البنك اللاربوي في الإسلام

البنك اللاربوي في الإسلام21%

البنك اللاربوي في الإسلام مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 273

البنك اللاربوي في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 273 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36617 / تحميل: 7404
الحجم الحجم الحجم
البنك اللاربوي في الإسلام

البنك اللاربوي في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث :

توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

مقدمة الفصل :

نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام . وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.

ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام .

وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام مبتدئين بالإمام عليعليه‌السلام وزوجته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام . ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣].

١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

٣١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (آل الرسول)و (عترة النبي).

و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسينعليه‌السلام ذروة سنام المجد منها.

١٢١

ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيتعليهم‌السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)

هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :

(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)

وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه‍.

يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).

وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقولرحمه‌الله :

هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :

١ ـ آل الرسول

٢ ـ أهل البيت

٣ ـ العترة

٤ ـ ذوو القربى.

ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :

٣٢ ـ من هم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ :

قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.

واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا :«اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛

١٢٢

وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.

واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.

واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.

وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهمعليهم‌السلام :فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.

٣٣ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.

وهذه المعاني كلها موجودة فيهمعليهم‌السلام . فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهمعليهم‌السلام .

١٢٣

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال :يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.

ثم قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.

٣٤ ـ من هم العترة؟ :

وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيمعليه‌السلام :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسىعليه‌السلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريمعليها‌السلام .

قصة الشعبي مع الحجاج :

وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.

فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة

١٢٤

والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمةعليها‌السلام ؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.

فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول.أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله( يا بَنِي آدَمَ ) [وقال( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال :( وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.

(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريمعليها‌السلام . وقد صحّ النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».

فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.

وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.

٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :

وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :

لما نزل قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣] قالوا :يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهماعليهم‌السلام .

١٢٥

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.

٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :

أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله.فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منهعليه‌السلام .وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منهعليه‌السلام .وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منهعليه‌السلام . وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منهعليه‌السلام .وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منهعليه‌السلام .

وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.

٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.

وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟.(قال) قال :«كلهم من بني هاشم».

١٢٦

وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».

٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب

(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق

ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.

٣٩ ـ إمامة أهل البيتعليهم‌السلام منصوصة في كتب السنّة :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)

يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل

١٢٧

ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.

وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.

ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكتب إليّ :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».

وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».

وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة :إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسىعليه‌السلام .

ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.

إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.

١٢٨

٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيتعليهم‌السلام :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.

فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».

٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :

(المصدر السابق)

ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.

فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام وذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨].

٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :

(المصدر السابق ، ص ٣٠)

ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس ،

١٢٩

إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.

معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.

قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام والتاسع مهديّهم.

ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريمعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.

(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.

٤٣ ـ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام حين أسري به :

(مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)

ذكر ابن شاذان عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) ، قلت :( وَالْمُؤْمِنُونَ ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليعليه‌السلام . يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن

١٣٠

والحسين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهديعليهم‌السلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.

٤٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :

وجاء عليعليه‌السلام يفسر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).

٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :

جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :

«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».

فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهديعليه‌السلام . وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام .

١٣١

٤٦ ـ الحجة المهديعليه‌السلام هو الإمام الثاني عشر :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)

قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهديعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهديعليه‌السلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمةعليها‌السلام ، جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه.

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

٤٧ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام المقصودون في آية التطهير؟ :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)

يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :

١) ـ هم نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهن في بيته.

٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعليعليهم‌السلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.

١٣٢

تعليق المؤلف :

إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.

٤٨ ـ حديث الكساء :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)

ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

١٣٣

(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خير.

وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمةعليهم‌السلام .

وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليعليه‌السلام فقالت : توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجلست أنتظره ، فإذا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».

وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت :خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء عليعليه‌السلام فأدخله فيه ، ثم قال :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال :«اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :«إنك على خير».(أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).

١٣٤

وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمةعليها‌السلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول :الصلاة أهل البيت( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.

وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.

وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.

٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :

(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)

ومما يؤكد أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.

١٣٥

خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجادلونه في المسيحعليه‌السلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة وفي ذلك نزلت الآية :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسينعليهم‌السلام ، أن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.

(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من( أَنْفُسَنا ) نفس عليعليه‌السلام . ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.

(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة

١٣٦

(قال) قال الإمام عليعليه‌السلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.

(إلى أن قالعليه‌السلام ) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.

٥٠ ـ آية المودّة :

ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيتعليهم‌السلام هم :علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام . وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم.

٥١ ـ آية السلام :

قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم.ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى أن قال :

(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى( طه ) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [آل عمران : ٣١] ، وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . ا ه.

٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في

١٣٧

تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :

«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصةعليهم‌السلام .

وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار اللهعزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

٤ ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

٥٣ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)

قال بعض أهل العلم : إن آل البيتعليهم‌السلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.

٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا

١٣٨

يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.

فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله :( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.

بعض فضائل الإمام عليعليه‌السلام

٥٥ ـ فضائل الإمام عليعليه‌السلام لا تحصى :

فضائل الإمام عليعليه‌السلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق

١٣٩

الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.

(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائلهعليه‌السلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.

٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)

عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام عن آبائه عن الحسينعليه‌السلام قال :سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.

وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

في مالك الآخر بنحو شرط النتيجة فلا بأس به، وكونه معلّقاً غير مضرّ إمّا مطلقاً، أو في باب الشروط خاصّته.

