ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب27%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156154 / تحميل: 8963
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقال تعالى في بيان مرحلة ما بعد الولادة:( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً ) (١) .

وهذا الفقر والاحتياج مُلازم للإنسان طوال حياته، ولذا نجد أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) يلهج بالدعاء لبلوغ المرتبة العُليا عند الله فقال:( إلهي أنا الفقيرُ في غناي فكيف لا أكونُ فقيراً في فقري ) (٢) .

وعلى كلّ حال، فإنّ الشعور بالحاجة يُعدُّ امتيازاً، إلاّ أنّه لو ابتلى الفرد بالشعور بالحقارة ولم يبادر إلى علاج نفسه، فإنّ هذا الداء سوف يستفحل ويتحوّل إلى مرض نفسي، وكما يقول علماء النفس: إنّ هذا المرض سيظهر بالدرجة الأولى على شكل آلام نفسية حادّة وأرَق، وعدم الشهيّة للطعام وانعقاد اللسان واعتزال الناس والهروب منهم، والابتلاء بأزمَات عصبية حادّة(٣) !

أسبابُ عُقدة الحقارة

قلنا: إنّ الشعور بالحقارة والضَعة إذا لم يتحوّل إلى إدراك لهذا المرض، ولم يتمَّ وضعهُ في المسار الصحيح، فسوف يتحوّل إلى عُقدة ويصبح مرضاً مزمناً وخطيراً.

فالإنسان منذ طفولته يحتاج إلى أمّه في الرضاعة والنظافة، وما بعد تلك المرحلة يحتاج إلى دخول المدرسة والمجتمع، ويواجه مَشاهِد تؤدّي إلى تحويل شعوره بالحقارة إلى عُقدة الحقارة، ويرى علماء النفس أنّ مجموع العِلل - التي تكون منشأ لظهور عُقدة الحقارة - يمكن تلخيصها في خمسة موارد:

١ - وجود عاهة جسدية: كالبُثور في الوجه، أو حول العين، وقصر القامة عن المستوى الطبيعي وما إلى ذلك.

____________________

(١) سورة النحل: الآية ٧٨.

(٢) دعاء عرفة المروّي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ): مفاتيح الجنان.

(٣) روح بَشر: د. صاحب الزماني، ص٢٤٠.

١٦١

٢ - الفقرُ المادّي والاقتصادي.

٣ - السلوكية العنيفة والعقوبات القاسية.

٤ - الزللُ الأخلاقي وإعادة تذكّره ِ(١) .

٥ - وجود ذكرى مريرة وحادث مأساوي مثل: فقدان أحد الوالدين، أو الطلاق، أو الفيضان، أو الزلزلة، أو الحريق، أو هجوم سارق، أو حيوان مفترس.

وفيما يخصّ هذه الأسباب المُهلكة والمريرة، لابدّ من ذِكر ثلاثة مواضيع:

أ - إنّ أغلب الناس وأعضاء المجتمع البشري على العموم، يعانون من هذه النواقص والحوادث.

ب - إنّ هذه النواقص والموانع لا تشكّل مانعاً أمام تقدّم الإنسان ورُقّيه فبالإمكان تجاوزها.

ج - هناك آلاف الأشخاص من الذين أمكنهم تجاوز هذه العَقَبات، وأمكنهم الوصول إلى السعادة والنجاح، وذكرنا نماذج لذلك في كتابنا( قصصُ العظماء في مراحل الطفولة ) .

طُرق الوقاية

ولكي نضع الطفل - في فترة احتياجه وعجزه حيث تكون روحه رقيقة وحسّاسة - في مساره التربوي الصحيح ونَصونهُ من الأضرار الروحية والأخلاقية، فلابدّ للوالدين من مراعاة سلسلة من التدابير، أهمّها ما يلي:

١ - مراعاةُ العدل والمساواة

بما أنّه قد يُفرّق بين الأولاد من ناحية الذكورة والأُنوثة، أو الكِبر والصغر، أو الذكاء، أو الجمال، فإنّ هذا التفريق في المرحلة الأولى يزيد من ثقل مسؤولية الوالدين في اتخاذ السلوكية العادلة تجاه الأطفال، وقد أولَت التعاليم الإسلامية هذا الموضوع أهمية قصوى وعَدّتهُ مسؤولية أخلاقية وحقوقية.

____________________

(١) عُقدة حقارت وشكستة نفسي: ص١٢ و ١٨.

١٦٢

فقد جاء في الحديث: ( نظرَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى رجلٍ لهُ ابنان فقبّل أحدهما وتركَ الآخر، فقال لهُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):فهلاّ ساويتَ بينهما ) (١) .

وطبعاً لا ينبغي التفريق بين الأولاد من ناحية الذكورة والأنوثة، إلاّ أنّ الطفل إذا كان يتمتّع بذكاء وأدب وكان مطيعاً، وكانت سلوكيّته أفضل من سائر أخوته، فإنّ ذلك سيؤدّي قهراً إلى اهتمام الوالدين به بشكلٍ أكبر، فعن سعد بن سعد الأشعري قال: ( سألتُ أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن الرجل يكون بعض ولده أحبّ إليه من بعض، ويُقدِّم بعض ولده على بعض؟ فقال:( نعم، قد فعلَ ذلك أبو عبد الله نحل محمّداً، وفعلَ ذلك أبو الحسن ( عليه السلام ) نحل أحمد شيئاً، فقمتُ أنا به حتّى حزتهُ له، فقلت: جُعلت فداك الرجل يكون بناتهُ أحبّ إليه من بنيه فقال:البنات والبنون في ذلك سواء، إنّما هو بقدر ما ينزلهم الله عزّ وجل ) (٢) .

٢ - اجتنابُ الإفراط في حُبّ الأولاد

إنّ إبراز المحبّة للأطفال وإن كان أمراً ضرورياً وطبيعياً من الناحية الدينية والأخلاقية، إلاّ أنّه برغم ذلك ينبغي أن لا يتجاوز حدود الاعتدال؛ لأنّ الحبّ المُفرط مضافاً إلى أنّه يجعل الطفل ذا شخصية اتكالية، من المحتمل أن تستمرّ، أو أن الطفل سوف يواجه في المدرسة أو المجتمع مَشاهد عنيفة، وفي كلتا الحالتين سوف تترك آثاراً سلبية عليه، وتجعلهُ فريسة لعُقد الحقارة، ومن هنا قال الإمام الباقر ( عليه السلام ):( شرُّ الآباء مَن دعاهُ البرّ إلى الإفراط، وشرّ الأبناء مَن دعاهُ التقصير إلى العقوق ) (٣) .

وقال الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ):( تستحبّ عرامة الغلام في صغره؛ ليكون حليماً في كبره ) (٤) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١٥ / ٢٠٤.

(٢) فروع الكافي: ٦ / ٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٢٠.

(٤) فروع الكافي: ٢ / ٥٢، وسائل الشيعة: ١٥ / ١٩٨.

