تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 391
المشاهدات: 123946
تحميل: 10981


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123946 / تحميل: 10981
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

وطنجة، وطلباه، فأتى إلى مالقة، وبايعاه بالخلافة على أن يجعل حسن بن يحيى المقتول مكانَهُ بسَبتة، فأجابهما إلى ذلك، فبايعاه، وسار حسن بن يحيى ونجا الخادم الصقلبيُّ إلى سَبتة وطَنجة.

وتلقّب إدريس بالمتأيّد بالله؛ فبقي كذلك إلى سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين وأربعمائة، فسيّر القاضي أبو القاسم بن عبّاد ولدَه إسماعيل في عسكر ليتغلّب على تلك البلاد. فأخذ قرمونة ثم اشبونة واستجة، فأرسل صاحبها إلى إدريس وإلى باديس بن حبّوس صاحب صنهاجة، فأتاه صاحب صنهاجة بنفسه. وأمدّه إِدريس بعسكر يقوده ابن بقيّة مدبّر دولته، فلم يجسروا على إسماعيل بن عبّاد، فعادوا عنه. فسار إسماعيل مجدّاً ليأخذ على صنهاجة الطريق، فأدركهم وقد فارقهم عسكر إدريس قبل ذلك بساعة. فأرسلت صنهاجة من ردّهم، فعادوا وقاتلوا إسماعيل بن عبّاد، فلم يلبث أصحابه أن انهزموا وأسلموه، فقُتل وحُمل رأسه إلى إدريس. وكان إِدريس قد أيقن بالهلاك، وانتقل عن مالقة إلى جبل يحتمي به وهو مريض. فلمّا أتاه الرأس عاش بعده يومين ومات. وترك من الولد: يحيى ومحمداً وحسناً.

وكان يحيى بن عليّ المقتول قد حبس ابنَيْ عمّه محمّداً والحسن ابني القاسم بن حمّود بالجزيرة. فلما مات إِدريس أخرجهما الموكَّل بهما، ودعا الناس إِليهما، فبايعهما السودان خاصّة قبل الناس لميل أبيهما إليهم.

فملك محمد الجزيرة ولم يتسمّ بالخلافة. وأما الحسن بن القاسم فإنَّه تنسَّك وترك الدنيا وحجّ، وكان ابن بقيّة قد أقام يحيى بن إِدريس بعد موت والده بمالقة، فسار إليها نجا الصقلبيُّ بن سبتة هو والحسن بن يحيى، فهرب ابن بقيّة ودخلها الحسن ونجا، فاستمالا ابن بقيّة حتى حضر فقتله الحسن وقتل ابنَ عمّه يحيى بن إدريس.

وبايعه الناس بالخلافة، ولُقّب بالمستنصر بالله. ورجع نجا إلى سبتة، وترك مع الحسن المستنصر نائباً له يُعرف بالشطيفيّ. فبقي حسن كذلك نحواً من سنتين، ثم مات سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، فقيل: إن زوجته ابنة عمّه إدريس سمّته أسفاً على أخيها يحيى.

فلمّا مات المستنصر اعتقل الشطيفيُّ إدريسَ بن يحيى بن إِدريس.

١٠١

وسار نجا من سبتة إلى مالقة، وعزم على محو أمر العلويّين، وأن يضبط البلاد لنفسه، وأظهر البربر على ذلك، فعظم عندهم، فقتلوه، وقتلوا الشطيفيَّ، وأخرجوا إِدريس بن يحيى وبايعوه بالخلافة، وتسمى بالعالي، وكان له سلوك غير مستحسن مع قلة حزم وتفريط في الملك، ومن ذلك أنَّ كلَّ من طلب من أعوانه الذين هم من الرذل حصناً أعطاه، وطلبوا وزيره ومدبّر أمره صاحب أبيه موسى بن عفّان ليقتلوه فسلمه إليهم فقتلوه.

وكان قد أعتقل ابنَيْ عمّه محمداً والحسن ابنَيْ إدريس بن عليّ في حصن إيرش. فلمّا رأى ثقته بإيرش اضطراب آرائه خالف عليه وبايع ابن عمّه محمد بن إدريس بن عليّ، وثار بإدريس بن يحيى من عنده من السودان. وطلبوا محمداً فجاء إليهم، فسلّم إليه إدريس الأمر وبايع له سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فاعتقله محمد وتلقّب بالمهدي، وولّى أخاه الحسن عهده ولقبه السامي. وظهرت من المهديّ شجاعة وجرأة فهابه البربر وخافوه فراسلوا الموكّل بإدريس بن يحيى، فأجابهم إلى إخراجه وأخرجه وبايع له، وخطب له بسبتة وطنجة بالخلافة. وبقي إلى أن تُوفِّي سنة ست وأربعين (وأربعمائة).

ثم إنّ المهدي رأى من أخيه السامي ما أنكره، فنفاه عنه، فسار إلى العدوة إلى جبال غمارة، وأهلها ينقادون للعلويّين ويعظّمونهم، فبايعوه.

ثم إن البربر خاطبوا محمّد بن القاسم بالجزيرة، واجتمعوا إليه وبايعوه بالخلافة وتسمّى بالمهديّ أيضاً، فصار الأمر في غاية الأخلوقة والفضيحة، أربعة كلّهم يسمّى أمير المؤمنين في رقعة من الأرض مقدارها ثلاثون فرسخاً. فرجعت البربر عنه وعاد إلى الجزيرة، فمات بعد أيّام، فوليَ الجزيرة ابنه القاسم ولم يتّسمّ بالخلافة.

وبقي محمد بن إدريس بمالقة إلى أن مات سنة خمس وأربعين (وأربعمائة).

وكان إدريس بن يحيى المعروف بالعالي عند بني يفرن بِتَاكَرنا، فلما تُوفِّي محمّد بن إدريس بن عليّ قصد إِدريس بن يحيى مالقة فملكها، ثم انتقل إلى صنهاجة.

