أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي25%

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
تصنيف: كتب
الصفحات: 303

الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96765 / تحميل: 9191
الحجم الحجم الحجم
أصول الفلسفة والمنهج الواقعي

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

منشأ الضرورة والإمكان:

نؤجّل طرح نظريّتنا في هذا المجال إلى بحث ( أصالة الوجود والضرورة والإمكان ). ونقتصر على طرح النظريّات الأُخرى منذ سالف عهد الحكمة، فنكون قد قدّمنا عرضاً إجمالياً لتطوّر البحث في هذه المسألة.

المعروف أنَّ الحكماء منذ سالف عهد الحكمة ذهبوا إلى أنَّ كلاً من الضرورة والإمكان والامتناع يمثل خاصية لبعض الماهيات والذوات، أي أنَّ الماهيات مختلفة بالذات، وخصوصية بعضها أنَّها ضرورية الوجود وبعضها ممكنة الوجود وبعضها ممتنعة الوجود، ومن هنا صنّفوا الماهيات إلى ثلاثة أصناف: واجب الوجود، ممكن الوجود، ممتنع الوجود. وقد عرف هذا الفريق من الحكماء الواجب والممكن والممتنع على الشكل التالي:

الواجب هو ما تقتضي ذاته وماهيته الوجود، والممتنع هو الذي تقتضي ذاته وماهيته عدم الوجود، والممكن هو ما تكون ذاته وماهيته بالنسبة إلى الوجود على صفة ( اللاإقتضاء ).

ثمّ تقدّم البحث الفلسفي قليلاً، فالتفت الفلاسفة إلى أنَّ النظرية المتقدّمة بعيدة جداً، بل طفولية. وقالوا لا معنى لأنّ تكون الذات مقتضية لوجودها أو لعدمها، فكيف يمكن أن يكون الشيء معطياً لوجوده أو عادماً له. نعم يمكن القول إنَّ واجب الوجود هو ذات وماهية إذا تصورها العقل فسوف ينتزع الموجودية من ذاتها، كما ينتزع الزوجية من ذات العدد أربعة، ويعد خلافهُ محالاً وممتنعاً، أمّا ممتنع الوجود فهو ماهية إذا تصوّرها العقل فسوف ينتزع المعدومية من حاقِّ ذاتها. إذن فواجب الوجود ليس ذاتاً معلولة للغير إنّما ينتزع العقل الموجودية من ذاته، وممتنع الوجود بغض النظر عن أي علّة

١٠١

خارجية معدوم وينتزع العقل من. ذاته المعدومية. أمّا ممكن الوجود فهو المعلول من غيره، والعقل لا ينتزع من ذاته ـ بقطع النظر عن أي شيء خارجي ـ الموجودية ولا المعدومية.

ثمّ تعمّق الفلاسفة في الإلهيات بشكل أكبر، واكتشفوا صفات الواجب وفق براهين خاصة، فأثبتوا أنَّ واجب الوجود لا يمكن أن يكون كسائر الأشياء المركبة من ماهية ووجود، بل واجب الوجود ينبغي أن يكون وجوداً محضاً وهوية صرفة ؛ ومن هنا اعتبروا تعريف واجب الوجود بأنه ماهية تنتزع الموجودية من حاق ذاتها تعريفاً غير صحيح أيضاً. بل التعريف الصحيح لواجب الوجود هو ( الحقيقة التي هي صرف الوجود والقائمة بذاتها ).

وعلى أساس نظرية هذا الفريق من الفلاسفة تصبح النظريتان المتقدّمتان خاطئتين في اعتبار الضرورة والإمكان والامتناع خصوصية ماهوية ؛ لأنَّنا لاحظنا أنَّ الوجوب الذاتي لا يمكن أن يكون خاصية ماهوية. بل إذا كان هناك وجوب ذاتي أي واجب الوجود يلزم أن يكون وجوداً محضاً ( بلا ماهية ).

غير خفي على القارئ المحترم أنَّنا لسنا بصدد إثبات واجب الوجود وتحديد صفاته، فإثبات واجب الوجود قضية متأخّرة عن هذا البحث، وسوف يأتي البحث حولها في آخر مقالة من هذه المجموعة من المقالات. لكننا بصدد بيان نظريات الفلاسفة حول الضرورة والإمكان، واتخذنا هذا البحث مقدمة لإثبات قاعدة ( ضرورة نظام الوجود ).

١٠٢

قانون العلّية:

العلّية تعني: إنَّ كل حادثة تحتاج إلى موجد ومحدث، وبعبارة أخرى، إنَّ كل شيء هويته ( الفعل ) و ( الحدث ) يتطلّب فاعلاً ومحدثاً. وقد تكفّلت المقالة التاسعة بحث هذا القانون وفروعه. يقف قانون العلية مقابل فرضية الصدفة والاتفاق، والصدفة عبارة عن وجود الأشياء والحوادث بذاتها وبدون تدخّل شيء آخر. إنَّ امتناع الصدفة والاتفاق ضرورة من الضرورات العقلية، وسوف تعكف المقالة التاسعة بشكل مستقل على إيضاح وتفسير الشواهد التي تُدّعى لفرضية الصدفة. ونَدُرَ بين مفكري العالم قائلون بالصدفة، نعم هناك بين علماء اليونان من أنكر مبدأ الكون وأجاز وقوع الصدفة، والحق أنَّ هذه الدعوى التأريخية لا نعرف مدى صحّتها أيضاً.

إنَّ الإيمان بالصدفة والاتفاق ونفي قانون العلية بشكل قطعي يستلزم أن ينتفي أيّ نظام وقاعدة في الكون، وسوف لا نعترف بأيّ دور لأيّ شيء في أي شيء، ولا نقرّ بارتباط أي حادثة بأي أمر آخر، وننفي الارتباط بين الأشياء، وهذا يفضي إلى أن نضرب علامة (X) على جميع العلوم ؛ لأنَّ كل علم عبارة عن بيان لمجموعة قواعد وأنظمة كونية، وإذا كان وقوع أي حادثة ممكن بلا علة أمكن أن ننتظر في كل وقت وتحت كل شرط وقوع تلك الحادثة أو أي حادثة أُخرى. وسوف لا نطمئن في أي وقت وتحت أي شرط من عدم وقوع أي حادثة من الحوادث.

قانون العلية العام أحد القوانين الفلسفية، وهو أحد الأُسس الرئيسية الكلية لقوانين جميع العلوم.

١٠٣

( الحتمية العلّية ) ـ العِلّة تُعطي المعلولَ الضرورةَ:

تمثل هذه القاعدة أحد شعب قانون العِلّية، وهي ترتبط ببحث الضرورة والإمكان، وينبغي علينا أن نتحدّث عن هذه القاعدة في مقدّمة البحث عن ضرورة نظام الوجود.

يعرف كلّ واحد منا أنَّ العلّة تعني ( مانحة الوجود إلى المعلول ). نريد هنا أن نتعرف على الإجابة على الاستفهام التالي: ـ هل العِلّة التي تعطي الوجود للمعلول تعطي الضرورة للمعلول أيضاً أم لا ؟ ويعني هذا الاستفهام هل يكون تحقّق المعلول ضرورياً وحتمياً مع فرض تحقّق العلة التامة، أم لا ؟

إذا تأملنا قليلاً نلاحظ أنَّ العلّة إن لم تمنح المعلول الضرورة فسوف لا تكون مانحة الوجود للمعلول ؛ لأنَّ المعلول مع غض النظر عن العلة ممكن الوجود، ومن الواضح أنَّ إمكان وجود الشيء ليس كافياً لإيجاده، وإلاّ لزم أن توجد كل حادثة ممكنة بدون علة، وهذا عين الصدفة والاتفاق، الذي يعادل نفي العلية العامة، وهذا يعني ـ كما لاحظنا ـ إلغاء العلوم جميعها والوقوع في وحل السفسطة.

بعد أن اتّضح أن الإمكان الذاتي لشيء لا يكفي لوجوده وتحقّقه نقول: إذا فرضنا أنَّ المعلول يبقى ممكن الوجود، رغم تحقق علته، ولا يصبح ضرورياً وواجباً، فهذا يعني أنَّ تحقق العلة وعدم تحققها سيان بالنسبة إلى المعلول، وهذا يعني أنَّ تحقق العلة ليس مرجحاً لوجود المعلول كما هو الحال في فرضية عدم تحقق العلة، وينتج من هذا أنَّ الملعول ممتنع عقلاً حال تحقق العلة، كما هو ممتنع عقلاً حال عدم تحققها، ويكون وجوده معادلاً للصدفة والاتفاق. إذن إذا كانت العلة لا تمنح الملعول ضرورةً ووجوباً فهي لا تمنحه الوجود أيضاً، أي سوف لا تكون العلة علة بحسب الواقع. إذن

١٠٤

فالعلية من هذه الزاوية تعادل الضرورة والحتمية، والنظام العلي نظام ضروري وحتمي.

من هنا فقاعدة أنَّ العلّة تعطي المعلول الضرورة قاعدةٌ فطريةٌ، ويذعن بها كلّ ذهن بشري. فإذا حاول بعض الباحثين على أساس البحث العلمي التشكيك في هذه القاعدة فهو يتابعهما عملياً، انطلاقا من فطرته، كما أشار المتن إلى ذلك: ( إذا ضغطنا على باب، ولم يُفتح، سوف نعود نبحث في أطرافه وزواياه، أي نحاول أن نفهم: ما هي الموانع التي حالت دون أن تحقق علّة فتح الباب معلولها ؛ إذ لو لم تكن هناك موانع فسوف يفتح الباب بضغط اليد حتما مع تحقق بقية الشروط ؛ إذن فلا بد أن تكون العلة التامة مانحة لمعلولها الضرورة، ويوجد معلولها جراء هذه الضرورة ).

نطلق على هذه القاعدة، أي قاعدة منح العلة الضرورة للمعلول، وأنَّ المعلول ما لم يجب لا يوجد ( قانون الجبر العلّي ). وهذا القانون مورد اتفاق سائر الحكماء، ومخالفوه على صنفين، صنف ذهب مذهب الصدفة والاتفاق وأنكر قانون العلّية، وأنصار هذا المذهب نادرون جداً في القديم والحديث. والصنف الآخر ظهر أخيراً، حيث ذهب فريق من علماء الفيزياء ـ جراء تجاربهم المختبرية ـ إلى الشك في قانون العِلّية، واستنتجوا بطلان الحتمية العِلّية. والحق أنَّ قانون الحتمية العِلّية خارج عن دائرة الفيزياء، ولا يمكن إثباته أو إبطاله على أساس قواعد الفيزياء. إنَّ استنتاجات علماء الفيزياء في هذا المجال هي نوع من الاستنباطات النظرية والعقلية العامة ؛ وحيث إنّ هذه الاستنباطات النظرية لم تتم وفق أُصول المنطق وقواعده فهي فاقدة للقيمة العلمية. وليس هناك ارتباط معقول وسليم بين الاختبارات العلمية وبين هذه

١٠٥

الاستنباطات النظرية. وسوف نتناول البحث في أطراف هذا الموضوع بشكلٍ مفصل في المقالة التاسعة أو العاشرة.

هناك فريق آخر أنكر قانون الحتمية العلّية، وهم جماعة من المتكلّمين. إنَّ هذا الفريق لا ينكر قانون العلّية العامة، إنَّما ينكر الحتمية والضرورة العِلّية. واستبدلوا قانون الجبر العِلّي بقانون آخر، أطلقوا عليه ( قانون الأولوية )، وقدموا طرحاً خاصاً لإثبات فرضيتهم، وقد رد عليهم الحكماء وبعض المتكلّمين بأجوبةٍ مفيدة ومقنعة. ونحن هنا نغمض النظر عن الدخول في نظرية هذا الفريق من المتكلّمين لعدم توفرها على أفكار مهمة.

