تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 391
المشاهدات: 123978
تحميل: 10981


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123978 / تحميل: 10981
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

النهب والغارة وبلغ خبره إلى خاله خالد بن عمر، وهو نازل على الزرير، ومطر ابني علي بن مقن العُقيْلِيَّنْ. فأرسل إليه ولده مع أولاد الزرير ومطر يشكون إليه ما عاملهم به عمه مُهلهل وقريش بن بدران. فلقوه بُحلوان إليه حالهم، فوعدهم المسير إليهم وإنقاذهم ممن قصدهم، فعادوا من عنده، فلقيهم نفر من أصحاب مهلهل فواقعوهم فظفر بهم العقيليون وأسروهم. وبلغ الخبر مهلهلاً فسار إلى حلل الزرير ومطر في نحو خمسمائة فارس، فأوقع بهم على تل عكبرا ونهبهم وانهزم الرجال فلقي خالد ومطر والزرير سعدي بن أبي الشوك على ثامرا، فأعلموه الحال وحملوه على قتال عمه، فتقدم إلى طريقه والتقى القوم. وكان سعدي في جمع كثير، فظفر بعمه وأسره وانهزم أصحابه. في كل جهة وأسر أيضاً مالك ابن عمه مهلهل وأعاد الغنائم التي كانت معهم على أصحابها وعاد إلى حلوان. ووصل الخبر إلى بغداد فأرتجّ الناس بها وخافوا وبرز عساكر الملك الرحيم؛ ليقصدوا حلوان لمحاربة سعدي ووصل إليهم أبو الأغر دُبيس بن مزيد الأسديّ ولم يصنعوا شيئاً.

وفي هذه السنة قبض عيسى بن خميس بن مقن على أخيه أبي غشّام صاحب تكريت بها وسجنه في سرداب بالقلعة واستولى على تكريت.

في سنة (٤٤٥) قد ذكرنا وصول سعدي إلى العراق وأسره عمه. فلما أسره سار بدر بن المهلهل إلى السلطان طغرلبك، وتحدّث معه في مراسلة سعدي ليطلق أباه. فسلم إليه طغرلبك ولداً كان لسعدي عنده رهينة. وأرسل معه رسولاً يقول فيه: إن أردت فدية عن أسيرك فهذا ولدك قد رددته عليك، وإن أبيت إلا المخالفة ومفارقة الجماعة قابلناك على فعلك. فلما وصل بدر والرسول إلى هَمَذان تخلف بدر، وسار الرسول إليه فامتعض من قوله وخالف طغرلبك وسار إلى حلوان وأراد أخذها، فلم يمكنه وتردُّد بين روشنقباذ والبردان، وكاتب الملك الرحيم وصار في طاعته، فسار إليه إبراهيم بن إسحاق وسخت كمان، وهما من أعيان عسكر طغرلبك في عسكر مع بدر بن المهلهل فأوقعوا به، فانهزم هو أصحابه وعاد الغز عنهم إلى حلوران. وسار بدر إلى شهرزور في طائفة من الغز ومضى سعدي إلى قلعة روشنقباذ.

وفي سنة (٤٤٦) في شعبان من هذه السنة حصر الأمير أبو المعالي

٢٤١

قريش بن بدران صاحب الموصل مدينة الأنبار وفتحها، وخطب لطغرلبك فيها وفي سائر أعماله، ونهب ما كان فيها البساسيري وغيره، ونهب حلل أصحابه بالخالص وفتحوا بثوقة، فامتعض البساسيري من ذلك وجمع جموعاً كثيرة وقصد الأنبار وحربى فاستعادهما.

وفي سنة (٤٤٦) وفيها تُوفِّي أبو حسَّان المقلَّد بن بدران أخو قريش بن بدران صاحب الموصل.

سنة (٤٤٨): في هذه السنة سلخ شوال كانت وقعة بين البساسيري ومعه نور الدولة دُبيس بن مزيد وبين قريش بن بدران صاحب الموصل ومعه قتلمش، وهو ابن عم السلطان طغرلبك وهو جد هؤلاء الملوك أولاد قلج ارسلان، ومعه أيضاً سهم الدولة أبو الفتح بن عمرو، وكانت الحرب عند سنجار، فاقتتلوا واشتد القتال بينهم، فانهزم قريش وقتلمش وقتل من أصحابهما الكثير، ولقي قتلمش من أهل سنجار العنت، وبالغوا في أذاه وأذى أصحابه، وجُرح قريش بن بدران وأتى إلى نور الدولة جريحاً فأعطاه خلعة كانت قد نفذت من مصر، فلبسها وصار في جملتهم وساروا إلى الموصل وخطبوا لخليفة مصر بها وهو المستنصر بالله. وكانوا قد كاتبوا الخليفة المصري بطاعتهم، فأرسل إليهم الخُلع من مصر للبساسيري ولنور الدولة دُبيس بن مزيد ولجابر بن ناشب ولمقبل بن بدران أخي قريش، ولأبي الفتح بن ورام ونصير بن عمر وأبي الحسن بن عبد الرحيم ومحمد بن حماد وانضاف إليهم قريش بن بدران.

وفي الصفحة والسنة نفسها لما ضاقت بغداد ذرعاً بعساكر السلطان طغرلبك؛ لارتكابهم بأهلها شتى المظالم وأنواع المناكير، وشكوا الأمر إلى الخليفة القائم بأمر الله، توسط إلى السلطان بخروج عساكره من بغداد. وخرج بهم قاصداً الأصعاد إلى الموصل وفتح بلاداً كثيرة في طريقه واستولى على الموصل، وأقطع هزارسب بلد. ولما ظفر هذا بالعرب وعاد إلى السلطان طغرلبك أرسل إليه نور الدولة وقريش يسألانه أن يتوسط لهما عند السلطان ويصلح أمرهما معه، فسعى في ذلك واستعطف السلطان عليهما، فقال: أما هما فقد عفوت عنهما، وأما البساسيري فذنبه إلى الخليفة ونحن متَّبعون أمره فيه. فرحل البساسيري عند ذلك إلى الرحبة وتبعه

٢٤٢

التُّرك البغداديون ومقبل بن المقلَّد وجماعة من عقيل وطلب دُبيس وقريش أن يرسل طغرلبك إليهما أبا الفتح بن ورام. فأرسله فعاد من عندهما وأخبر بطاعتهما، وأنهما يطلبان أن يمضي هزارسب إليهما ليحلفهما. فأمره السلطان بالمضي إليهما. فسار واجتمع بهما وأشار عليهما بالحضور عند السلطان، فخافا وامتنعا فأنفذ قريش أبا السداد هبة الله بن جعفر , وأنفذ دُبيس ابنه بهاء الدولة منصوراً، فأنزلهما السلطان وأكرمهما وكتب لهما بأعمالهما. وكان لقريش نهر الملك وبادوريا والأنبار وهيت ودجيل ونهر بيطر وعكرا وأوانا وتكريت والموصل ونصيبين. وأعاد الرسل إلى أصحابهم.