ولمّا قطعت دعوة يحيى بن عليّ العلويّ من قرطبة سنة سبع عشرة

١٠٢

وأربعمائة، أجمع أهلها على خلع العلويين لميلهم إلى البربر، وإعادة الخلافة بالأندلس إلى بني أميّة، فاتّفقوا وبايعوا أبا بكر هشام بن محمّد بن عبد الملك بن عبد الرحمان الناصر الأمويّ في ربيع الأوّل سنة ثماني عشرة (وأربعمائة).

وتلقّب بالمعتدّ بالله، وبعد نهوضه إلى الثغر وتردُّده فيها وحدوث فتن واضطراب شديد من الرؤساء اتفق أمرهم على أن يسير إلى قرطبة دار الملك. فسار إليها ودخلها ثامن ذي الحجَّة سنة عشرين (وأربعمائة). وبقي بها حتى خُلع ثاني ذي الحجَّة سنة اثنتين وعشرين (وأربعمائة) لعدّة أسباب)(١) .

وبعد خلعه قام أميّة بن عبد الرحمان بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر وتسوّر القصر مع جماعة من الأحداث، ودعا إلى نفسه، فبايعه من سَواد الناس كثير، فقال له بعض أهل قرطبة: نخشى عليك أن تُقتل في هذه الفتنة فإِنّ السعادة قد ولّت عنكم. فقال: بايعوني اليوم واقتلوني غداً.

فأنفذ أهل قرطبة وأعيانهم إليه وإلى المعتدّ بالله يأمرونهما بالخروج عن قرطبة. فودّع المعتدّ أهله وخرج إلى حصن محمّد بن الشور بجبل قرطبة، فبقي معه إلى أن غدر أهل الحصن بمحمد بن الشور فقتلوه، وأخرجوا المعتدّ إلى حصن آخر حبسوه فيه، فاحتال في الخروج منه ليلاً وسار إلى سليمان بن هود الجذامي فأكرمه وبقي عنده إلى أن مات في صفر سنة ثمان وعشرين (وأربعمائة) ودفن بناحية لارِدة. وهو آخر ملوك بني أميّة بالأندلس.

وأمّا أميّة فإنَّه اختفى بقرطبة، فنادى أهلها بالأسواق والأرباض أن لا يبقى أحد من بني أميّة بها، ولا يتركهم عنده أحد. فخرج أميّة فيمن خرج، وانقطع خبره مدّة. ثم أراد العود إليها فعاد طمعاً في أن يسكنها، فأرسل إليه شيوخها من منعه عنها، وقيل: قُتل وغُيب، وذلك في جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين (وأربعمائة).

ثم انحلّ عقد الجماعة وانتشر وافترقت البلاد)(٢) .

____________________

(١) الكامل لابن الأثير: م٩ من ص٢٧٩ إلى ص٢٨٣.

(٢) الكامل: م٩ ص٢٨٣ - ٢٨٤.

١٠٣

قال ابن الأثير في كامله الذي لخّصنا عنه هذه الحوادث المرتبطة بالأدارسة ودولتهم في المغرب والأندلس:

(ثم إن الأندلس اقتسمه أصحاب الأطراف والرؤساء، فتغلّب كلّ إنسان على شيء منه، فصاروا مثل ملوك الطوائف. وكان ذلك أضرّ شيء على المسلمين، فطمع بسببه العدوّ، ولم يكن لهم اجتماع إلى أن ملكه عليُّ بن يوسف بن تاشفين)(١) .

وبعد ذكره من وُلّي الأطراف المغربية والأندلسية، وقضاء الملَثَّمين على دولهم، وآخر دولة منهم دولة بني باديس في رجب سنة أربع وثمانين وأربعمائة، قال:

(وانقرضت دول جميعهم وصارت الأندلس جميعها للملثّمين، وملكهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين. واتصلت مملكته من المغرب الأقصى إلى آخر بلاد المسلمين بالأندلس.

____________________

(١) نفسه: م٩ ص٢٨٤.

١٠٤

ملخص ما ذكره المقري عن بني حمّود بقايا

الأدارسة في الجزء الأول من نفح الطيب

(دخل المستعين وهو (سليما بن الحكم) الأموي قرطبة ومن معه من البربر عنوة سنة ثلاث وأربعمائة، وقتل هشاماً سراً.

وجرى أمور من البربر أدت انتقاض حكمه. وقال: (إن من أعظم الأسباب في فساد دولة المستعين أنه قال هذه الأبيات إلى خواصه:

حلفت بمن صلّى وصام وكبّر لأغـمدها فيمن طغى وتجبّرا

وأبصر دين الله تحيا رسومه فـبدّل ما قد كان منه وغيّرا

فـوا عجبا من عبشميّ مملّك برغم العوالي والمعالي تبربرا

فـلو أن أمري بالخيار نبذتهم وحاكمتهم للسيف حكماً فحررا

فـإما حـياة تـستلذ بـفقدهم وإما حمام لا نرى فيه مأزرا

وكان علي بن حمّود الحسني وأخوه قاسم من عقب إدريس ملك فاس وبانيها قد أجازوا مع البربر من العدوة إلى الأندلس، فدعوا لأنفسهم، واعصوصب عليهم البربر، فملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة، وقتلوا المستعين ومحوا ملك بني أمية. واتصل ذلك في خلف منهم سبع سنين.

ثم رجع الملك إلى بني أمية. وكان المستعين المذكور أديباً بليغاً).