حاجة المعلول إلى العلّة حدوثاً وبقاءً:

بُغية أن نستوعب قاعدة ( ضرورة نظام الوجود ) علينا أن نتناول إحدى شعب قانون العلّية العامة الأخرى، وهي من أُسس هذه القاعدة أيضاً، فنطرح الاستفهام التالي: هل ينحصر تأثير العِلّة على المعلول وحاجة المعلول إلى العِلّة في مرحلة الحدوث فقط، أم في الحدوث والبقاء معاً ؟

افرض أنَّ لدينا جسماً ساكناً، وجهنا إليه قوةً، فتحرك الجسم، فحركة الجسم هنا حادثة لم تكن ثمّ كانت، والقوة التي وجهناها علة حركة الجسم، نأتي لنرى هل هذه الحركة تحتاج إلى علة في ابتدائها فقط أم أنَّها تحتاج إلى علة على الدوام، ويمتنع أن تنفك عن العلة، رغم أنَّ العلة قد تكون خفية علينا ؟

ثم إننا لو آمنا بأنَّ المعلول يحتاج إلى علة في الحدوث فقط، وقلنا إنه يستمر في الوجود بذاته، فهنا يطرح الاستفهام التالي: هل تكون هذه الاستمرارية والدوام في الوجود ضرورية وحتمية أم لا ؟

١٠٦

نعم بعد الإيمان بقانون العلّية العام وقانون الحتمية العلية، وبغية إثبات أنَّ نظام الوجود نظام ضروري ووجوبي، يتحتّم علينا أوّلاً: إثبات أنَّ المعلول يحتاج إلى علة في البقاء، وأنَّ العلة التي تمنح المعلول الضرورة والوجوب تمنحه إياها حدوثاً وبقاءً. أو على الأقل علينا إثبات أنَّ المعلول، وإن لم يتطلب علة لبقائه، لكن استمرارية وجوده وبقائه وإن كانت ذاتية لكنها ضرورية ووجوبية ؛ إذ من البديهي أننا اذا لم نؤمن بحاجة المعلولات إلى علة في البقاء ولم نؤمن بأن استمرار المعلول في الوجود بنفسه استمرار ضروري وحتمي لا يمكننا إثبات أنَّ نظام الموجودات في العالم نظام ضروري وحتمي.

تطرح هنا ثلاث نظريات:

١ ـ إنَّ المعلولات تحتاج إلى علة في الحدوث والبقاء معاً، وأنها تكتسب وجودها وضرورتها حدوثاً وبقاءً من العلل. وهذه نظرية سائر الفلاسفة، ولا تعثر على فيلسوف مخالف لهذه النظرية.

٢ ـ إنَّ المعلولات تحتاج إلى علة في الحدوث لا في البقاء، لكن بقاءَها ودوامها الذاتي ضروري وحتمي. وهذه نظرية فريق من العلماء المحدثين، استنتجوها في ضوء التجارب الفيزيائية.

٣ ـ المعلولات لا تحتاج إلى علّة في بقائها، وليست هناك أي ضرورة تحكم بقاءها ودوامها. وهذه نظرية فريق من المتكلّمين، الذين أنكروا حاجة المعلول إلى العلة في البقاء، مضافاً إلى إنكارهم أصل قانون الحتمية العلّي.

لقد أقام الفلاسفة على إثبات نظريتهم أدلة محكمة، ونقدوا نظريات المتكلّمين بشكلٍ عقلي سليم. وقد تعهد متن هذه المقالة بطرح نظرية المتكلّمين وسائر أنصار نظرية عدم حاجة المعلول إلى العلة بقاءً، وقدم نقداً

١٠٧

لها، وأشار إلى نظرية الفيزيائيين المحدثين أيضاً. وسوف تأتي هذه الموضوعات ضمن المقالة تحت عنوان (إشكال وجواب)، وحيث إن هذا الموضوع طرح بشكل تفصيلي في جواب الإشكالات ضمن هذه المقالة، وسيأتي بشكل تفصيلاً في المقالة التاسعة تحت عنوان (هل مناط الحاجة إلى العلة هو الحدوث أم الإمكان؟)، فسوف نتجنّب التكرار في هذه المقدّمة، ونكتفي بهذا الطرح الإجمالي لفهم نظرية المقالة.

الضرورة بالذات وبالغير:

ألقى البحث حول منبع الضرورة والإمكان، وقانون الحتمية العلي ضوءاً على تنويع الضرورة إلى ما بالذات وما بالغير. وبغية مزيد من الإيضاح ينبغي تبيان أقسام الضرورة والإمكان والامتناع حسب القسمة العقلية، ووفق آخر البحوث في هذا المجال.

يبدو للوهلة الأُولى أنَّ كلاً من المواد العقلية الثلاث تنقسم إلى ما بالذات وما بالغير.

الضرورة بالذات تعني أن يكون الموجود موجوداً بدون إسنادٍ لأي علّة، وقائماً بذاته، ويستحيل العدم عليه. ونسمّي هذا الموجود وجب الوجود.

الضرورة بالغير تعني أن يكون الموجود مستنداً في وجوده إلى أمر آخر، ويكتسب وجوده وضرورته من هذا الأمر الآخر، الذي هو علة وجوده.

الامتناع بالذات يعني استحالة الوجود على ذات الشيء، مثل اجتماع النقيضين، والصدفة، والطفرة، وغيرها.

١٠٨

الامتناع بالغير يعني أن الشيء لا يستحيل عليه الوجود بذاته، بل إذا وجدت العلة فسوف يوجد. ولكن بحكم عدم وجود علته فهو غير موجود بالضرورة، إذن فامتناع وجود هذا الشيء ناشئ من عدم وجود العلة، وحيث إنَّ هذا الإمتاع ناشئ من زاوية عدم العلة نسميه الامتناع بالغير.

الإمكان الذاتي عبارة عن أن الشيء بذاته ليس ضروري الوجود وليس ممتنع الوجود، بل بحسب ذاته قابل للوجود والعدم معاً، مثل سائر الأشياء التي توجد في هذا العالم ثمّ تعدّم. ولا منافاة بين الإمكان الذاتي وبين الضرورة بالغير والامتناع بالغير ؛ إذ ليس هناك إشكال في أن يكون الشيء بحسب ذاته لا اقتضاء له، أي ليس ضروري الوجود وليس ممتنع الوجود، لكنه بحسب اقتضاء الغير يتّصف بالضرورة أو الامتناع، وحيث إنّ العلة تمنح المعلول الضرورة، فكل ممكن بالذات في حال وجوده ضروري بالغير، وفي حال عدمه ممتنع بالغير.

أما الإمكان بالغير فهو أمر غير معقول ؛ لأنَّ الشيء بحسب ذاته أما أن يكون ممكنا، أو واجباً، ممتنعاً. فإذا كان ممكناً فبحسب ذاته واجد للإمكان، ولا معنى لأنَّ يأتيه الإمكان من ناحية الغير. وإذا كان واجباً أو ممتنعاً يلزم أن يكون الواجب بالذات متّصفاً بصفة بواسطة أمر خارجي، وهذه الصفة تجيز الوجود والعدم معاً، لكن هذه الصفة تتنافى مع الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي ؛ إذن لا معنى للإمكان بالغير. إذن فالأقسام المعقولة هنا خمسة، أما القسم السادس الذي يبدو للوهلة الأُولى فهو غير معقول.

يتضح في ضوء ما تقدم أنَّ كل معلول له وجوب وضرورة بالغير، فإذا فرضنا أنَّ نظام الوجود يتألّف من سلسلة علل ومعلولات غير متناهية

١٠٩

يلزم أن يكون كل نظام الوجود مؤلفاً من وجوبيات بالغير ( لا وجوب بالذات ).

إنّ إحدى تناقضات الماديين تكمن في هذه النقطة، فهم قد طرحوا أنفسهم مؤمنين بالنظام العلي، ثم ذهبوا ـ من زاوية أخرى ـ إلى أنَّ الحتمية العلية دليل على نفي الصانع ومبدأ الوجود ؛ إذ ادعى هؤلاء أنَّ فرض وجود مبدأ أول وصانع للكون لا معنى له، ما دام نظام الوجود يسير طبق قانون العلية الحتمي، وما دام كل موجود يوجد بالضرورة في حد ذاته، وكل موجود ضروري الوجود، ومن هنا لا ضرورة لافتراض واجبٍ يكون خالقاً لكل الموجودات.

والحق أنَّ الحتمية العلية هي إحدى المقدّمات اليقينية لإثبات أنَّ الوجودات القائمة بالغير تنتهي إلى وجود قائم بالذات، لكن الماديين يأكلون من القفا ؛ لأنَّ أساس الفكر المادي في إنكار مبدأ الوجود يقوم على الصدفة ونفي قانون العلية، لا على أساس إثباته. لكن الماديين بحكم اضطرارهم إلى الإذعان بقانون العلية خلطوا بين الضرورة بالغير والضرورة بالذات، سواء علموا بذلك أم لم يعلموا. فينبغي أخذ هذا الموضوع بنظر الاعتبار، بغية فهم بعض أفكار هذه المقالة.

الضرورة الذاتية الفلسفية والضرورة الذاتية المنطقية:

بعد أن أوضحنا مفهوم الضرورة الذاتية، وفق الاصطلاح الفلسفي الشائع، علينا هنا إيضاح مفهوم الضرورة الذاتية وفق اصطلاح المناطقة الشائع أيضاً ؛ إذ ما لم يتّضح الفرق بين هاتين الضرورتين يتعذر فهم وإيضاح عمق الفكرة التي سنطرحها في إثبات أنَّ لكل وجود، سواء أكان ممكناً أم كان واجباً، ضرورة ذاتية.

١١٠

إنَّنا لا نريد هنا أن نتلاعب بالألفاظ، بل نريد تحليلاً دقيقاً لأحكام العقل المختلفة، وهذا أمر سيقف عليه القارئ المحترم.

أشرنا سابقاً إلى أنَّ أحكام الذهن بشأن الضرورة والإمكان والامتناع أحكام عقلية وليست حسّية، وإزاء هذه الأحكام إمّا أن نختار السكوت المطلق، وإمّا أن نقوم بتحليل عقلي دقيق، نميّز من خلاله أحكام الذهن المختلفة. ولا بدّ من معرفة جميع أقسام الضرورات العقلية، أي أنواع أحكام العقل، لكي تتّضح الحقيقة في هذا المجال، ونتجنب الجدل السفسطائي في خضم الأفكار الكثيرة التي طرحت في هذا المجال، حيث أولت مدراس الفلسفة هذا الموضوع بالاهتمام منذ القدم.

على أن نشير إلى أنَّ الفرق بين هاتين الضرورتين اللتين نزمع على بيانهما ( الضرورة الذاتية الفلسفية والضرورة الذاتية المنطقية ) لم يكن ذا أهمية في دائرة البحث الفلسفي قبل ظهور أصالة الوجود. ولكن على أساس أصالة الوجود يكون التمييز بين هاتين الضرورتين أساسياً وحائلاً دون الوقوع في إشكالات أساسية، هذه الإشكالات التي تدفع البعض إلى نفي الوجود الممكن، وتدفع بعضاً آخر إلى نظرية اعتبارية الوجود. كما وقع أنصار المنطق الديالكتيكي ـ بحكم عدم التمييز بين هاتين الضرورتين ـ في أخطاء جسيمة ومثيرة للسخرية أحياناً، وسنأتي على الإشارة إليها في هوامش المقالة.

