شخصيات ومواقف

شخصيات ومواقف0%

شخصيات ومواقف مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 244

  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40305 / تحميل: 7038
الحجم الحجم الحجم
شخصيات ومواقف

شخصيات ومواقف

مؤلف:
العربية

شخصيَّات ومواقف

جعفر البيَّاتي

١

٢

٣

شخصيَّات ومواقف

جعفر البيَّاتي

٤

٥

بسم الله الرحمن الرحیم

٦

مُفتتَح الحديث

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأزكى الصلاة وأتمُّ السلام على الرسول المؤيَّد، المُصطفى أحمد، أبي القاسم محمد، وعلى آله أُولي النُهى والحِجى والسُّؤدد.

هذه بين أيدينا صورٌ مِن التاريخ.. تعالوا نتأمَّلْ في ملامحها، في ألوانِها ومعانيها وآفاقها.

و التاريخ عِبَرٌ ومواقف.. وقد أحببنا أنْ نستخلص منها بعض الدروس، مِن خلال شخصيّات موفَّقة، وأُخرى خائبة. هذه سلكت إلى الله (تبارك وتعالى)، وصبرت وصابرت واتَّقت حتَّى أفلحت. وتلك انحرفت وغوت وتمادت حتَّى خسرت.

كما أحببنا أنْ نتعرَّف على السرِّ الذي يقف وراء ذلك، مع أنَّ هنالك مَن ضلَّ، بلْ وأضلَّ، وهو في أجواء الإيمان والهُدى، وهنالك مَن اهتدى، بلْ وهدى، وهو في أجواء الكفر والضلال والفساد. فكان ذا موفَّقاً ربح، وكان الآخرُ خائباً خسِر.

والتوفيق له قصصٌ في حياة الإنسان.. تتلخَّص في أنَّ العبد إذا

٧

واجه هداية َ الله بالقبول والتسليم والإخلاص والسعي؛ نال الخير والسعادة. أمَّا إذا واجه هداية الله بالصدِّ والتعالي والعناد والتعصُّب الأعمى والمُكابرة؛ فإنَّ مآله إلى الشرُّ والشقاء.

ومصاديق ذلك كثيرة.. وضعنا بين يدي القارئ الكريم بعضاً منها، يُطالعها في رحلةٍ مؤنسة، لا ينسى خلالها أنْ يذكرنا بدعواته المُخلِصة.

مشهد المُقدَّسة / ٧ ذي الحجة ١٤١٨

٨

تمهيد:

الحمد لله الذي أرسل أنبياءَه حُجَّة ً على العالمين، وعقَّبهم بالأوصياء تكميلاً للدين المُبين، واصطفى منهم خمسةً وهُم أولو العَزم، فضَّلهم على أنبيائه المُرسَلين، واختار مِن بينهم محمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم، وجعله نبيَّاً وآدمُ بين الماءِ والطين، ثمَّ فضَّل أوصياءَه (صلوات الله عليهم)، وصيَّرهم حُجَّة ً على أهل السماواتِ والأرضين، وفضَّل مِن بينهم ابنَ عمِّه وأخاه وباب مدينة علمه، على الخلْق أجمعين، وخصَّه باسم ٍ حُرَّم على غيره بأنْ يُسمَّى به، وهو أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى أولاده المعصومين، مِن يومنا هذا إلى يوم الدين، واللَّعنُ الدائم المُتواصل على أعدائهم أجمعين.

وبعد: الإيمان وَمَضٌ، إذا أشرق في قلب العبد شخصت أمامه الحقائق، فنهضت جوارحه تتبنَّاها اعتقاداً راسخاً، وسعياً دَؤوباً، وصوتاً يهتف في ضمائر الناس بياناً نيِّراً، ودعوةً غيورة إلى إحقاق الحقِّ وإبطال الباطل.

ولكنْ.. متى يُشرق ذلك الوَمَض؟ إنَّ الله تبارك وتعالى يقول:

٩

( ... قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) (١) ، ويقول جَلَّ وعلا:( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ) (٢) .

ويقول عزَّ مِن قائل:( تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) (٣) .

والإنابة - أخوتَنا المؤمنين الأكارم - هي الرجوع إلى الله تبارك وتعالى بالتوبة وإخلاص العمل، والقصد إليه بالتوكُّل والتوسُّل وطلب الهداية.

وقد أناب قومٌ إلى ربِّهم سبحانه وتعالى، فلمَّا اطَّلع الله جَلَّ جلالُه على قلوبهم، ووجد فيها الإخلاص وطلب الحقِّ والبحثَ عن الحقيقة بصدق.. كتبَ لها التوفيق، وسكبَ فيها أنوار الإيمان حتَّى اُشربتِ التقوى وشعَّت بالبصيرة. وكان مِن ذلك القوم مَسارٌ على طريق الهداية، ثمَّ كان منهم أنْ أحقُّوا الحقَّ وأبطلوا الباطل - بإذن الله وتسديده - وتحمَّلوا في ذلك مَشقَّةً وعناءً وآلاماً، وشهادةً حُكْمِيَّة وشَّحوا بها حياتهم خاتِمةً مُباركة.

( خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) (٤) .

____________________

١ - الرعد: ٢٧.

٢ - الزُّمر: ١٦، ١٧.

٣ - سورة ق: ٨.

٤ - المُطفِّفين: ٢٦.

١٠

وإنّه لَمِن دواعي الإجلال والإكبار أنْ ينتزع العبدُ نفسه مِن وسطٍ غارقٍ في الكفر والإثم والفساد، فيكون عبداً صالحاً، مُصلِحاً لنفسه ولِمَن حوله، مُجابِهاً للظلم مواجهاً للانحراف، قائلاً كلمة الحقِّ في وجوه الطُّغاة، مُنْجياً نفسه مِن مُضِلاَّت الفتن ومزالق شياطين الجنِّ والإنس.

وقد احتجَّ علينا التاريخ - أيُّها الإخوةُ الأفاضل - بعبادٍ مؤمنين صالحين، عاشُوا لله موحِّدين، وإليه مُنيبين، مضوا على بصيرةٍ مِن أمرهم، حتّى انقلبوا إلى ربِّهم مُهتدين، وآبوا إليه مظلومين، مُستشهَدين.

وكان منهم:

١١

مؤمن آل فرعون

الذي عاش في آل فرعون، ولم يكن يؤول أمرُه إليه، بلْ آل إلى ربِّه بالطاعة. فآمن بالله ربَّاً، وكفر بفرعون.

ولكنْ.. مَن هو مؤمن آل فرعون؟!

في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)، عن آبائه، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(كان (حِزقيل) مؤمنُ آل فرعون، يدعو قومَ فرعون إلى توحيد الله ونبوَّة موسى، وتفضيل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على جميع رُسُل الله وخَلْقه، وتفضيل عليِّ بن أبي طالب والخيار مِن الأئمَّة (عليهم السلام) على سائر أوصياء النبيِّين، وإلى البراءة مِن ربوبيَّة فرعون.

فوشى به واشون إلى فرعونَ، وقالوا: إنَّ حزقيل يدعو إلى مُخالفتك، ويُعين أعداءَك على مُضادَّتك. فقال لهم فرعون: إنَّه ابن عمِّي، وخليفتي على مُلكي، ووليُّ عهدي، إنْ فعل ما قلتم فقد استحقَّ العذاب على كُفره نعمتي! وإنْ كنتُم كاذبين فقد استحققتُم أشدَّ العذاب لإيثاركمُ الدخولَ في مَساءته.

فجاء بحِزقيل، وجاء بهم فكاشفوه وقالوا: أنت تَجحد ربوبيَّة

١٢

فرعون وتكفر نعماءَه؟ فقال حزقيل: أيُّها المَلِك! هل جرَّبت عَلَيَّ كذباً قطُّ؟ قال: لا، قال: فسَلهم مَن ربُّهم؟ فقالوا: فرعون، قال: ومَن خالقكم؟ قالوا: فرعون، قال: ومَن رازقكم؟ الكافل لمَعاشكم والدافع عنكم مكارهَكم؟ قالوا: فرعون هذا، قال حزقيل: أيَّها المَلك! فاشهد ومَن حضرك أنَّ ربَّهم ربِّي، وخالقهم هو خالقي، ورازقُهم هو رازقي، لا ربَّ لي وخالق ولا رازق غيرُ ربِّهم وخالقهم ورازقهم، وأُشهِدك ومَن حضرك أنَّ كلَّ ربٍّ وخالق سوى ربِّهم فأنا بريءٌ منه ومِن ربوبيَّته، كافر بإلهيَّته.

يقول حزقيلُ هذا، وهو يعني أنَّ ربَّهم هو الله ربِّي، ولم يقل: إنَّ الذي قالوا ربُّهم هو ربِّي.

وخفيَ هذا المعنى على فرعونَ ومَن حضره، وتوهَّموا أنَّه يقول: فرعون ربِّي وخالقي ورازقي. فقال لهم فرعون: يا طُلاَّبَ الفساد في مُلكي، و مُريدي الفتنة بيني وبين ابن عمِّي وهو عَضدي!

أنتم المُستحقُّون لعذابي؛ لإرادتكم فسادَ أمري و إهلاكَ ابن عمِّي.

ثمَّ أمر بالأوتاد، فجُعِل في ساق كلِّ واحدٍ منهم وَتَدٌ، وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقُّوا بها لحومهم مِن أبدانهم.

