أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي25%

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
تصنيف: كتب
الصفحات: 303

الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96771 / تحميل: 9192
الحجم الحجم الحجم
أصول الفلسفة والمنهج الواقعي

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

من هنا ينبغي أن نستنتج أنَّ تحقّق العدم في الخارج أمر نسبي، أي جراء نسبة وجود متحقّق في ظرف معيّن إلى ظرف آخر يتحقّق العدم. مثلاً لا يمكننا القول: " إنَّ (س) الموجود بالأمس غير موجود أمس "، ولكن يمكننا القول: " إنَّ (س) الموجود بالأمس غير موجود غداً " أو " إنّ (س) الموجود في هذه الغرفة غير موجود في الغرفة الأخرى ".

عالم الذهن، وليس أي منهما جزءاً أو عيناً للآخر، متّحدين في عالم الخارج، وأحدهما عين الآخر ؟

وفي الإجابة على هذا الاستفهام طرح بحث انتزاعية الوجود، وأنَّ الوجود من المعقولات الثانية، وطرحت الأدلّة على أنَّ الوجود مفهوم انتزاعي، وأنَّ المفاهيم الانتزاعية ليس لها ما بإزاء خارجي غير منشأ انتزاعها، وفي هذه المرحلة طرحت قضية انتزاعية الوجود واعتباريته. لقد أقام شيخ الإشراق في حكمة الإشراق أدلة كثيرة على أنَّ الوجود مفهوم اعتباري وانتزاعي. على أنَّ شيخ الإشراق ـ كما تقدّم ـ طرح هذا البحث تحت عنوان زيادة الوجود على الماهية في عالم الخارج، وليس تحت عنوان أصالة الوجود وأصالة الماهية. فالبحث في هذه المرحلة لا يزال دائراً حول أنَّ الوجود في عالم الخارج ليس أمراً مضافاً إلى الماهية ؛ لأنَّه أمر اعتباري.

وكان التصوّر السائد آنذاك هو أنَّ القول بعدم اعتبارية وانتزاعية الوجود يستلزم زيادة الوجود على الماهية في عالم الخارج، أي أنَّ هذه المسألة لم تطرح ولم تفهم آنذاك على أساس دوران الأمر بين أصالة الماهية وأصالة الوجود.

ثمّ اتخذ البحث في مرحلة لاحقة طابعاً أكثر دقّة، وهي مرحلة محمّد

٨١

إيضاح:

للعالِم الشهير لافوازييه فرضية تقول: " الموجود لا يعدم والمعدوم لا يوجد ". وهذه الفرضية تختلف مفهوماً عن النظرية التي تقدمت ؛ إذ أفاد لافوازييه فرضيته من الأبحاث المادية، وهو يمارس بحثه في العلوم

باقر الداماد المتوفّى عام ١٠٤٠ هـ.

طرحت الملازمة ـ في مرحلة الداماد ـ بشكل آخر: إذا كان الوجود أمراً حقيقياً وليس اعتبارياً لا يلزم منه زيادة الوجود على الماهية في الخارج، بل يلزم منه أن تكون الماهية أمراً ذهنياً اعتبارياً. وفي هذه المرحلة طرحت إشكالية أصالة الوجود أو الماهية بشكل فنّي، كما هو قائم اليوم. وتبنّى المحقّق الداماد ذاته نظريّته أصالة الماهية، ودافع عن أصالة الماهية في عالم التحقّق والجعل ـ كما يسمّيه ـ. ثمّ جاءت مرحلة تلميذه صدر المتألهين، فتبنّى في مطلع حياته الفكرية نظرية أُستاذه، لكنّه آمن في مرحلة لاحقةٍ بعدم إمكانية قبول نظرية أصالة الماهية. وانتهى إلى أنَّ أصالة الوجود هي النظرية التي يمكن الدفاع عنها وإقامة البراهين عليها، مضافاً إلى معالجة المشكلات الفلسفية الكبرى على أساسها.

أقام صدر المتألهين براهينَ كثيرة على نظرية أصالة الوجود. ثمّ أضحت هذه النظرية مسلّمة يقينية لا تقبل الشك، ولعبت دوراً كبيراً في تغيير مصير الفلسفة، بحكم ما لها من أهمية.

اتّضح ـ إذن ـ أنَّ بحث الاشتراك المعنوي للوجود هو البحث الوحيد الذي طرحه أرسطو في " ما بعد الطبيعة "، ثمّ طرح في القرن الثالث والرابع الهجري مقابل مذاهب المتكلّمين بحث (زيادة الوجود على الماهية )، ثمّ طرح

٨٢

المادية، والمادة موضوع هذه العلوم. ومن ثمّ اعتبر المادة مساوية للوجود. واتّجه لتفسير جميع الاختلافات الخارجية صوب تحليل وتجزئة الأجسام من الزاوية المادية، وبحكم الوحدة النوعية للمادة أشارت تحليلاته العلمية بالضرورة إلى وحدة المادة في جميع موارد الاختلاف. ومن هنا

بعد ذلك البحث حول أنَّ الوجود الذاتي ليس بماهية، أي ليس جزءاً للماهية ( وقد بحث هذا الموضوع ابن سينا ). ثمّ انصبت الأنظار على موضوع عينية ومغايرة الوجود للماهية في عالم الخارج ( وتستفاد هذه الظاهرة عبر كلمات ابن سينا أيضاً ). ثمّ طرح البحث في اعتبارية وانتزاعية الوجود، دون الإلتفات إلى الملازمة بين اعتبارية الوجود وأصالة الماهية، وبين اعتبارية الماهية وأصالة الوجود ( كما يستفاد ذلك من بحوث شيخ الإشراق ). ثمّ طرح بشكلٍ فنّي في مرحلة المحقق الداماد البحث عن أصالة الوجود وأصالة الماهية، وأضحت نظرية أصالة الوجود نظرية يقينية مسلمة بواسطة صدر المتألهين.

لقد اندهش صدر المتألهين اندهاشاً شديداً ممّا طرحه شيخ الإشراق، فهو يذهب إلى أصالة الماهية واعتبارية الوجود من جهة، ومن جهة أُخرى يطرح أفكاراً تحت عنوان "النور " لا علاقة لها مع أصالة الماهية، ولا تنسجم معها. بل ما طرحه حول حقيقة النور من أفكار هي عين ما يمكن لفيلسوف مؤمنٍ بأصالة الوجود أن يطرحه بشأن حقيقة الوجود.

لكنّ الإنصاف هو: أنّ قراءة التحوّلات التي طرأت على البحث في مسائل الوجود، وكيفية تكاملها، يرفع بشكل طبيعي هذه الدهشة والتعجّب، إذ المفهوم الذي قصده شيخ الإشراق من انتزاعية الوجود يختلف عمّا يقصد من

٨٣

أرجع جميع الاختلافات إلى اختلاف تركيبات المادة، فوجد نوعاً واحداً في جميع الموارد " وحدة المادة "، وعلى هذا الأساس أقام فرضيته، إذن ؛ فمفهوم فرضيته سيكون: كلّ مادة أتت بصورة معينة بحكم تركيب خاص سوف تبقى بعد انحلال التركيب.

فإذا قلنا: هذه شجرة الصفصاف الموجودة اليوم لا تعدم. سوف يكون مفهوم هذه المقولة ـ في ضوء فرضية لافوازييه ـ ما يلي: إنَّ مادة معينة

أصالة الماهية، كما أنَّ الأفكار التي طرحها شيخ الإشراق، تبعاً لأسلافه، بشأن حقيقة النور تختلف عما يقصده الفيلسوف المؤمن بأصالة الوجود، وأنَّ الماهيات اعتبارات ذهنية.

