البنك اللاربوي في الإسلام

البنك اللاربوي في الإسلام14%

البنك اللاربوي في الإسلام مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 273

البنك اللاربوي في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 273 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37735 / تحميل: 7946
الحجم الحجم الحجم
البنك اللاربوي في الإسلام

البنك اللاربوي في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وإلى جانب ذلك لابدّ للبنك اللاربوي أن ينشئ - كغيره من البنوك - شعبةً تسمّى ب- (شعبة البحوث الاقتصادية) أو بأيّ اسمٍ آخر، مهمّتها التحرّي عن أسعار السوق وعن ظروف الاستثمار، وتجمع هذه الشعبة كافّة المعلومات عن الحياة الاقتصادية والتنبؤات بفرص العمل المربح في المستقبل، وكذلك التنبّؤ بمستقبل الصناعة والتجارة، وما شاكل ذلك.

وبذلك سوف تتوفّر للبنك معلومات كافية يستطيع على ضوئها أن يحدّد مقدّماً ما يترتّب من نتائج لأكبر عددٍ ممكنٍ من المضاربات التي قام بها، كما أنّ هذه المعلومات ستعينه كثيراً في دراسة المضاربات التي ينوي القيام بها المستثمرون المتقدّمون إليه بطلباتهم.

هذا كلّه يجعل المستثمر تقريباً عاجزاً عن ادّعاء الخسارة دون أن يحيط البنك علماً بها قبل وقوعها، الأمر الذي يمكّن البنك من دراسة ظروفها والتأكّد من صحّتها. هذا في المضاربات التي تقوم على أساس صفقاتٍ تجاريةٍ معيّنة.

وأمّا المضاربة التي تقوم على أساس إنشاء مشروعٍ تجاريّ مستقلّ قائمٍ بذاته أو الاشتراك في إنشائه، فيمكن للبنك في مثل ذلك أن يساهم في الإشراف المباشر على المشروع عن طريق ممثِّلٍ له في إدارة ذلك المشروع.

رابعاً : يحدّد البنك منذ البدء قرائن موضوعيةً معيّنةً ويحصر وسائل إثبات الربح والخسارة بها، وعلى رأس تلك القرائن السجّلات المضبوطة التي يُلزِم البنك عمليه المستثمِر المضارِب باتّخاذها والتقيّد بها، فكلّ مضاربةٍ لم يثبت عن طريق تلك القرائن المعيّنة أنّها خسرت أو أنّها لم تربح فالأصل فيها أن يكون قد احتفظت برأس مالها مع زيادة حدّ أدنى من الربح بمقدار تمثّل النسبة المئوية للمودِع منه كميّةً مقاربةً للفائدة الربوية(١) .

____________________

(١) لاحظ الملحق رقم (٤) لتخريج هذا الأصل من الناحية الفقهية.(المؤلّف قدس‌سره ).

٦١

كيف يعرف البنك الأرباح ؟

وكيف يوزّعها ؟

إنّ البنك سوف يأخذ من العامل المضارِب مجموع ما يجب عليه أن يتنازل عنه من الربح بموجب عقد المضاربة، ويوزّع هذا المقدار بينه وبين المودِع وفقاً للنسب المقرّرة في العقد. وغنيّ عن البيان أنّ البنك سوف لن يدرج أرباح المضاربات بالودائع الثابتة في ميزانيته العامة، بل يضع لها ميزانيةً خاصّةً تتكفّل بإحصاء تلك الأرباح وتقسيمها.

وعلى هذا الأساس يتّجه سؤالان:

الأوّل : أنّ البنك يجب أن يعرف بالتحديد أرباح المضاربات التي تمّت بواسطته خلال سنته المالية، ولابدّ له أن يحدّد تلك الأرباح عند تسديد حساباتها في ذلك الوقت فكيف يُتاح للبنك أن يعرف مجموع أرباح المضاربات التي وقعت خلال سنته المالية ؟

الثاني : أنّنا إذا فرضنا أنّ البنك استطاع أن يحدّد أرباح المضاربات التي تمت بواسطته خلال السنة، وبالتالي استطاع أن يعرف القدر الذي يجب أن يتنازل عنه المستثمرون للبنك لكي يوزّعه بينه وبين المودِعين، إذا فرضنا كلّ ذلك فكيف يُتاح للبنك أن يُحدّد حصّة كلّ وديعةٍ من الربح ؟ وعلى أيّ أساسٍ يكون هذا التحديد ؟

وسوف نجيب على هذين السؤالين بالترتيب:

٦٢

كيف يعرف البنك الأرباح ؟

المضاربة التي تتمّ بواسطة البنك تارةً تقوم على أساس صفقةٍ تجاريةٍ خاصّة، وأخرى تقوم على أساس إنشاء مشروعٍ كامل، أي إنّ المستثمِر (المضارِب) إمّا أن يقبل المضاربة ويتّفق مع البنك على شراء كميّةٍ محدّدةٍ من الأرزّ الأجنبي مثلاً وتصريفه خلال الموسم، وإمّا أن يقبل المضاربة ويتّفق مع البنك على إنشاء محلّ تجاريّ يتكوّن رأسماله من الودائع الثابتة المضارَب بها.

ففي الحالة الأُولى يكون المال موظَّفاً في عمليةٍ محدّدة، وعادةً تكون قصيرة، أي تظهر نتائجها في فترةٍ قصيرة. وإذا لم تظهر نتائجها في بداية تأريخ تسديد البنك لحساباته فيكفي أن تظهر خلال الفترة التي تمرّ بين تسديد الحسابات وظهور الميزانية وإكمالها، وهي فترة طويلة نسبياً يمكن فيها مُحاسَبِيّاً الاطلاع على نتائج العمليات التي قام بها البنك قبل اختتام السنة المالية.

وذا افترضنا أنّ بعض المضاربات التي تمّت قبيل اختتام السنة المالية تظهر نتائجها حتى في هذه الفترة فيمكن للبنك التحديد التقديري للربح ؛ لأنّه يعرف - كما تقدّم - نوع العملية ويملك فكرةً عن سيرها إلى ذلك الحين، فيستطيع أن يقدّر نتائجها ويتصرّف على أساس هذا التقدير، كما سنوضّح بعد لحظاتٍ إن شاء الله تعالى.

وأمّا في الحالة الثانية فيمكن للبنك أن يفرض على المشروع القائم على أساس المضاربة التي تمّت على طريقة أن تتوافق سنته المالية مع السنة المالية للبنك، وذلك في حالة إنشاء المشروع ابتداءً عن طريق المضاربة، أو في حالة كون المشروع قائماً، وقد تقدّم إلى البنك بطلب المساهمة في رأسماله على شكل دائميّ تقريباً على أساس المضاربة، وكان بإمكانه تغيير سنته المالية وجعلها متّفقةً

٦٣

مع السنة المالية للبنك.

وهناك حالات لا يمكن للبنك فيها إلزام المؤسّسة الطالبة للتمويل بالالتزام بسنته المالية، كما إذا كان المشروع قائماً وله سنة مالية تختلف عن سنة البنك ويصعب عليه تغييرها، أو حين يكون المشروع موسمياً ومتخصّصاً بصنع وبيع مادةٍ شديدة الموسمية، وكان اختتام السنة المالية للبنك يتّفق مع الذروة في أعمال المشروع، فليس من المعقول أن يُكلَّف مشروع من هذا القبيل بتطبيق سنته المالية على سنة البنك.

والعلاج في هاتين الحالتين هو أنّ الأرباح التي ستظهر في ميزانيات هذه المشاريع ستُحسَب ضمن أرباح السنة التي ظهرت فيها الميزانيات، وهذا لن يسبِّب سوءاً في التوزيع إلاّ في السنة الأولى، وأمّا في بقية السنين فإنّه ستتعادل بصورةٍ تقريبيةٍ الأرباح التي ستُحتَسَب خلال السنة القادمة وهي تعود لهذه السنة مع الأرباح التي احتسبت ضمن أرباح هذه السنة وهي تعود للسنة الماضية.

وأمّا العميل المودع (المضارِب) فيكون موقفه في هذه الحالات واحداً من أمرين، هما:

أولاً : أن ينتظر إلى السنة القادمة، وخلالها ستُعرف أرباح المشاريع التي لم تُعرف أرباحها حتى هذه السنة، وتقسَّم هذه الأرباح بنفس الطريقة التي قُسِّمت فيها الأرباح في السنة الماضية وبنفس النسب، وبذلك تستكمل كلّ وديعةٍ حصّتها من الربح.

ثانياً : أن يتصالح المودِع مع البنك على مبلغٍ معيَّن كمقابلٍ للربح المحتمل ظهوره في السنة القادمة من هذه المشاريع، ويأخذ المودِع حينئذٍ المبلغ المتصالَح عليه، ويأخذ البنك كلّ الربح المتحقّق لتلك الودائع المتصالَح على أرباحها ؛ على أن يدفع البنك من أمواله الخاصّة المبالغ التي تصالَح عليها.

٦٤

ويمكن للبنك أن يحدّد منذ البداية القيمة التي يدفعها في مصالحاتٍ من هذا القبيل ؛ تفادياً للمشاكل التي قد تنجم بين المودِع والبنك إذا ترك تحديد القيمة للاتّفاق الشخصي في كلّ حالة.

وبهذا لا يواجه البنك عند تسديد حساباته مشكلةً بصدد تحديد أرباح تلك المشاريع.