الضرورة ـ سواء في المنطق أم في الفلسفة ـ تقابل الإمكان والامتناع ؛ إنَّما أراد المنطقيون من الضرورة الذاتية في باب القضايا ما يقابل الضرورة الوصفية والشرطية. وهذا التقسيم المنطقي يلحظ نسق حكم العقل،

١١١

ولا ينظر إلى الواقع ونفس الأمر، رغم تطابق حكم العقل والواقع ونفس الأمر.

الضرورة الوصفية تعنّي أن يكون المحمول ضرورياً للموضوع، لا مطلقاً، بل ما دام الموضوع بصفة وحالة خاصة، نظير قولنا: إنَّ الحركة ضرورية للجسم، حينما نوجه إليه قوة دافعة، وحينما لا يكون هناك مانع في البين. أمّاالضرورة الذاتية فهي أن يكون المحمول ثابتاً للموضوع بالضرورة المطلقة، دون شرط خارجي خاص، ودون اتّصافه بحالة معينة، بل ما دام ذات الموضوع محفوظاً فالمحمول ثابت بالضرورة للموضوع، أي أنَّ أخذ الموضوع بنظر الاعتبار كافٍ وحده لحكم العقل بضرورة اتصاف الموضوع بالمحمول، نظير قولنا: الجسم ذو مقدار ومكان، أو قولنا: الإنسان حيوان، أو قولنا: إنَّ مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين ؛ فمفهوم هذه القضايا هو أنَّ الجسم ما دام جسماً فهو ذو مكان ومقدار، والإنسان ما دام إنساناً فهو حيوان، والمثلث ما دام مثلثا فمجموع زواياه تساوي قائمتين.

إنَّ حكم العقل بالضرورة في هذه القضايا مشروط بشرط واحد فقط، وهو عبارة عن بقاء ذات الموضوع، أي أنَّ العقل يحكم بضرورة ثبوت المحمول للموضوع على فرض بقاء الموضوع، خلافاً للقضايا الضرورية الوصفية، حيث لا بد من توفر شرط ووجود حالة معينة إلى جانب بقاء الموضوع.

لم يجد المنطقيّون ـ للوهلة الأولى ـ سوى هذين القسمين للضرورة، فقسم من القضايا يكفي فيها أخذ ذات الموضوع بنظر الاعتبار ليحكم العقل بالضرورة، وقسم آخر يتطلب إضافةً إلى ذات الموضوع النظر إلى حالة

١١٢

معينة وشرط خاص. على أنَّ المنطقيّين لا يحصرون هذين القسمين، كما لا يحصرون الامتناع والإمكان بمحمول معين. بل كل محمول يقاس إلى موضوع من الموضوعات، أمّا أن يكون ضرورياً أو ممكناً أو ممتنعاً. هذا هو مصطلح المناطقة للضرورة الذاتية، وهي تعني ما يقابل الضرورة الوصفية، كما عرفنا، وهذا التقسيم للضرورة بلحاظ مناط حكم العقل.

أمّا الفلاسفة فيستخدمون الضرورة الذاتية مقابل الضرورة بالغير ( لا الضرورة الوصفية )، ويستخدمون الامتناع الذاتي مقابل الامتناع بالغير. وهذا التقسيم للضرورة لا يلحظ فيه مناط حكم العقل وكيفية تركيب القضية ذهنياً ولفظياً، بل يلحظ فيه الواقع ونفس الأمر بشكل محض.

الضرورة بالغير تعني الضرورة التي تحصل للشيء بواسطة علّة خارجية، سواء أكانت هذه الضرورة ضرورة ذاتية أم وصفية من وجهة نظر المنطقي. والضرورة الذاتية عبارة عن الضرورة التي تحصل للشيء بدون تدخّل أي علّة خارجية. على أنَّ التقسيم الفلسفي في باب الضرورة والإمكان والامتناع لا يعم جميع المحمولات، بل يختصّ بمحمول معيّن، وهو الوجود. ومن هنا فحينما يقال واجب أو ممكن أو ممتنع يراد به من وجهة نظر الفلاسفة. واجب الوجود، وممكن الوجود، وممتنع الوجود. خلافاً للتقسيم المنطقي حيث يعم كلّ محمول بالنسبة لكل موضوع، كما أشرنا.

من هنا فالضرورة الذاتية الفلسفية عبارة عن اتّصاف الموجود بالوجود بنحو الضرورة وهذه الضرورة ليست رهن أي علّة خارجية. وبعبارة أخرى إنّها تعني وجود الموجود بشكلٍ مستقل وبذاته، أي بدون علّة. والضرورة بالغير عبارة عن اتّصاف الموجود بصفة الوجود بالضرورة، لكن هذه الضرورة رهن علّة خارجية.

١١٣

يستلزم من إثبات الضرورة الذاتية الفلسفية للشيء أن يكون أزلياً وأبدياً، أي إذا أثبتنا الوجود لموجود بنحو الضرورة الذاتية، وقيام الوجود بنفسه، وبدون علّة، يستلزم أن يكون الذاتي أزليا وأبدياً، وتكون صفة الوجود ثابتةً للموجود ثبوتاً أزلياً وأبدياً. ولكن لا يستلزم من ثبوت الضرورة الذاتية المنطقية ثبوت الأزلية والأبدية ؛ لأنَّ العقل يحكم بالضرورة الذاتية المنطقية بشرط بقاء الموضوع، فإذا كان الموضوع أمراً زائلاً، فسوف يزول بزواله اتّصاف الموضوع بمحمولاته من باب " السالبة بانتفاء الموضوع ".

ادّعى بعض الفلاسفة والمنطقيين أنَّ هناك ثلاثة أقسام للضرروة من زاوية منطقية، وهي الضرورة الوصفية والضرورية الذاتية والضرورة الأزلية. الضرورة الوصفية عبارة عن ضرورة اتّصاف الموضوع بالمحمول بشرط بقاء الموضوع، وبشرط وجود حالة معينة. الضرورة الذاتية عبارة عن ضرورة اتّصاف الموضوع بالمحمول، ما دام الموضوع مطلقاً، أي بدون أي شرط وقيد. ومن هنا فالقضايا الضرورية الوصفية ذات شرطين في حكم العقل بالضرورة، والقضايا الضرورية الذاتية ذات شرط واحد، والقضايا الأزلية ليس لها أي شرط وقيد في حكم العقل بالضرورة. من هنا يمكن عد الضرورة الذاتية الفلسفية قسماً مستقلاً في عرض الضرورة الذاتية والوصفية المنطقية. ومن هنا فالضرورة المطلقة تختص بالضرورة الأزلية، وسائر الأقسام الأُخرى ضرورات مشروطة.

على كل حال، ومع غض النظر عن الاصطلاحات الشائعة بين المناطقة والفلاسفة، إذا راجعنا أسلوب حكم العقل بضرورة شيء لشيء نجد الأقسام التالية: قسم من الأحكام التي تثبت الضرورة، أيّ ضرورة صفات

١١٤

للأشياء، ولكن في حالةٍ خاصة وشروط معينة ( الضرورة الوصفية ). وقسم من الأحكام يثبت ضرورة بعض الصفات الأخرى للأشياء بدون تدخل حالة خاصة وشروط خارجية معينة، ولكن بشرط بقاء ذات تلك الأشياء ( الضرورة الذاتية المنطقية ). وقسم من الأحكام يثبت ضرورة الصفة للأشياء بشكل مطلق، وبدون شرط بقاء الموضوع كمناط لحكم العقل بالضرورة ( الضرورة الأزلية ).

ويمكن أن يطرح هنا الإشكال التالي: ليس هناك فرق في الواقع بين الضرورة الذاتية الفلسفية ( الضرورة الأزلية )، وبين الضرورة الذاتية المنطقية ؛ والفرق المذكور سابقاً، الذي يقرّر بقاء الموضوع كشرط لحكم العقل في الضرورة الذاتية المنطقية، وأنَّ العقل لا يجد أيّ مانع من زوال الموضوع وزوال الصفة واتصاف الموضوع بالمحمول تبعاً لذلك، ويقرّر عدم اعتبار هذا الشرط في الضرورة الذاتية الفلسفية لأنَّ الشيء إذا كان قائماً بذاته فهو أزلي وأبدي، ولا معنى لزواله، إنَّ هذا الفرق لا يرتبط بماهية هذين القسمين من الضرورة، بل يرتبط حصراً بحكم أنّنا فرضنا الوجود محمولاً في الضرورة الأزلية، وإذا كانت صفة الوجود ثابتة لشيء ذي ضرورة ذاتية منطقية فهذا يعني أنَّ الوجود لازم لذات الشيء، ويستلزم ذلك أن يكون الشيء أزليّاً وأبدياً، وهذا يستلزم أن يكون الشيء ذاتياً مستقلاً وقائماً بذاته وواجب الوجود.

لكنّ هذا الإشكال غير سليم، وليست هناك ملازمة بين وجوب الوجود الذاتي، حسب اصطلاح المناطقة، وبين وجوب الوجود الذاتي حسب اصطلاح الفلاسفة. ولا منافاة أيضاً بين الضرورة الذاتية للوجود حسب

١١٥

اصطلاح المناطقة، وبين الضرورة بالغير حسب اصطلاح الفلاسفة. ونحن نطرح هذه المقدّمات جميعها للوقوف على هذه الإشكالية، وسوف نقف عند معالجتها بشكل تفصيلي في الفقرة التالية تحت عنوان ( أصالة الوجود والضرورة والإمكان ).

إنَّ عدم التمييز بين الضرورة الذاتية المنطقية وبين الضرورة الذاتية الفلسفية أفضى إلى أخطاء جسيمة، ارتكبها بعض أدعياء الفلسفة وغيرهم من الماديين وغير الماديين. كما أفضى عدم التمييز إلى ذهاب أنصار المنطق الديالكتيكي إلى أنّ بحث الضرورة في المنطق بحث لاغٍ، بل ذهبوا إلى أنَّ الإيمان بالعلاقة الضرورية مظهر جمود المنطق ( استاتيك ). وسوف نقف على مناقشة هذه الأوهام ضمن هوامش هذه المقالة.

تفسير نظام الوجود:

تمثّل الأبحاث المتقدّمة مقدّمة لهذا الموضوع، وقد اتّضح ممّا تقدم أنَّ نتيجة بعض النظريات تفضي إلى نفي الضرورة في نظام الوجود، ونتيجة بعضها الآخر يفضي إلى إثباتها. وأنصار نظرية ضرورة نظام الوجود ليسوا على موقفٍ واحد، فبعضهم يتبنّى تنويع الضرورة في نظام الوجود إلى ضرورة بالذات وضرورة بالغير، بينما يذهب بعضهم الآخر إلى أنَّ نظام الوجود تسيطر عليه الضرورة بالغير فقط.

ويمكننا أن نضع مجموع نظريّات المفكّرين في تفسير نظام الوجود، من زاوية الضرورة وعدمها، ضمن الجدول التالي:

١١٦

ليست هناك أيّ ضرورة ووجوب يحكم الموجودات ؛ لأنَّ قانون العلية العام غير صادق، وحدوث الموجودات يتمّ بالصدفة والاتّفاق.

أصحاب نظرية الصدفة والاتّفاق، ومنكروا مبدأ الوجود ونظامه.

نظام الوجود ليس ضرورياً ووجوبياً ؛ إذ رغم صحّة قانون العلّية، لكنّ الحتمية والضرورة العلية غير صحيحة.