١٦٣

٣ - تجنّبُ العُنف والقسوة

إنّ العقوبة الجسدية وإن كانت لازمة أحياناً في مجال التربية، إلاّ أنّها ينبغي أن لا تكون مصحوبة بالقسوة وعدم الرحمة بحيث تُعدّ جناية، بل ينبغي التعويض عن هذه العقوبة بشكل غير مباشر، حتّى لا يتحوّل الشعور بالحقارة الناتج عن هذه العقوبة إلى( عُقدة الحقارة ) .

٤ - الدعمُ والتشجيع

إنّ الأعمال التي يقوم بها الأطفال واليافعون فيما يتعلّق بمسائل الحياة وتوفير ما تحتاج إليه العائلة، لا ينبغي علينا أن نتوقّع صدورها منهم كاملة كما تصدر من الكبار، فلو أنّهم أدّوا عملاً ولم يبلغ حدَّ الكمال، فلابدّ من تشجيعهم على مقدار طاقتهم، لكي يدفعهم هذا التشجيع إلى رفع النواقص الموجودة في أعمالهم وسلوكياتهم.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( رَحمَ الله مَن أعانَ ولدهُ على برّه، قال: قلتُ: كيف يُعينهُ على برّه؟ قال:يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يَرهقه ولا يخرق به ) (١) .

كما أنّهُ إذا ارتكبَ خطأً واستحقّ العقوبة فينبغي أن لا تبلغ العقوبة حدّ الإفراط، وأن لا يُذكّره بغلطته مِراراً.

قال الإمام ( عليه السلام ):( الإفراطُ في الملامة يُشِبّ نار اللجاج ) (٢) .

وطبعاً ممّا لا شكّ فيه أنّ الوالدين يبذلان قصارى الجهد والمحبّة في إصلاح أبنائهم وتربيتهم، وذلك ناتج عن إحساسهما بالمسؤولية تجاه مصيرهم ومستقبلهم، إلاّ أنّ تأثير البيئة قد يبلُغ بالطفل حدَّ الانخداع والعناد، فلا تعود معه نصيحة الآباء مؤثّرة، ومن هنا قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أمهِل صبيَّك حتّى يأتي لهُ ستّ سنين، ثمّ ضمّهُ إليك سبعَ سنين، فأدّبهُ بأدبك، فإن قبلَ وصلُح وإلاّ فخلِّ عنهُ )، فربّما مَن لم يؤدّبه الأبوان أدّبهُ الزمان.

____________________

(١) فروع الكافي: ٢ / ٥٢، وسائل الشيعة: ١٥ / ١٩٨ و ١٩٩.

(٢) تُحف العقول: ص٦٢.

١٦٤

وطبعاً في الظروف الراهنة حيث تغيّر وجه الحياة، لابدّ من إمهال الطفل وضمّه أكثر من سبع سنوات، حتّى تكتمل تربيته وإعداده وتأديبه.

طُرق الحلّ:

ذكرنا فيما سبقَ أهمّ طُرق الوقاية من الصَدَمات الروحية الناتجة عن( عُقدة الحقارة ) ، والآن إذا كان هناك شخص خُصّ في صِغره بالحرمان دون أخوته أو تعرّض إلى معاملة قاسية، أو لم يتمّ تشجيعهُ بالمقدار الكافي، فأُصيبَ - نتيجة للتحقير والفقر وما إلى ذلك من أنواع الحرمان - باضطرابٍ نفسي و( عقدة الحقارة )، فما الذي ينبغي عليه فعله؟

هناك أمام هؤلاء الأشخاص طريقان:

أ - التأسّف على الماضي والتخبّط في أزمَته النفسية واختلاق الأعذار، والتهرّب من المسؤولية وحَمل الضغائن وإضمار الانتقام!

ب - توظيف المقدرة العقلية وإعمال التفكير وطلب العون من الخبراء واستشارتهم، وعَقد النية بشكل جادّ على التحوّل الإيجابي.

ولكي نعرف الأضرار والفوائد المترتّبة على اختيار أحد هذين الطريقين بشكلٍ أعمق، لابدّ من توضيح أكثر:

ردودُ الفعل السلبيّة

لو أنّ الشباب المصاب بعقدة الحقارة اختاروا في مواجهة مشاكل الحياة مقالة ( لا )، التي تبدو سهلة على اللسان، لكنّها تستتبع عواقب قاسية ومأساوية، وحاولوا التهرّب من المسؤولية وعدم إصلاح أنفسهم بقول: لا أعلم، ولا أريد، ولا أستطيع، واتخذوا ردود فعل سلبية، فإنّهم سيبتلون بمسائل عويصة ومدمِّرة منها:

١٦٥

١ - العِزلةُ والكبت

إنّ التهرّب من المسؤولية واختيار العزلة، مضافاً إلى أنّه يحول دون الانسجام مع ظروف الحياة، والمجتمع والنموّ والسموّ الأخلاقي والمعنوي، فإنّه سيلوِّث الأفكار ويضعِّف الجسد.

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( اللجاجُ يُفسد الرأي ) (١) .

وقال أيضاً:( الهمّ يُذيب الجسد ) (٢) .

ولأجل الحيلولة دون الابتلاء بمثل هذه المصيبة قال الإمام علي ( عليه السلام ):( طهّروا قلوبكم من الحقد؛ فإنّهُ داءٌ موبئ ) (٣) .

٢ - إهدارُ الطاقات

إنّ الطاقات الشابّة هي ثروات هائلة يعجز غالبية الأفراد في مرحلة الشباب عن إدراكها بشكلٍ كامل، ولذا يُبادر بعضهم إلى التنفيس عن عُقدهم باتخاذ ردود فعل سلبية بهدف السخريّة بأوليائهم الذين يُبدون اهتمامهم بالطاقات الشابّة، فيهدرون هذه الطاقات بمختلف الأعذار! وبذلك فإنّهم - مضافاً إلى عدم حلّ مشاكلهم بهذه التصرّفات - يُزيدون الطين بلّة، وسوف يُسألون يوم القيامة عن شبابهم، وهذه النعمة الربّانية فيمَ أفنوها!

قال تعالى:( ثُمّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (٤) ، والشباب من جملة النِعَم.

وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( إنّ العبد لا تزول قَدَماه يوم القيامة حتّى يُسأل عن عُمره فيما أفناهُ، وعن شبابه فيما أبلاه... ) (٥) .

____________________

(١) فهرست الغُرر والدرر للآمدي: ص٢٥٦.

(٢) غُرر الحِكم: ١ / ٣٠.

(٣) فهرست الغُرر والدرر للآمدي: ص٧٣.

(٤) سورة التكاثر: الآية ٨.

(٥) تاريخ اليعقوبي: ٢٠ / ٩٠.

١٦٦

ولذا علينا تدارك الأخطاء واجتناب موارد الزَلل قبل فوات الأوان، وقد قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( ما من شيء أحبّ إلى الله من شابّ تائب ) (١) .

٣ - النزوعُ إلى الانتقام

إنّ من أقبح ردود الفعل التي يلجأ إليها الأشخاص لتسكين عُقدة الحقارة في أنفسهم والتعويض عن ضعفهم وذلّهم:حَمل الضغائن ومشاعر الانتقام ، وهذا ما يُدينه الوجدان السليم والمنطق القويم، وترفضهُ جميع الأديان؛ لِمَا فيه من الأضرار التي لا تُحصى وأهمّها ما يلي:

١ -الظلمُ وتمهيد الأرضية لعذاب الضمير، قال الإمام علي ( عليه السلام ):( مَن أضمرَ الشرَّ لغيره، فقد بَدأ به نفسه ) (٢) .