وولي الأمر بعد ابن حمّود الحسين وتلقّب بالناصر، وخرج عليه

١٠٥

العبيد وبعض المغاربة وبايعوا المرتضى أخا المهدي. ثم اغتيل المرتضى واستقام الملك لعلي بن حمّود نحو عامين إلى أن قتلته صقالبته بالحمّام سنة ثمان وأربعمائة. فولي مكانه أخوه القاسم، وتلقب بالمأمون. ونازعه الأمر بعد أربع سنين من خلافته يحيى ابن أخيه وكان على سبتة، فأجاز إلى الأندلس سنة عشر وأربعمائة، واحتل بمالقة، وكان أخوه إدريس بها منذ عهد أبيهما، فبعثه إلى سبتة، ثم زحف يحيى إلى قرطبة فملكها سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وتلقّب بالمعتلي. وفرَّ عمه المأمون إلى اشبيلية، وبايع له القاضي ابن عباد، واستجاش بعض البرابرة، ثم رجع إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وملكها. ثم لحق المعتلي بمكانه من مالقة وتغلّب على الجزيرة الخضراء، وتغلب أخوه إدريس على طنجة من وراء البحر. وكان المأمون يعتدها حصناً لنفسه وفيها ذخائره، فلما بلغه الخبر اضطرب. وثار عليه أهل قرطبة ونقضوا طاعته، وخرج فحاصرهم فدافعوه، ولحق بإشبيلية فمنعوه. وكان بها ابنه فأخرجوه إليه، وضبطوا بلدهم، واستبدّ ابن عباد بملكها. ولحق المأمون بشريش. ورجع عنه البربر إلى يحيى المعتلي ابن أخيه، فبايعوه سنة خمس عشرة وأربعمائة. وزحف إلى عمه المأمون فتغلّب عليه، ولم يزل عنده أسيراً وعند أخيه إدريس بمالقة إلى أن هلك بمحبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وقيل: إنه خنق.

واستقل المعتلي بالأمر واعتقل بني عمه القاسم، وكان المستكفي من الأمويين استولى على قرطبة في هذه المدة عندما أخرج أهلها العلوية. ثم خلع أهل قرطبة المستكفي الأموي سنة ست عشرة وأربعمائة، وصاروا إلى طاعة المعتلي. واستعمل عليهم ابن عطاف من قبله، ثم نقضوا سنة سبع عشرة وأربعمائة وصرفوا عاملهم، وبايعوا المعتلي الأموي أخا المرتضى. وبقي المعتلي يردد لحصارهم العساكر إلى أن اتفقت الكلمة على إسلام الحصون والمدائن له، فعلا سلطانه واشتد أمره، إلى أن هلك سنة تسع وعشرين وأربعمائة اغتاله أصحابه بدسيسة ابن عباد الثائر بإشبيلية.

فاستدعى أصحابه أخاه إدريس بن علي من سبتة، وملكوه ولقبوه المتأيد. وبايعته رندة وأعمالها والمرية والجزيرة الخضراء.

وبعث عساكره لحرب أبي القاسم بن عباد والد المعتضد بن عباد.

١٠٦

فجاؤوه برأسه بعد حروب، وهلك ليومين بعد ذلك سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وبويع ابنه يحيى ولم يتمّ له أمر.

وبويع حسن المستنصر بن المعتلي. وفرَّ يحيى إلى قمارش فهلك بها سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، ويقال: إنه قتله نجاء.

وهلك حسن مسموماً بيد ابنة عمه إدريس ثأرت منه بأخيها. وكان إدرس بن يحيى المعتلي معتقلاً بمالقة، فأُخرج بعد خطوب وبويع بها، فأطاعته غرناطة وقرمونة، ولُقّب بالعالي.

وقد مدحه أبو زيد عبد الرحمان بن مقانا الفنداقي الاشبوني من شعراء الذخيرة بالقصيدة المشهورة بالمغرب التي يقول من بعضها في المخلص:

وكـأن الـشمس لـما أشرقت فـانثنت عنها عيون الناظرين

وجه إدريس بن يحيى بن علي بـن حـمّود أمـير المؤمنين

قيل: إنه أنشده إياها من وراء حجاب اقتفاء لطريقة خلفاء بني العباس. فلما بلغ إلى قوله:

أنظرونا نقتبس من نوركم إنه من نور رب العالمين

أمر حاجبه أن يرفع الحجاب، وقابل وجهه وجه الشاعر دون حجاب، وأمر له بحسَّان جزيل، فكان هذا من أنبل ما يُحكى عنه.

وخُلع العالي سنة ثمانٍ وثلاثين، وولي ابن عمه محمد بن إدريس بن علي وتلقّب بالمهدي، وتُوفِّي سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

وبويع إدريس بن يحيى بن إدريس، ولُقب بالموفّق، ولم يخطب له بالخلافة. وزحف العالي إدريس المخلوع بالقصيدة التي ذكرنا سابقاً بعض أبيات منها، وكان بقمارش، فدخل عليه مالقة وأطلق أيدي عبيده عليها بحقده عليهم. ففرَّ كثير منهم، وتُوفِّي العالي سنة ست وأربعين وأربعمائة.

وبويع محمد بن إدريس، ولُقب بالمستعلي. ثم سار إليه باديس بن حبّوس سنة تسع وأربعين وأربعمائة، فتغلّب على مالقة، وسار محمد إلى المرية مخلوعاً.

ثم استدعاه أهل المغرب إلى بليلة، وبايعوه سنة ست وخمسين

١٠٧

وأربعمائة؛ وتُوفِّي سنة ستين وأربعمائة.

وكان محمد بن القاسم بن حمود - لما اعتقل أبوه القاسم بمالقة سنة أربع عشرة - فرَّ من الاعتقال ولحق بالجزيرة الخضراء، وملكها وتلقّب بالمعتصم إلى أن هلك سنة أربعين وأربعمائة.

ثم ملكها بعده ابنه القاسم الواثق، إلى أن هلك سنة خمسين وأربعمائة؛ وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد، ومالقة لابن حبّوس مزاحماً لابن عباد.

وانقرضت دولة الأشراف الحموديين من الأندلس بعد أن كانوا يدّعون الخلافة.

وأما قرطبة فإن أهلها لما قطعوا دعوة الحموديين بعد سبع سنين من ملكهم وزحف إليهم القاسم بن حمّود في البربر فهزموه.

ثم اجتمعوا واتفقوا على ردّ الأمر لبني أمية، واختاروا لذلك عبد الرحمان بن هشام، وانتهى أمره إلى ما سبق آنفاً.

١٠٨

ما جاء من أخبارهم في تاريخ الأندلس المسمى

بـ (المعجب في تلخيص أخبار المغرب)

للشيخ محيي الدين بن علي التميمي المراكشي.

