شخصيات ومواقف

شخصيات ومواقف0%

شخصيات ومواقف مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 244

  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40307 / تحميل: 7038
الحجم الحجم الحجم
شخصيات ومواقف

شخصيات ومواقف

مؤلف:
العربية

على الرجوع إليهما، فأبيت في المساجد جائعاً لحُبِّي لفراقهما وبُغضي إيَّاهما، حتَّى إذا أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثمّ خرجت.. فلمَّا كبرتُ قليلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر، قلت لأبويَّ: إنَّ لي عليكما حقَّاً يصغر عند حقِّكما علَيّ، فجنِّباني إذا حضرتُكما ذكْرَ أمير المؤمنين (عليه السلام) بسوء، فإنَّ ذلك يُزعجني وأكره عقوقكما بمُقابلتكما. فتماديا في غيِّهما، فانتقلتُ عنهما، وكتبتُ إليهما شعراً. فتواعدني (أبي) بالقتل، فأتيت الأمير عقبة بن مسلم فأخبرته خبري فقال لي: لا تقْربهما. وأعدَّ لي منزلاً أمرَ لي فيه بما أحتاج إليه، وأجرى عليّ جرايةً تَفْضل على مؤونتي(١) .

وفي (الخرائج والجرائح)(٢) .. رُوي أنَّ الباقر (عليه السلام) دعا للكميت، لمَّا أراد أعداءُ آل محمّدٍ أخْدَه وإهلاكه، وكان مُتوارياً.. فخرج في ظلمة الليل هارباً، وقد أقعدوا على كلِّ طريق جماعةً؛ ليأخذوه إذا ما خرج في خيفة. فلمَّا وصل الكميت إلى الفضاء وأراد أنْ يسلك طريقاً، جاء أسدٌ فمنعه مِن أنْ يسريَ منها، فسلك جانباً آخَرَ فمنعه منه أيضاً.. وكأنَّه أشار إلى الكميت أنْ يسلك خلْفَه، ومضى الأسد في جانب الكميت إلى أنْ أمِنَ وتخلَّص مِن الأعداء. وكذلك كان حال السيِّد الحميريّ.. دعا له الصادق (عليه السلام) لمَّا هرب مِن أبويه

____________________

١ - أخبار شُعراء الشيعة، للمرزبانيّ:١٥٣- ١٥٤، وكذلك مُعجم الشعراء للمرزبانيّ.

٢ - لقطب الدين الراونديّ:٢٦٤.

٤١

، وقد حرَّشا السلطان عليه، لنصبهما، فدلَّه سَبُعٌ على طريقٍ ونجا منهما.

هكذا نجا السيِّد الحميريّ (رحمه الله) مِن ضلال أبويه وإضلالهما، فعانى ممَّا كانا يوصلانِ إلى سمعه مِن سبِّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بعد صلاة الفجر، وخلال النهار إلى آخر الليل. ثمَّ نجا مِن كيدهما، وقد أغريا السلطان الجائر بقتله بعد أنْ نغَّصا عليه مطعمه ومشربه ومنامه ومسكنه.

ولكنْ.. بعد هذا كلِّه، كاد أنْ يسقط في امتحان آخر، إذ خُدِع بفكرة الفرقة الكيسانيَّة، التي اعتقدت بإمامة محمّد بن الحنفيَّة بعد شهادة الأمام الحسين (عليه السلام)، ثمَّ قالت بغيبته بعد وفاته. وهنا تعود الرحمة على السيِّد الحميريّ لتغوص في إنقاذه.. دعونا نستمع إليه وهو يروي قِصَّته الثانية:

كنت أقول بالغلوِّ، واعتقد غيبةَ محمّد بن الحنفيّة (رضي الله عنه). قد ضللتُ في ذلك زماناً، فمَنَّ الله علَيَّ بالصادق جعفر بن محمّدٍ (عليه السلام) وأنقذني به مِن النار، وهداني إلى سواء الصراط. فسألته - بعد ما صَحَّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه، أنَّه حُجَّة الله علَيَّ وعلى جميع أهل زمانه، وأنَّه الإمامُ الذي فرض اللهُ طاعتَه وأوجب الاقتداءَ به -..

