ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب27%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156158 / تحميل: 8964
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ما يحتاجهُ الشباب

١

٢

أحمد الصادقي

ما يحتاجهُ الشباب

ترجمةُ

علي الهاشمي

٣

حقوقُ الطبع محفوظة للناشر

اسم الكتاب: ما يحتاجهُ الشباب

المؤلِّف: الشيخ أحمد الصادقي

المترجِم: السيّد علي الهاشمي

الناشر: ناظرين

تنضيد الحروف والإخراج الفني: إسماعيل الوائلي

تصميم الغلاف: عبد العزيز مصطفى خضير

الطبعة الأولى: عام ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

المطبعة: نگار

كميّة المطبوع: ٢٠٠٠ نسخة

شابك ٩-٠٢-٨٤٦٥-٩٦٤ISBN ٩٦٤-٨٤٦٥-٠٢-٩

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة

إنَّ ما يتمتّع به الشباب من الحيويّة، والنشاط، والكفاءات الواسعة، والقابليات الهائلة، والحماس، والجدّ، والمثابرة، من العناصر التي تجعل من جيل الشباب أعضاءً مؤثّرين في الحياة الاجتماعية.

إلاّ أنّ الإحصائيات والتقارير العلمية - التي نطالعها في الصُحف بشأن طُرق استثمار هذه الثروة الإنسانية - قد قسّمَت الشباب بشكلٍ عام إلى فئتين:لإحداهما سلوكية إيجابية، وللأخرى سلوكية سلبية.

سلوكيةُ الفئتين

نواجه في ملف الحياة الاجتماعية لإحدى هاتين الفئتين ما يلي:

الإخفاقُ في الدراسة، البطالة والإهمال، الهروب من البيت، اللعب بالقمار ومُعاقرة الخمور، التسكّع والانحلال، الإدمان على المخدّرات، السرقة، الانحرافات الجنسية، عمليات التزوير والتزييف، الخيانة والخطف والاعتداء، قطعُ الطرق وجرائم القتل، وغير ذلك ممّا يمكن تلخيصه في المعاصي والتمرّد على الله سبحانه، الذي لا يَعقبه سوى الندم والحسرة والفضيحة والسجن والهوان والخسران.

٥

بينما نجد ملف الفئة الثانية مُفعماً بما يلي:

الجدّ في طلب العلم، الإخلاص في العمل، الشعور بالمسؤولية، احترام الكبار وتوقيرهم، الاستماع إلى النصيحة، الإبداع والمثابرة، مواصلة الدراسات العالية والاشتراك في المسابقات الإقليمية والدولية، وغير ذلك ممّا يؤدّي إلى التقدّم والنجاح والرفعة والسموّ لهم ولمجتمعاتهم.

وطبعاً أنّ سلوكية كلتا الفئتين تكمُن في جذور الأشخاص ومجتمعاتهم، فلابدّ من البحث عنها هناك بُغية علاجها أو دَعمها وتنميتها، إلاّ أنّ الذي يمكن قولهُ بشكلٍ عام هو: أنّ جميع هذه السلوكيات سواء كانت صالحة أم طالحة، تدور حول محور( تلبية الحاجة ) ، فحتّى أولئك الذين سلكوا طريق الانحراف عن قصد أو غير قصد، وعن جهل وغفلة، أو عن إصرار وعناد، إنّما وجدوا أنّ ( تلبية حاجاتهم المادّية والمعنوية ) تكمن في سلوك هذا الطريق، وبذلك سقطوا في الهاوية، وعليه فكلتا الفئتين تسعى في الحقيقة إلى ( تلبية حاجتها في الحياة )، سوى أنّ الفئة الأولى - لأسبابٍ معروفة لها أحياناً - قد تُخطيء الطريق والهدف ويغدو من الصعب عليها الرجوع إلى جادّة الصواب، في حين أنّ الفئة الثانية قد سَلكت طريق الخير والصلاح بفضل ذكائها ومعرفتها، أو بفعل استماعها لنصائح الأهل وتشجيع الأصدقاء الصالحين والمعلّمين المخلصين، فبادرت إلى ( تلبية حاجاتها المعقولة ) وارتقت قِمم التقدّم والنجاح.

الفئةُ السامية

لقد قرأنا في الصُحف الكثير بشأن السلوكيات المريرة والمؤلمة والحوادث الفظيعة للفئة الأولى، إلاّ أنّنا سنغضّ الطرف عنها ونكتفي بذكر كلام للدكتور( الكسيس كاريل ) ، عالِم الأحياء الفرنسي المعروف الحائز على جائزة نوبل في الطب، حيث قال:

٦

( قد يبدو إشباع الشهوة أمراً مهمّاً، إلاّ أنّه ليس هناك ما هو أبعد من المنطق من إهدار الحياة باللهو، إذ ما هي الفائدة التي نرجوها من الحياة إذا كانت مقصورة على الرقص والصخب، وقطع الشوارع بالسيارات )(١) .

وأمّا بالنسبة إلى النجاحات التي حقّقها الشباب المنتسب إلى الفئة الثانية في شتّى المجالات، فهناك أرقام كثيرة نكتفي منها بالإشارة إلى بضعة نماذج حدثت في الأشهر القليلة المنصرمة:

١- في الدورة الحادية والثلاثين للأولمبيّات العلمية الدولية في الكيمياء، التي انعقدت في بانكوك عاصمة تايلند، تمكّن فريق الجمهورية الإسلامية الإيرانية المؤلّف من أربعة طلاب هم:مهدي كهرم، ورضا كلانتري، وبابك غرايلي، وبويا ساجدي، من الحصول على ثلاث مداليات ذهبية نالها الثلاثة المذكورون أوّلاً، ومدالية نُحاسية نالها الأخير، وحازَ الفريق على المرتبة الثالثة من بين مئة وثلاثة وتسعين طالباً من ثلاثة وخمسين بلداً(٢) .

٢ - حازَ فريق الجمهورية الإسلامية الإيرانية المؤلّف من ستّة أشخاص في أولمبيات الرياضيات التي انعقدت في( رومانيا ) ، على مداليتين ذهبيتين وأربع مداليات فضيّة، وارتقى المرتبة السابعة بمئة وتسعة وخمسين نقطة من بين٨٣ بلداً(٣) .

٣ - وفقاً لإعلان ( نادي الطلاّب الشباب ) تمّ اختيار إحسان اردستاني زادة من طهران، وبيام سيفي من تبريز، وبويا قائمي محمّدي من أصفهان، وكاميار راهنما راد من زاهدان، للاشتراك في الدورة الحادية والثلاثين لأولمبيات الفيزياء العالمية التي تقام في انجلترا(٤) .

٤ - في الدورة العالمية السابعة ( الخطوة الأولى نحو جائزة نوبل للفيزياء )، التي تقيمها مؤسّسة الفيزياء لأكاديميّة العلوم في بولندا بمشاركة منظّمة اليونسكو، نالت طالبتان من اعداديات طهران هما: السيدةنازنين آل علي، وزهراء توكّلي شهادة الدبلوم الفخرية؛ إذ استحقّت رسالتهما هذا التقدير من بين إحدى عشرة رسالة أُرسلت من إيران(٥) .

____________________

(١) أسلوب الحياة: ص١٧، الطبعة الخامسة.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٨٧٥، ص٣.

(٣) الصحيفة نفسها: العدد ١٨٨٥، ص٤.

(٤) الصحيفة نفسها: العدد ٢١٥٩، ص١٥.

(٥) صحيفة همشهري: العدد ١٨٧٥، ص٣.

٧

٥ - نالَ ثلاثة مُنتجين للأفلام السينمائية جوائز قيّمة في المهرجان الثالث والخمسين للأفلام السينمائية، المنعقد في مدينة( كان ) الفرنسية، وهو من أقدم المهرجانات السينمائية وأهمّها في العالَم، وكان من بينهم فتاة إيرانية عمرها عشرون عاماً واسمها( سميرة مخملباف ) ، وقد مُنحت جائزة( النخلة الذهبية ) على إنتاجها فيلماً سينمائياً اسمه( اللوحة ) ، وقد قرّرَت أن تضع جائزتها في المتحف، كما أُعطيت بالإضافة إلى ذلك حجاباً وأربعة كُتب في موضوع تاريخ السينما وبطاقة تهنئة، وتمّ استدعاؤها للتحكيم في مهرجانات: موسكو، وجيفوني، والأرجنتين(١) .