قال في ولاية سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمان الناصر الملقّب بالمستعين الذي قام بالأمر سنة ٣٩٩ ودخل قرطبة سنة ٤٠٠، فتلقّب حينئذ بالظافر بحول الله مضافاً إلى المستعين بالله. ثم خرج عنها في شوال من السنة بعينها، فلم يزل يجول بعساكر البربر معه في بلاد الأندلس يُفسد وينهب ويقفر المدائن والقرى بالسيف والغارة لا يبقي البربر معه على صغير ولا كبير ولا امرأة إلى أن دخل قرطبة في صدر شوال سنة ٤٠٣.

وكان من جملة جنده رجلان من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب يسميان القاسم وعلياً ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فجعلهما قائدين على المغاربة. ثم ولى أحدهما سبتة وطنجة وهو علي الأصغر منهما، وولّى القاسم الجزيرة الخضراء، وبين الموضعين المجاز المعروف بالزقاق، وسعة البحر هنالك اثنا عشر ميلاً.

وافترق العبيد؛ إذ دخل البربر مع سليمان قرطبة، فملكوا مدناً عظيمة وتحصّنوا فيها. فراسلهم علي بن حمّود المذكور، وقد حدث له طمع في ولاية الأندلس، فكتب إليهم يذكر لهم أن هشام بن الحكم -؛ إذ كان محاصراً بقرطبة - كتب إليه يوليه عهده، فاستجابوا له وبايعوه. فزحف من سبتة إلى مالقة وفيها عامر بن فتح الفائقي مولى فائق مولى الحكم

١٠٩

المستنصر، فاستجاب له وأدخله مالقة. فتملكها علي بن حمّود وأخرج منها عامر بن فتوح؛ ثم زحف بمن معه من البربر وجمهور العبيد إلى قرطبة، فخرج إليه محمد بن سليمان في عساكر البربر، فانهزم محمد بن سليمان.

ودخل علي بن حمّود قرطبة، وقتل سليمان بن الحكم، ضرب عنقه بيده يوم الأحد لتسع بقين من المحرم سنة ٤٠٧.

وقتل أباه الحكم بن سليمان بن الناصر أيضاً في ذلك اليوم، وهو شيخ كبير له اثنتان وسبعون سنة.

وانقطعت دولة بني أمية في هذا الوقت.

ولاية علي بن حمّود:

ثم ولي علي بن حمّود على ما تقدم، وتسمى بالخلافة وتلقّب بالناصر. ثم خالف عليه العبيد الذين كانوا بايعوه، وقدموا عبد الرحمان بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمان الناصر، ولقبوه بالمرتضى، وزحفوا به إلى غرناطة وهي من البلاد التي تغلّب عليها البربر.

ثم ندموا على تقديمه لما رأوا من صرامته وحدة نفسه، وخافوا من عواقب تمكّنه وقدرته فانهزموا عنه ودسوا عليه من قتله غيلة، وخفي أمره.

وبقي علي بن حمّود بقرطبة مستمر الأمر عامين إلا شهرين، إلى أن قتله صقالبته في الحمّام سنة ٤٠٨. وكان له من الوُلد يحيى وإدريس.

ولاية القاسم بن حمود المأمون:

ثم ولي بعده أخوه القاسم بن حمّود، وكان أسن منه بعشرة أعوام، وكان وادعاً أمن الناس معه. وكان يذكر أنه تشيّع ولكنه لم يظهر ذلك، ولا غيّر على الناس عادة ولا مذهباً. وكذلك سائر من ولي منهم بالأندلس.

فبقي القاسم كذلك إلى شهر ربيع الأول سنة ٤١٢، فقام عليه ابن أخيه يحيى بن علي بن حمّود بمالقة، فهرب القاسم عن قرطبة بلا قتال وصار بأشبيلية.

وزحف ابن أخيه المذكور من مالقة بالعساكر ودخل قرطبة بلا قتال.

١١٠

وتسمّى بالخلافة وتلقّب بالمعتلي. فبقي كذلك إلى أن اجتمع للقاسم أمره واستمال البربر وزحف بهم إلى قرطبة سنة ٤١٣. وهرب يحيى بن علي إلى مالقة.

فبقي القاسم بقرطبة شهوراً، واضطرب أمره، وغلب ابن أخيه على المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء وهي كانت معقل القاسم، وبها كانت امرأته وذخائره.

وغلب ابن أخيه الثاني إدريس بن علي صاحب سبتة على طنجة، وهي كانت عدّة القاسم يلجأ إليها إن رأى ما يخافه بالأندلس.

وقام عليه جماعة أهل قرطبة بالمدينة، وأغلقوا أبوابها دونه. وحاصرهم نيفاً وخمسين يوماً، وأقام الجمعة في مسجد خارج قرطبة يعرف بمسجد ابن أبي عثمان أثره باقٍ إلى اليوم.

ثم إن أهل قرطبة زحفوا إلى البربر، فانهزم البربر عن القاسم، وخرجوا من الأرباض كلها في شعبان سنة ٤١٤.

ولحقت كل طائفة من البربر ببلد غلبت عليه. وقصد القاسم إشبيلية وبها كان ابناه محمد والحسن. فلما عرف أهل إشبيلية خروجه عن قرطبة ومجيئه إليهم طردوا ابنيه ومن كان معهما من البربر، وضبطوا البلد وقدموا على أنفسهم ثلاثة من أكابر البلد هم: القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، ومحمد بن يريم الألهاني، ومحمد بن الحسن الزبيدي.

ومكثوا كذلك أياماً مشتركين في سياسة البلد وتدبيره. ثم استبد القاضي أبو القاسم محمد بن اسماعيل بن عباد بالأمر والتدبير. وصار الآخران من جملة الناس.

ولحق القاسم بشريش، واجتمع البربر على تقديم ابن أخيه يحيى، فزحفوا إلى القاسم فحصروه حتى صار في قبضة ابن أخيه.

