شخصيات ومواقف

شخصيات ومواقف0%

شخصيات ومواقف مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 244

  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40302 / تحميل: 7038
الحجم الحجم الحجم
شخصيات ومواقف

شخصيات ومواقف

مؤلف:
العربية

وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة.. تدلُّ على القسوة والغلظة والنصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان، فالفاسق ملعون، ومَن نهى عن شتم الملعون فملعون!(١)

ويحدّث البرهان الحلبيّ أنَّ الشيخ محمّد البكريّ تبعاً لوالده كان يلعن يزيد ويقول: زاده الله خزياً وضعة، وفي أسفل سجّين وضعه(٢) . كما عنه أبو الحسن عليُّ بن محمد الكياهراسيّ وقال: لو مددتُ ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل(٣) . وحكى ابن العماد عنه أنّه سُئل عن يزيد بن معاوية فقال: لم يكن مِن الصحابة؛ ولأحمد فيه قولان تلويح وتصريح، ولمالك قولان تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان تلويح وتصريح، ولنا قول واحد تصريح دون تلويح! وكيف لا يكون كذلك وهو اللاّعب بالنرد ومدمن الخمر وشِعره في الخمر معلوم(٤) . ويقول الدكتور علي إبراهيم حسن: كان يزيد مِن المتَّصفين بشرب الخمر واللّهو والصيد(٥) .

وقال الذهبيّ في (سير أعلام النبلاء): كان يزيد بن معاوية ناصبيّاً

____________________

(١) رسائل الجاحظ: ٢٩٨ - الرسالة الحادية عشرة في بني أُميّة.

(٢) السيرة الحلبيّة، للحلبيّ.

(٣) وفيات الأعيان لابن خلّكان - ترجمة عليّ بن محمّد بن عليّ الكياهراسيّ. ومرآة الجنان لليافعيّ ٣: ١٧٩ - طبعة سنة ٥٠٤ هـ.

(٤) شذرات الذهب لابن العماد الحنبليّ ٣: ص١٧٩ - طبعة سنة ٥٠٤ هـ.

(٥) تاريخ الإسلام العام: ٢٧٠ - الطبعة الثالثة.

١٤١

فظّاً غليظاً جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين وختمها بوقعة الحرّة، فمقته الناس ولم يُبارك في عمره(١) .

وقال الشيخ محمّد عبده: إذا وُجد في الدنيا حكومة عادلةٌ تُقيم الشرع، وحكومةٌ جائرةٌ تُعطِّله.. وجب على كلِّ مسلم نصرُ الأُولى وخذل الثانية.

ومِن هذا الباب.. كان خروج الإمام الحسين سبط الرسول (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) على إمام الجور والبغي - الذي وُلِّيَ أمرَ المسلمين بالقوَّة والمُنكر - يزيد بن معاوية، خذله الله وخذل مَن انتصر له..(٢) .

وقال ابن تغري بردى الحنفيّ: كان يزيد فاسقاً مدمن الخمر(٣) .

وقال سبط ابن الجوزيّ: سُئل ابن الجوزيّ عن لعن يزيد فقال: أجاز أحمد لعنه، ونحن نقول: لا نحبّه؛ لِما فعل بابن بنت نبيّنا وحمله آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال، وتجرّيه على آل رسول الله، فإن رضيتم بهذه المصالحة بقولنا لا نحبّه، وإلاّ رجعنا إلى أصل الدعوى وهو جواز لعنته(٤)(٥) .

فلم يَسلم مِن يزيد.. لا الإسلام، ولا المسلمون. وذاك ما حذَّر

____________________

١ - نقله عنه في الروض الباسم للوزير اليماني ٢: ٣٦.

٢ - تفسير المنار، لمحمّد رشيد رضا ١: ٣٦٧و ١٢: ١٨٣.

٣ - النجوم الزاهرة ١: ١٦٣.

٤ - مرآة الزمان ٨: ٤٩٦ - طبعة حيدر آباد.

٥ - مقتل الحسين (عليه السلام) للسيد عبد الرزَّاق الموسوي المقرَّم ٢٨ - ٣٣.

١٤٢

منه الرسول المُكرَّم صلى الله عليه وآله وسلم ونبَّه إلى خطر أبي سفيان ومعاوية، ثمَّ خطر يزيد.

* روى ابن حجر: أخرج الروياني في مُسنده عن أبي الدرداء، قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) يقول:(أوَّل مَن يُبدِّل سُنَّتي رجلٌ مِن بني أُميَّةَ يُقال له: يزيد) (١) .

