العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة15%

العلويون بين الاسطورة والحقيقة مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 368

  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104515 / تحميل: 13414
الحجم الحجم الحجم
العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة

هاشم عثمان

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

بين يدي هذه الطبعة الجديدة

هذه الطبعة جديدة بكلّ معنى الكلمة، وهي تختلف عن الطبعة السابقة كثيراً ؛ ذلك أنّا أعَدْنا النظر في مجمل فصول الكتاب، فأضفنا فقرات وحذفنا فقرات، وتناولتْ يد التعديل - بصورة خاصّة - القسم الثاني من الكتاب الذي يبحث عن عقائد النصيرية.

فأعَدنا صياغة هذا القسم من جديد، وعَرَضنا كلّ ما قيل حول النصيرية في القديم والحديث، وقارنّا بين هذه الأقوال وناقشناها مناقشةً هادئةً من واقع التاريخ، وفي المقابل عَرَضنا عقائد العلويين من خلال آثارهم الشِعرية والنثرية، وقدّمنا للقارئ نماذج من آثارِهم التي تُلقي الضوء على حقيقة معتقداتهم، وقد أضفنا إلى هذه الطبعة فصلاً جديداً بعنوان(النصيرية بين الغنوصية والعلي الَّهية والبكتاشية) بيّنا فيه بالأدلّة أنّ النصيرية تبتعد عن الغنوصية والعليالَّهية والبكتاشية كثيراً، لكنّها تقترب بعض الشيء من البكتاشية.

وبشكل عام بقيَ جوهر الكتاب كما هو، لم يطرأ عليه أيّ تغيير، لكنّ التعديل طالَ بعض الفصول من حيث المـَبنى لا المعنى، بحيث يمكن القول: إنّ هذه الطبعة هي طبعة مَزيدة ومنقّحة.

ولَمّا كان مجال القول حول العلويين واسعاً، لا تحيط به دراسة واحدة، فقد تابَعنا الحديث في دراسةٍ ثانية بعنوان(هل العلويون

٥

شيعة؟) (١) ، حيث تعتبر جزءاً من هذه الدراسة لا ينفصل عنها، وسنعقّبها بدراسةٍ ثالثة عن(تاريخ الجبل العلوي) ، عسانا بذلك أن نكون قد بيّنا حقيقة هذه الطائفة، التي اختلفت فيها الأقوال، وكثُر من حولها الهمس والغمز.

والله وليُ التوفيق.

المؤلّف

____________________

(١) صدرَ الكتاب عن مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت.

٦

المقدّمة

لا نَعدو الحقيقة إذا قلنا: قليلةٌ هي الطوائف الإسلامية التي اتُّهمت في عقيدتها، مثل: الطائفة العلويّة أو النصيرية، كما يحلو للبعض أن يسمّيها جهلاً وتعصّباً.

والعاقل الأريب ليحار في تعليل تلك الغايات، التي يهدف إليها أُولئك المختلقون في القديم والحديث.

فهذه الطائفة - ككلّ الطوائف الشيعية التي تأخذ بمدرسة أهل البيت - واجهت حرباً شعواء من قِبَل الطواغيت، وطلاّب المـُلك العقيم على مرّ التاريخ، حتى أضحى أتباع هذه المدرسة في فتراتٍ مُظلمةٍ من تاريخنا مجرمون، تنزل بحقّهم أقسا العقوبات وأشدّ أنواع المظالم.

قتلٌ في النفوس، وسلبٌ في الأموال، وحرمان في الحقوق، وتبرئةٌ في الدين، وما لَهُم إلاّ موالاتهم لآل طه ذنبٌ، وقولهم: إنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام هو صاحب الحقّ الأوّل في زعامة المسلمين الدينية والزمنية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الأحقّ بالخلافة مِن سواه، وأنّه وصيّ النبي ووزيره.

ولإعطاء فكرة عن المظالم التي حاقت بأتباع أهل البيت، أعرِضُ قصّة قنبر مولى الإمام عليعليه‌السلام مع الحجّاج بن يوسف الثفقي.

قال الحجّاج ذات يوم: أُحبّ أنْ أُصيب رجلاً من أصحاب أبي تراب (علي بن أبي طالب)، فأتقرّب إلى اللهِ بدَمه! فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطول صُحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعثَ في طلبه، فأُتي به.

٧

فقال له: أنت قنبر... قال: نعم، قال: أبو همدان... قال: نعم، قال: مولى علي بن أبي طالب، قال: الله مولاي، وأمير المؤمنين علي وليّ نعمتي، قال: اِبرَأ من دينه، قال: فإذا برئتُ من دينه تدلّني على دينٍ غيره أفضل منه،.. قال: إنّي قاتلكَ، فاختَر أيّ قتلة أحبّ إليك،.. قال: صيّرتُ ذلك إليك،.. قال: ولِمَ؟.. قال: لأنّك لا تقتلني قتلةً إلاّ قتلتكَ مثلها، وقد أخبَرني أمير المؤمنين أنّ منيّتي تكون ذَبحاً ظلماً بغير حقّ، فأُمرَ به، فذُبح.

هكذا كان يعامَل أشياع أهل البيت.

وكما تفنّن الحُكّام والولاة - من أمويين وعباسيين - في قَتل الشيعة، وغيرها من الفِرق الإسلامية، التي لا تأخذ بمذهب أهل السنّة الذي يدين به الحُكام، ويتعصّبون له، تفنّن المؤرّخون، وكتّاب الفِرق، وأرباب الأقلام، في تقسيم أُمّة الإسلام إلى فرقٍ كثيرة، وقسّموا الشيعة إلى فرقٍ كثيرةٍ جداً، زادَ عددها عند بعضهم على الثلاثمئة فرقة، وتفنّنوا أيضاً في إلصاق شتّى التّهم بتلك الفِرق، فنسبوا إليها جميعاً الزيغ والضلال، والكفر والزندقة، والمروق من الدين.

وفي الجهة المقابلة، كان جمهورُ المسلمين يتعرّض لمحاولات تعتيم شديدة على كلّ ما يجري حولَه، ويتعرّض لعمليات (غَسل دماغ) مستمرّة، يشترك فيها الحُكام والولاة والموالون لهم من الكتّاب،.. وقد نجحوا في ذلك نجاحاً باهراً، ومن أبلغ الأدلّة على ذلك القصّتين التاليتين:

الأُولى:

إنّه لَمّا حُمل السجّاد مع سائر سبايا أهل البيت إلى الشام، بعد مقتل سبط رسول الله الحسين، وأُوقفوا على مدرج جامع دمشق في محل عَرض السبايا، دَنا منه شيخ، وقال له: الحمد لله الذي قَتلكم وأهلككم، وأراحَ العباد من رجالكم، وأمكَن أمير المؤمنين منكم.

فقال له علي بن الحسين: (يا شيخ، هل قرأتَ القرآن؟).

٨

قال: نعم.

قال: أقرأتَ هذه الآية:( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟

قال الشيخ: قرأتها.

قال: وقرأتَ قوله تعالى:( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏ حَقّهُ ) ، وقوله تعالى:( وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْ‏ فَأَنّ للّهِ‏ِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) ؟

قال الشيخ: نعم.

فقال: نحنُ والله القربى في هذه الآيات، وهل قرأت قوله تعالى:( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ البَيتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ؟

قال: نعم.

قال: نحن أهل البيت الذي خصّنا بآية التطهير.

قال الشيخ: بالله عليكم، أنتم هُم...

قال: وحق جَدِّنا رسول الله إنّا لنحن هم.. من غير شكّ).

فبقيَ الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به، ثمّ رفعَ رأسه إلى السماء، وقال: الّلهم إنّي أتوبُ إليك من بغض هؤلاء، وإنّي أبرأ إليك من عدوّ محمد وآل محمد من الجنّ والإنس(١) .

الثانية:

إنّه لَمّا ظهرت دعوة أبي مسلم الخراساني، أرسلَ نصر بن سيار إليه رجلاً من بني ليث، ورجلاً من باهلة، يسألانه عن حاله، ودَعوته وسبب خروجه، فبعث أبو مسلم إلى سليمان بن كثير ووجوه مَن معه، فلمّا حضروه، قال لهم: إنّ هذين أتياني برسالة نصر، فكرهتُ أن أسمع منهما، أو أُجيبهما بشيء، حتى تحضروا ذلك. وقد حضرهم وقت الصلاة، فأذّنَ

____________________

(١) مقتل الخوارزمي: الجزء ٢، ص٦١، طبعة النجف.