فريق من المتكلّمين

نظام الموجودات ليس نظاماً ضرورياً وجبرياً ؛ إذ رغم صدق قانون العلّية وقانون الحتمية العلية، لكن تأثير العلّة في وجود وضرورة المعلول ينحصر في الحدوث، وليس هناك ما يحتم بقاء المعلولات، أو عدم بقائها.

الذين يؤمنون بحاجة المعلول إلى العلّة في الحدوث لا في البقاء، وينفون الحتمية تلقائياً.

الوجود لا نظام له، لكي يكون ضرورياً أو غير ضروري ؛ لأنَّ الوجود حقيقة واحدة محضة، وهذه الحقيقة واجب بالذات.

فريق من العرفاء.

نظام الموجودات نظام وجوبي وضروري ؛ لصدق قانون العِلّية العام، وقانون الجبر العِلّي، وقاعدة حاجة المعلول إلى العلّة في البقاء. ويتألّف هذا النظام من الوجوب الذاتي والوجوب الغيري ؛ لأنَّ سلسلة العلل والمعلولات المنتظمة قائمة بذات واجب الوجود، الذي هو علّة بالذات.

الحكماء الإلهيون، كأرسطو وابن سينا والفارابي، وغيرهم.

نظام الموجودات نظام ضروري ووجوبي ؛ لصدق قانون العِلّية العام وقانون الحتمية العِلّي. ورغم عدم حاجة المعلول إلى العِلّة في البقاء، لكن بقاء المعلول تلقائي وجبري، ما لم تقع العلّة التي تعدم المعلول، وهذا النظام مؤلّف من الواجب بالذات والواجب بالغير. وتنتهي سلسلة العلل إلى المحرك الأوّل الذي هو ذات واجب الوجود.

بعض المفكّرين الإلهيين المحدثين

١١٧

نظام الموجودات نظام ضروري ووجوبي، لصدق قانون العِلّية العام أو قانون الحتمية. ورغم عدم حاجة المعلولات إلى العِلّة في البقاء، لكنّ بقاءها تلقائي وحتمي. وهذا النظام يتألّف بأسره من الضرورة بالغير ؛ لأنَّ سلسلة العلل والمعلولات غير متناهية.

المادّيون المحدثون

قمنا بالتمييز عبر هذا الجدول بين نظرية الصدفة والاتفاق التي تنكر قانون العلية العام، وبين نظرية المتكلّمين التي تنكر الحتمية العلية فقط، وبين نظرية جميع أولئك ( الإلهيين والماديين ) الذين يذهبون إلى انحصار حاجة المعلول إلى العلة في الحدوث. على أنَّ الأمر ليس خفياً على المختصّين، فإنَّ نفي الجبر العلّي ونفي حاجة المعلول إلى العلة في البقاء هو عين نفي قانون العلية والقول بالصدفة والاتّفاق، وقد أشرنا إلى هذا الموضوع، وسنتناوله بالبحث تفصيلياً في مقالة ( العلة والمعلول ). من هنا فقد جاءت هذه التفرقة تمشياً مع أطروحات أنصار هذه النظريات، وإلاّ فهذه النظريات لا تنفك عن القول بالصدفة والاتّفاق.

على كلّ حال فضرورة نظام الوجود تستلزم: إنَّ وقوع كلّ حادثة في عالم الوجود حتمي ولا يمكن تخلّفه، وإنَّ كلّ حادثة ترتبط برباط ذاتي وتكويني مع سائر حوادث وموجودات العالم، أي أنَّ نسبتها إلى بعض الموجودات نسبة المعلول، وإلى بعض نسبة العلّة، ونسبتها إلى بعض آخر نسبة الاشتراك في العلل الأولية. وحيث إنَّ ارتباط هذه الحادثة مع سائر حوادث العالم ارتباط ذاتي وتكويني تكون مميزاتها الوجودية ضرورية وقطعية، ولا يمكن تخلّفها أيضاً. أي إنَّ هذه الحادثة المفروضة ذات ارتباط زماني ومكاني ووضعي وإضافي وغيره مع سائر الموجودات، فتتقدّم على

١١٨

بعضها زمانياً وتتأخّر عن بعضها أو تقارن بعضها، وفي كلّ لحظة من الزمان أمّا أن تكون قريبة أو بعيدة بالنسبة إلى بعض الموجودات، أو محاذية أو غير محاذية، فهذه المميزات مع أخذ العلل الحتمية المحيطة بنظر الاعتبار تكون ضرورية ووجوبية، ويستحيل وقوع ما يغاير الأمر الواقع.

أصالة الوجود ( الضرورة والإمكان ):

طرحنا في فقرة " منشأ الضرورة والإمكان " ثلاث نظريات، ولاحظنا السير التكاملي في هذه النظريات. وقد تمّ البحث في منشأ الضرورة والإمكان مع قطع النظر عن أصالة الوجود أو أصالة الماهية. فالبحث في أصالة الوجود ـ كما تقدّم في المقالة السابعة ـ لم يكن مألوفاً على صورته الراهنة قبل أربعة قرون. ومن هنا فقضايا الفلسفة لم يتمّ البحث فيها على أساس أصالة الوجود أو الماهية. رغم أنَّ النظريات غير الممحّصة اقرب لمسلك أصالة الماهية.

لكن أخذ نظرية أصالة الوجود بنظر الاعتبار يفضي إلى تغييرات في مصير قضايا الضرورة والإمكان ؛ فعلى أساس أصالة الوجود تصبح العلية والملعولية والوجوب الذاتي والغيري جميعها من شؤون الوجود، وتنبثق كلّ الضرورات والحتميات من الوجود وترجع إليه. والماهية بحسب الحقيقة لا تتّصف بصفة الوجود، كما أنَّها لا تتّصف بصفة الوجوب والضرورة حقيقةً. وإذا نسبنا صفة الوجوب الغيري للماهية أحياناً فإنَّما ننسبها مجازاً واعتباراً. أي أنَّ الماهية كما أنّ وجودها مجازي واعتباري تكون ضرورتها ووجوبها مجازياً واعتبارياً، وليس حقيقياً.

١١٩

ينبغي القول على أساس أصالة الوجود واعتبارية الماهية أنَّ الضرورة مطلقاً ( بالذات وبالغير ) من شأن الوجود، والإمكان من شأن الماهية، كما أنَّ الامتناع يرجع إلى العدم. أي ينبغي القول إنَّ الضرورة والإمكان والامتناع على الترتيب من شأن الوجود والماهية والعدم ؛ خلافاً للسائد بين المتقدّمين من أنَّ الضرورة والإمكان والامتناع جميعاً شأن من شئون الماهيات.

نقول إنَّ الضرورة شأن الوجود ؛ لأنَّ نسبة الموجودية إلى الوجود نسبة ضرورية ؛ إذ بناءً على أصالة الوجود يكون الوجود عين الموجودية والواقع، وفرض وجود غير موجود فرض محال، كما جاء في مطلع هذه المقالة ( إنَّ واقعية وجود ماهية لا يمكن إطلاقاً أن تقبل بذاتها زوال واقعها، فيصبح واقعها لا واقعاً، أي ليست هناك واقعة يمكن أن تسلب عن ذاتها ).

وحينما نقول إنًّ الإمكان شأن الماهية فإنّنا نعني بذلك أنَّ نسبة الموجودية والمعدومية إلى الماهية هي نسبة التساوي، أي أنَّ فرض الوجود والعدم إلى الماهية ليس ضرورياً، كما جاء في مطلع المقالة أيضاً " إنَّ معنى الإمكان هو تساوي نسبة الشيء إلى الوجود والعدم... وإذا قلنا الإنسان ممكن فهذا يعني أنَّ نسبة ماهية الإنسان إلى الوجود والعدم نسبة التساوي، رغم أنَّ نسبة وجود هذه الماهية إلى وجود الماهية ليست على هذا النحو ".

وحينما نقول إنَّ الامتناع شأن العدم فنعني أنَّ نسبة المعدومية إلى العدم نسبة الضرورة، والامتناع لا يعني سوى ضرورة العدم. فجميع الممتنعات بالذات ترجع إلى امتناع التناقض، وسوف نقول في بحث العدم النسبي إنَّ العدم الذي يكون نقيضاً هو العدم الحقيقي، الذي له امتناع ذاتي. ومن هنا فالوجوب مطلقاً ( بالذات أو بالغير ) شأن من شؤون الوجود، وليس للماهية حقيقةً نصيب منه.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قاعدٌ أعمى، فلمّا فرغ الثاني قال الشيخ: من جاء أوّلا فليقرأ. وهذا من أحسن ما وقع لشيوخ هذه الطّائفة بل لا أعلم مثله وقع في الدّنيا. مفتاح السّعادة ١: ٣٨٨.

قال الأميني: ليس الأمر كما حسبه الجزري من أنَّ هذه الحالة من خاصّة الشاطبي وما وقع مثلها في الدّنيا، وقد أسلفنا ذكر جماعة حسبوا انّهم كانوا يخبرون عن الضمائر ويعلمون المغيّب، وكأنّ القوم إتّخذوا المغيّبات اُلعوبة يطلُّ عليها كلُّ أعمى أو بصير أو انَّ الغلوَّ في الفضائل أسفَّ بهم إلى هذه الهوَّة.

_ ٧٧ _

الحشرات تنحدر فى الوادى

قال عمر بن علي السّرخسي: كنت مراهقاً وقت موت الوخشي(١) الحافظ أبي علي الحسن بن علي البلخي فحضرته فلمّا وضع في القبر سمعنا صيحة فقيل: خرجت الحشرات من المقبرة وكان في طرقها وإذا انحدرت إليه وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرةٌ في الوادي والنّاس ما يتعرّضون لها.

ذكره الحافظ الذّهبي في تذكرة الحفّاظ ٣: ٣٤٤.

قال الأميني: دع الحشرات تنحدر، وانظر إلى عقل هذا الحافظ راوي هذه المهزأة فإنّه يخبت إلى مثل هذه الاسطورة ويراها مدحاً لرجال قومه، فما بال العقارب و الخنافس لم تغادر مقبرة المدينة الطيّبة وبقيعها الغرقد ومسجدها الأعظم ولم تنحدر إلى الوادي وكأنّها أنست بها، غير انَّ حشرات مقبرة الوخشي تفرُّ عنه؟! هذا عقل الذهبيّ وروايته وتراه لمـّا يقف على منقبة من مناقب مولانا أمير المؤمنين ولم ترقه ولا يجد في سندها ومتنها غمزاً يتخلّص منها بقوله: إنَّ في نفسي منها شيئاً. راجع تلخيص المستدرك.

_ ٧٨ _

اليونينى يمشى فى الهواء

قال الحافظ ابن كثير في تاريخه ١٣: ٩٤: ذكروا انَّ - الشيخ عبد الله اليونيني المتوفّى ٦١٧ - كان يحجُّ في بعض السّنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من

____________________

١ - نسبة إلى وخش: قرية من أعمال بلخ.

١٨١

الزهّاد وصالحي العباد، ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء، واوَّل من يذكر عنه هذا حبيب العجمي، وكان من أصحاب الحسن البصري ثمَّ من بعده من الصّالحين رحمهم الله اجمعين.

قال الأميني: ليس بعجيب من ابن كثير أن يخبت إلى أمثال هذه الأعاجيب، و يشوّه بها صحيفة تاريخه، ويرتفع صخبه متى وقف على منقبة من مناقب اهل البيت عليم السّلام هي أدنى من هذه الموهومات التي يمجّها الإعتبار، ويحيلها العقل، لكن الحبّ والبغض يُعميان كما انَّهما يصمّان.