فلم يحكم بالقرآن، بل حكم بخلافه.. وقد قال تعالى:( ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) (٢) ،( ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٣) ،( ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (٤) .

وأمَّا كُفر يزيد فلْيقرّره أهل السُّنَّة بإنصاف، دون إجحاف:

روى المؤرِّخون: أنَّ يزيد بن معاوية كان جالساً في منظرة على (جيرون)، فلمَّا رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح - جيء بهم مِن كربلاء - وقد أشرفوا على جيرون نعب غراب، فأنشأ يزيد يقول:

____________________

١ - الصواعق المُحرِقة: ١٣٢.

٢ - المائدة: ٤٤.

٣ - المائدة: ٤٥.

٤ - المائدة: ٤٧.

١٤٣

لمَّا بدتْ تلك الحمولُ وأشرقتْ تلك الرؤوس على شَفا جيرونِ

نعِبَ الغرابُ فقلتُ قلْ أو لا تقلْ فقدِ اقتضيتُ مِن الرسولِ دُيوني

قال السيِّد عبد الرزَّاق المُقرَّم (رحمه الله): ومِن هنا حكم ابن الجوزيّ والقاضي أبو يعلى والتفتازانيّ والجلال السيوطيّ بكُفره ولعنه..(١) .

كيف؟!

* قال الآلوسي: أراد يزيد بقوله: (فقد اقتضيتُ مِن الرسول دُيوني)، أنَّه قتلَ بما قتله رسولُ الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) يوم بدر، كجدِّه عتبة وخاله وغيرهما، وهذا كُفرٌ صريح. ومثلُه تمثُّلُه بقول ابن الزّبعرى قبل إسلامه (ليت أشياخي..) الأبيات(٢) .

ولكن.. ما هي أبيات ابن الزبعرى تلك ياتُرى؟!

لمَّا جيء بالسبايا إلى الشام - بعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام) - وأُدخلت إلى قصر يزيد، أخذ هذا يتمثَّل بأبيات عبد الله الزّبعرى:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا جزَعَ الخزرج مِن وقْع الأسَلْ

____________________

١ - مقتل الحسين (عليه السلام): ٣٤٨، للسيِّد عبد الرزَّاق المُقرَّم - فصل في الشام.

٢ - تفسير روح المعاني ٢٦: ٧٣، في ظل الآية:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ... ) ٢٢: مِن سورة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

١٤٤

لأهلُّوا واستهلُّوا فرَحاً ثمَّ قالوا يا يزيدُ لا تُشَلْ

قد قتلنا القِرْم مِن ساداتهم وعدلناه ببدرٍ فاعتدلْ

لعِبتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا خبَرٌ جاء ولا وحيٌ نزلْ

لستُ مِن خِندفَ إنْ لم أنتقمْ مِن بني أحمدَ ما كان فعَلْ

فسمعتْه زينب بنتُ عليّ (عليهما السلام) فقامت، وقالت: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين. صدق الله سبحانه حيث يقول:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (١) .

أظننتَ - يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسارى.. أنَّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة، وأنَّ ذلك لعِظم خطرِك عنده؟! فشمخت بأنفك، ونظرت في عِطفك جذلانَ مسروراً، حيث رأيتَ الدنيا لك مُستوسقة، والأُمور مُتَّسقة، وحين صفا لك مُلكُنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيتَ قول الله تعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (٢) .

أمِن العدل - يا بنَ الطُلقاء -! تخديرُك حرائرَك وإماءك، وسوقُك بنات رسول الله سبايا، قد هتكتَ ستورَهنّ، وأبديت وجوهَهنّ؟!

____________________

١ - الروم: ١٠.

٢ - آل عمران: ١٧٨.

١٤٥

تحدو بهنَّ الأعداءَ مِن بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنَّ أهلُ المناهل والمعاقل، ويتصفَّح وجوهَنَّ القريب والبعيد، والدنيُّ والشريف، ليس معهنَّ مِن حُماتهنَّ حميٌّ، ولا مِن رجالهنَّ وليٌّ؟!