ما هي الحاجات؟

إنَّحاجات الإنسان : هي تلك الأمور التي تساعده على بلوغ حياة سليمة وشريفة، وهي على قسمين:مادّية، ومعنوية ، أمّا المادّية فهي من قبيل: الماء، والطعام، والمسكن، والنوم، والدفء، والغريزة الجنسية، وأمّا المعنوية فهي من قبيل: الإيمان بالله، واللجوء إلى مبدأ منيع، وحبّ الآخرين له، والطمأنينة، والأمن، والرُقي، والتكامل الإنساني.

وقد سعى مؤلِّف هذا الكتاب إلى استعراض حاجة الشباب المادّية في أبواب: البلوغ، وعلاقات البنات والأولاد، والإسلام والرياضة، والعمل، والزواج ومشاكله، والانحرافات الجنسية بأسلوبٍ مُبسّط وجذّاب، كما استعرضَ الحاجات المعنوية للشباب في أبواب: لنتعرّف أنفسنا، ولنفهم كلام بعضنا، وابن العصر، والتأثير والتأثّر، والآفات الأخلاقية، وجذوة الأمل، وبارقة النجاة، وأبطال الإيمان، وعُقدة النقص، ووَضَعَ العلاجات اللازمة لها.

____________________

(١) صحيفة الانتخاب: العدد ٣٢٣ و٣٣٠، ص١٠.

٨

الحاجةُ إلى الإيمان

فيما يرتبط بموضوع الحاجة إلى الإيمان وأثرهُ البنّاء في الحياة، مضافاً إلى ما سنجده في طيّات هذا الكتاب من معارف إسلامية هامّة، سندرك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي: أنّ انعدام الإيمان يساوي الموت، وقد ذكر( وليم جيمس ) أستاذ جامعة( هارفارد ) قبل سنوات: ( إنّ الإيمان من القوى التي تساعد الإنسان على الحياة والتي يعدُّ فقدانها بمثابة الموت والفناء )(١) .

كما صرّح رئيس لجنة أمور الشباب في مجلس النوّاب في روسيا - بسبب انعدام الإيمان والمشاكل الثقافية والاقتصادية والمعنوية - بأنَّ: وَضع الشباب في البلاد يعدّ ( كارثة وطنية )، وأبدى مخاوفه تجاه مستقبل جيل الشباب الذي يُنذر بالخطر(٢) !

وقد نَقلت المحطّات التلفزيونية في الغرب إحصائيّات مُخيفة حول تأثير انعدام الأخلاق في العالم، الذي يُهدّد جيل الشباب في أكثر من ٧٢ بلداً(٣) .

فعلينا أن نستفيد من تعاليم الإسلام التي صرّح بها قبل قرون بُغية رفع حاجتنا الحيويّة إلى الإيمان، وقد أفاقت بعض أجزاء العالَم من سُباتها الراهن، إذ نقرأ في بعض الصُحف ما يلي:( لقد ألزمَت ولاية فرجينيا - في مرسومٍ لها - جميع المدارس الحكومية فيها، بالسكوت والدعاء دقيقة واحدة في مستهلّ كلّ يوم!) (٤) .

____________________

(١) كيف نتغلّب على الاضطراب والقلق: ص٢٢٧، الطبعة السادسة عشرة.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٥٦٨، ص١٦.

(٣) صحيفة القدس: العدد ٣٢٦٥، ص٦.

(٤) مجلّة زن روز ( المرأة العَصرية ): العدد ١٧٤٢، ص٤٢.

٩

ولذا أوصي الشباب الأعزّاء بقراءة هذا الكتاب من البداية إلى النهاية في جوٍّ هادئ، قراءةً متأنية والاطّلاع على مضامينه النفسية التي تنتهي إلى اكتشاف أنفسنا وتعيد لنا هويتنا، وأن يجعلوا من الإرشادات الواردة فيه مشعلاً يضيء لهم طريق الحياة السليمة والشريفة.

قم: أحمد الصادقي الأردستاني

١٥ / خرداد / ١٣٧٩

١٠

(١)

لنتعرَّف أنفسَنا

حينما ندخل في خضمّ الاضطراب والقلق الذي يثيره إعصار مرحلة الشباب، تتجلّى لنا أهميّة التعرّف على النفس.

ولكن لماذا نستعرض( معرفة النفس ) في مرحلة تُعرّض سفينة الشباب للعواصف الهائجة حيث الاضطراب والفزع؟ سبب ذلك: أنّ القابليات المُفعمة والمبدعة لدى الشاب تمنحه في ظلّ ( فورة الشباب ) الجرأة على اتخاذ القرار، وعقد العزم بإرادة حديديّة لكبح رَغَباته ونَزَواته الجامحة، وبذلك يقود سفينة وجوده - بعد تعرّضها للعواصف - إلى ( ساحل الأمان )، وأن يغوص - بدراية ووعي كامل - في أعماق وجوده للتعرّف على نفسه.

ولكن ما هو المراد من( معرفة النفس ) ؟ المراد: هو تحديد القابليات والكفاءات الكامنة في وجودنا بُغية استثمارها، وهذه العملية تكون في أوّل أمرها مصحوبة بالصِعاب، إلاّ أنّه كما قلنا: فإنّ ( فَورة الشباب ) وما يتمتّع به الشابّ من جرأة وإرادة راسخة تُعينه على تذليل هذهِ الصعاب، بل إنّها تُمكّنه من صنع المستحيل.

١١

أجل، ليس هناك مَن هو أقرب إلى أنفسنا وأعلم بذواتنا منّا، وعليه يتعيّن علينا أن نبدأ بأنفسنا في كلّ خطوة نخطوها، وعند وضع الدواء لأيّ داء.

قال الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في ما يُنسب إليه:

دواؤك فيك وما تشعرُ

وداؤك منك وتستنكرُ

وتَحسبُ أنّك جرم صغيرٌ

وفيكَ انطوى العالَم الأكبرُ

وأنتَ الكتاب المبين الذي

بأحرفه يَظهر المضمرُ(١)

لقد صرّح الإمام ( عليه السلام ) بهذه الحقائق العلمية قبل مئات السنين، ولكن ما هو الداء؟ وما هي طُرق علاجه؟ أو بعبارة أفضل: ما هي الأمراض؟ وما هي العلاجات؟

إنَّ أوّل الأمراض - الذي يبدو صغيراً في البداية - هو: الجهل، والشعور بالعجز، والقلق، وعدم الالتفات إلى القدرات الذاتية، والغفلة عن القوى الفيزيقية، ممّا يؤدّي إلى الانحراف عن جادّة الصواب في مسار الحياة، ويتعيَّن علينا في مجال معرفة النفس تحديد هذه الأمراض، والمبادرة إلى علاجها عن طريق التعلّم، والاعتماد على النفس، ومعرفة القابليات المعنوية والماديّة.

ولكن كما قلنا: فإنّ هذا النوع من ( معرفة النفس ) صعبٌ وسهل في آنٍ واحد، فهو صعب؛ لأنّه يستدعي جهوداً كثيرة، وسهلٌ؛ لأنّ الله تعالى قد منحَ الشاب قلباً طاهراً يتقبّل الحقائق والأفكار السليمة والخيّرة بسهولة، وللشابّ في هذا المجال تأثير حاسم ومصيري.

قال الإمام علي ( عليه السلام ) في كتابٍ أرسله لابنه الإمام الحسن ( عليه السلام ):( وإنّما قلب الحَدَث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قَبَلته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لُبّك ) (٢) .

____________________

(١) الديوان المنسوب للإمام علي ( عليه السلام ): ص٧٥.

(٢) نهج البلاغة: تحقيق صبحي الصالح، الكتاب رقم ٣١، ص١٣٩٣.