وانفرد ابن أخيه يحيى بولاية البربر، وبقي القاسم أسيراً عنده وعند أخيه إدريس بعده إلى أن مات إدريس، فقُتل القاسم خنقاً سنة ٤٣١ وحُمل إلى ابنه محمد بن القاسم بالجزيرة، فدفنه هناك. فكانت ولاية القاسم منذ

١١١

تسمى بالخلافة بقرطبة إلى أن أسره ابن أخيه ستة أعوام. ثم كان مقبوضاً عليه ست عشرة سنة عند ابني أخيه يحيى وإدريس، إلى أن قتل كما ذكرنا في أول سنة ٤٣١. ومات وله ثمانون سنة، وله من الولد محمد والحسن أمهما أميرة بنت الحسن بن قنون بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

ولاية يحيى بن علي المعتلي:

(اختُلف في كنيته فقيل: أبو القاسم، وقيل: أبو محمد. وأمه لبونة بنت محمد بن الحسن بن القاسم المعروف بكنون بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

وكان الحسن بن كنون من كبار ملوك الحسنيين وشجعانهم ومردتهم وطغاتهم المشهورين).

فتسمَّى يحيى بالخلافة بقرطبة سنة ٤١٣ كما ذكرنا، ثم هرب عنها إلى مالقة سنة ٤١٤ كما وصفنا. ثم سعى قوم من المفسدين في رد دعوته إلى قرطبة فبقي سنة ٤١٦ فتم لهم الأمل، إلا أنه تأخر عن دخولها باختياره، فاستخلف عليها عبد الرحمان بن عطاف اليفرني. فبقي الأمر كذلك إلى سنة ٤١٧، ثم قطعت طاعته البربر وسلموا إليه الحصون والقلاع والمدن وعظم أمره بقرمونة، فصار محاصراً لاشبيلية طامعاً في أخذها، فخرج يوماً وهو سكران إلى خيل ظهرت من اشبيلية بقرب قرمونة فلقيها، وقد كمنوا له فلم يكن بأسرع من أن قتلوه وذلك يوم الأحد لسبع خلون من المحرم سنة ٤٢٧، وكان له من الولد الحسن وإدريس لأُمَّيْ ولد).

ثم قال:

(بعد رجوع الأمر إلى الأمويين بمقتل يحيى المعتلي الحسني - وبعد ما ذكر من ولي منهم وخروج الأمر من يدهم سنة ٤٤٣. وأما أحوال الحسنيين فإنه لما قتل يحيى بن علي كما ذكرنا لسبع خلون من المحرم سنة ٤٢٧ رجع أبو جعفر أحمد بن موسى المعروف بابن بقنة، ونجا الخادم الصقلبي، وهما مدبرا دولة الحسنيين.

١١٢

فأتيا مالقة وهي دار مملكتهم فخاطبا أخاه إدريس بن علي وكان بسبتة، وكان يملك معها طنجة. واستدعياه فأتى مالقة، وبايعاه بالخلافة على أن يجعل حسن بن يحيى المقتول مكانه بسبتة.

ولم يبايعا واحداً من ابني يحيى وهما إدريس وحسن لصغرهما. فأجابهما إلى ذلك ونهض نجا مع حسن هذا إلى سبتة وطنجة، وكان حسن أصغر ابني يحيى ولكنه أسدّهما رأياً.

وتلقَّب إدريس بالمتأيد، فبقي كذلك إلى سنة ٤٣٠ أو ٤٣١. فتحركت فتنة وحدث للقاضي أبي القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد من أجابه من قبائل البربر؛ ونهض إلى قرمونة فحاصرها ثم نهض إلى حصن يدعى (أشونة) وحصن آخر يدعى (استجة) فأخذهما، وكانا بيد محمد بن عبد الله رجل من قواد البربر من بني (برزال).

فاستصرخ محمد بن عبد الله إدريس بن علي الحسني وقبائل صنهاجة، فأمده صاحب صنهاجة بنفسه، وأمده إدريس بعسكر يقوده ابن بقنة أحمد بن موسى مدبّر دولته. فاجتمعوا مع محمد بن عبد الله ثم غلبت عليهم هيبة إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن عباد قائد عسكر أبيه القاضي أبي القاسم، فافترقوا وانصرف كل واحد منهم إلى بلده.

فبلغ ذلك إسماعيل بن محمد، فقوي أمره ونهض بعسكره قاصداً طريق صاحب صنهاجة وقدر صاحب صنهاجة أنه سيلحقه. فوجه إلى ابن بقنة يسترجعه - وإنما كان فارقه قبل ذلك بساعة - فرجع إليه والتقت العساكر. فما كان إلا أن تراءى الجمعان، فولّى عسكر ابن عباد منهزماً. وأسلموا إسماعيل، فكان أول مقتول؛ وحمل رأسه إلى إدريس بن علي الحسني. وقد كان إدريس استشعر بالهلاك فنزل عن مالقة إلى جبل بـ (باشتر) وهو الذي قام فيه ابن حفصون، فتحصن به وهو مريض مدنف فلم يعش إلاّ يومين، ومات وترك من الولد يحيى قُتل بعده، ومحمداً الملقّب بالمهدي، وحسناً المتلقّب بالسامي. وكان له ابن وهو أكبر بنيه اسمه علي مات في حياة أبيه، وترك ابناً اسمه عبد الله أخرجه عمه ونفاه لما وُلّي.

وقد كان يحيى بن علي المذكور قبل قد اعتقل ابني عمه محمداً والحسن ابني القاسم بن حمّود الجزيرة، وكان الموكَّل بهما رجلاً من

١١٣

المغاربة يعرف بأبي الحجاج، فحين وصل إليه خبر قتل يحيى جمع من كان في الجزيرة من المغاربة والسودان وأخرج محمداً والحسن وقال: هذان سيداكم، فسارع أجمعهم إلى الطاعة لهما لشدة ميل أبيهما إلى السودان قديماً وإيثاره لهم.

وانفرد محمد بالأمر دون الحسن وملك الجزيرة، إلا أنه لم يتسمّ بالخلافة. وبقي معه أخوه الحسن مدة إلى أن حدث له رأي في التنسّك فلبس الصوف وتبرأ عن الدنيا وخرج إلى الحج مع أخته فاطمة بنت القاسم زوجة يحيى بن علي المعتلي.