وطريقة الصلح التي يمكن للبنك اتّخاذها مع المودِِع بالنسبة إلى المشاريع التي لم تختم سنتها المالية بعد في نهاية سنة البنك بمكن للبنك أيضاً استعمالها مع المودِع بالنسبة إلى الصفقات المحدّدة والمضاربات القصيرة - التي تقدّم الكلام عنها - فيما إذا فرضنا أنّ أرباحها لم تكتشف إلى موعد ظهور الميزانية العامة للبنك، فإنّ البنك يصالح المودع إذا لم يشأ الانتظار على أرباحها بمبلغٍ يحدّده على ضوء خبرته بنوع العملية وظروفها وقدرته على التنبّؤ بنتائجها.

كيف يوزّع البنك الأرباح ؟

يبقى علينا أن نجيب على السؤال الثاني، وهو كيف يوزّع البنك الأرباح ؟ وكيف يحدّد ربح كلّ وديعةٍ لكي يقسِّم ربحها بينه وبين المودِع وفقاً للنسب المقرّرة في عقد المضاربة ؟

وقد كان الجواب على هذا السؤال ميسوراً لو أنّنا افترضنا أنّ البنك يستثمر الودائع الثابتة جميعاً في وقتٍ واحد، بحيث تظلّ جميعاً فترةً معيّنةً قيد الاستثمار، فإنّ عامل الزمن عندئذٍ واحد بالنسبة إلى كلّ الودائع الثابتة المستثمَرة خلال العام، ويظلّ عامل الكمّية فيحدّد نصيب كلّ وديعةٍ من مجموع الربح بنسبة كمّيتها إلى مجموع الودائع الثابتة المستثمرة خلال العام.

غير أنّ هذا الافتراض الذي يجعل عامل الزمن واحداً في الجميع يختلف

٦٥

عن الواقع ؛ لأنّ البنك لا يجمع الودائع الثابتة كلّها ويدفع بها إلى مجال الاستثمار في وقتٍ واحد، بل في أوقاتٍ مختلفة. وإذا كلّفنا البنك أن يأخذ عامل الزمن الخاصّ باستثمار كلّ وديعةٍ بعين الاعتبار كان هذا شاقّاً عليه ويتطلَّب منه جهوداً ونفقاتٍ كبيرة.

وأمّا إذا فرضنا أنّ كلّ الزمن الذي مرّ على الوديعة الثابتة من لحظة الإيداع إلى لحظة السحب أدخلناه في حساب حصّتها من الربح ما تفعل البنوك الربوية فإنّ هذا يُبعدنا عن فكرة المضاربة الإسلامية ؛ لأنّ الدخل القائم على أساس المضاربة ينتج عن استثمار المال والاسترباح به، وهو بهذا يختلف عن الدخل الربوي القائم على أساس القرض باسم الفائدة.

فإذا أدخلنا اليوم الأوّل لإيداع الوديعة الثابتة في حساب الأرباح بالرغم من أنّ الوديعة في هذا اليوم لم يطرأ عليها أيّ استثمارٍ كان معنى هذا أنّا اقتربنا من طبيعة الدخل القائم على أساس الفائدة، وابتعدنا عن طبيعة الدخل القائم على أساس المضاربة الإسلامية، ولهذا نقترح أن يقيم البنك حساباته على افتراض أنّ كلّ وديعةٍ ثابتةٍ تدخل خزائنه سوف يبدأ استثمارها فعلاً بعد شهرين من زمن الإيداع مثلاً - والمدّة مرنة تتأثّر بظروف العمل التجاري، وعلى درجة الإقبال العامّة على استثمار رؤوس الأموال - ولن تستثمر قبل ذلك، وهذا يعني أنّ المودِع إذا سحب ويعته لأيّ سببٍ من الأسباب المسوّغة قبل مضيّ شهرين لا يُعطى أيّ ربح. كما أنّها إذا ظلَّت أكثر من شهرين لا يحسب لها أرباح إلاّ من نهاية الشهر الثاني ؛ لإعطاء البنك خلال الشهرين فرصةً معقولةً لاستثمار الوديعة على أساس المضاربة، ويدخل الزمن بعد مضيّ شهرين من تحديد أرباح الوديعة على أساس أنّ من المفروض أن تكون الوديعة قد استثمرت عندئذٍ، وبهذا لا نبتعد عن فكرة المضاربة الإسلامية.

٦٦

والتخريج الفقهي لذلك أن يشترط البنك على المودِعين أن يتنازلوا عمّا يزيد من حصّتهم الواقعية عن الحصّة التي تقرَّر لهم بموجب ذلك الافتراض، فإذا كانت هناك وديعة لزيد استثمرت فعلاً من بداية الشهر الرابع إلى نهاية السنة، ووديعة أخرى مماثلة لخالد استثمرت من بداية الشهر الرابع إلى نهاية السنة، وافترضنا أنّ الربح الذي نتج عن استثمار وديعة زيد كان أكبرَ من الربح الذي نتج عن استثمار وديعة خالد بالرغم من تساوي الكميّتين، في مثل هذا الفرض تكون حصّة وديعة زيدٍ من الربح أكبر من حصّة وديعة خالد في الواقع. فَلِكي يُتاح للبنك أن يساوي بين الوديعتين في الربح يشترط على كلّ مودِع أن يتنازل عن القدر الزائد منه بالطريقة التي تصحِّح للبنك طريقته في توزيع الأرباح على الودائع.

وهكذا يتلخّص ممّا سبق أنّ الأرباح يجب أن توزَّع على الودائع حسب أحجامها ومُدَدِ إيداعها مطروحاً منها لفترة الفترة التي يقدّر بشكل عامّ أنّها تسبق الاستثمار، وقد افترضنا أنّها شهران مثلاً.

ويتمّ ذلك في ما يلي:

لِنفرض أنّ مجموع أرباح المضاربات خلال العام (٢٠.٠٠٠) دينار، ومقدار الودائع الثابتة هو مليون دينار، فإنّنا سنقسِّم ال- (٢٠.٠٠٠) دينار إلى قسمين: (١٠.٠٠٠) منها نقسّمها على المبالغ بغضّ النظر عن المُدَد التي بقيت فيها هذه المبالغ، والنصف الآخر يقسّم على المُدَد التي بقيت فيها المبالغ، باستثناء شهرين مثلاً بغضِّ النظر عن حجمها(١) .

____________________

(١) ولا يعني هذا الاقتراب من مفهوم الفائدة وتحويل ربح المودِع إلى فائدةٍ ربويةٍ على أساس أخذ عامل الزمن ؛ وذلك لأنّ ما عرضناه هو مجرّد طريقةٍ لتقسيم الأرباح على الودائع ،=

٦٧

فبالنسبة إلى تقسيم النصف الأوّل على نفس المبالغ نقسّم عشرة آلاف على ميليون في المثال السابق، فتكون حصّة كلّ دينارٍ من الودائع الثابتة من الدينار الواحد، وبعد ذلك نقوم باحتساب حصّة كلّ وديعةٍ كما يلي:

مقدار الوديعة..×..النسبة، وهي من الدينار.

وبالنسبة إلى تقسيم النصف الآخر على مجموع مُدَد الودائع - باستثناء الشهرين - نقسّم عشرة آلافٍ على مجموع تلك المُدَد، ونستخرج حصّة كلّ يوم أو كل أسبوع أو كلّ شهرٍ حسب الوحدة الزمنية التي يأخذها البنك مقياساً، ونضرب بعدئذٍ هذه الحصّة في مجموع المدّة التي بقيت فيها كلّ وديعة.

وأُرجِّح أن تُختار وحدة زمنية يقع فيها عادةً ربح خلال الاستثمار، كشهرٍ أو نصف شهرٍ أو أسبوع مثلاً دون اليوم، وما ينقص عن تلك الوحدة الزمنية من مدّة الإيداع لا يعطى عليه شيء من الربح. فإذا اخترنا الأسبوع كوحدةٍ زمنيةٍ وكانت مدّة الإيداع مئةَ أسبوع لا يعطى شيئاً مقابل نصف الأسبوع.

وإذا قُسِّم النصف الأوّل على الودائع والنصف الثاني على مُدَدها بالنحو الذي شرحناه أمكن تحديد ربح كلّ وديعة، فيكون عبارةً عن حاصل جميع

____________________

=وليس هو صيغة الاتّفاق بين رأس المال والمستثمِر، فالاتّفاق بين رأس المال الذي يمثّله البنك والمستثمِر يقوم على أساس المضاربة، ويقدّر ربح رأس المال على أساس ما يدرّه المشروع الذي أنشأته المضاربة، وهكذا. فنحن حينما نلاحظ المجموع الكلّي للربح والمجموع الكلّي للمودِعين نجد أنّ أساس حقّ هؤلاء المودِعين في المجموع الكلّي للربح هو المضاربة، وندرك الفارق بين هذا الحقّ والحقّ الربوي في الفائدة. وأمّا حينما نريد أن نعرف حصّة كلّ وديعةٍ وكلّ مودِع بالخصوص من ذلك المجموع الكلّي للربح فلا بأس أن نأخذ بعين الاعتبار عاملَي الحجم والزمن معاً عند تقسيم المجموع الكلّي لأرباح المضاربات على كلّ وديعة.(المؤلّف قدس‌سره ).

٦٨

حصّتها من النصفين السابقين.