على كلٍّ حالٍ فمن المسلّم أنَّ مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية، بالشكل القائم اليوم لم تكن مطروحة لدى الحكماء المتقدّمين. فلو أغمضنا النظر عمّا ينسبه المتأخّرون، وحملناه على عدم الالتفات إلى تاريخ تطوّر المعرفة، وراجعنا بأنفسنا متون كتب الحكماء، وقارنا بين دراساتهم عبر مراحلها المختلفة فسوف تّتضح الحقيقة المتقدّمة بجلاء.

ينسب متأخّرو الحكماء بشكلٍ قطعي نظرية أصالة الوجود إلى المشّائين ؛ ولو كان المشاءون قائلين منذ القدم بمثل هذه النظرية فكان على ابن سينا الملقّب برئيس المشّائين أن يصرّح بهذه النظرية، أو ينقلها على الأقل، بينا ينسب كلّ باحثٍ لابن سينا نظريةً في هذا المجال. يقول صاحب المواقف في مسألة زيادة الوجود على الماهية، حيث يطرح فكرة انتزاعية الوجود: " فصرّح ابن سينا في الشفاء أنَّه من المعقولات الثانية، فليس له ما بإزاء في الخارج إلاّ منشأ انتزاعه وهي الماهيات، وهي معقولات أولية ".

٨٤

في ظل شروط معينة اتخذت صورة شجرة الصفصاف، إذن ؛ فبعد انحلال تركيب الشجرة تبقى المادة ولا تعدم. لكن الفيلسوف يفهم هذا المثال كالتالي: " إنّ شجرة الصفصاف بوجودها في ظل شروط معينة احتلت موقعاً من الزمان ( اليوم )، وبعدم الشروط سوف لا تحتل هذا الموقع ".

وهناك نظرية علمية أُخرى تكمل هذه الفرضية، حيث تقرر: " كلّ حادثة تقع في عالم الوجود لا تفنى إطلاقا ". وفي ضوء البيان المتقدّم يصبح مفهوم هذه النظرية هو: حيث إنَّ لكلّ فعل ردّ فعل، ورد الفعل ذاته

ويقول في بحث بداهة الوجود: " والحقّ عند الحكماء اتّصاف الوجود ونقيضه بالعدم وأنّه من المعقولات الثانية، التي لا وجود لها في الخارج، وما لا وجود له فهو معدوم، إذ لا واسطة ".

ولو كان المشاءون قائلين بأصالة الوجود، وقد طرحوا نظريّتهم بشكلٍ فنّي، فلا يمكن أن يستنبط صاحب المواقف أنَّ جميع الحكماء يذهبون إلى انتزاعية الوجود، بل صدر المتألهين نفسه يقول في الأسفار:

" وإني قد كنت شديد الذبّ في اعتبارية الوجود وتأصّل الماهيات حتى أنّ هداني ربّي وانكشف لي انكشافاً بيناً أنّ الأمر بعكس ذلك، وهو أنَّ الوجودات هي الحقائق المتأصّلة الواقعة في العين "

وقد تابع صدر المتألهين بعد ذهابه إلى نظرية أصالة الوجود منهجه السابق في الدفاع بشدّة عن القدماء. وذهب إلى أنّهم جميعاً مؤمنون بأصالة الوجود، ويستشهد ببعض كلماتهم التي يشمّ منها القول بأصالة الوجود. وهذا بذاته دليل واضح على ما قلناه ؛ إذ لو كانت مسألة أصالة الوجود نظير بعض المسائل الأُخرى، التي طرحت لدى القدماء لم يتمكّن صدر المتألهين، وهو

٨٥

فعل، وله رد فعل آخر، وهكذا... فعبر التحويل العكسي يمكن الوصول إلى الحادثة الأولى، أي الحادثة المشابه للحادثة المنصرمة ( لا عينها )، وإلاّ فالشروط الزمانية والمكانية لكلّ حادثة يجب أن تلغى، وفي هذه الحالة يلغى ناموس العلية، وينتهي نظام الخارج والذهن. هذا هو الإيضاح الذي يمكن للفلسفة أن تطرحه فحسب.

يبنى نظريتين متضادتين، من العثور في زمانيين على نظريّتين متضادتين، وينسبهما إلى الحكماء.

على أيّ حال فمن المقطوع به أنَّ مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية، ومسألة الوحدة والكثرة، لم تطرحا كمسألتين واضحتين في حدودهما ومقدّماتهما ونتائجهما لدى القدماء. إنَّما هناك بعض عبارات الحكماء، التي يمكن وضع اليد عليها، ككلمات ابن سينا ونصير الدين الطوسي توحي بفكرة أصالة الوجود. لكن ملاحظة سائر نظريّاتهم في المسائل الأُخرى توضح بجلاء أنَّ هؤلاء لم يلتفتوا لجميع المقدّمات والنتائج المترتبة على القول بأصالة الوجود واعتبارية الماهية.

تنبغي الإشارة هنا إلى أنَّ العرفاء على طول تاريخ البحث في الوجود سلكوا طريقاً آخر في بحثهم عن الوجود. فالعرفاء لا ينظرون إلى الوجود كمفهوم اعتباري انتزاعي، بل الوجود هو الحقيقة الوحيدة لديهم. على أنَّ كلام العرفاء يقوم على أُسسٍ أُخرى تنطلق من الكشف والشهود، أي أنَّ العرفاء لم يكن لديهم بحث عقلي تحت عنوان أصالة الوجود أو الماهية، بل كانت لهم كلمات تنسجم مع نظرية أصالة الوجود. إنّما استلهم صدر الدين الشيرازي ( الذاهب إلى نظرية أصالة الوجود، والذي أقام عليها البراهين

٨٦

ولكن اذا كان هناك من يقول إنَّ مادة أي مركب من المادة والصورة تبقى حتى بعد انحلال المركب، وإنّ كل حادثة حصلت تحت ظل شروط مكانية وزمانية معينة تبقى موجودة حتى بعد تغير الشروط، فمثل هذا الشخص عليه أن يقرَّ بأنّ كلّ شيء هو كلّ شيء، وليس للفلسفة كلام مع هذا الطراز من المفكرين، بل تعده أوطأ من السوفسطائي الحقيقي، إذ السوفسطائي يميز بين الأفكار على الأقل، بينا لا يتمتّع هذا الشخص حتى بهذه الصفة. فإذا طلب مثل هذا الشخص ماءً فجوابه ركوب الفرس، وإذا طلب خبزاً فجوابه الهرولة ؛ لأنَّ كل شيء مساوٍ لكل شيء.

الفلسفية والعقلية ) نظريات العرفاء ؛ فهو الذي عثر على أساس عقلي وفلسفي لنظرية العرفاء. كما أسس أُسساً عقلية وفلسفية في كثيرٍ من المواضيعِ تؤيد نظريّات العرفاء.

من هنا فلا يمكن اعتبار صدر المتألهين مبتكر نظرية أصالة الوجود، إنّما هو الشخص الأَوّل الذي أعطى لهذه النظرية طابعاً يقينياً فلسفياً، وعثر على مبادئها، وأفاد من نتائجها في حدود كبيرة.

اتّضح في ضوء مجموع ما تقدّم: أنَّ مسائل الوجود، وخصوصاً المسألتين الأساسيتين " مسألة أصالة الوجود، وتشكيك الوجود " تتكئ على نظرية العرفاء من جهة، ومن جهة أُخرى تتكئ على مقارعة نظريات المتكلّمين، أكثر من اعتمادها على نظريات الفلسفة اليونانية القديمة.

انتهينا حتى الآن من قراءة تأريخية مختصرة لتطوّر أبحاث الوجود. وإذا أردنا لهذه القراءة أن تكون دقيقة وموثقة بأقوال الفلاسفة على مرّ العصور فسوف يكون البحث طويلاً جداً. وأنا عازم على إنجاز دراسة تحت

٨٧

رابعاً ـ في ضوء النتيجة الثالثة يصبح مطلق واقع الوجود ـ على أي فرض ـ لا يقبل العدم، أي أنَّ حقيقة الوجود ضرورية الوجود. على أنَّ التأمل في هذه النظرية يطرح الاستفهام التالي:

هل الضرورة خصوصية ذاتية للوجود أم تأتيه من محل آخر ؟ وللحصول على الإجابة التفصيلية على هذا الاستفهام ينبغي انتظار المقالة القادمة.