وكيف يُرتجى مُراقبة مَن لفظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونبت لحمُه مِن دماء الشهداء؟! وكيف يُستبطأ في بُغضنا - أهل البيت - مَن نظر إلينا بالشنف و الشنآن، والإحن والأضغان؟! ثمَّ تقول - غيرَ مُتأثِّم، ولا مُستعظِم -:

لأهلُّوا واستهلُّوا فرحاً ثمَّ قالوا يا يزيدُ لا تُشلْ

مُنحنياً على ثنايا أبي عبد الله، سيِّد شباب أهل الجنَّة، تنكتها بمِخصرتك!!(١) . وكيف لا تقول ذلك وقد نكأتَ القرحة، واستأصلت الشأفة بإراقتك دماءَ ذُرِّيَّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ونجومِ الأرض مِن آل عبد المُطَّلب؟! وتهتف بأشياخك زعمتَ أنَّك تُناديهم، فلَتَرِدَنَّ وشيكاً مَوردَهم، ولَتودَّنَّ أنَّك شُللتَ وبُكمت، ولم تكن قلتَ ما قلت، وفعلتَ ما فعلت!

فواللهِ، ما فريتَ إلاَّ جِلْدَك!! ولا حززتَ إلاَّ لحمَك!! ولَتَرِدَنَّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحمَّلتَ مِن سفك دماء ذُرِّيَّته، وانتهكتَ مِن

____________________

١ - المِخصرة كالسوط وشِبهه.

١٤٦

حُرمته في عِترته ولُحْمَته، حيث يجمع الله شملَهم، ويلمُّ شعثَهم، ويأخذ بحقّهم،( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) .

وحسبُك باللهِ حاكماً! وبمحمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم خصيماً! وبجبرائيل ظهيراً! وسيعلم مَن سوَّل لك ومكَّنك مِن رقاب المسلمين.. بئس للظالمينَ بدَلاً، وأيُّكم شرٌّ مكاناً وأضعفُ جُنْداً.

ولئن جرَّت علَيَّ الدواهي مُخاطبتَك.. إنِّي لأستصغر قَدْرَك، وأستعظم تقريعَك، وأستكثر توبيخك. لكنَّ العيون عبرى، والصدور حَرَّى.

ألا فالعجبُ كلُّ العجب! لقتل حزبِ اللهِ النجباء، بحزب الشيطانِ الطلقاء. فهذه الأيدي تَنطِف مِن دمائنا، والأفواه تتحلَّب مِن لحومنا، وتلك الجُثث الطواهر الزواكي تنتابُها العواسل، وتعفِّرها أُمَّهات الفراعل.

ولَئنِ اتَّخذتَنا مَغْنماً، لَتجدنُا وشيكاً مَغرَماً.. حين لا تجد إلاَّ ما قدَّمت يداك! وما ربُّكَ بظَلّامٍ للعبيد! وإلى الله المُشتكى وعليه المُعوَّل!

فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدَك! فواللهِ، لا تمحو ذِكْرَنا! ولا تُميت وحيَنا! ولا يُدحض عنك عارُها! وهل رأيُك إلاَّ فَنَد؟!

____________________

١ - آل عمران: ١٦٩.

١٤٧

وأيَّامُك إلاَّ عَدَد؟! وجمعُك إلاَّ بَدَد، يوم يُنادي المُنادي: ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين!!

والحمد لله ربِّ العالمين، الذي ختم لأوَّلنا بالسعادة والمَغفرة، ولآخرِنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أنْ يُكمل لهمُ الثواب، ويُوجِبَ لهمُ المزيد، ويُحسن علينا الخلافة إنَّه رحيمٌ ودود، وحسبُنا الله ونعم الوكيل!

فقال يزيد:

يا صيحةً تُحمَدُ مِن صوائح ما أهونَ النوحَ على النوائح(١)

نعود إلى أبيات ابن الزّبعرى، وقد أنشدها يزيد بن معاوية مُنتشياً، فنقرأ ما كُتب في محتواها:

قال الأُستاذ أحمد المكَّي:

١- تمنَّى يزيد حضور أجداده وكبار المُشركين، الذين قُتلوا في وقعة (بدر الكبرى) حين سلُّوا سيوفهم في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقصدوا قتله وإبادة كلِّ المسلمين ومحو الإسلام.. هؤلاءِ الذين قال القرآن عنهم:( ... أَئِمَّةَ الْكُفْرِ... ) يتمنَّى يزيد لو كانوا أحياءً ولم يُقتلوا، حتَّى يشهدوا وينظروا جزعَ أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مُصيبتهم

____________________

١ - البداية والنهاية، لابن الأثير ٨: ١٩٢. والملهوف: ١٠٢. ومقتل الحسين (عليه السلام)، للخوارزميّ ٢: ٦٦. وشرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٣: ٣٨٣. وأعلام النساء، لعمر رضا كحالة ١: ٥٠٤.

١٤٨

بابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. الحسين (عليه السلام).