_ ٧٩ _

الحضرمى يعلم النحو بالاجازة

قال ابن العلماء الحنبلي في شذرات الذّهب ٥: ٣٦١: للشّيخ اسماعيل الحضرمي المتوفّى ٦٧٨ كرامات، قال المطري: كادت تبلغ التواتر منها. انَّ ابن المعطي قيل له في النّوم: إذهب إلى الفقيه اسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلمّا انتبه تعجّب لكون الحضرمي لا يحسنه ثمَّ قال: لا بدَّ من الإمتثال فدخل عليه وعنده جمعٌ يقرؤن الفقه فبمجرَّد رؤياه قال: أجزتك بكتب النَّحو فصار لا يطالع فيه شيئاً إلّا عرفه بغير شيخ.

قال الأميني: خذ العلم من أفواه الرِّجال أو من إجازاتهم، ما أكثر ما سمعنا التعلّم بالدّراسة، ولكن هل سمعت اذناك تعلّماً باجازة أو تزريقاً للعلم بكلمة واحدة؟ وهل سمعت اكرومة مثلها عن أحد من الرُّسل؟ أو أنَّها فضيلة اختصّ بها الحضرميُّ؟ ولم يتح مثله لأيّ أحد حتّى انَّ النبيَّ الأعظم لم يعلّم عمر بن الخطاب الكلالة بالإجازة وكان يقول: أراك لم تعلمها. ويقول لبنته حفصة: أرى أباك لم يعلمها. إلى مئات من مجهولات الخليفة التي لم يتوفّق لاستكناهها باشراق، أو اجازة، أو دراسة، مع حاجته الماسّة إليها يوم تسنّم عرش الخلافة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان غير عازب عن علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاجة الاُمّة إليها، ولم تكن تلكم المجهولات كعلم النحو الذي لا تقوم به دعامة الاسلام و القضاء والفتيا، أضف إليه أخاه يوم المؤاخاة الخليفة الأوّل، وما أكثر مجهولاته وما خفي عليه من معالم الدين وأحكام الشَّريعة؟ وليت باب التعليم بالاجازة كان مفتوحاً منذ

١٨٢

عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعلّمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثالث الخلفاء الرّاشدين عثمان معالم دينه، ولم تك تشوّه صفحات الفقه الإسلامي بآراءه الشاذّة عن الكتاب والسنّة.

_ ٨٠ _

الحضرمى وأصحاب القبور

ذكر السبكيُّ في طبقاته ٥: ٥١، واليافعيُّ في رياضه ص ٩٦ عن اسماعيل الحضرميّ المذكور: انّه مرَّ على بعض المقابر في بلاد اليمن فبكى بكاءاً شديدا، وعلاه حزن وترح، ثمَّ ضحك ضحكاً حميداً، وعلاه في الحال سرورٌ وفرحٌ، فتعجّب النّاس الحاضرون هنالك وسألوه عن ذلك فقال رضي الله عنه: كشف لي عن أهل هذه المقبرة فرأيتهم يعذَّبون فحزنت وبكيت لذلك، ثمّ تضرّعت إلى الله سبحانه وتعالى فيهم فقيل لي: قد شفعناك فيهم فقالت صاحبة هذا القبر: وأنا معهم يا فقيه اسماعيل! أنا فلانة المغنّية. فضحكت وقلت: و أنت معهم. ثمّ انّه أرسل إلى الحفّار وقال: مَن في هذا القبر القريب العهد؟ قال: فلانة المغنّية التي تشفّع لها الشّيخ نفع الله تعالى بها.

قال الأميني: أنا لا أدري بايّها أعجب؟ أبدعوى الحضرميِّ إطّلاعه على عالم البرزخ وقبول شفاعته في أهل تلك الجبّانة حتّى في المغنّية؟ أم باطّلاع الحفّار على ذلك السرِّ المصون؟ أم بوقوف المغنّية على تلك الشّفاعة والتشفّع في الحين، ومفاوضتها مع الفقيه في أمرها وهي في قبرها، من دون أيّ سابقة تعارف بينهما؟ وإذا كان الكلّ لم يقع فلا تمايز بين الأعدام، وإنّما العجب من بخوع الأعلام بمثل هذه الأوهام.

_ ٨١ _

ردّ الشمس لاسماعيل الحضرمى

أسلفنا في الجزء الخامس صفحة ٢١ وقوف الشّمس لاسماعيل الحضرمي يوم قال لخادمه وهو في سفر: قل للشّمس تقف حتّى نصل إلى المنزل. فوقفت حتّى بلغ مقصده ثمّ قال للخادم: أما تطلق ذلك المحبوس؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم اللّيل في الحال.

ذكرها كما مرّ السبكيُّ في طبقاته ٥: ٥١، واليافعيُّ في مرآته ٤: ١٧٨، وابن

١٨٣

العماد في شذراته ٥، ٣٦٢، وابن حجر في الفتاوي الحديثيّة ص ٢٣٢.

لعلّ شرع الهوى يسوِّغ للإنسان زخرف القول، وأن يفوه بما شاء وأراد، وأن ينسلب عن عقله ويكيل كيل المعتوهين، أعوذ بالله من الغلوّ في الفضائل.

_ ٨٢ _

الدلّاوى يرضع طفلاً

قال اليافعي في مرآت الجنان ٤ ص ٢٦٥: كان عند السيّد أبي محمّد عبد الله الدلّاوي المتوفّى ٧٢١ - طفلٌ غابت امُّه عفه فبكى فدرّ ثديه باللبن فأرضع ذلك الطفل حتّى سكت.

لست أدري ما قيمة أمثال هذه الكتب التاريخيّة المشحونة بأمثال هذه الاُضحوكة، وهي السّائرة الدائرة في الملأ العلميّ يعوّل عليها ويؤخذ منها.

_ ٨٣ _

شمس الدين الكردى يواصل اسبوعاً

قال ابن العماد الحنبليّ في شذرات الذّهب ٧: ٨٩٣: كان شمس الدين محمّد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسيّ نزيل القاهرة الشافعيّ المتوفّى ٨١١ يواصل الاسبوع كاملاً، وذكر انَّ السّبب فيه أن تعشّى مع أبويه قديماً فأصبح لا يشتهي أكلاً، فتمادى على ذلك ثلاثة أيّام، فلمّا رأى أنّه له قدرة على الطيّ تمادى فيه أربعيناً، ثمَّ اقتصر على سبع، وكان فقيهاً، وكان يذكر أنّه يقيم أربعة أيّام لا يحتاج إلى تجديد وضوء.

قال الأميني: الطبع البشريُّ لا يطيق المثابرة على الجوع أربعين يوماً ولا اُسبوعاً، كما انّه لا يطيق على السّهر أربعاً، ولعلَّ الفقيه الكردي كانت له نظريّة خاصّة في مبطلات الوضوء، أو المغالاة في الفضائل كانت تخلق له هذه كلّها.

_ ٨٤ _

الشاوى يستمهل للميت

ذكر المناوي في طبقاته قال: كان أحمد بن يحيى الشّاوي اليمنيُّ المتوفّى ٨٤١ كبير القدر سريّاً، رفيع الذّكر سنيّاً، صاحب أحوال وكرامات منها: انّه قصده جمعٌ من الزيديّة ممّن لا يثبت الكرامات، وقصدوا امتحانه وكان عنده جبُّ فيه ماء، فجعل

١٨٤

يغرف منه تارةً لبناً، وتارةً سمناً، واُخرى عسلاً، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه.

ودخل على القاضي عثمان بن محمّد الناشري وقد أرجف بموته، ثمَّ خرج وعاد إليه وقال لأهله: قد استمهلت له ثلاث سنين، فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص. شذرات الذَّهب ٧: ٢٤٠.

قال الأميني: أنا لا أدري انَّ الشّاوي هل ردَّ أجلاً جاءكما هو ظاهر قوله: وقد أرجف بموته.

وفي الذّكر الحكيم: إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون؟ أو أنّه موَّه على آل القاضي بازوف أجله وأنّه استمهل له إلى منتهى ثلاثة أعوام؟ وحسبه الإفك الشائن عندئذ، ومن ذا أعلمه انّه يرجأ إلى منصرم سنين الثلاث؟ و لعلَّ علمه بذلك كان مدَّخراً في الجبّ الذي كان يغرف منه العسل طوراً، واللبن تارة، والسّمن مرّة، والماء اُخرى، وهذه المخازي خامسة، ولا بأس عليه فإنّ البئر بئره والماء ماءه، يغترف منها ما يشاء.

فإنَّ الماء ماء أبي وجّدي

وبئري ذو حفرت وذو طويت

_ ٨٥ _

امام يعلم حوائج زائريه وهو فى قبره

قال إبن العماد في شذرات الذهب ٧: ٢٩٢: توفّي أبو القاسم محمّد بن ابراهيم من بيت بني جمعمان سنة ٨٥٧ وكان إماماً مجتهداً وانتهت اليه الرّياسة في العلم والصّلاح في اليمن وله كرامات منها:

انّه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره، وإذا قصده أحدٌ في حاجة توجّه الى قبره فيقرأ عنده ما تيسّر من القرآن ثمَّ يُعلمه فيجيبه.

قال الأميني: زَلّة العالم يُضرب بها الطبل، وزَلّة الجاهل يخفيها الجهل.

_ ٨٦ _

حُكي انَّ السّيد يحيى بن السّيد بهاء الدين الشّرواني الحنفيّ المتوفّى ٧٦٨ كان لم يأكل طعاماً في آخر عمره مقدار ستّة أشهر(١) .

____________________

١ - شذرات الذهب: ٧: ٣٠٩.

١٨٥

قال الأميني: حبّذا لو قبلته الطبيعة البشريّة، وخضع له العقل السليم، لكنّك تعلم....

_ ٨٧ _

شيخ يأكل بقرة

قال المناوي في طبقاته في ترجمة ابراهيم بن عبد ربّه المتوفّى ٨٧٨: أخذ عن الشّيخ محمّد الغمري، والشيخ مدين، قال: دخل مرَّة بيت الشيخ مدين في مولده فأكل طعام المولد كلّه. وأكل مرَّة لحم بقرة كاملة ثمَّ طوى بعدها سنة، و من كراماته ما حكاه الشّيخ أمين الدين إمام جامع الغمري انّه قال له: بعدك نسائل في مُهمّاتنا مَن؟ قال: مَن بينه وبين أخيه ذراع من تراب، فاسألني اُجيبك، فمرضت بنته فالتمسوا لها بطّيخة فما وجدت فجاء إلى قبره وقال: الوعد ثمَّ رجع بعد العشاء فوجد في سلّم بيته بطّيخة لم يعلم من أين جاءت. شذرات الذهب ٧: ٣٢٣.

قال الأميني:

وصاحبٌ لي بطنه كالهاويه

كأنّ في أحشاءه معاويه

أنا في حيرة بين محالات ثلاث: أكل الشيخ البقرة كاملة، وانطوائه على الجوع سنة، وإعطائه البطّيخ وهو تحت أطباق الثّرى، ولعلّه كان بينه وبين إبن أبي سفيان آصرة رحم فأتاه ناموس الوراثة عند أكل البقرة من هنالك، ولكنّي لا أدري من أين أتته الوراثة في الصّبر على الطّويّ سنة، ولم يكن يطيقه معاوية، ولا يطيقه أيُّ انسان و إن أكل عشرات من البقرة، فانّه يهلك قبل عشر من معشار هذه المدّة، ولعلّك تقول: إنَّ من المحتمل إنّه كان مصاباً بدعوتين له وعليه فاجيبتا، وأكلَ الشّيخ وصبر، لكنّ حديث البطّيخة أنا لا أعرف منشأه ومبتداه كما أنّي أجهل خبره.