فلما مات إدريس كما تقدم رام ابن بقنة أحمد بن موسى ضبط الأمر لولده يحيى بن إدريس المعروف بِـ (حيين)، ثم لم يجسر على ذلك وتحيّر وتردُّد.

ولما وصل خبر قتل إسماعيل بن عباد وموت إدريس بن علي إلى نجا الخادم الصقلبي وكان بسبتة استخلف عليها من وثق به من الصقالبة، وركب البحر هو وحسن بن يحيى إلى مالقة ليرتب الأمر له. فلما وصلا إلى مرسى مالقة خارت قوى ابن بقنة وهرب إلى حصن كمارش أو (قمارش) على ثمانية عشر ميلاً من مالقة.

ودخل حسن مالقة، واجتمع إليهما من بها من البربر فبايعوا حسن بن يحيى بالخلافة وتسمّى المستعلي.

ثم خاطب ابن بقنة وآمنه، فلما رجع إليه قبض عليه وقتله، وقتل ابن عمه يحيى بن إدريس.

ورجع نجا إلى سبتة وطنجة وترك مع الحسن رجلاً كان من التجّار يعرف بِـ (السطيفي) كان نجا كثير الثقة به. فبقي الأمر كذلك نحو عامين.

وكان الحسن بن يحيى متزوجاً بابنة عمه إدريس، فقيل: إنها سمّته أسفاً على أخيها، فلما مات احتاط السطيفي على الأمر، واعتقل إدريس بن يحيى، وكتب إلى نجا بالخبر، وكان حسن بن يحيى عند نجا، فقيل: إنه اغتاله أيضاً فقتله والله أعلم.

ولم يعقب حسن بن يحيى، فاستخلف نجا على سبتة وطنجة من وثق

١١٤

به من الصقالبة عند وصول الخبر إليه. وركب البحر إلى مالقة، فلما وصل إليها زاد في الاحتياط على إدريس بن يحيى وأكد اعتقاله، وعزم على أمر الحسنيين جملة، وأن يضبط تلك البلاد لنفسه، فدعا البربر الذين كانوا جند البلد وكشف الأمر إليهم علانية ووعدهم بالحسَّان، فلم يجدوا لمساعدته بُدّاً فوافقوه بالظاهر وعظم ذلك في أنفسهم باطناً.

ثم جمع عسكره ونهض إلى الجزيرة ليستأصل محمد بن القاسم، فحاربه أياماً، ثم أحسَّ بفتور نيات الذين معه فرأى أن يرجع إلى مالقة، فإذا حصل فيها، نفى من يخاف غائلته منهم، واستصلح سائرهم، واستدعى الصقالبة من حيث ما أمكنه ليقوى بهم على غيرهم.

وأحسّ البربر بهذا منه فاغتالوه في الطريق من قبل أن يصل إلى مالقة، فقتل وهو على دابته في مضيق صار فيه، وقد تقدمه إليه الذي أراد الفتك به.

وفرَّ من كان معه من الصقالبة بأنفسهم، ثم تقدم فارسان من الذين غدروا به يركضان حتى وردا مالقة فدخلا وهما يقولان: البشرى!.. البشرى!.. فلما وصلا إلى السطيفي وضعا سيفيهما عليه فقتلاه.

ثم وافى العسكر فأخرجوا إدريس بن يحيى من محبسه، فقدموه وبايعوه بالخلافة، وتسمّى بالعالي.

وقد ظهرت منه أمور متناقضة، منها أنه كان أرحم الناس قلباً، كثير الصدقات يتصدّق كل يوم بخمسمائة، وردَّ كل مطرود عن وطنه إليه وردَّ عليهم ضياعهم وأملاكهم، ولم يسمح ببغي في أحد من الرعية.

وكان أديب اللقاء حسن المجلس يقول من الشعر الأبيات الحسَّان. ومع هذا فكان لا يصحب ولا يؤثر إلاّ كل ساقط رذل، ولا يحجب حرمه عنهم. وكل من طلب منه حصناً من حصون بلاده ممن يجاوره من صنهاجة أو من بني (يفرن) أعطاه إياه.

وكتب إليه أمير صنهاجة أن يسلّم إليه وزيره ومدبِّر أمره وصاحب أبيه وجدّه موسى بن عفّان السبتي. فلما أخبره بأن الصنهاجي كتب إليه يطلبه منه، وأنه لابد من تسليمه إليه قال له موسى بن عفّان: إفعل ما تؤمر

١١٥

ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فبعث به إلى الصنهاجي فقتله.

وكان قد اعتقل ابني عمه محمداً وحسناً ابني إدريس بن علي في حصن (إيرش)، فلما رأى ثقته الذي في الحصن اضطراب آرائه خالف عليه وقدم ابن عمه محمد بن إدريس. فلما بلغ ذلك السودان المرتبين في قصبة مالقة نادوا بدعوة ابن عمه محمد بن إدريس وراسلوه بالمجيء إليهم، وامتنعوا بالقصبة.

واجتمعت العامة إلى إدريس بن يحيى واستأذنوه في حرب القصبة والدفاع عنه، ولو أذن لهم ما ثبت السودان (فواق ناقة). فأتى فقال لهم: الزموا منازلكم ودعوني...، فتفرقوا عنه.

وجاء ابن عمه فسلم عليه، بويع بالخلافة وتسمّى بالمهدي، وولى أخاه عهده وسماه السامي. واعتقل ابن عمه إدريس بن يحيى في الحصن الذي كان هو معتقلاً فيه.