٢ - إظهارُ عُمق الرذيلة وضِعة النفس، قال الإمام علي ( عليه السلام ):( المُبادرة إلى الانتقام من شيَم اللئام ) (٣) .

٣ -إلحاقُ الأضرار المادّية والمعنوية والفردية والاجتماعية، ويُعدّ موضوع إلقاء ( حامض النتريك ) من قِبل شابّ أخفقَ في خطوبة فتاة من أهلها ونَشرتهُ الإذاعات، خيرُ شاهد بهذا الخصوص، وقد نَشرتهُ إحدى الصُحف تحت عنوان:( المسبّبين لحادث إراقة حامض النتريك يحاكمون في محكمة الثورة، بوصفهم مفسدين في الأرض ) ، ففي الثامن من شهر بهمن من العام المنصرم، وتحديداً في جنوب طهران، بادرَ شابّ يُدعى ( حميد ) رَفضت عائلة البنت تزويجهُ إيّاها، إلى انتقام رهيب، حيث أقدمَ حميد رضا على إعطاء شابّين اسمهما: محمود، وحميد مبلغ مليون تومان؛ ليُلقيا حامض النتريك على وجه الفتاة المدعوّة ( فائزة )، البالغة من العمر ١٧ عاماً،

____________________

(١) مشكاة الأنوار: ص ١١٠، طبع النجف.

(٢) غُرر الحِكم: ٢ / ٦٧٧.

(٣) فهرست الغُرر والدرر للآمدي: ص٣٩٦.

١٦٧

فاستقلاّ درّاجة نارية ووقفا في الساعة السابعة وعشر دقائق صباحاً، في الطريق الذي تسلكهُ فائزة مع أختها ( فتانه )، البالغة من العمر تسع سنوات إلى المدرسة، وهناك ألقى محمود حامض النتريك على وجه الفتاتين!

وعلى أثر ذلك سافرت الفتاتان إلى ألمانيا لإجراء عدّة عمليات جراحية، وقد أصدرَ قاضي المحكمة العامّة في طهران حُكمه على منفّذ الجريمة - يعني محمود -بالقصاص ، ودَفع سُدس الديّة الكاملة وثلاثة ملايين وستمئة ريال كأرش للنقص الحادث، والحَبس لمدّة ١٥ سنة، وسبعين جَلدة، كما حُكمَ على كلّ من: حميد رضا الخطيب الحاقد، وحميد سائق الدرّاجة النارية، باتّهام الضلوع في هذه الجريمة بالسجن مدّة ثلاث سنوات، وسبعين جَلدة أمامَ الملأ العام، ولكنّ هذا الحكم جوبِهَ باعتراض فائزة وفتانه وسائر الناس، ممّا حَدا بالديوان العالي للدولة إلى استئناف الحكم؛ بسبب بثّ الرُعب والخوف والإخلال بالأمن العام، ومحاكمة المدعوّين بوصفهم مُفسدين في الأرض(١) .

وقد نشرَت هذه الصحيفة صوراً للفتاتين توضِّح حالتيهما قبل الحادث وبعده، وقد رَقّ لمظهرهما الجميع.

فهذا النوع من الانتقام للتنفيس عن العُقد بدلاً من أن يحلّ المشكلة، خَلقَ إلى جانبها مئات المشاكل الأخرى.

وللأسف الشديد، فإنّ تَبَعات( عُقدة الحقارة ) للتعويض عن الإخفاق الذي يصيب الأفراد في مراحل الطفولة، تتجلّى على مختلف الصور، وتُعرّض أرواح وأموال العديد إلى الخطر، منها: أنّ بعض المصابين بهذه العُقدة ينتحلون مهنة الطبّ كِذباً، ويرتكبون من الأخطاء ما لا يمكن تلافيه، وطبقاً لتقرير فإنّ هناك ٧،٧٧% من الأطبّاء المزيّفين هم من المصابين بعُقدة الحقارة(٢) !

____________________

(١) صحيفة إيران: العدد ٥ - ٨.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ٦٧٣.

١٦٨

(٢١)

عُقدة الحَقارة وطُرق علاجها

عَرفنا في المقال المتقدّم: إنّما يقوم به بعض الأفراد من أعمالٍ للتعويض عن النقص الحاصل لديهم، ومعالجة ما يسمّى بعُقدة الحقارة، لا ينفع في حلّ مشاكلهم، بل يؤدّي إلى ظهور مشاكل أخرى! فما الذي ينبغي فعله؟

من خلال الرجوع إلى:القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، والأُسس العلمية، والتجارب العملية ، سنستعرض فيما يلي الطُرق التي تنفع في رفع النواقص، وحلّ المشاكل الروحية ومعالجة عُقدة الحقارة:

ألف - تقويمُ النفس

ما أكثر الكفاءات والطاقات والقابليات الكامنة في وجودنا والتي يمكن استثمارها؟ فهل تدبّرنا في كلّ هذه القابليات؟

تقدّموليَم جيمس وهو أبرز علماء النفس في أمريكا بدراسةٍ قال فيها:إنّ الإنسان لا يستثمر سوى ١٠% من قابلياته وكفاءاته.

ثمّ جاءت بعدهُ الباحثة الاجتماعية الشهيرة( مارغريت ميد ) ، فقامت بخفض هذه النسبة إلى ٦%، بينما يرى( هربرت أوتو ) أنّ الإنسان لا يستثمر سوى ٤% من كفاءاته حيث قال: ( إنّ هذه النِسب المئوية آخذة بالنقصان؛ لأنّنا نكتشف يومياً طاقات كامنة في الإنسان هي أكثر وأقوى ممّا كنّا نعرفهُ من الطاقات )(١) .

 ____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٧٥٧.

١٦٩

فإذا واجهنا مشكلة وأثّرت علينا سلبياً، فلماذا نواصل النظر إلى هذه الجهة؟ ونفكّر فيها على الدوام؟ فلا نستفيد من الطاقات الفاعلة في أنفسنا، ولا نتعرّض لنور الهداية الذي ينقدح أحياناً أمام أعيننا؟

فلنطالع القصّتين الآتيتين اللتين اغتنمَ بطلاهما كفاءاتهما وانتهيا إلى النجاح.

١ - العملُ بالفم والأسنان!

هناك شخص اسمهُ السيّد حسن الحسيني، ولِد وهو مصاب بشللٍ في يديه ورجليه، وقد تمكّن بعد أربع سنوات من الجهد المتواصل، من إصلاح الساعات الرقمية بواسطة فَمه وأسنانه، وقد ذَكر في مقابلةٍ لهُ أجراها قسم الأخبار في الإذاعة: إنّه شاهدَ في عام ١٣٦٠ فيلماً سينمائياً بثّه تلفزيون الجمهورية الإسلامية، وكان عنوانهُ( نوريكو ) ، فعقدَ العزم من حينها على ممارسة النشاطات الاجتماعية، والآن - مضافاً إلى تمكّنه من انجاز كافّة أعماله الشخصية من قبيل الكتابة والسواك - يُمكنه أيضاً انجاز أعمال أصعب مثل: إصلاح الساعات الرقمية والطباعة، كما نجحَ في صنع مروحة ومثقاب بواسطة استخدام أسنانه، والاستفادة من يديه كعَتَلة للإسناد، دون أن يُساعده شخصٍ آخر(٢) !