_ ٨٨ _

خمر بلدة صارت خلّاً

نشأ داود بن بدر الحسيني المتوفّى ٨٨١ بشرافات من أعمال الفدس، وكان أهلها كلّهم نصارى ليس فيهم مسلمٌ إلّا الشّيخ وأهل بيته، وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه فشقَّ ذلك عليه، فتوجّه بسببهم فصار كلّ شيء عملوه خلّاً وماءً وعجزوا

١٨٦

فارتحلوا منها، ولم يبق فيها إلّا الشيخ وجماعته(١) .

قال الأميني: ما ظنّك ببيئة لم تكن فيها حرفة إلّا عصر العنب وبيعه؟ وكيف كانت تغني هذه الحرفة أهل تلك القرية عن ساير المكاسب؟ وهل تنحصر حرفة النّصارى بعصر العنب وبيعه، ولا يوجد منهم ذو حرفة آخرى؟ وهل كان الشيخ واهل بيته يديرون كلّ تلكم المكاسب والمهن التي تحتاج اليها كلّ جامعة بشريّة؟

_ ٨٩ _

أبو المعالى يحيى ويميت

قال الإمام أبو محمّد ضياء الدين الوتري في [ روضة الناظرين ] ص ١١٢ في ترجمة السّيد محمّد أبي المعالي سراج الدّين الرّفاعي المتوفّى ٨٨٥: انّه مسَّ بيده المباركة ظهر رجل أحدب فقوَّم الله تعالى إحديدابه، وصار على أحسن تقويم كأن لم يكن به إحديداب قبل ذلك أبداً.

وقال: مرَّ في الشّام بغلام ذبّاح ذبح شاةً ووضع السكّين في فيه وكان الغلام على طائفة من الحسن والجمال فلمّا رآه وقف عنده والشّاة تختبط مذبوحةً وقد قرب خروج روحها فقال للذبّاح:

يا واضع السكّين بعد ذبيحه

في فيه يسقيها رحيق لهاته

ضعها بجرح الذّبح ثاني مرَّة

وأنا الضّمين له بردّ حياته

فأشار إلى الذبّاح اتباع سيّدنا السيّد السرّاج قدّس سرّه بإعادة السكّين إلى الجرح، فأعادها، فانتفضت الشّاة سليمة لا جراحة فيها ولا ذبح بإذن الله.

وقال: وممّا حدَّثنا به الجمُّ الغفير من الثّقات أنَّ رجلاً ممّن ينتمي إلى السّيادة ببلدة هيت اسمه كبش اشتهرت به في هيت خرقة الطريقة القادريّة، وكان من الأدب مع أهل الله بمعزل، فكان كثيراً ما يسيء فقراء الطرق السائرة وبالخاصّة الأحمديّة(٢) فعاتبه بالواسطة سيّدنا السيّد سراج الدّين ونصحه فأغلظ الجواب فكتب له السيّد السرّاج كتاباً وأرسله مع جماعة من أهل هيت كتب فيه مصرّحاً بغوثيّة عصره ما هو بحروفه:

____________________

١ - شذرات الذهب ج ٧.

٢ - أراد بها الرفاعية أتباع السيد أحمد الرفاعي.

١٨٧

لِلَّه في هذا الورى خاتمٌ

تجري المقادير على نقشه

في نوعه من سرِّه حالةٌ

تستنزل الجبّار عن عرشه

يفيض من فيض إله الورى

وبطشه يظهر من بطشه

وإن طغا بالكبش لحم الكلا

يدخل رأس الكبش في كرشه

فلمّا وصله الكتاب ضحك وقرأه لأصحابه علناً فلمّا قرأ البيت الأخير وأتمّه سقط في الحال ميّتاً.

قال الأميني: كلامٌ شعريٌّ حسن، والشّعراء يتّبعهم الغاوُن، ألم تر أنّهم في كلِّ وادٍ يهيمون؟ انّهم يقولون ما لا يفعلون، كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلّا كذبا.

_ ٩٠ _

تطور أبى على ليلا ونهاراً

قال المناوي في طبقاته في ترجمة أبي علي حسين الصّوفي المتوفّى ٨٦١: كان كثير التطوُّر يدخل عليه إنسانٌ فيجده سبعاً، ثمَّ يدخل عليه آخر فيجده جنديّاً، ثمَّ يدخل عليه آخر فيجده فلاّحاً، أو فيلاً وهكذا. وقال آخرون: كان التطوّر دأبه ليلاً ونهاراً حتّى في صورة السّباع والبهائم، ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقتلوه فقطّعوه بالسّيوف ليلاً، ورموه على كوم بعيد، فأصبحوا فوجدوه قائماً يصلّي بزاويته، ومكث بخلوة في غيطٍ خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب. شذرات الذَّهب ٧: ٢٥٠.

قال الأميني: من لي بمعتوهٍ يصدَّق هذه الأفائك؟ متى سمعت بإنسان يتطوَّر بصور الكواسر والبهائم كالشياطين التي تتشكّل بأشكال مختلفة حتّى الكلب والخنزير؟ أو رجل حيَّ بعد ما قطّع بالسّيوف إرباً إربا؟ أو بشرٍ عاش على الطويّ أربعين عاماً؟ هذه هي الحقيقة الراهنة لكن علماء الاُمّة قالوا قولاً في أوليائها ولا سبيل إلى ردِّه، لأنّه قول عالم في وليّ.

_ ٩١ _

السيوطي رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة

قال ابن العماد في شذرات الذهب ٨: ٥٤: ذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي في

١٨٨

كتاب ترجمته: أنَّ جلال الدين السُّيوطي كان يقول رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظةً فقال لي: يا شيخ الحديث! فقلت له: يا رسول الله! أمن أهل الجنّة أنا؟ قال: نعم. فقلت: من غير عذاب يسبق؟ فقال: لك ذلك.

وقال الشّيخ عبد القادر: قلت له: كم رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة؟ فقال: بضعاً وسبعين مرَّة.

قال الأميني: لا يحلّ هذه المشكلة إلّا راءٍ آخر لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة كما رآه السيّوطي فيسأله عن هذه الدّعوى، فيخبره انَّ السيوطي كذب عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضعاً وسبعين كذبة. أو يُوافي رجلاً من المتنعّمين في الجنّة فيسأل عن مبوَّء السُّيوطي منها فيقول: أنا قطّ ما رأيته. وأمّا إذ لم يتأتّيا فإنّا نحيل الحكم في هذه القصَة إلى العقل السّليم لا إلى الغلاة في الفضائل، هذه رؤية القوم النبيّ يقظة، وأمّا رؤيتهم في المنام فتربو على المئات، قال ابو عبد الله بن خفيف: سألت أبا جعفر الكتاني كم مرّة رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام؟ فقال: كثيراً. فقلت: يكون الف مرّة؟ فقال: لا. فقلت: فتسعمائة؟ فقال لا. قلت: فثمانمائة مرَّة؟ فقال: لا؟ قلت: فسبعمائة؟ مرَّة؟ فقال: بيده هكذا أي قريباً منه.[ حلية الأولياء ١٠: ٣٤٣ ].

وجمع محمّد بن محمّد الزّواوي البجائي مناماته في جزء وفيها أزيد من مائتي رؤيا رأى فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيها عجائب وغرائب [ نيل الابتهاج ص ٣٢٢ ] وإن تعجب فعجبٌ ما جاء به الزّواوي في مناقب مالك ص ١٧ قال قال المثنى بن سعيد القصيري: سمعت مالكاً يقول: ما بتُّ ليلة إلّا رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

_ ٩٢ _

السيوطي وطيّ الارض

ذكر محمّد بن علي الحبّاك خادم الشّيخ جلال الدّين السّيوطي المتوفّى ٩١١: إنَّ الشيخ قال له يوماً وقت القيلولة: وهو عند زاوية الشّيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة: أتريد أن تصلّي العصر بمكّة بشرط أن تكتم ذلك عليَّ حتّى أموت؟ قال: فقلت: نعم. قال: فأخذ بيدي وقال: غمّض عينيك فغمضها فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثمَّ قال لي: افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلّاة فزرنا اُمّنا خديجة، والفضل

١٨٩

بن عياض، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام حتّى صلّينا العصر، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثمَّ قال لي: يا فلان! ليس العجب من طيِّ الأرض لنا، وإنَّما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثمَّ قال لي: إن شئت تمضي معي، وإن شئت تقيم حتّى يأتي الحاجّ؟ قال: فقلت: أذهب مع سيّدي، فمشينا إلى باب المعلّاة وقال لي: غمّض عينيك فغمضتها فهرول بي سبع خطوات ثمَّ قال لي: افتح: عينيك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيّدي عمر بن الفارض.

أسلفنا هذه القصّة وجملة من لِداتها في الجزء الخامس ص ١٧ - ٢١ وفصّلنا القول هنالك تفصيلاً.

_ ٩٣ _

أبو بكر باعلوى يحيى الميت

لمـّا رجع أبو بكر بن عبد الله باعلوي المتوفّى ٩١٤ من الحجِّ دخل زيلع وكان الحاكم بها يومئذ محمّد بن عتيق فاتّفق انّه ماتت امّ ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفاً بها فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه السيّد - باعلوي - لمـّا بلغه عنه من شدَّة الجزع ليعزِّيه ويأمره بالصّبر وهي مسجّاة بين يديه بثوب فعزّاه وصبّره فلم يفد فيه ذلك، وأكبّ على قدمي الشيّخ يقبّلهما وقال: لا سيّدي! إن لم يحي الله هذه متُّ أنا ايضاً، ولم يبق لي عقيدةٌ في أحد، فكشف السيّد عن وجهها وناداها باسمها فأجابته: لبّيك وردّ الله روحها، وخرج الحاضرون ولم يخرج السيّد حتّى أكلت مع سيّدها الهريسة وعاشت مدَّة طويلة.

شذرات الذّهب ٨: ٦٣، النّور السّافر ص ٨٤.

قال الأمينيّ: فليذهب مسيح بن مريم بخاصّته من إحياء الموتى باذن الله حيث شاء، فقد جاء باعلوي ونظراءه امّة كبيرة يشاركونه في المعجز، نعم: الفاصل بين المسيح وهؤلاء أربعة أصابع(١) وإنّا وإن لم نر معجز المسيحعليه‌السلام لكن أخذنا خبره ممّا هو

____________________

١ - اشارة إلى الحديث المعروف المروى عن مولانا أمير المؤمنين عليه ‌السلام : بين الحق و الباطل اربعة أصابع. الفاصلة بين العين والاذن.

١٩٠

أثبت من الرؤية ألا وهو القرآن الكريم، على حين انّه معتضدٌ بالإعتبار والبرهنة الصّادقة من لزوم نوع المعجز لمثل المسيح من الأنبياء والحجج من الّذين عصمهم الله من كلّ هوىً سائد وطهّرهم تطهيرا.