فقلت له: يا ابن رسول الله، قد رُوي لنا أخبارٌ عن آبائك (عليهم السلام) في الغَيبة وصحَّة كونها، فأخبرْني بمَن تقع؟ فقال (عليه السلام):(ستقع بالسادس

٤٢

مِن ولْدي، وهو الثاني عشر مِن الأئمَّة الهُداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. أوَّلُهم أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، وآخرُهمُ القائمُ بالحقِّ، بقيَّة الله في الأرض، وصاحب الزمان. واللهِ، لو بقي في غيبته ما بقي نوحٌ في قومه، لم يخرج مِن الدنيا حتَّى يظهر، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً) .

قال السيِّد: فلمَّا سمعتُ ذلك مِن مولاي الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) تُبْتُ إلى الله (تعالى ذِكْرُه) على يديه، وقلتُ قصيدةً أوَّلُها:

فلمَّا رأيت الناس في الدين قد غووا تجعفرتُ باسم الله فيمَن تَجعفروا

تجعفرتُ باسمِ الله واللهُ أكبرُ وأيقنت أنَّ الله يعفو ويغفرُ

ودِنتُ بدينٍ غير ما كنتُ دَيِّناً به ونهاني واحدُ الناسِ جعفرُ

... وقلت بعد ذلك:

أيا راكباً نحو المدينة جَسرَةً عَذافرةً يُطوى بها كلُّ سَبسَبِ(١)

وفي رواية أُخرى عن داود الرقِّيّ أنَّ السيّد الحميريّ بلغه أنَّه ذُكِرَ عند الصادق (عليه السلام) فقال:(السيّد كافر) . فأتاه السيِّد وقال له: يا سيّدي، أنا كافرٌ مع شِدَّة حُبِّي لكم ومُعاداتي الناسَ فيكم؟! قال:(وما ينفعك

____________________

١ - كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق١: ١١٢- ١١٥.

٤٣

ذاك وأنت كافر بحُجَّة الدهر والزمان؟!) .

ثمَّ أخذ الصادق (عليه السلام) بيد السيِّد بيتاً.. فإذا في البيت قبر، فصلَّى (عليه السلام) ركعتين ثمَّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قطَعاً، فخرج شخص مِن قبره ينفض الترابَ عن رأسه ولحيته. فقال له الصادق (عليه السلام):(مَن أنت؟) ، قال: أنا محمّد بن عليّ المُسمّى بابن الحنفيَّة. فقال:(فمَن أنا؟) ، قال: جعفر بن محمّد، حُجَّة الدهر والزمان. فخرج السيِّد يقول:

تجعفرتُ باسم اللهِ فيمَن تجعفروا...(١) .

ويُختَم للسيِّد الحميريّ بخير.. فقد حدَّث أبو الحسن بن أيُّوب المروزيّ، قال: رُوي أنَّ السيِّد الشاعر أسودَّ وجهُه عند الموت، فقال: أهكذا يُفعَل بأوليائكم يا أمير المؤمنين؟! فابيضَّ وجهُه كأنَّه القمر ليلةَ البدر، فأنشأ يقول:

أحبُّ الذي مَن مات مِن أهلِ وِدَّهِ تلقَّاه بالبُشرى لدى الموت يضحكُ

ومَن مات يهوى غيرَه مِن عدوِّهِ فليس له إلاَّ إلى النار مَسلكُ

أبا حسن تفديك نفسي وأُسرتي ومالي وما أصبحتُ في الأرض أملِكُ

____________________

١ - مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب٣: ٣٧٠.

٤٤

أبا حسنٍ إنِّي بفضلك عارفٌ وإنِّي بحبلٍ مِن هواك لَمُمسِكُ

وأنت وصيُّ المُصطفى وابنُ عمِّهِ وإنَّا نُعادي مُبغضيك ونتركُ

مُواليك ناجٍ مؤمنٌ بيِّنُ الهُدى وقاليك معروفُ الضلالة مُشرِك(١)

وعن الحسين بن أبي حرب، قال: دخلت على السيِّد بن محمّد الحميريّ عائداً في عِلَّته التي مات فيها، فوجدتُه يُساق به، ووجدت عنده جماعةً مِن جيرانه وكانوا عثمانيَّة. وكان السيِّد جميل الوجه، رحب الجبهة، عريضاً ما بين السالفتين.. فبدت في وجهه نُكتة سوداء مثل النقطة مِن المِداد، ثمَّ لم تزل تزيد وتَنمى حتَّى طبَّقت وجهه - يعني اسوداداً -، فاغتمَّ لذلك مَن حضره مِن الشيعة، وظهر مِن الناصبة سرورٌ وشماتة. فلم يلبث بذلك إلاَّ قيلاً حتَّى بدت في ذلك اليوم مِن وجهه لمعةٌ بيضاء، فلم تزل تزيد أيضاً وتنمى حتَّى أسفر وجهُه وأشرق، وافترَّ السيِّد ضاحكاً وأنشأ:

كذِب الزاعمون أنَّ عليّاً لن يُنجِّي مُحبَّه مِن هَناتِ

قد وربِّي دخلتُ جَنَّة عدنٍ وعفا لي الإلهُ عن سيِّئاتي

فابشِروا اليوم أولياء عليٍّ وتولَّوا علِيَّ حتَّى المماتِ

____________________

١ - رجال الكشِّيّ: ١٨٥.

٤٥

ثمّ مِن بعدِه تولَّوا بنيهِ واحداً بعدَ واحدٍ بالصفاتِ

ثمَّ أتْبع قولَه هذا: أشهد أنْ لا إله إلاَّ اللهُ حقَّاً حقَّا ً، أشهد أنَّ محمّداً رسولُ اللهِ حقَّاً حقَّاً، أشهد أنَّ عليَّاً أميرُ المؤمنين حقَّاً حقَّاً، أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله. ثمَّ أغمض عينَيه بنفسه فكأنَّما كانت روحه ذُبالةً طُفئت، أو حَصاةً سقطت. فانتشر هذا القول في الناس، فشهد جنازتَه - والله - الموافقُ والمُفارق(١) .

____________________

١ - أمالي ابن الشيخ الطوسيّ:٤٣. وكشف الغُمَّة للأربليّ ١: ٥٤٩. ومجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري ٢: ٥١٥.

٤٦

مُعاوية الثاني

ومِن بين المُتميّزين - الذين انتشلوا أنفسهم مِن أوساط الكُفر والشِّرك والضلال وأجواء الفساد والإفساد، وخطوط التضليل والانحراف.. - مُعاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سُفيان، المعروف بـ (مُعاوية الأصغر) أو (مُعاوية الثاني).

وقد أحببنا أنْ تكون لنا وقفة خاصَّة على هذه الشخصيَّة، نمرُّ عليها عِبْر انحدارها العائليّ وسُلالتها الأُسريَّة، فنتعرَّف على بني أُميَّة.. مَن هو جَدُّهم؟ ومَن هم كبار عشيرتهم؟ لنعرف كيف كان مُعاوية بن يزيد؟ وكيف أصبح وكيف أمسى؟ وكيف غُمر في تاريخ المسلمين؟ ذلك لأنَّ أغلب صفحاته قد كتبتْه أقلام البلاط، ونقله - بتحريف وتشويه وتزوير - وعَّاظ السلاطين. أمَّا أقلام الأحرار والغيارى فقد كُسِرت، وأمَّا أيديهم فقد قُيِّدت بالأغلال، وأمَّا ألسنتهم فقد أُطبِق عليها، أمَّا أصواتهم فقد خُنِقت. ومَن نجا فقد عاش في الأرض غريباً مُشرَّداً خائفاً يترقَّب، وكم أُخمِدت أنفاسٌ بسيفٍ غادر، أو سُمٍّ قاتل، أو يدٍ كافرة في غياهب السجون

٤٧

وظلم المطامير، وأعماق الزنزانات الأُمويَّة وألعبَّاسيَّة.

لذا.. لم يحفظ لنا التاريخ عن حياة الأبرار إلاَّ النَّزْرَ اليسير، ولم يُدوِّن إلاّ أسطُراً تناثرت - في غفلةٍ مِن أُمراء الجور والضلال - في كُتبٍ تبعثرت، أتى على بعضها الإحراق، وعلى بعضها الإغراق.

ومع ذلك كلِّه بقي ما هو حُجَّةٌ علينا.. إنَّ الإنسان يستطيع أنْ يعيش حُرَّ العقيدة، إذا تجرَّد مِن نوازعه العنصريَّة وتعصُّباته القوميَّة أو الأُسريَّة، وكان باحثاً عن الحقائق أينما كانت وعند مَن كانت. لا يَفتُر في سعي، ولا يخشى الله في لومة لائم، ولا يكون منه وَهْنٌ أمام الأهواء أو التهديدات... ثمَّ لا يُبالي بعد ذلك أنْ يؤول أمرُه إلى أنَّ يُظلَم حتَّى لو قُتِل، فتلك الشهادة وهي الشرف الأسمى خاتمةً لحياة العبد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(أشرف الموت قتلُ الشهادة) (١) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم - أيضاً -:(فوقَ كلِّ بِرٍّ بِرٌّ حتَّى يُقتَلُ الرجلُ في سبيل الله.. فإذا قُتِل في سبيل الله عزَّ وجلَّ فليس فوقه بِرٌّ) (٢) .