١٢

وعليه: فمن اللازم على كلّ شابّ - من خلال الالتفات إلى هذه الأرضية النفسية المساعِدة - أن يتعرّف الجهات العاطفية، والسجايا الأخلاقية، والجذور الوراثية، والقابليات المادّية والمعنوية في نفسه، لكي يستثمرها بالشكل المناسب.

قال الدكتورجون لوك آفيبوري الكاتب الانجليزي الشهير:( سُئل أحد العظماء عن أصعب الأمور وأيسرها، فقال في الجواب: إنّ أصعب الأمور هو أن يتعرّف المرء على نفسه، وأيسرها اقتفاء عيوب غيره ) (١) .

السفرُ إلى الذات

قالهـ. موشيه العالِم الفرنسي: على كلِّ مَن يريد إحراز هويته أن يتعرّف نفسَه بشكل وجداني، وأن يُحدّد مواطن الضعف والقوّة فيها، وأن يسعى إلى ترميم مواطن الضعف والنقص في نفسه، ولا يتأتّى ذلك إلاّ لذوي ( الأرواح الشجاعة )، إذ ينفردون في ساعاتٍ من التفكير والتأمّل، وقد وصفهم( فيكتور هيجو ) بقوله: يغوصون في ظلمات الذات بُغية اكتشافها(٢) .

وقالج. بايو : ما أكثر الذين أعرفهم من الشباب المُبدعين الذين انحرفوا عن المسار الصحيح بسبب عدم معرفتهم لأنفسهم، وتأثّرهم بالإيحاءات الخارجية، فلا يبادرون إلى العمل إلاّ بفعل الضغوط، حيث يرزحون تحت وطأة عذاب روحي سَلَبهم النشاط والحيويّة اللازمة للعمل الخلاّق، واحتواهم يأس لا سبيل لهم إلى التخلّص منه(٣) .

وبعد أن تحدّثنا عن ضرورة( معرفة النفس ) يجدر بنا دراسة موضوعين مهمّين آخرين بهذا الشأن:

____________________

(١) خلاصة الأفكار: السيّد يحيى البرقعي، ٢ / ٢٣٤.

(٢) تنمية الذهن: ترجمة أحمد آرام، ص١٢٢.

(٣) تنمية الذهن: ترجمة أحمد آرام، ص١٨٤.

١٣

الموضوع الأوّل:

إنّ الإنسان وإن أمكنهُ من خلال معرفته لوضع أسرته، وعمره، وعمله، والبقعة التي يقطن فيها أن يتعرّف إلى حدّ كبير على نفسه، إلاّ أنَّ هناك أيضاً قاعدة عامّة ومهمّة جدّاً تبيّن حقائق عميقة وكثيرة حول الشخصية، وما إذا كانت صالحة أو طالحة.

قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) في بيان الميزان الذي يتمّ على أساسه تمييز الحقّ من الباطل، والخير من الشر:( إذا أردتَ أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله، ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يُحبّك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع مَن أحبَّ ) (١) .

الموضوع الثاني:

إنّ الذي يرتقي المرتبة العالية في معرفة النفس سيحصل على النتائج الآتية:

١ - يربأ بنفسه عن مشاعر الاستعلاء والأنانيّة، ويحبّ أبناء جلدته.

٢ - يتعرّف مواطن الضعف والقوّة في نفسه ويرى لنفسه قيمة وجودية، ويكون خُلقه التواضع كما قال الإمام علي ( عليه السلام ).

٣ - إنّ معرفة النفس تؤدّي إلى معرفة قدرها وحدّها وتستتبع نزول رحمة الله، قال الإمام علي ( عليه السلام ):( رَحمَ الله امرأً عَرفَ قَدره ولم يتعدّ طوره ) (٢) .

٤ - إنّ الذي يجهل قيمة نفسه يتجاهل قيمة مَن سواه(٣) .

٥ - إنّ الذي لا يتعرّف نقاط ضعفه وعيوبه يكون قد ارتكب أعظم الذنوب(٤) .

____________________

(١) أصول الكافي: ٢ / ١٠٣، الحديث رقم ١١.

(٢) أصول الكافي: ١ / ١٧٦.

(٣) أصول الكافي: ١ / ٢٩٠.

(٤) إرشاد المفيد: ص١٥٨.

١٤

٦ - إنّ أفضل المعرفة، معرفة الإنسان نفسه(١) .

٧ - قال الإمام علي ( عليه السلام ):( مَن عَرف نفسهُ، فقد انتهى إلى غاية كلّ معرفة وعِلم ) (٢) .

٨ - قال النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ):( مَن عَرف نفسه، فقد عَرف ربّه ) (٣) .

وعلينا أن نُدرك أنّ هناك ارتباطاً دقيقاً جدّاً بين( معرفة النفس ) و( معرفة الله ) ، حتّى أنّ الله تعالى قد جسّد آثار قدرته وحكمته الهائلة في نفس الإنسان في ثلاثة مواطن من القرآن الكريم، ودعا الناس إلى التدبّر في ذلك، وذمّ أولئك الذين لا يتفكّرون في أسرار أنفسهم(٤) .

تقدّم أن قلنا: إنّ ( معرفة النفس ) في غاية الصعوبة، إلاّ أنّها ليست مستحيلة، ولكي نتغلّب على هذه الصعوبة سنتعرّض إلى ذِكر مانِعَين كبيرين يعترضان طريق معرفة النفس:

١ - الغفلةُ والجهل:

يستغرق البعض أحياناً في النظر إلى الخارج، فينظرون إلى كلّ شيء وكلّ شخص، لكنّهم يغفلون عن أنفسهم وما فيها من قابليات وطاقات صالحة وخيّرة، وبذلك يفقدون ثروات مادّية ومعنوية هائلة، بل أحياناً لا يمكن تدارك الضرر الناجم عن ذلك.

ومن هنا تبدو أهميّة التدقيق في كلام( وليم جيمس ) ، الفيلسوف الشهير والأستاذ في جامعة( هارفارد ) إذ قال: لو قِسنا أنفسنا على ما نحن عليه، لوجدنا أنّنا أهدرنا نصف وجودنا! إذ إنّنا لا نستثمر سوى جزءٍ ضئيل من قوانا الجسدية والعقلية!

____________________

(١) غُرر الحِكَم: ١ / ٣١٩.

(٢) غُرر الحِكم: ص٢٣٢، الحديث ٤٦٣٨.

(٣) بحار الأنوار: ٢ / ١٣٢.

(٤) سورة فصّلت: الآية ٥٣، سورة الروم: الآية ٨، سورة الذاريات: الآية ٢١.

١٥

 وبكلمةٍ أوضح: إنّ الإنسان قد حصرَ نفسه في زاوية ضيّقة، بإهماله استثمار الطاقات الهائلة الكامنة في وجوده(١) !

وقد قال العالِم الشهير الدكتورآفيبوري : ( للأسف الشديد علينا أن نعترف بجهلنا أسرار الكائنات والوجود، فإنّنا لا زلنا نجهل حتّى أنفسنا؟ وماهيّةَ علاقتنا بالطبيعة.. أجل، نحن لا نعلم شيئاً، لذا يتحتّم علينا مؤقّتاً أن نضع أمام كلّ شيء علامة استفهام(٢) .

وقال( كاريل ): ( إنّ مسؤوليّتنا الأساسية في الحياة لا تنحصر بمعرفة الأشياء المُبهمة الموجودة في الفواصل البعيدة عنّا، وإنّما الذي يجب علينا بالدرجة الأولى هو اكتشاف الأمور الواقعة بالقرب منّا )(٣) .

وعلى كلّ حال، يتعيّن علينا لكي نرفع غشاوة الجهل والغفلة - مضافاً إلى توظيف الفكر والتعقّل ورفع المستوى العلمي - أن نُكثر من الدعاء وتوثيق الصلة بالله تعالى.

وقد ذَكر العالِم الفرنسي الشهير الدكتور( الكسيس كاريل ) ، مؤلِّف كتاب( الإنسان ذلك المجهول ) ، والحائز على جائزة ( نوبل ) في الطب: ( إنّ للدعاء والعبادة أبلغ الأثر في بعث القوّة في وجود الإنسان، ويمكن تشبيه هذا الأثر بجاذبيّة الأرض فهو حقيقي ومحسوس )(٤) .