وفي هذه السنة نفسها قصد السلطان طغرلبك ديار بكر التي هي لابن مروان. ولما حاصر جزيرة ابن عمر، وهي من أعماله أرسل إليه يبذل له مالاً يصلح به حاله ويذكر له ما هو بصدده من حفظ ثغور المسلمين، ووصل إبراهيم نيال أخو السلطان إليه، فلقيه الأمراء والناس كلهم وحملوا إليه الهدايا، وقال لعميد الملك الوزير: من هؤلاء العرب حتى تجعلهم نظراء السلطان وتصلح بينهم؟ فقال: مع حضورك يكون ما تريد، فأنت نائب السلطان. ولما وصل إبراهيم نيال أرسل هزارسب إلى نور الدولة بن مزيد وقريش يعرفهما وصوله ويحذرهما منه. فسارا من جبل سنجار إلى الرحبة، فلم يلفت البساسيري إليهما. فانحدر نور الدولة إلى بلده بالعراق وأقام قريش عند البساسيري بالرحبة ومعه ابنه مسلم بن قريش، وشكا قتلمش ابن عم السلطان إليه ما لقي من أهل سنجار في العام الماضي لما انهزم، وأنهم قتلوا رجالاً، فسيَّر العساكر إليهم فأحاطت بهم وأجروا الأمور العظام وفتحها السلطان عنوة وقتل أميرها مجلى بن مرحبا وخلقاً كثيراً من رجالها وسبى نساءهم.

سنة (٤٥٠): في هذه السنة فارق إبراهيم يَنّال الموصل نحو بلاد الجبل، ولما فارقها قصدها البساسيري وقريش بن بدران وحاصراها، فملكا البلد ليومه وبقيت القلعة وبها الخازن وأَرْدَم وجماعة من العسكر، فحاصراها أربعة أشهر حتى أكل من فيها دوابهم. فخاطب ابن موسك صاحب اربل قريشاً حتى أمنهم، فخرجوا فهدم البساسيري القلعة وعفّى أثرها. وكان السلطان قد فرَّق عسكره في النوروز، وبقي جريدة في أَلفَيْ فارس حين بلغه

٢٤٣

الخبر، فسار إلى الموصل فلم يجد بها أحداً. كان قريش والبساسيري قد فارقاها، فسار إلى نصيبين ليتتبع آثارهم ويخرجهم من البلاد.

في السنة المذكورة جرى ما قد مر ذكره ص٢٢ وهو هنا أكثر تفصيلاً فليلاحظ عند نقل هذه الحادثة.

سنة (٤٥١): يذكر عود الخليفة القائم بالله إلى بغداد وقد مر ذكره بإيجاز فليراجع عند النقل ما كتب هنا ابن الأثير.

الجزء العاشر ص٧ سنة (٤٥٣) في هذه السنة تُوفِّي قريش بن بدران صاحب الموصل ونصيبين، أصابه خروج الدم من فيه وأنفه وعينيه وأذنيه فحمله ابنه شرف الدولة إلى نصيبين حتى حفظ خزانته بها، وتُوفِّي هناك. وسمع فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جُهير حاله، فسار من دارا إلى نصيبين وجمع بني عُقيّل على أن يؤمّروا ابنه أبا المكارم مسلم بن قريش عليهم، وكان القائم بأمره جابر بن ناشب، فزوَّجه فخر الدولة بأخت مسلم، وزوج مسلماً بابنة نصر بن منصور.

سنة (٤٥٨): في هذه السنة سار شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران صاحب الموصل إلى لسلطان الب ارسلان فأقطعه الأنبار وهيت وحربى والسن والبوازيج ووصل إلى بغداد، فخرج الوزير فخر الدولة بن جهير في المركب فلقيه، ونزل شرف الدولة بالحريم الطاهري وخلع عليه الخليفة.

سنة (٤٦٠): في هذه السنة كانت حرب بين شرف الدولة بن قريش وبين بني كِلاب بالرحبة، وهم في طاعة العلوي المصري، فكسرهم شرف الدولة وأخذ أسلابهم وأرسل أعلاماً كانت معهم عليها سمات المصري إلى بغداد وكُسرت وطيف بها في البلد، وأرسلت الخلع إلى شرف الدولة.

سنة (٤٦٢): وفيها في شهر رمضان تُوفِّي تاج الملوك هزارسب بن بنكير بن عياض بأصبهان وهو عائد من عند السلطان إلى خوزستان، وكان قد علا أمره وتزوج بأخت السلطان، وبغى على نور الدولة دُبيس بن مزيد وأغرى السلطان به ليأخذ بلاده، فلما مات سار دُبيس إلى السلطان ومعه شرف الدولة مسلم صاحب الموصل، فخرج نظام الملك فلقيهما. وتزوج

٢٤٤

شرف الدولة بأخت السلطان التي كانت امرأة هزارسب، وعادا إلى بلادهما من هَمَذان.

عن كامل ابن الأثير ص٢٩ الجزء التاسع بما يتعلق بأولية بني حمدان، فإن أبا طاهر وأبا عبد الله ابني حمدان لما تغلبا على باذ الكردي، وغلب ابن أخته أبو علي بن مروان مؤسس دولة بني مروان على ممالك خاله باذ، سار إليه وهو بميافارقين، فتغلب عليهما وأسر أبا عبد الله ثم أطلقه، فسار إلى أخيه أبي طاهر وهو بآمد يحصرها، فأشار عليه بمصالحة ابن مروان فلم يفعل. واضطر أبو طاهر إلى موافقته، فسارا إلى ابن مروان وواقفاه، فهزمهم وأسر أبا عبد الله ولم يطلقه هذه المرة إلا بشفاعة صاحب مصر. ومضى إلى مصر وتقلد منها ولاية حَلب، وأقام بتلك الديار إلى أن تُوفِّي. وأما أبو طاهر فإنه لما وصل إلى نصيبين قصده أبو الذوّاد فأسره وعلياً ابنه والمزعفر أمير بني نمير وقتلهم صبراً.

سنة (٤٧٢): في هذه السنة ملك شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي صاحب الموصل مدينة حَلب؛ وسبب ذلك أن تاج الدولة تُتُش بن الب ارسلان حصرها مرة بعد أُخرى، فاشتد الحصار بأهلها وكان شرف الدولة يواصلهم بالغلات وغيرها، ثم إن تُتُش حصرها في هذه السنة وأقام عليها أياماً، ورحل عنها وملك بُزاعة والبيرة، وأحرق ربض عزاز وعاد إلى دمشق. فلما رحل عنها تاج الدولة استدعى أهلها شرف الدولة ليسلّموها إليه، فلما قاربها امتنعوا من ذلك وكان مقدمهم يعرف بابن الحُتَيْتي العباسي، فاتفق أن ولده خرج يتصيَّد بضيعة له، فأسره أحد التُّركمان وهو صاحب حصن بنواحي حَلب، وأرسله إلى شرف الدولة. فقرر معه أن يسلّم البلد إليه إذا أطلقه، فأجاب إلى ذلك، فأطلقه فعاد إلى حَلب واجتمع بأبيه وعرَّفه ما استقر، فأذعن إلى تسليم البلد ونادى بشعار شرف الدولة وسلَّم البلد إليه. فدخله سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة وحصر القلعة، واستنزل منها سابقاً ووثاباً ابني محمود بن مرداس. فلما ملك البلد وأنفذ معه شهادة فيها خطوط المعدّلين بحَلب بضمانها، وسأل أن يقرر عليه الضمان فأجابه السلطان إلى ما طلب وأقطع ابن عمه مدينة بالس.