النظريات التي ثبتت عبر هذه المقالة:

١ ـ نثبت واقعية الوجود لكلّ الأشياء بمعنى واحد.

عنوان " تطوّر المنطق والفلسفة في الإسلام " لأتُابع فيها أبحاث الفلسفة والمنطق كلاً على انفراد، واحدد ما هو ميراث يوناني، وما جاء إضافة عليه. ضمن تقويم فلسفي للنظريات. وقد أنجزت مقدمات هذا المشروع إلى حدٍ كبير، وانتهيت من تدوين معلومات مفيدة في هذا المجال. وما تقدّم عرضه باختصار حول تطور مسائل الوجود نموذج لما أنوي إنجازه. وأنا على يقين بأنَّ دراسة هذا الموضوع الجديد تكشف عن حقائق كثيرة.

ونشير أخيراً إلى بعض الأفكار المرتبطة بهذا الموضوع، والتي لا مجال لتفصيل البحث حولها هنا. كموضوع نسبة نظرية تشكيك الوجود إلى حكماء إيران القدامى " الفهلويين ". وكنسبة هذه النظرية إلى الأفلاطونية المحدثة، وعلى وجه التحديد إلى إفلوطين بالذات. وكدراسة وتحليل بحث جديد طرح في أُوربا تحت اسم " الوجودية "، حيث يوسم بأصالة الوجود. آملاًّ التوفيق لدراسة هذه المواضيع في مجالٍ آخر.

٨٨

٢ ـ مفهوم الواقع مغاير لمفهوم كل واحد من الموجودات الواقعية.

٣ ـ ننتزع من الواقعيات الخارجية مفهومين مختلفين: الوجود، والماهية.

٤ ـ الأصالة في عالم الخارج حظ الوجود، والماهية اعتبارية ذهنية.

٥ ـ لا نستطيع إدراك حقيقة الوجود، أي بالواسطة.

٦ ـ واقعية الوجود معلومة بالذات.

٧ ـ الوجود حقيقة تشكيكية.

٨ ـ الخواص الذهنية للماهيات لا تصدق على الوجود.

٩ ـ الخواص الخارجية للماهيات ترتد إلى الوجود، لكنها تظهر في عالمه بنحو آخر.

١٠ ـ الموجود لا يعدم على أي حال.

١١ ـ تحقّق العدم في الخارج أمر نسبي.

١٢ ـ مطلق الوجود لا يقبل الزوال والعدم.

٨٩

٩٠

المقالة الثامنة:

الضرورة والإمكان

٩١

٩٢

المقدّمة

يطرحُ الفلاسفة على طول تاريخ الحكمة هذه الإشكالية: هل نظام العالم نظام ضروري ووجوبي ؟ أي: هل ما يوجد في هذا العالم من موجودات يوجد بحكم الضرورة ولا يمكن أن لا يوجد، أم أنَّ ما يوجد في مرتبة وظرف خاص لا مانع من أن لا يوجد، وليست هناك أيُ ضرورة ووجوب في البين ؟ وإذا كان نظام العالم نظاماً وجوبياً وضرورياً فمن أين تنشأ هذه الضرورة ؟

إنَّ البحث في طبيعة نظام الوجود، وهل هو نظام ضروري أو لا ؟ أنتج بحثاً خاصا في الفلسفة يتفرّعُ إلى مجموعة أبحاث تحت عنوان " البحث في المواد العقلية الثلاث " حيث يتناول البحث في أطراف الوجوب والإمكان والامتناع. وقد تناول البحثُ هذه المواد العقلية الثلاث من زوايا مختلفة، وطُرِحتْ في هذا المجال بحوث كثيرة. لكنَّ هناك بحوثاً مفيدة ومهمة لم تطرح في هذا المجال. وسوف نعكف على بيان بعض هذه البحوث المرتبطة بشكل مباشر مع موضوع هذه المقالة، ونغمضُ النظر عمّا سواها.

تناولَ متن هذه المقالة البحثَ في الضرورة والإمكان بطريقة خاصة به، وهذه الطريقة رغم اعتمادها على مسلَّمات تمّ بحثها في المقالة السابعة، وهي موضوع اتفاق كافة أتباع الحكمة المتعالية، لكن نهج هذه المقالة في استنباط أحكام الضرورة والإمكان في ضوء أبحاث الوجود، وخصوصا بحث أصالة الوجود، نهج غير مألوف وتختص به هذه المقالة. مضافاً إلى أنَّ

٩٣

الأفكار المطروحة في هذه المقالة مختزلة جداً ؛ ومن هنا يمكن أن يكون نهج وطريقة البحث في قضايا الضرورة والإمكان في هذه المقالة غريباً، وغير مفهوم حتى لدى المطّلعين على هذه البحوث.

من هنا سوف نتناول في هذه المقدمة مجموعة القضايا والأفكار، التي اتخذتها المقالة مسلّمات، وأشارت إليها باختصار في المتن، مضافاً إلى تناول بعض الأفكار الضرورية الأخرى، وسنشفع ذلك بإيضاحات مختصرة في هوامش المقالة ذاتها، وبهذا سوف تتّضح بجلاء الأفكار المطروحة في متن هذه المقالة.

تشتمل هذه المقدّمة على الفقرات التالية:

١ ـ مفهوم الضرورة والإمكان.

٢ ـ الضرورة والإمكان مفهومان عقليان وليسا حسّيين.

٣ ـ هل ينتمي بحث ضرورة نظام الوجود أو عدم ضرورته إلى حقل الأبحاث العلمية، أم ينتمي إلى حقل الأبحاث الفلسفية ؟

٤ ـ منشأ الضرورة والإمكان.

٥ ـ قانون العلية والمعلولية.

٦ ـ العلّة تعطي المعلول الضرورة " الجبر العلّي ".

٧ ـ حاجة المعلول إلى العلة في البقاء.

٨ ـ الضرورة بالذات وبالغير.

٩ ـ الضرورة الذاتية المنطقية والضرورة الذاتية الفلسفية.

١٠ ـ تفسير نظام الوجود.

١١ ـ أصالة الوجود الضرورة والإمكان.

١٢ ـ الموجود لا يعدم.

٩٤

مفهوم الضرورة والإمكان:

الضرورة والإمكان من المفاهيم التي لا تحتاج إلى تعريف وإيضاح. إذا كان هناك مفهوم مبهم ومجمل علينا أن نتوسل بُغية إيضاحه بتعريفه، أما إذا كان غير مبهم وغير مجمل سوف يكون مستغنياً عن التعريف والإيضاح. إنَّ التعريف يعني التوفّر على معرفة ذات الشيء، ويتمّ ذلك بتحليل مفهوم الشيء إلى عناصره الأولية الذهنية، كما أنّ معرفة أجزاء وعناصر المركبات الخارجية تتم بالتجزئة العلمية والموضوعية. أي أنَّ التعريف هو تحليل وتجزئة مفهوم الشيء عقلانياً ؛ ومن هنا يصدق التعريف في مورد المفاهيم المركبة، أمّا المفاهيم البسيطة التي تشكّل العناصر الأولية للتصوّرات الذهنية فهي لا تقبل التعريف، ومن المحتم أنَّ هذه العناصر بديهية التصور ومتستغنية عن التعريف ؛ لأنَّ الإبهام في المفاهيم الذهنية البسيطة لا معنى له.