وعلى أيّ حالٍ سواء كان هذا الوجه منطبقاً على القواعد أم لا، فهو خلاف ظاهر الرواية ؛ لأنّ مقتضاه فيما لو لم يحصل من مال الشركة إلاّ دون رأسمال الشريك الأوّل أنّه لا يستحقّ الرجوع على شريكه في الباقي، مع أنّ ظاهر قوله في الرواية: (وعليك التَّوى) أنّ التَّوى بتمامه عليه، وهو يلازم استحقاق القائل للرجوع عليه فيما إذا نقص مال الشركة عن رأسماله، وإلاّ لَما كان التَّوى على الآخر وحده، بل عليهما معاً.

ومنها: ما هو المقصود في المقام، وهو أن يكون محصّل القرار المذكور في الرواية تصدّي أحد الشريكين لضمان قيمة مال شريكه وتعهّده بخسارته، فمال الشركة باقٍ على ملكية الشريكين معاً دون أن ينتقل ملك أحدهما إلى الذمّة أو إلى الكلّي، غير أنّ أحد الشريكين يضمن للآخر مالية مالِه ويجعل على نفسه تدارك الخسارة، وفي مقابل ذلك يُملِّكه الآخر بنحو شرط النتيجة ما ينتقل إليه من الربح، فينحلّ القرار بحسب الحقيقة إلى ضمانٍ بالمعنى المقصود من قِبل أحد الشريكين لمالية حصّة شريكه، واشتراطٍ من قِبله على الآخر بنحو شرط النتيجة، بأن يكون مالكاً لِما زاد من ثمن مال الشركة على أصل المال، لا بأن تنتقل إليه الزيادة ابتداءً، فإنّه خلاف قانون المعاوضة، بل في طول الانتقال إلى شريكه.

وهذا التصوير يحقِّق معنى العبارة في الرواية تماماً ؛ إذ يصدق حينئذٍ أنّ لهذا رأس المال، وذلك له الربح وعليه التَّوى، خلافاً للوجهين السابقين.

وبذلك تكون هذه الرواية دالّةً على مشروعية ضمان مال الغير من الخسارة، أي ضمان ماليته، فيصحّ إنشاؤه في عقد الصلح أو بشرط في ضمن

٢٢١

العقد(١) .

وممّا يدلّ على ذلك أيضاً: روايات الجارية، كرواية رفاعة قال: سألت أبا الحسن عن رجلٍ شارك في جاريةٍ له وقال: إن ربحنا فيها نصف الربح، وإن كان وضيعة فليس عليك شيء فقال: (لا أرى بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجارية)(٢) .

____________________

(١) يمكن أن يقال: إنّ التزام أحد الشريكين للآخر برأس ماله على كلّ تقدير إنّما يمكن حمله على الضمان بالمعنى الذي نقصده، أي التعهّد بالمال وماليته فيما لو كان هذا الالتزام قد صدر من الشريك في بداية الشركة، أي حالة احتفاظ مال الشريك الآخر بماليته، مع أنّ ظاهر الرواية كون المقاولة بين الشريكين قد وقعت حين إرادة فسخ الشركة، أي بعد وقوع ما يترقّب من ربح أو خسران، وفي هذا الظرف لا معنى لأن يضمن أحد الشريكين مالية شريكه بذلك المعنى من الضمان ؛ إذ هو فرع وجود المال المضمون خارجاً، مع أنّ من المحتمل أن يكون قد وقع فيه الخسارة أو التلف، فلا بدّ إذن من إرجاع المقاولة إلى المصالحة، بأن يصالح أحد الشريكين الآخر عما يستحقّه في مجموع مال الشركة من أعيانٍ وديونٍ بمقدار رأس ماله من الأعيان الموجودة، ويكون حينئذٍ أجنبياً عن الضمان بالمعنى المقصود.

ولا يرد على تطبيق الرواية على هذا الوجه من الصلح ما أوردناه على الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في المتن ؛ لأنّ المصالحة بالنحو الذي تصورناه الآن لا تشتمل على نقل حصّة الشريك إلى الأمة ليكون خلاف ظاهر قوله: (أعطني رأس المال).

ولكنّ الإنصاف أنّ ظاهر الاشتراط في قول الإمامعليه‌السلام : (لا بأس إذا اشترطا) هو الاشتراط بالمعنى الحقيقي، أي كون مضمون المقاولة مشترطاً في ضمن العقد ؛ فيرجع محصّلة إلى أنّه لا بأس به إذا اشترط الشريكان هذا في المضمون في عقد الشركة، وهذا معناه التزام أحد الشريكين للآخر بمالية ماله في أول الأمر، وينطبق هذا الالتزام على الضمان بالمعنى المقصود.(المؤلّف قدس‌سره ).

(٢) وسائل الشيعة ١٩: ٦، الباب الأوّل من أبواب الشركة، الحديث ٨.

٢٢٢

فإنّ الظاهر من الرواية أيضاً أنّ أحد الشريكين ضَمِن مالية شريكه وجعل خسارته في عهدته مع بقاء الشركة وملكية الشريكين على حالها ن ولهذا فرض المناصفة في الربح، كما هو مقتضى ملكية الشريكين، فالاحتمال الثالث الذي استظهرناه في الرواية السابقة يكون هنا أوضح.