٢- إبداء فرحة بقتل القِرم مِن سادات أهل البيت، الذين أذهب الله عنهمُ الرجسَ وطهَّرهم تطهيراً.

٣- انتقامه مِن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقتل أهل بيته إزاء قتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمُشركين في (وقعة بدر)، وأنَّ هذه بتلك.

٤- تسمية النبوَّة والسفارة الإلهيَّة بـ (المُلْك)، إنكاراً للرسالة والرسول.

٥- توصيف أتعاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وما لاقاه في سبيل الدعوة إلى الله مِن العَنَت والمصائب.. (اللّعِب).

٦- إنكار الوحي المُعجِز (القرآن الكريم).

٧- تكذيب إخبار الله تعالى نبيَّه بما أخبره به.

٨- افتخار (يزيد) بانتسابه إلى (خِندف)، وما خندف إلاَّ امرأة جاهليَّة، إيغالاً منه في إحياء آثار الجاهليَّة.

٩- إظهار (يزيد) حقدَه الدفين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانتقامَه مِن أولادِ أشرف الأوَّلين والآخرين، لما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأشياخه يوم بدر وأُحد وحُنين والأحزاب، حيث لم يُمكنه الانتقام مِن شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١) .

____________________

١ - يزيد بن معاوية فرع الشجرة الملعونة: ٧٧ - ٧٨.

١٤٩

يزيد في الحديث النبويّ:

والآن.. وقد تبيَّن الكثير مِن أفعال يزيد، تعالَوا نتعرَّف عليه مِن خلال النصوص النبويَّة الشريفة، ننقلُها مِن كتب الخاصَّة ومصادرها الموثوقة لديها فقط:

* أخرج المُتَّقي الهنديّ، بسنده عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال - في حديث له -:(لا بارك اللهُ في يزيد الطعَّان، اللعَّان! أما إنَّه نُعي إليَّ حبيبي حسينُ وأُتيت بتُربته، ورأيت قاتلَه..) (١) .

قال: أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمر.

* وأخرج ابن حجر الهيثميّ عن معاذ بن جبل، قال - في حديث -:

.. فقال النبيّ (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(يزيد.. لا بارك الله في يزيد. ثمَّ ذَرفت عيناه بالدموع، فقال: نُعيَ إليَّ الحسين وأُتيت بتُربته، وأُخبرتُ بقاتله!!) . ثمّ قال (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(واهاً لفِراخ آل محمّد مِن خليفةٍ مُستخلَف مُترَف، يقتل خلَفي وخلَفَ الخلَف!!) (٢) .

* وأخرج ابن عربيّ عن ابن عبّاس، قال: لمَّا أتت على الحسين سنتانِ مِن مولده.. خرج النبيّ (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) في سفرٍ له، فلمَّا كان في بعض الطريق وقف فاسترجع، قال:(إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون!) . ودمعت عيناه، فسُئل عن ذلك فقال:(هذا جبرائيل يُخبرني عن أرضٍ بشاطئ الفرات

____________________

١ - كنز العمَّال ٦: ٢٢٣.

٢ - مجمع الزوائد ٩: ١٩٠.

١٥٠

يُقال لها: كربلاء. يُقتَل بها ولدي الحسينُ بن فاطمة) .

فقال نفر: مَن يقتله - يا رسول الله -؟ فقال:(رجلٌ يُقال له: يزيد. لا بارك الله في نفسه.. وكأنَّي أنظر إلى مصرعه ومَدفنه بها، وقد أُهدي برأسه. واللهِ، ما ينظر أحدٌ إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلاَّ خالف اللهُ بين قلبه ولسانه) .

إلى أنْ قال (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(فلعنة الله على قاتله وخاذلهِ إلى آخر الدهر!) (١) .

* وبألفاظ أُخرى.. أخرج المُتَّقي الهنديّ أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) قال:(أنا محمّدٌ النبيّ، أُوتيت فواتحَ الكلام وخواتيمَه، فأطيعوني مادُمت بين أظهركم - إلى أنْ قال: -يزيد.. لا بارك الله في يزيد! نُعي إليَّ الحسينُ وأوتيت بتُربته، وأُخبرتُ بقاتله! والذي نفسي بيده، لا يُقتَل بين ظهرانَي قومٍ لا يمنعونه إلاَّ خالف اللهُ بين صدورهم وقلوبهم! وسلَّط عليهم شرارَهم! وألبسَهم شِيَعاً! واهاً لفِراخ ألِ محمّدٍ مِن خليفةٍ مُستخلَف مُترف، يقتل خلَفي وخلَفَ الخلَف!) (٢) .