إيضاح ذلك: كما تقدّم في المقالة الرابعة والخامسة فإنَّ كلّ صورة ذهنية تتطابق بالذات مع واقعية من الواقعيات تسمى علماً، وتلك الواقعية الخارجية تسمّى معلوماً. والعلم هو انكشاف المعلوم للعالم، ولا طريقَ للإبهام والإجمال في العلم من حيث هو علم. الأمر المطروح هنا هو إذا كان المفهوم والصورة الذهنية مركباً فيجب ـ وفق قواعد المنطق ـ أن يكون مركباً من جزء أعم ( وهو ما به الاشتراك مع أشياء عديدة أخرى ) ومن جزء آخر مساوٍ للمفهوم ومختص به.

يتم تشخيص وتمييز الشيء عن غيره بواسطة الجزء المختص، ويصطلح على هذا التمييز ( المعرفة )، ويطلق أحيانا على العلم الأولي والانطباع الأولي للصورة الذي هو معلول لتعامل الذهن مع الواقع مصطلح

٩٥

( المعرفة الإجمالية ). أمّا تمييز وتشخيص الشيء، الذي يتمّ عبر التحليل الذهني لأجزائه وتشخيص ما به الاشتراك عما به الامتياز، فيصطلح عليه ( المعرفة التفصيلية ). وعلى أيّ حال فالمعرفة هي التعريف والتمييز، على أنَّ المفهوم والصورة الذهنية يتطلّب التعريف حينما يكون له وجه اشتراك مع الأشياء الأخرى، فيكون التوفّر على وجه الاختصاص والامتياز محصّلاً للمعرفة. أمّا إذا كان المفهوم بسيطاً بالذات، يختلف عن سائر المفاهيم الأخرى، ويتميّز بالذات عنها، فالمعرفة به تحصل بالذات حتماً.

من هنا فالعناصر الذهنية البسيطة أمّا أن لا تعرض على الذهن، وليس للذهن أي معرفة بها، وأمّا أَن تعرّض على الذهن، وهي واضحة بديهية عارية عن كلّ إبهام وإجمال.

الضرورة والإمكان وسائر المفاهيم الفلسفية العامة، نظير مفهوم الوجود والعدم والوحدة والكثرة والعلية والمعلولية، مفاهيم بسيطة. ولو كانت مركبة وجب أن تتألّف من جزء أعم ( الجنس ) وجزء مساوٍ ( الفصل )، ومن الواضح أنَّ فرض وجود جزء أعم في هذه المفاهيم يتنافى مع عموميتها. من هنا فمفهوم الضرورة والإمكان لا يقبل التعريف ومستغنٍ عنه بحكم البرهان.

لسنا بحاجة إلى إقامة برهان على إثبات استغناء مفهومي الضرورة والإمكان عن التعريف. فحينما يراجع كل فرد وجدانه يجد صورة واضحة جليلة لهذين المفهومين. لكلّ واحد منا أحكام قطعية ويقينية، فكلّ واحد منّا مثلاً يعرف أنَّ حاصل ضرب العدد خمسة في أربعة يساوي عشرين، فنحن على يقين من هذه النتيجة، ونعتقد أنَّ خلافها محال وممتنع ؛ إذن فنحن نرى أنَّ حاصل ضرب الأربعة في خمسة يساوي عشرين بالضرورة، وما لم يكن

٩٦

الذهن متوفرا على مفهوم وتصور واضح للضرورة لا يمكنه أن يُصدر في هذا المثال حكماً.

إنَّ المفاهيم الفلسفية العامة بديهية التصور جميعا، وهذه المفاهيم تمثل الأدوات الأساسية للفكر البشري. فما لم يكن للبشر تصوّر عن الوجود والعدم والوجوب والإمكان والامتناع والوحدة والكثرة والعلّة والمعلول، لا يمكنه أن يفكّر بطريقة عقلية منطقية في أي موضوع من المواضيع. ولا يمكنه أن يقيم الدليل عليها. إنَّ الأمر خلافا لما يقوله عموم الفلاسفة في أنَّ ( الناطقية ) التي هي ميزة الإنسان عن سائر الحيوانات تنحصر في قوّة التجريد والتعميم الذهنية، بل تشمل التوفّر على هذه المفاهيم الفلسفية العامة التي هي معقولات ثانية ونتاج لنوع خاص من الفعالية الذهنية. على كلّ حال فنحن لا نحتاج إلى التعريف في مقام بيان مفهوم الضرورة والإمكان، ونكتفي في هذه الموارد بتنبيه الذهن وإرجاعه إلى المرتكزات والوجدان.

الضرورة والإمكان مفهومان عقليان وليسا حسّيين:

من أيّ طريق ترد مفاهيم الضرورة والإمكان والامتناع إلى الذهن، وما هي القوة الذهنية المدركة لهذه المفاهيم، وعلى أي نسق ندركها، وكيف نحصل عليها، فهل يمكن تفسير هذه الظواهر على أساس حسّي كما زعم الحسّيون ؟ وما هو الدليل على أنَّ هذه المفاهيم يجب أن تعد مفاهيم فلسفية عامة ومعقولات ثانية ؟ وهل هناك دليل على أنَّ جميع الأذهان تدرك هذه المفاهيم بالضرورة أم لا ؟ الإجابة على هذه الأسئلة لا يمكن أن تطرح في هذه المقالة. لكن نظرة بسيطة تكفينا لنفهم أنَّ أيّاً من هذه المفاهيم ليست حسّية، وإنّما هي معقولة.

٩٧

من البديهي أنَّ الضرورة التي تحكم جميع الموجودات ليست ظاهرة خاصة في عرض الظواهر الكونية الأخرى التي يمكن لمسها والإحساس بها. ونحن نتصوّر مفهوم الضرورة بشكل واضح دون أن نراه، ومن هنا فالعقل يدرك هذه الحقائق بأسلوب آخر. أثبتنا في المقالة الخامسة أنَّ العلية والمعلولية لا يمكن الإحساس بها، وأثبتنا أيضا أنَّ مفهوم الوجود لم يتوفّر الذهن عليه عن طريق الحس، إذن كيف يمكن أن تكون الضرورة التي هي من شؤون العلية، ومن شؤون الوجود بلحاظ آخر محسوسة لنا ؟! إنَّ تحديد هوية الضرورة والإمكان والامتناع، وهل هي حسية أم عقلية، سنفيد منه حينما نعكف على بيان أقسام الضرورة والإمكان، حيث سنوضح هناك أقساما أخرى للضرورة غير الضرورة العلية ؛ وحينما نواجَهُ بالاعتراض القائل بأنّنا لا نحس إلاّ بالضرورة العلية فسوف نجيب على هذا الاعتراض بأنَّنا لا نحس حتى بالضرورة العلية، وأنَّ جميع الضرورات والحتميات نعرفها عن طريق لون من التحليل العقلي.

هل هذا البحث بحث علمي أم فلسفي ؟

من الممكن أن يتوهّم أُولئك الذين لا يعرفون حدود الحس والعقل والعلم والفلسفة أنَّ هذا الموضوع يمكن معالجته عن طريق العلوم، ويطرحون لدعم هذا التوهم الحجة التالية: إنَّ كلّ علم يسير وفق مجموعة قضايا ضرورية وقوانين قطعية، فإذا أخذنا الكيمياء مثلاً فهي تقول لنا إنَّ التركيب " س " ينتج من المعادلة " ص "، فهذا يعني أنَّ هذه النتيجة ضرورية وحتمية. وإذا كشفت الفيزياء لنا عن خواص المادة والقوة وقوانين الحركة فهي توضح ذلك على نحو الضرورة والحتمية، والهندسة كذلك حينما توضح

٩٨

لنا خواص الأشكال، فهي تثبت هذه الخواص إثباتاً ضروريا يستحيل تخلّفهُ، من هنا يمكننا القول وفق معطيات العلوم إنَّ هناك مجموعة قواعد ضرورية ونواميس حتمية يسير عليها كل علم من العلوم، أو يمكننا القول على الأقل إنَّ العلوم تشير إلى وجود مجموعة أنظمة يقينية ونواميس حتمية تحكم الكون.