فاتّضح من كلّ ما تقدّم أنّ مقتضى القواعد هو جواز جعل الضمان على عامل المضاربة بالمعنى الذي عرفته من التعهّد وأخذ المال في العهدة، سواء كان ذلك بعقدٍ مستقلّ أو بشرطٍ في ضمن عقدٍ بنحو شرط النتيجة، وكذلك الحال في سائر الأمناء الآخرين.

ولكن في خصوص عامل المضاربة وردت روايات خاصّة تدلّ على أنّ فرض الضمان عليه يستوجب حرمان المالك من الربح.

ففي خبر محمد بن قيس، عن أبي جعفرعليه‌السلام : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: (من اتّجر مالاً واشترط نصف الربح فليس عليه ضمان). وقال: (من ضمَّن تاجراً فليس له إلاّ رأسماله، وليس له من الربح شيء)(١) .

والظاهر من هذه الرواية هو أنَّ فرض شيءٍ من الربح لمالك المال مع فرض الضمان على العامل لا يجتمعان في الشريعة.

وقد يحمل قوله: (من ضمَّن تاجراً) على الإقراض، حيث إنّ الإقراض هو التمليك على وجه الضمان، فيدلّ حينئذٍ على أنّ الإقراض يوجب عدم استحقاق المقرِض لشيء ؛ إذ يكون الشيء رباً حينئذٍ، لا أنّ فرض الضمان بأيِّ وجهٍ يوجب ذلك.

ولكنّ هذا الحمل وإن كان ممكناً في نفسه إلاّ أنّه خلاف ظاهر الرواية، فإنّ

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٧: ١٩٠، الحديث ٨٣٩.

٢٢٣

مقتضى إطلاقها أنّ كلّ ما يصدق عليه أنّه تضمين للمال عرفاً لا يجتمع مع استحقاق المالك لشيءٍ من الربح شرعاً، فيشمل التضمين بغير الإقراض، أي التضمين بالشرط، بل قد يدّعى شموله لموارد اشتراط التدارك بنحو شرط الفعل، لا شرط النتيجة أيضاً ؛ لأنّه وإن لم يكن تضميناً بالمعنى الدقيق إلاّ أنّه ممّا يشمله العنوان عرفاً، فيقال عن المالك الذي اشترط على عامل المضاربة أن يدفع من ماله ما يساوي الخسارة إذا وقعت: إنّه ضمنّه.

كما أنّ الرواية قد تُحمل على أنّها في مقام بيان المراد الحقيقي للمتعاملَين - المالك والعامل - واستكشاف أنّ مرادهما في الواقع هو الإقراض في فرض التضمين، ومرادهما في الواقع هو المضاربة في فرض اشتراط نصف الربح للتاجر فقط ؛ ولهذا حكم على كلّ من الفرضين بالحكم المناسب لواقع مرادهما المستكشف بالنحو المذكور.

ولكنّ هذا الحمل وإن كان ممكناً أيضاً ولكن قد لا ينسجم مع ظاهر النصّ الذي يتبادر إلى الذهن منه كون التضمين بعنوانه منشأ شرعاً لعدم استحقاق المالك لشيءٍ من الربح وكون استحقاقه من الربح بعنوانه منشأ شرعاً لعدم الضمان على العامل، ومعناه التنافي بين الأمرين شرعاً.

فرض الضمان على غير عامل المضاربة:

وبناءً على أنّ فرض الضمان على عامل المضاربة لا ينسجم مع مشاركته في الربح من قبل المالك قلنا في الأطروحة: إنّ الضمان يتحمّله شخص ثالث غير العامل والمالك، وهو البنك، وتحمّله له إمّا بإنشائه بعقدٍ خاصّ، أو باشتراطه بنحو شرط النتيجة في عقدٍ آخر.

والبنك بنفسه وإن كان أميناً بالمعنى الأعمِّ على الودائع التي يأخذها من

٢٢٤

أصحابها ويتوكّل عنهم في المضاربة عليها مع التجّار ولكنّا قد بيّنّا أنّ قرض الضمان بالمعنى الذي حقّقناه على الأمين صحيح على مقتضى القاعدة، واشتراطه بنحو شرط النتيجة نافذ. وإنّما فصّلنا الكلام في حكم اشتراط الضمان على مقتضى القواعد لينفعنا ذلك في المقام

ولو فرض البناء على عدم تعقل الضمان بالمعنى الذي حقّقناه، وعدم صحة اشتراط الضمان على الأمين بمقتضى القواعد، وإنّما يقتصر في الصحة على الموارد المنصوصة، للاشتراط كما في العارية لو فرض البناء على ذلك، فيمكن في المقام تصوير الاشتراط على البنك بنحو شرط الفعل في ضمن عقد، وذلك بأن يشترط عليه المودع في ضمن عقدٍ أن يدفع إليه مقداراً من المال مساوياً للخسارة التي تقع في وديعته عند المضاربة بها.

٢٢٥

الملحق (٣)

[ التخريج الفقهي لأرباح البنك من المضاربة ]

حوّلنا في الأطروحة أخذ البنك للودائع الثابتة وإقراضها إلى مضاربة يكون المالك فيها هو المودع والعامل هو التاجر الذي يقترض، والبنك وسيط في هذه المضاربة ووكيل عن المالك في إنجازها والإشراف عليها. وقد فرضنا على هذا الأساس أنّ للبنك حصّةً من الربح، وفي هذا الملحق ندرس التخريج الفقهي لهذه الحصّة التي تُفرض للبنك بالرغم من عدم كونه العامل ولا المالك.