٩

المؤذِّن، فقام أسلم بن أبي سلام، فقال له أبو مسلم: أين؟ قال: أتوضّأ وأعود، فقال لرسولَي نصر: ونحن نريد ذلك، فإن شئتما فأقيما حتى نفرغ من أمر صلاتنا، وإن كانت بِكُما حاجة إلى الوضوء فامضيا مع أسلم، حتى تقضيا حاجتكما ثمّ ننظر ما معه، ونتفرّغ فيما جئتما له.

فنهضا مع أسلم إلى منزله، فقال أحدهما: والله ما كنّا نحسبكم تصلّون! فقال أسلم: وَمن يُقيم الصلاة لحقّها غيرنا؟ ألستما تعرفاني قبل اليوم؟ قالا: بلى، قال: أفتَرياني كنتُ خارجاً عن الإيمان داخلاً في الكفر؟!

لا تغترّا بأقاويل مَن يشنّع علينا، فو الله إن أصبحَ الحقّ في شيء من المواطن يُدار به إلاّ في موضعنا هذا، الذي نحن فيه، فلا تَغبنا حظّكما منه.

فتوضّأ ودعا لهما بوضوء فتوضّيا وصلّيا، ثمّ دعَوا بهما إلى أبي مسلم، فدخلا عليه وهو يصلّي، فكبّرا وجلسا، ونظرَ أحدهما إلى سَنّور يتردّد في البيت، فكبّر.

فلمّا فرغَ أبو مسلم من صلاته، قال لهما: لِمَ كبّرتما؟ قال أحدهما:كان يقال لنا إنّكم لا تصلّون، وإنّكم تعبدون السنانير، فلمّا رأيناك تصلّي، ورأينا السنّور (مهيناً لديكم) عَلمنا أنّ ما يقال فيكم باطل (١) .

من هاتين القصّتين يتبيّن: أنّ جمهور المسلمين كان مُخدّراً تخديراً تامّاً، مأخوذاً بالدعايات المسمومة، التي كان الحُكام وولاتهم، والموالون لهم من الكتّاب ينفثونها، فكان ينظر إلى كلّ معارضٍ على أنّه كافرٌ ملحدٌ، لا يصلّي ولا يصوم، يرتكب الكبائر، ويبيح الحرمات،... وإنّ أمير المؤمنين (وحده) الذائد عن الدين، المتربّص (بالكَفَرة والزنادقة والمارقين).

وهكذا يتبيّن: أنّ دراسة أيّة فِرقة إسلامية بالاستناد إلى ما كتبه مؤرّخو تلك العهود، مسألة في غاية الصعوبة ؛ لضياع الحقيقة في ركام الدسّ والاختلاق التي تحفل به كتب هؤلاء المؤرّخين، بالإضافة إلى ما فيها من تناقضٍ وتضاربٍ في الأقوال والروايات.

وممّا يؤسف له: أنّ مفكّري الشيعة تأثّروا بدَوْرِهم بما كتَبه المؤرّخون

____________________

(١) أخبار الدولة العباسية: مؤلّف مجهول من القرن الثالث الهجري.

١٠

عن النصيرية، ووقَعوا بنفس تناقضاتهم وأخطائهم، ولو تحرّوا الدقّة في تلك الكتابات والأقوال، لَمَا فاتهم إدراك مراميها والقصد منها.

يقول ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) (١) :

ثمّ تفاقَم أمر الغلاة بعد المغيرة، وأمعنوا في الغلو، فادّعوا حلولَ الذات الإلهية المقدّسة في قومٍ من سلالة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقالوا بالتناسخ، وجَحدوا البعث والنشور، وأسقطوا الثواب والعقاب، وقال قومٌ منهم: إنّ الثوابَ والعقاب إنّما هو ملاذُ هذه الدنيا ومشاقّها، وتولّدت من هذه المذاهب القديمة - التي قال بها سلفهم - مذاهب أفحش منها قال بها خَلفهم، حتى صاروا إلى المقالة المعروفة بالنصيرية، وهي التي أحدَثها محمد بن نصير النميري، وكان من أصحاب الحسن العسكريعليه‌السلام .

وكان محمد بن نصير من أصحاب الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، فلمّا ماتَ ادّعى وكالة لابن الحسن، الذي تقول الإمامية بإمامته، ففضحهُ الله تعالى بما أظهره من الإلحاد والغلو والقول بتناسخ الأرواح، ثمّ ادّعى أنّه رسول الله، ونبيٌ من قِبَل الله تعالى، وأنّه أرسله علي بن محمد بن الرضا، وجَحد إمامة الحسن العسكري وإمامة ابنه، وادّعى بعد ذلك الربوبية، وقال بإباحة المحارم.

وقد أخذَ السيد هاشم معروف هذا الكلام، وردّده حرفياً في كتابه الموسوم(عقيدة الشيعة الإمامية)، ولا يخفى أنّ هذا القول يتناقض مع ما ذكره النوبختي في(فِرَق الشيعة) .

وعن النصيرية يقول صاحب العرفانالشيخ أحمد عارف الزين (٢) :

أمّا النصيرية أو العَلوية، فهُم طائفة من الشيعة، غالَوا في الإمام عليعليه‌السلام ، حتى قالوا به ما قالَه النصارى في المسيح، وبقوا في جهلٍ مطبَقٍ

____________________

(١) الجزء ٣ - ص١٢.

(٢) مجلّة العرفان: العدد ٥، المجلّد ٢٠، رجب ١٣٤٩، ك ١، ١٩٣٠.

١١

عدّة قرون، عائشين في عزلةٍ عن الناس، نافرين من غيرهم أشدّ النفور.

أمّا اليوم، فأصبحَ فيهم فريق من العلماء والأدباء، وكثيرٌ منهم يعتقدون العقائد الجعفرية، ومنهم مَن يعملون بها، ومَن يطالع تاريخ العلويين لا يرى فَرقاً بينهم وبين الشيعة الإمامية.

وكَتب الشيخمحمد حسين الزين العاملي يقول(١) :

وفي أيّام الحسن العسكريعليه‌السلام ظهرت (النصيرية)، أتباع محمد بن نصير الفهري أو النميري، وكَثروا بعد وفاة الحسن، ثمّ قلّوا، ولم يزَالوا كذلك إلى اليوم، وجُلّهم في جبال اللاذقية، وقد تبرّأ الحسن العسكري من عقائد ابن نصير وأتباعه.

لكن إلى جانب هذه الأقوال، نَجد نفراً من مفكّري الشيعة، قد برّأ ساحة النصيرية من كل التّهم التي أُلصقت بها زوراً، وأعلنَ صراحةً أنْ:(لا عَلوي بين العلويين) ، أي ليس بين العلويين مَن يعبُد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، كالشيخ محمد جواد مغنية في كتابه(الفقه على المذاهب الخمسة)، وآخرون غيره.

* * *

وممّا تجدر الإشارة إليه: أنّ الطعن نالَ من كبار الشخصيات الشيعية، كهشام بن الحَكم، كما نالَ من غيرهم.

فابن قتيبة في(المعارف) يَعتبر سفيان الثوري من غلاة الروافض.

ومن المؤرّخين المحدَثين، رأينا عبد السلام رستم يَعتبر آل البيت من الغلاة، يقول في كتابه(أبو جعفر المنصور) - ص ٢٠ -:

وكانت الجمعية المتحالفة مكوّنة في بدء تأسيسها من أخوة ثلاثة، هُم:إبراهيم الإمام، والعباس، وأبو جعفر المنصور، وهُم أبناء محمد بن علي بن

____________________

(١) الطوائف المتشعّبة عن الشيعة وكيف تشعّبت: العرفان، ذو الحجة ١٣٥٤، آذار ١٩٣٦.

١٢

العباس، ومعهم عبد الله بن علي، وابنه محمد (ذو النفس الزكية)، وأخوه إبراهيم، وغيرهم من الغلاة.

لكلّ ذلك لم نأخذ أقوال المؤرّخين ودارِسي الفِرق والمِلل والمذاهب على علاتها، بل أخضعناها للمناقشة والتمحيص، وعَقَدنا المقارنات بين الأقوال ؛ لنستطيع أن نستخلص أقربها إلى الحقيقة.

ولئن كانت قد ظهرت دراساتٍ شتّى عن الفِرق الإسلامية: كالإسماعيلية، والأباضية، والقرامطة، والدروز، والخوارج، والمعتزلة وغيرهم ؛ فإنّ العلويين لم يصدر عنهم أيّ دراسة كاملة شاملة دقيقة، تُظهر هذه الِفرقة على حقيقتها.

وسدّاً لهذا النقص قُمنا بهذه الدراسة، وهدفنا منها:الكشف عن (أسرار) هذه الفِرقة الإسلامية، التي حارَ بأمرِها المؤرّخون، وذهبت أقوالهم فيها كلّ مذهب.