أمّا كيف يتمّ اقتسام الربح بين المودِع والبنك فذلك كما يلي:

أوضحنا قبل قليلٍ كيف أنّنا نحوّل الحدّ الأدنى من أجرة رأس المال المضمون، وهي: سعر الفائدة في السوق الربوية + سعر الفائدة × احتمال عدم الحصول على الربح، والتي افترضناها كما يلي: من مبلغ الوديعة، والتي ترجمت إلى نسبةٍ من الربح على أساس توقّعات البنك لنسبة ربح رأس المال، والتي افترضناها في ما مضى (٢٠%) من رأس المال، بحيث أصبحت حصّة الوديعة من الربح في هذا المثال (٥ ‚٢٧%).

بناءً على هذا كلّه فإنّ البنك سيقوم بتقسيم مجموع الأرباح التي يتقاضاها من المضاربات على الودائع حسب مبالغها وحسب مُدَدها، كما أوضحنا سابقاً، وعندما تستخرج حصّة كلّ وديعةٍ على هذا الأساس يعطي البنك للمودع حصّةً من الربح على أساس النسبة التي اتّفق معه عليها في عقد المضاربة ويأخذ له باقي النسبة من الربح.إلاّ أنّه لابدّ أن يكون واضحاً أنّ حصّة المودِع المتقدّمة كنسبةٍ مئويةٍ من الربح التي استخرجت في المثال الذي تقدّم قد احتسبت على أساس الربح الكلّي لرأس المال، وليس على أساس حصّة المودِع والبنك فقط. وعليه فلابدّ من تحويل هذه النسبة على هذا الأساس، ويتمّ ذلك كما يلي:

لو افترضنا أنّ نسبة حصّة البنك والمودِع معاً من الربح والتي تُمثِّل أجرة رأس المال المخاطَر به دخلاً وقيمةً هي (٧٠%) من الربح، وأنّ الأجر الثابت المعطى للبنك فَرضَ تخفيض هذه النسبة إلى (٦٥%) من الربح، فالمبلغ الذي يجب تقسيمه على البنك والمودِع من الربح هو (٦٥%) من الربح، وتكون حصّة المودِع عبارةً عن ( ٥ ‚٢٧%) الأجر الثابت الذي افترضنا أنّه يساوي (٥%).

٦٩

بقي أن نعرف أن أجرة رأس المال المخاطَر به قيمةً ودخلاً إذا كان (٧٠%) فكيف نعرف القدر الذي يجب خصمه منه لأجل الأجر الثابت ؟

إنّ معرفة ذلك تتوقّف على تحويل الأجر الثابت إلى نسبةٍ معيّنةٍ من الربح لكي يمكن طرحها من النسبة المئوية التي تحدّد أجرة رأس المال المخاطر به قيمةً ودخلاً.

وتوضيحه في المثال التالي: نفرض أنّ الأجر الثابت هو (١%) من رأس المال، وكان رأس المال (١٠٠٠) دنانير، وهو مقدار الفرق بين سعر الفائدتين. وبافتراضنا أنّ الربح سيكون (٢٠%)، أي (٢٠٠) دينار فإنّ نسبة الأجر الثابت إلى الربح ستكون ، وهي تساوي (٥%)، وعليه ستكون حصّة المودِع والبنك (٧٠% - ٥% = ٦٥%).

حين يحسّ البنك بالحاجة إلى جذب الودائع:

وكلّما أحسَّ البنك بالحاجة الملحِّة إلى جذب ودائع أكثر لقوة حركة الاستثمار ونشاطها وزيادة الطلب من المستثمِرين أمكنه أن يستعمل طريقةً لجذب تلك الودائع، وهي فرض جُعالةٍ للمودِع زائداً على النسبة المقرَّرة له من الربح.

وصورة الجُعالة أن يفرض البنك لكّل مَن يودِع لديه وديعةً ثابتةً ويجعله وكيلاً عنه في المضاربة عليها مع أيّ مستثمرٍ يشاء وبأيّ شروطٍ يقترحها، جعالةً خاصّةً على أساس أنّ توكيل المودِع المضارِب للبنك عمل يخدم البنك وله قيمةٌ مالية فيصحّ أن يضع البنك جعالةً عليه. ونظراً إلى أنّ قيمة التوكيل تزداد كلّما ازداد المبلغ الموكَّل عليه فبالإمكان فرضُ الجُعالة بنحو يتناسب مع كمّية المبلغ المودَع، ويتحمّل البنك دفع هذه الجُعالة ويغطّي كلفتها من الأجور الثابتة التي يتقاضاها من

٧٠

كلّ مستثمرٍ لقاءَ توسّطه لديه، كما يغطّي البنك الربوي الفوائد التي يدفعها إلى المودِعين منذ يوم الإيداع من الفوائد الثابتة التي يتقاضاها بعد ذلك لقاءَ تسليف تلك الودائع للمستثمِرين.

وليست هذه الجُعالة رِباً ؛ لأنّها ليست شيئاً يدفعه المَدين إلى الدائن لقاءَ الدَين، نظراً إلى أنّ الودائع ليست ديناً على البنك للمودِع لكي يكون ما يدفعه إليه في مقابل القرض، وإنّما هي باقية على ملكية أصحابها المودِعين لها، والجُعالة إنّما هي على التوكيل بوصفه عملاً ذا قيمةٍ ماليةٍ بالنسبة إلى البنك بما يُتيح له من فرصة اختيار المستثمِر وفرض شروطه عليه.

وبالرغم من هذا فإنّي أرى أنّ الأوْلى بالبنك اللاربوي أن لا يلجأ مهما أمكن إلى الجُعالة بهذه الطريقة لجذب الودائع الثابتة ؛ لأنّها تتّفق من الناحية المظهرية مع الفائدة إلى درجةٍ كبيرةٍ، وأتصوّرُ أنّ إغراءَ الربح وحده يكفي لجذب المزيد من الودائع الثابتة كلّما اتّسعت حركة الاستثمار وازداد طلب المستثمِرين ؛ لأنّ ازدياد طلب المستثمِرين يعني وجود فُرَصٍ كبيرةٍ ومناسبةٍ جدّاً للربح، وهذا بنفسه كما يدفع المستثمِرين إلى طلب الدخول في مضارباتٍ بتوسّط البنك كذلك يدفع أصحاب الأموال الذين لا يَوَدّون ممارسة استثمار أموالهم مباشرةً إلى دفع أموالهم كودائع ثابتةٍ إلى البنك ويطلبون منه التوسّط في توظيفها على أساس المضاربة.

ودائع التوفير:

كنّا حتّى الآن نحدّد موقف البنك اللاربوي من الودائع الثابتة. وأمّا ودائع التوفير فهي أيضاً تدخل في مجال المضاربة، ويقف منها البنك اللاربوي موقفه من الودائع الثابتة في كلّ ما تقدّم من التفاصيل تقريباً باستثناء أمرين:

٧١

١ - إنّ البنك اللاربوي لا يُلزِم الموفِّر بإبقاء وديعة التوفير لديه مدّةً معيّنةً كستّة أشهرٍ كما يُلزم أصحاب الودائع الثابتة بذلك، بل يمنح أصحاب ودائع التوفير الحقّ في سحب أموالهم متى أرادوا، وبهذا تشابه ودائع التوفير من هذه الناحية الحساب الجاري، أي الودائع المتحرّكة. ولكنّ جعل البنك اللاربوي ودائع التوفير تحت الطلب دائماً لا يمنعه عن إدخالها في مجال المضاربات واستثمارها عن هذا الطريق كما يستثمر الودائع الثابتة وبنفس الشروط والحقوق. ولكي يضمن قدرته على مواجهة طلبات السحب من الموفِّرين يقرّر الأمر الثاني:

٢ - يستطيع البنك أن يقدِّر النسبة التي تسحب فعلاً من مجموع ودائع التوفير، فإذا فرضنا أنّها كانت لا تزيد في العادة على (١٠%) فسوف يعتبر عُشر كلّ وديعةٍ من ودائع التوفير وديعةً متحرّكة، ولا يدفع عنها أيَّ فائدةٍ أو ربح، بل يحتفظ بها كقرضٍ في حالةٍ كاملةٍ من السيولة النقدية لمواجهة طلبات السحب من الموفّرين الذين يشترط عليهم البنك أن لا يطالبوا إلاّ بقيمة الوديعة.

وهكذا سوف يحصل الموفِّر على فرصة السحب متى أراد، خلافاً لصاحب الوديعة الثابتة، وفي مقابل ذلك لا تدخل وديعة التوفير كلّها في مجال الاستثمار والمضاربة، بل يُقتطع منها جزء محدّد وفقاً لِمَا تقدّم في الأمر الثاني، بينما تدخل الوديعة الثابتة كلّها في ذلك المجال.

وكلّما طلب الموفِّرون ودائعهم قام البنك بتسديد الطلب من الجزء الذي اعتبره قرضاً من ودائع التوفير واحتفظ به كسائلٍ نقدي، وفي هذه الحالة يحلّ هو محلّ الموفِّر في المضاربات التي أنشأها.

٧٢

الودائع المتحرّكة

وأمّا الودائع المتحرّكة التي تُشكِّل عادةً الحساب الجاري لعملاء البنك، فليس من السهل اتّباع الأسلوب السابق بالنسبة إليها ؛ لأنَّ هذه الودائع باعتبار حركتها المستمرّة حسب حاجات المودِع يصعب على البنك توظيفها عن طريق المضاربة التي تجعلها أبعد ما تكون عن السيولة، ونحن نرى أنّ الودائع المتحرّكة تتّخذ صفة القرض على شكل اقتراض البنك الربوي للوديعة المتحرّكة من صاحبها، فتدخل في نطاق ملكية البنك في مقابل التزامه بقيمتها متى طالب المودع بالوفاء، ولا يدفع البنك أيّ فائدةٍ على هذا القرض، كما أنّ البنوك الربوية لا تدفع أيضاً فائدةً على الودائع المتحرّكة.