وكان على هذا السبيل رجال، وكان منهم مُعاوية الثاني، وهو مِن بَنْي أُميَّة وليس منهم. وهذه شواهد الحقيقة ودلائلها:

____________________

١ - بحار الأنوار ١٠٠: ٨، عن أمالي الصدوق.

٢ - الخصال، للشيخ الصدوق: ٩ح ٣١.

٤٨

مَن هو أُميَّة؟

إنَّ أُميَّة كان غلاماً روميَّاً لـ (عبد شمس)، فلمَّا ألفاه كَيِّساً فطِناً أعتقه وتبنَّاه، فقيل: (أُميَّة بن عبد شمس)(١) .

إذاً، فبنو أُميَّة ليسوا مِن قريش، وإنَّما لُحِقوا ولُصِقُوا بهم، وكان ذلك مِن دأب العرب والجاهليَّة. ويُصدِّق ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مُعاوية:

(وأما قولُك: إنَّا بنو عبد مناف، ليس لبعضنا على بعض فضل. فكذلك نحنُ، ولكنْ ليس أُميَّة كهاشم، ولا حرب كعبد المُطَّلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المُهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللَّصيق، ولا المُحقُّ كالمُبطل، ولا المؤمن كالمُدغل. ولبئس الخَلَف خَلَفاً يتْبع سَلَفاً هَوى في نار جهنَّم. وفي أيدينا بعدُ فضلُ النبوَّة التي أذللنا بها العزيز، ونَعَشْنا بها الذليل. ولمَّا أدخل اللهُ الربُّ في دينه أفواجاً، وأسلمت هذه الأمَّةُ طوعاً وكرهاً.. كنتم مِمَّن دخل في الدين: إمَّا رغبة، وإمَّا رهبة، على حين فاز أهل السَّبقِ بسَبقِهم، وذهب المُهاجرونَ الأوَّلونَ بفضلهم..) (٢) .

____________________

١٥ - كامل بهائي ١: ٢٦٩، عنه سفينة البحار، للشيخ عبّاس القمّيّ _باب شهد.

١٦ - شرح نهج البلاغة، لابن ميثم البحرانيّ٤: ٣٨٩.

٤٩

بنو أُميَّة في صدر الإسلام:

* عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(بعثني الله نبيَّاً فأتيت بني أُميَّة فقلت: يا بني أُميَّة، إنِّي رسول الله إليكم، قالوا: كَذِبْت، ما أنت برسول. ثمَّ أتيت بني هاشم فقلت: إنِّي رسول الله إليكم، فآمنَ بي عليُّ بن أبي طالب سِرَّاً وجَهْراً، وحماني أبو طالب جَهْراً وآمن بي سِرَّاً. ثمَّ بعث اللهُ جبرئيلَ بلوائه فوكزه في بني هاشم، وبعث إبليس بلوائه فوكزه في بني أُميَّة.. فلا يزالون أعداءَنا، وشيعتُهم أعداء شيعتنا إلى يوم القيامة) (١) .

ونزل كتاب الله تعالى وغدت آياته تترى.. فماذا قالت في بَنْي أُميَّة؟

* أخرج المُحدِّث الشهير (المُتَّقي الهنديّ) - وهو مِن علماء السُّنَّة - في كتابه الكبير(كنز العُمَّال) ، عن عمر بن الخطَّاب في قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً... ) (٢) قال: هما الأفجرانِ مِن قريش: بنو المُغيرة، وبنو أُميَّة. قال: أخرجه ابن جرير، وابن المُنذر، وابن مردويه(٣) .

____________________

١ - كنز جامع الفوائد، أوْ تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العِترة الطاهرة، للسيِّد شرف الدين عليّ الحسينيّ الأستربادي ٢: ٨٠٦.

٢ - سورة إبراهيم:٢٨.

٣ كنز العمَّال١: ٢٥٢، روايتان.