والطريق التي سلكناها في البحث تتلخّص بما يلي:

أوّلاً: تحدّثنا عن الإيمان، وبيَّنا الاختلافات حول تحديد مفهوم الإيمان وتعريفه، وألمـَعنا إلى أنّ الإيمان والإسلام واحد، فلا يصحّ في الشرع أن يُحكم على أحدٍ أنّه مؤمنٌ وليس بمسلمٍ، أو مسلمٌ وليس بمؤمنٍ.

ثمّ تحدّثنا عن الفِرق الإسلامية، واختلافات أصحاب الفِرق في عددها، وفي أسمائها، وفي نسبتها، وفي مقالاتها.

إذ من الملاحَظ أنّ ثمّة خلافٍ كبيرٍ بين أصحاب الفِرق في عدد هذه الفِرق، فمنهم مَن هبطَ بالعدد إلى (١١) فرقة كابن قتيبة في(المعارف) ، على حين جَعل البعض الآخر عدد فِرق الشيعة - فقط - أكثر من ثلاثمئة فِرقة.

ومن جهةٍ أُخرى، فإنّ أصحاب الفِرق لم يتّفقوا فيما بينهم على أسماء تلك الفِرق، فنَجد الواحد منهم يذكر فِرَقاً لم يذكرها الباقون.

وشمل الاختلاف أيضاً نسبة الفِرقة الواحدة، فكلّ واحد من أصحاب الفِرق ينسبها إلى شخصٍ يختلف اسمه من واحدٍ إلى آخَر.

١٣

وتحدّثنا بعدئذٍ عن الفِرق التي اختلفوا في مقالاتها، مُنوّهين بأنّ الاختلاف في مقالات الفِرق كان على نوعين:

الأوّل: اختلاف جزئي، يتمثّل في إضافاتٍ قليلةٍ ذَكرها الواحد دون الآخَر.

الثاني: اختلاف كلّي، بحيث يتضادّ قول الواحد مع أقوال الآخَرين.

وانتقلنا بعد ذلك إلى الحديث عن: أصلِ تسميةِ النصيرية، وتاريخ ظهور النصيرية، ومَواطن النصيرية، لننتقل من ثَمّ إلى الحديث عن عقائد النصيرية.

وتحت هذا العنوان تحدّثنا عمّا كَتبه الشهرستاني في(المِلل والنِحل) ، وابن الأثير في(الكامل) ، وأوردنا نصّ السؤال الذي وجّهه مجهول إلى ابن تيمية، وردّ هذا الأخير عليه، ثمّ ذكرنا ما ذكره القلقشندي في(صبح الأعشى).

مع مقارنة هذه الأقوال مع بعضها البعض، وتبيان ما فيها من اختلاف وتناقض.

ثمّ تحدّثنا عن النصيرية عند المؤرّخين المحدَثين، وحَصرنا كتابات هؤلاء في عدّة اتجاهات:

الاتجاه الأوّل: ترديد ما قاله الشهرستاني في الملل والنحل على الانقياد والتسليم.

الاتجاه الثاني: ترديد ما قاله القلقشندي في صبح الأعشى إمّا كلياً أو جزئياً.

الاتجاه الثالث: يخلط أصحابه في حديثهم عن النصيرية ما بينها وبين الإسماعيلية.

الاتجاه الرابع: أصحاب هذا الاتجاه نوّعوا مصادرهم، فلم يقفوا عند مصدرٍ واحد.

١٤

الاتجاه الخامس: عكس الآراء السابقة تماماً، وأصحابه يُبرّئون ساحة النصيرية، وينفون عنها التّهم التي أُلصقت بها.

ولمـّا كان المؤرّخون - القدماء منهم والمحدَثون - لم يستندوا فيما كَتبوا عن النصيرية إلى كتابات رجالات هذه الفرقة، فقد أفردنا فصلاً خاصّاً، تحدّثنا فيه عن العلويين من خلال آثارهم ؛ ذلك أنّ العلويين ككل شعبٍ من الشعوب، أنتجوا خلال تاريخهم أدباً، شِعراً كان أم نثراً، فتتبّعنا ما كتبوه، وأثبتنا الشواهد الشِعرية والنثرية التي تتضمّن تاريخهم ومعتقداتهم.

ومن هذه الشواهد استخلصنا أهمّ عقائد العلويين.

وبذلك نكون قد قدّمنا للقارئ هذه الفرقة من خلال جميع الأقوال التي قيلت فيها، وبالاستناد إلى أقوال رجالاتها هي.

وعسانا نكون قد وفِّقنا في إظهار هذه الفرقة الإسلامية على حقيقتها.

والله وليّ التوفيق.

هاشم عثمان

١٥

١٦

الإيمانُ والإسلام

إنّ دراسة أيّة فرقةٍ من الفِرق الإسلامية الكثيرة - التي عرفتها أُمّة الإسلام - مرتبط من قريبٍ أو بعيد بموضوع الإيمان.

ومفهوم الإيمان أمرٌ عسير ؛ لأنّه يتعلّق بجوهر الديانة ذاتها، فلا غرابة أن يخوض في ذلك أصحاب الديانات بصفة عامّة من عهودٍ بعيدة إلى يوم الناس هذا(١) ، وقد اختلفَ الفقهاء قديماً وحديثاً في تحديد مفهوم الإيمان وفي تعريفه، فمن قائلٍ: إنّ الإيمان قولٌ باللسان وإن اعتقدَ الكفر بقلبه، فهو مؤمنٌ عند الله عزّ وجل من أهل الجنّة، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه.

ومن قائلٍ: إنّ الإيمان عقدٌ بالقلب وإن أعلنَ الكفر بلسانه بلا تقية، وعَبَد الأوثان، أو لزِم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعَبَد الصليب، وأعلن التثليث، وماتَ على ذلك، فهو مؤمنٌ كامل الإيمان عند الله عزّ وجل من أهل الجنّة، وهذا قول جهم بن صفوان والأشعري(٢) .

____________________

(١) سعد غراب: مفهوم الإيمان عند الفِرق الإسلامية، مجلّة الفكر الإسلامي، ربيع الأوّل ١٣٩٥هـ.

(٢) ابن حزم: الفصل في المِلل والأهواء والنحل.

١٧

ومن قائلٍ: إنّ أُمّة الإسلام جامعة لكلّ مَن أقرّ بشهادَتي الإسلام لفظاً، فكل مَن قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فهو مؤمنٌ حقّاً، وهو من أهل الإسلام، سواء كان مخلصاً فيه، أو منافقاً يضمر الكفر فيه والزندقة(١) .

وأشمل تعريف للإيمان: هو تعريف الإمام عليعليه‌السلام له.

قال الإمام عليعليه‌السلام :

(الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد. والصبرُ منها على أربع شُعب: على الشوق، والشَفق، والزهد، والترقّب.

فمَن اشتاقَ إلى الجنّة سلا عن الشهوات، ومَن أشفقَ من النار اجتنبَ المحرّمات، ومَن زهدَ في الدنيا استهانَ بالمصيبات، ومَن ارتقبَ الموت سارع إلى الخيرات.

واليقينُ منها على أربع شُعب: على تبصرة الفطنة، وتأوّل الحكمة، وموعظة العِبرة، وسُنّة الأوّلين. فمَن تبصّر في الفطنة تبيّنت له الحكمة، ومَن تبيّنت له الحكمة عرفَ العِبرة، ومَن عرفَ العِبرة فكأنّما كان في الأوّلين.

والعدلُ منها على أربع شُعب: على غائص الفَهم، وغور العلم، وزهرة الحكم، ورساخة الحلم. فمَن فَهم عَلِم غور العلم، ومَن عَلِم غور العلم صدرَ عن شرائع الحكم، ومَن حلم لم يفرط في أمره وعاشَ في الناس حميداً.

والجهاد منه على أربع شُعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمَن أمرَ بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين، ومَن نهى عن المنكر أرغمَ أنوف المنافقين، ومَن صَدق في المـَواطن قضى ما عليه، ومَن شنأ الفاسقين وغضبَ لله أرضاه يوم القيامة.

____________________

(١) البغدادي: الفَرقُ بين الفِرق.

١٨

والكفر على أربع دعائم: على التعمّق، والتنازع، والزيغ، والشقاق. فمَن تعمّق لم ينب إلى الحق، ومَن أكثَر نزاعه بالجهل دام عَماه عن الحق، ومَن زاغَ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيّئة وسَكرَ سكر الضلالة، ومَن شاقَ وعَرت عليه طُرقه، وأعضلَ عليه أمره وضاقَ عليه مخرجه.