٢٤٥

سنة (٤٧٤): في هذه السنة سار تُتُش بعد عودة شرف الدولة عن دمشق وقصد الساحل الشامي، فافتتح انطرطوس وبعضاً من الحصون وعاد إلى دمشق. وفيها ملك شرف الدولة صاحب الموصل مدينة حران، وأخذها من بني وثاب النميريين وصالحه صاحب الرُّها ونقش السكة باسمه.

سنة (٤٧٥): في هذه السنة جمع تاج الدولة تُتُش جمعاً كثيراً وسار عن بغداد، وقصد بلاد الروم أنطاكية وما وجاورها. فسمع شرف الدولة صاحب حَلب الخبر، فخافه فجمع أيضاً العرب من عُقيل والأكراد غيرهم فاجتمع معه جمع كثير، فراسل الخليفة بمصر يطلب منه إرسال نجدة إليه ليحصر دمشق، فوعده ذلك فسار إليها. فلما سمع تُتُش الخبر عاد إلى دمشق، فوصلها أول المحرم سنة ست وسبعين وأربعمائة، ووصل شرف الدولة أواخر المحرم وحاصر المدينة وقاتله أهلها. وفي بعض الأيام خرج إليه عسكر دمشق، وقاتلوه وحملوا على عسكره حملة صادقة، فانكشفوا وتضعضعوا، وانهزمت العرب وثبت شرف الدولة، وأشرف على الأسر وتراجع إليه أصحابه. فلما رأى شرف الدولة ذلك، ورأى أيضاً أن مصر لم يصل إليه منها عسكر، وأتاه عن بلاده الخبر أن أهل حران عصوا عليه رحل عن دمشق إلى بلاده وأظهر أنه يريد البلاد بفلسطين. فرحل أولاً إلى مرج الصُّفَّر، فارتاع أهل دمشق وتتش واضطربوا. ثم إنه رحل من مرج الصفر مُشرّقاً في البرية وجدَّ في مسيره، فهلك من المواشي الكثير مع عسكره ومن الدواب شيء كثير وانقطع خلق كثير.

سنة (٤٧٦): في هذه السنة عصى أهل حران على شرف الدولة مسلم بن قريش، وأطاعوا قاضيهم ابن حَلبة وأرادوا هم وابن عُطير النميري تسليم البلد إلى جُبْق أمير التُّركمان. وكان شرف الدولة على دمشق يحاصر تاج الدولة تُتُش بها. فبلغه الخبر فعاد إلى حران وصالح ابن مُلاعب صاحب حمص وأعطاه سلمية وَرَفنية وبادر بالمسير إلى حران، فحصرها ورماها بالمنجنيق، فخرَّب من سورها بدنة وفتح البلد في جمادى الأولى وأخذ القاضي ومعه ابنين له، فصلبهم على السور.

سنة (٤٧٧) قد تقدم ذكر مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر السلطانية إلى ديار بكر. فلما كانت هذه السنة سيّر السلطان إليه أيضاً جيشاً فيهم الأمير أرتق بن أكسب، وأمرهم بمساعدته. وكان ابن مروان قد مضى

٢٤٦

إلى شرف الدولة وسأله نصرته على أن يسلِّم إليه آمد، وحلف كل واحد لصاحبه. وكل منهما يرى أن صاحبه كاذب؛ لما كان بينهما من العداوة المستحكمة واجتمعا على حرب فخر الدولة وسارا إلى آمد، وقد نزل فخر الدولة بنواحيها، فلما رأى فخر الدولة اجتماعهما مال إلى الصلح، وقال: لا أوثر أن يحل بالعرب بلاء على يدي. فعرف التُّركمان ما عزم عليه فركبوا ليلاً وأتوا إلى العرب وأحاطوا بهم في ربيع الأول، والتحم القتال واشتد، فانهزمت العرب ولم يحضر هذه الوقعة الوزير فخر الدولة ولا أرتق، وغنم التُّركمان حلل العرب ودوابهم، وانهزم شرف الدولة وحمى نفسه حتى وصل إلى فصيل آمد، وحصره فخر الدولة ومن معه، فلما رأى شرف الدولة أنه محصور خاف على نفسه، فراسل الأمير أرتق وبذل له مالاً وسأله أن يمن عليه بنفسه ويمكِّنه من الخروج من آمد وكان هو على حفظ الطرق والحصار. فلما سمع أرتق ما بذل له شرف الدولة أذن له في الخروج، فخرج منها في الحادي والعشرين من ربيع الأول وقصد الرقّة وأرسل إلى أرتق بما كان وعده به. وسار ابن جهير إلى ميافارقين ومعه من الأمراء الأمير بهاء الدولة منصور بن مزيد وابنه سيف الدولة صدقة، ففارقوه وعادوا إلى العراق وسار فخر الدولة إلى خلاط، ولما استوى العسكر السلطاني على حلل العرب، وغنموا أموالهم وسبوا حريمهم بذل سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد الأموال وافتكّ أسرى بني عُقيل ونساءهم وأولادهم، وجهَّزهم جميعهم وردَّهم إلى بلادهم. ففعل أمراً عظيماً وأسدى مكرمة شريفة، ومدحه الشعراء في ذلك فأكثروا فمنهم محمد بن محمد بن خليفة السنبسُي يذكر ذلك في قصيدة:

كما أحرزتَ شكر بني عقيل بـآمد يـوم كظّهُم الحصار

غـداة رمـتهم التُّرك طر بشهب في حوافلها ازورار

فما جبنوا ولكن فاض بحر عـظيم لا تـقاومه البحار

فـحين تنازلوا تحت المناي وفـيهن الـرزيّة والـدمار

مـننت عليهم وفككت عنهم وفـي أثـناء حبلهم انتشار

ولـو لا أنت لم ينفكَّ منهم أسـير حـين أعلقه الإسار

وفي هذه الصفحة في السنة نفسها: لما بلغ السلطان أن شرف الدولة

٢٤٧

انهزم وحُصر بِآمد لم يشك في أسره، فخلع على عميد الدولة بن جهير وسيَّره في جيش كثيف إلى الموصل، وكاتب أمراء التُّركمان بطاعته وسيَّر معه من الأمراء آقسنقر قسيم الدولة جد ملوك أصحاب الموصل وهو الذي أقطعه السلطان بعد ذلك حَلب. وكان الأمير أرتق قد قصد السلطان، فعاد صحبته عميد الدولة من الطريق، فسار عميد الدولة حتى وصل إلى الموصل، فأرسل إلى أهلها يشير عليهم بطاعة السلطان وترك عصيانه، ففتحوا له البلد وسلَّموه إليه، وسار السلطان بنفسه وعساكره إلى بلاد شرف الدولة؛ ليملكها فأتاه الخبر بخروج أخيه تكش بخراسان. ورأى شرف الدولة قد خلص من الحصر، فأرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة وهو مقابل الرحبة، فأعطاه العهود والمواثيق وأحضره عند السلطان وهو بالبوازيج، فخلع عليه آخر رجب، وكانت أمواله قد ذهبت فاقترض ما خدم به وحمل للسلطان خيلاً رائقة من جملتها فرسه بشار وهو فرسه المشهور الذي نجا عليه من المعركة ومن آمد أيضاً، وكان سابقاً لا يجارى. فأمر السلطان بأن يسابق به الخيل فجاء سابقاً، فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب وأرسل الخليفة النَقيب طراد الزينبي في لقاء شرف الدولة، فلقيه بالموصل فزاد أمر شرف الدولة قوة، وصالحه السلطان وأقره على بلاده.