٢ - اتّباع الهوى

إنّ اتّباع الهوى وإرخاء حبل الشهوات والميول، يُعدُّ من عوامل جهل النفس ومانعاً في طريق معرفتها، والاستفادة من القابليات والكفاءات التي أودَعها الله فيها، ويندُر مَن يجهل الأضرار الجسيمة الناجمة عن اتّباع الشهوات، ولأجل أن

____________________

(١) كيف نتغلّب على الاضطراب والقلق: ص١٨٦.

(٢) البحث عن السعادة: ص٧٤ و٢٤٩.

(٣) البحث عن السعادة: ص٣٦.

(٤) البحث عن السعادة: ص٥٧ و٢٢٩.

١٦

نتعرّف مسؤوليّتنا في معرفة النفس بشكلٍ أكبر بُغية اتّخاذ القرارات اللازمة، لنَصغِ إلى الكلمات العميقة التي قالها أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( إنّ الله عزّ وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما، فمَن غَلبَ عقلهُ شهوته فهو خيرٌ من الملائكة، ومَن غَلبت شهوتهُ عقلهُ فهو شرٌّ من البهائم ) (١) .

ومن هنا يجدر بالإنسان حينما يقف على مُفترق طريق العقل والشهوة، أن يكبح جُماح شهوته الجنسية غير المشروعة؛ لأنّها تقف حائلاً دون معرفة النفس والتكامل الإنساني، وعليه أن يرفع من مستواه الفكري والعقلي؛ لأنّ قيمة الإنسان تكمُن في عقله وفكره، إلاّ أنّ اختيار طريق العقل والتديّن باهض الكلفة وهو بحاجة إلى وعي ومراقبة دقيقة وجهدٍ حثيث.

ذَكر الدكتور( جون لوك آفيبوري ) الذي قضى شطراً من حياته في حقل التبشير: ( ما أحرى الشباب أن يقضوا ربيع حياتهم في ظلّ العفاف والفضيلة، ولكن هيهات؛ فطريق الفضيلة صعودي بينما طريق الرذيلة نزولي وانسيابي، فالذي يتّجه نحو الفضيلة يتقدّم بخطوات بطيئة، في حين أنّ الذي يسلك طريق الرذيلة يتقدّم بخطوات رشيقة وخفيفة سرعان ما تقذف به في هوّة الفساد.

فالذي يريد أن يحيا حياة عفيفة وطاهرة لا تشوبها الرذيلة، عليه أن يراقب نفسه وأن لا يرفع عينه عنها، كما يصنع مَن يُحاذرُ لصّاً، وعلى الشباب الذين يرومون النجاح في مُعترك الحياة ونيل السعادة، أن يتجنّبوا هاوية الفساد والانحطاط، وأن لا يقتربوا منها؛ لأنّ النفس تهوى والهوى مَهلكها، وقد يغفل الشابّ لحظة واحدة فتزلّ به القدم ليسقط في أودية الضلالة، ولا يكون نصيبه سوى الحسرة والخسران )(٢) .

____________________

(١) عِلل الشرائع: الشيخ الصدوق ١ / ١٥.

(٢) البحث عن السعادة: ص٢٢٩ - ٢٣٠.

١٧

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( كم من شهوةٍ ساعة أورثت حُزناً طويلاً ) (١) .

وقد شاهدنا وقرأنا في الصُحف نماذج كثيرة عن هذا النوع من الزلل والندم، فيجدر بنا قبل السقوط في هذهِ المهاوي وعظّ أصابع الندم أن نراقب أنفسنا، ونُدقّق في الأمور التي ذكرناها في هذا الموضوع من هذا الكتاب.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١١ / ١٦٤، دار إحياء التراث العربي.

١٨

(٢)

البلوغُ وآثاره

إنّ البلوغ يعني الوصول، بمعنى أنّ الإنسان حينما يجتاز مرحلة الطفولة ويدخل في مرحلة الشباب - التي هي بداية صيرورة الذَكر رجلاً، والأنثى امرأة - يكون بالغاً وواصلاً لهذهِ المرحلة، ولذلك تسمّى هذهِ المرحلة بـ( البلوغ ) .

هناك فارق يسير بين تعريف علماء الأحياء للبلوغ وبين تعريف علماء الدين له؛ وذلك لأنّ علماء الأحياء يأخذون بنظر الاعتبار الخصائص العلمية في هذا المجال، ومن هنا سنتطرّق إلى كِلا التعريفين وبيان علائم البلوغ فيهما.

يرى علماء الأحياء أنّ الفترة الزمنية ما بين ١٢ إلى ١٨ سنة من العمر هي مرحلة اليافِعين، وأنّ الفترة ما بين ١٨ إلى ٢٥ هي مرحلة الشباب، وقد تزيد هذه الفترة أو تنقص نتيجة للعوامل الوراثية والاجتماعية والجغرافية.

وطبعاً لا يخفى أنّ الإنسان يمرّ في حياته بمراحل مختلفة من البلوغ، منها:البلوغ الجنسي، والبلوغ الفكري، والبلوغ الاجتماعي، إلاّ أنَّ ما نتوخّاه على وجه العموم في هذا البحث هو:البلوغ الجنسي ، ولكنّنا أيضاً لا نجد محيصاً من التطرّق إلى الأنواع الأخرى من البلوغ.

١٩

وعلى كلّ حال، فإنّ علماء الأحياء يُحدّدون سنّ البلوغ بشكلٍ عام بين سن ١١ إلى ١٤ في الفَتَيات، وبين سن ١٥ إلى ١٦ في الفتيان، وأبرز علامات البلوغ في الفتيات: الطمث والحيض، وفي الأولاد: خروج المَني من الجهاز التناسلي.

إلاّ أنّنا سنتعرّض إلى علائم وخصوصيات البلوغ ومرحلة الشباب وما قبلها، بشيء من التفصيل من خلال القسمين الآتيين:

١ - العلاماتُ الفيزيقيّة

إنّ أهمّ التغيّرات الجسدية والفيزيقيّة التي تَحدث عند البلوغ وتستمرّ بالظهور بعد ذلك، ما يلي:

١- تبدأ غدّة الهيبوفيز الواقعة أسفل المخ وسائر الغُدد الداخلية الأخرى بالعمل تلقائياً، فتقوم بتنشيط الهرمونات الجنسية لدى الفتيان والفَتيات (١).

٢ - تتّخذ الأجهزة التناسلية عند الفتيان والفتيات حجماً أكبر.

٣ - تَخشّن العظام وهيكل الجسد وخاصّةً الأرجل.

٤ - تَبدأ قامة الشباب بالنموّ السريع ويتّخذ قواماً نحيفاً.

٥ - يثقل الوزن خصوصاً لدى الفَتيات.

٦ - يخشُن الصوت ويشتدّ عند الفتيان، وأمّا في الفتيات فلا يحصل مثل هذا التغيير إلاّ بنحوٍ يسير، بل قد يغدو أكثر نعومة(٢) .

٧ - بروز الحنجرة وتضخّمها(٣) .

٨ - يفقد القوام رشاقته ويبدو غير متناسق، إلاّ أنّ هذه الظاهرة لا تدعو إلى القلق؛ لأنّها تزول مع الوقت(٤) .

____________________

(١) فَسلجة الغرائز: ص٢٥.

(٢) موريس دبس، ماذا نعلم؟ البلوغ: ص٤١ إلى ٤٤، نقلاً عن ترجمة إسحاق لالة زاري.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

باب فضل السخاء والجود

١٧٠٧ - قال الصادق عليه السلام: " خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الايمان البر بالاخوان، والسعي في حوائجهم، وإن البار بالاخوان ليحبه الرحمن، وفي ذلك مرغمة الشيطان، وتزحزح عن النيران(١) ، ودخول الجنان، ثم قال لجميل: يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك(٢) ، قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال: يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزوجل في ذلك صاحب القليل، فقال في كتابه " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ".