والجواب على الحجّة:

١ ـ إنَّ القارئ المحترم ـ في ضوء الإلتفات إلى ما طُرِحَ في المقالة الأُولى من التفرقة بين ميدان العلم والفلسفة ـ يعرف أنَّ طبيعة البحث العلمي تفترض دائماً موضوعاً، ثم تعكف على البحث في خواص هذا الموضوع. أما البحث عن وجود الموضوع وعدمه، وتحديد هوية وجوده على فرض وجوده فهو بحث تتعهّد به الفلسفة. ولا يستطيع العلم تناول هذا الموضوع بالبحث، ولو تناوله فسوف تتغير وسائله ونسق أًصوله الموضوعية ومنهجه، وبهذا يتحوّل إلى فنّ آخر وهو ما نسمّيه الفلسفة.

من هنا فنحن مضطرّون إلى استخدام المنهج الفلسفي في دراسة موضوع الضرورة والإمكان، وعلينا اتّخاذ الأُصول الموضوعية والمسلّمات الفلسفية أساساً في هذا البحث.

٢ ـ لو فرضنا أنَّ منهج العلوم الخاص يمكنه الوقوف على ضرورة ووجوب جزء من نظام الوجود سوف يكون محدوداً بحدود دائرة العلوم، التي تحدّد خواص شيءٍ أو أشياء معيّنة، وسوف ينحصر بحثنا في موضوعات محدودة، وهي الموضوعات التي تصل إلى يد العلم. أما دائرة التحقيق الفلسفي فبحكم كونها كلّية وعامة وشاملة فهي تشمل كلّ نظام الوجود، والقدر المتيقن هو أنَّ هذه المسألة إذا أمكن البحث فيها فهو منحصر في المنهج

٩٩

الفلسفي وإن لم يمكن البحث فيها فليس هناك طريق آخر.

٣ ـ صحيح أنَّ كل علم يطرح قواعده بطريقة حتمية وضرورية، لكنّه عاجز عن بيان تفسير هذه الضرورة والحتمية وتحديد منشئها ومنبعها. وهذا العجز واضح في العلوم التجريبية ؛ لأنَّ أقصى ما يمكن أن يقال بشأن الفرضية والنظرية العلمية هو أنَّ الحس والتجربة المكررة تؤيّد هذه الفرضية. فالحسّ والتجربة يؤكّد وقوع هذه الفرضية في عالم الطبيعة، أما لِمَ وعلى أيِّ أساس تكون هذه الفرضية حتمية، ويستحيل نقيضها ؟! فهو أمر خارج عن حدود الحس والتجربة، ولا بد من التوسّل بنوع آخر من الأدلة، وهي الأدلة الفلسفية.

والواقع أنَّ جميع العلوم وخصوصاً العلوم الطبيعية تطرح قضاياها استنادا إلى مصادرة، هذه المصادرة هي عبارة عن ( ضرورة نظام الوجود ). وهذه المصادرة تتّخذ في العلوم بمثابة أصل موضوعي، وهي جزء أساسي من قضايا الفلسفة. وهذه هي إحدى الجهات التي تحتاج فيها العلوم إلى الفلسفة، حيث أشرنا إليها في المقالة الأُولى إجمالاً. فإذا لم نستطع في البحث العقلي أن نثبت ضرورة نظام الوجود، وأن نحدد منبع هذه الضرورة، فسوف لا يمكننا أن نعتبر قضايا العلوم قضايا ضرورية ويقينية، بل لا يمكننا أن نعتبرها قانوناً علمياً ؛ لأنَّ القانون العلمي يكتسب طابع القانون حينما يتلقاه الذهن بشكل يقيني وحتمي، وإلاّ فليس هناك أي فرق بين القانون العلمي والفرض الاحتمالي. إذن ينحصر تحديد منشأ الضرورة والوجوب وتفسير هذه المقولة بالمنهج العقلي الفلسفي.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

(٥٤)أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ

____________________________________

جوابا وجزاء كما قال الشيخ الرضي وهو المعني بقول سيبويه اذن جزاء وحكاه في المغني عن سيبويه بدون تقييد بالأكثر وقال الشيخ الرضي كما اطلق النحاة ولكن قيده بذلك الفراء محتجا بقولهم أحبك فتقول اذن أظنك صادقا واختاره الشيخ الرضي وحجته قوله تعالى حكاية عن قول موسى لفرعون( فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) - هذا وقد سبق في الآيتين حال اليهود مع المشركين وضلالهم وتألبهم واماني غيهم ولعن الله لهم وذلك يتضمن الإنكار عليهم في حالهم النبي ومحادتهم لرسول الله والمؤمنين وفي أمانيهم الخاسئة في الانتصار عليهم فترقى القرآن عما سبق في توبيخهم وانتقل بالإضراب إلى الإنكار عليهم وتوبيخهم بوجه آخر وهو ان غرورهم وغلواءهم في الغي والمحادة هل لأن لهم نصيبا ذاتيا وحقا طبيعيا في ملك الله من حيث الدنيا والزعامة الدينية فيحتكرون ذلك عمن يشاءون فسفها لهم من اين يكون هذا الحق ويكفي في بطلان ادعائهم لذلك ما يعرف من حالهم الخسيس في الشبح وسنة الله في عباده وهو انهم ان كان لهم هذا النصيب والحق فاذن لا يؤتون الناس من هذا الملك مقدار نقير في الزنة والقيمة ولكن غيرهم من الناس قد نالوا اكثر منهم من مال الدنيا ورياساتها وزعاماتها الروحانية وما ذاك إلّا لأن أمر الملك بيد الله يؤتيه من يشاء.

فيكون حاصل الآية الكريمة هو الاضراب بالترقي في توبيخ اليهود على ما ذكر قبلها من تألبهم مع الطواغيت من المشركين على عداوة رسول الله والمؤمنين وتزلفهم للمشركين بتفضيلهم على المؤمنين والإنكار عليهم فيما تضمنه ضلالهم المذكور من أوهامهم تمنيهم أن ينتصروا بالمشركين على رسول الله والمؤمنين ٥٤( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ) أي رسول الله باعتبار ما أوتي من الرسالة والوحي وسيطرتها وواجب الطاعة وكذا أمناء الله ورسوله على وحيه ودينه باعتبار مقامهم الرفيع في ذلك وواجب الطاعة وبهذا الاعتبار ما جاء في الصحيح المستفيض عن الباقر والصادق (ع) في الآية نحن المحسودون كما احصى بعضه في تفسير البرهان وقال ابن حجر في صواعقه أخرج ابن المغازلي عن الباقر (ع) نحن الناس أي المحسودون وفي الدّر المنثور أخرج ابن المنذر والطبراني من طريق عطا عن ابن عباس في الآية قال نحن الناس دون الناس( عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) كما أشرنا إليه فإن اليهود يحاولون بطغيانهم في الضلال وتوغلهم

١٤١

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبراهيم الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٥)فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٦)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا

____________________________________

في دناءة الحسد أن يخصوا كل نبوة وكل زعامة دينية بقومهم لأنهم كما يزعمون أنهم شعب الله وابنه البكر وأبناؤه وأحباؤه كل ذلك إعجابا بكونهم من بني إسرائيل لأجل مكان يعقوب عند الله. إذن فأين هم عن إبراهيم خليل الله رجل التوحيد وبطله وداعيته وشيخ النبوة ودعوتها وها هم العرب أولاد إسماعيل آل إبراهيم وكفى بذلك كرامة في الحسب الكريم. إذن فلترغم آنافهم( فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبراهيم الْكِتابَ ) أي القرآن باعتبار انزاله على رسول الله سيد ولد إبراهيم وباعتبار استيداعه أمناء الوحي وكونهم عدل الكتاب في هدي الأمة واحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بهما وهما كتاب الله وعترة الرسول أهل بيته اللذين لن يفترقا حتى يردا على رسول الله الحوض كما تقدم ذكر الحديث في ذلك وتواتره في الجزء الأول ص ٤٣( وَالْحِكْمَةَ ) حكمة الرسالة وحكمة الإمامة( وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) وهو سلطان الرسالة وسيطرة الدين والشريعة والطاعة المفروضة على العباد ويتبع ذلك زعامة الإمامة التي هي عهد الله لإبراهيم في ذريته وفي الصحيح المستفيض عن الباقر والصادق (ع) كما في الكافي وبصائر الدرجات وتفسير العياشي وأحصى بعضه في تفسير البرهان ان الملك العظيم هي الطاعة المفروضة وهو تفسير بالأثر الظاهر الجامع مما ذكرناه وفي الكافي وبصائر الدرجات عن الباقر (ع) رواية في تفسير الآية واللتين قبلها ما يفضي بخلاف ما قلناه ويمكن تنزيل الرواية على ما ذكرناه والله العالم ٥٥( فَمِنْهُمْ ) أي من آل إبراهيم وقيل من اليهود والأول أقرب وأنسب( مَنْ آمَنَ بِهِ ) أي بالملك العظيم بدخولهم في الإسلام( وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ) تستعمل صد قاصرة بمعنى أعرض أي صرف نظره ووجهه عن الشيء المرئي له فيكون المعنى انهم أعرضوا عن الإيمان بهذا الملك العظيم بعد ما قامت به الحجّة الواضحة وكان لهم كالمرأي بالعيان فويل للذين لعنهم الله ويحسدون الناس على ماءاتاهم والذين يصدون عن سلطان الإسلام وملكه العظيم( وَكَفى بِجَهَنَّمَ ) في عذابهم( عِيراً ) بمعنى مسعور يستوي فيه المذكر والمؤنث يقال سعر النار وأسعرها إذا أوقدها بل الذي يفهم من موارد الاستعمال هو إيقادها بشدة وشدة اتقادها ٥٦( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا

١٤٢

بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦)وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

____________________________________

بِآياتِنا ) فكفروا بالرسول الأكرم والكتاب الكريم( سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ) يوم القيامة( ناراً ) مسعرة يصلونها( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ) بسعيرها( بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها ) في الصورة بأن تعود بقدرة الله تلك الجلود الناضجة كالتي لم تنضج ليبقى فيها حسها فيدوم بذلك عذابهم فعن أمالي الشيخ مسندا وفي كتاب الاحتجاج عن الصادق (ع) انه سئل عن ذلك فقال هي هي وهي غيرها وضرب لهم المثل باللبنة إذا كسرتها حتى صارت ترابا ثم صببت عليها الماء وجبلتها لبنة على هيأتها فهي هي في المادة وانّما حدث التغيير والمغايرة في الصورة. أقول وهذا هو المنطبق على حكمة المعاد الجسماني(١) وان الله يحيي العظام وهي رميم ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأسراء( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُوا حِجارَةً أو حَدِيداً أو خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٢) وهو الوجه للرازي وجزم به أبو السعود( لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) الدائم( إِنَّ اللهَ كانَ ) ولا يزال( عَزِيزاً ) في حكمه( حَكِيماً ) في أعماله ٥٧( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

(١) وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في الجزء الثالث من المدرسة السيارة ص ١٢١ حتى ١٢٣ في الطبعة الأولى والثانية

(٢) ولكن صاحب المنار نسب هذا المروي للمتكلمين وقال انه سفسطة ظاهرة. وليته ابان الوجه في كونها سفسطة ظاهرة وقد اختار هو ان يكون ذلك من مقتضى العادة في الدنيا في ان الجلد إذا لفحته النار وفسد نبت تحته جلد آخر يخلفه كما جرى ديدنه في تفسيره من إبائه لخوارق العادة بقدرة وتنزيل ما جاء من ذلك في القرآن على السنة الكونية والنظام الطبيعي كما أشرنا إلى بعضه في بعض تعليقاتنا في هذا التفسير على كلامه ولكنه لماذا لا يلتفت ان أمر القيامة وبقاء الأجسام في تلك النار العظيمة المهولة دهورا وأحقابا إنّما هو خرق لما هو العادة والسنة الكونية في الحياة الدنيا واما ما يراه من نبات الجلد في الدنيا تحت الجلد المحترق فإنما هو من تقدير الله للنمو بالتغذي إذا لم يمنع ما قدر الله منعه كدوام النار عليه ومن اين يكون لأهل جهنم والسعير ذلك النمو المقدر في الدنيا والحال انهم في جهنم «ليس لهم طعام إلّا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع» بل جعل الجوع زيادة في العقاب لا لأجل التغذي والنمو فأين قياسه وكيف يقيس

١٤٣

الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

____________________________________

الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) قد مر في متفرقات الجزء الأول تفسير ذلك في جمله ومفرداته( لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ) في الفقيه عن الصادق (ع) اللاتي لا يحصن ولا يحدثن والظاهر انه (ع) ذكر اكبر القذارات الملازمة لنوع النساء ومقتضى إطلاق التطهير لهن انهن مبرات من كل نجاسة وخبث وقذارة في الخلقة والأخلاق

إلى هنا وقف براعه الشريف ولم يمهله الأجل «قده» لإتمام هذا السفر الجليل وقد أحب تعجيلا للخير ذكر الآية السادسة من سورة المائدة لمناسبة ذكر آية التيمم المار ذكرها قريبا في سورة النساء فقال طاب ثراه

وحيث ان الآية السادسة من سورة المائدة لها مشاركة مع آية التيمم في كثير من الأحكام آثرنا أن نتعرض لتفسيرها في هذا المقام قياما بحق المناسبة وما نحاوله من الاختصار وتعجيلا للخير ومن الله التوفيق والتسديد.

فلا يخفى انه يعرف من الآية ان الجنب لا يقرب الصلاة حتى يغتسل وان ذلك الاغتسال هو طهارة الجنب لاستباحة الصلاة كما يؤكده قوله تعالى في آية المائدة( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) كما يعرف من الآية ان المجيء من الغائط له قسم من الطهارة المائية مقابل لطهارة الجنب وعند فقد الماء يتيمم وقد أشرنا ان المجيء من الغائط كناية عما يعرض للذاهب إلى الغائط من خروج البول أو العذرة أو الريح ذات الصوت أو غيرها ولا يبعد ان ذلك معلوم عند المسلمين من السنة الشريفة من أول تشريع الصلاة وجاءت الآية مؤكدة لتشريعه على وجه الإشارة لحفظ تلك المشروعية وحجتها بما وعد الله به من حفظ القرآن الكريم نعم لا يفهم من الآية وجوب الطهارة للقيام من النوم فقال جل اسمه في سورة المائدة تأكيدا لحفظ شرعية الوضوء وصورته الواجبة في سورة المائدة التي دل الحديث المتفّق عليه بين المسلمين انها آخر ما نزل من القرآن وان أحكامها محكمة لم يعترها نسخ وتغيير( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ ) متوصلين بقيامكم إلى الصلاة في التهيؤ لها. وليس المراد منه القيام الذي هو من أفعال الصلاة فإنه قيام للصلاة كالسجود للصلاة لا قيام إلى الصلاة وللرازي في المقام في المسألة الأولى كلام غير