فلذلك ما قال الله تعالى: ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا... ) ، به لمَّا وشوا

١٣

به إلى فرعون ليُهلكوه، ( ... وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) (١) ،وهُمُ الذين وَشوا بحزقيل إليه لمَّا أوتد فيهم الأوتاد، ومشَّط عن أبدانهم لحومهم بالأمشاط) (٢) .

* وفي رواية أُخرى:( ( فَوَقَاهُ اللَّهُ... ) ، أي: صرف اللهُ عنه سوءَ مكرهم، فجاء مع موسى (عليه السلام) حتَّى عَبر البحر) (٣) .

* ولكنْ.. هنالك مَن يروي أنَّ مؤمن آل فرعون قد وُفِّق للشهادة، فكان ذلك وقايةً مِن الفتنة.

* قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام):(ولقد قطَّعوه إرْباً إرباً، ولكنْ وقاه الله أنْ يفتنوه في دينه) (٤) .

* وعن البرقي عن أبيه، عن عليّ بن النعمان، عن أيّوب بن الحُرِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله:( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا... ) قال:(أما لقد سَطَوا عليه وقتلوه، ولكنْ.. أتدرونَ ما وقاه؟! وقاه أنْ يفتنوه في دينه) (٥) .

ونمضي مع حزقيل (رضوان الله تعالى عليه)، فنسمع مِن الرواة

____________________

١ - غافر (المؤمن): ٤٥.

٢ - قصص الأنبياء والمرسلين، للسيد نعمة الله الجزائري - الفصل الخامس: ٢٥٨.

٣ - قَصص الأنبياء والمُرسلين، للسيِّد نعمة الله الجزائري - الفصل الخامس: ٢٥٨.

٤ - قَصص الأنبياء، للجزائري: ٢٦٠.

٥ - تفسير نور الثقلين، للشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي ٤: ٥٢١ ح ٥٢ عن (المحاسن) للبرقي، و(أُصول الكافي) للشيخ الكليني.

١٤

أنََّه كان نجَّاراً، وهو الذي نجر التابوت لأُمِّ موسى حين قذفتْه في البحر. وأنَّه كان خازناً لفرعونَ مئة سنة، وكان مؤمناً مُخلصاً يكتم إيمانه إلى أنْ ظهر موسى (عليه السلام) على السحرة، فأظهر حزقيل يومئذ إيمانه(١) ، فأُخِذ وقُتِل مع السَّحرةِ صَلْباً.

____________________

١ - تُراجَع الآيات مِن ٣٦ - ٤٥ مِن السورة المُسمَّاة بـ (غافر) أو (المؤمن) نسبة إلى مؤمن آل فرعون.

١٥

زوجة مؤمن آل فرعون

وأمَّا زوجة حزقيل.. فإنَّها كانت ماشطةَ بنات فرعون، وكانت مؤمنة.. رُوي عن ابن عبّاس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:(لمَّا أُسريَ بي مرَّت بي رائحة ٌ طيِّبة، فقلت لجبرئيل: ما هذه الرائحة؟ فقال: هذه ماشطة آل فرعون وأولادها، كانت تُمشِّطها فوقعت المِشْطة مِن يدها، فقالت: بسم الله، فقالت بنت فرعون: أبي؟ قالت: لا، بلْ ربِّي وربُّكِ وربُ أبيك. فأخبرت فرعون فدعا بها وبوِلْدها، وقال: مَن ربُّك؟ قالت: إنَّ ربِّي وربُّك الله. فأمر بتنُّور مِن نُحاسٍ فأُحمي، فدعا بها وبوِلْدها، فقالت: إنَّ لي إليك حاجة، وهي أنْ تجمع عظامي وعظام ولْدي فتدفنها، فقال: ذلك لكِ، لِمَا لكِ مِن حقٍّ. فأمر بأولادها فألُقوا واحداً واحداً بالتنُّور، حتَّى آخر وِلْدها، وكان صبيَّاً مُرضَعاً، فقال: اصبري يا أُمَّاه، إنَّكِ على الحقِّ! فألُقيت في التنُّور مع وِلْدها) (١) .

____________________

١ - قِصص الأنبياء، للجزائري: ٢٦٠.

١٦

آسية بنت مزاحم

وأمَّا امرأة فرعون (آسية).. فكانت مِن بني إسرائيل، وكانت مؤمنة خالصة، وكانت تعبد الله سِرَّاًً إلى أنْ قتل فرعون امرأة حزقيل، فعاينت حينئذ الملائكة يعرجون بروحها، فزادت يقيناً و إخلاصاً.