ويمكن للبنك أن يصنِّف الودائع المتحرّكة إلى عدّة أقسامٍ وفقاً لسياسةٍ عامّةٍ مرسومة:

القسم الأوّل ، يحتفظ به البنك كسائلٍ لضمان قدرته على مواكبة حركة الحسابات الجارية من ناحية، والمساهمة في تمكينه من تغطية طلبات المودِعين للودائع الثابتة في الآجال المحدّدة لسحبها، والبنك هو الذي يقدِّر كمّية هذا القسم ونسبته إلى مجموع الودائع المتحرّكة وفقاً لِمَا يقدِّره لحركة الحسابات وحركة

٧٣

السحب على الودائع الثابتة.

القسم الثاني ، يوظِّفه البنك عن طريق المضاربة مع مستثمِر، ويحتلّ البنك في هذه المضاربة مركز المضارِب، ولا يكون مجرّد وسيط، ويستأثر بما كان يحصل عليه المودِع والبنك معاً في المضاربات الأخرى.

القسم الثالث ، يُعِدّه البنك للإقراض منه لعملائه، ويقيم سياسته في هذه القروض التي يقدّمها إلى عملائه على إيجاد تسهيلاتٍ لهم عن طريق تلك القروض ؛ حيث لا يمكن إقامة التسهيل على أساس المضاربة. فرجل الأعمال حين يتقدّم إلى البنك طالباً منه التسهيل لا يُقدِم البنك على إعطائه التسهيل المطلوب وإقراضِه إلاّ إذا لم يتمكّن من دفع المال له على أساس المضاربة والمشاركة في الأرباح ؛ لأنّ الأصل في الأموال التي يسعى البنك إلى توظيفها أن يتمّ توظيفها على أساس المضاربة، ويحاول البنك عن طريق هذا الأصل إيجاد هذا العرف في السوق بحيث تصبح إقامة العلاقة بين المستثمِرين والبنك على أساس المضاربة أمراً اعتيادياً مفهوماً بين رجال الأعمال.

وفي الحالات التي لا يُتاح للبنك فيها التوظيف على أساس المضاربة ؛ لكون الغرض الذي يستهدفه المستثمِر من طلب التسهيل المصرفي غير صالحٍ لتحقيقه عن طريق المضاربة يُقدِم البنك على إعطاء التسهيلات بالإقراض، كما إذا كان الغرض من التسهيل وفاء كمبيالةٍ مستحقّةٍ أو الإنفاق على بعض مستلزمات العمل، من أجور أو رواتبَ أو أيّ حالةٍ أخرى من هذا القبيل.

ولكنّ البنك يجب أن يُلاحظ أيضاً من ناحيةٍ أخرى أن يحافظ على علاقة رجال الأعمال به، وأن لا يؤدّي حرصه على استبدال التسهيلات القرضية بتسهيلات المضاربة إلى انصرافهم عنه.

٧٤

شروط المقترِض:

يشترط البنك في مَن يُقرضه الأمور التالية:

١ - الأمانة وحسن السلوك على ضوء معاملاته وعلاقاته السابقة معه ومع سائر البنوك وفي السوق، ويعتبر شهادة اثنين بأمانة المقترض.

٢ - القدرة المالية على الوفاء التي يقدِّرها البنك على أساس دراسة المركز المالي والتجاري للمقترِض ونوع النشاط الذي يمارسه.

٣ - أن لا تزيد مدّة القرض على ثلاثة أشهر.

٤ - أن لا يزيد القرض عن حدّ أعلى يضعه البنك وفقاً لسياسته في إعطاء التسهيلات المصرفية.

والغرض من هذا الشرط وسابقه: أن يمكن تحويل المعاملة إلى عمليةِ مضاربةٍ فيما إذا كان الأجل أطول والمبلغ أكثر.

٥ - أخذ ضماناتٍ كرهنٍ على الدَين ؛ لكي يضمن الوفاء على أيّ حال.

إلغاء العنصر الربوي من الفائدة:

وأمّا موقف البنك اللاربوي من الفائدة التي تتقاضاها البنوك الربوية على قروض عملائها منها فيمكن توضيحه على أساس تحليل العناصر التي تتكون منها الفائدة من وجهة نظر الاقتصاد الرأسمالي، فإنّ الاقتصاديّين الرأسماليّين يقدِّرون عادةً أنّ الفائدة تتكوّن من عناصر ثلاثة:

الأوّل: مبلغ يفترض في كلّ فائدةٍ لأجل التعويض عن الديون الميِّتة، فإنّ البنك يُقدِّر على أساس إحصاءاتٍ سابقةٍ أنّ نسبةٍ معيّنةٍ من الديون تظلّ دون وفاءٍ فيعوّض عنها ذلك.

٧٥

الثاني : مبلغ يُفترض كتغطيةٍ لنفقات البنوك التي يستهلكها دفع أجور الموظّفين، ونحو ذلك.

الثالث : الربح الخالص لرأس المال.

أمّا العنصر الأوّل فقد يستغني عنه البنك اللاربوي بتوسيع نطاق الائتمان العيني والتقليل من الائتمان الشخصي، وعدم قبوله خارج الحدود التي تتوفّر فيها الثقة الكاملة الكفيلة عادةً بعدم ضياع الدين. وإذا لم يمكن الاستغناء عنه بذلك وكان لابدّ من إبقاء الديون الميّتة في حسبان البنك اللاربوي بوصفها أمراً واقعاً لا محالة رغم كلّ المحاولات والجهود، فبالإمكان الاستفادة هنا من فكرة التأمين على الديون والقروض ؛ لأنّ شركات التأمين كما تؤمِّن على الأموال العينية كذلك قد تؤمِّن على الأموال المقترضة. ويمكن تحقيق التأمين بشكلين:

الأوّل: أن يقوم البنك نفسه بالتأمين على القرض الذي يدفعها إلى العميل، أو على مجموع القروض التي يدفعها خلال عامٍ مثلاً، ويتحمّل البنك نفسه أجور التأمين في الحالات التي يرى فيها أنّ ضمان سداد الديون الميّتة أهمّ من كُلفة التأمين التي تتمثّل في دفع تلك الأجور.

الثاني : أن يطالب البنك عميلَه الذي يطلب الاقتراض منه بضمانٍ من شركة التأمين، وهو طلب مستساغ ؛ لأنّ صاحب المال من حقّه أن يمتنع عن الإقراض ما لم يأتِ الآخر بالكفيل الذي يقترحه صاحب المال، ولا يدخل هذا في الامتناع عن الإقراض بدون زيادةٍ ليكون من الربا المحرّم.

وعلى هذا الأساس إذا طالب البنك عميلَه بضمانٍ من شركة التأمين لكي يقرضه المبلغ المطلوب اضطرّ العميل إلى الاتّصال بشركة التأمين مباشرةً أو بتوسّط البنك المقرِض نفسه والتأمين لديها على القرض ودفع أجور التأمين. وهنا يكون المؤمِّن هو المقترِض، لا البنك، غير أنّه يؤمّن لمصلحة البنك، ونظراً إلى أنّه

٧٦

هو المؤمِّن فهو الذي يدفع أجور التأمين إلى شركة التأمين مباشرةً أو بتوسّط البنك.

وهكذا يكون بإمكان البنك اللاربوي أن يأخذ من المقترِض أجرة التأمين، لا بوصفها فائدةً على القرض، بل باعتباره وكيلاً عن المقترِض في إيصالها إلى شركة التأمين(١) .

والصعوبة هنا تكمن في تحديد أجرة التأمين على كلّ قرضٍ لكي يطالب كلّ مقترِضٍ بأُجرة التأمين على قرضه ؛ لأنّ شركة التأمين في العادة تؤمّن على مجموع قروض البنك خلال عامٍ مثلاً على أساس ما يملك من تقديراتٍ إحصائية، لا على كلّ قرضٍ بمفرده.

وأمّاالعنصر الثاني فيمكن للبنك اللاربوي المطالبة به، وتخريجه فِقهيّاً يقوم على أساس الأمر شرعاً بكتابة الدَين، وبإمكان الكاتب أن يأخذ أجرة على الكتابة ؛ لأنّها عمل محترم، فله أن يمتنع عن الكتابة مجّاناً. كما أنّ بإمكان الدائن أن يمتنع عن تحمّل هذه الأجرة فيتحمّلها المَدين توصّلاً إلى القرض، وعلى هذا فيصحّ للبنك أن يشترط في إقراضه لعميله دفع أجرة معقولةٍ - أجرة المِثْل - في مقابل تسجيل الدَين وضبط حساب العميل.

ولا يُدخل البنك اللاربوي في كلفة القرض التي يطالب المَدين بأجرها كلفةَ الحصول على الودائع التي تدخلها البنوك الربوية في حساب الكلفة وتريد بها الفوائد التي تدفعها للمودِعين، وما شابه.

وأمّاالعنصر الثالث من الفائدة الذي يمثّل الربح الخالص لرأس المال

____________________

(١) لأجل التوسّع في التخريج الفقهي لتحميل المقترض اُجرة التأمين لاحظ الملحق رقم (١) في آخر الكتاب.(المؤلّف قدس‌سره ).