٢ - شاهدتهُ فحصّلتُ السعادة

بعد مضي سنة على زواجي، أُصبتُ بنكبة أضاعت جميع ثروتي، فأخذتُ أنظر إلى الحياة ولا أرى سوى الظلام، وفي أحد الأيام كنتُ أمشي في الشارع على غير هدىً، ولم يكن عندي سوى مئة تومان، فشاهدتُ رجلاً قد فقدَ كلتا رجليه وهو جالس على كرسيه المتنقّل يدفع عَجلاته بيديه، وبعد أن اجتازَ التقاطع ووصلَ إلى رصيف المارّة،

____________________

(٢) صحيفة كيهان: العدد ١٧٨٤٣.

١٧٠

صادفَ هناك صديقاً له فابتسمَ في وجهه، وقال لهُ والحبور يملأ جوانحه: السلام عليكم، إنّهُ صباح جميل! أليس كذلك؟!

فشعرتُ حينها وأنا أنظر إليه بمقدار ثروتي، إذ كنتُ أمتلك رِجلَين، وكان بإمكاني أن أمشي، فخجلتُ من عدم شكري للنعمة، وقلتُ في نفسي: إذا أمكنَ لهذا الرجل أن يكون سعيداً وفرحاً برغم إصابته، فلماذا لا أكون أنا سعيداً؟

وفجأة أحسستُ بالشجاعة والأمل يملآن وجودي، فاقترضتُ مئة ألف تومان من صديقٍ لي جعلتها رأس مالي، فاشتريتُ بها ماكنة خياطة مستَعمَلة وقطعاً من القماش الزائد وخيوطاً وأشرطة، وقمتُ بمساعدة زوجتي بخياطة ملابس للأطفال، وأنا اليوم أمتلك - بفضل تلك الثروة القليلة - مَعملاً لخياطة ثياب الأطفال واستعدتُ النجاح، وأنا حالياً أشكر الله على الدوام؛ لأنّه وضَعَ ذلك الرجل في طريقي.

ب - لنَفتح النوافذ

إنّ الشعور بالذلّ والعجز إذا غدا بسبب الجهل والعناد شعوراً بالضياع وعُقدة الحقارة، يسدّ على الفرد جميع نوافذ الحياة، حتّى يرى كلّ شيء وكلّ شخص عدوّاً لهُ، ويرى العالَم المضيء مظلماً!

وهنا يجدر بمثل هؤلاء المرضى أن يتحرّروا من حصار هذه الأوهام، ويفتحوا نافذة النور المطلّة على العالَم الفسيح والجميل، وينظروا إلى المَشاهد الخلاّبة للطبيعة، ليعود لهم صفاء القلب والأمل.

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( أطلِق عن الناس عُقدة كلّ حِقد، واقطَع عنكَ سبب كُلِّ وتر ) (١) .

وذكر الدكتورب. رامبينسون : ( إذا أيقنَ الإنسان بحقارته وعدم كفاءته، يكون قد حَكمَ على نفسه بالسجن، فيرى نفسه دائماً في منتهى الضَعف، وبما أنّه يرى الآخرين أفضل منه، تراهُ يسير وفقاً لرغبات الآخرين،

____________________

(١) نهج البلاغة: الكتاب ٥٣، وهو المعروف بعهد الأشتر.

١٧١

وبذلك يفرض على نفسه طوقاً آخر، وكم هو مُحزن أن يعيش الإنسان دون أن يدرك حقيقته وحقيقة الآخرين؟ ولا يمكن مُعالجة هذا المرض إلاّ بواسطة ذهن وقّاد ومنفتح، فلسنا ملزَمين بالسماح لذهننا المنغلق أن يصدّنا عن السموّ والتكامل، يمكننا أن ندرس الحياة ونبحث عن المَواطن التي تُعيق تكاملنا، وكلّما يمرّ يوم يمكننا أن نفتح أذهاننا على تجربة جديدة )(١) ، ومن خلال مشاهدة الجمال والنجاح الموجود في رقعة الحياة، نُبادر إلى بلوغ حياة جديدة ونصرٍ جديد.

ج - نعمةُ النسيان!

إنّ استذكار الحوادث المريرة والمؤلِمة في أيّام الطفولة وما بعدها، بمثابة المرض الفتّاك الذي ينتشر سريعاً، فإنّه يُعمّق الكآبة ويُشدّد عُقدة الحقارة، ويجعل صدر الإنسان يغلي كالأتون، ويسلبهُ القدرة على اتخاذ القرار، ويُفقده الأمل والنشاط.

ولكن علينا أن نُدرك أنّ الله سبحانه وتعالى حيث نظّم جميع مصالحنا، فقد ألهمَنا نعمة النسيان أيضاً، لكي نتمكّن بواسطتها من بلوغ الأمل والسكينة.

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ، النعمة في النسيان؛ فإنّه لولا النسيان ما سلا أحد عن مصيبة، ولا انقضت لهُ حسرة، ولا ماتَ له حِقد، ولا استمتعَ بشيء من متاع الدنيا مع تذكّر الآفات ) (٢) .

وعليه: يكون التغافل ونعمة النسيان خطوة مؤثّرة لتسكين الآلام وحلّ العُقد والاضطرابات الروحية، ولكن هل هذا ممكن؟ نعم؛ لأنّ الله قد ألهمَ الإنسان نعمة النسيان،والمهمّ في البين: هو أن يتمكّن الإنسان من الاستفادة من هذه النعمة الكبيرة، وذلك بأن يبذر مزرعة الذهن بالورد والرياحين، ويملأها باللآليء الأفكار السامية والمتعالية، وأن يأخذ بالحسبان ما أشدّ صعوبة في مسار الحياة، وأن يكون على مستوى المسؤولية للاستمرار في الحياة وتحمّل ثقل ذلك، واللجوء إلى قراءة الكتب المناسبة، وتغيير المكان والعمل والحرفة، ومزاولة السفر الترفيهي، للحيلولة دون أن يغدو ذهننا مَسرحاً للأفكار والوساوس الشيطانية؛ لأنّ مثل هذه الأفكار قَمين بأن يُدمّر الحياة ويجعلها حالِكة.

____________________

(١) صحيفة همشهري: ٨ بهمن، العدد ١٧٥٣، ص١٢.

(٢) توحيد المفضّل: ص٧٨، بحار الأنوار: ٣ / ٨١.

١٧٢

د - العلمُ والمعرفة

إنّ ادّخار العلم والمعرفة من الطُرق الأخرى التي تُغيّر رؤية المصابين بعُقدة الحقارة، فإنّ الشباب الذين يَقدِمون على السرقة والأعمال المنافية للأخلاق تنفيساً عن عُقدهم، هم في الغالب من الأميّين، أو الذين أخفقوا في دراستهم الذين يعيشون في ضمن أُسر محرومة من العلم والمعرفة!