١٧٠٨ - وقال عليه السلام: " شاب سخي مرهق في الذنوب(٣) أحب إلى الله عزو جل من شيخ عابد بخيل ".

١٧٠٩ - وروي " أن الله عزوجل أوحى إلى موسى أن لا تقتل السامري فإنه سخي ".(٤)

___________________________________

(١) " مرغمة " بفتح الميم مصدر، وبكسرها اسم آلة من الرغام بفتح الراء بمعنى التراب.

والتزحزح: التباعد (الوافى) والخبر رواه الكلينى باسناده عن سهل بن زياد عمن حدثه عن جميل بن دراج قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول الخبر ".

(٢) " غرر " بالغين المعجمة والمهملتين النجباء جمع الاغر.

وفى بعض النسخ هنا وما يأتى بالعين المهملة والزاء‌ين المعجمتين جمع العزيز.

(٣) المرهق: المفرط في الشر ومرتكب المحارم.

وفى القاموس الرهق محركة: السفه وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤١ عن على بن ابراهيم رفعه قال: " أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام الخ ".

٦١

١٧١٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس ".(١)

١٧١١ - وقال الصادق عليه السلام: " من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة؟ أنفق ولا تخف فقرأ، وأنصف الناس من نفسك(٢) ، وافش السلام في العالم(٣) واترك المراء وإن كنت محقا "(٤) .

١٧١٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة ".

 (٥) وقال الله عزوجل: " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين "(٦) .

١٧١٣ - وقال الصادق عليه السلام: " في قول الله عزوجل: " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم "(٧) قال: هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله عزوجل بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله عزوجل أو بمعصية الله، فإن عمل فيه بطاعة الله(٨) رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له، وإن كان عمل فيه بمعصية الله عزوجل(٩) قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله عزوجل ".

١٧١٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من

___________________________________

(١) أى بالنسبة إلى من لم يؤد وان أعطى المال الكثير في غير موقعه لما مر وسيجئ.

(٢) أى كن حكما على نفسك فيما كان بينك وبين الناس وارض لهم ما ترضى لنفسك، واكره لهم ما تكره لها.

(٣) أى سلم على من لقيت من اخوانك جهارا.

(٤) المراء: الجدال، أى اترك الجدال في الكلام وان كان الحق لك.

والخبر مروى في الكافى بسند فيه ضعف ج ٤ ص ٤٤ عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام.

(٥) الخلف بفتح المعجمة واللام: العوض.

وقوله " سخت " أى جادت وفى بعض نسخ الكافى " سمحت ".

(٦) من كلام المؤلف رحمه الله كما يظهر من الكافى.

(٧) الحسرات جمع الحسرة وهى أشد الندامة.

(٨) في الكافى " أو في معصية الله فان عمل به في طاعة الله الخ ".

(٩) في بعض النسخ والكافى " وان كان عمل به في معصية الله ".

٦٢

ماله وأعطى البائنة في قومه(١) إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك ".

١٧١٥ - وروي عن الفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: " قال لي أبو عبدالله عليه السلام: أتدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله عزوجل ".

١٧١٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما محق الاسلام محق الشح شئ، ثم قال: إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل، وشعبا كشعب الشرك ".(٢)

١٧١٧ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا لم يكن لله عزوجل في العبد حاجة ابتلاه بالبخل ".(٣)

١٧١٨ - " وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم(٤) فقال له: كذبت إن الظالم قد يتوب ويستغفر ويرد الضلامة على أهلها، والشحيح إذا شح منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف(٥) والنفقة في سبيل الله

___________________________________

(١) البائنة العطية، سميت بها لانها ابينت من المال (الوافى) وفى القاموس البائنة فاعلة من البين بمعنى البينونة جعلت اسما للعطية لانها ابينت من المال.

(٢) الدبيب: المشى اللين أى حركة خفيفة لا تحس، والشرك محركة: حبائل الصيد.

وقرأه الفاضل التفرشى بكسر الشين المعجمة وكسر الراء وتكلف في توجيهه بما لا يحتاج اليه.

(٣) أى إذا كان غير منظور اليه ولم يكن أهلا للهدايات والتوفيقات منع عنه اللطف فاستولى عليه الشيطان وزين له البخل.

(٤) أى عذره أشد وأكثر من عذر الظالم.

(٥) اقراء الضيف: ضيافته وخدمته والاحسان اليه.

هذه الاخبار كلها مروية في الكافي مسندة ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥.

٦٣

عزوجل وأبواب البر، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح ".

١٧١٩ - وقال الصادق عليه السلام: " المنجيات إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام ".

 [فضل القصد]

١٧٢٠ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " ما عال امرء في اقتصاد "(١)

١٧٢١ - وقال الصادق عليه السلام: " ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر ".(٢)

وقال الله عزوجل: " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " والعفو الوسط(٣) .

وقال الله عزوجل: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " والقوام الوسط.

باب فضل سقى الماء

١٧٢٢ - قال أمير المؤمنين عليه السلام: " أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء يعني في الاجر ".

١٧٢٣ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحرى(٤) ، ومن سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ".

١٧٢٤ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان

___________________________________

(١) العيلة والعالة: الفاقة، أى ما افتقر أحد إذا اقتصد في أمر معاشه.

والخبر رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٣ مسندا وكذا الذى قبله.

(٢) مروى في الكافى مسندا عن مدرك بن أبى الهزهاز عنه (ع).

(٣) كما في مرسلة ابن أبى عمير عن أبى عبدالله عليه السلام " في قول الله تعالى " و يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو " قال: العفو الوسط " (الكافى ج ٤ ص ٥٢)

(٤) في القاموس: الحران العطشان، والانثى حرى مثل عطشى.

٦٤

كمن أحيا نفسا، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ".(١)

باب ثواب اصطناع المعروف إلى العلوية

١٧٢٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة".

١٧٢٦ - وقال عليه السلام: " إني شافع يوم القيامة لاربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا ".(٢)

١٧٢٧ - وقال الصادق عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمدا يكلمكم فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه وآله فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بابائنا وأمهاتنا وأي يد وأي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله عزوجل: يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، قال: فيسكنهم في الوسيلة(٣) حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ".

___________________________________

(١) هذه الاخبار الثلاثة في الباب مروية في الكافى ج ٣ ص ٥٧ مسندة.

(٢) التشريد: الطرد والتفريق، والخبر مروى في الكافى وفيه " ورجل يسعى في حوائج ذريتى الخ ".

(٣) الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة (القاموس) وفى معانى الاخبار ص ١١٦ في حديث طويل عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " الوسيلة هى درجتى في الجنة وهى ألف مرقاة الخ "

٦٥

باب فضل الصدقة

١٧٢٨ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله".

١٧٢٩ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء ".

١٧٣٠ - وقال الصادق عليه السلام: " داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة، فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان(١) .

وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد"(٢) .

١٧٣١ - وقال عليه السلام: " الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفك عن لحيي سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا يفعل ".

١٧٣٢ - وقال عليه السلام: " يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده، ويأمر السائل أن يدعو له ".

___________________________________

(١) قال بعض الشراح: كأن الصدقة دخلت في أفواهم باعتبار منعهم عنها بالوجوه الباطلة فبعضهم يقول لا تتصدق فانك تصير فقيرا، وبعضهم يقول: لا تتصدق فانك أحوج منه، أو أن السائل غير مستحق، أو تصدق على آخر أحوج منه انتهى.

أقول يمكن أن يقرأ " تفك " بصيغة المعلوم فالمعنى أن الصدقة تفك الرزق من بين لحيى سبعمائة شيطان كلهم يمنعون وصوله اليك، أو بصيغة المجهول أى الصدقة تخرج من بين لحيى سبعمائة شيطان فيكون كناية عن كونها شاقة على النفس وحينئذ يكون تعليلا للجملة السابقة.

وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض كما في النهاية.

(٢) كناية عن قبوله تعالى، ولعله اشارة إلى قوله تعالى: " أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ".