إنّ الحصّة المحدّدة بنسبةٍ مئويةٍ من الربح التي فرضناها للبنك اللاربوي لا يمكن أن تكون بمقتضى عقد المضاربة ؛ لأنّ عقد المضاربة لا يقتضي إلاّ فرض حصّته من الربح للعامل من مجموع الربح الذي هو ملك لمالك المال بمقتضى طبعه الأوّلي، والبنك في المقام ليس هو عامل المضاربة، بل العامل هو التاجر الذي يأخذ مالاً من البنك.

ولا يمكن فرض مضاربتين: إحداهما بين المودع والبنك، والاُخرى بين البنك والتاجر، بناءً على أنّ عامل المضاربة يمكنه أن يضارب بدوره عاملاً آخر.

٢٢٦

وتكون الحصّة التي يأخذها البنك قائمةً على أساس كونه عاملاً في المضاربة الأولى.

والوجه في عدم إمكان افتراض مضاربتين كذلك هو أنّ لازم جعل البنك عاملاً في المضاربة مع المالك عدم إمكان تحميله ضمان المال، بناءً على ما تقدّم من أنّ عامل المضاربة لا يضمن، فلا بدّ من جعل البنك شخصاً أجنبياً عن المضاربة لكي يمكن أن يتحمّل ضمان المال، ويكون دوره في العقد دور الوسيط فحسب.

كما أنّ الحصّة المذكورة لا يمكن أن تكون أجرة للبنك من قبل المودع في عقد إجارة ؛ بمعنى أنّ المودع استأجر البنك على إنجاز المضاربة والإشراف عليها بأُجرةٍ هي نسبة مئوية من الربح، وذلك:

أولاً : لأنّ الأجرة مجهولة، ويشترط في الإجارة معلومية الأجرة، ولا أُريد بأنّ الأجرة مجهولة أنّها مشكوكة ؛ لأنّ الربح قد لا يحصل، حيث إنّنا ذكرنا في الأطروحة أنّ الغالب عادةً كون مطلق الربح متيقّناً، وشرحنا الوجه في ذلك. بل أُريد أنّ الأجرة مجهولة من حيث القدر، فتبطل الإجارة.

ثانياً : لأنّ الأجير يملك الأجرة بنفس عقد الإجارة، فلا بدّ أن تكون قابلةً لذلك حين العقد، إمّا بأن تكون شيئاً خارجياً مملوكاً للمستأجر بالفعل فيملكه الأجير بالعقد، وإمّا بأن تكون شيئاً ثابتاً في ذمّة المستأجر للأجير.

وفي المقام النسبة المئوية من الربح المفروض في المستقبل لا هي شيء خارجي مملوك بالفعل للمودع حتّى يملّكه للبنك بعقد الإجارة، ولا شيء يفرض في ذمّته، بل هي شيء سوف يملكه في المستقبل، فلا تعقل الإجارة.

وما يمكن أن نُخرّج على أساسه تلك الحصّة التي يستحقّها البنك من الربح أحد وجوه:

٢٢٧

منها: الجُعالة، بأن تكون تلك الحصّة جُعلاً يجعله المودع للبنك إذا أنجز المضاربة وواصل الإشراف عليها إلى حين انتهاء مدّتها، ولا يرد حينئذٍ كلا الإشكالين المتقدمين في تصوير الإجارة:

أما الأوّل، وهو أنّ الحصّة مجهولة القدر، فهذا مضرّ في الإجارة وغير مضرّ في الجُعالة.

وأمّا الثاني، وهو أنّ الحصّة لا هي أمر في ذمّة المودع، ولا أمر خارجيّ مملوك للمودع بالفعل لكي يجعله أجرة للبنك، فهذا أيضاً لا يرد على الجُعالة ؛ لأنّ المجعول له لا يملك الجُعل بنفس إنشاء الجُعالة من الجاعل، بل بعد إنجاز العمل المفروض، فلابدّ أن يكون الجُعل قابلاً للتمليك من الجاعل في هذا الظرف. والمفروض في المقام أنّ المودع يجعل للبنك حصّةً من الربح إذا أنجز المضاربة وواصل الإشراف عليها إلى نهايتها، وفي هذا الظرف تكون تلك الحصّة من الربح مالاً خارجياً مثلاً مملوكاً للجاعل وقابلاً للتمليك من ناحيته. ويكفي هذا في صحة الجُعالة.

وقد جاء نظير ذلك في الأخبار، ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال في رجلٍ قال لرجل: بعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك، قالعليه‌السلام : (ليس به بأس)(١) .

ورواية زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في رجلٍ يُعطي المتاع فيقول: ما ازددت على كذا وكذا فهو لك ؟ فقالعليه‌السلام : (لا بأس)(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ٥٦، الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود، الحديث الأوّل.

(٢) المصدر السابق: ٥٨، الحديث ٤.

٢٢٨

ومثلهما غيرها من الروايات(١) التي فرض فيها الجعل جزءاً من الثمن على تقدير زيادته، وهو شيء غير مملوكٍ بالفعل للجاعل، وإنّما يكون مملوكاً له في ظرف إنجاز العمل، كالحصّة التي يجعلها المودع للبنك في المقام.

ومنها : تخريج ذلك على أساس الشرط في ضمن العقد.