٥٠

* وفي تفسير (الكشَّاف) روى الزمخشري في ظلِّ الآية نفسها عن عمر بن الخطّاب أيضاً: هم الأفجرانِ مِن قريش: بنو المُغيرة وبنو أُميَّة.. فأمَّا بنو المُغيرة فكُفيتُموهم يوم بدر، وأمَّا بنو أُميَّة فتمتَّعوا حتَّى حين.

وذكره السيوطيّ - أيضاً - في (الدُّرِّ المنثور) وقال: أخرجه البخاريّ في تاريخه، وابن جرير وابن المُنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطّاب.

* وأخرج البريُّ في تفسير (جامع البيان)(١) ، عن القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، عن الحسن بن عليٍّ أنَّه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُري في المنام بَنْي أُميَّة يَعلُون مِنبرَه، خليفةً خليفة، فشقَّ عليه ذلك، فأنزل الله:( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يعني مُلْك بني أُميَّة. قال القاسم: فحَسَبنا مُلْك بَنْي أُميَّة فإذا هو ألف شهر(٢) .

وفي ردِّه على (عُتبة بن أبي سفيان) قال له الإمام الحسن بن عليٍّ (عليه السلام):(.. فأنت ذُرِّيَّة آبائك الذين ذكرهم الله في القرآنِ فقال: ( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ

____________________

١ - وكذلك: سُنَن الترمذيّ ج٢، والمُستدرك على الصحيحين٣: ١٧٠، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ في ظِلِّ سورة القدر وسورة الكوثر، والدُّرُّ المنثور في ظِلِّ سورة القدر.

٢ - جامع البيان في تفسير القرآن ٣٠: ١٦٧، والآية ٣ في سورة القدر.

٥١

إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ * لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ) ) (١) .

بنو أُميَّة في حديث المُصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

* أخرج علاَّمة الشافعيَّة ابن حجر الهيثميّ، عن عمرو بن الحمق الخزاعيّ أنَّه قال: إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) قال لي ذات يوم:(يا عمرو، هل لك أنْ أُريك آية النار، تأكل الطعام وتشرب الشرابَ، وتمشي في الأسواق؟) ، قلت: بلى - بأبي أنت وأُمِّي! - قال:(هذا وقومُه آية النار - وأشار إلى مُعاوية -) (٢) .

* وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(إنَّ لكلِّ دين آفة، وآفة هذا الدين بَنو أُميَّة) (٣) .

* وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا تقوم الساعة حتَّى يخرج ثلاثون كذَّاباً... (إلى أنْ قال:)وشَرُّ قبائل العرب: بَنو أُميَّة، وبنو حنيفة، والثقيف) (٤) .

* وروى الحاكم النيسابوريّ بسنده، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(إنَّ أهل بيتي سيَلْقَون مِن بعدي مِن أُمَّتي قَتلاً

____________________

١ - سفينة البحار، باب عتب، والآيات في سورة الغاشية: ٣-٧.

٢ - مجمع الزوائد ٩: ٤٠٥.

٣ - كنز العمَّال ٧: ١٤٢.

٤ - كنز العمَّال: ص١٧١، وأخرجه ابن أبي شيبة وابن عديّ عن الزهريّ. وذكره الذهبيُّ أيضاً في ميزان الاعتدال ٢: ١٨١، وصحَّحه ورواه عن ابن الزبير.

٥٢

وتشريداً، وإنَّ أشدَّ قومنا لنا بُغضاً: بَنو أُميَّة وبنو المُغيرة وبنو مَخزوم) (١) .

* وعن حمران بن جابر الحنفيّ، قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) يقول:(ويلٌ لبني أُميَّة - ثلاث مرَّات -) (٢) .

* وعن أبي ذَرٍّ الغفاريّ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(إذا بلغت بَنو أُميَّة أربعين اتَّخذُوا عبادَ اللهِ خَولاً، ومالَ الله نِحلاً، وعبادَ الله دَغَلاً) (٣) .

الشجرة الملعونة في القرآن:

قال تعالى في مُحكم تنزيله الكريم:( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراًً ) (٤) .

فماذا ورد في سبب نزول هذه الآيه الكريمة، وتأويلها وتفسيرها؟

____________________

١ - المُستدرك على الصحيحين ٤: ٤٨٧، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وذكره المتَّقي الهنديّ في كنز العمَّال ٦: ٤٠، وقال: أخرجه نعيم بن حمّاد في (الفتن).