٧٧

الربوي فيُلغي إلغاءً تامّاً(١) في تعامل البنك اللاربوي مع المقترِضين، ولكن يمكن للبنك اللاربوي أن ينتهج سياسةً خاصّةً بصدد ما يُلغِيه ويتعَفّف عنه من عناصر الفائدة، أي العنصر الأوّل والعنصر الثالث. وتقوم هذه السياسة على أساس أنّ البنك يشترط على كلّ مقترِضٍ أن يُقرِضه لدى الوفاء مقداراً يساوي مجموع العنصرين اللذين ألغاهما من الفائدة بأجلٍ يمتدّ إلى خمس سنوات مثلاً، وليس في ذلك أيّ مانعٍ شرعي ؛ لأنّه ليس من الربا. ويمكن إنجاز الشرط بصورةٍ يصبح فيها ملزماً للمشترط عليه، وبذلك يحصل البنك على كميّةٍ مساويةٍ لِمَا ألغاه من عناصر الفائدة الربوية، ولكنّه لا يعتبر نفسه مالكاً لها بدون مقابل، وإنّما هو مَدين بها لعملائه، غير أنّه دَينٌ لا يطالب به إلى أجلٍ طويل. وهذا يتيح للبنك اللاربوي أن يودع تلك الكميّة في البنوك التي يسوِّغ لنفسه أخذَ الفائدة منها ويتقاضى الفوائد عليها من تلك البنوط طيلة خمس سنواتٍ مثلاً، وكلَّما حلّ الأجل المحدّد سحَبه وأعاده إلى العميل الذي أخذه منه وفاءً لدينه، وبهذا الأسلوب يتفادى البنك الرزق المحَرَّم المتمثّل في امتلاك الفوائد الربوية كأرباح لرأس المال، ويوفّر له شيئاً من الأرباح ويُمكِّنه من الإيداع لدى جملةٍ من البنوك الأخرى، الأمر الذي يحرص عليه البنك عادةً.كما أنّ هذا الأسلوب لن يرهق المقترِضون الذي ألِفوا التعامل مع البنوك الربوية، فإنّ دفع مقدار الفائدة هو الشيء المفروض في الواقع المعاش، بل إنّهم سوف يتاح لهم أن يسترجعوا ما دفعوه باسم قروضٍ حين حلول الأجل. وأنا اُقدِّر أنّ هذا سوف يؤدّي إلى إقبالٍ واسع النطاق على الاقتراض من البنك اللاربوي ؛ لأنّ كلّ إنسانٍ يفضّل بطبيعته أن يقترض من بنكٍ يكلّفه قرضاً يرجعه إليه بعد مدّةٍ

____________________

(١) راجع الملحق رقم (١) للتعرّف على التخريجات الفقهية من الناحية العلمية.(المؤلّف قدس‌سره ).

٧٨

محدّدة، على أن يقترض من بنكٍ يكلّفه التنازل نهائياً عن تلك الكمّية.

وفي حالة زيادة الطلب على القرض من البنك اللاربوي يمكن لهذا البنك أن يصنِّف عملاءَه إلى زَبونٍ من الدرجة الأولى وزَبونٍ من الدرجة الثانية، ويقيم سياسته في هذا التصنيف على أساس الترغيب في الالتزام بوفاء الدَين في حينه بدون تسامح، وتشجيع المقترِضين على تحويل القرض المشروط عليهم إلى تبرّع، وذلك بأن يعلن البنك في حالة زيادة الطلب على القروض أنّه يؤثِر العميل من الدرجة الأولى على العميل من الدرجة الثانية، وتحدِّد درجة العميل تجارب البنك السابقة معه في التسليف، فمن كان في تجاربه السابقة مع البنك يؤدّي الدَين في حينه دون تسامح ويتبرّع للبنك بالقرض المماثل الذي يشترطه البنك عليه فالبنك يعتبره عميلاً من الدرجة الأولى، ويقدِّم إقراضه على إقراض غيره ممّن تسامح بالوفاء في قروضه السابقة، أو لم يتبرّع بالقرض المشترط عليه وإنّما دفعه كقرض، فهذا عميل من الدرجة الثانية ولا يقرض إلاّ في حالاتٍ خاصّةٍ من وجود الفائض عن حاجة الآخرين.

وهذا الإعلان من البنك لا يعني اشتراط الفائدة في القرض، فإنّ تبرّع المَدين بزيادةٍ حين الوفاء دون إلزام عقد القرض له بذلك أمرٌ جائز شرعاً، فإنّه يمكن لأيِّ دائنٍ أن يُؤثِر بالقرض مَن كان قد اقترض منه في مرّةٍ سابقةٍ وتبرّع بالزيادة، فيعطي مثل هذا الشخص قرضاً حسب طلبه دون أن يُلزمه بأيِّ زيادة، ولكنّه إذا تبرّع بالزيادة حين الوفاء بملء إرادته فسوف يستمرّ إيثار البنك له على غيره وتفضيله لطلبه على طلب غيره، وأمّا إذا لم يتبرّع بالزيادة ولم يحوِّل القرض المماثل المشترط عليه إلى حَبْوة وهديةٍ فإنّ البنك اللاربوي، بحكم كونه لا ربوياً، لا يطالبه بأيّ زيادة، ويقتصر على استيفاء قدر الدين منه، ولكنّه سوف يؤثِر في المستقبل غيره من عملاء الدرجة الأولى عليه، وينظر إلى طلباته للاقتراض على

٧٩

أساس أنّها طلبات من الدرجة الثانية.

ونطلق على سياسة البنك اللاربوي هذه في التعويض عمّا يلغيه من عناصر الفائدة اسم سياسة(اشتراط القرض المماثل) مع التشجيع على تحويله، إلى حَبْوة.

فالبنك يشترط في كلّ إقراضٍ قرضاً مماثلاً من المقترض تساوي قيمته قيمة العناصر التي ألغاها من الفائدة الربوية، ويُشَجِّع بصورةٍ غير ملزمةٍ وبدون شرطٍ على أن يحوِّل المقترض بملء إرادته القرض المشروط عليه إلى حبوة، ويعتبر بذلك زبوناً من الدرجة الأولى.

٨٠

ملاحظات عامّة حول البنك اللاربوي

(١) [ ضرورة تحصين البنك اللاربوي عن طريق زيادة رأس المال ]

أرى من الضروري للبنك اللاربوي أن يتمتّع برأسمالٍ أضخم نسبياً من رؤوس الأموال التي تكوِّن البنوك الربوية عادةً ؛ وذلك لأنّ رأسمال البنك هو الذي يقوم بصورةٍ رئيسيةٍ بتحمّل أعباء الخسائر التي يُمنى بها، ويسنده في مواجهتها وتلافيها تدريجياً دون أن ينعكس ذلك على المودِعين والعملاء، وبهذا يبقى البنك محتفظاً بثقة الجميع، ويواصل عمله وفتح بابه لِكلِّ مودِعٍ وعميل. وهذا الارتباط الوثيق بين الخسائر المحتملة ورأسمال البنك هو السبب في ما تتّخذه الحكومات عادةً من وضع حدودٍ قانونية للنسبة بين القرض المدفوع لشخصٍ واحدٍ ورأس المال الممتلك، وحدودٍ قانونيةٍ لنسبة رأس المال إلى مجموع الودائع التي يتسلّمها البنك.

وما دام رأس المال يقوم بهذا الدور ويؤدّي هذا الغرض فكلّما كانت مسؤوليات البنك أضخم وطبيعة عمله أكثر تعرّضاً لحالات الخسارة يصبِح من الطبيعيّ أن يُزاد في رأس المال ليكون وقايةً وسنداً في مثل هذه الحالات.

٨١

والبنك اللاربوي بحكم تحمّله تبعات الخسارة وضمانة قيمة الودائع كاملةً للمودِعين ؛ يجب أن يُدخل في حسابه الاحتمالات الناجمة عن ذلك، ويحصّن موقفه عن طريق زيادة رأس المال، ولكنّ زيادة رأس المال لها حدّ يفرضه غرض الربح الذي يتوخّاه البنك في أعماله ؛ لأنّ رأس المال قد يزيد إلى درجةٍ يصبح من مصلحة البنك الربحية أن يستبدل عمله المصرفي بعملٍ آخر يستثمر به رأس ماله مباشرةً ويحصل على كلّ أرباحه.

والواقع أنّ الترتيب الخاصّ لموارد البنك من رأسمال وودائع ثابتة هو الذي سوف يحدّد ربحية العمل المصرفي ويؤكّد مداها ؛ وذلك أنّنا إذا فرضنا أنّ الودائع الثابتة، المضارَب بها في البنك اللاربوي، بلغت عشرة أضعاف رأس المال الأصلي، فلَكَي يعرف البنك أيّها أربح، عليه أن يواصل عمله كبنكٍ لاربوي يتوسّط بين المودِعين والمستثمِرين على أساس المضاربة وفقاً للأطروحة التي قدّمناها، أو أن يستبدل عمله المصرفي بالدخول إلى ميدان الاستثمار بكلّ رأس ماله مباشرة. أقول: لكي يعرف البنك أنّ أيّهما أربح يجب أن يفترض نسبةً تقريبيةً للربح من أصل المال ويقارن بين المجموع الكلّي لربح رأس ماله الأصلي - الذي بإمكانه الحصول عليه لو دخل إلى ميدان الاستثمار مباشرةً - والنسبة المئوية المفروضة له من المجموع الكلّي لأرباح الودائع الثابتة بوصفه بنكاً وسيطاً بين المودِعين والمستثمِرين. وبقدر ما يزيد الكمّية المطلقة لهذه النسبة على المجموع الكلّي لربح رأس المال ويوجد الفارق بينها نعرف ربحية العمل المصرفي، فيجب أن تكون زيادة رأس المال في الحدود التي تحفظ ذلك الفارق بدرجةٍ معقولة.