والشك على أربع شُعب: على التماري والجهل، والهول، والتردّد، والاستسلام. فمَن جعل المراء ديدَناً له لم يصبح لَيله، ومَن هالَه ما بين يديه نكص على عقبيه، ومَن تردّد في الريب وطَأَته سنابك الشياطين، ومَن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلكَ فيهما).

والإيمان المجمل يتمّ بشهادةٍ واحدة عند أبي حنيفة، ثمّ يجب عليه الثبات والتقرير بأوصاف الإيمان، وعند الشافعي يتمّ بشهادتين، ثمّ يجب عليه سائر أوصاف الإيمان وشرائطه، ولم يثبت التقيّد من الشارع بلفظ أشهد أن لا إله إلاّ الله، بل يصحّ بكل لفظٍ دالٍّ على الإقرار والتصديق، ولو بغير العربية مع إحسانها، وكذا يصحّ بترك القول(١) .

وقد وضَع أبو حنيفة القاعدة:(أهلُ القبلة كلّهم مؤمنون، ولا يُخرجهم من الإيمان ترك شيء من الفرائض) .

والغزالي يزيد تحديداً، فيقول: (اعلَم أنّ شرح ما يكفر به ولا يكفر يستدعي تفصيلاً طويلاً، فاقتنِع الآن بوصية وقانون. أمّا الوصية، فأنْ تكفّ لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك، ما داموا قائلين لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، وأمّا القانون فهو أن تعلم أنّ النظريات قسمان: قسمٌ يتعلّق بأُصول القواعد، وقسمٌ يتعلّق بالفروع.

وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله، ورسوله، وباليوم الآخر، وما عداه فروع، واعلم أنّه لا تكفير في الفروع أصلاً، إلاّ في مسألةٍ واحدةٍ هي: أن ينكر أصلاً دينياً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتواتر، ولكن في بعضها تخطئة، كما في الفقهيات، وفي بعضها

____________________

(١) الكفوي: الكليات.

١٩

تبديع...)(١) .

والإيمان والإسلام واحد ؛ لأنّ الإسلام هو الخضوع والانقياد، بمعنى قبول الأحكام والإذعان، وذلك حقيقة التصديق على ما مرّ.. ويؤيّده قوله تعالى:( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (الذاريات: ٣٥ - ٣٦).

وبالجملة: لا يصحّ في الشرع أن يحكم على أحدٍ أنّه مؤمن وليس بمسلم، أو مسلم وليس بمؤمن، فالإيمان لا ينفكّ عن الإسلام حُكماً، فلا يتغايران(٢) .

خلاصة القول: يتبيّن ممّا تقدّم:

١ - إنّ الإيمان والإسلام واحد، فلا يصحّ في الشرع أن يحكم على أحدٍ أنّه مؤمنٌ وليس بمسلمٍ، أو مسلمٌ وليس بمؤمنٍ.

٢ - إنّ الإيمان هو الإقرار باللسان، فمَن نطَق بالشهادتين وهما: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله صارَ مسلماً، أي مواطناً في دولة الإسلام، وتمتّع بجميع الحقوق التي يتمتّع بها المسلم(٣) .

من هذا المفهوم للإيمان - وعلى أساسه - تكون دراسة أيّة فرقة من الفِرق الإسلامية الكثيرة وتقويمها.

____________________

(١) عبد الحليم الجندي: الشريعة الإسلامية.

(٢) السعد التفتازاني: شرح العقائد النفسية.

(٣) علي الطنطاوي: تعريف عام بدين الإسلام.

٢٠

مبغض عليّ وآل عليّ في النار، ومحبّ عليّ وآل عليّ في الجنّة...................... ٥٩٨

الطّرفة الثالثة والثلاثون...................................................... ٦٠٣

قال عليّعليه‌السلام : غسلت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا وحدي وهو في قميصه، فذهبت أنزع عنه القميص، فقال جبرئيل: لا تجرّد أخاك من قميصه؛ فإنّ الله لم يجرّده

........................................................................... ٦٠٣

[ قال عليّعليه‌السلام ]: فغسّلته بالروح والريحان والرحمة، والملائكة الكرام الأبرار الأخيار، تشير لي وتمسك، وأكلّم ساعة بعد ساعة، ولا أقلب منه عضوا إلاّ قلب لي

........................................................................... ٦٠٥

[ قال عليّعليه‌السلام ]: ثمّ واريته، فسمعت صارخا يصرخ من خلفي: يا آل تيم، ويا آل عدي، ويا آل أميّة( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) ، اصبروا آل محمّد تؤجروا، ولا تحزنوا فتؤزروا،( مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ٦٠٧

ثبت مصادر التوثيقات...................................................... ٦١١

٢١

٢٢

مقدّمة المؤسسة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله المعصومين لا سيّما أوّلهم مولانا أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وخاتمهم مولانا الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر عجّل الله فرجه وفرجنا بظهوره ولعنة الله على أعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

إنّ مؤسّسة عاشوراء للتّحقيق والدراسات جعلت جزءا من نشاطها - والّذي اسندته إلى مؤسسة تاسوعاء للنشر - مهمّة تحقيق النّصوص ونشرها بالمستوى العلمي المطلوب واللاّئق بها، فإنّ هذه المؤسسة بالاضافة إلى نشاطها الواسع والمستمرّ منذ سنين في مجال التّحقيق حول الموضوعات الّتي تهمّ الأمّة الاسلامية وإعداد دراسات شاملة ومستوعبة لهذه الموضوعات التي تؤول نتائجها ومنتهياتها إلى من تخصّهم، سواء الّذين أسندوا إليها القيام بأعمال تحقيقيّة أو دراسات علميّة، أو الّذين ترتكز الاستفادة منها عندهم وتؤتى ثمارها بأيديهم.

فبالاضافة إلى مثل هذا النشاط الواسع العميق الّذي لا يقدّر قدره إلاّ المعنيّون وذوو الاختصاص، من افراد وجماعات ومؤسّسات، ارتأت أن تقوم بمهمّة أخرى وهي تحقيق النصوص والكتب التي ترى أنّ الأمّة بحاجة إليها، سواء الّذي لم ينشر

٢٣

من قبل أو الّذي نشر ولكن بصورة غير لائقة.

ونحمد الله سبحانه - وهو وليّ الحمد - أن تمّ من هذا الجانب من نشاط المؤسّسة تحقيق كتاب ( طرف من الأنباء والمناقب فى شرف سيّد الأنبياء وعترته الاطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ ابى طالب ) للسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاوس الحسنى الحلّي، العلاّمة والمؤلّف الشهير، ومن أنبغ اعلام سابع قرون الهجرة النّبويّة. قام بتحقيق الكتاب الاستاذ الشيخ قيس العطّار؛ وقدّم له مقدّمة وافية بالتعريف بالكتاب والمؤلف ومنهج التحقيق، نسأل له التوفيق وللمؤسّسة الهداية والتّسديد فى كافة انحاء النّشاط الّتي تقوم بها، وأن يأخذ بأيديها إلى ما يرضيه سبحانه ويرضي أولياءه المعصومين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إنه نعم المولى ونعم النصير.

مشهد المقدّسة

١١ / ذي القعدة / ١٤٢٠

٢٨ / ١١ / ١٣٧٨

( يوم ميلاد مولانا وحامي حمانا الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام )

( مؤسسة عاشوراء للتّحقيق والدراسات )

٢٤

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق أجمعين، أبي القاسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى عترته وآل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

فإنّ أوّل خلاف برز بشكل علنيّ بين المسلمين، هو ذلك الخلاف الّذي بدأه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب قبيل وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله والتحاقه برب العالمين، حين طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، فاعترض عمر بن الخطّاب قائلا: « إن الرّجل ليهجر، حسبنا كتاب الله » وافترق المسلمون الحاضرون فرقتين، واحدة تقول بما قال عمر، وثانية تقول بضرورة تنفيذ ما طلبه النبيّ، فكثر الاختلاف واللّغط، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع »، حتّى قال ابن عباس: « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ».