٢ - كنز العمَّال ٦: ٩١، قال المتَّقي الهنديّ: أخرجه أبو مندة وأبو نعيم.

٣ - المُستدرك على الصحيحين ٤: ٤٧٩، وذكره المتَّقي الهنديّ أيضاً في كنز العمَّال ٦: ٣٩، وقال:(ومال الله دخلاً) ، وقال: أخرجه ابن عساكر.

٤ - الإسراء: ٦٠.

٥٣

* قال الفخر الرازيّ: وفي هذه الرؤيا أقوال... - إلى أنْ قال: - والقول الثالث: قال سعيد بن المسيَّب: رأى رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) بَني أُميَّة يَنْزُون على مِنبرِه نَزْوَ القِرَدة.. فساءَه ذلك. وهذا قول ابن عبّاس في رواية عطاء(١) .

* وفي ذيل الآية نفسها قال السيوطيّ: أخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مُرَّة، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(أُريتُ بَني أُميّة على منابر الأرض، وسيملكونكم فتجدونهم أربابَ سوء) . واهتمَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) لذلك، فأنزل الله:( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ... ) .

وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي (عليه السلام):(أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح وهو مهموم، فقيل: مالك - يا رسول الله -؟! فقال: إنِّي أُريت في المنام كأنَّ بَني أُميَّة يتعاورون منبري هذا. فقيل: يا رسول الله! لا تهتمَّ؛ فإنَّها دنيا تنالهم. فأنزل الله: ( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ... ) ).

وأخرج البيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن سعيد بن المسيَّب، قال: رأى رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) بَني أُميَّة على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه:(إنَّما هي دنيا أُعطوها) . فقرَّت عينُه، وهي قوله:( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ... ) ، يعني بلاء للناس(٢) .

____________________

١ - التفسير الكبير، في ظِلِّ الآية ٦٠ مِن سورة الإسراء.

٢ - تفسير الدُّرِّ المنثور، في ظِلِّ الآية المُتقدِّمة. وكنز العمَّال ٧: ١٤٢.

٥٤

* وأخرج ابن أبي الحديد المُعتزليّ عن المدائنيّ.. أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) رُفِع له مُلْك بني أُميَّة، فنظر إليهم يَعلُون منبره واحدٌ واحد، فشقَّ ذلك عليه، فأنزل الله تعالى في ذلك قرآناً، قال له:( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ... ) (١) .

ألا يكفي هذا إيضاحاً لتأويل الشجرة الملعونة في القرآن؟! أمْ في المَزيد تبيانٌ مُستفيض ودليل قاطع...

* قال ابن كثير: المُراد بالشجرة الملعونة بَنو أُميَّة(٢) .

* وقال الفخر الرازي: قال ابن عبّاس: الشجرة بنو أميّة(٣) .

* وجاء في هذا المعنى قول النيسابوريّ في تفسيره المُسمَّى بـ (غرائب القرآن ورغائب الفرقان)(٤) .

ولكن.. لماذا نزلت اللعنة على تلك الشجرة؟ أ لأنَّها خبيثة؟ أمْ لأنَّها ظالمة؟ يُجيبُنا على ذلك المُفسِّر الشافعيّ السيِّد شهاب الدين الآلوسيّ في موضعين:

الأوَّل: في ظِلِّ قوله تعالى:( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٦: ١٦.

٢ - تفسير ابن كثير ٣: ٤٩.

٣ - التفسير الكبير، عند تفسير الآية.

٤ - هامش تفسير الطبريّ ١٥: ٥٥.

٥٥

مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ) (١) .. حيث قال: تفسير هذه الآية ببَني أُميَّة.. (ثمَّ قال:) وأحوال بَني أُميَّة التي يستحقُّون بها ما يستحقُّون غيرُ خفيَّةٍ عند الموافق والمُخالف(٢) .

