أمْيَل إلى تقرير الشركة في النبوّة.
لكنّه أوقَع نفسه في تناقضٍ كبير، حينما ذكر للإسحاقية مقالة تختلف تماماً مع ما تقدّم بيانه ؛ وذلك عند حديثه عن الكرامية، قال:
(أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام،... وهُم طوائف بَلَغ عددهم اثنتي عشرة فرقة، وأصولها ستة: العابدية، والتونية، والزرينية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية، ولكلّ واحدٍ منهم رأي، إلاّ أنّه لمـّا لم يصدر ذلك عن علماء معتبرين، بل عن سفهاء اغتام جاهلين، لم نفردها مذهباً، وأوردنا مذهب صاحب المقالة، وأشرنا إلى ما يتفرّع منه.
نصّ أبو عبد الله على أنّ معبوده على العرش استقراراً، وعلى أنّه بجهة فوق ذاتاً، وأطلقَ عليه اسم الجوهر، فقال في كتابه المسمّى عذاب القبر: إنّه أحَدي الذات، أحَدي الجوهر، وإنّه مماس للعرش من الصفحة العليا، وجوّز الانتقال، والتحوّل، والنزول،... وأطلق أكثرهم لفظ الجسم عليه....
ومن مذهبهم جميعاً: جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى، ومن أصلهم: أنّ ما يحدث في ذاته فإنّما يحدث بقدرته، وما يحدث مبايناً لذاته فإنّما يحدث بواسطة الأحداث... ويفرّقون بين الخلق والمخلوق، والإيجاد والموجود والموجِد، وكذلك بين الإعدام والمعدوم.....
وزعموا أنّ في ذاته سبحانه حوادث كثيرة، مثل: الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، والكتب المنزلة على الرسلعليهمالسلام
، والقصص والوعد والوعيد والأحكام، ومن ذلك المـُسمعات والمـُبصرات فيما يجوز أن يُسمع ويُبصر، والإيجاد والإعدام هو القول والإرادة، وذلك قوله (كُن) للشيء الذي يريد كونه، وإرادته لوجود ذلك الشيء، وقوله للشيء كُن، صورتان.
وعلى قول الأكثرين منهم: الخلق عبارة عن القول والإرادة.
ومن أصلهم: أنّ الحوادث التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء، حتى يستحيل عدمها.
ومن أصلهم: أنّ المـُحدث إنّما يحدث في ثاني حال ثبوت الأحداث بلا فصل، ولا أثَر للأحداث في حال بقائه.
ومن أصلهم: أن ما يحدث في ذاته من الأمر فمنقسم إلى أمر