وحتّى هذا الفارق بين الربح الكلّي لرأس المال الأصلي والنسبة الخاصّة من ربح مجموع الودائع ليس هو كلَّ شيء، بل هناك أشياء أخرى كثيرة يجب أن تدخل في الحساب.

٨٢

فمن ناحيةٍ يجب أن تقدَّر الأرباح الأخرى التي سوف يحصل عليها البنك اللاربوي نتيجةً لعمله المصرفي من عمولاتٍ وحَبْوات، الأمر الذي يحصل عليه لو نزل إلى ميدانٍ تجاريّ أو صناعيّ برأس ماله الأصلي مستثمراً. وكذلك يجب أن يُلاحَظ إلى جانب النسبة التي تعود إلى البنك من أرباح الودائع النسبة الأكبر منها التي تعود إلى البنك من أرباح الجزء الذي يمكن للبنك أن يستثمره عن طريق المضاربة، من رأس ماله الأصلي، أو من الودائع المتحرّكة.

ومن ناحيةٍ أخرى يجب أن تُلاحظ الظروف الشخصية للمؤسِّسين ومدى قدرتهم على ممارسة الاستثمار بشكله التجاري أو الصناعي المباشر، إلى غير ذلك من العوامل التي تؤثّر على الموقف.

(٢) [ قدرة البنك اللاربوي على توجيه الاقتصاد النامي في البلاد ]

أرى أنّ طبيعة البنك اللاربوي على ضوء الأطروحة المتقدّمة سوف تمدّه بالقدرة على توجيه الاقتصاد النامي في البلاد، ودفع مؤسّسات الأعمال نحو مواكبة الحاجات الحقيقية لحركة نموِّه، وسوف تكون قدرة البنك اللاربوي على ذلك بدرجةٍ أكبر من قدرة البنك الربوي ؛ لأنّ البنك اللاربوي لا يقتصر على إعطاء قروضٍ بمجرّد التأكّد من قدرة المقترِض المالية على الوفاء وثقته بمركزه الائتماني، بل إنّه سوف يدرس مع المستثمرين نوعية العمليات التي يَودّون القيام بها، وبذلك يتاح له أن يوجِّههم.

كما أنّه من ناحيةٍ أخرى سوف يحرص على ربحية العمل الذي يمارسه المستثمر، ولا يكفيه أن يكون المستثمر قادراً على تسديد الدين ولو خسر

٨٣

مشروعه، وبذلك يُحجِم عن توظيف الأموال في عملياتٍ غير مأمولة، أو في المشاريع الضعيفة التي تحاول أن تمتصّ جزءاً من رأس المال المعروض للاستثمار وتبدّده دون جدوى.

(٣) في ما يخصّ التنظيم الداخلي للبنك اللاربوي

لا يوجد فرق أساسيّ بينه وبين البنوك الربوية من حيث تكوين مجلس الإدارة والمديريات المتنوّعة التي تنشأ عادةً في تلك البنوك: كمديرية الحسابات، ومديرية الأفراد، ومديرية القروض، ومديرية الإحصاء، والبحوث إلى غير ذلك.

لكن يجب أن يُلاحظ في تكوين النظام الداخلي للبنك اللاربوي الأُمور التالية:

أولاً : إضافة مديريةٍ باسم(مديرية المضاربات) تختصّ بأعمال الوَسط بين المودِعين والمستثمِرين، وتنفّذ سياسة البنك في هذا المجال، وسوف تكون أضخم وأهمَّ مديريةٍ في البنك اللاربوي، ويجب أن يديرها أو يشرف عليها المدير العامّ نفسه.

ثانياً : أنّ البنك اللاربوي بحكم ارتباطه مصيرياً بأرباح مؤسّسات الأعمال التجارية والصناعية ؛ يجب أن تتوفّر في جهازه الإداري، وعلى مستوى الموظّفين الكبار فيه والمتوسّطين أيضاً، كفاءات من النوع الذي تتطلّبه تلك الأعمال، ولا بدّ أن يكون المدير العامّ للمصرف شخصاً غير بعيد عن السوق التجارية وأعرافها، وواسع العلاقات مع رجال الأعمال ومختلف صنوف المستثمِرين.

٨٤

ثالثاً : من الأفضل أن يُلاحَظ بقدر الإمكان في تكوين الجهاز الإداري للبنك اللاربوي أن يضمَّ أفراداً متديّنين ومنفتحين عاطفياً على فكرة البنك اللاربوي، ويُحسّون بتقديرٍ لهذه الفكرة ومغزاها الإسلامي ؛ لكي يشاركوا المؤسِّسِين الشعورَ بالمسؤولية ويعيشوا نفس الدوافع الرفيعة، الأمر الذي يؤثِّر على سير العمل ويحسِّنه ويضمن حركته دائماً بالشكل المناسب. إضافةً إلى أنّ إيمان الموظّف بأهميّة إنجاح البنك اللاربوي يجعله حريصاً على كسب رضا العميل ومعاملته بلطف. ومن الواضح أنّ التزام الموظّفين بسيرةٍ مهذّبةٍ وبروحٍ أخويةٍ في علاقاتهم مع المراجعين له أثر كبير في جذب العملاء إلى البنك وتوسيع نطاق علاقاته.

٨٥

٨٦

الفصل الثاني:

دراسة الوظائف الأساسيّة للبنوك في ضوء الأطروحة السابقة

* ١ - الخدمات المصرفيّة.

* ٢ - تقديم القروض والتسهيلات.

* ٣ - الاستثمار.

٨٧

٨٨

ويُمكننا الآن في ضوء الأطروحة التي قدّمناها أن نستعرض في نظرةٍ عامّةٍ وظائف البنوك الرئيسية، ونتبيّن موقف البنك اللاربوي منها.

وبهذا الصدد تقسَّم وظائف البنوك في الواقع المعاش إلى الأُمور التالية:

١ - الخدمات المصرفية التي تمارسها البنوك لصالح عملائها، وتتقاضى عليها عمولةً بوصفها أجرةً على عمل.

٢ - تقديم القروض والتسهيلات لمؤسّسات الأعمال، وتتقاضى البنوك عليها فوائد.

٣ - استثمار جزءٍ من موارد البنك في الاتّجار بالأوراق المالية.

وسوف نتكلّم في ما يلي عن هذه الوظائف تباعاً.

٨٩

٩٠

القسم الأوّل من وظائف البنك:

الخدمات المصرفية

يقوم البنك في الواقع المعاش بخدماتٍ عديدة، فهو يقبل الودائع المختلفة وعلى أساس قبوله للودائع يمارس تحصيل الشيكات والحوالات وتحصيل الكمبيالات وغير ذلك من الأُمور.

كما أنّه يقوم بخدماتٍ أخرى لعملائه يتوخَّى فيها الكسب، من قبيل بيع وشراء الأوراق المالية لهم، وعمليات الاعتمادات المستندية، وخطابات الضمان (الكفالات)، ونحوها. وإذا لم تكن هذه الاعتمادات والخطابات مغطاةً اعتبرت إلى جانب كونها خدماتٍ، تسهيلاتٍ مصرفيةً أيضاً.

والآن سوف نتحّدث عن جميع هذه العمليات بصورةٍ إجمالية مبتدئين بالعملية الأساسية التي يقوم بها البنك، وهي قبول الودائع وما تتطلّبه من خدماتٍ وعملياتٍ ثانوية.

٩١

[١] قبول الودائع المصرفية

يقبل البنك في الواقع المعاش الودائع من عملائه ويصنّفها من ناحية مدى قدرة المودِع على سحبها إلى ودائع تحت الطلب، وهي ما يطلق عليها اسم(الحساب الجاري) ، والودائع للأجَلٍ التي تتّسِم بطابع الادّخار، ودائع التوفير.

وتعبّر الوديعة - بمختلف أشكالها في مفهوم البنوك الربوية - عن مبلغٍ من النقود يودَع لدى البنوك بوسيلةٍ من وسائل الإيداع، فينشئ وديعةً تحت الطلب، أو لأجلٍ محدَّد اتّفاقاً، ويترتّب عليه من ناحية البنك الالتزام بدفع مبلغٍ معيِّنٍ من وحدات النقد القانونية للمودِع، أو لأمره لدى الطلب، أو بعد أجل، على اختلاف الشكل الذي يتمّ الاتّفاق عليه للوديعة بين البنك والعميل.ويُطلق على الودائع المصرفية هذه عادةً أنّها ودائع ناقصة ؛ لأنّ البنك غير ملزمٍ بدفعها عند الطلب بنفس المظهر المادّي الذي أودِعت به. والعملاء لا يستطيعون رفض ما يقدَّم إليهم من النقود ما دامت هذه النقود قانونية.

وأمّا في مفهوم الفقه الإسلامي فليست المبالغ التي توضع في البنوك الربوية ودائَع لا تامّة ولا ناقصة(١) ، وإنّما هي قروض مستحقّة الوفاء دائماً، أو في أجَلٍ محدّد ؛ لأنّ ملكية العميل تزول نهائياً عن المبلغ الذي وضعه لدى البنك، ويصبح للبنك السلطة الكاملة على التصرّف فيه، وهذا مالا يتّفق مع طبيعة الوديعة. وإنّما أُطلق اسم الودائع على تلك المبالغ التي تتقاضاها البنوك ؛ لأنّها تاريخياً بدأت بشكل ودائع وتطوّرت خلال تجارب البنوك واتّساع أعمالها إلى قروض، فظلّت

____________________

(١) لاحظ للتوسّع في ذلك من الناحية الفقهية الملحق رقم (٥)(المؤلّف قدس‌سره ).