١٤٤

منتظم. وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن بكير(١) قلت لابي عبد الله يعني الصادق (ع) قوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ ) ما يعني بذلك قال (ع) إذا قمتم من النوم قلت ينقض النوم الوضوء قال نعم الحديث. وفي قلائد الدرر للجزائري وتفسير البرهان وفي تفسير العياشي عن بكير بن أعين عن أبي جعفر يعني الباقر (ع) في قول الله جل وعلا( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ ) قال قلت ما عنى بها قال من النوم وروى مالك في الموطأ عن زيد بن اسلم(٢) ان تفسير هذه الآية إذا قمتم من المضاجع يعني النوم وفي الدّر المنثور أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن زيد بن اسلم والنحاس وذكر مثله. واخرج ابن جرير عن السدي مثله( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) اطلاق الغسل يقضي بجريانه على العادة في الغسل بالماء ويوضحه قوله تعالى( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ) ماء وعلى النحو الذي لا يؤتى به لازالة وسخ تحتاج إلى ذلك وكثرة إفاضته للماء لأجل كثرته واستيلائه على الوجه بل يكفي فيه ما يحصل به غسل النقي عن الوسخ والحاجب للماء عن البشرة والعادة في مثله تقتضي انه باليد الواحدة وهي اليمنى وهي المعدة للأعمال مضافا إلى انها المطلوبة في الشرع للأعمال المحترمة ولا يكون الغسل للوجه بكلتا اليدين في العادة إلّا في مقام الحاجة إلى افاضة الكثير لأمر هو فوق مسمى الغسل كإزالة الخضاب مثلا أو التراب الكثير أو الطين ونجو ذلك مضافا إلى ان العادة في الوضوء هو استعمال اليد اليسرى بإفراغ الماء من الإناء في اليمنى إذا فلا حاجة ولا مداخلة لليسرى في الغسل. كما أنَّ المعتاد عليه في غسل الوجه ان يكون من أعلاه إلى أسفله فالإطلاق بحسب دليل الحكمة في الطبيعة المهملة إنّما يجري في الافراد العادية التي تتسابق بصدق الطبيعة إلى الذهن فيقال حينئذ لو أراد المتكلم افرادا خاصة من هذه لحصرها بالتقييد وأما الافراد الخارجة عن الغالب والمعتاد فلا تسبق إلى الذهن مع الغالب والمعتاد فلا يسري دليل الحكمة بالإطلاق إليها بل يقال حينئذ لو أرادها المتكلم لنص على ارادتها

__________________

(١) الظاهر الاتفاق على انه ثقة وان كان فطحيا وعن الكشي انه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه

(٢) زيد ابن اسلم تابعي من الخامسة ثقة والنحاس ثقة فاضل من صغار العاشرة. والسدي إسماعيل بن عبد الرحمن صدوق بهم ورمي بالتشيع من الرابعة وإسماعيل بن محمد الفزاري نسيب السدي الأول أو ابن بنته أو أخته صدوق يخطى ورمي بالرفض من العاشرة. ومحمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل السدي كوفي متهم بالكذب من الثامنة (قب)

١٤٥

بما يمثلها للذهن بالاستقلال أو مع الافراد الغالبة المعتادة. هذا وان تعلق الغسل باسم الوجه يقضي بأن يغسل جميع ما يسمى وجها كما تقدم في صحيحة زرارة عن الباقر (ع) والمرجع في بيان مسمّى العرف العام ومن لم يغسله كلّه لم يتحقق منه غسل الوجه فلا يتحقق منه امتثال الأمر به ومن المعلوم الوجه من جانب الطول هو من قصاص شعر الناصية في مستوى الخلقة دون الأنزع والأغم إلى آخر الذقن وفي صحيح الكافي والفقيه والتهذيب عن زرارة قلت لابي جعفر الباقر (ع) أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي ان يوضأ الذي قال اللهعزوجل فقال (ع) الوجه الذي قال اللهعزوجل وأمر اللهعزوجل بغسله الذي لا ينبغي لأحد ان يزيد عليه ولا ينقص منه الذي ان زاد عليه لم يؤجر(١) وان نقص منه اثم ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه فقال له الصدغ(٢) من الوجه فقال لا (انتهى) والمراد من الوجه ما يواجه بالرؤية وان كان شعر اللحية والشارب( وَأَيْدِيَكُمْ ) وهي اسم للعضو المعروف وتشملها إلى الكتف ولا يدخل في مسماها الشعر فلا يكفي غسله عن غسل البشرة( إِلَى الْمَرافِقِ ) المرفق هو مجمع عظمي الذراع والعضد وجرت الآية على المعتاد والمتعارف من أنَّ الذي يغسل من اليد ما كان من ناحية الأصابع والكف والذراع فإنه المعرض لما يحتاج إلى الغسل دون ما كان من ناحية الكتف إلى المرفق فلا اطلاق في الآية ولا إجمال ولا إبهام كما أنّ العادة في غسل الذراع خصوصا من الغبار والأوساخ بل وللتبريد ان يغسل من الأعلى متدرجا إلى الأنامل فيجري الإطلاق عليه كما تقدم في تعيين المغسول في اليد إلى المرافق مع ان النكس في تمام غسل اليد مما يحتاج إلى صعوبة كما نرى ان العمل عليه لا يقع غالبا إلّا مبعضا وربما يجري على هذا ما في الدّر المنثور مما أخرجه الدارقطني والبيهقي في سننهما عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه. وما أخرجه أحمد ومسلم عن عمرو بن عتبة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديثه وإذا غسل وجهه كما امره الله إلّا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم غسل يديه إلى المرفقين إلّا خرت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء (الحديث) وهو يوضح ان منتهى مجرى الغسل ومجرى الماء هي أطراف اللحية والأنامل أقول وحاصل المقام ان كلمة الى

__________________

(١) هذا في صورة عدم التشريع واما مع التشريع يأثم

(٢) الصدغ بضم الصاد وهو منبت الشعر ما بين مؤخر العين واصل الاذن في الانثي والذكر

١٤٦

ليس لتحديد الغسل وبيان انتهائه إلى المرفق بعد ابتدائه من أول اليد بل إنّما هي لتحديد المغسول كما تقول إغسل ثوبك إلى جيبه واخضب كفّك إلى مفصل الزند واصقل السيف إلى ضبته ونحو ذلك وعلى هذا اجماع الإمامية وحديثهم نعم يحكى عن بعضهم جواز النكس تشبثا بإطلاق الغسل كما في الامثلة المذكورة ولكن ما ذكرنا من العادة والغالب في غسل هذا المقدار من اليد يمنع الإطلاق عن النظر إلى غير الغالب المعتاد مضافا إلى صحيحة بكير وأخيه زرارة المروية في الكافي والتهذيبين في حكاية الباقر (ع) لوضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيها فغسل يده اليمنى من الموفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفق ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء إلى المرفق كما صنع في اليمنى ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفيه لم يجدد ماء وفي رواية الكافي فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق والمراد إلى ناحية الكف ونحوهما في الصراحة رواية الكافي في الحسن كالصحيح عن زرارة عن الباقر (ع) وجاء لفظ المرافق باعتبار صورة الخطاب بالجمع( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) كما يقال اغسلوا أيديكم إلى مرافقكم وان كان لكل مكلّف مرفقان ويصح ان يقال إلى المرفقين باعتبار النظر إلى ان خطاب الجماعة بالتكليف ينحل في الحقيقة إلى خطابات متعددة بتعدد المخاطبين المكلفين فيذكر المرفقان باعتبار كل مكلف ولم يسمع في فصيح الكلام وصحيحه حل جمع الايدي إلى افرادها فيقال وأيديكم إلى المرفق باعتبار اليد الواحدة إلّا أن يقال فاغسلوا وجوهكم وأيديكم كل يد إلى المرفق وامسحوا أرجلكم كل واحدة إلى العقب والسر في ذلك ان غير الجموع الخطابية لا علاقة لها يحلها إلى المفردات إلّا ان يشار إلى المفرد بقولك كل واحدة أو كل يد أو كل رجل ثم تحكم على المفرد بحكمه فلا تقول ولم تسمع قسمت الدراهم إلى نصفين مثلا وإن تريد قسمة كل درهم إلى نصفين بل لا بد لك أن تقول قسمت الدراهم كل درهم إلى نصفين لأنّ الحكم يجره سوق الكلام إلى الجمع( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) قد بينا سابقا من مكان الباء التي هي للآلة أنَّ المسح بالرأس يكون ببعضه كما كان المسح في التيمم بالوجه ببعضه وقد سبقت الحجّة من الباقر (ع) على أنَّ المسح يكون ببعض الرأس.