والشرط: إمّا أن نتصوّره بنحو شرط النتيجة، بأن يشترط البنك على المودِع في عقدٍ ما أن يكون مالكاً لحصّةٍ معيَّنةٍ من الربح على تقدير ظهوره. ولا مانع من التعليق في الشرط، كما أنّ كون المودع غير مالكٍ بالفعل للربح غير مانعٍ عن نفوذ تمليكه المُنشَأ شرطاً ؛ لأنّ تمليكه معلّق على ظهور الربح ودخوله في ملكه، والمعتبر في نفوذ التمليك من شخصٍ أن يكون مالكاً لِما يملكه بلحاظ ظرف الجعل وإنشاء الملكية، ولهذا التزم المحقّق النائينيقدس‌سره (٢) بصحة تقدير ظهوره، مع عدم كون الآخر مالكاً بالفعل - حين الاشتراط - للربح، وليس ذلك إلاّ لعدم قيام دليلٍ على اشتراط ذلك.

وإمّا أن نتصوّر الشرط بنحو شرط الفعل، أي شرط التمليك، لا شرط أن يكون مالكاً، ولا إشكال فيه.

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ٥٤، الباب ٩ من أبواب أحكام العقود.

(٢) اُنظر منية الطالب ٢: ٢١٩ وما بعدها.

٢٢٩

الملحق (٤)

[ التخريج الفقهي لبقاء رأس المال وحدّ أدنى من الربح لدى المستثمر ]

قلنا في الأطروحة: إنّ عامل المضاربة قد يتلاعب على البنك فيَدّعي تلف المال أو عدم الربح كذباً، ولهذا اقترحنا أن يسير البنك معه بموجب أصلٍ عامّ يقرّر أنّ المفروض بقاء رأس المال وحدّ أدنى من الربح ما لم يثبت الخلاف بالقرائن المعيّنة، ونريد في هذا الملحق أن نشير إلى التخريج الفقهي لهذا الأصل.

إنّ هذا الأصل على خلاف قاعدة قبول قول الأمين في ما جعله المالك تحت يده من مالٍ وأذنَ له بالاتّجار به. وعلى هذا الأساس لا بدّ أن نخرِّج هذا الأصل إمّا بنحو شرط الفعل في ضمن عقدٍ يشترط فيه البنك على العامل أن يدفع من المال ما يعادل المقدار الذي يدّعي خسارته في حالة عدم إقامة القرائن المحدّدة من قبل البنك على الخسارة، وإمّا بنحو الجعالة ؛ وذلك بأن يجعل العامل للبنك جُعلاً على تحصيل رأسمالٍ له للمضاربة عليه، والجُعل عبارة عن مقدارٍ يساوي قيمة رأس المال مع الحدّ الأدنى من ربحه المفروض، ومع زيادةٍ تمثّل الأجر الثابت الذي فرضناه في الأطروحة، ناقصاً قيمة ما سوف يعترف العامل بوجوده من رأس المال وربحه الأدنى، أو يقيم القرائن المحدّدة على خسارته.

٢٣٠

٢٣١

الملحق (٥)

[ فوائد الودائع الثابتة ]

إنّ الودائع التي تتسلّمها البنوك الربوية اليوم من أصحاب الأموال وتعطي عليها فوائد تسمّى بالودائع لأجَل، أو الودائع الثابتة، وهي ليست ودائع في الحقيقة، بل قروضاً ربوية كما بيّنا ذلك في الأطروحة. ونريد أن نبحث في هذا الملحق أنّه هل يمكن نظرياً من ناحية الصناعة الفقهية تصوير كونها ودائع مع ما عليه البنك من التصرّف بها ؛ لكي تخرج الفوائد المدفوعة على تلك الودائع للمودعين عن كونها فوائد ربويةً على القرض ؟

إنّ الودائع التي تحصل عليها البنوك الربوية ليست في الحقيقة ودائع بالمعنى الفقهي، لا تامّةً ولا ناقصة، وإنّما هي قروض، ولذا تصبح المبالغ التي يتقاضاها المودعين فوائد ربويةً على القرض.

ولكنّ هذا لا يعني استحالة تصوير كونها ودائع فقهياً بحيث تخرج الفوائد عن كونها فوائد ربويةً على القرض، بل إنّ هذا التصوير ممكن وإن كان مجرّد تصويرٍ نظري.

ومن هنا يتّضح أنّنا لا نتّفق مع وجهة نظر بعض الأعلام (دامت بركاته)(١) ،

____________________

(١) اُنظر: بحوث فقهية، تقرير بحوث الشيخ حسين الحلّيقدس‌سره : ١٠٢.

٢٣٢

إذ أفاد في المقام ما ملخّصه: أنّ الوادائع المصرفية لا يمكن تصوير كونها ودائع حقيقيةً بحيث تخرج فوائدها عن كونها فوائد ربويةً على القرض ؛ لأنّ الودائع المصرفية يأذن المالك للبنك بالتصرّف بها، ولا يراد بهذا الإذن السماح للبنك بالتصرّف مع بقاء الوديعة على ملك صاحبها ؛ إذ يلزم حينئذٍ عود الثمن والربح إلى المالك بحكم قانون المعاوضة، لا إلى البنك، بل يراد بالإذن المذكور السماح للبنك بتملّك الوديعة على وجه الضمان، وهو معنى القرض، فتكون الفوائد التي يدفعها البنك إلى المودع فوائد ربويةً على القرض.