في هذه السنة فتح سليمان بن قُتلمش انطاكية، فلما ملكها أرسل إليه شرف الدولة مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمله إليه صاحبها الفردوس من المال ويخوّفه معصية السلطان، فأجابه أما طاعة السطلان فهي شعاري ودثاري والخطبة له والسكة في بلادي، وقد كاتبته بما فتح الله على يدي بسعادته من هذا البلد وأعمال الكفار، وأما المال الذي كان يحمله صاحب أنطاكية قبلي فهو كان ذميّاً، وكان يحمل جزية رأسه وأصحابه، وأنا بحمد الله مؤمن ولا أحمل شيئاً، فنهب شرف الدولة بلد أنطاكية فنهب سليمان أيضاً بلد حَلب، فلقيه أهل السواد يشكون إليه نهب عسكره، فقال: أنا كنت أشد كراهية لما يجري لكن صاحبكم أحوجني إلى ما فعلت، ولم تجر عادتي بنهب مال مسلم ولا أخذ ما حرمته الشريعة. وأمر أصحابه بإعادة ما أخذوه منهم فأعادوه. ثم إن شرف الدولة جمع الجموع من العرب والتُّركمان، وكان ممن معه جبق أمير التُّركمان في أصحابه وسار إلى أنطاكية ليحصرها. فلما سمع سليمان الخبر جمع عساكره وسار إليه فالتقيا

٢٤٨

في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف من أعمال أنطاكية، واقتتلوا فمال تركمان جبق إلى سليمان، فانهزمت العرب وتبعهم شرف الدولة منهزماً، فقُتل بعد أن صبر وقُتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حَلب، وكان قتله يوم الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة:

سنة (٤٨٣): في هذه السنة في المحرم تُوفِّي فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الذي كان وزير الخليفة بمدينة الموصل ومولده بها، وتزوج إلى أبي العقارب شيخها، ونظر في أملاك جارية قرواش المعروفة بسرهنك، ثم خدم بركة بن المقلَّد حتى قبض على أخيه قرواش وحبسه، ومضى بهدايا إلى ملك الروم، فاجتمع هو ورسول نصر الدولة بن مروان، فتقدم فخر الدولة عليه، فنازعه رسول ابن مروان، فقال فخر الدولة لملك الروم: أنا أستحق التقدم عليه؛ لأن صاحبه يؤدي الخراج إلى صاحبي. فلما عاد إلى قريش بن بدران أراد القبض عليه فاستجار بأبي الشداد وكانت عقيل تُجير على أمرائها.

وفي سنة (٤٨٦) كان إبراهيم بن قريش بن بدران أمير بني عُقيل قد استدعاه السلطان ملكشاه سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة ليحاسبه. فلما حضر اعتقله وأنفذ فخر الدولة بن جهير إلى البلاد فملك الموصل. وغيرها. وبقي إبراهيم مع ملكشاه، وسار معه إلى سمرقند وعاد إلى بغداد. فلما مات ملكشاه أطلقته تركان خاتون من الاعتقال، فسار إلى الموصل وكان ملكشاه قد أقطع عمته صفية مدينة بلد، وكانت زوجة شرف الدولة ولها منه ابنها علي، وكانت قد تزوجت بعد شرف الدولة بأخيه إبراهيم. فلما مات ملكشاه قصدت الموصل ومعها ابنها علي، فقصدها محمد بن شرف الدولة وأراد أخذ الموصل، فافترقت العرب فرقتين فرقة معه وأُخرى مع صفية وابنها علي. واقتتلوا بالموصل عند الكناسة، فظفر علي وانهزم محمد وملك علي الموصل. فلما وصل إبراهيم إلى جُهينة، وبينه وبين الموصل أربعة فراسخ سمع أن الأمير علي بن أخيه شرف الدولة قد ملكها ومعه أمه صفية عمة ملكشاه. فأقام مكانه وراسل صفية خاتون، وتردُّدت الرسل فسلمت

٢٤٩

البلد إليه فأقام به. فلما ملك تُتُش نصيبين أرسل إليه يأمره أن يخطب له بالسلطنة، ويعطيه طريقاً إلى بغداد؛ لينحدر ويطلب الخطبة بالسلطنة فامتنع إبراهيم من ذلك، فسار تُتُش إليه وتقدم إبراهيم أيضاً نحوه، فالتقوا بالمُضيَّع من أعمال الموصل في ربيع الأول، وكان إبراهيم في ثلاثين ألفاً وكان تُتُش في عشرة آلاف، وكان آقسنقر على ميمنته وبوزان على ميسرته. فحمل العرب على بوزان، فانهزم وحمل آقسنقر على العرب فهزمهم وتمت الهزيمة على إبراهيم والعرب. وأُخذ إبراهيم أسيراً وجماعة من أمراء العرب، فقتلوا صبراً ونُهبت أموال العرب وما معهم من الإبل والغنم والخيل وغير ذلك، وقتل كثير من نساء العرب أنفسهن خوفاً من السبي والفضيحة. وملك تُتُش بلادهم الموصل وغيرها، واستناب بها عليَّ بن شرف الدولة مسلم وأمه صفية عمة تُتُش، وأرسل إلى بغداد يطلب الخطبة.

سنة (٤٨٩): إن تاج الدولة تُتُش لما قتل آقسنقر وبوزان وأسر قوام الدولة أبا سعيد كربوقا الذي لم يزل محبوساً بحَلب إلى أن قُتِل تُتُش وملك ابنه رضوان حَلب، أرسل السلطان بركيارق رسولاً بإطلاقه وإطلاق أخيه التونتاش. فلما أطلقا سارا واجتمع عليهما كثير من العساكر البطالين، فأتيا حران فتسلماها وكاتبهما محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وهو بنصيبين ومعه ثروان بن وهيب، وأبو الهيجاء الكردي يستنصرون بهما على الأمير علي بن شرف الدولة. وكان بالموصل قد جعله بها تاج الدولة تُتُش بعد وقعة المضيع. فسار كربوقا إليهم فلقيهم محمد بن شرف الدولة على مرحلتين من نصيبين واستحلفهما لنفسه، فقبض عليه كربوقا بعد اليمين وحمله معه. وأتى نصيبين فامتنعت عليه، فحصرها أربعين يوماً وتسلمها وسار إلى الموصل فحصرها، فلم يظفر منها بشيء فسار عنها إلى بلد، وقتل بها محمد بن شرف الدولة وغرقه. وعاد إلى حصار الموصل ونزل على فرسخ منها بقرية باحلاف وترك النونتاش شرقي الموصل. فاستنجد علي بن مسلم صاحبها بالأمير جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر، فسار إليه نجدة فلما علم التونتاش بذلك سار إلى طريقه فقاتله فانهزم جكرمش وعاد إلى الجزيرة منهزماً وصار في طاعة كربوقا وأعانه على حصر الموصل. فلما ضاق بصاحبها علي الأمر فارقها وسار إلى الأمير صدقة بن مزيد بالحلَّة: وتسلم كربوقا البلد بعد حصار تسعة أشهر.