ثمَّ قال المُتَّقي الهنديّ: أخرجه الطبرانيّ عن معاذ.

نعم.. وذكر الهيثميّ ما يقرب منه(٣) ، قال: وعن معاذ بن جبل قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) مُتغيِّرَ اللون، فقال:(أنا محمّد..

____________________

١ - الفتوحات المكِّيَّة ٤: ٢١٦ - ٢١٩. ومقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي ١: ١٦٣ _ ١٦٤.

٢ - كنز العمَّال ٦: ٣٩.

٣ - في مجمع الزوائد ٩: ١٨٩.

١٥١

أُوتيت فواتح الكلام وخواتمَه - إلى أنْ قال: -تناسخت النبوَّة فصارت مُلْكاً، رحِمَ اللهُ مَن أخذها بحقِّها! وخرج منها كما دخلها. امسكْ - يا معاذ - واحصِ) . قال معاذ: فلمَّا بلغتْ خمساً قال:(يزيد.. لا بارك الله في يزيد!) . ثمَّ ذرفت عيناه، ثمَّ قال:(نُعيَ إليَّ حسين) . وساق الحديثَ كما تقدَّم. ثمَّ قال الهنديّ: رواه الطبرانيّ.

أجل.. وذكره المنَّاويّ أيضاً في (فيض) باختصار وقال: أخرجه ابن عساكر عن سلمةَ بن الأكوع. هذا في المتن، أمّا في الشرح فقال: ورواه عنه أبو نعيم والديلميّ.

* وروى أحمد بن أعثم الكوفيّ عن ابن عبّاس أنّه قال: لمَّا أتت على الحسين سنتانِ مِن مولده خرج النبيّ (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) في سفر.. ثمَّ ساق الحديثَ - الذي ذكرناه قبل قليل(١) - حتَّى قال ابن عبّاس:

ولمَّا قَفل النبيّ (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) مِن سفره كان مغموماً، فصعِد المنبر ووعظ المسلمين، وقد حمل حفيدَيهِ وريحانتَيه الحسنَ والحسين (عليهما السلام)، فرفع رأسه صوب السماء وقال:(اللّهمَّ، إنِّي محمّدٌ عبدُك ونبيُّك، وهذانِ أطايب عِترتي وخيار ذُرِّيَّتي وأُرومتي، ومَن أُخلِّفُهم في أُمَّتي. اللَّهمَّ، وقد أخبرني جبرئيلُ بأنَّ ولدي هذا، وأشار إلى الحسين - مقتولٌ مخذول. اللَّهمَّ، باركْ له في قتله، واجعلْه مِن سادات الشهداء إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير. اللَّهمَّ، ولا تُبارك في قاتله وخاذله) .

فبكى الصحابة.. فقال لهم النبيّ (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(أتبكون ولا تنصرونه؟!

____________________

١ - مِن الفتوحات المكِّيَّة.

١٥٢

اللَّهمَّ، فكن له أنت وليَّاً وناصراً) .

قال ابن عبّاس: وبقيَ النبيّ مُتغيِّرَ اللون مُحمَرَّ الوجه، فصعد المنبر مرَّة أُخرى، وخطب الناسَ خُطبة بليغةً موجزةً وعيناه تهملانِ دموعاً، ثمَّ قال:

(أيُّها الناس، إنِّي قد خلَّفتُ فيكمُ الثقلَين: كتابِ الله وعترتي وأُرومتي، ومزاج مائي وثمرتي، لن يفترقا حتّى يرِدا علَيَّ الحوض، ألا وإنَّي لا أسألكم في ذلك إلاَّ ما أمرني ربِّي أنْ أسألَكمُ المودَّة في القُربى. فانظروا أنْ لا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتُم عترتي!! ألا وإنَّه سيردُ علَيَّ في القيامة رايات مِن هذه الأُمَّة: راية سوداء مُظلمة قد فزعت لها الملائكة! فتقف علَيَّ فأقول: مَن أنتم؟ فينسون ذكْري ويقولون: نحن مِن أهل التوحيد مِن العرب، فأقول: أنا أحمدُ نبيُّ العرب والعَجم، فيقولون: نحن مِن أُمَّتك يا أحمد. فأقول لهم: كيف خلَّفتموني مِن بعدي في أهلي وعِترتي وكتابِ ربِّي؟ فيقولون: أمَّا الكتاب.. فضيَّعناهُ ومزَّقناه، وأمَّا عترتك.. فحرصنا على أنْ نُبيدَهم مِن جديد الأرض. فأُولِّيَ عنهم وجهي فيصدرون ظِماءً عُطاشى مُسْوَدَّةً وجوههم !!

