الـمَصرع الذي اختير له كما قالعليه‌السلام :

(وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تُقطِّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مِنِّي أكراشاً جَوفاً وأجربة سُغباً، لا محيص مِن يوم خُطَّ بالقلم)(١) .

وقد شبَّه الإمام الفئة التي قامت بجريمة قتله بـ (عُسلان الفلوات)، وهي ذئاب الفلوات، فهم كالوحوش الـمُفترسة التي لا ترحم فريستها. وبهذا قد أخرجها الإمام مِن حَيِّز الإنسانيَّة.

____________________

(١) موسوعة الإمام الحسين: ص٣٢٨.

١٧٤

١٧٥

القراءة الرابعة

في البُعد الروحي

أ - تمهيد (البُعد الآخر في وجود الإنسان)

ب - الإنسان بين حُبِّ الله وحُبِّ الدنيا

ج - مظاهر الحُبِّ الإلهي في مُمارسات الثورة:

١ - الصلاة.

٢ - الدعاء.

٣ - الصبر.

١٧٦

١٧٧

تمهيد

(البُعد الآخر في وجود الإنسان)

إنَّ الله تبارك وتعالى قد خلق الإنسان مُركَّباً مِن بُعدين:

الأوّل: البُعد المادِّي، ويتمثَّل في هذا الجسم الذي قد توصَّل العلم إلى اكتشاف الكثير مِن أسراره وأبعاده.

وأمَّا البُعد الثاني: فيتمثَّل في البُعد المعنوي (الروحي) الذي لا يزال غامضاً برغم الدراسات، التي وضعت في هذا المجال.

(ويُظهر تاريخ العلم والمعرفة الإنسانيَّة، أنَّ قضيَّة الروح وأسرارها الخاصَّة كانت محط توجُّه العلماء، حيث حاول كلُّ عالم الوصول إلى محيط الروح السرِّي؛ ولهذا السبب ذكر العلماء آراءً مُختلفة وكثيرة حول الروح.

ومِن الـمُمكن أنْ تكون علومنا ومعارفنا اليوم - وكذلك في الـمُستقبل - قاصرة عن التعرُّف على جميع أسرار الروح والإحاطة بتفصيلاتها، بالرغم مِن أنَّ روحنا هي أقرب شيء لنا مِن جميع ما حولنا؛ وبسبب الفوارق التي تفصل بين جوهرة الروح وبين ما نأنس به مِن عوالم، فإنَّنا لن نُحيط بأسرار وكُنه الروح أُعجوبة الخلق والمخلوق الذي تتسامى على المادَّة، ولكنْ كلُّ هذا لا يمنعنا مِن رؤية أبعاد الروح بعين العقل، وأنْ نتعرَّف على النظم والأُصول العامَّة الحاكمة عليها)(١) .

____________________

(١) التفسير الأمثل: ج٩: ص١٠٤.

١٧٨

أمَّا خالق الروح، فإنَّه تعالى يقول:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) (١) .

والأمر الذي منه إيجاد الروح: هو كلمة الإيجاد السماويَّة وفعله تعالى الـمُختصُّ به، الذي لا تتوسَّط فيه الأسباب ولا يتقدَّر بزمان أو مكان وغير ذلك(٢) .

وأمَّا قوله:( ... وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) أيْ: ما عندكم مِن العلم بالروح الذي آتاكم الله ذلك قليل مِن كثير، فإنَّ له - الروح - موقعاً مِن الوجود وخواصَّاً وآثاراً في الكون عجيبة بديعة، أنتم عنها في حِجاب(٣) .

والبُعد الروحي مِن وجود الإنسان هو الذي يُمثِّل حقيقة الإنسان، وأمَّا الجسم فإنَّه لا يعدو كونه قالباً مُسخَّراً لذلك البُعد المعنوي، فإنَّ (العلماء الإلهيين والفلاسفة الروحيِّين يعتقدون بأنَّ الإنسان، وبالإضافة إلى المواد التي تدخل في تشكيل جسمه، ينطوي وجوده على حقيقة جوهريَّة أُخرى لا تتجلَّى فيها صفات المادَّة - وقد أقاموا الأدلَّة على ذلك في محلِّها - إنَّ جسم الإنسان يخضع لتأثيرها بشكل مُباشر وفاعل.

وبعبارة أُخرى: فإنَّ الروح هي حقيقة مِن حقائق ما رواء الطبيعة - أيْ الميتافيزيقيا - حيث إنَّ تركيبها وفعاليَّتها هي غير تركيب وفعاليَّة عالم المادَّة، صحيح أنَّها ذات ارتباط مع عالم المادَّة، إلاَّ أنَّها ليست مادَّة فلا تمتلك خواصَّ المادَّة)(٤) .

____________________

(١) الإسراء: ٨٥.

(٢) الميزان في تفسير القرآن: ج١٣: ص١٩٧.

(٣) الميزان: ج١٣: ص١٩٩.

(٤) التفسير الأمثل: ج٩: ص١٠٤.

١٧٩

الإنسان بين حُبِّ الله وحُبِّ الدنيا

وبما أنَّ الروح هي التي تُمثِّل حقيقة الإنسان، فإنَّ استقامته وانحرافه، وارتفاعه وانحطاطه، وكماله ونقصه يدور كلُّ ذلك مدار ما يحمل مِن مَلكات ومقوِّمات روحيَّة ومعنويَّة، والجدير بالذكر أنَّه لا بُدَّ للإنسان مِن جهة يتعلَّق بها روحيَّاً، فيكون ذلك التعلُّق هو المحور الأساسي، الذي تدور عليه نشاطات الإنسان ومُمارساته في الحياة، وهذه الجهة مردَّدة بين محورين: بين الله الخالق تعالى، وبين عالم المادَّة المحدود والحياة الدنيويَّة الزائلة، وحقيقة هذا التعلُّق هو الحُبُّ والعشق للـمُتعلِّق به، أيْ: أنَّ الإنسان يعيش بين هذين المحورين، فمتى جذبه أحدهما تلاشت علاقته بالآخر.

فإذا كان الإنسان مُرتبطاً بالله تعالى ارتباطاً روحيَّاً صحيحاً - وهذا هو الإيمان - فقد أصبح يملك محور كماله واستقامته، وتعاليه وسعادته، وبقدر ما يكون هذا الارتباط قويَّاً وثابتاً في أعماق وجود الإنسان، فإنَّه يملك القوَّة في مواقفه وتسطبغ حياته بالصبغة الإلهيَّة الربَّانيَّة، ومتى ما ضعف هذا الارتباط بين الإنسان وخالقه فإنَّ حياته تتَّسم بالضعف والتذبذب.

وأمَّا إذا تلاشى أو انقطع هذا الارتباط، فإنَّ حياة الإنسان سوف تتَّخذ منحىً آخر، بعيداً عن فطرته وإنسانيَّته وكماله؛ لأنَّه قد جذبه القطب الآخر وهو حُبُّ الدنيا، وبذلك سوف تختلف مظاهر حياته وأساليب تعامله مع الحياة والأشياء مِن حوله.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276