٦٦

١٧٣٣ - وقال عليه السلام: " باكروا بالصدقة(١) فإن البلايا لا تتخطاها(٢) ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة ".

١٧٣٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة(٣) والحرق والغرق والهدم والجنون، وعد عليه السلام سبعين بابا من الشر "(٤) .

١٧٣٥ - وقال صلى الله عليه وأله: " صدقة السر تطفئ غضب الرب جل جلاله "(٥) .

١٧٣٦ - وروى عمار عن الصادق عليه السلام قال: " قال لي يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية ".(٦)

١٧٣٧ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردوه ".(٧)

١٧٣٨ - وقال صلى الله عليه وآله: " الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر(٨) وصلة الاخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين ".

___________________________________

(١) أى ابتدؤوا النهار بالصدقة أو تصدقوا في أوله وفى الكافى " بكروا " بتشديد الكاف.

(٢) أى ان البلايا لا تتجاوز الصدقة بل هى تسدها وتمنعها وحالت بين صاحبها وبين البلايا.

(٣) الدبيلة كجهينة مصغرة: الطاعون والخراج ودمل يظهر في البطن فيقتل.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٥ " سبعين بابا من السوء " وهو أصوب.

(٥) غضبة تعالى كناية عن العذاب والا فهو سبحانه منزه عن أن يكون محلا للحوادث.

(٦) في المحكى عن دروس الشهيد رحمه الله الصدقة سرا أفضل الا أن يتهم بترك المواساة، أو يقصد اقتداء غيره به، اما الواجبة فاظهارها أفضل مطلقا.

(٧) " طرقكم " أى نزل عليكم، وطرق فلان طروقا إذا جاء بليل.

(٨) وجه تفضيل القرض هو أن الصدقة تقع أحيانا في يد غير المحتاج والقرض غالبا لا يقع الا في يد المحتاج.

وقيل: انما جعل الله جزاء الحسنة عشر أمثالها والقرض حسنة فاذا أخذ المقرض ما أعطاه قرضا فكأنه أخذ من العشر واحدة وبقيت له عند الله تسعة ووعد الله سبحانه أن يضاعفها له في قوله " فيضاعفه له " فتصير ثمانية عشر.

٦٧

١٧٣٩ - وسئل عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح "(١) .

١٧٤٠ - وقال عليه السلام: " لا صدقة وذو رحم محتاج "(٢) .

١٧٤١ - قال عليه السلام " ملعون ملعون من ألقى كله على الناس(٣) ملعون ملعون من ضيع من يعول "(٤) .

١٧٤٢ - وقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: " ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته".(٥)

١٧٤٣ - وسئل الصادق عليه السلام " عن السائل يسأل ولا يدري ما هو؟ فقال: أعط من وقعت في قلبك الرحمة له، وقال: اعطه دون الدرهم، قلت: أكثر ما يعطى؟ قال أربعة دوانيق "(٦) .

١٧٤٤ - وروى الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان فيما ناجى الله عزو جل به موسى عليه السلام أن قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير، أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك و يسألونك مما نولتك(٧) فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران ".

___________________________________

(١) في النهاية " الكاشح ": العدو الذى يضمر لك عداوته ويطوى عليها كشحه أى باطنه وذلك لان الاخلاص فيها أتم بخلاف ذى المحبة.

(٢) حمل على الصدقة الكاملة أى لا صدقة كاملة.

(٣) الكل بالفتح: الثقل والعيال والمراد قوته وقوت عياله.

(٤) أى تركهم مهملين بلا قوت ولا نفقة.

(٥) مروى في الكافى باسناده عن معمر بن خلاد عنه عليه السلام وفيه " كيلا يتمنوا موته وتلا هذه الاية " ويطعمون الطعام على حبه الآية " وقال: الاسير عيال الرجل ينبغى للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد اسراء‌ه في السعة عليهم ; ثم قال: ان فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها اسراء‌ه وجعلها عند فلان فذهب الله بها، وقال معمر: وكان فلان حاضرا".

(٦) الدوانيق جمع دانق كصاحب: سدس الدرهم.

(٧) خوله الله عزوجل أى أعطاه متفضلا.

والنوال: العطاء، ونولته أى أعطيته نوالا.

٦٨

١٧٤٥ - وقال عليه السلام: " اعط السائل ولو على ظهر فرس "(١) .

١٧٤٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تقطعوا على السائل مسألته(٢) فلو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من [ي‍] ردهم ".

١٧٤٧ - وروي عن الوليد بن صبيح قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فجاء‌ه سائل فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاه، ثم جاء‌ه آخر فقال: وسع الله، عليك ثم قال: إن رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء أن لا يبقي منها شيئا إلا وضعه في حق لفعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قال: قلت: من هم؟ قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في [غير](٣) وجهه، ثم قال: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل: ألم أرزقك؟ ورجل جلس في بيته ولا يسعى في طلب الرزق ويقول: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق، ورجل له أمرأة تؤذيه فيقول: يا رب خلصني منها فيقول الله عزوجل: ألم أجعل أمرها بيدك ".

١٧٤٨ - وقال الصادق عليه السلام في السؤال(٤) : " أطعموا ثلاثة وإن شئتم أن تزدادوا فازدادوا وإلا فقد أديتم حق يومكم ".

١٧٤٩ - وقال عليه السلام: " إذا اعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم ".

١٧٥٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها، قال: يجري له من الاجر مثل ما يجري للمعطي ولا ينقص من أجره شئ، ولو أن المعروف جرى على سبعين يدا لاوجروا كلهم من غير أن ينقص من أجر صاحبه شئ "(٥) .

___________________________________

(١) أى ولو كان السائل على ظهر فرس أى غنيا غير فقير، أو كنت على ظهر فرس غير متمكن حين السؤال من اعطاء شئ غير الفرس الذى أنت على ظهره. (م ح ق)

(٢) المراد بالقطع على السائل رده.

(٣) لفظة " غير " ليست في كثير من النسخ.

(٤) السؤال كتجار: جمع سائل وهو الفقير.

(٥) رواه الكلينى باختلاف في خبرين مسندين عن أبى نهشل وابن أبى عمير عن جميل.

٦٩

١٧٥١ - وسئل الصادق عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل(١) أما سمعت قول الله عزوجل: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " هل ترى ههنا فضلا "(٢) .

١٧٥٢ - وقال علي بن الحسين عليهما السلام: " ضمنت(٣) على ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة ".

١٧٥٣ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر ".

١٧٥٤ - وقال الصادق عليه السلام: " ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه الله عزوجل إليها ويكتب له بها النار ".(٤)

١٧٥٥ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض عزوجل لخلقه المسألة(٥) وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله عزوجل من فضله ولو شسع نعل ".(٦)

١٧٥٦ - وقال الصادق عليه السلام: " إياكم وسؤال الناس فإنه ذل الدنيا وفقر تتعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة ".

___________________________________

(١) في النهاية " أفضل الصدقة جهد المقل " أى قدر ما يحتمله حال قليل المال.

(٢) أى هل ترى في الاية تقييدا بالفضل عما يحتاجون اليه.

(٣) ذلك على سبيل التهكم وفيه مبالغة في أن السائل بلا حاجة يصير مآله إلى الفقر.

(٤) قوله " ما من عبد " النفى راجع إلى القيد الاخير وهو الموت، أى لا يموت عبد يسائل من غير حاجة حتى يحوجه الله تعالى (مراد) أقول: رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ١٩ وفيه " يثبت الله له بها النار ".

(٥) يعنى أبغض لهم أن يسألوا وذلك لان مسؤوليتهم تمنع مسؤوليته سبحانه، وهو أحب لنفسه فأبغضها لهم.(الوافى)

(٦) الشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة وبكسرهما: قبال النعل وهو زمان بين الاصبع الوسطى والتى تليها.

٧٠

١٧٥٧ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا ".