ثمَّ ترِدُ علَيَّ راية أُخرى أشدُّ اسوداداً مِن الأُولى، فأقول لهم: مَن أنتم؟ فيقولون كما تقول الأُولى - أنّهم مِن أهل التوحيد -:نحن مِن مِلَّتك، فأقول لهم: كيف خلَّفتموني في الثقلَين: الأصغرِ والأكبر -في

١٥٣

كتابِ الله وفي عترتي -؟ فيقولون: أمَّا الأكبر.. فخالفنا، وأمَّا الأصغر.. فخذلنا ومزَّقناهم كلَّ مُمَزَّق! فأقول: إليكم عنِّي. فيصدرون ظِماءً عُطاشى مُسْوَدَّةً وجوهُهم .

ثمَّ تردِ علَيَّ رايةٌ أُخرى تلمع نوراً، فأقول لهم: مَن أنتم؟ فيقولون: نحن كلمة التوحيد، نحن أُمَّة محمّدٍ (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، ونحن بقيَّة أهل الحقِّ، الذين حملْنا كتابَ ربِّنا فأحللْنا حلاله، وحرَّمْنا حرامَه، وأحببْنا ذُرِّيَّة نبيِّنا محمّدٍ (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، فنصرناهم بما نصرنا أنفسنا وقاتلْنا معهم، وقاتلْنا مَن ناوَأَهم. فأقول لهم: أبشِروا! أنا نبيُّكم محمّد.. ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتُم. ثمَّ أسقيهم مِن حوضي فيصدرون مَرويِّين .

ألا وإنَّ جبرئيلَ قد أخبرني بأنَّ أُمَّتي تَقتلُ ولدي الحسينَ بأرض كربٍ وبلاء..!! ألا لعنة الله على قاتله وخاذله إلى أخر الدهر!!) .

قال ابن عبّاس: ثمَّ نزل عن المنبر، ولم يبقَ أحدٌ مِن المُهاجرين والأنصار إلاَّ استيقن أنَّ الحسين مقتول(١) .

* وأخرج القاضي نعمان المصريّ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه نظر يوماً إلى معاوية يتبختر في حَبرةٍ وينظر إلى عِطفَيه.. فقال مُخاطباً إيَّاه:

(أيَّ يومٍ لأُمَّتي منك! وأيَّ يومٍ لذُرِّيَّتي منكَ مِن (جرو) يخرج مِن

____________________

١ - الفتوحات المكِّيَّة ٤: ٢١٦ - ٢١٩. ومقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي ١: ١٦٣ _ ١٦٤.

١٥٤

صُلْبِك! يتَّخذ آياتِ اللهِ هُزُواً، ويستحلُّ مِن حُرمتي ما حرَّم اللهُ عزَّ وجلَّ) (١) .

* ومِن كتب الخاصَّة.. نكتفي بهذه الرواية، ينقلها العلاَّمة المجلسيّ عن ابن نما (رحمه الله) مِن كتابه (مثير الأحزان) مُسنِدَها إلى ابن عبّاس الذي قال:

لمَّا اشتدَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرضهُ الذي مات فيه.. ضمَّ الحسينَ (عليه السلام) إلى صدره يسيل مِن عَرَقِه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول:(مالي وليزيد!! لا بارك الله فيه! أللَّهمَّ، العنْ يزيد) .

ثمَّ غُشي عليه طويلاً وأفاق، وجعل يُقبِّل الحسينَ وعيناه تذرفانِ ويقول له:(أمَا إنَّ لي ولقاتلِك مقاماً بين يدَي الله عزَّ وجلَّ) (٢) .

نهاية يزيد:

وأخيراً.. كيف انتهت حياة يزيد؟! أفي سوح الجهاد شهيداً؟! أم في دياره وهو يطوي ساعات ليله في القيام وساعات نهاره في الصيام؟! هل مات تائباً عابداً مُنيباً مُستغفراً؟! أم مات في الملاهي مُستهتراً؟! دعونا نُقلِّب أوراق التاريخ فنقرأ ما جاء فيها مِن صور!

* قال عبد الرحمان الغنَويّ: فواللهِ، لقد عُوجل الملعون يزيد،

____________________

١ - المناقب والمثالب: ٧١.

٢ - بحار الأنوار ٤٤: ٢٦٦ح ٢٤.