إنّ العلم والمعرفة يمنحان الإنسان قدرة الاستفادة من أفكاره للعثور على حلولٍ لمشاكله!

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( العلمُ سلطان، مَن وجدهُ صالَ به، ومَن لم يجدهُ صيلَ عليه ) (١) .

وأيّاً كان، فإنّ العلم والمعرفة يُنيران الذهن ويقومان بدعم الإرادة، حتّى إذا احتدمَ الصراع بين النفس والأوهام الواهية والداعية إلى التنفيس عن العُقد، فإنّ الإنسان سوف يسعى إلى إيجاد الحلول وعلاج نفسه، ويقوم بإخراج الأشواك العالقة في رِجله بتعقّل ورويّة.

أجل، في ظلّ مثل هذا العلم والمعرفة التي تُعدّ حالياً من الطُرق المهمّة لبلوغ السعادة والحياة الطيّبة، يمكن للإنسان أن يستعيد ثقتهُ بنفسه ويُبادر إلى معالجتها.

يقول الدكتور( مارتين شيارد ) بشأن هذا النوع من الطبّ النفسي: ( إنّ هذه الطريقة تهدف بشكلٍ عام إلى أمرين:الوقاية من الألم، ومعالجته بواسطة المصاب نفسه، وأساس ذلك يقوم على شيئين: البدء بالنفس بأن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه والآخرين، وإنّ أكثر الآلام النفسية بما لها من الآثار الفردية والاجتماعية ناتجة عن إهمال هذين الأمرين، إنّ هذه الطريقة تقول: إنّ منشأ جميع الشرور والخيرات راجع إلى الإنسان نفسه، وحيثما يظهر الشرّ يكون من ورائه عدم الصلاح )(٢) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٣٩١، الحديث ٦٠٠.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٧٦٨.

١٧٣

هـ - الجِدّ والعمل

لا تندهشوا إذا اعتبرنا بذل الجُهد والعمل الجسدي أفضل وأكثر الطُرق تأثيراً في معالجة الضَعف والنقص وعُقدة الحقارة؛ ذلك أنّ الخصوصية الأولى للعمل والمجهود الجسدي: هي أنّه يُشغل فكر الإنسان ويجعلهُ مُنهمكاً فيه، حتّى لا يترك له فرصة الحقد والتنفيس عن العُقد.

إنّ العمل مضافاً إلى أنّه يدرّ علينا أرباحاً مادّية ويُنشّط جسمنا، فإنّه يبعث الأمل فينا بحيث يسدّ علينا طُرق التفكير في الانتقام واحتقار الآخرين، ولا يدع لنا فرصة حَمل الضغائن والتنفيس عن العُقد تجاه الآخرين.

وقد قال الدكتور( صموئيل سمايلز ) بشأن القيمة العلاجية لبذل الجُهد والعمل: ( إذا اعتاد الشباب على العمل اليدوي، فإنّهم بذلك سوف يُتقنون صنعة ويضمنون سلامتهم الجسدية، ومضافاً إلى ذلك ينمو في أنفسهم حُبّ العمل والنفور من الكسل، ويَظهر عليهم النشاط والخفّة )(١) .

وعلى كلّ حال؛ فإنّ الاحتياج المادّي يُعدّ أرضية مناسِبة لذلّة الإنسان، ويفتح أمامهُ الطريق إلى تحقير الآخرين، وعلاج ذلك يكمن في العمل الذي يدرّ على صاحبه الأرباح المادّية، ويسدّ لهُ باب تحقير الآخرين.

إنّ( كولين ) الكيميائي الشهير، لم تكن عنده الثياب الكافية حينما كان يذهب إلى المدرسة، إلاّ أنّ بوادر الذكاء عليه جَعلت مُعلّمه يُكثر من الثناء عليه، وفيما بعد اشتغلَ في صيدلية فانتبهَ صاحب الصيدلية إلى قوّة ساعدَيه، فأوكلَ إليه عملية سَحق بعض الأدوية، إلاّ أنّ ذلك أدّى به إلى ترك الدراسة، فاضطرّ إلى ترك العمل وانتقل إلى باريس، إلاّ أنّه مرضَ هناك بسبب البطالة والجوع،

____________________

(١) اعتماد بنفس: ترجمة علي، ص١٩٩.

١٧٤

ولكن بعد أن أُرسلَ إلى المستشفى وتمّ علاجه هناك تعرّف على( فوكروي ) الكيميائي المعروف، والذي ما أن رأى كفاءة( كولين ) حتّى أولاهُ احترامه وتكريمه، وفي آخر الأمر اكتسب كولين مهارة عالية في مادّة الكيمياء، جَعلتهُ يحلّ محلّ أُستاذه بعد وفاته(١) .

كان( اندرو جاكسن ) موضعاً لسخريّة الآخرين بسبب عمله في الخياطة، إلاّ أنّه كان من الدقّة والمهارة وحفظ العهد بمكانٍ، أهّله إلى أن يتولّى فيما بعد منصب رئاسة الجمهورية في( اتاروني ) ، وحينما استمرّ مُنافسوه بالسخريّة منه، قال في بعض خطاباته:لم يكن هناك من بأسٍ في عملي، فقد كنتُ حينها معروفاً على ما أنا عليه حالياً من الكفاءة وأداء الأمانة (٢) .

وكان لي زميل في المدرسة، كان بعض المغرورين من الذين يرون أنفسهم من أبناء الذوات، يسخرونَ منهُ بسبب عمل والده البسيط والمتواضع، إلاّ أنّ ذلك الشابّ لم يعبأ بما كانوا يقولون، وواصلَ دراستهُ حتّى صارَ طبيباً حاذقاً يُشار إليه بالبَنان، وله عيادة حالياً في طهران يُراجعه فيها آلاف المرضى بما فيهم أولئك الذي سَخروا منه.

فالذي نريد قوله هو:إنّ العمل يوجِب الرفعة والشرف، ويراهُ الإسلام عبادة وعزّةً وسموّاً .

وأمّا بشأن اختيار نوع العمل فلابدّ من مراعاة أمرين:

١ - اتّخاذ مهنة الأب

إذا أمكنَ لشخصٍ المُضي على ما كان عليه أبوهُ من صناعة، فسيكون عملهُ أكثر فائدة، وذلك من خلال الالتفات إلى الأرضية الممهّدة، والحفاظ على شؤون الأسرة والظروف الاجتماعية، خاصّةً وأنّ الأب قد قطعَ أشواطاً في تلك الصَنعة، وتحمّل الصِعاب حتّى اكتسبَ التجارب فيها،

____________________

(١) المصدر المتقدّم: ص٢٢ - ٢٦.

(٢) المصدر المتقدّم.

١٧٥

وحصلَ من جرّاء ذلك على ثروة مادّية ومعنوية، هذا مضافاً إلى أنّ أصدقاء والده والمرتبطين به - بشكلٍ من الأشكال - سوف لا يُضنون عليه بالإرشاد والمؤازرة.

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( مَن عملَ عَمَل أبيه، كُفيَ نصف التَعب ) (١) .

٢ - لابدّ دون الشهد من...