١٧٥٨ - و " جاء‌ت فخذ من الانصار(١) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا: يا رسول الله لنا إليك حاجة، قال: هاتوا حاجتكم، قالوا: إنها حاجة عظيمة قال: هاتوا ما هي؟ قالوا: تضمن لنا على ربك الجنة، فنكس صلى الله عليه وآله رأسه ونكت في الارض(٢) ثم رفع رأسه فقال: أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا قال: فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب منه إلى الماء فلا يقول: ناولني حتى يقوم فيشرب ".

١٧٥٩ - وقال عليه السلام: " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك "(٣) .

١٧٦٠ - وقال الصادق عليه السلام: " المن يهدم الصنيعة ".

١٧٦١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال و كرهتهن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور ".

١٧٦٢ - وروي عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام " أن أميرالمؤمنين عليه السلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة(٤) وكان الرجل

___________________________________

(١) رواه الكلينى باسناده عن هشام بن سالم عن أبى بصير ن الصادق عليه السلام (ج ٤ ص ٢١ والفخذ: القبيلة.

(٢) نكت في الارض بقضيبه أى ضرب بها فأثر فيها.

(٣) الشوص بالفتح ثم السكون: الغسل والتنظيف أى استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك إى بغسله وتنظيفه. ولا يقل أحد لاحد: اغسل سواكى أو نظفه.

(٤) البغيبغة بباء‌ين موحدتين وغينين معجمتين وفى الوسط ياء مثناة وفى الاخر هاء: ضيعة أو عين بالمدينة كثيرة النخل لال الرسول صلى الله عليه وآله، قال المسهودى في وفاء الوفاء: البغيبغة تصغير البغبغ وهى البئر القريبة الرشا، والبغبغات عيون عملها على بن أبى طالب عليه السلام بينبغ أول ما صارت اليه وتصدق بها وبلغ جذاذها في زمنه ألف وسق ومنها خيف الاراك وخيف ليلى وخيف الطاس.

٧١

ممن يرجو نوافله ويرضى نائله ورفده(١) وكان لا يسأل عليا عليه السلام ولا غيره شيئا، فقال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان شيئا ولقد كان يجزيه من الخمسة الاوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لاكثر الله في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل أنت به(٢) إذا أنا أعط الذي يرجوني إلا من بعد مسألتي ثم أعطيته بعد المسألة فلم أعطه إلا ثمن ما أخذت منه، وذلك لاني عرضته لان يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عزوجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عزوجل في دعائه له(٣) حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالحطام من ماله وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: " الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات " فإذا دعا له بالمغفرة فقد طلب له الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل "(٤) .

باب ثواب صلة الامام عليه السلام

١٧٦٣ - سئل الصادق عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال: نزلت في صلة الامام عليه السلام "(٥) .

___________________________________

(١) النوافل: العطايا، والنائل: العطاء، والرفد بالكسر: الصلة والعطاء.

(٢) " ضربك " أى مثلك، وفى الكافى " أعطى أنا وتبخل أنت، لله أنت ".

(٣) " فلم يصدق الله " من الصدق المتعدى إلى مفعولين.

قال الله تعالى: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " أى أخبره بالحق. (سلطان)

(٤) أى لم يأت بالانصاف والعدل من قال بلسانه انى أطلب له الجنة واحب ذلك ولم يفعل باليد ما يدل على أن ما قال بلسانه كان موافقا لما في قلبه.(مراد)

(٥) رواه الكلينى ج ١ ص ٥٣٨ باسناد عن اسحاق بن عمار عن أبى ابراهيم عليه السلام.

٧٢

١٧٦٤ - وقال عليه السلام: " درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل الله عزوجل".(١)

١٧٦٥ - وقال الصادق عليه السلام: " من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شعيتنا(٢) يكتب له ثواب صلتنا، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا ".

كتاب الصوم

باب علة فرض الصيام

٦ ١٧٦ سأل هشام بن الحكم أبا عبدالله عليه السلام " عن علة الصيام فقال: " إنما فرض الله عزوجل الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عزوجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والالم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع ".

١٧٦٧ - وكتب أبوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: " علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظا له في العاجل، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة ".

١٧٦٨ - وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد عليه السلام " لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير ".(٣)

١٧٦٩ - وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال: " جاء نفر من

___________________________________

(١) في الكافى ج ١ ص ٥٣٨ وفيه " أفضل من ألفى ألف درهم فيما سواه من وجوه البر ".

(٢) في بعض النسخ وثواب الاعمال ص ١٢٤ " صالحى موالينا ".

(٣) أى يعطى، من عليه أى أنعم واصطنع عنده صنيعة.

٧٣

اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له: " لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض الله على الامم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم وكذلك كان على آدم عليه السلام، ففرض الله ذلك على امتي، ثم تلا هذه الآية: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات " قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال، أولها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه عليه السلام، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براء‌ة من النار، والسابعة يطعمه الله عزوجل من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد ".

باب فضل الصيام

١٧٧٠ - قال أبوجعفر عليه السلام: " بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية"(١)

١٧٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصوم جنة من النار "(٢) .

١٧٧٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما

___________________________________

(١) المراد بالولاية معرفة الامام الحق المنصوب من عند الله المنصوص عليه، والتصديق بكونه ولى أمر الامة، مفترض الطاعة كطاعة الرسول صلى الله عليه وآله.

والولاية بالكسر بمعنى تولى الامر ومالكية التصرف فيه.

(٢) رواه الكلينى عن على عن ابيه عن حماد عن حريز عن زرارة.

٧٤

لم يغتب مسلما ".(١)

١٧٧٣ - وقال صلى الله عليه وآله: " قال الله تبارك وتعالى: الصوم لي وأنا أجزي به(٢) ، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عزوجل(٣) ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم(٤) عند الله أطيب من ريح المسك ".

١٧٧٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: " ألا اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله عزوجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه(٥) ولكل شئ زكاة وزكاة الابدان الصيام".

١٧٧٥ - وقال الصادق عليه السلام لعلي بن عبدالعزيز: " ألا أخبرك بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال: بلى، قال: أصله الصلاة، وفرعه الزكاة، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله عزوجل، ألا أخبرك بابواب الخير؟ الصوم جنة من النار "(٦) .

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٦٤ باسناده عن عبدالله بن طلحة عن الصادق عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله، ويدل على جواز النوم للصائم.

(٢) انما خص الصوم بالله من بين سائر العبادات وبأنه جازيه مع اشتراك الكل في ذلك لكونه خالصا له وجزاؤه من عنده خاصة من غير مشاركة أحد فيه لكونه مستورا عن أعين الناس مصونا عن ثنائهم عليه. (الوافى).

(٣) فرحه عند الافطار لاشعاره بان المولى وفقه لغلبة هواه ولعدم تزلزله في اتيان ما كلف به ومجيئه مظفرا من تلك الجهاد، وله فرح آخر وهو عند لقاء جزاء عمله بما فرض الله له.

(٤) الخلوف بضم الخاء المعجمة قبل اللام، والفاء بعد الواو: رائحة الفم، أو الرائحة الكريهة.

(٥) المؤازرة: المعاونة، وقطع الدابر كناية عن الاستيصال، والوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. (الوافى)

(٦) أى وقاية وحسن من الوقوع في كل معصية توجب دخول النار. وقال في الوافى: لانه يدفع حر الشهوة والغضب اللتين بهما يصلى نار جهنم في باطن الانسان في الدنيا وتبرز له في الاخرة، كما أن الجنة تدفع عن صاحبها حر الحديد.

٧٥

١٧٧٦ - وقال عليه السلام " في قول الله عزوجل: " واستعينوا بالصبر والصلاة " قال: يعني بالصبر الصوم ".

١٧٧٧ - وقال عليه السلام: " إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة(١) فليصم فإن الله عزوجل يقول: " واستعينوا بالصبر والصلاة "(٢) .

١٧٧٨ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى وكل ملائكة بالدعاء للصائمين وقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربه تعالى ذكره أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لاحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه ".

١٧٧٩ - وقال الصادق عليه السلام: " أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال: يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ".

١٧٨٠ - وقال الصادق عليه السلام: " للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه عزوجل ".