٩٢

تحتفظ من الناحية اللفظية باسم الودائع وإن فقدت المضمون الفقهي لهذا المصطلح.

وموقف البنك اللاربوي من الودائع التي تتقاضاها البنوك الربوية يقوم على أساس التمييز بين الودائع المتحرّكة والودائع الثابتة كما سبق. فالودائع المتحرّكة يقبلها بوصفها قروضاً دون أن يدفع عنها فائدة، والودائع الثابتة يقبلها كودائع بالمعنى الفقهي للكلمة، ولكنّها ليست مجرّد ودائع مسلّمةٍ إلى البنك لاستنابه في حفظها فحسب، بل هناك إلى جانب الاستيداع توكيلٌ من المودِع للبنك في التصرّف بالمال بإجراء عقد المضاربة عليه.

وهكذا يختلف لدى البنك اللاربوي المحتوى الفقهي لقبوله الودائع من عملائه باختلاف حركتها وثباتها.

الودائع المتحرّكة والحساب الجاري:

يعبِّر الحساب الجاري، من وجهة نظر البنوك القائمة، عن ديونٍ متقابلةٍ بين العميل صاحب الحساب والبنك المفتوح ذلك الحساب في سجّلاته. وتمثِّل الودائع الرصيد الدائم للعميل. ويمثِّل ما يسحبه العميل على رصيده الدائن الرصيد المدين للعميل أو دين البنك على العميل بتعبير آخر. ويعتبر الحساب الجاري من وجهة نظر الفقه الغربي عقداً قائماً بذاته يتّفق بموجبه البنك مع المودِع على أن تفقد الحقوق النقدية التي تنشأ بينهما ذاتيّتها الفردية وتستحيل إلى عناصر حسابية يتكوّن منها الحساب الجاري، وينتج عنها في نهاية المدّة المتّفق عليها رصيد دائن يكون وحده مستحقّ الأداء، ولذلك لا يقبل الحساب الجاري التجزئة.

والبنك اللاربوي يقف نفس موقف سائر البنوك من الودائع تحت الطلب، فإنّه يقبل هذه الودائع المتحرّكة باعتبارها قروضاً من المودِعين له ولا يدفع إلى

٩٣

المودِعين فوائد عليها، ويمكن له أن يفتح لعميله المودِع حساباً جارياً يشتمل من ناحيةٍ على ما يودِعه العميل، ومن ناحيةٍ أخرى على ما يسحبه العميل، غير أنّ التكييف الفقهي للحاسب الجاري في الشريعة الإسلامية يختلف عن تكييفه الفقهي في واقع البنوك المعاش، فإنّ الفقه الغربي يعتبر الحساب الجاري عقداً قائماً بذاته بين البنك والعميل تفقد الحقوق الفردية بموجبه ذاتيّتها الخاصّة، وتفسير الحساب الجاري على هذا الأساس يرتبط برأي الفقه الغربي في المقاصّة بين الدَينَين وموقفه منها الذي مرّ بتطورٍ بطئ، فقد اعترف الفقه الغربي بالمقاصّة في بادئ الأمر مع إعطائها الصفة القضائية، فكانت المقاصّة تتوقّف على التمسّك بها أمام القضاء، وكان القاضي يتمتّع بسلطةٍ تقديريةٍ تخوّله رفض إجرائها.

واجتازت بعد ذلك فكرة المقاصّة هذه المرحلة وأُعفيت من الارتباط بالقضاء، غير أنّها فسِّرت في بعض أجنحة الفقه الغربي بأنّها إجراء يتوقّف على إعلانِ عن الإرادة يصدر من أحد الطرفين، وأُعطيت في أجنحةٍ أخرى من هذا الفقه الطابع القانوني، ولكنّها لم تدرج في النظام العام، وبذلك لم يعترف بوقوع المقاصّة إلاّ إذا تمسَّك بها مَن له مصلحة فيها.

وعلى أساس تصوّرات الفقه الغربي للمقاصّة كان تذويب الناحية الذاتية للحقوق الفردية التي تنشأ بسبب التعامل بين البنك وعميله وإفنائها جميعاً في ناتج الحساب الجاري يحتاج إلى قرارٍ بشكلٍ من الأشكال لتقع المقُاصّة بين الديون المتقابلة.

وأمّا في فقه الشريعة الإسلامية فلا يحتاج تفسير الحساب الجاري وذوبان الفردية الذاتية للحقوق المتقابلة إلى افتراض عقدٍ خاصّ ؛ لأنّنا إذا اعتبرنا سحب العميل من البنك عبارةً عن اقتراضٍ من البنك في مقابل إقراضه للبنك الذي تمّ بإيداع وديعة لديه، فهناك دَينان متقابلان، وتجري بينهما المقاصَّة القهرية بمجرّد

٩٤

تكوّنهما دون حاجة إلى أيّ عقدٍ أو اتّفاقٍ مسبقٍ على ذلك بين البنك والعميل ؛ لأنّ الرأي الصحيح والسائد الذي يذهب إليه جميع فقهاء الإمامية والحنفية وغيرهم: أنّ المقاصّة إذا تحقّقت شروطها جبريةً تقع بنفسها دون حاجةٍ إلى أيّ قرارٍ من الطرفين. وقد تسمّى بالتهاتر، بل لا يمكن في الشريعة التنازل عن المقاصّة ؛ لأنّها ليست حقّاً قابلاً للإسقاط.

وبناءً على هذا فالحقوق الفردية تفقد بطبيعتها ذاتيّتها الخاصّة عبر الحساب الجاري، وتحصل المقاصّة والتهاتر بين دائنيّة العميل ودائنيّة البنك باستمرارٍ دون حاجةٍ إلى أيِّ عقدٍ أو اتّفاق، ولا يبقى إلاّ ما يمثّل الفارق بين الرصيد الدائن والرصيد المدين.

هذا، إذا اعتبرنا سحب العميل من البنك ديناً في مقابل دين، وأمّا إذا فسّرناه بأنّه استيفاء في حالة كون الحساب الجاري معتمداً على رصيدٍ لصاحب الحساب في البنك، فلا يعود الحساب الجاري حينئذٍ متألِّفاً من قائمتين من الديون المتقابلة، بل من قائمتين: إحداهما تمثِّل ديون العميل على البنك التي تحدَّد بكمّية وديعته، والأخرى تمثِّل استيفاءَ العميل لدينه الذي يحدّد بمقدار سحبه على رصيده في البنك.

وأُرجِّح أن يفسَّر سحب العميل من البنك اللاربوي في حالة وجود رصيدٍ مسبقٍ له على أنّه استيفاء بمقدار ما يسحب، لا إنشاء وقرض جديد، وأنّ الرصيد الدائن للساحب في البنك هو المسحوب عليه، لا أنّه مجرّد ضمانٍ للوفاء بالمقاصّة. وأمّا السحب في حالة عدم وجود رصيدٍ مسبقٍ - وهو ما يقع إلى نشوء دَينٍ بين البنك والعميل الساحب يكون البنك فيه الدائن والساحب هو المَدين.

وسوف يظهر في ما بعد السبب في هذا الترجيح، حيث يتفادى بعض

٩٥

الصعوبات التي قد يواجهها الحساب الجاري من الناحية الشرعية التي يسبّبها تفسير السحب بأنّه إنشاء قرضٍ جديد.

فتح الحساب الجاري:

يتَّخذ البنك عادةً بعض الإجراءات الشكلية لفتح الحساب الجاري، من قبيل استحصال توقيع العميل على بطاقات التوقيعات، والاحتفاظ بها لمطابقة توقيعات العميل في كلِّ مرّةٍ يقدّم فيها شيكاً على حسابه، ولا بأس بذلك.

والحساب الجاري يبدأ ببداية الحقوق التي تنشأ بالتعامل بين العميل والبنك، فقد تبدأ بإقراض العميل للبنك، وذلك بإيداعه وديعةً متحرّكةً لديه، وقد تبدأ بإقراض البنك للعميل شيئاً من المال على المكشوف بلا رصيدٍ سابق.

وقد يتّفق في البنوك القائمة أن يرغب العميل في فتح أكثر من حسابٍ له، ويخصِّص كلَّ واحدٍ منها بنوعٍ من العمليات، غير أنّ هذا إن استهدف منه العميل مجرّد معرفة الرصيد الدائن أو المدين لكلِّ عمليةٍ فلا بأس به، وأمّا إذا كان يعني أنّ الحقوق التي يسجّلها في كلّ حسابٍ جارٍ تبقى محتفظةً بفرديّتها مقابل الحقوق الفردية المسجّلة في حسابٍ جارٍ آخر ففي ما إذا كان الرصيد الناتج عن أحد الحسابات الجارية دائناً والرصيد الناتج عن آخر مديناً لا تحصل المقاصَّة بينهما، إذا كان يعني هذا فهو غير صحيح ؛ لِمَا تقدّم من أنّ المقاصّة جبرية ولا يمكن التنازل عنها، أو اشتراط عدم وقوعها بين قائمةٍ وقائمةٍ أخرى من الحقوق ما دام المدين والدائن في كلٍّ من القائمتين واحداً.