وليس بالخفي أنّ بوادر الخلاف وعدم الانصياع التام لأوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت

__________________

(١) انظر الملل والنحل ( ج ١؛ ٢٩ ) وصحيح البخاري ( ج ٦؛ ١١ / باب مرض النبي ) وصحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٢٥٩ / كتاب الوصيّة - الحديث ٢١، ٢٢ )

٢٥

موجودة حتّى في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد أرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيا ولم يبعثه مقاتلا، فوضع خالد السيف فيهم؛ انتقاما لعمّه الفاكه بن المغيرة؛ إذ كانوا قتلوه في الجاهليّة، فبرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من صنعه وأرسل عليّاعليه‌السلام فودى لهم الدماء والأموال(١) ، كما اعترض عمر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلح الحديبيّة، وفي وعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ربّه بأن يدخلوا المسجد الحرام(٢) ، وأشار على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل أسارى بدر وفيهم عمّ النبيّ وبعض أرحامه(٣) ، وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أمر الخليفة الأوّل بقتل الرجل المارق الّذي كان يصلّي فلم يطيعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورجعا عن قتله(٤) ، كما أنهما فرّا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من مرّة وفي أكثر من زحف(٥) ، وكما أنّهما تخلّفا عن جيش أسامة(٦) إلى غير ذلك من مفردات خلاف الشيخين وصحابة آخرين لأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولمّا زويت الخلافة عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، تبدّل مسير التاريخ الإسلاميّ، وأثّر هذا التبدّل على العقائد والفقه والتفسير والحديث وجميع العلوم الإسلاميّة، حتّى إذا تسلّم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أزمّة الأمور واجهته مشاكل جمّة، كان من أكبرها التحريفات والتبديلات الّتي أصيب بها الفكر الإسلامي، والمسار المعوّج

__________________

(١) انظر تاريخ ابن الاثير ( ج ٢؛ ٢٥٥، ٢٥٦ )

(٢) انظر صحيح البخاري ( ج ٦؛ ١٧٠ )، صحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٤١١ )، فتح القدير ( ج ٥؛ ٥٥ ) وانظر الطرائف ( ج ٢؛ ٤٤٠، ٤٤١ )

(٣) انظر صحيح مسلم ( ج ٦؛ ١٥٧ )، شرح النهج ( ج ١٤؛ ١٨٣ )، السيرة الحلبية ( ج ٢؛ ١٩١ )

(٤) انظر مسند أحمد ( ج ٣؛ ١٥ )، العقد الفريد ( ج ٢؛ ٢٤٤؛ ٢٤٥ )

(٥) انظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٤٧ )، كشف الغمة ( ج ١؛ ١٩٢ )، شرح النهج ( ج ١٥؛ ٢٠ ) مغازي الواقدي ( ج ١؛ ٢٩٣ )، المستدرك للحاكم ( ج ٢؛ ٣٧ ) وانظر دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٥٥٣ ) ونفحات الجبروت للعلاّمة المعاصر الاصطهباناتي / الجلد الأول - الدليل الرابع

(٦) انظر السقيفة وفدك ( ٧٤، ٧٥ )، شرح النهج ( ج ٦؛ ٥٢ )، وانظر طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٩٠ ) و ( ج ٤؛ ٦٦ )، تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١١٣ )، الكامل لابن الاثير ( ج ٢؛ ٣١٧ )، أنساب الأشراف ( ج ١؛ ٤٧٤ )، تهذيب تاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٣٩١ )، أسد الغابة ( ج ١؛ ٦٨ )، تاريخ أبي الفداء ( ج ١؛ ١٥٦ )، النص والاجتهاد (٣١)، عبد الله بن سبأ ( ج ١؛ ٧١ ).

٢٦

الّذي رسمته السلطات الانتفاعيّة والانتهازية، والّذي أدّى إلى شلّ الفكر القويم عند طائفة كبيرة من المسلمين.

لقد أجهدت هذه الحالة الفكريّة المشوّشة إصلاحات الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخذت منه مأخذا كبيرا ووقتا طويلا، فأصلحعليه‌السلام منها ما أصلحه وبقي قسط آخر منها مرتكزا في نفوس الناس كنتيجة سلبيّة من مخلّفات من سبقه من الرجال، فلم يتمكّنعليه‌السلام من تغييرها خارجا وإن أثبت بطلانها وخطأها على الصعيد الفكري.

روي عن سليم بن قيس ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته، فقال: « قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى موضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتفرق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الّذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمةعليه‌السلام ، ورددت صاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ وأعطيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسويّة، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله وفرضه وحرّمت المسح على الخفّين، وحددت على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وأخرجت من أدخل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممّن كان رسول الله أخرجه وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها إذن لتفرقوا عنّي والله، لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض

٢٧

أهل عسكري ممّن يقاتل معي: « يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا »، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري. ما لقيت من هذه الأمّة من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار(١) ».

ولمّا آل الأمر إلى ملك بني أميّة، وعلى رأسهم معاوية، أخذ يتلاعب بالدين كيفما شاء ويوجّه الأحكام إلى أيّ وجهة أراد، فوضع في البلدان من يختلق الفضائل لمن لا فضيلة له، ومن يضع المكذوبات للنيل من عليّ وآل عليّعليه‌السلام (٢) ، فالتفّ حوله المتزلّفون والوضّاعون والكذّابون من أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب(٣) ، وغيرهم من الطحالب الّتي تعيش في زوايا المياه، حتّى تسنّى له أن يعلن ويجاهر بسبّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ظلما على المنابر(٤) ، مع أنّ معاوية ملعون عدلا على لسان القنابر(٥) .

ولمّا ملك العبّاسيّون كانوا أشدّ ضراوة وقساوة على الدين وعلى أهل البيت وأتباعهم، فراحوا يسعون ويجهدون إلى طمس فضائلهم وإطفاء نور الله الذّي خصّهم به، فطاردوا العلويّين والشيعة واضطهدوهم سياسيّا وفكريّا، وروّجوا للمذاهب الأخرى المضادّة لمذهب أهل البيتعليه‌السلام ، وتبنّوا الآراء الفاسدة والمنحرفة لمجابهة الحقّ، وإبعادا للمسلمين عن الالتفاف حول المنبع الثرّ والعطاء الزاخر الّذي تميّز به منهج أهل البيتعليه‌السلام .

وهكذا استمرت الحكومات، وتوالت السلطات، وتظافرت على كتم الحقّ ونشر ما يخالفه.

__________________

(١) الكافي ( ج ٨؛ ٥٨ - ٦٣ )

(٢) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٦٣ ) وصرّح أنّ منهم أبا هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.

(٣) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٧٣ )، نقلا عن أبي جعفر الإسكافي

(٤) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٥٦، ٥٧ )، فرحة الغري ( ٢٤، ٢٥ )

(٥) انظر الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ٤٧، ٤٨ )

٢٨

إلاّ أنّ الجهود الخيّرة والمساعي المثمرة للأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام صمدت في وجه كلّ تلك الحملات المسعورة، فربّى الأئمّة عباقرة وجهابذة وحملة للرسالة، قارعوا الأفكار الخاطئة ونشروا وتحمّلوا أعباء الرسالة الصحيحة، فدوّنوا المؤلّفات الّتي تصحّح كلّ ما مسّته يد التحريف والتلاعب.

وكان النصيب الأوفر من الخلاف، والقسم الأضخم من النزاع، قد انصبّ على مسألة الإمامة والخلافة والوصيّة لعليّعليه‌السلام ، فدار حولها الجدل والخلاف في أوّل يوم بعد وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في سقيفة بني ساعدة، حيث احتجّ المهاجرون على الأنصار بأنّهم من قومه وعشيرته، واحتجّت الأنصار على المهاجرين بأنّهم الّذين آووا ونصروا، وأنّهم الأوّلون قدما في الإسلام، وامتدّ النزاع واشتجر بينهم، ناسين أو متناسين حقّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وأولويّته بالخلافة ولو وفق ما احتجّ به الفريقان.

وعلى كلّ حال، فقد سيطر أبو بكر بمساعدة عمر على الأمور بالقوّة والعسف، ولم يصخ سمعا لاحتجاجات عليّعليه‌السلام المحقّة، مبتدعا قولة « لا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم »(١) ، ومن ثمّ ادّعى من بعدها « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهما ولا دينارا »(٢) ، وما إلى غيرها من مبتكرات الخلافة المتسلّطة.