والثاني: في ظِلِّ آية( ... وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ... ) .. إذْ قال: (والشجرة الملعونة) في عبارة بعض المُفسِّرين هي بَنو أُميَّة.. - إلى أنْ قال: - وفيه مِن المُبالغة في ذَمِّهم ما فيه. وجعل ضمير( ... وَنُخَوِّفُهُمْ... ) على هذا، لِما كان أوَّلاً، أو للشجرة باعتبار أنَّ المُراد بها بَنو أُميَّة. ولعنهم؛ لِما صدر منهم مِن استباحة الدماء المعصومة، والفروج المُحْصَنة، وأخذ الأموال مِن غير حِلِّها، ومنعِ الحقوق عن أهلها، وتبديل الأحكام، والحُكمِ بغير ما أنزل الله تعالى على نبيِّه (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) (إلى غير ذلك) مِن القبائح العظام، والمخازي الجِسام، التي لا تكاد تُنسى ما دامتِ الليالي والأيَّام. وجاء لعنُهم في القرآن على الخصوص وعلى العموم(٣) .

أجل.. فقد سُرقت الخلافة الإسلاميَّة، وشقَّ بَنو أُميَّة عصى المسلمين، فاستقلُّوا ببلاد الشام مُتمرِّدين على الولاية الشرعيَّة لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وكان قد مهَّد لهم ذلك عمر بن الخطّاب وعثمان

____________________

١ - إبراهيم: ٢٦.

٢ - تفسير روح المعاني ١٣: ١٩٣.

٣ - تفسير روح المعاني ١٥: ١٠٠. وراجع في هذا الباب بحار الأنوار ٣١: ٥٠٧ - ٥٦٦، باب ٣١، ما ورد في لعن بني أُميَّة وبني العبَّاس وكُفرهم.

٥٦

بن عفّان؛ إذ ثبَّتوهم على إمرة الشام، فإذا ملكوا حكموا بغير ما أنزل الله تعالى، وخلاف ما شرَّع على لسان نبيَّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وسُنَّته الشريفة(١) . فشاعت المفاسد العقائديَّة، والانحرافات الإجتماعيَّة، وطغى الظلم والقتل والإرهاب، وطال الحبسُ والتشريد كلَّ مَن خالف بَني أُميَّة أو عارضهم. وقِصَّة سَبِّ الإمام عليٍّ (عليه السلام) على سبعين ألف منبر(٢) ، وقصّة أبي ذَرٍّ على ذلك شاهد واضح، كما أنَّ قتْل مالك الأشتر ومحمّد بن أبي بكر وسعيد بن جبير وحجر بن عديّ والمئات، بلْ الآلاف مِن الصحابة والتابعين شاهد صارخ.

وكان مِن أمجاد الدولة الأُمويَّة قتل ثلاثين ألف مسلم بريء على يد (بِسْر بن أرطأة) قائد مُعاوية(٣) ، وقتل ثمانية آلاف مسلم مِن أهل البصرة على يد (سُمرة بن جُندب)(٤) . وأين الهاربون مِن الوقائع المُفجعة: واقعة صِفِّين، وواقعة عاشوراء - كربلاء - وواقعة الحَرَّة التي يندى منها جبين التاريخ؟! ثمَّ أين هُمْ عن هدم الكعبة المُعظَّمة وتمزيق كتاب الله تعالى بالسهام؟!

لقد كان ذلك استمراراً طبيعيَّاً لعِداء بَني أُميَّة لبني هاشم، وحقد

____________________

١ - بحار الأنوار ٣٠: ٢٨٧ / ح ١٥١، والمُنتظم لابن الجوزي ٤: ٧، ومعاني الأخبار للشيخ الصدوق ٣٤٦ _ ٣٤٧ / ح ١، والاحتجاج ١:٢٧٥.

٢ - كما يذكر ابن عبد ربَّه في العقد الفريد ٢: ٢٦٠.

٣ - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ١: ٦.

٤ - تاريخ الطبريّ ٦: ٣٢.

٥٧

بني أُميَّةَ على الإسلام ورسوله، وانتقام بني أُميَّة عمَّا أودى بها في معركة (بدر) و(الأحزاب) وفتح مَكَّة(١) .

أمَّا الشواهد البيِّنة على ذلك، فتأتينا جليَّة إذا تعرَّفنا على سيرة ثلاث شخصيَّات أُمويَّة فقط.. مِن خلال وثائق المسلمين.

أبو سفيان:

شخصيَّة بارزة في العائلة الأُمويَّة، لها تاريخها المعروف قبل الإسلام، ثمَّ بعد الإسلام لها سيف مسلول على هذا الدين، وعلى نبيِّه وصحابته قرابة عشر سنوات.

فلْنقرأ صفحاته، لنُفسِّر القديم والجديد في حياة بَني أُميَّة!