٢٥٠

ما جاء عنهم في تاريخ الملك أبي الفداء المسمّى بالمختصر من بعد سنة ٤٨٩ التي لم يرد فيها ذكر لبني المسيّب

سنة (٤٩٦): فيها قتل المؤيد بن مسلم بن قريش أمير بني عقيل، قتله بنو نمير عند هيت.

الصفحة نفسها في السنة نفسها - وفي هذه السنة في صفر أغارت الفرنج على قلعة جعبر والرقة واستساقوا المواشي وأسروا من وجدوه. وكانت الرقة وقلعة جعبر لسالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي سلَّمها إليه السلطان ملكشاه.

سنة (٥١٩): وفيها مات سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب قلعة جعبر. وملكها بعده ابنه مالك بن سالم.

سنة (٥٤١): حاصر عماد الدين زنكي قلعة جعبر، وصاحبها علي بن مالك بن سالم بن مالك. فانتهى الأمر بمقتله ولم يملكها، وقد ذكرت هذه الحادثة مستوفاة عن تاريخ ابن خلدون.

سنة (٥٦٤): ملك نور الدين قلعة جعبر من صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك بن سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وكانت بأيديهم من أيام السلطان ملكشاه، ولم يقدر نور الدين على أخذها إلا بعد أن أسر صاحبها مالك المذكور بنو كِلاب، وأُحضر إلى نور الدين محمود واجتهد به على تسليمها فلم يفعل. فأرسل عسكراً مقدمهم فخر الدين مسعود بن أبي علي الزعفراني، وردفه بعسكر آخر مع مجد الدين أبي بكر المعروف بابن الداية وكان رضيع نور الدين. وحصروا القلعة، فلم يظفروا منها بشيء وما زالوا على صاحبها مالك حتى سلمها، وأخذ عنها عوضاً مدينة سروج بأعمالها والملوحة من بلد حَلب وعشرين ألف دينار معجلة وباب بزاعة.

ما جاء من أخبارهم بذيل تاريخ دمشق لأبي يعلى حمزة بن القلانسي:

سنة (٤٧٢): فيها تسلَّم شرف الدولة مسلم بن قريش حَلب.

٢٥١

سنة (٤٧٥): بينا كان السلطان تاج الدولة متوجهاً إلى ناحية الشام من دمشق، وفي خدمته بعض الأمراء قاصداً ناحية الروم، وقد أقام هناك مدة اتصل به خبر شرف الدولة مسلم بن قريش، وما هو عليه من الجمع والاحتشاد والتأهب والاستعداد، واجتماع العرب عليه من بني نمير وعقيل والأكراد والموَلدة وبني شيبان للنزول على دمشق والمضايقة لها والطمع في تملِّكها. فعاد منكفئاً إلى دمشق لما عرف هذا العزم، ووصل إليها في أوائل المحرم سنة ٤٧٦، وورد الخبر بوصول شرف الدولة في حشده إلى بالس أيضاً في المحرم، ووصله جماعة من بني كِلاب، ونهض بالعسكر مسرعاً إلى أن نزل على دمشق، ووصل إليه جماعة من عرب قيس واليمن وقاتل أهل دمشق في بعض الأيام وخرج إليه عسكر تاج الدولة من دمشق. وقاتل أهل دمشق في بعض الأيام، وخرج إليه عسكر تاج الدولة من دمشق. وحمل على عسكره حملة صادقة، فانكشف وتضعضع عسكره وعاد كل فريق إلى مكانه. وعاد عليهم بحملة أخرى وانهزمت العرب وثبت شرف الدولة مكانه وأشرف على الأسر وتراجع أصحابه، وكان شرف الدولة قد اعتمد على معونة عسكر المصريين على دمشق ومعاضدته بالعسكر المصري على أخذها. فوقع التقاتل عليه بالأنجاد والتقاعد عنه بالإسعاد؛ إشفاقاً من ميل الناس إليه، وعظم شأنه بتواصلهم ووفودهم عليه، فلما وقع يأسه مما أمّله ورجاه، وخاف ما تمناه، ورد عليه من أعماله، ما شغل خاطره في تدبيره وأعماله، وتواترت الأخبار بما أزعجه وأقلقه رأى أن رحيله من دمشق إلى بلاده، وعوده إلى ولايته لتسديد أحوالها وإصلاح اختلالها أصوب من مقامه على دمشق وأوفق من شأنه، فأوهم أنه سائر مقتبلاً لأمر مهم عليه، وأرب مطلوب نهد إليه، فرحل عن دمشق ونزل مرج الصفر، وعرف من بدمشق ذلك، فقلقوا لذلك واضطربوا، ثم رحل مشرقاً في البرية وجلاً، وجدَّ في سيره مجفلاً، وأوصل السير ليلاً ونهاراً، فهلك من المواشي والدواب للعرب ما لا يحصيه عدد ولا يحصر كثرة من العطش وتلف، وانقطع من الناس خلق كثير وخرجت به الطريق إلى وادي بني حصين قريباً من سلمية. فأنفذ وزيره أبا المعز بن صدقة إلى خلف بن ملاعب المقيم بحمص؛ ليجعله بين الشام وبين السلطان تاج الدولة لما يعلمه من نكايته في التُّرك، وفتكه بمن يظفر به من أبطالهم الفُتَّاك، فأقام أبو العز الوزير بحمص إلى حين عوده، فخلع عليه شرف الدولة وأكرمه وقرر معه حفظ الشام وطيَّب نفسه

٢٥٢

وسار بعد ذلك السلطان تاج الدولة إلى ناحية طرابلس، وافتتح انطرطوس وبعض الحصون وعاد إلى دمشق، وورد الخبر بنزول السلطان العادل ملك شاه أبي الفتح بن البارسلان على حَلب في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان من السنة، وضايقها إلى أن ملكها مع القلعة. وفي يوم الخميس الثاني من المحرم توجه شرف الدولة إلى بلد أنطاكية للقاء الفردوس ملك الروم. وفيها وصل الأمير شمس الدولة سالم بن مالك بالخلع السلطانية إلى شرف الدولة إلى حَلب، وقرر الصلح بين شرف الدولة وابن ملاعب بحمص، وفيها وصل أبو العز بن صدقة وزير شرف الدولة في عسكر كثيف لإنجاد حَلب على تاج الدولة. فلما وصل إليها رحل تاج الدولة في الحال.