من هنا نجد أنّ الصراع الفكري في مسألة الإمامة الّتي أخفى الظالمون معالمها قويّ جدّا، فراح رواة الشيعة وعلماؤهم يؤلّفون أخذا عن أئمّتهمعليه‌السلام في هذا المجال العقائديّ،

__________________

(١) انظر كتاب سليم بن قيس (١١٧) وفيه: ثمّ ادعى أنّه سمع نبي الله يقول: إنّ الله أخبرني أن لا يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة، فصدّقه عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ. وانظر جواب علي على ذلك إذ دخل في الشورى، في كتاب سليم أيضا (١١٩)

(٢) انظر صحيح البخاري ( ج ٥؛ ١٧٧ )، صحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٣٨٠ )، السيرة الحلبية ( ج ٣؛ ٣٨٩ ). وهذا الحديث من مخترعات أبي بكر لم يرو عن غيره. قال ابن ابي الحديد: قال النقيب أبو جعفر يحيى بن محمّد البصري: إن عليا وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة، يكذبون « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » ويقولون أنّها مختلقة. انظر شرح النهج ( ج ١٦؛ ٢٨٠ )

٢٩

فدوّنوا كتبهم في الإمامة والوصيّة - منذ العصور الإسلاميّة الأولى - بشكل مرويّات عن أئمّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخير شاهد ودليل على ذلك كتاب « سليم بن قيس الهلاليّ » الّذي يعدّ أقدم ما وصلنا في هذا المضمار، إضافة إلى كثير في كتب أصحاب الأئمّةعليه‌السلام الّتي لم يصلنا أكثرها بسبب الظلم والاضطهاد وقسوة المدرسة المقابلة الّتي تمتلك القدرة الفعليّة وتقمع المعارضين.

بسبب هذا الصراع الفكريّ والعقائديّ، كثرت التآليف في الإمامة عموما بجميع تفاصيلها ومفرداتها، وفي الوصيّة - وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة لعليّ وأبنائه الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام - خصوصا، وهو ما يهمّنا في هذا البحث، باعتبار أنّ كتاب « الطّرف » مختصّ بوصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بالإمامة له ولولدهعليهم‌السلام ، وكيفيّة أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة لعليّعليه‌السلام ، ووصيّته له بأن يدفنه هو ولا يدفنه غيره، وما إلى ذلك من مواضيع تدور كلّها في مدار الوصيّة.

وبنظرة عجلى حول ما ألّف تحت عنوان « الوصيّة »، وجدنا الكتب التالية للمتقدّمين:

١ - « الوصيّة والإمامة » لأبي الحسن عليّ بن رئاب الكوفيّ، من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، ممّا يعني أنّه كان حيّا بعد سنة ١٤٨ ه‍. ق. وهي سنة تولّي الإمام الكاظمعليه‌السلام للإمامة.

٢ - « الوصيّة والردّ على منكريها »، لشيخ متكلّمي الشيعة، أبي محمّد، هشام ابن الحكم الكوفي، المتوفّى سنة ١٩٩ ه‍.

٣ - « الوصيّة » لمحمّد بن سنان؛ أبي جعفر الزاهريّ، من ولد زاهر مولى عمرو ابن الحمق الخزاعيّ، يروي عن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ، توفّي سنة ٢٢٠ ه‍.

٤ - « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجلي، أبي موسى الضرير، الراوي عن الكاظمعليه‌السلام ، وأبي جعفر الثاني الإمام الجوادعليه‌السلام ، توفّي سنة ٢٢٠ ه‍.

٥ - « الوصيّة » لأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي، وهو من ولد عمّ المختار الثقفيّ، توفّي سنة ٢٨٣ ه‍.

٣٠

٦ - « الوصيّة » أو « إثبات الوصيّة » للمؤرّخ الثبت العلاّمة النسّابة، عليّ بن الحسين ابن عليّ المسعوديّ الهذليّ، صاحب كتاب « مروج الذهب »، المتوفّى سنة ٣٤٦ ه‍.

٧ - « الوصيّة » لأبي العبّاس أحمد بن يحيى بن فاقة الكوفيّ، الراوي عن أبي الغنائم محمّد بن عليّ البرسيّ، المتوفى سنة ٥١٠ ه‍، يرويه عن مؤلّفه السيّد أبو الرضا فضل الله الراونديّ.

وأمّا الكتب الّتي ألّفت تحت عنوان « الإمامة » والّتي تتضمّن مرويّات وبحوث الوصيّة فهي كثيرة قديما وحديثا، ممّا يعسر إحصاؤها وعدّها جميعا، حتّى أنّ العلاّمة المتتبّع الآغا بزرك الطهرانيّ (رض) قال:

الإمامة من المسائل الكلاميّة الّتي قلّ في مؤلّفي الأصحاب من لم يكن له كلام فيها، ولو في طيّ سائر تصانيفه، أو مقالة مستقلّة، أو رسالة، أو كتاب في مجلّد، أو مجلّدات إلى العشرة فما فوقها، فأنّى لنا بإثبات الكلّ أو الجلّ(١) ...

ثمّ عدّ من كتب أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام وسائر الرواة والكتّاب ما يقارب المائة مصنّف ومؤلّف من مؤلّفات الشيعة الإماميّة(٢) ، وهي جميعا تحتوي في مطاويها على البحوث والمرويّات المتعلّقة بالوصيّة.

وعلى كلّ حال، فإنّ كتابنا « الطّرف » له ارتباط وثيق بكتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجليّ، وهذا ما يقتضي أن نبحث هذه الزاوية المهمّة، ثمّ نبحث حياة السيّد عليّ بن طاوس مؤلّف « الطّرف »، ومن بعده ما يتعلّق بعيسى ابن المستفاد البجليّ.

اسم الكتاب

لقد اختلفت النسخ الخطيّة، والمطبوعة القديمة، بل وحتّى السيّد ابن طاوس نفسه في تعيين اسم الكتاب كاملا، بحيث نجد أنّ النسخة الواحدة تذكر في بدايتها له

__________________

(١) الذريعة ( ج ٢؛ ٣٢٠ )

(٢) انظر الذريعة ( ج ٢؛ ٣٢٠ - ٣٤٣ )

٣١

اسما، ثمّ تعود في خاتمتها فتذكر اسما آخر، ويذكر له السيّد ابن طاوس في إجازته اسما، وفي كشف المحجّة اسما آخر، وهذا ما يحدو بنا أن نذكر ما اطّلعنا عليه في هذا المجال، ثمّ نرجّح اسم الكتاب في خاتمة المطاف.

إنّ النسخة « أ » صرّحت في بدايتها أنّ اسم الكتاب « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

ثمّ كتب في آخرها: تمّت صورة ما وجدته من هذا الكتاب الموسوم ب « طرف الأنباء والمناقب في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه وتنصيصه لخلافة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

وإذا لاحظنا المطبوعة من الكتاب، والّتي طبعت في النجف الأشرف عام ١٣٦٩ ه‍. ق. عن نسخة سقيمة مغلوطة، وجدنا عنوان الكتاب في الصفحة الأولى، هكذا « الطّرف من المناقب في الذريّة الأطائب »، مع أنّ المصرّح به في آخر الكتاب هو: تمّت صورة ما وجدته من نسخة هذا الكتاب الشريف الموسوم بكتاب « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام »، وهذا ما يعني توافق ما في بداية نسخة « أ » مع ما في آخر نسخة « ب ».

وقد أورد الآغا برزگ الطهراني « رض » في « الذريعة » اسم الكتاب مطابقا لما في بداية « أ » وآخر « ب » مع إضافة ألف ولام في بداية عنوانه، فقال: « الطّرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) ».

وأورد السيّد ابن طاوس اسم الكتاب في إجازته مطابقا لما في بداية « أ »

__________________

(١) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

٣٢

وآخر « ب » أيضا، مع إبداله الواو العاطفة - في قوله « والخلافة » - بالباء المتعلّقة بالوصيّة، فصارت « بالوصيّة بالخلافة »، وإليك نصّ عبارته: « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) ».

وما أن تقاربت الأسماء حتّى برز اسم الكتاب بشكل آخر في « كشف المحجّة » حيث سماّه ب « طرف الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء وعترته الأطائب(٢) ».

وأمّا النسختان « ج » « هـ » فلم تتعرّضا للاسم أبدا، وإنّما كتب اسم كتاب « الطّرف » من مفهرسي مكتبة الآستانة الرضويّة على مشرّفها السلام.

واكتفت النسخة « د » في بدايتها، والنسخة « و » في بدايتها ونهايتها، بالتعبير بكتاب الطّرف، وهذا تساهل واضح واختصار دأب عليه الكتّاب والمؤلّفون والفضلاء في غير مقام التدقيق العلميّ.

والعجب أنّ كاتب النسخة « أ » من الفضلاء - كما ستقف على ذلك في وصف النسخ - وقد بذل جهدا عظيما في تحرّي الدقّة والضبط ومقابلة نسخته مع نسخ أخرى، ورجّح وأحسن التلفيق في أكثر الموارد، ومع هذا نراه يغفل عن اختلاف اسم الكتاب ومغايرة ما في فاتحته لما في خاتمته.