والتحقيق: أنّ تصوير هذه الودائع بنحوٍ تكون ودائع حقيقيةً وتخرج فوائدها عن الربوية يتمّ بعدّة وجوه:

منها : أن نفرض كون الوديعة باقيةً على ملك صاحبها، وأنّ الإذن بالتصرّف فيها إنّما هو مع احتفاظ المودع بملكيته للوديعة، ومع هذا نصوّر في المقام الأمور الثلاثة التي يقوم على أساسها تعامل البنك في الودائع الثابتة، وهي ضمان الوديعة، والاستئثار بأرباحها، ودفع مقدارٍ محدّدٍ إلى المودع.

أمّا ضمان الوديعة فهو متصوّر لا بالقرض لكي يجيء محذور الربا، بل بعقد الضمان بمعناه الذي فصّلنا الكلام فيه في الملحق الثاني، إذ ذكرنا أنّ الضمان العقدي له سنخ معنىً لا يختصّ بالديون، بل يشمل الأموال الخارجية أيضاً، وهو غير المعنى الآخر للضمان الذي يختصّ بباب الديون ويعبّر عنه بالنقل من ذمّةٍ إلى ذمة، فبإنشاء البنك للضمان وتعاقده مع المودع على ذلك تصبح الوديعة في عهدة البنك مع بقائها على ملك المودع. وبذلك ثبت الأمر الأوّل.

وأمّا الأمر الثاني وهو استئثار البنك بالأرباح فيمكن تتميمه عن طريق الشرط في ضمن عقد الضمان، أو عقد الشركة، أو أيّ عقدٍ آخر بين البنك والمودع ؛ إذ يشترط البنك فيه على المودع أن يكون الثمن ملكاً له بنحو الشرط

٢٣٣

النتيجة، لا بان ينتقل إليه ابتداءً، فإنّه يكون حينئذٍ شرطاً على خلاف قانون المعاوضة شرعاً، بل بأن ينتقل إليه الثمن في طول انتقاله إلى المودع. وقد ذهب المحقق النائينيقدس‌سره في بحث الشروط إلى صحة مثل هذا الشرط، وقد تقدّم الكلام عنه سابقاً.

وأمّا الأمر الثالث وهو دفع البنك مبلغاً محدّداً للمودع فيمكن تفسيره على أساس أنّه استثناء من شرط النتيجة المتقدّم، بمعنى أنّ البنك يشترط أن يكون مالكاً لما يزيد على المقدار الذي يدفعه إلى المودع من الربح ؛ لأنّ البنك يعلم أنّ الزيادة في الثمن التي تعبّر عن الربح هي أكثر عادةً من المقدار الذي يدفعه إلى المودعين، فهو يشترط بنحو شرط النتيجة أن يملك ما زاد على ذلك المقدار من الربح.

ويمكن التوصّل في المقام إلى فكرة الضمان عن طريقٍ آخر، وهو أن يتّفق البنك والمودع على تحويل المبلغ الشخصي الذي يملكه المودع إلى الكلّي في المعيّن، فمودع الألف دينارٍ يحوِّل مملوكه من هذه الألف الشخصية إلى ألفٍ كلّيةٍ في مجموع الأموال التي يملكها البنك(١) ، وهذا نظير ما تقدّم من صاحب الجواهرقدس‌سره في الملحق الثاني عند توجيهه للرواية الدالّة على اصطلاح الشريكين على أن يكون لأحدهما رأس المال والآخر له الربح وعليه التوى، فإنّهقدس‌سره ذكر في توجيه ذلك: أنّ أحد الشريكين يحوّل مملوكه إلى كلّي في المعيّن. ومحصّل ذلك: أنّه كما يمكن تحويل الكلّي في المعيّن إلى عينٍ شخصيةٍ، كذلك يمكن تحويل العين الشخصية إلى الكلّي في المعيّن إمّا بإرجاع ذلك إلى تمليك

____________________

(١) نقصد بالأموال التي يملكها البنك: أمواله الأصلية مع الودائع المتحرّكة التي لا يدفع عنها فوائد، فإنّ هذه الودائع تعتبر قروضاً دون لزوم محذور الربا ؛ لعدم دفع فوائد عنها. والودائع الثابتة التي يدفع البنك عنها فوائد تتحوّل إلى كلِّي في مجموع تلك الأموال. (المؤلّف قدس‌سره ).

٢٣٤

الخصوصية مع التحفّظ على أصل الكلّي، أو إلى نحوٍ من المبادلة.

وأثر هذا الاتّفاق على تحويل الوديعة إلى الكلّي في المعيّن: أن لا يتحمّل المودع شيئاً من التلف مادام يوجد في الباقي من أموال البنك ما يكون بإزاء ذلك الكلّي، كما تقتضيه قواعد ملكية الكلّي في المعيّن.

ويشترط المودع على البنك في اتّفاقهما الحفاظ على مالية الوديعة التي أصبحت كلّياً في المعيّن، بمعنى أنّ البنك يلتزم متى أراد إجراء المعاوضة على شيءٍ من الأموال التي في حوزته، والتي يملك المودع منها كلّياً في المعيّن، أن يقصد وقوع جزءٍ من الثمن بإزاء ذلك الكلّي لا يقلّ عن مالية ذلك الكلّي. فلو فرض أنّ البنك باع عشرة آلاف دينارٍ بخمسة آلافٍ بيعاً خاسراً، وكان للمودع كلّي ألف دينارٍ في المجموع، فمقتضى طبع التقسيط وإن كان هو شمول النقص له، ولكن بالإمكان إلزام البنك بالشرط بأن يقصد بيع كلّي ألف دينارٍ في العشرة بكلّي ألف دينارٍ في الخمسة، وبيع أشخاص المال في العشرة آلاف بأشخاص المال في الخمسة آلاف، وبذلك يبقى ملك المودع محفوظ المالية حتى مع وقوع الخسارة على البنك.