ونحن إلى الغاية لم نعرف سرّ إحياء السيّد باعلوي امّ ولد الحاكم، هل كان للتحفّظ على حياة الرَّجل وقد قال: إن لم يحي الله هذه متُّ أنا إيضاً؟. والرّائد لا يكذب. وكان المجتمع في حاجة ماسّة إلى حياته، أو كان لابقاءه في عقيدته. وكان في نزوعه عنها خسارة اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ أو كان لكلا الأمرين مزدوجاً؟ وهل يعمّان هما كلّ من يدّعيهما في موت مَن يحبّه؟ أو يخصّان بالحاكم؟ أو يقصران على مَن شاء السيِّد باعلوي إحياءه؟ مشكلات لا تنحلّ.

_ ٩٤ _

ابو بكر باعلوى ينجى المستغيث

ذكر شمس الدّين العيدروسي في ( النّور السّافر ) ص ٨٤ عن الأمير مرجان انَّه قال: كنت في نفر من أصحاب لي في محطّة صنعاء الاولى فحمل علينا العدوّ فتفرَّق عنّي أصحابي وسقط بي فرسي لكثرة ما أثخن من الجراحات فدار بي العدوُّ حينئذ من كلِّ جانب فهتفت بالصّالحين، ثمَّ ذكرت الشَّيخ أبا بكر رضي الله عنه، وهتفت به فإذا هو قائمٌ، فوالله العظيم لقد رأيته نهاراً، وعاينته جهاراً، أخذ بناصيتي وناصية فرسي، وشالني من بينهم حتّى أوصلني المحطّة، فحينئذ مات الفرس ونجوت أنا ببركته رضي الله عنه ونفع به.

_ ٩٥ _

السروى يطير ويرسم للفأر

قال ابن العماد في شذرات الذّهب ٨: ١٨٧: توفّي شمس الدّين محمّد السّروي الشهير بابن الحمائل سنة ٩٣٢، وكان كثير الطّيران من بلد لآخر، وكان يغلب عليه الحال ليلاً، فيتكلّم بألسنة غير عربيّة من عجم وهند ونوبة وغيرها. إلى أن قال:

ومن كراماته: انّه شكى له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطّيخ فقال لرجل: ناد في الغيط: رسم لكم محمّد بن أبي الحمائل أن ترحلوا، فلم يبق فيها فأر، فسأله أهل

١٩١

بلد آخر في ذلك فقال: الأصل الإذن ولم يفعل.

قال الأميني: تصكُّ الآذان مكرمة الطّيران من بلد إلى آخر، ولم تجدها في الاُمم السّالفة حتّى في معاجز الأنبياء، مرحباً بامّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوجد فيها من يطير بلا جناح موهوب لجعفر بن أبي طالب عليهما السّلام الذي يطير به في الجنّة، أو يتجوَّل به في ذلك العالم اللّطيف، ولا بدع إذ الاُمَّة للرقيّ والتقدّم، ويوم جعفر غير يوم أبي الحمائل، واكتشافات القرن العشرين غير القرون الاولى وعصور الاُمم الغابرة.

ومن غلبة الحال على أهل الحال ليلاً يتأتّى التوسّع في اللّغات، ويمكن للرّجل التكلّم بأيِّ لغة، إذا اللّيل له شأنٌ من الشأن، ولغاتها غير لغات النّهار، وهناك جزرٌ ومدٌّ، ولفُّ ونشرٌ على قسميه: مرتَّباً ومشوَّشاً، نعوذ بالله من هذيان اللّيل، وسفه النّهار.

ولو كان في تلك البلدة لفيفٌ من الهرّ لاحتمل تصديق هجرة الفئران، ولأغنوا النّاس عن معجزة السّروي، لكن كفيت الهررة القتال بابن الحمائل، فمرحباً به وبرسمه.

_ ٩٦ _

ذويب يمشى على الماء

قال في شذرات الذّهب ٨ ص ٢٦٩: توفّي الشيخ علي ذويب سنة ٩٤٧ وكان يمشي كثيراً على الماء فإذا أبصره أحد اختفى، وكان يُرى كلّ سنة بعرفة ويختفي من النّاس إذا عرفوه.

_ ٩٧ _

فتح الحجرة الشريفة للعبادى

كان سراج الدّين عمر العباديّ المصريّ الشافعي الإمام صاحب شرح قواعد الزركشي في مجلدين المتوفّى سنة ٩٤٧ لمـّا حجَّ وزار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتحت له الحجرة الشّريفة والنّاس نيامٌ من غير فاتح فدخلها وزار ثمَّ خرج فعادت الأقفال كما كانت رحمه الله تعالى(١) .

____________________

١ - شذرات الذهب ٨: ٢٦٩.

١٩٢

_ ٩٨ _

زيادة النيل بأمر الصدّيقى

توفّي الشيخ محمّد بن أبي الحسن محمّد - حفيد أبي بكر الصّديق البكري الصدِّيقي الشافعيّ المصريّ سنة ٩٩٣، ومؤلّفاته تنيف على أربعمائة تأليف، ومن كراماته انَّه لمـّا نقص بحر النيل في بعض السّنين قال لعبده الحبشيّ مندل: انزل يا مندل! قل للبحر يقول لك الشيخ ابو الحسن البكري: زد. أو نحو هذه العبارة، فقال العبد كما أمره، فما مضت ساعة يسيرة إلّا وقد ظهر فيه زيادةٌ كثيرةٌ(١) .

مرّت لِدة هذه الكرامة في بحر النّيل للخليفة الثّاني عمر بن الخطاب، راجع الجزء السّابع ص ٨٣، ٨٤ ط ١.

_ ٩٩ _

كرامات وخوارق

قال صاحب ( النّور السّافر ) ص ٣١٣: كان الشَّيخ علوي بن الشّيخ محمّد بن علي من آيات الله الكبرى وهو من أمثال الشّيخ، ومن مناقبه: انَّه كان يعرف الشقيَّ من السَّعيد، ويُحيي ويُميت بإذن الله تعالى، ويقول للشيء: كن، فيكون بإذن الله. إلى غير ذلك من الكرامات العظيمة والخوارق العجيبة التي لا يشاركه فيها غيره.

_ ١٠٠ _

عجائب وغرائب

قال العيدروسي في ( النّور السّافر ) ص ٨٥: اعلم أنَّ كرامات الأولياء حقٌّ. والدَّليل على وقوعها موجودٌ من المنقول والمعقول. أمَّا المنقول فهو ما ثبت في القرآن العزيز فصحَّ عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قصَّة مريم وجريح وغيرهم الّذين ليسوا أنبياء ووقعت على أيديهم.

وما روي عن الصدِّيق رضي الله عنه وكان أخبر عند موته أمرأته تلد بنتاً، وكانت إذا ذاك حاملاً.

وعن الفاروق رضي الله عنه في قصَّة سارية المشهورة.

____________________

١ - النور السافر ص ٤٢٩.

١٩٣

وعن ذي النّورين رضي الله عنه في الرَّجل الّذي دخل عليه وقد نظر إلى امرأة اجنبيّة فكاشفه بذلك.

وعن المرتضى رضي الله عنه في الأسود الذي قطع يده ثمَّ ردَّها مكانها فعادت كما كانت.

وأمّا ما نقل من ذلك عن أولياء الله تعالى فكثيرٌ جداً، من ذلك ما وقع لبعض الأولياء وهو على جبل فقال: إنَّ من أولياء الله مَن إذا قال لهذا الجبل: تحرّك، لتحرَّك. فتحرَّك الجبل من قوله، فقال له: اسكن إنمّا ضربت بك مثلاً.

وكما قال ذو النّون المصريّ للسّرير: طف بالبيت. فطاف ثمّ عاد إلى مكانه و كان هناك شابٌّ فصاح الشّابُّ حتّى مات.الكلام.

هذه مائة كرامة أو اُسطورة أو اُكذوبة أو قصص خرافة إلى مئات لِداتها من الخوارق والقصص المبثوتة في حلية الأولياء لأبي نعيم، وتاريخ بغداد للخطيب، و صفة الصّفوة لابن الجوزي، والمنتظم له، ومناقب أحمد بن حنبل له، وتاريخ الشّام لابن عساكر، وتاريخ إبن خلكان، والبداية والنهاية لابن كثير، وطبقات الشافعيّة للسّبكي، ومناقب أبي حنيفة للخوارزمي، ومناقب أبي حنيفة للكردري، وشذرات الذّهب، ومرآة الجنان، وروض الرّياحين، والكواكب الدريّة، والرّوض الفائق، والطبقات الكبرى للشّعراني، وتنبيه المغترّين له، والفتح الرّباني والفيض الرَّحماني، وأنيس الجليس للسيّوطي، وشرح الصّدور له، ولطائف المنن والأخلاق، وبهجة الأسرار للشيخ نور الدّين الشافعي، وقلائد الجواهر للشيخ محمّد الحنبلي، ومشارق الأنوار، والنور السّافر، وتفريح الخاطر، وعمدة التحقيق. إلى تآليف كثيرة من كتب التّاريخ ومعاجم التراجم المشحونة بالمخاريق والطامّات.

١٩٤

خاتمة البحث

فذلكة المقام والقول الحاسم بعد هذه الأبحاث المطنبة المفصَّلة في غضون الجزء السّادس وهلمَّ جرّا إلى هذه الصحيفة، في ذكريات الخلفاء الثلاثة، ومن بعدهم رابعهم: معاوية بن أبي سفيان، ومَن اقتصَّ أثرهم من الصّحابة ومَن بعدهم من الّذين سمّوهم بالأولياء والأئمَّة والعلماء، من شتّىِّ نواحيها، انَّ الغاية الوحيدة هو تعريف الملأ الدينيِّ بالغلاة في الفضائل، ومَن ذا الّذي يحقُّ له هذا الاسم ( الغالي )؟ هل هو في اولئك الّذين تمسّكوا بحجزة أهل بيت الوحي الرّافلين في حلل الفضائل والفواضل، الممدوحين بلسان الوحي، ومنطق الذّكر الحكيم، ونصوص نبيِّ الإسلام عند فرق المسلمين جمعاء، ولقد طأطأت لهم المفارق، وخضعت لهم الرّقاب، ولم يبقوا في مستوى المآثر و المفاخر مرتقى إلّا وتسنّموه، ولا مبوَّأ كرامة إلّا وحلّوا فيه؟!

أوَ هل تجد الغالي في هؤلاء الّذين ذكرناهم أم في المقتصّين أثر قوم ليس لهم نصيبٌ من الفضل إلّا أحاديث مفتعلة، وفخفخات كاذبة، وتمحّلات باردة، وأساطير مسطّرة، ولهم تاريخ حشوه المخازي تمضي معه الهفوات أينما سلك؟!.

ومن هوان الدّهر انَّ المربي بهؤلاء عن حدودهم، والمثبت لهم ما لا يثبته لهم العقل والمنطق، وما هو خارجٌ عن طورهم، ومبائنٌ لنفسيّاتهم لا يُعدُّ غالياً، ولكنّما الغلاة هم المتحيّزون إلى فئة الوحي، واُسرة النبوَّة، ومنبسق أنوار الهدى، الّذين لا يطيش سهمك في أيِّ مأثرة من مآثرهم؟ ولا يخفق ظنّك في أيٍّ من تقدّمهم ورُقيّهم ونبوغهم، وهم المخوَّلون من المولى سبحانه بأكثر من ذلك النّزر اليسير الّذي ذكرته لهم الرُّواة، ولهجت به أئمَّة الحديث، وحفّاظ الأثر في المستفيض والمتواتر من الصّحاح والمسانيد.

وإنَّما عقدنا هذه الأبحاث الضّافية لتنوير البصائر وتنبيه الأفكار، حتّى يميّز القارئ الغالي من القالي، وما دعمته البرهنة الصّحيحة الصّادقة، ممّا أثبتته التّافهات، ونسجته يد الإفتعال والإختلاق. ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بيّنة، أتجادلونني في أسماء سمّيتموها أنتم وآبائكم، ما نزَّل الله بها من سلطان، فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين.