وفي سنة ٤٧٦ عصى أهل حرّان على شرف الدولة مُسلم بن قُريش، وأطاعوا قاضيهم ابن حلية. وكان شرف الدولة على دمشق يحاصر تاج الدولة بها، فعاد فنزل عليها في عسكره، وضايقها وواظبها إلى أن افتتحها وملكها ورتب أمرها، واحتط عليها واعتمد على الثقات في حفظها. وفي هذه السنة تنكَّر شرف الدولة على وزيره أبي العز بن صدقة لأسباب أنكرها منه، وأحوال بلغته عنه، فقبض عليه واعتقله وأقام أياماً وقرر أمره وأطلقه وطيب نفسه.

سنة (٤٧٧): في شهر ربيع الأول من هذه السنة كانت وقعة بين عسكر شرف الدولة وعسكر التُّرك بأرض آمد من ديار بكر، واستظهر التُّرك على عسكر شرف الدولة فهزموه. وفي رجب منها توجه شرف الدولة مسلم بن قريش إلى السلطان العادل ملك شاه بن البارسلان، ودخل عليه ووطئ بساطه فأكرمه واحترمه وخلع عليه، وقرر أمره على ما يهوى من إصلاح أحواله والإقرار على أعماله وإزالة ما كان يخشاه، وعاد مسروراً بما لقي ومحبوراً بنيل مبتغاه.

سنة (٤٧٨): في هذه السنة كان مصاف الحرب بين الملك سليمان بن قتلمش وبين الأمير شرف الدولة مسلم بن قريش في اليوم الرابع والعشرين من صفر على نهر سفين في موضع يقال له: قرزاحل. فكُسر عسكر شرف الدولة، وقتل ورحل سليمان بعد ذلك في جمعه ونزل على حَلب محاصراً لها، ولم يظفر بفتحها بعد طول الحصار وفي معاودته

٢٥٣

حصارها والعزم عليه التقى وعسكر تاج الدولة، فقُتِل وتم فتحها لعسكر تاج الدولة في سنة ٤٧٩.

سنة (٤٨٥): بعد وفاة السلطان ملكشاه في هذه السنة وكان قد ملك سنة (٤٨١) ديار بني عقيل بعد امتلاكه ما ملكه من بلاد الروم والشام والجزيرة والرُّها وديار بكر، رجع إبراهيم بن قريش إلى بلاده وتسلَّم الموصل وأعمالها، وجمع العرب والأكراد ونزل في بلاد بني عقيل الموصل وما والاها، وغلب ولد أخيه شرف الدولة محمداً وأبعده عن الولاية. ولما وصل تاج الدولة إلى نصيبين وصل إليه الأمير بوزان صاحب الرُّها، وخرج إليه والي نصيبين يبذل الطاعة له والمناصحة في الخدمة، فامتنع أهل البلد من الجند الذين بها من أصحاب إبراهيم بن قريش، فقاتلها وهدم بعض سورها وملكها بالسيف، وقتل فيها تقدير ألفي رجل، وقتل كل من التجأ إلى جامعها ومساجدها، وأخذت الحرم وهتكت البنات، وعوقبوا بأنواع العقوبات إلى أن أظهرن كل مذخور وأبرزن كل مستور. وفعل في أمره ما لا يستحله مسلم، ولا يستحسنه كافر وأطلق بعد ذلك من كان في الأسر من الرجال والنسوان إلا من بقي في أيدي التُّرك، وذلك في صفر سنة ٤٨٦. وحكى من حضر هذه الكائنة القبيحة أنه شاهد امرأة تحت أحد التُّرك يطلب منها الفاحشة، وهي تصيح وتستغيث وتتمنع أشد التمنع، فجئته وحاولت تخليصها منه فلم يفعل، فجرحته فتخلَّى عنها وإذا بها امرأة من وجوه الأشراف، وأخرجتها إلى المخيم إلى أن سكنت الفتنة وأعدتها سالمة إلى دارها دون كل بنت هتكت.

سنة (٤٨٦): في هذه السنة عاد السلطان تاج الدولة عن نصيبين بعد ما جرى فيها، طالباً لإبراهيم بن قريش. فلما عرف خبره وحشد واستصرخ واستنجد، وحصل في خلق عظيم، ونزل بهم في المنزل المعروف شرقي الهِرماس، ونزل السلطان تاج الدولة على دارا. فلما كان يوم الاثنين الثاني من شهر ربيع الأول من السنة التقى الجيشان على نهر الهرماس، واختلط الفريقان، واشتد القتال وانكشفت الوقعة عن قتل جماعة من التُّرك والعرب. وعاد كل فريق منهما إلى مكانه. فلما استقر بالعرب المنزل، عاد عسكر تاج الدولة إليهم وهم غارّون وحمل عليهم وهم غافلون. فانهزمت العرب وأخذهم السيف، فقُتِل منهم العدد الكثير والأكثر من الرجالة المقيمين

٢٥٤

في المخيم، وقتل إبراهيم بن قريش وجماعة من الأمراء والمقدمين من بني عقيل وغيرهم. وقيل: إن تقدير القتلى من الفريقين عشرة آلاف رجل، واستولى النهب والسلب والسبي على من وجد في المخيم، وامتلأت الأيدي من الغنائم والسواد والمواشي والكُراع بحيث بيع الجمل بدينار واحد، والمائة شاة بدينار واحد، ولم يشاهد أبشع من هذه الوقعة ولا أشنع منها في هذا الزمان، وقتل بعض نسوان العرب أنفسهن إشفاقاً من الهتيكة والسبي. ولما عادوا بالأسرى والسبي وحصلوا بشاطئ الفرات ألقى جماعة من الأسرى أنفسهم في الفرات فهلكوا.

وفي السنة المذكورة قصد السلطان تاج الدولة ديار بكر، ونزل على آمد وضايقها وملكها من ابن جهير مع الجزيرة، وأنفذ وُلاته إلى الموصل وسنجار وملك الأعمال، وانهزم بنو عقيل من منازلهم وبلادهم وتوجَّهوا نحو السلطان بركيارق بن ملكشاه. وكان علي بن شرف الدولة مسلم بن قريش، ووالدته خاتون بنت السلطان محمد بن داود عمة السلطان ملك شاه يشكيان ما نزل بهما من السلطان تاج الدولة.

ولما فارق قسيم الدولة صاحب حَلب، ومؤيد الدولة صاحب الرُها السلطان تاج الدولة إلى السلطان بركيارق، وحسنا إليه المسير إلى الأعمال التي ملكها قبل استفحال أمره وإيصالهما إلى حَلب. فسار معهما إلى الموصل ورد بني عقيل إليهم، وقدم علياً بن شرف الدولة مسلم بن قريش عليهم، ولقَّبه سعد الدولة، فوصل قسيم الدولة إلى حَلب في شوال سنة ٤٨٦ ومعه جماعة من بني عقيل.