١٥٥

ولم يتمتَّع بعد قتله - أيْ للإمام الحسين (عليه السلام) - ولقد أُخذ مُغافَصةً.. بات سكراناً وأصبح ميِّتاً مُتغيِّراً كأنَّه مطليّ بقار(١) .

وهذا ما أكَّده المُظفَّريّ في تاريخه، ولكنْ.. هنالك تفصيل آخر في مِيتة يزيد، نُطالعها في الكُتب القديمة:

* قال ابن كثير: اشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور، والغناء والصيد، واتِّخاذ القيان والكلاب، والنطاح بين الأكباش والدِّباب والقرود، وما مِن يوم إلاَّ ويًُصبح فيه مخمور.. وقيل: إنَّ سبب وفاته أنَّه حمل قِِردةً وجعل يُنقزِّها، فعضَّتْه..(٢) .

* وقال البلاذريّ - يروي عن شيخٍ من أهل الشام -: إنَ سبب وفاة يزيد حمل قردةً على الأتان، وهو سكران، ثمَّ ركض خلفها فسقط فاندقَّت عُنقه أو انقطع في جوفه شيء(٣) .

ورُوي عن ابن عيّاش أنَّه قال: خرج يزيد يتصيَّد بـ (حُوَّارين) وهو سكران، فركب وبين يديه أتانٌ وحشيَّة قد حمل عليها قرداً وجعل يُركِّض الأتانَ ويقول:

أبا خلَفٍ إحتَلْ لنفسِك حيلةً فليس عليها إنْ هلكتَ ضَمانُ

____________________

١ - كامل الزيارات، لابن قولويه: ٦١. ومُغافَصةً: أي فجأةً وبلا مُهلة، والقار: النفط الأسود (الزفت).

٢ - تاريخ ابن كثير ٨: ٤٣٦. ويُنقِّزه: أيْ يوثِّبها ويُرقِّصها.

٣ - أنساب الأشراف ٤: ٢. والأتان هي الحمارة.

١٥٦

فسقط واندقَّت عُنقه(١) .

ودُفِن يزيد في الرابع عشر مِن ربيع الأوَّل، سنة أربع وستِّين مِن الهجرة في دمشق، بعد أنْ حُمل إليها بمقبرة باب الصغير، فأصبح قبره - ومازال - مزبلة يتزاحم عليها الذباب، كقبر أبيه معاوية، وقد خاطبه الشاعر السوريّ المُعاصر (محمّد مجذوب) قائلاً:

أين القصورُ أبا يزيد ولَهوُها والصافناتُ وزهوُها والسُّؤْددُ

هذا ضريحُك لو بصرت ببؤسهِ لأسال مَدمعَك المصيرُ الأسودُ

كُتَلٌ مِن التُّربِ المَهينِ بخربةٍ سكَرَ الذبابُ بها فراحَ يُعربدُ

خَفيت معالمُها على سُكَّانها فكأنَّها في مَجهلٍ لا يُقصَدُ

ومشى بها ركْبُ البِلى فجدارُها عانٍ يكادُ مِن الضراعة يسجدُ

أأبا يزيد وتلك حكمةُ خالقٍ ماذا أقولُ وباب سمعك مُوصَدُ

قُمْ وارمقِ النجفَ الأغرَّ بنظرةٍ يرتدَّ طَرْفُك وهْو باكٍ أرمدُ

تلك العظامُ أعزَّ ربُّك شأنَها فتكاد لولا خوفُ ربِّك تُعبَدُ

أبداً تُباكرها الوفود يحثُّها مِن كلِّ صوبٍ شوقُها المُتوقِّدُ

وبمثل هذه القصيدة يستطيع كلُّ شاعرٍ أنْ يُخاطب يزيدَ، ويقول له: قمْ وارمق كربلاءَ المُعلاَّةَ بنظرة، ليرتدَّ طرفُك بعد ذاك وهو باكٍ أرمد، لا سِيَّما - يا يزيد - إذا وجدتَ قبرك قد أصبح خرِبةً تتزاحم عليها الحشرات، والقاذورات.

____________________

١ - أنساب الأشراف ٤: ٢. ويبدو أنَّ أبا خلف هو قرده الآخر غير قرده أبي قيس.

١٥٧

وهل هذا فحسب؟! لا.. فإنَّ العذاب مُستمرٌّ، وإنَّ المُنقلَبَ لإلى خُسرانٍ مُبين، وهولٍ مُفزع للظالمين.

قال الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام):(ولقد خرجت نفسُ عُبيدِ الله بن زياد ويزيد بن معاوية، فشهِقت جهنَّمُ شهقةً.. لولا أنَّ الله حبسها بخُزَّانها لأحرقتْ مَن على الأرض مِن فورها) (١) .