وعلى العموم، فإنّ العمل والجدّ من الأمور التي لا تأتي إلى الإنسان طواعية، خاصّةً إذا لم يكن للشخص مهارة فيه، بل على الإنسان أن يسعى وراء العمل من خلال حصوله على المعلومات الكافية، والمثابرة في المجال الذي يريد أن يعمل فيه، وفي الحركة البركة، ومَن جدَّ وجَد وقيل أيضاً:لابدّ دون الشهد من إبر النَحل .

و - جزاءُ الإساءة

يندر أن لا يتعرّض شخص إلى إساءة من قِبل أقربائه، أو غيرهم عمداً أو سهواً، فما الذي ينبغي فعلهُ في مثل هذه الموارد؟ هل من الصحيح أن نَحمل الحِقد والضغينة لمَن أساء لنا ونردّ على الإساءة بمثلها؟

لا شكّ في أنّ الإساءة لا تُثمر سوى الإساءة، وإذا استمرّ ذلك فسيحتلّ مساحة واسعة، وستغدو الحياة منغّصة، إذاً فليس من المعقول أن نُعالج الإساءة بمثلها، فإنّ إضمار الشرّ وردود الفعل التي يراد منها إظهار الغلبة، لا تحلّ المشكلة، بل تزيد من اتّساع رقعة الشرّ، وتشجّع المعتدي على الاعتداء أكثر من خلال سلوكيته في بثّ الخوف والذعر، ليُثبت أنّه أشدّ قسوة وأكثر من تعرّضه أفعاله للعنة الناس وخالقهم!

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( إنّ شرّ الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، مَن يخاف الناس شرّه ) (٢) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، ٢٠ / ٣٣٥.

(٢) كنز العمّال: ٣ / ٥٠٢.

١٧٦

وعلى كلّ حال، فلا ينبغي لأحدٍ أن يوجّه إهانةً إلى أخيه، حتّى لا يؤذيه ويُسبّب له عُقدة الحقارة، ولكن إذا وجّه شخص إساءة إلى أخيه، فلا ينبغي للأخير أن يضمر لهُ الحقد ويتربّص به الدوائر ليقابله بمثل إساءته، وإنّما من أنجح طُرق العلاج وأنفعها:مقابلة الإساءة بالإحسان، قال تعالى في محكم كتابه الكريم:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) (١) .

ولذا فمن أجل التقليل من التحقير والتوهين ورفع النواقص والتخلّفات ومعالجة عُقدة الحقارة، لابدّ من العلم بأنَّ أيّاً من إضمار الحقد والجريمة وردود الفعل السلبية سوف لا تجلب نفعاً، بل ستزيد من حجم المشكلة وتعقيدها، بل تسدّ طريق الحياة أحياناً، وإنّما لعلاج ذلك ينبغي اللجوء إلى النظر إلى الأمور بواقعية مصحوبة بالأمل، ونسيان الذكريات المرّة، والتسلّح بسلاح العلم والمعرفة وإشباع الذهن بالأفكار الايجابية السامية، وانجاز الأعمال الجسديّة الممتعة والنافعة، ومقابلة الإساءة بالإحسان بُغية القضاء على عُقدة الحقارة، وإذا كانت المشكلة أعمق بحيث لم يمكن معالجتها بالشكل العادي، واضطربت السلسلة العصبية بشكلٍ وخيم، فلابدّ حينها من مراجعة الطبيب المختصّ، إلاّ أنّ أفضل الطُرق وأقلّها كُلفة وأكثرها تأثيراً لمعالجة عقدة الحقارة، هو ما تقدّم أن ذكرناه في هذا المقال.

____________________

(١) سورة المؤمنون: الآية ٩٦.

١٧٧

(٢٢)

الزواجُ المدروس

إنّ الاقتران العاطفي والمتناغِم بين الرجل والمرأة - الذي يهدف لسدّ الحاجة الجنسية والنفسية، ويحقّق الشعور بالطمأنينة، وينتهي إلى تكثير النسل - هو ما ندعوه بعَقد الزواج.

إنّ الزواج القائم في نظام الخلقة وعالَم الوجود بهدف استمرار الحياة، هو سنّة فطرية وغريزية، يُعدّ التخلّف عنها تخلّفاً عن المسار الطبيعي لنظام الخلقة.

ولا نرى ضرورة للبحث عن أهمية الزواج في المجتمع؛ ذلك أنّ الشباب والمسؤولين في المجتمع والآباء والأمّهات يدركون جميعاً ضرورة الاقتران، وأهميّته في تحقيق الحياة المستقرّة السليمة، ويعتقدون بأنّ الامتناع عن الزواج مُخالَفة لسنّة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )؛ وذلك لأنّه ( صلّى الله عليه وآله ) يقول:( مَن أحبّ أن يتّبع سُنّتي، فإنّ من سنّتي التزويج ) (١) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( رَكعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها أعزب ) (٢) .

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٣٢٩.

(٢) روضة المتقين: ٨ / ٨٦.

١٧٨

وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أيضاً:( مَن تزوّج فقد أحرزَ نصفَ دينه، فليتقِ الله في النصف الآخر ) (١) .

وقال( سيلفانوس استال ) عالِم الأحياء الفرنسي الشهير: ( إنّ الرجل الذي لا يتزوّج لا يُعدّ مخطئاً في حقّ نفسه فحسب، بل هو يَحكم أيضاً على فتاة بأن تعيش على انفرادٍ، هي بحاجة إلى عون الرجل وعطفه وحنانه )(٢) .

ولكن للأسف الشديد، فإنّ الإحصائيات المنشورة في الصُحف تقول: في الأشهر الثلاثة الأولى من عام ١٣٧٤ هجري شمسي، تمّ تسجيل ١٢٥٠٧٥ حالة زواج، ولكن في عام ١٣٧٥ تشير الإحصائيات إلى انخفاض حالات الزواج في المدّة المشابهة، وارتفاع نسبة الطلاق في المدّة نفسها من عام ١٣٧٦، كما سُجّلت حوالي ١٤٢٢٥٥ حالة زواج، و٧٧٢١ حالة طلاق في الأشهر الأربعة الأولى من عام ١٣٧٧ هجري شمسي(٣) .

فإنّ انخفاض حالات الزواج وارتفاع نسبة الطلاق، وارتفاع سنّ الزواج بين الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي، أمرٌ يدعو إلى القلق، ولابدّ من التفكير في معالجته بشكلٍ جذري.

هناك عدّة أسباب لانخفاض الزواج وارتفاع حالات الطلاق كالظروف الثقافية والاقتصادية، وهو ما سنبحثهُ في هذا الفصل وما يليه، ولكنّنا نقترح على الذين تجاوزوا العَقبات المادّية - التي تحول دون زواجهم - أن يُحدّدوا غايتهم من الزواج، والخصوصيات التي يتوخّونها في شريك حياتهم، وأن يأخذوا بنظر الاعتبار مطالبهم المشروعة ويفكّروا فيها جيّداً.

وفي المرحلة الثانية، لابدّ لأسرة الزوج والزوجة أن يكونوا على معرفة تامّة؛ وذلك لأنّ عدم المعرفة أو المعرفة السطحية والظاهرية والعابرة لا تُجدي شيئاً، بل هي مضرّة وخطيرة أحياناً.