وأعجب منه ما في بداية نسخة « ب » من اقتضاب مخلّ، عمّا في آخر النسخة من اسم تفصيليّ للكتاب، ولا أدري هل أنّ طابع الكتاب تصرّف بالعنوان حتّى جعله كما مرّ عليك، أم أنّ النسخة الّتي طبع عنها كانت مبتلاة بنفس هذا الاختلاف والاقتضاب.

ومهما كان الأمر، فإنّ الطريقة العلميّة توجب علينا أن نلتزم بما هو أقرب لمراد المؤلّف « رض »، وبما أنّ عنوان الكتاب في إجازات ابن طاوس مقارب جدّا

__________________

(١) الإجازات للسيّد ابن طاوس، المطبوع في البحار ( ج ١٠٧؛ ٤٠ )

(٢) كشف المحجة (١٩٠)

٣٣

لما في بداية « أ » وآخر « ب » وما في الذريعة من جهة، ولأنّ علماءنا في إجازاتهم يتحرّون الدقّة في ضبط ما يجيزون روايته عنهم، رأينا أنّ ما في الإجازات هو أقرب لمراده « رض ».

على أنّ ما في « كشف المحجّة » أيضا لا يمكن التغاضي عنه، لأنّه في الواقع بعض العنوان الذي في الإجازات بسقوط الحرف « من »، وبذكر الموصوف لفظا، أي قوله « وعترته الأطائب »، وهذا المقدار ممّا يتساهل فيه في أسماء وعناوين الكتب، خصوصا أنّ السيّد يذكر مؤلّفاته بأسماء مختلفة متقاربة بعضها من بعض، ومن راجع مؤلّفاته عرف صحّة ما نقول، ويكفيك أن تلقي نظرة سريعة على « كشف المحجّة » و « إجازاته » و « سعد السعود » لترى تعدّد تسمياته لكتبه بعناوين وأسماء متقاربة، وسنثبت بعض ذلك في أثناء تعدادنا لمؤلّفاته ومصنّفاته، فمن هنا ساغ لنا أن نرجّح أنّ اسم الكتاب هو « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء وعترته الأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

بين الطّرف والوصيّة

إنّ « كتاب » الطّرف يحتوي على ثلاث وثلاثين طرفة، دوّنها السيّد ابن طاوس بعد ذكره لمقدّمة أوضح فيها أحقّيّة مذهب الإماميّة الاثني عشريّة على نحو الإجمال.

وكتاب « الطّرف » يعدّ بمنزلة المتمّم أو المستدرك لكتاب « الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف »، فإنّ السيّد ابن طاوس سمّى نفسه في كتاب « الطرائف » ب « عبد المحمود بن داود » تعمية وتقيّة من الخلفاء العبّاسيّين الّذين لا يحتملون سماع الحقّ، وينكلون بكلّ من يفوه به.

وفيما يتعلّق بهذه النكتة نقل عن خطّ الشهيد الثاني، أنّه قال: إنّ التسمية بعبد المحمود لأنّ كلّ العالم عباد الله المحمود، والنسبة إلى داود إشارة إلى « داود ابن الحسن المثنّى » أخ الإمام الصادقعليه‌السلام في الرضاعة، وهو المقصود بالدعاء المشهور

٣٤

بدعاء أمّ داود، وهو من جملة أجداد السيّد ابن طاوس « رض »(١) .

وقد اعتمد السيّد ابن طاوس بشكل كبير جدّا في « الطرائف » على كتب أبناء العامّة ورواتهم، وعلى ما اتّفق على نقله جميع المسلمين في كتبهم للوصول إلى الحقّ وإثبات أحقّيّة مذهب الإماميّة، وبعد باقي المذاهب عن طريق الحقّ وجادّة الصواب، وأنّ المذاهب الأربعة وأتباعها لم يلتزموا بما ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرقهم وطرق غيرهم في ولاية وإمامة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وباقي ولده من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ونفس هذا النهج في إخفاء اسمه سلكه في كتاب « الطّرف »، فلم يصرّح باسمه بالمرّة، وإنّما قال: « تأليف بعض من أحسن الله إليه وعرّفه ما الأحوال عليه »، قال الآغا بزرك الطهرانيّ « رض »: « وما صرّح في الطّرف باسمه تقيّة »(٢) ، فهو كما كان يتّقي في عدم تصريحه باسمه في « الطرائف »، كذلك اتّقى فلم يصرّح به في « الطّرف ».

لكنّ « الطّرف » يمتاز عن « الطرائف »، بأنّه اختصّ بذكر ما ورد صريحا من طرق آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في إثبات الولاية والإمامة والوصيّة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وما لا مجال فيه من النصوص للتأويل والتمحّل والحمل على الوجوه البعيدة والغريبة، فكأنّه « رض » أراد تتميم أو استدراك ما فات من كتاب « الطرائف ».

وقد صرّح السيّد ابن طاوس بذلك في مقدّمة « الطّرف »، قائلا: « وقد رأيت كتابا يسمّى كتاب « الطرائف في مذاهب الطوائف »، فيه شفاء لما في الصدور، وتحقيق تلك الأمور، فلينظر ما هناك من الأخبار والاعتبار، فإنّه واضح لذوي البصائر والأبصار، وإنّما نقلت هاهنا ما لم أره في ذلك الكتاب من الأخبار المحقّقة أيضا في هذا الباب »(٣) .

__________________

(١) انظر مقدّمة الطرائف (١٠)

(٢) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٣) انظر نهاية مقدّمة المؤلّف من كتاب الطّرف

٣٥

وقال في كشف المحجّة: « يتضمّن كشف ما جرت الحال عليه في تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته من يرجعون بعد وفاته إليه، من وجوه غريبة، ورواية من يعتمد عليه(١) ».

وقال في إجازاته: « وممّا صنّفته وأوضحت فيه من السبيل بالرواية ورفع التأويل كتاب « طرف من الأنباء » وهو كتاب لطيف جليل شريف(٢) ».

ولذلك نرى أنّ النسخ الخطّيّة، تشير إلى أنّه « تكملة الطرائف »، بل ووضعت النسخة « أ » ملحقة بكتاب « الطرائف »، وأشير إلى أنّ « الطّرف » تكملة « للطرائف » وتتمّة له، ولهذا قال الآغا بزرك الطهرانيّ « رض »: « والطّرف استدراك للطرائف »(٣) .

ولو لا أنّ السيّد ابن طاوس كان يصرّح بأسماء كتبه ومؤلّفاته وتفاصيل حياته في مطاوي كتبه، لالتبس علينا أمر « الطرائف » و « الطّرف » واسم مؤلّفهما، لكنّ تصريحه في « إجازاته » و « كشف المحجّة » بنسبة الكتابين إليه، ونسبة جميع العلماء هذين الكتابين له، رفع الالتباس ولم يبق أدنى شكّ في أنّهما من مؤلّفات السيّد ابن طاوس « رض ».

والواقع أنّ الغالبيّة العظمى من محتويات كتاب « الطّرف » مأخوذة من كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجلي، فإنّ السيّد ابن طاوس أورد ثلاثا وثلاثين طرفة في كتابه، منقولة عن عيسى بن المستفاد، باستثناء:

١ - الطّرفة الثانية، فإنّه رواها عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢ - الطّرفة السابعة، فإنّه رواها عن عيسى بن المستفاد، ثمّ روى مضمونها بروايتين أخريين.

__________________

(١) كشف المحجّة (١٩٥)

(٢) إجازات السيّد ابن طاوس المطبوعة في البحار ( ج ١٠٧؛ ٤٠ ) وانظر الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٣) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦٢ )

٣٦

٣ - الطّرفة الثامنة، فإنّه رواها عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، أنّ رجلا قال لعليّعليه‌السلام : ...

٤ - الطّرفة التاسعة، فإنّه رواها عن الصادق، عن أبيهعليهما‌السلام .

٥ - الطرفتين الخامسة عشر والسادسة عشر، فإنّه رواهما عن كتاب « خصائص الأئمّة » للشريف الرضيّ « رض »، لكنّهما أيضا ينتهيان إلى عيسى بن المستفاد، عن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فإنّ سندهما هو: حدّثني هارون بن موسى، حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي، حدّثني عيسى الضرير، عن الكاظمعليه‌السلام .

٦ - الطّرفة الخامسة والعشرين، فإنّه رواها عن عيسى، عن الكاظم، عن أبيهعليهما‌السلام ، ثمّ نقل روايتها بألفاظ أخرى عن محمّد بن جرير الطبريّ في كتابه « مناقب أهل البيت » بهذا السند: أبو جعفر، حدّثنا يوسف بن عليّ البلخيّ، قال: حدّثني أبو سعيد الآدميّ بالري، قال: حدّثني عبد الكريم بن هلال، عن الحسين بن موسى بن جعفر، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليه‌السلام .