كما أنّ المودع يكون له على هذا الأساس حصّة من الربح ؛ لكونه مالكاً للكلّي في المعيّن من المال، ويمكن للبنك حينئذٍ أن يشترط عليه بنحو شرط النتيجة أن يكون مالكاً لِمَا زاد عن المقدار المقرّر إلى المودع من أرباح ذلك الكلّي في المعين.

ولا نريد بشرط النتيجة هذا - كما عرفت - أن ينتقل الثمن الواقع بإزاء الكلّي ابتداءً إلى البنك، بل ينتقل إليه في طول انتقاله إلى البنك.

وبهذا أمكن تصوير بقاء الودائع على ملك أصحابها وإخراجها عن كونها قروضاً. وبذلك تخرج الفوائد المدفوعة إلى المودعين عن كونها فوائد ربويةً على القرض.

٢٣٥

المحلق (٦)

[ التخريج الفقهي لتحصيل قيمة الشيك ]

يشرح هذا الملحق التخريجات الفقهية المتصوّرة لتحصيل قيمة الشيك (الصكّ) من غير البنك المسحوب عليه: أنّ شخصاً قد يكتب لدائنه شيكاً على بنكٍ فيأخذه الدائن ويذهب إلى بنكٍ آخر فيحصل منه على قيمته.إنّ المستفيد من الشيك الذي يتقدّم إلى بنكٍ غير البنك المسحوب عليه يعتبر مالكاً لقيمة الشيك في ذمّة البنك المسحوب عليه بموجب إحالة محرّر الشيك له على ذلك البنك. فحين يختار المستفيد أن يذهب إلى بنكٍ آخر لتحصيل قيمة الشيك بدلاً عن الذهاب إلى البنك المدين له المسحوب عليه الشيك ابتداء يمكن أن يفسّر ذلك فقهياً بعدّة وجوه:

منها: أن يكون طلبه من البنك تحصيل قيمة الشيك، بمعنى أنّه يطلب منه الاتّصال بالبنك المسحوب عليه الشيك وتكليفه بأن يحوّل عليه الدين الذي يملكه المستفيد في ذمّته، فتكون هناك حوالتان:

إحداهما: الحوالة التي يمثّلها الشيك، وهي حوالة ساحب الشيك على

٢٣٦

البنك المسحوب عليه.

والأخرى: حوالة البنك المسحوب عليه دائنه (أي المستفيد) على البنك المحصّل.

والبنك المحصّل يجوز له أن يأخذ عمولةً في هذا الفرض لقاء قبوله بالاتّصال بالبنك المسحوب عليه وتكليفه بالتحويل عليه.

ومنها: أن يكون طلب المستفيد من البنك تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنكٍ آخر، بمعنى أنّه يبيع الدين الذي يملكه بموجب الشيك في ذمّة البنك الآخر، والبنك المحصّل يشتري منه هذا الدين بقيمته نقداً، ويصبح هو بدوره دائناً للبنك المسحوب عليه الشيك بمقدار قيمته.

وفي هذا الفرض قد يقال: إنّ البنك المحصّل ليس له أن يأخذ من المستفيد بالشيك أجرة على تحصيل قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه ذلك الشيك ؛ لأنّه بعد أن يشتري الدين من المستفيد يصبح هو المالك للدين، فيُحصِّله لنفسه لا للمستفيد، ولا معنى عندئذٍ لمطالبة المستفيد (أي بائع الدين) باُجرةٍ على ذلك.

وقد تصحّح العمولة في هذا الفرض بعد إرجاعه إلى بيع الدين، بإنقاص مقدار العمولة من الثمن الذي يبيع المستفيد دينه به، أو بإضافة هذا المقدار إلى الثمن الذي يبيعه، بمعنى أنّه يبيع من البنك المحصّل دينه ومقدار العمولة بثمنٍ قدره قيمة الشيك.

ولكنّ ذلك يتوقّف على جواز بيع الدين بأقلّ منه، ولا يصحّ بناءً على عدم الجواز. غير أنّه مع البناء على عدم جواز بيع الدين بأقلّ منه يمكن تصحيح العمولة من دون إرجاع البيع المفروض إلى بيع بأقلّ منه ؛ وذلك بأن يفرض أنّ البنك المشتري للدين من صاحب الشيك يشترط عليه في عقد البيع أن يحصّل له الدين من البنك المسحوب عليه، وهذا لا يجعل شراءه للدين من شراء الدين

٢٣٧

بأقلّ منه. ونظراً إلى أنّ بائع الدين الذي بيده الشيك لا يريد أن يحصّل الدين بنفسه (أي قيمة الشيك) من البنك المسحوب عليه، وإلاّ لذهب إليه ابتداءً، فله أن يطالب البنك المشتري للدين منه بأن يرفع يده عن المطالبة بالشرط المذكور لقاء مالٍ معيَّن.

ومنها : أن يكون طلب المستفيد بالشيك من البنك تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنكٍ آخر مجرّد توكيلٍ له في قبض الدين الذي يملكه المستفيد من الشيك في ذمّة البنك المسحوب عليه. وفي هذا الفرض يجوز للبنك قبول هذا التوكيل في القبض لقاء أجرة معيّنة، ولا يصبح البنك المطالب بتحصيل الشيك مديناً للمستفيد كما هو الحال في الوجه الأوّل، ولا دائناً للبنك المسحوب عليه كما هو الحال في الوجه الثاني، بل يبقى الدائن والمدين (وهما المستفيد من الشيك والبنك المسحوب عليه) على حالهما، ويقوم البنك المحصّل بدور الوسيط بينهما لتسلّم المبلغ نقداً من المدين.