في الجاهليَّة: عُرِف أبو سفيان قبل الإسلام بمُراودة البغايا والتردُّد على دور البِغاء. حتَّى أخرج سبط ابن الجوزيّ الحنبليّ عن كتاب (مثالب العرب) لأبي المنذر هشام الكلبيّ أنَّه قال: وكان الزُّناة - الذين اشتهروا بمَكَّة - جماعةً، منهم: أبو سفيان، وعُتبة بن أبي سفيان أخو مُعاوية(٢) .

وقد نقلت كُتب التاريخ عيِّناتٍ شاهدة على ذلك.. فقد اشتهرت

____________________

١ - لا بأس بمُراجعة: النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميَّة وبني هاشم، للمقريزيّ، ومُلحقه: رسالة الجاحظ في بني أُميَّة: ١٢١ - ١٣٢.

٢ - تذكرة خواصّ الأمّة: ١١٧.

٥٨

علاقاته مع المُحصنات، ومنهنَّ (أُمُّ زياد بن أبيه)، فقد وُلِد زياد على فراش عُبيد مولى ثقيف، فقال أبو سفيان يوماً: واللهِ، إنّي لأعرف الذي وضعه في رحم أُمِّه. فقال له عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):(ومَن هو يا أبا سفيان؟!) ، قال: أنا. قال:(مَهلاً يا أبا سفيان) . فأنشد أبياتاً داليَّة(١) .

ومع (أُمِّ عَمْر بن العاص) كانت له مُعاشِرة، حتَّى إنَّ عَمْراً اختصم فيه يوم ولادته رجلان: أبو سفيان والعاص بن وائل، فقيل: لتَحكمْ أُمُّه، فقالت: إنَّه مِن العاص، فقال أبو سفيان: أما إنِّي لأشكُّ، أنَّني وضعتُه في رحم أُمِّه. فأبت إلاَّ العاص، فقيل لها: أبو سفيان أشرف نسباً، فقالت: إنَّ العاص بن وائل كثير النفقة عليَّ، وأبو سفيان شَحيح. وفي ذلك يقول حسَّان بن ثابت يُخاطب عَمْر بن العاص - حينما هَجا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم -:

أبوك أبو سفيان لا شكَّ قد بدَتْ لنا فيك منه بيِّناتُ الدلائلِ

ففاخِرْ به إمَّا فخرتَ ولا تكنْ تُفاخر بالعاص الهجينِ بنِ وائلِ(٢)

والزِّنا في الأسرة الأُمويَّة أمرٌ عريق، رافق الكُفر والشِّرك والفِسق، حتَّى عُرِفت منها نساء كثيرات كُنَّ مِن ذوات الأعلام والرايات،

____________________

١ - الاستيعاب، لابن عبد البرِّ ١: ١٩٥. وتاريخ دمشق، لابن عساكر ٥: ٤١٠.

٢ - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٢: ١٠١.

٥٩

ومنهنَّ جَدَّة أبي سفيان - أمُُّ أُمِّه - (حمامة).

ومَن هي حمامةُ يا تُرى؟!

يُعرِّفها الثقفيّ في خبر طريف يقول فيه: إنَّ عقيل بن أبي طالب ورد على مُعاوية بن أبي سفيان، فقال له مُعاوية: يا أبا يزيد، ما تقول فيَّ؟ قال عقيل: دَعْ عنك. قال: لتقولنَّ. قال: أتعرف حمامة؟ قال مُعاوية: ومَن حمامة؟ قال: أخبرتُك.

ومضى عقيل وخرج، فأرسل مُعاوية إلى بعض النسَّابة فقال: أخبرْني مَن حمامة؟ قال: أعطني الأمان على نفسي وأهلي. فأعطاه الأمان، قال: حمامة جَدَّتُك، وكانت بغيَّةً في الجاهليَّة - لها راية ٌ - تؤتى..!!

قال أبو بكر بن الزبير: هي أُمُّ أُمِّ أبي سفيان(١) .

وأمَّا (أُمُّ جميل) فهي أُخت أبي سفيان، وقد كان لها قَدَم السَّبق في مُحاربة الرسول والرسالة، ولقيت في ذلك عناءً مِن جمعها الأشواك، وإلقائها في طريق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كيما تجرح قدميهِ الكريمتين. حتَّى نزلت فيها وفي زوجها سورة كاملة تختم عليهما بالعذاب المُقيم.

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي

____________________

١ - الغارات، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفيّ ١: ٦٥.

٦٠