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٣٢٩.

(٢) آنجة يك جوان بايد بداند: ص١٧٠.

(٣) صحيفة إيران: العدد ١٥٥، وهمشهري: العدد ١٠٤٤ و ١٦٢٩.

١٧٩

طُرق المعرفة

قلنا: إنّ المعرفة العابرة والسطحية لا تفي بالزواج السالم الذي يُراد له الدوام، فإذا لم تكن بين الأسرتين قرابة أو جِوار أو شراكة عمل، فلابدّ من التمهّل واجتناب التسرّع - وإن كان خيرُ البرّ عاجلهُ - ليتمَّ التعرّف على شرف العائلة ودينها، وأخلاقها وثقافتها ووضعيتها الاقتصادية، وذلك باتّباع الطُرق الآتية:

١ - إنّ العشيرة والأقرباء الصالحين طريق إلى المعرفة اللازمة.

٢ - يمكن للشركاء في العمل والمدرسة والأساتذة أن يكونوا مصادر مفيدة في المعرفة.

٣ - ويمكن أحياناً للجار أن يكون مفيداً من هذه الناحية إذا كان صاحب تجربة ولم يكن متّهماً.

وفي جميع هذه الموارد التي نسمّيها بالاستفسار أو المشاورة، لابدّ من مراعاة النقاط الآتية بشكلٍ دقيق:

أ - التأكّد من سلامة وأمانة مَن نستشيرهم.

ب - إذا أيقنّا بأمانتهم فلابدّ لنا من مصارحتهم بما نريد الإقدام عليه.

ج - على الذين يقعونَ طرَفاً للاستشارة - على الخصوص في مسألة الزواج - أن يكونوا صادقين حافظين للأسرار، وأن يتجنّبوا هتك الآخرين وإظهار عيوبهم؛ وذلك لأنّ أسرار الآخرين أمانة في أعناقنا وكما وردَ عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، فإنّ إظهارها يُعدّ خيانة(١) .

د - علينا أن نلتفت - على الخصوص في الظروف الراهنة من حياة المُدن - إلى أنّ تحصيل المعرفة بالنسبة إلى طرَفي الزواج، يحضى بأهمية قصوى من الناحية العرفية والعقلائية، وعلى الخصوص الدينية، فلابدّ من التحقيق بشأن هذه الأمور بشكلٍ كامل.

____________________

(١) بحار الأنوار: ٧٤ / ١٨٩.

١٨٠

2 - حواره مع أصحاب الأديان

قال الحسن بن محمد النوفليّ: لمّا قدم علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحّب بهم المأمون.

ثم قال لهم: إني إنّما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليَّ ولا يتخلّف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكّرون إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولّى أمر أبي الحسنعليه‌السلام فقال: يا سيدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا تتجشّم وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك

١٨١

بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمّد النوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس - والله - ما بنى.

فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء وذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، وإن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحّح وحدانيّته وإن قلت: إن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجّته، ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك.

قال: فتبسّمعليه‌السلام ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟

قلت: لا والله ما خفت عليك قطّ وإنّي لأرجو أن يظفرك الله لهم إن شاء الله.

فقال لي: يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم.

قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزّبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الرّوم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كلّ صنف ودحضت حجّته وترك مقالته ورجع إلي قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟

فقال الرضاعليه‌السلام : تقدمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم، توضأعليه‌السلام

١٨٢

وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثمّ خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله ومحمّد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقوّاد حضور.

فلما دخل الرضاعليه‌السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم فما زالوا وقوفاً والرضاعليه‌السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلاً عليه يحدّثه ساعة، ثم التفت إلى الجاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمّي علي بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه.

فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلاً يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره ونبيّ لا أؤمن به؟

فقال له الإمام الرضاعليه‌السلام : يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟!

قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله أقرّ به على رغم أنفي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك وافهم الجواب.

قال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسىعليه‌السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئاً؟

قال الرضاعليه‌السلام : أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أمته وأقرّ به الحواريون وكافر بنبوّة كل عيسي لم يقرَّ بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكتابه ولم يبشّر به أمته.

قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟

قال: بلى.

قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوّة محمد ممّن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.

قال الرضاعليه‌السلام : الآن جئت بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند

١٨٣

المسيح عيسى بن مريم؟

قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي؟

قال: ما تقول في يوحنا الدّيلمي.

قال: بخ بخ ذكرت أحبّ الناس إلى المسيح.

قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشّرني به إنه يكون من بعده، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟!

قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه ولم يلخّص متى يكون ذلك ولم يسمّ لنا القوم فنعرفهم.

قال الرضاعليه‌السلام : فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمّد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟

قال: شديداً.

قال الرضاعليه‌السلام لقسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟

قال: ما أحفظني له.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟!

قال: بلى لعمري.

قال: فخذ على السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمّد وأهل بيته وأمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي.

ثم قرأعليه‌السلام السّفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف، ثم قال: يا نصراني، إني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمّد وأهل بيته وأمته ثم قال: ما تقول يا نصرانيّ؟ هذا قول عيسى بن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسىعليهما‌السلام ومتى أنكرت هذا الذّكر وجب عليك القتل لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك.

١٨٤

قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به.

قال الرضاعليه‌السلام : اشهدوا على إقراره. ثم قال: يا جاثليق، سل عمّا بدا لك.

قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم، وعن علماء الإنجيل كم كانوا.

قال الرضاعليه‌السلام : على الخبير سقطت، أمّا الحواريون فكانوا اثنى عشر رجلاً وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا.

وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بأج، ويوحنّا بقرقيسيا، ويوحنّا الدّيلمي بزجان، وعنده كان ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر أهل بيته وأُمته وهو الذي بشر أُمة عيسى وبني إسرائيل به، ثم قالعليه‌السلام : يا نصراني، والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ننقم على عيساكم شيئاً إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.

قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.

قال الرضاعليه‌السلام : وكيف ذلك؟

قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفاً قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قطّ، ولا نام بليل قطّ، ومازال صائم الدّهر، قائم الليل.

قال الرضاعليه‌السلام : فلمن كان يصوم ويصلي؟

قال: فخرس الجاثليق وانقطع.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني! إني أسألك عن مسألة.

قال: سل فإن كان عندي علمها أجبتك.

قال الرضاعليه‌السلام : ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عَزَّ وجَلَّ؟

قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، إنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه

١٨٥

والأبرص فهو ربّ مستحق لأن يعبد.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم يتّخذه أُمته رباً ولم يعبده أحد من دون الله عَزَّ وجَلَّ، ولقد صنع حزقيل النبيعليه‌السلام مثل ما صنع عيسى بن مريمعليه‌السلام فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستّين سنة.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت، أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة أختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدّس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عَزَّ وجَلَّ إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلاّ كافر منكم.

قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه.

قال: صدقت. ثم قالعليه‌السلام : يا يهوديّ، خذ على هذا السفر من التوراة فتلاعليه‌السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل يهودي يترجّح لقراءته ويتعجّب.

ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟

قال: بل كانوا قبله.