١٧٨١ - وقال عليه السلام: " من صام لله عزوجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر، قال الله عزوجل: ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له ".

١٧٨٢ - وقال أبوالحسن الاول عليه السلام: " قيلوا(٣) فإن الله عزوجل يطعم الصائم ويسقيه في منامه ".

١٧٨٣ - وقال الصادق عليه السلام: " نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب ".

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ٦٤ " بالرجل النازلة والشديدة الخ ".

(٢) في الكافى " يقول " استعينوا بالصبر " يعنى الصيام ".

(٣) من القيلولة وهى نوم الضحى، أمر من قال يقيل قيلولة بمعنى النوم قبل الظهر.

٧٦

باب وجوه الصوم

١٧٨٤ - روي عن الزهري أنه قال: قال لي علي بن الحسين عليهما السلام يوما: " يا زهري من أين جئت؟ فقلت: من المسجد، قال: ففيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الاباحة، وصوم السفر والمرض، قلت: جعلت فداك فسرهن لي.

قال: فأما الواجب فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان عمدا متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار قال الله عزوجل: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا(١) ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا "، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله عزوجل: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله(٢) إلى قوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين "، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام(٣) قال الله عزوجل: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " فكل ذلك متتابع وليس بمتفرق، وصيام أذى حلق

___________________________________

(١) " ثم يعودون " أى يريدون الوطى ونقض قولهم، فعليهم الكفارة " من قبل أن يتماسا " أى يجامعا.

(٢) أى مدفوعة إلى أهل القتيل.

(٣) أى لم يجده مع اختيه من العتق والكسوة، وترك للظهور. (م ت)

٧٧

الرأس واجب قال عزوجل: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "(١) فصاحبها فيها بالخيار فإن صام صام ثلاثا، وصوم دم المتعة(٢) واجب لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، وصوم جزاء الصيد واجب قال الله عزوجل: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " ثم قال: أو تدرى كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال: قلت: لا أدرى قال: يقوم الصيد قيمة ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب(٣) ، وصوم الاعتكاف واجب(٤) .

وأما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الاضحى، وثلاثة أيام التشريق(٥) ، وصوم يوم الشك امرنا به ونهينا عنه، امرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس(٦) ، فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من

___________________________________

(١) جمع نسيكة وهى الذبيحة.

(٢) أى الهدى الواجب في حج التمتع بعد العجز عنه.

(٣) الظاهر أن المراد أعم منه ومن العهد واليمين وسيجئ اطلاقه في الاخبار عليهما ولو تجوزا. (م ت)

(٤) المراد به الوجوب الشرطى بمعنى عدم تحقق الاعتكاف بدون الصوم ولا يجب أن يكون الصوم للاعتكاف فلو كان عليه قضاء رمضان وصامه في اعتكافه صح والمراد وجوب اليوم الثالث والسادس والتاسع وهكذا كل ثالث بعد اعتكافه يومين. (م ت)

(٥) أى لمن كان بمنى، ولا خلاف في حرمة صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا والمشهور التحريم لمن كان فيها وان لم يكن ناسكا.

(٦) الظاهر أن المراد بصيامه أن ينويه من رمضان من بين سائر الناس من غير أن يصح عند الناس أنه منه. (المرآة)

٧٨

شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره، فقلت له: وكيف يجزي صوم تطوع عن صوم فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه(١) ، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام(٢) ، وصوم نذر المعصية حرام(٣) ، وصوم الدهر حرام(٤) .

___________________________________

(١) أى أن الفرض أنما وقع على اليوم بعينه سواء نواه بقصد الواجب أو المندوب أو لم يقصدهما كما أنه لو صام يوما من شهر رمضان ندبا لاجزأ عنه إذا كان جاهلا ولو كان نية التعيين شرطا لما أجزأ عنه، أو لان الفرض على اليوم بعينه ونية التعيين واجب مع العلم واما مع الجهل فلا لانه لا ريب أنه لو غفل عن نية التعيين في يوم بعينه ونواه ندبا أجزأ عن رمضان فكذا يوم الشك لانه لا يعلم أنه من رمضان فاذا نواه من شعبان فانكشف أنه كان من رمضان أجزأ عنه والمعتمد قوله عليه السلام لا استدلاله وهذه الاستدلالات كانت لاشكالات العامة. (م ت)

(٢) ذهب الشيخ رحمه الله في النهاية وأكثر الاصحاب إلى أن صوم الوصال هو أن ينوى صوم يوم وليلة إلى السحر، وذهب هو في الاقتصاد وابن ادريس إلى أن معناه أن يصوم يومين مع ليلة بينهما، وانما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزء‌ا من الصوم أما لو أخره الصائم بغير نية فانه لا يحرم فيها، قطع به الاصحاب والاحتياط يقتضى اجتناب ذلك، واما صوم الصمت فهو أن ينوى الصوم ساكتا وقد أجمع الاصحاب على تحريمه. (المرآة)

(٣) هو أن يصوم بنذره على ترك الطاعة أو فعل المعصية شكرا أو عكسهما جزاء. (م ت)

(٤) حرمة صوم الدهر اما لاشتماله على الايام المحرمة ان كان المراد كل السنة، وان كان المراد ما سوى الايام المحرمة فلعله انما يحرم إذا صام على الاعتقاد أنه سنة مؤكدة فانه يقتضى الافتراء على الله تعالى: ويمكن حمله على الكراهة أو التقية لاشتهار الخبر بهذا المضنون بين العامة قال المطرزى في المغرب: وفى الحديث انه عليه السلام " سئل عن صوم الدهر فقال: لا صام ولا أفطر " قيل انما دعا عليه لئلا يعتقد فريضته ولئلا يعجز فيترك الاخلاص أو لئلا يرد صيام السنة كلها فلا يفطر في الايام المنهى عنها انتهى، وقال الجزرى في النهاية في الحديث انه " سئل عمن يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر " أى لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى " وهو احباط لاجره على صومه حيث خالف السنة، وقيل: دعاء عليه كراهة لصنيعه. (المرآة)

٧٩

وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار(١) فصوم يوم الجمعة، والخميس، والاثنين وصوم البيض(٢) ، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان(٣) ، وصوم يوم عرفة، ويوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.

وأما صوم الاذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها(٤) ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا باذنهم ".

وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق(٥) بالصوم تأديبا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله

___________________________________

(١) معنى كون صاحب الصوم بالخيار أن ليس شئ من الصوم تركه ممنوعا لكنه لابد من كون الفعل راجحا على الترك (مراد) وقال المولى المجلسى رحمه الله: أى يجوز له الافطار بعد الشروع فيه أو لا يجب صومه.

(٢) هو اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لبياض الليالى فيها مع الايام، أو لابيضاض جسد آدم عليه السلام لصيامها.(م ت)

(٣) استحباب صيامها مشهور بين العامة وروى من طرقهم أن من صامها بعد شهر رمضان فكانما صام الدهر لقوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ولو صامها بعد يومين أو ثلاثة بعد العيد فهو أفضل لما سيجئ.(م ت)

(٤) المشهور بين الاصحاب بل المتفق عليه بينهم أنه لا يجوز صوم المرأة ندبا مع نهى زوجها عنه والمشهور أيضا عدم الجواز مع عدم الاذن.(المرآة)

(٥) راهق الغلام مراهقة: قارب الاحتلام ولم يحتلم بعد (المصباح المنير) وفى المحكى عن الفاضل الاسترابادى أنه قال: اشتهر بين المتأخرين خلاف من غير فيصل وهو أن عبادات الصبى المميز تمرينية يعنى صورتها صورة الصلاة والصوم مثلا وليست بعبادة، أو عبادة فلو نوى النيابة عن الميت لبرئت ذمة الميت، وجعله عليه السلام صوم الصبى قسيما للصوم الذى صاحبه بالخيار فيه صريح في أن صوم الصبى ليس بعبادة ويؤيد ذلك أن نظائره مطلوبة وليست بصوم بل صورتها صورة الصوم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214