عودة إلى معاوية الثاني:

وبعد أنْ تعرَّفنا على بعض أعلام بني أُميَّة، ومَن كان أُميَّة، ومَن هُمْ أحفاده.. مِن أبي سفيان إلى معاوية فيزيد، ومِن حمامة إلى هند بنت عتبة إلى غيرهما.. يواجهُنا سؤال تاريخيّ مُلفتٌ وعجيب: هل يُتَوقَّع أنْ يخرج رجلٌ مِن هذا البيت يُخالف أهلَه، ويُشير إلى الحقِّ، ويدين الظلم والفجورَ ولو كانا في أُسرته؟!

والجواب - بكلِّ بساطة -: نعم، ذلك مُمكن، فإذا عرَفَ اللهُ تعالى في قلبِ عبدِه طلباً صادقاً للحقيقة، وتجرُّداً عن التعصُّب الأعمى.. نفخ في عقله وضميره وروحه عرفانَ ونبذَ الباطل، وأجرى على لسانه البيان الصادع والقول البليغ والكلمة الصادعة.

وكان المَثَل الساطع في هذا هو ابن يزيد، معاوية.. المُسمَّى

____________________

١ - كامل الزيارات: ٨١.

١٥٨

بـ (معاوية الثاني) تمييزاً له عن جَدِّه معاوية بن أبي سفيان، والمُسمَّى بـ (معاوية الأصغر) مرَّةً أُخرى، وإنْ كان هو الأكبر عقلاً وقلباً وإيماناً!

* ذكر البلاذريّ عن محمّد بن مصفّى الحمصيّ قوله: كان (معاوية الثاني) فتىً صالحاً، كثير الفكر في أمر مَعاده(١) .

* وعبَّر عنه اليعقوبيّ - في وصفه إيَّاه - قائلاً: وكان له مذهب جميل(٢) .

أمَّا مَن هو معاوية بن يزيد؟.. فذلك ما لم يحدِّثنا التاريخ عنه إلاَّ بنزرٍ يسير مِن الأخبار المُقتضَبة، وذلك لأمرين:

الأوَّل: لأنَّه تُوفِّيَ عن عمر لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً على أغلب الروايات.

والثاني: لأنَّه كان مُعارضاً للبيت الأُمويّ، فعُتِّم عليه وقُبِر ذِكْرُه مِن قِبَل بني أُميَّة؛ لأنَّه لم يكن على هواهم، ولم ينسج نسجهم. ولكنْ.. لا يسقط الميسور بالمعسور، وما لا يُدرَك كلُّه لا يُترك كلُّه.

____________________

١ - أنساب الأشراف ٥: ٣٨٢ (طبعة دار الفكر - بيروت).

٢ - تاريخ اليعقوبيّ ٢: ٢٥٤.

١٥٩

توليَتُه:

يوم الأربعاء، في الرابع عشر مِن شهر ربيع الأوَّل، سنة ٦٤ مِن الهجرة النبويَّة.. هلك يزيد بن معاوية يَجرُّ إلى قبره عظائم الذنوب وكُبرى الجرائم(١) .

وبما أنَّ معاوية بن أبي سفيان قد جعل الخلافة وراثةً - يرثها الأبناء عن الآباء -؛ لذا كان ليزيد وليُّ عهد، وهو ابنه معاوية بن يزيد، المعروف بـ (معاوية الثاني).

فكيف أتته التوليَة يا تُرى؟!

* قال البلاذريّ: ولاَّه أبوه يزيد عهدَه في صِحَّته، ويُقال: بايع له حين احتُضر، فلمَّا مات يزيد بايع الناسُ معاوية (الثاني)، وأتته بيعةُ الآفاق إلاَّ ما كان مِن ابن الزبير...

قال هشام بن عمّار: سمعت الوليد بن مسلم يقول: كانت أمُّ معاوية بن يزيد - وهي أُمُّ هاشم بنت أبي هاشم بن عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس - امرأة برزة.. فدعا يزيد يوماً بمعاوية بن يزيد وأُمُّه حاضرة، فأمره بأمر، فلمَّا ولَّى معاوية (أيْ ذهب لذلك الأمر) قالت له: لو ولَّيت معاوية عهدَك! فقال: أفعل. وناظرَ يزيد حسَّانَ بن

____________________

١ - يُراجَع: تتمَّة منتهى الآمال، للشيخ عبّاس القُمِّيّ: ٤٨.

١٦٠