١٩٥

فهرست شعراء الغدير في هذا الجزء

ضياء الدين الهادي الوفاة ٨٢٢

المولى محمد طاهر القمي الوفاة ١٠٩٨

الحسن آل أبي عبدالكريم

القاضي جمال الدين

الشيخ ابراهيم الكفعمي الوفاة ٩٠٥

أبو محمد ابن الشيخ صنعان

الشيخ حسين العاملي الوفاة ٩٨٤

الشيخ محمد الحرّ العاملي الوفاة ١١٠٤

ابن أبي شافين الوفاة بعد ١٠٠١

الشيخ احمد البلادي

زين الدين الحميدي الوفاة ١٠٠٥

شمس الادب اليمني الوفاة ١١١٩

الشيخ بهاء الدين العاملي الوفاة ١٠٣١

السيد علي خان المدني الوفاة ١١٢٠

الشيخ محمد الحرفوشي الوفاة ١٠٥٩

الشيخ عبدالرضا المقري الوفاة ح ١١٢٠

السيد ابن أبي الحسن الوفاة ١٠٦٨

الشيخ علم الهدى ابن الفيض

الشيخ حسين الكركي الوفاة ١٠٧٦

الشيخ علي العاملي

اشرف الدين اليمني الوفاة ١٠٧٩

المولى مسيحا الفسوى الوفاة ١١٢٧

السيد ابو علي اليمني الوفاة ١٠٧٩

الشيخ ابن بشارة الوفاة ١١٣٨

السيد ابو المعتوق الوفاة ١٠٨٧

الشيخ ابراهيم البلادي

السيد على خان المشعشعى الوفاة ١٠٨٨

الشيخ ابو محمد الشويكي الخطى

السيد ضياء الدين الوفاة ١٠٩٦

السيد حسين الرضوي الوفاة ١١٥٦

السيد بدر الدين اليمني المولود الوفاة ١٠٦٢

١٩٦

بقية الشعراء

في القرن التّاسع

_ ٧٥ _

ضياء الدين الهادي

المولود ٧٥٨

المتوفى ٨٢٢

الحمدِ لله باري الرّوح والنّسم

وخالق الخلق والمختصِّ بالِقدمِ

ثمَّ الصّلاة على أعلى الورى شرفاً

وأكرم النّاس من عُرب ومن عجمِ

محمّد المصطفى المختار من مضرٍ

وخاتم الرُّسل والمحمود في الشّيمِ

دع ما يقول النَّصارى في نبيِّهم

من الغلوِّ وقل ما شئت واحتكمِ

وبعدُ: فالعلم منجاةٌ لصاحبه

فاشدد بعروته كفَّيك واعتصمِ

وأفضل العلم عند العارفين به

علم الكلام لما فيه من الحِكمِ

علمٌ أناف على كلِّ العلوم له

فضل التّقدُّم فارغب فيه واغتنمِ

عليك بالنّظر الفكريِّ فهو طريـ

ـ ق العلم بالله فانظر ثمَّ واستقمِ

ومن هنا استرسل شاعرنا الهادي في مباحث علم الكلام، وأدلى ما عنده من الحجج في مسائل، وممّا أفاضه في باب الإمامة قوله:

هذا ومذهبنا انّ الإمام عقيب

المصطفى حيدر الأبطال والبهمِ

أعني عليّاً أمير المؤمنين ومَن

بالعطف خصَّ من الرَّحمان ذي القسمِ

ألله أنزل آيات مباركة

في فضله عدّها لي غير منتظمِ

وقال فيه رسول الله سيّدنا

يوم « الغدير » بخمّ يوم حجّهمِ

: من كنت مولاه أي أولى به فعليّ

أولى به وهو مولاهم بكلّهمِ

١٩٧

قام النبيُّ خطيباً في معسكره

بهذه الخطبة الغرّا لجمعهمِ

وشال ضبعاً كريماً من أبي حسن

في يوم حرّ شديد اللّفح مضطرمِ

كي لا يقال: بأنَّ النصّ مُكتتمٌ

ما كان إلّا صريحاً غير مُكتتمِ

فهو الخليفة بعد المصطفى وله

فضل التقدُّم لم يسجد إلى صنمِ

وكان سابقهم في كلِّ مكرمة

وكان في كلِّ حرب ثابت القدمِ

وكان أوَّل من صلّى لقبلتهم

وأعلم النّاس بالقرآن والحِكمِ

وكان أقربهم قربى وأفضلهم

رُغبى وأضربهم بالسّيف في القممِ

وكان أشرفهم همّاً وأرفعهم

في همِّه فهو عالي الهمِّ والهممِ

وكان أعبدهم ليلاً وأكثرهم

صوماً إذا الفاجر المسكين لم يصمِ

وكان أفصحهم قولاً وأبلغهم

نطقاً وأعدلهم حكماً لمحتكمِ

وكان أحسنهم وجهاً وأوسعهم

صدراً وأطهرهم كفّاً لمسلتمِ

وكان أغزرهم جوداً وأدونهم

مالاً فطال على الأطواد والاُدمِ

فكيف تقدمه من لا يُماثله

في العلم والحلم والأخلاق والشِّيمِ

وفي الشّجاعة والفضل العظيم وفي

التَّدبير والورع المشهور والكرمِ

( ما يتبع الشعر )

وقفنا على نسخة مخطوطة من هذه المنظومة في طهران عاصمة البلاد الفارسيَّة ومعقد لوائها الملكي، وهي تحتوي على سبعة ومأتين بيتاً نظم بها الخلاصة، للشّيخ حسن الرّصاص، كتبت في ٢٥ صفر عام ألف وإثنين وستّين، وعليها خطُّ العلّامة السيِّد محمّد بن اسماعيل اليمانيّ الصنعانيّ الحسينيّ المتوفّى ١١٨٢، وهو أحد شعراء الغدير يأتي ذكره إنشاء الله تعالى.

١٩٨

( الشاعر )

السيِّد جمال ضياء الدّين الهادي بن إبراهيم بن عليّ المتوفّى ٧٨٤، ابن المرتضى المتوفّى ٧٨٥، ابن الهادي بن يحيى بن الحسين بن القسم بن إبراهيم بن اسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب(١) اليمنيّ الصنعانيّ الزيديّ.

أحد رجالات اليمن وأعلامها المتضلّعين من فنون العلم والأدب، ترجمه صاحب(٢) « مطلع البدور » قال: قال العلّامة إبن الوزير في تاريخهم: إنّه لم تسمح بمثله الأعصار في أولاد الإمام الهادي، كان جامع شتات العلوم، وشاطرها في المنثور والمنظوم، ولد في « شظب » ولمـّا قرأ القرآن أخذه والده مع ابن عمّه محمّد بن أحمد المرتضى إلى « صعدة » وكان يحملهما قليلاً متى تعيا من السّير لصغرهما حتّى وصلوا « صعدة » فقرء مدَّة في أنواع العلوم العربيّة وغيرها على عمّيه: المرتضى بن علي وأحمد بن علي، وقرأ التّفسير على الشيخ العلّامة ترجمان أهل عصره إسماعيل بن إبراهيم بن عطيّة البحراني، وعلوم الأدب على الفقيه العلّامة محمّد بن علي بن ناجي العالم المشهور، قرأ عليه ديوان المتنبّي وغيره. والاصولين، والفروع على القاضي العلّامة ملك العلماء عبد الله بن الحسن الدّواري، وعلى عمِّه المرتضى بن علي الّذي كان إماماً في علم الكلام، وكذا على عمّه أحمد بن علي، وحصلت له إجازاتٌ وطرقٌ سماعيّة، منها: سماعه لجامع الاُصول بمكّة المشرّفة على قاضي الحرم محمّد بن عبد الله بن ظهيرة القرشي المخزومي في سنة حجِّه، ولد رسائل ومسائل وأشعار ومنظومات لا تحصى، حتّى قال شيخه الفقيه محمّد بن عليّ بن ناجي: إنَّه المراد بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون رجلٌ من ولد الحسن ينفث بالشّعر كما ينفث الأفعى بالسمّ.

ومن تصانيفه: كفاية القانع في معرفة الصّانع، نظم الخلاصة(٣) شرحها، الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين، التفصيل في التفضيل، الردّ على ابن

____________________

١ - كذا سرد نسبه شمس الدين السخاوى فى [ الضوء اللامع ] ٦ ص ٢٧٢ فى ترجمة أخيه محمد.

٢ - أحمد بن صالح بن محمد بن أبي الرحال اليمنى المتوفى بصنعاء سنة ١٠٩٢.

٣ - تأليف العلامة الشيخ حسن الرصاص.

١٩٩

العربي، هداية الرّاغبين إلى مذهب أهل البيت الطّاهرين، الردّ على الفقيه عليّ بن سليمان في العارضة والناقضة، وكلّها موجودةٌ ومن أحسنها: كاشفة الغمَّة عن حسن سيرة إمام الاُمَّة، وكريمة العناصر في الذبِّ عن سيرة الإمام النّاصر، والسّيوف المرهفات على من ألحد في الصِّفات، ونهاية التنويه في إزهاق التمويه في الردّ على نشوان، ومن شعره قصيدته « المنسك » أوَّلها:

بعث الهوى شوقي إلى اُمِّ القرى

وله مراجعات ومراسلات ومشاعرات بينه وبين علماء اليمن الأسفل كاسماعيل المقري، والنظاري، وابن الخيّاط، الّذي استجاز منه، وبين أهل تهامة مثل بني الناشري، والنفيس العلويِّ الحنفيِّ المذهب، العتكيِّ النسب، بين علماء المخاليف والحواز مثل الفقيه محمّد بن الحسن بن سود العابد المشهور أحد الواصلين في علم الطّريقة وغيرهم، وكان منتشر الذِّكر عند جميع الأكابر في جميع البلاد حتّى في مصر مع غلظة أهلها، وقد ذكره وذكر أخاه محمّد الحافظ العلّامة ابن حجر العسقلاني المصريُّ في تاريخه وأثنى عليهما.

توفّي بذمار تاسع عشر ذيحجّة سنة ٨٢٢ ومولده يوم الجمعة السّابع والعشرين من المحرّم سنة ٧٥٨ وموته كان عظيماً على أهل البيت حيث منعوا بعده عمّا كان معتاد أهل الأموال في المدائن والأمصار، ورثاه عدَّةٌ من النّاس وأحسن مراثيه ما رثاه الفقيه الأديب عبد الله بن عتيق المعروف بالمزاح المروعي. انتهى ما في [ مطلع البدور ] ملخّصاً.

وذكره شمس الدّين السخاوي في [ الضوء اللّامع ] ج ١٠ ص ٢٠٦ وقال: ذكره شيخنا في أنبائه فقال: عُني بالأدب ففاق فيه، ومدح المنصور صاحب صنعاء، مات يوم عرفة سنة اثنتين وعشرين، وذكره ابن فهد في معجمه فقال: إنّه حدثٌ سمع منه الفضلاء قال: وله مؤلّفات منها: الطرازين المعلمين في فضائل الحرمين، والقصيدة البديعيّة في الكعبة اليمنيّة الثمينة أوّلها:

سرى طيف ليلي فابتهجتُ به وجدا

وتوَّح قلبي من لطائفه مجدا(١)

____________________

١ - مرّ ذكر بديعيته فى الجزء السادس ص ٤٥ ط ٢ عن ايضاح المكنون.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303