وظهرت من محمد بن إدريس هذا شهامة وجرأة شديدة هابه بها جميع البربر وأشفقوا منه، وراسلوا المرتب في الحصن الذي فيه إدريس بن يحيى هذا واستمالوه فأجابهم، وقام بدعوة إدريس، وقد كان إدريس أول ولايته بعد قتل نجا كما تقدم قد ولّى سبتة وطنجة رجلين من (برغواطة) قبيلة من قبائل البربر من عبيد أبيه، اسم أحدهما رزق الله والآخر سكات. فلما خلع إدريس كما تقدم بقيا حافظين لمكانيهما، فلما قام كما ذكرنا بدعوته صاحب حصن إيرش لم يظهر محمد مبالاة بذلك، بل ثبت ثباتاً شديداً وكانت والدته تشجِّعه وتقوّي متنه وتُشرف على الحرب بنفسها، فتُحسن إلى من أبلى. فلما رأى البربر شدة عزمه وثباته فتَّ ذلك في أعضادهم وتخلوا عن إدريس بن يحيى، ورأوا أن يبعثوا به إلى سبتة وطنجة إلى البرغواطِيَّيْن اللذيَنِ ذكرنا. وقد كان إدريس جعل ابنه عندهما في حضانتهما، فلما وصل إليهما أظهرا تعظيمه ومخاطبته بالخلافة، إلا أنهما حجباه حجاباً شديداً، ولم يدعا أحداً من الناس يصل إليه.

فتلطّف قوم من أكابر البربر حتى وصلوا إليه وقالوا له: إن هذين العبدين قد غلبا عليك وحالا بينك وبين أمرك، فأْذن لنا نكفيكهما. فأبى ثم أخبرهما بذلك، فنفيا أولئك القوم، وأخرجا إدريس بن يحيى وبعثا به إلى الأندلس

١١٦

وتمسّك بولده لصغره، إلا أنهما في كل ذلك يخطبان لإدريس بالخلافة.

ثم إن محمد بن إدريس أنكر من أخيه الملقّب بالسامي أمراً فنفاه إلى العدوة، فصار في جبال غمارة وهي بلاد تنقاد لهؤلاء الحسنيين، وأهلها يعظمونهم تعظيماً مفرطاً.

ثم إن البرابرة خاطبوا محمد بن القاسم الكائن بالجزيرة الخضراء، واجتمعوا إليه ووعدوه بالنصر، فاستفزّه الطمع وخرج إليهم فبايعوه بالخلافة، وتسمّى بالمهدي، وصار الأمر في غاية الأخلوقة والفضيحة، أربعة كلهم يتسمى بأمير المؤمنين في رقعة من الأرض مقدارها ثلاثون فرسخاً في مثلها. فأقاموا معه أياماً ثم افترقوا عنه إلى بلادهم.

ورجع محمد خاسئاً إلى الجزيرة ومات لأيام، وقيل: إنه مات غماً؛ وترك نحواً من ثمانية ذكور. فتولى أمر الجزيرة بعده ابنه القاسم بن محمد بن القاسم، إلا أنه لم يتسمّ بالخلافة. وبقي محمد بن إدريس بمالقة إلى أن مات سنة ٤٤٥.

وكان إدريس بن يحيى المعروف بالعالي عند بني يفرن بتاكرونة، فلما تُوفِّي محمد بن إدريس بن يحيى ردت العامة إدريس العالي إلى مالقة، واستولى عليها وهو آخر من ملكها من الحسنيين. فلما مات أجمع البربر رأيهم على نفي الحسنيين عن الأندلس إلى العدوة، والاستبداد بضبط ما كانوا يملكونه من البلاد.

ففعلوا ذلك وتم لهم ما أرادوا منه، فكانت الجزيرة الخضراء وما والاها من القرى إلى تاكرونة، ومالقة وما والاها أيضاً إلى حصن منكب، وغرناطة وأعمالها في ملك البربر.

وملكوا مع ذلك بعض أعمال اشبيلية كحصن اشونة وقرمونة وشلبر. ولم يزالوا كذلك إلى أن خرج من أيديهم ما كانوا يملكونه من أعمال اشبيلية المعتضد بالله أبو عمرو عباد بن محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، ثم أتم ابنه أبو القاسم المعتمد على الله ما ابتدأه أبوه من ذلك).

وجاء في تاريخ محمد بن جرير الطبري عن سبب خروج الحسين بن علي ما هذا ملخصه:

١١٧

(كان إسحاق بن عيسى بن علي على المدينة، فلما مات المهدي واستخلف موسى شخص إسحاق وافداً إلى العراق إلى موسى واستخلف على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

وإن سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن كان أن عمر بن عبد العزيز لما تولّى المدينة - كما ذكر الحسين بن محمد عن أبي جعفر السلمي - أخذ أبا الزفت الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن ومسلم بن جُندُب الشاعر الهذلي وعمر بن سلام مولى آل عمر على شراب لهم، فأمر بهم فُضربوا جميعاً، ثم أمر بهم فجعل في أعناقهم حبال وطِيف بهم في المدينة فكُلَّم فيهم، وصار إليه الحسين بن علي فكلَّمه وقال: ليس هذا عليهم وقد ضربتهم ولم يكن لك أن تضربهم؛ لأن أهل العراق لا يرون به بأساً، فلِمَ تطوف بهم؟...

فبعث إليهم وقد بلغوا البلاط، فردَّهم وأمر بهم إلى الحبس فحُبسوا يوماً وليلة. ثم كُلّم فيهم فأطلقهم جميعاً وكانوا يعرضون، ففقد الحسن بن محمد وكان الحسين بن علي كفيله.

قال محمد بن صالح: وحدثني عبد الله بن محمد الأنصاري أن العمري كان كفل بعضهم من بعض، فكان الحسين بن علي بن الحسن ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفيلين بالحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، وكان قد تزوّج مولاة لهم سوداء ابنة أبي ليث مولى عبد الله بن الحسن، فكان يأتيها فيقيم عندها، فغاب عن العرض يوم الأربعاء والخميس والجمعة. وعرضهم خليفته العمري عشية الجمعة، فأخذ الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله، فسألهما عن الحسن بن محمد فغلَّظ عليهم بعض التغليظ، ثم انصرف إلى العمري فأخبره خبرهم وقال له: أصلحك الله، الحسن بن محمد غائب منذ ثلاث، فقال: ائتني بالحسين ويحيى، فذهب ودعاهما. فلما دخلا عليه قال لهما: أين الحسن بن محمد؟... قالا: والله ما ندري... إنما غاب عنا يوم الأربعاء ثم كان الخميس فبلغنا أنه اعتلّ، فكنا نظن أن هذا اليوم لا يكون فيه عرض. فكلمهما بكلام أغلظ لهما فيه، فحلف يحيى بن عبد الله ألا ينام حتى يأتيه به أو يضرب عليه باب داره حتى يعلم أنه قد جاءه به. فلما خرجا قال له الحسين: سبحان الله ما دعاك إلى هذا؟ ومن أين تجد حسناً؟ حلفت له بشيء لا تقدر عليه.