فبينا هي كذلك.. إذ دخل عليها فرعون يُخبرها بما صنع، فقالت: الويل لك يا فرعون! ما أجرأكَ على الله (جلَّ وعلا) فقال لها: لعلَّكِ اعتراك الجنونُ الذي اعترى صاحبتك؟ فقالت: ما اعتراني جنون، بلْ آمنتُ بالله ربِّي وربِّك وربِّ العالمين.

فدعا فرعون أُمَّها فقال لها: إنَّ ابنتكِ أخذها الجنون. فأُقسم، لَتذوقنَّ الموت أو لتكفرنَّ بأله موسى. فخَلَتْ بها أُمُّها، فسألتْها موافقته في ما أراد، فأبتْ وقالت: أمَّا أنْ أكفر بالله.. فلا. فأمر بها فرعون حتَّى مُدَّت بين أربعة أوتاد، ثمَّ لا زالت تُعذَّب حتَّى ماتت.

* وعن ابن عبّاس، قال: أخذ فرعون امرأته آسية - حين تبيَّن له إسلامُها - يُعذِّبها لتدخل في دينه. فمرَّ بها موسى وهو يُعذِّبها، فشكت إليه بإصبعها، فدعا الله موسى أنْ يُخفِّف عنها، فلم تجد

١٧

للعذاب ألماً. وإنَّها ماتت مِن عذاب فرعون، فقالت - وهي في العذاب -:( ... رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ... ) (١) ، وأوحى اللهُ إليها أنْ ارفعي رأسكِ، فرفعت فرأت البيت في الجَنَّة بُنيَ مِن دُرٍّ، فضحكت.

وقيل: إنَّها كانت تُعذَّب بالشمس، وإذا انصرفوا عنها اظلَّتْها الملائكة، وجعلت ترى بيتها في الجَنَّة(٢) .

وأصبحت آسية بنت مُزاحم (رضوان الله تعالى عليها) مثلاً إيمانيَّاً شريفاً في كتاب الله، فنقرأ قول الله تعالى:( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وهكذا اختارت (آسية بنت مزاحم) جوار ربِّها والقُرب منه، على أنْ تكون أنيسة فرعون وعشيقته، وهي ملكة مصر. وآثرتْ بيتاً يبنيه لها ربُّها على بيت فرعون، الذي فيه ممَّا تشتهيه الأنفس وتتمنَّاه القلوب ما تقف دونه الآمال. فقد كانت عزفت نفسها عمَّا هي فيه مِن زينة الحياة الدنيا وهي لها خاضعة، وتعلَّقت بما عند ربِّها مِن الكرامة والزُلْفى، فآمنت بالغيب واستقامت على إيمانها حتَّى قضت.

____________________

١ - التحريم: ١١.

٢ - قَصص الأنبياء، للجزائري: ٢٦٠-٢٦١.

٣ - التحريم:١١.

١٨

وهذه المواقف هي التي قدَّمتها إلى أنْ جعلها الله مَثلاً للذين آمنوا.. فقد انتزعت مِن كلِّ ما يلهيها عن ربِّها، فلاذت بربِّها تُريد القُرب منه تعالى، والإقامة في دار كرامته.

على أنَّ الحضور عنده تعالى والقُرب منه كرامة معنويَّة، والاستقرار في الجنَّة كرامة صوريَّة، وسؤالُ الجمع بينهما سؤال الجمع بين الكرامتين.

( ... وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ... ) تبرٍّ منها، وسؤال أنْ يُنجيها الله مِن شخص فرعون، ومِن عمله الذي تدعو ضرورة الصُّحبة والمُعاشرة إلى التلبُّس به.

( ... وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) تبرٍّ آخر، والقوم الظالمون همْ قوم فرعون، وهذا سؤال أنْ يُنجِّيها الله مِن المُجتمع العامِّ، كما أنَّ السؤال السابق كان أنْ يُنجِّيها مِن المُجتمع الخاصِّ(١) .

وأمَّا في الحديث النبوي الشريف.. فمَن تكون آسية بنت مُزاحم؟

* قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(حَسْبُك مِن نساء العالمين مريم بنت عمران، وآسية بنت مُزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمَّد) (٢) .

* وعن ابن عباس، قال: خطَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [ آله ] وسلَّم) في الأرض أربعة

____________________

١ - الميزان في تفسير القرآن، للسيِّد محمّد حسين الطباطبائي١٩: ٣٤٤.

٢ - الاستيعاب، لابن عبد البرِّ ٢: ٧٢٠.

١٩

خطوط، وقال:(أتدرون ما هذا؟!) ، قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):(أفضل نساء أهل الجَنَّة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مُزاحم امرأة فرعون) (١) .

ومِن أولئك الذين رفعوا رأس التاريخ أيضاً:

____________________

٦ - أُسد الغابة، لابن أثير٥: ٤٣٧.

٢٠