٢٥٥

دولة بني مزيد

الأسديين ملوك الحلَّة

ابتداء أمرهم

قال ابن خلدون في الجزء الرابع من تاريخه: (كان بنو مزيد هؤلاء من بني أسد وكانت محلاّتهم من بغداد إلى البصرة إلى نجد وهي معروفة. وكانت لهم النعمانية. وكان بنو دُبيس من عشائرهم في نواحي خوزستان في جزائر معروفة بهم).

فبنو مزيد وبنو دُبيس قبيلان أسديان، أو بطنان قريبا الوشيجة، وكان لهما زعامة، وفيهما وجاهة في عهد دولة بني المسيب الذين هم وبنو نمير وبنو خفاجة بطون عامر بن صعصعة، وعهد ملوك بني بويه وملوك السلاجقة. ثم انتهى الأمر في هؤلاء البطون إلى أن أصبحوا ولاة الأطراف وذوي إقطاع يساهمون في الأمر، والملك في ضعف الدولة العباسية التي لم يكن لخلفائها شيء من الأمر سوى السلطة الاسمية، وسوى إصدار التقليدات، ومنح الألقاب والخلع السلطانية على كل متغلِّب على المملكة العباسية حتى على عاصمتها (بغداد).

وأول من ولي الإمرة من بني مزيد كبيرهم في عصره أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي الناشري، وهو فخر الدين بن بهاء الدولة أبي كامل بن منصور بن دُبيس بن علي بن مزيد صاحب الحلَّة السيفية وأخوه أبو الغنائم.

كان بنو مزيد وبنو دُبيس مع ما تربطهما من رابطة القرابة القريبة على حال تنافس فيما بينهما، وتقع بينهما حروب وما كان كل واحد منهما يقنع

٢٥٦

بإقطاعه، وما يتسلط عليه من البلاد العراقية التي كانت غنيمة للقوة ومصانعة الطامعين لأُولي الأيد والسلطان المتغلبين على قاعدة الخلافة.

وأول ظهور أمر بني مزيد، وأول وقعة بينهم وبين ذوي قرباهم من بني دُبيس؛ وسببها أن أبا الغنائم محمداً أخا أبي الحسن علي بن مزيد كان يقيم مع بني دُبيس في جزيرتهم بنواحي خوزستان لمصاهرة بينهم، فقتل أحد وجوههم ولحق بأخيه أبي الحسن، فسار إليهم أبو الحسن واقتتلوا، فقُتِل أبو الغنائم محمد وهرب أبو الحسن. (أبو الفداء) ص١٤٠.

قال ابن الأثير في كامله الجزء التاسع في حوادث سنة (٤٠١): كان أبو الغنائم محمد بن مَزْيد مقيماً عند بني دُبيس في جزيرتهم بنواحي خوزستان لمصاهرة بينهم. فقتل أبو الغنائم أحد وجوههم، ولحق بأخيه أبي الحسن عليّ بن مزيد وجرى ما تقدم بيانه. ولما وصل خبر انهزام أبي الحسن بن مزيد إلى عميد الجيوش وهو منحدر عاد ومات عميد الجيوش بهذه السنة. وتولَّى الشريف الرضي تجهيزه، ودفنه بمقابر قريش ورثاه، وأبو علي هو ابن أستاذ هُرمُز من حُجّاب عضد الدولة.

سنة (٤٠٣): في هذه السنة خلع سلطان الدولة على أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي، وهو أول من تقدم من أهل بيته.

سنة (٤٠٤): في هذه السنة جاء سلطان بن ثمال، واستشفع بأبي الحسن بن مزيد إلى فخر الملك ليرضى عنه، فأجابه إلى ذلك، فأخذ عليه العهود بلزوم ما يُحمد أمره. فلما خرج وصلت الأخبار بأنهم نهبوا سواد الكوفة وقتلوا طائفة من الجند وأتى أهل الكوفة مستغيثين، فسيَّر فخر الملك إليهم عسكراً، وكتب إلى ابن مزيد بمحاربتهم، فسار إليهم وأوقع بهم بنهر الرمان، وأسر محمد بن ثمال وجماعة معه ونجا سلطان، وأخذ الأسرى إلى بغداد مشهَّرين وحُبسوا، وهبَّ على المنهزمين من بني خفاجة ريح شديدة حارة، فقتلت منهم نحو خمسمائة رجل، وأفلت منهم جماعة ممن كانوا أُسروا من الحُجَّاج، وكانوا يرعون إبلهم وغنمهم. فعادوا إلى بغداد فوجد بعضهم نساءهم قد تزوَّجن وولدن واقتُسمت تركاتهم: وفيها سار أبو الحسن علي بن مزيد إلى أبي الشوك على عزم محاربته، فاصطلحا من غير حرب، وتزوَّج ابنه أبو الأغرّ دُبيس بن علي بأخت أبي الشوك.

٢٥٧

سنة (٤٠٥): في هذه السنة في المحرم كانت الحرب بين أبي الحسن علي بن مَزْيد الأسدي وبين مُضر ونبهان وحسَّان وطراد بني دُبيس؛ وسببها قتلهم أخاه أبا الغنائم كما سبق بيانه. وحالت الأيام بينه وبين الأخذ بثأره. فلما كان الآن تجهز لقصدهم وجمع العرب والشاذنجان والجوانية وغيرهما من الأكراد، وسار إليهم، فلما قرب منهم خرجت زوجته ابنة دُبيس وقصدت أخاها مضر بن دُبيس ليلاً، وقالت له: قد أتاكم ابن مزيد فيما لا قِبَل لكم به، وهو يقنع منكم بإبعاد نبهان قاتل أخيه فأبعدوه، وقد تفرقت هذه العساكر. فأجابها أخوها مضر إلى ذلك وامتنع أخوه حسَّان، فلما سمع ابن مزيد بما فعلته زوجته أنكره وأراد طلاقها، فقالت له: خفت أن أكون في هذه الحرب بين فقد أخ حميم أو زوج كريم، ففعلت ما فعلت رجاء الصلاح، فزال ما عنده منها، وتقدم إليهم وتقدموا إليه بالحلل والبيوت التقوا واقتتلوا واشتد القتال لما بين الفريقين من الذحول(١) ، فظفر ابن مزيد بهم وهزمهم، وقتل حسَّان ونبهان ابني دُبيس واستولى على البيوت والأموال ولحق من سلم بن الهزيمة بالحويزة. ولما ظفر بهم رأى عندهم مكاتبات فخرَ الملك يأمرهم بالجد في أمره ويعدهم النصرة. فعاتبه على ذلك وحصل بينهما نفرة، ودعت فخر الملك الضرورةُ إلى تقليد ابن مزيد الجزيرة الدُبيسيّة واستثنى مواضع منها: الطيب وقُرقوب وغيرهما. وبقي أبو الحسن هناك إلى جمادى الأولى. ثم إن مُضر بن دُبيس جمع جمعاً وكبس أبا الحسن ليلاً، فهرب في نفر يسير واستولى مضر على حلله وأمواله وكل ما له ولحق أبو الحسن ببلد النَّيْل منهزماً.