فإذا تأمّلنا في هذه المستثنيات، وجدنا أنّ الطّرفة السابعة مروية عن عيسى أيضا، وإن عضّدها بروايتين أخريين، وأنّ الطرفتين الخامسة عشر والسادسة عشر وإن رواهما عن الشريف الرضيّ « رض » في كتاب « خصائص الأئمّة » إلاّ أنّ سندهما ينتهي أيضا إلى عيسى بن المستفاد، عن الكاظمعليه‌السلام ، ويظهر أنّه نقلهما عن الشريف الرضيّ « رض » إشارة إلى اعتماد الرضيّ على كتاب « الوصيّة »، وزيادة في توثيق المطلب المروي.

وأمّا الطّرفة الخامسة والعشرون، فإنّه أيضا صرّح بروايته لها عن عيسى، عن الكاظمعليه‌السلام ، ومن ثمّ عضّدها بما رواه أبو جعفر الطبريّ بنفس المعنى وبإسناد آخر - ليس فيه عيسى بن المستفاد - ينتهي إلى الإمام الكاظمعليه‌السلام ، وذلك توثيقا لصحّة ما رواه عيسى في كتاب الوصيّة.

يبقى أنّ الطّرفة التاسعة أسندت إلى الإمام الصادقعليه‌السلام مباشرة، ولم ينقلها

٣٧

عن الكاظمعليه‌السلام ، عن أبيه الصادقعليه‌السلام ، وهذا ما يشعر أنّ الرواية مرويّة بطريق ليس فيه عيسى بن المستفاد، أو أنّ فيه عيسى فيلزم كونه من أصحاب الصادقعليه‌السلام أيضا، مع أنّ الرجاليّين لم يصرّحوا إلاّ بروايته عن الإمام الكاظمعليه‌السلام وإدراكه للجوادعليه‌السلام ، وإن ذهب بعض الرجاليين خطأ إلى أنّه ممّن روى عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام كما سيأتي.

لكنّ الحقيقة هي أنّ هذه الطّرفة مرويّة أيضا عن الكاظم، عن أبيه الصادقعليهما‌السلام ، لأنّ العلاّمة البياضيّ صرّح بأنّ إسناد هذه الطّرفة هو نفس إسناد الطّرف السابقة، فإنّه بعد أن قال: « ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب الوصيّة إلى الكاظم إلى الصادقعليهما‌السلام (١) »، قال في بداية الطّرفة التاسعة: « بالإسناد المتقدّم »(٢) ، وهذا صريح بأنّ هذه الطّرفة مرويّة أيضا عن عيسى في كتاب « الوصيّة »، وكذلك نقل هذه الطّرفة العلاّمة المجلسيّ مصدّرا إيّاها بقوله: « وبهذا الإسناد، عن الكاظم، عن أبيهعليهما‌السلام قال »(٣) ، ممّا يدلّ صراحة على أنّها مرويّة عن عيسى في كتاب الوصيّة، إلاّ أنّ التساهل في ذكر اسم الإمام المروي عنه مباشرة في متن النسخ سبّب ما قد يتوهّم من أنّ عيسى رواها عن الصادقعليه‌السلام مباشرة، أو أنّه ليس براو لهذه الطّرفة.

وعلى هذا، فتبقى الطرفتان الثانية والثامنة فقط من كتاب « الطّرف » ليستا ممّا روي في كتاب الوصيّة لابن المستفاد، وتبقى إحدى وثلاثون طرفة الأخرى كلّها عن كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد.

وقد تنبّه العلاّمة البياضيّ إلى كون كتاب « الطّرف » أو غالبيّته العظمى هو ما في كتاب « الوصيّة » لابن المستفاد، فقال: « فصل نذكر فيه شيئا ممّا نقله ابن طاوس

__________________

(١) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ )

(٢) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ )

(٣) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٨ )

٣٨

من الطّرف »(١) ، ثمّ قال: « ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب « الوصيّة » إلى الكاظم، إلى الصادقعليهما‌السلام »(٢) .

ونقل المجلسيّ كثيرا من الطّرف، فقال: « كتاب « الطّرف » للسيّد عليّ بن طاوس نقلا من كتاب « الوصيّة » للشيخ عيسى بن المستفاد الضرير، عن موسى ابن جعفر، عن أبيهعليهما‌السلام (٣) »، وقال في نهاية ما أخرجه منه: « انتهى ما أخرجناه من كتاب « الطّرف » ممّا أخرجه من كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد، وكتاب « خصائص الأئمّة » للسيّد الرضيّ وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال »(٤) .

وقال الآغا بزرك الطهرانيّ (رض) في معرض كلامه عن كتاب الطّرف: « وفيه ثلاث وثلاثون طرفة، في كلّ طرفة حديث واحد، وأكثرها من كتاب عيسى بن المستفاد يعني كتاب « الوصيّة » كما عبّر به النجاشيّ »(٥) .

إنّ ما نقله لنا السيّد ابن طاوس في كتابه هذا على صغر حجمه، يعدّ كنزا نفيسا من كنوز مرويّات الإمامة والوصيّة - ولو لا ما نقله عنه لضاعت مرويّاته فيما ضاع في تراث المسلمين لأسباب شتّى، لكنّنا لا ندري هل أنّ السيّد ابن طاوس نقل كلّ ما في كتاب « الوصيّة » أم انتخب منه ما أراد فقط؟ - لأنّ ظاهر القرائن تدلّ على أنّ كتاب « الوصيّة » كان موجودا عند السيّد ابن طاوس « رض »، ولذا قال الآغا بزرك « رض »: « وقد أكثر النقل عنه ابن طاوس المتوفّى سنة ٦٦٤ ه‍ في « طرف من الأنباء »، فيظهر وجوده عنده في التاريخ المذكور »(٦) .

__________________

(١) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ )

(٢) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ )

(٣) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٦ )

(٤) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٥ ) وقال في مرآة العقول ( ج ٣؛ ١٩٣ ) « وأورد أكثر الكتاب السيّد ابن طاوس في كتاب الطّرف من الأنباء ».

(٥) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٦) الذريعة ( ج ٢٥؛ ١٠٣ )

٣٩

وإذا صحّ هذا الاستظهار، فمن الراجح جدّا أنّ كتاب « الوصيّة » فقد فيما فقد من تراث إسلامي في حملات التتر الهمجيّة على بغداد، وحرقهم لمكتباتها، وإلقائهم لكتبها في دجلة حتّى صار ماء دجلة أسود، وحتّى عبرت الدوابّ والخيل عليها، وكان من جملة ما فقد مكتبة ابن طاوس الضخمة، والّتي جعل لها فهرستا مفصلا سماّه « الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة »، وقد كانت تضمّ في سنة ٦٥٠ ه‍، ألفا وخمسمائة كتابا(١) .

ومكتبته وفهرستها « الخزانة » من المفقودات اليوم، لكنّه أشار في مواضع مختلفة من كتاب « المحجّة » إلى أنّ فيها أكثر من سبعين مجلّدا في الدعوات، وأنّ فيها كتبا جليلة في تفسير القرآن، والأنساب، والنبوّة والإمامة، والزهد، وتواريخ الخلفاء والملوك وغيرهم، وفي الطبّ والنجوم، واللّغة والأشعار، والكيمياء والطّلسمات والعوذ والرقى والرمل، وفيها كتب كثيرة في كلّ فنّ من الفنون(٢) .

فمن الراجح إذن أنّ كتاب « الوصيّة » كان من جملة كتبه، وأنّه فقد فيما فقد منها ومن غيرها من مكتبات بغداد، أمّ الدنيا وعاصمتها آنذاك، ولكن هل نقله لنا السيّد ابن طاوس كلّه، أو نقل بعضه؟!

ربّما تكون إجابة هذا السؤال عسيرة جدّا وضربا من الحدس والتخمين، لكنّ المقطوع به عندنا، أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل لنا صدر الطّرفة الرابعة عشر، والّتي نقلها الكلينيّ (رض) في الكافي وعنه المجلسيّ في البحار، بسند الكلينيّ إلى عيسى بن المستفاد، عن الكاظم، عن الصادق ٨، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل كلّ ما في « الوصيّة »، وإنّما نقل ما اختاره منه، وأضاف إليه بعض مرويّات من طرق أخرى، وعضّد بعض طرفه بطرق وأسانيد أخرى، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

__________________

(١) انظر الذريعة ( ج ١؛ ٥٨ )

(٢) انظر مقدّمة كتاب اليقين ( ٧٩ - ٨٠ )

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368