١١٨

قال: إنما حلفت على حسن. قال: سبحان الله فعلى أي شيء حلفت؟.. قال: والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف قال: فقال نكسر بهذا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الصلة. قال: قد كان الذي كان فلابد منه. وكانوا قد تواعدوا على أن يخرجوا بمنى أو بمكة في الموسم فيما ذكروا، وقد كان قوم من أهل الكوفة من شيعتهم وممن كان بايع الحسين متكمِّنين في دار، فانطلقوا فعملوا بذلك من عشيتهم ومن ليلتهم، حتى إذا كان في آخر الليل خرجوا وجاء يحيى بن عبد الله حتى ضرب باب دار مروان على العمري، فلم يجده فيها، فجاء إلى منزله في دار عبد الله بن عمر فلم يجده أيضاً فيها. وتوارى منهم، فجاؤوا حتى اقتحموا المسجد، حتى إذا أذنوا بالصبح فجلس الحسين على المنبر وعليه عمامة بيضاء وجعل الناس يأتون المسجد، فإذا رأوهم رجعوا ولا يصلون. فلما صلى الغداة(١) جعل الناس يأتونه ويبايعونه على كتاب الله وسنّة نبيّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) للمرتضى من آل محمد.

وأقبل خالد البربري وهو يومئذ على الصوافي بالمدينة قائد على مائتين من الجند مقيمين بالمدينة، وأقبل فيمن معه وجاء العمري ووزير ابن إسحاق الأزرقي ومحمد بن واقد الشروي ومعهم كثير من كثير فيهم الحسين بن جعفر بن الحسين بن الحسين على حمار. واقتحم خالد البربري الرحبة، وقد ظاهر بين درعين وبيده السيف وعمود في منطقته مصلتاً سيفه وهو يصيح بحسين: أنا كسكاس، قتلني الله إن لم أقتلك. وحمل عليهم حتى دنا منهم، فقام إليه ابنا عبد الله بن حسن يحيى وإدريس، فضربه يحيى على أنف البيضة فقطعها وقطع أنفه، وشرقت عيناه بالدم فلم يبصر، فبرك وجعل يذب عن نفسه بسيفه وهو لا يبصر، واستدار له إدريس من خلفه فضربه وصرعه. وعلواه بأسيافهما حتى قتلاه، وشد أصحابهما على درعيه فخلعوهما عنه وانتزعوا سيفه وعموده فجاؤوا به، ثم أمروا به فُجر إلى البلاط. وحملوا على أصحابه فانهزموا.

قال عبد الله بن محمد: هذا كله بعيني. وذكر عبد الله بن محمد أن خالداً ضرب يحيى بن عبد الله وضربه يحيى على وجهه، واستدار رجل

____________________

(١) الغداة: البكرة أو ما بين الفجر وطلوع الشمس.

١١٩

أعور من أهل الجزيرة فأتاه من خلفه فضربه على رجليه واعتوروه بأسيافهم فقتلوه.

قال عبد الله بن محمد: ودخل عليهم المسوّدة المسجد حين دخل الحسين بن جعفر على حماره، وشدّت المبيضّة فأخرجوهم. وصاح بهم الحسين: أرفقوا بالشيخ يعني الحسين بن جعفر، وانتهب بيت المال فأُصيب فيه بضعة عشر ألف دينار فَضَلَت عن العطاء، وقيل: إن ذلك كان سبعين ألف دينار كان بعث بها عبد الله بن مالك يفرض بها من خزاعة.

قال: وتفرق الناس، وأغلق أهل المدينة عليهم أبوابهم. فلما كان من الغد اجتمعوا واجتمعت شيعة ولد العباس، فقاتلوهم بالبلاط فيما بين رحبة دار الفضل والزوراء. وجعل المسوّدة يحملون على المبيضّة حتى يبلغوا بهم رحبة دار الفضل. وتحمّل المبيضّة عليهم حتى يبلغوا بهم الزوراء.

وفشت الجراحات بين الفريقين جميعاً فاقتتلوا إلى الظهر ثم افترقوا. فلما كان في آخر النهار من اليوم الثاني يوم الأحد جاء الخبر بأن مباركاً التُّركي ينزل بئر المطلب، فنشط الناس فخرجوا إليه فكلموه أن يجيء فجاء من الغد حتى أتى الثنية، واجتمع إليه انتصاف النهار، ثم تفرّقوا، وجاء هؤلاء إلى المسجد، ومضى الآخرون إلى مبارك التُّركي إلى دار عمر بن عبد العزيز بالثنية يُقيل(١) فيها. وواعد الناس الرواح، فلما غفلوا عنه جلس على رواحله فانطلق. وراح الناس فلم يجدوه. ثم تفرّقوا، وأقام حسين وأصحابه أياماً يتجهزون وكان مقامهم بالمدينة أحد عشر يوماً. ثم خرج يوم أربعة وعشرين لستّ بقين من ذي القعدة، فلما خرجوا من المدينة عاد المؤذنون فأذنوا، وعاد الناس إلى المسجد فوجدوا فيه العظام التي كانوا يأكلون وآثارهم، فجعلوا يدعون الله عليهم: فعل الله بهم وفعل.

قال محمد بن صالح: فحدثني نصير بن عبد الله بن إبراهيم الجمحي أن حسيناً لما انتهى إلى السوق متوجهاً إلى مكة التفت إلى أهل المدينة

____________________

(١) يَقيلُ: قال يَقيلُ قَيْلاً وقيلولةً وقائلة ومقالاً ومقيلاً: نام في القائلة أي في منتصف النهار.

١٢٠