سنة (٤٠٨): في هذه السنة في ذي القعدة تُوفِّي أبو الحسن عليّ بن مزيد الأسدي، وقام بعده ابنه نور الدولة أبو الأغرْ دُبيس. وكان أبوه قد جعله ولي عهده في حياته، وخلع عليه سلطان الدولة وأذن في ولايته. فلما تُوفِّي والده اختلفت العشيرة على دُبيس، فطلب أخوه المقلَّد بن أبي الحسن على الإمارة، وسار إلى بغداد وبذل للأتراك بذولاً كثيرة ليعاضدوه، فسار معه منهم جمع كثير وكبسوا دُبيساً بالنعمانية ونهبوا حلته. فانهزم إلى نواحي واسط، وعاد التُّرك إلى بغداد وقام الأثير الخادم بخدمة دُبيس حتى ثبت

____________________

(١) ذخول: مفردها ذحل أي الثأر.

٢٥٨

قدمه ومضى المقلَّد أخوه إلى بني عُقيل.

سنة (٤١٧): في هذه السنة اجتمع دُبيس بن علي بن مَزْيد الأسدي وأبو الفتيان منيع بن حسَّان أمير بني خفاجة وجمعا عشائرهما وغيرهم، وانضاف إليهما عسكر بغداد على قتال قرواش بن المقلَّد العُقيلي وكان سببه أن خفاجة تعرضوا إلى السواد وما بيد قرواش منه فانحدر من الموصل لدفعهم، فاستعانوا بدُبيس فسار إليهم واجتمعوا، فأتاهم عسكر بغداد فالتقوا بظاهر الكوفة وهي لقرواش، فجرى بين مقدمته ومقدمتهما مناوشة. وعلم قرواش أنه لا طاقة له بهم، فسار ليلاً جريدةً في نفر يسير وعلم أصحابه بذلك، فتبعوه منهزمين فوصلوا إلى الأنبار، وسارت أسد وخفاجة خلفهم، فلما قاربوا الأنبار فارقها قرواش إلى حلله، فلم يمكنهم الإقدام عليه واستولوا على الأنبار ثم تفرّقوا.

وفي هذه السنة سار منيع بن حسَّان أمير خفاجة إلى الجامعَيْن، وهي لنور الدولة دُبيس فنهبها. فسار دُبيس في طلبه إلى الكوفة، ففارقها وقصد الأنبار وهي لقرواش كان استعادها بعد أخذها منه. فلما نازلها منيع قاتله أهلها فلم يكن لهم بخفاجة طاقة بدخل أهل خفاجة الأنبار، ونهبوها وأحرقوا أسواقها، فانحدر إليهم قرواش ليمنعهم وكان مريضاً ومعه الغريب والأثير عنبر، إلى الأنبار ثم تركها ومضى إلى القصر. فاشتد طمع أهل خفاجة، وعادوا إلى الأنبار فأحرقوها مرة ثانية، وسار قرواش إلى الجامعين فاجتمع هو ونور الدولة دُبيس بن مزيد في عشرة آلاف مقاتل، وكان أهل خفاجة في ألف، فلم يقدر قرواش في ذلك الجيش العظيم على هذه الألف، وشرع أهل الأنبار في بناء سور على البلد وأعانهم قرواش وأقام عندهم الشتاء. ثم إن منيع بن حسَّان سار إلى الملك أبي كاليجار فأطاعه، فخلع عليه وأتى منيع الخفاجي إلى الكوفة، فخطب فيها لأبي كاليجار وأزال حكم عقيل عن سقي الفرات.

يحقق عن منصور بن الحسين الأسدي، وهل هو من بني مزيد، فإن ابن خلدون يذكر خبر استيلائه على الجزيرة الدُبيسية بين أخبار المزايدة.

سنة (٤٢٠): في هذه السنة أصعد أبو كاليجار إلى مدينة واسط، فملكها وكان ابتداء ذلك أن نور الدولة دُبيس بن علي بن مزيد صاحب

٢٥٩

الحلَّة، والنَّيْل ولم تكن الحلَّة بنيت ذلك الوقت، خطب لأبي كاليجار في أعماله؛ وسببه أن أبا حسَّان المقلَّد بن أبي الأغر الحسن بن مزيد كان بينه وبين نور الدين عداوة. فاجتمع هو ومنيع أمير بني خفاجة، وأرسلا إلى بغداد يبذلان مالاً يتجهَّز به العسكر لقتال نور الدولة. فاشتد الأمر على نور الدولة، فخطب لأبي كاليجار وراسله يُطمعه في البلاد، ثم اتفق أنه ملك البصرة فقوي طمعه، فسار من الأهواز إلى واسط وبها الملك العزيز بن جلال الدولة ومعه جمع من التُّرك، ففارقها العزيز وقصد النعمانية ففجر عليه نور الدولة البثوق من بلده، فهلك كثير من أثقالهم وغرق جماعة منهم. وخطب في البطيحة لأبي كاليجار وورد إليه نور الدولة. وأرسل أبو كاليجار إلى قرواش صاحب الموصل وعنده الأثير عنبر يطلب منه أن ينحدر إلى العراق؛ ليبقى جلال الدولة بين الفريقين. فانحدر إلى الكُحيل فمات به الأثير عنبر ولم ينحدر معه قرواش. وجرت أمور لا محل لذكرها انتهت إلى مسير أبي كاليجار إلى جلال الدولة، وتخلَّف عنه دُبيس بن مزيد خوفاً على أهله وحلله من خفاجة، وتغلَّب جلال الدولة على أبي كاليجار.

وفي حوادث هذه السنة لما عاد دُبيس بن مزيد الأسدي، وفارق أبا كاليجار وصل إلى بلده وكان قد خالف عليه قوم من بني عمه ونزلوا الجامعَيْن. فأتاهم وقاتلهم، فظفر بهم وأسر منهم جماعة منهم شبيب وسرايا ووهب بنو حماد بن مزيد، وأبو عبد الله بن أبي الغنائم بن مزيد وحملهم إلى الجوسق. ثم إن المقلَّد بن أبي الأغر بن مزيد وغيره اجتمعوا ومعهم عسكر من جلال الدولة وقصدوا دُبيساً وقاتلوه، فانهزم منهم وأسر من بني عمه خمسة عشر رجلاً، فنزل المعتقلون بالجوسق وهم شبيب وأصحابه إلى حلله فحرسوها. وسار دُبيس منهزماً إلى السندية إلى نجد الدولة أبي منصور كامل بن قراد، فاستصحبه إلى أبي سنان غريب بن مقن حتى أصلح أمره مع جلال الدولة وعسكره، وتكفل به وضمن عنه عشرة آلاف دينار سابورية إذا أعيد إلى ولايته. فأجيب إلى ذلك وخلع عليه. فعرف المقلَّد الحال ومعه جمع من خفاجة، فنهبوا مطير أباذ والنَّيْل وسورا أقبح نهب، واستاقوا مواشيها وأحرقوا منازلها وعبر المقلَّد دجلة إلى أبي الشوك وأقام عنده إلى أن أحكم أمره.

سنة (٤٢٥): في هذه السنة كانت حرب شديدة بين دُبيس بن علي بن

٢٦٠