١٤٧

فهرس الجزء الثاني في كتاب آلاء الرحمن

أوّله سورة النساء ٢

(سورة النساء) ٢

آدم ابو البشر وأصله ٣

آدم اصل البشر وما يزعمه أهل الصين ٤

صاحب المنار واستاذه - اوالارحام ٥

فانكحوا ما طاب ٦

تعدد الزوجات ٩

علامات البلوغ ١٤

رشد اليتيم ١٥

مال اليتيم ١٧

في الميراث ٢٣

ارث البنات والأبوين ٢٤

كلالة الأم ٢٧

الكافر لا يرث المسلم والمسلم يرث الكافر ٣١

العبد لا يرث. ولد الزنا لا يرث ٣٣

في التعصب ٣٤

في العول ٤٦

ارث الزوجة - الحبوة ٥٤

في التوبة المطلوبة ٥٨

عوائد بعض العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة ٥٩

في مصاديق الفاحشة ٦٠

معنى البهتان ٦١

١٤٨

ما ينسب إلى الشافعي في ولد الزنا ٦٣

ارضاع المحرم ٦٤

في الفرق بين ام الزوجة والربيبة ٦٦

حرمة ام الموطوءة بالملك ٦٧

في حرمة الربائب ٦٨

في حرمة حليلة الابن ومملوكته ٧٠

في حرمة حليلة الابن الرضاعي وكلام صاحب المنار في تحريم الجمع بين الاختين ٧١

في حرمة الجمع حتى في الملك ٧٢

متعة النساء ٧٤

متعة النساء وتسمية هذا النكاح بالمتعة ٧٦

متعة النساء ودوام مشروعيتها إلى ما بعد زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ٧٧

في متعة النساء ودعوى نسخها ٨٠

في متعة النساء وكلام صاحب المنار ٨٥

في متعة النساء وما يتشبث به لتحريمها ٨٦

تزويج الأمة ٩١

المراد من الإحصان ٩٢

معنى العنت ٩٤

معنى اللام في (ليبين) واشتباه الرازي ٩٥

١٤٩

لاتأكلوا: ومعنى الأكل ٩٧

في مصاديق قتل النفس ٩٨

معنى الكبائر والسبب لاخفائها ٩٩

في ان الأئمة كرسول الله (صلى الله عليه وآله) وارث من لا وارث له ١٠٤

في بيان من له سيطرة البعث ١٠٨

بيان الإحسان ١٠٩

بيان تكرار القربى ١١٠

لاتقربوا الصلاة وانتم سكارى والروايات الواردة في سبب نزولها ١١٥

اضطراب الروايات في سبب نزول لاتقربوا ١١٦

سبق تحريم الخمر وانه محرم في كل شريعة ١١٧

قصاص الرواة ينسبون لقدس رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشنع شيء ١١٨

المراد من (سكارى) هو سكر النوم ١١٩

١٥٠

المراد من (لا تقربوا) ١٢٠

في جواز اجتياز الجنب المسجد ١٢٤

معنى الصعيد ١٢٧

في بيان التيمم وكلام صاحب المنار ١٢٨

مزاعم صاحب المنار ودعوى القيد ١٢٩

معنى الطيب ١٣٠

كيفية التيمم ١٣١

في بيان الممسوح والممسوح به ١٣٢

معنى الطمس ١٣٥

ان الله لا يغفر ان يشرك به اي الرشك الدائم ١٣٦

في معنى التزكية ١٣٨

في معنى الفتيل لغة وموارد استعماله ١٣٩

ام يحسدون الناس ١٤١

في ان الناس هم النبي (صلى الله عليه وآله) واهل بيته ١٤١

في تفسير آية الوضوء ١٤٤

١٥١

انا لله وانا اليه راجعون

قد انقطع (بالرغم منا و من المسلمين) سلك هذا السفر العظيم والكتاب الكريم قبل اختتامه اقصمت عروته الوثقى قبل انتهائه وفجع الاسلام و المسلمون بمفاجأة الأجل لعميدهم وعماده اعني الناظم لهذه الدرر المنثورة والجامع لشتات هذه اللئالئ المنشورة (هو) الذي عقمت النساء في هذه الأعصار ان يلدن له من مثيل وهيهات ان يرينا الدهر لمثله من نظير (هو) الذي لاغاية لأمد جهاده ولا منتهى لدى اصلاحه (هو) الذي تمثل مناضلا عن الدين ومدافعا عن شريعة سيد المرسلين.

(هو) الذي كان المزبر سادس أنامله والقرطاس أليف نهاره وسمير ليله (هو) الذي كان في حر النجف القائظ وبرده القارس جليس غرفته لا هم له الا الأخذ بناصر الدين والنظر في صالح المسلمين بتأليف او بيان الا (وهو) الامام المجاهد بطل العلم و العمل حجة الاسلام والمسلمين برهان الملة والدين آية الله البلاغي (الشيخ محمد جواد) بن الشيخ حسن النجفي طيب الله ثراه واحسن مثواه ولم يزل (قده) مكبا على التصنيف والتأليف بكل جد وسعي حتى تضاءلت قواه وضعفت باصرته على شيخوخة من عمره لكن في جدة من شباب عزيمته حتى انه (قده) أنهى اواخر هذا التفسير بالقائه على التلاميذ والكتبة المحتفين به على ما هو عليه من شدة المرض وغاية الضعف مطروحاً في فراش الموت فجزاه الله تعالى عن الاسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين وكان له (قده) من العمر ما بقرب من السبعين وكانت ولادته في النجف الاشرف من العراق في نف و ١٢٨٠ هـ وبها كان نشؤه وارتقاؤه ومبادئ تحصيله وأتم دروسه العالية لدى اعلام عصره الفطاحل آيات الله على الانام الحاج آقا رضا الهمداني. والشيخ محمد طه نجف. والمولى محمد كاظم الخراساني قدس الله تعالى اسرارهم ثم كانت هجرته الى سامراء على عهد الامام المقدم آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي طاب ثراه وطوى هنالك عشرا من الأعوام وبها ألف بعض كتبه (كالهدى) وغيره ثم غادرها لما احتلها الحشد البريطاني وهاجر من كان بها الى الكاظمية ومنهم المترجم (قده) ومكث فيها عامين له فيهما مساعية المشكورة مع العلماء الاعلام حول القضية العراقية وطلب الاستقلال وتسجيله وفيها ألف رسالته في تنحيس المتنجس ثم بارحها معرجا على النجف الأشرف ثانيا واقام بها الى ان صار أحد أعلامها الهداة والحجج والآيات ثم أتاه الأجل المحتوم وقضى نحبه سعيدا ليلة ٢٢ من شهر شعبان سنة ١٣٥٢ هـ وكان لوفاته (قده) أثر كبير في نفوس عظماء الدين كافة وأقيمت له الفواتح في جميع البلاد العراقية وتشادق الادباء في رثائه وتأبينه وطار نبأ فجيعته شرقا و غربا فنسأل الله تعالى أن يعلي في الخلد مقامه ويرفع اعلامه وكان تمام طبع الاوراق الأخيرة على بد الاحقر الراجي حسن الحسيني اللواساني النجفي عفي عنه في الثامن من شهر رجب الاصب سنة ١٣٥٥ هـ.

١٥٢

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303