وإذا كان المستفيد قد تسلّم مبلغاً يساوي قيمة الشيك من البنك المحصّل قبل أن يحصل هذا البنك على قيمة الشيك فيمكن أن يعتبر هذا المبلغ إقراضاً من البنك المحصّل للمستفيد، ويستوفي البنك المحصّل دينه هذا من قيمة الشيك التي يحصل عليه من البنك المسحوب عليه، ولا يعتبر أخذ البنك المحصّل للعمولة فائدةً على ذلك القرض لكي يصبح ربوياً، وإنمّا هي أجرة على تحصيل الدين لصاحب الشيك، كما عرفت.

وهذا التخريج الفقهي يجعل عملية التحصيل مرتبطةً بتسلّم المبلغ نقداً من البنك المسحوب عليه ؛ لأنّ البنك المحصّل ليس إلاّ وكيلاً في القبض، وهو خلاف ما يجري غالباً في واقع الأمر.

ومنها : أن يفترض تكوّن عملية التحصيل من إقراضِ وحوالة، بمعنى أنّ

٢٣٨

المستفيد من الشيك يتّصل ببنكٍ غير البنك المسحوب عليه ذلك الشيك، فيقترض منه ما يساوي قيمة الشيك ويصبح المستفيد بذلك مديناً بهذه القيمة للبنك الذي اتّصل به، فيحوّله حوالةً على البنك المسحوب عليه، فيكون من حوالة المدين دائنه على مدينه، وهي حوالة صحيحة شرعاً. وأخذ البنك للعمولة في هذا الفرض جائز ؛ لأنّه بإقراضه لصاحب الشيك أصبح دائناً له، وصاحب الشيك يريد أن يُحيله على البنك المسحوب عليه، وهو (أي البنك المقرِض) بوصفه دائناً غير ملزمٍ بقبول هذه الحوالة، بل له أن يطالب صاحب الشيك بالوفاء نقداً، فيمكن والحالة هذه أن يجعل صاحب الشيك له عمولةً ومبلغاً خاصّاً لقاء تنازله عن المطالبة بالوفاء النقدي وقبوله بالتحويل، وليس هذا من قبيل ما يأخذه الدائن بإزاء إبقاء الدين وتأجيله ليكون رباً، فإنّا نفرض أنّ الدائن في المقام لا يطالب بمالٍ بإزاء بقاء الدين في ذمّة المدين، وإنمّا يطالب بمالٍ لكي يقبل بانتقال هذا الدين من ذمّةٍ إلى ذمّةٍ أخرى بالحوالة.

وهكذا يتّضح ممّا حقّقناه أنّ عملية تحصيل الشيك من بنكٍ غير البنك المسحوب عليه ذلك الشيك يمكن تفسيرها فقهياً بأحد هذه الوجوه الأربعة، وعلى جميع هذه الوجوه يمكن للبنك من الناحية الفقهية أخذ العمولة.

وبما حقّقناه ظهر حال ما أفاده بعض الأعلام(١) من أنّ تحصيل الشيك في محلّ الكلام فرع من فروع الحوالة ؛ لأنّ حامل الصكّ يحوّل من يشتريه (أي يحوّل البنك المحصّل) بتسلّم المبلغ المذكور من البنك المسحوب عليه فتجري على ذلك أحكام الحوالة. وقد أختار في الحوالة أنّ البنك لا يجوز له أن يأخذ عمولةً في حالة أخذ شخصٍ منه مالاً وتحويله له على جهةٍ أخرى لتسلّم المبلغ

____________________

(١) بحوث فقهية: ١١٦.

٢٣٩

منه ؛ لأنّ البنك في هذه الحالة يكون دائناً فيصبح أخذه عمولةً من الزيادة الربوية.

ولا يعلم ما هو نوع التخريج الفقهي الذي كان يتصوّره لعملية تحصيل الشيك حين افتراض أنّ البنك المحصّل يشتري الشيك من صاحبه وأنّ صاحب الشيك يحوّله على البنك المسحوب عليه.

فإن كان يتصوّر أنّ صاحب الشيك يبيع الشيك فهذا معناه أنّه يبيع الدين الذي يملكه في ذمّة البنك المسحوب عليه ؛ لأنّ الشيك بما هو ليس له قيمة مالية. وحينئذٍ فيملك البنك بموجب عقد البيع هذا الدين الذي كان صاحب الشيك يملكه في ذمّة البنك المسحوب عليه. ولا مجال لافتراض الحوالة على هذا التقدير ؛ لأنّ الدين الثابت في ذمّة البنك المسحوب عليه يملكه البنك المحصّل بالشراء، لا بالحوالة، فما معنى افتراض الحوالة بعد افتراض الشراء ؟

وإن كان يتصوّر أنّ صاحب الشيك يقترض من البنك مالاً ثمّ يحوّله على البنك المسحوب عليه الشيك، فليس هناك شراء للشيك، بل إقراض من البنك ثمّ تحويله من المقترض.

وكيف ما كان التخريج الفقهي لعملية التحصيل فقد عرفت أنّ أخذ البنك للعمولة من صاحب الشيك يمكن تبريره من الناحية الفقهية على جميع التخريجات المتقدّمة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273