وفي البنوك الربوية قد يُمنَح أصحابُ الحسابات الكبيرة من العملاء المرغوب فيهم فائدةً على حركة الحسابات الدائنة دون اعتباره حساب وديعة، وذلك مالا يقوم به البنك اللاربوي. ويمكنه أن يتّخذ أساليب أخرى في تشجيع

٩٦

أصحاب الحسابات الجارية على استمرار التعامل معه، كأسلوب الإقراض بدون فائدة.

الإيداع في الحساب:

يحصل الإيداع في الحساب بعدّة طرق.

والطريقة الرئيسية هي طريقة الإيداع النقدي، بأن يقوم العميل أو وكيله بدفع مبلغٍ ما في خزينة البنك ويتسلّم من الخزينة إيصالاً بالمبلغ، ثمّ يقيّد هذا المبلغ في الجانب الدائن للحساب.

والطريقة الأخرى للإيداع هي أن يتقدَّم العميل إلى البنك بشيكاتٍ محرّرةٍ لأمره أو محوّلةٍ إليه ويطلب تحصيل قيمتها وتقييدها في حسابه الجاري. ومثال ذلك: أن نفرض شخصين: أحدهما مَدين، والآخر دائن، وأراد المدين الوفاءَ فحرَّر شيكاً على البنك بقيمة الدَين وسلّمه إلى دائنه فتقدّم الدائن بالشيك إلى البنك طالباً منه تحصيل قيمته وتقييدها في حسابه الجاري، فيكون بذلك قد أودع قيمة الشيك في البنك بهذه الطريقة.

والإيداع بهذه الطريقة مرتبط بالسحب من قِبل محرّر الشيك ومتفرّع عليه، ولهذا فسوف ندرسه من الناحية الشرعية عندما نتكلّم عن تحصيل الشيكات، بعد أن نكون قد كوّنّا فكرةً عن السحب من الحساب وأشكاله، وسوف يتّضح أنّ الإيداع بهذه الطريقة صحيح شرعاً.

وكما يتمّ الإيداع بهذه الطريقة كذلك يتمّ أيضاً إذا حصَّل البنك كمبيالات مودَعةً لديه بمعرفة عملية برسم التحصيل، فإنّه يُجري عندئذٍ قيوداً دائنةً لصالح العميل بقيمة الكمبيالة، أي أنّ البنك يقوم بتحصيل قيمة الكمبيالة نقداً من المَدين ويضيفها إلى رصيد الدائن الذي كتبت الكمبيالة لأجله، أو يقوم بخصم قيمة

٩٧

الكمبيالة من رصيد المَدين لديه وتقييدها في رصيد الدائن وكلّ ذلك جائز شرعاً بإذن المستفيد من الكمبيالة.

وهناك قيود يجريها البنك لصالح العميل، وقد لا يعلم بها العميل إلاّ عندما تُرسَل إليه الكشوف البيانية أو الإشعارات الخاصّة بذلك، ويقوم البنك بإجراء تلك القيود في الرصيد الدائن لعميله فيما إذا وردت إليه مثلاً حوالات داخلية أو خارجية بمبالغ معيّنةٍ لذلك العميل كسدادٍ لبضائع أو غير ذلك، فإنّ البنك يخصم قيمة الحوالة من الرصيد الدائن للمُحيل ويجري قيدها في الرصيد الدائن للمستفيد، وبذلك تزداد كميّة ودائعه التي تكوّن رصيده الدائن في حسابه الجاري.

وهذا جائز شرعاً إذا كان البنك مأذوناً من قبل المودِع في قبول ما ترده من حوالات، فإنّه يقبل الحوالة حينئذٍ وكالةً عن عميله، ويصبح بإمكانه عند ذاك ترصيد الحساب ونقل قيمة الحوالة من حساب المُحيل إلى حساب الشخص المستفيد من الحوالة، ويتحقّق بذلك إيداع قيمة الحوالة من قبله بهذا الشكل.

وهكذا نعرف أنّه كما يصحّ للعميل أن يمارس الإيداع مباشرة كذلك يصحّ للبنك أن يودِع لصالح عميله وفقاً لِمَا تقدّم.

السحب من الحساب:

يتمّ السحب من الحساب بعدّة وسائل، أهمّها الشيكات الموقَّعة من قبل العميل. وقد يتمّ السحب من الحساب إذا أصدر أمراً كتابياً إلى البنك يحمل توقيعه يطلب فيه إجراء تحويلات نقديةٍ إلى بنكٍ أو مكانٍ آخر سواء في الداخل أو في الخارج، ويرسل البنك في هذه الحالة بياناً بالمبالغ التي تمّ خصمها من الحساب تنفيذاً لذلك الأمر، وهو ما يسمّى بإشعار الخصم.

٩٨

ويتمّ السحب أيضاً إذا أصدر العميل إلى البنك أمراً كتابياً لشراء أوراق ماليةٍ لحسابه، أو إذا قدمت إلى البنك كمبيالة تحمل توقيع العميل وتوضّح إعْلامه بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق لصرف قيمتها من حسابه الجاري.

وسوف نتحدّث الآن عن السحب بطريقة الشيكات التي هي الطريقة الرئيسية، وأمّا السحب بأمرٍ كتابيّ بالتحويل فنتكلّم عنه لدى الحديث عن الحوالة بوصفها إحدى الخدمات المصرفية التي يقوم بها البنك. كما أنّ السحب عن طريق أمرٍ كتابيّ بشراء الأوراق المالية لحساب العميل يأتي الكلام حوله عندما ندرس هذا القسم من الخدمات المصرفية. وأمّا السحب عن طريق كمبياليةٍ يسمح فيها المدين بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق لصرف قيمتها، فمردّ ذلك إلى الحوالة على البنك المشروطة بحلول أجَل الدَين، وسيأتي ذلك في الحوالة أيضاً.

إنّ الشيكات تُستعمل لدى السحب عادةً كأداةِ وفاء، بأن يكون محرّر الشيك مديناً والمستفيد منه دائناً، فيحرّر المَدين الشيك على البنك ويسلّمه إلى دائنه وفاءً لدينه. والمَدين المحرّر للشيك تارةً يكون له رصيدٌ دائن في حسابه الجاري في البنك، وأخرى يكون حسابه الجاري مع البنك على المكشوف دون رصيدٍ دائن. ولندرس كلاًّ من الحالتين على حدة:

الحالة الأولى : أن يكون لمحرّر الشيك رصيد دائن في البنك، فيسحب من حسابه الجاري عن طريق الشيك الذي يحرّره كأداةِ وفاءٍ لدائنه، وقد مرّ بنا أنّ السحب من الحساب الجاري يمكن تفسيره على أساس أنّه استيفاء للدَين الذي للساحب على البنك. كما يمكن تفسيره بأنّ الدائن يقترِض من البنك بهذا السحب، فتنشأ ديون متقابلة من حركة الحساب الجاري.

فإذا فسّرنا السحب من الحساب الجاري على أساس أنّه استيفاء - وهو ما رجّحنا للبنك اللاربوي أن يبنى عليه - فيمكننا أن نفهم الشيك الذي يدفعه

٩٩

المَدين على الدائن بوصفه حوالةً من المَدين إلى دائنه على البنك الذي يملك المَدين في ذمّته قيمة ودائعه المتحرّكة، فتكون من حوالة دائنه على مَدينه، وتصحّ شرعاً وتحصل بها براءَة ذمّة المُحيل تجاه المستفيد من الشيك، وبراءة ذمّة البنك تجاه المُحيل بمقدار قيمة الشيك.

وأمّا إذا فسّرنا السحب من الحساب الجاري على أساس أنّه اقتراض جديد من البنك ينشأ بسببه دينان متقابلان فيجب أن نخضعه لشروط القروض في الإسلام. ويعتبر قبض المقترض أو نائبه للمال المقترَض شرطاً أساسياً لصحة القرض في الشريعة الإسلامية، فلا يصحّ السحب من الحساب بالشيكات بوصفه اقتراضاً من البنك إلاّّ إذا قبض الساحب المبلغ المسحوب، أو قبضه بالنيابة عنه نفي موظّف البنك أو المستفيد من الشيك، والمفروض أنّه لا يوجد قبض من هذا القبيل في واقع الأمر، بل ليس هناك في أكثر الأحيان إلاّ الترحيل في الحساب لقيمة الشيك من حساب المستفيد، وما لم يستكمل القرض شروطه لا يقع، وإذا لم يقع لا تبرأ ذمّة محرّر الشيك حينئذٍ تجاه المستفيد منه.

وهذا هو السبب الذي جعلنا نرجِّح للبنك اللاربوي أن يعتبر السحب من الحساب في تعامله استيفاءً لا إنشاءً لقرضٍ جديد.

الحالة الثانية : أن لا يكون لمحرّر الشيك رصيد دائن في البنك، وإنّما له حساب معه على المكشوف، فيحرّر الشيك لدائنه، والدائن يسلّم الشيك إلى البنك ليتسلّم قيمته، أو ليخصم البنك قيمته من الرصيد المدين لمحرّر الشيك ويقيّده في الرصيد الدائن للمستفيد من الشيك.

وهنا أيضاً نواجه نفس الصعوبة من الناحية الشرعية إذا اعتبرنا الشيك إنشاء قرضٍ جديدٍ من البنك ؛ لأنّه يتوقّف حينئذٍ على القبض. وأمّا إذا خرجّنا الشيك في الحالة الأولى على أساس أنّه حوالة من المَدين لدائنه على مَدينه

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273