قال الرضاعليه‌السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجّه معهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك، يا فلان و يا فلان و يا فلان، يقول لكم محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوموا بإذن الله عَزَّ وجَلَّ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم.

ثم أخبروهم أنّ محمّداً قد بعث نبيّاً، وقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد ابرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلّمه البهائم، والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربّاً من دون

١٨٦

الله عَزَّ وجَلَّ ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتّخذتم عيسى رباً جاء لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربّاً لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره، أنّ قوماً من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت.

فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميماً، فمرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله إليه: أتحبّ أن أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا ربّ، فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه أن نادهم.

فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عَزَّ وجَلَّ فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم إبراهيمعليه‌السلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهنّ قطعاً ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزءً، ثم ناديهن فأقبلن سعياً إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته.

فقال لهم: إني لم أره. فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيداً، فقال: يا ربّ اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم وارجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منّا، فأحياهم الله عَزَّ وجَلَّ من بعد موتهم.

وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّاً من دون الله، فاتّخذ هؤلاء كلّهم أرباباً، ما تقول يا نصراني؟

قال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلاّ الله.

ثم التفتعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهوديّ أقبل عليَّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمرانعليه‌السلام ، هل تجد في التوراة مكتوباً نبأ محمّد وأُمته

١٨٧

إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جداً جداً تسبيحاً جديداً في الكنائس الجدد، فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم فإنّ بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض. هكذا هو في التوراة مكتوب؟!

قال رأس الجالوت: نعم إنّا لنجده كذلك.

ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً.

قال الرضاعليه‌السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر.

فقالا: قد قال ذلك شعيا.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إني ذاهب إلى ربّي وربّكم والفار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء وهو الذي يبدي فضائح الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر؟

فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً ممّا في الإنجيل إلاّ ونحن مقرّون به.

فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً يا جاثليق؟!

قال: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟

قال له ك ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوماً واحداً حتى وجدناه غضّاً طريّاً فأخرجه إلينا يوحنّا ومتي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : ما أقلّ معرفتك بسرّ الإنجيل وعلمائه، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟ إنّما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنّه لمّا افتقد الإنجيل الأوّل

١٨٨

اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريمعليه‌السلام وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟

فقال لهم لوقا ومرقابوس: إنّ الإنجيل في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفراً سفراً في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلّوا الكنائس، فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفراً سفراً حتّى نجمعه لكم كلّه، فقعد لوقاء ومرقابوس ويوحنّا ومتي ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأوّل وإنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأوّلين، أعلمت ذلك؟

قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حقّ فاستزدت كثيراً من الفهم.

فقال له الرضاعليه‌السلام : فكيف شهادة هؤلاء عندك؟

قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل وكلّ ما شهدوا به فهو حقّ.

فقال الرضاعليه‌السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا.

ثم قال للجاثليق: بحقّ الابن وأمه هل تعلم أنّ متي قال: إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن خضرون، وقال مرقابوس: في نسبة عيسى بن مريم: إنه كلمة الله أحلّها في جسد الآدمي فصارت إنساناً، وقال الوقا: إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس.

ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه، حقّاً أقول لكم يا معشر الحواريين إنّه لا يصعد إلى السماء إلاّ ما نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء، فإنّه يصعد إلى السماء وينزل، فما تقول في هذا القول؟

قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره.

١٨٩

قال الرضاعليه‌السلام : فما تقول في شهادة الوقا، ومرقابوس ومتي على عيسى وما نسبوه إليه؟

قال الجاثليق: كذبوا على عيسى.

قال الرضاعليه‌السلام : يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حقّ؟

فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني، عمّا بدالك؟

قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت الرضاعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟

قال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلاّ من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.

فقال الرضاعليه‌السلام : لا تقبل منّي حجة إلاّ بما تنطق به التوراة، على لسان موسى بن عمران، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم، والزبور على لسان داود.

فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوّة محمد؟

قال الرضاعليه‌السلام : شهد بنبوّته (صلّى الله عليه وآله) موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض.

فقال له: أثبت قول موسى بن عمران.

قال الرضاعليه‌السلام : هل تعلم يا يهوديّ أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم فيه فصدّقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيمعليه‌السلام ؟

فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه.

١٩٠

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد (صلّى الله عليه وآله).

قال: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : أوليس قد صحّ هذا عندكم؟!

قال: نعم ولكنّي أحب أن تصحّحه لي من التوراة.

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل تنكر أن التوراة تقول لكم: جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.

قال الرضاعليه‌السلام : أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النّور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسىعليه‌السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير، فهو الجبل الذي أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام وهو عليه، وأما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران، فذلك جبل من جبال مكّة بينه وبينها يوم.

وقال شعيا النبيعليه‌السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما راكب على حمار، والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟!

قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبّرني بهما.

قالعليه‌السلام : أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما راكب الجمل، فمحمد (صلّى الله عليه وآله) أتنكر؟ هذا من التوراة، قال لا، ما أنكره.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : هل تعرف حيقوق النبي؟ قال: نعم إنّي به لعارف، قالعليه‌السلام فإنّه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأُمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدّس - يعني بالكتاب القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به؟

١٩١

قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوقعليه‌السلام ولا ننكر قوله.

قال الرضاعليه‌السلام : وقد قال داود في زبوره وأنت تقرأ: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبياً أقام السنّة بعد الفترة غير محمد (صلّى الله عليه وآله)؟

قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيّامه هي الفترة.

قال الرضاعليه‌السلام : جهلت أنّ عيسى لم يخالف السنّة وقد كان موافقاً لسنّة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرّة ذاهب والفارقليطا جاء من بعده وهو الذي يخفّف الآصار، ويفسّر لكم كلّ شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال: نعم لا أنكره.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران؟

فقال: سل.

قال: ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟

قال اليهوديّ: إنّه جاء بما لم يجيء به أحد من الأنبياء قبله.

قال له: مثل ماذا؟

قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حيّة تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها.

قال له الرضاعليه‌السلام : صدقت إذا كانت حجة على نبوّته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟

قال: لا؛ لأن موسى لم يكن له نظير لمكانته من ربّه، وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به.

١٩٢

قال الرضاعليه‌السلام : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسىعليه‌السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى؟!

قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاءوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بما لم يجيء به موسى، أركان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم، وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله؟

قال رأس الجالوت: يقال إنّه فعل ذلك ولم نشهده.

قال له الرضاعليه‌السلام : أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟! أليس إنّما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك.

قال: بلى.

قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى.

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : وكذلك أمر محمد (صلّى الله عليه وآله) وما جاء به وأمر كلّ نبي بعثه الله ومن آياته أنه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً لم يتعلّم كتاباً ولم يختلف إلى معلّم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً وأخبار من مضى ومن بقى إلى يوم القيامة.

ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى.

قال رأس الجالوت: لم يصحّ عندنا خبر عيسى ولا خبر محمّد ولا يجوز لنا أن نقرّ لهما بما لم يصحّ.

١٩٣

قال الرضاعليه‌السلام : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد (صلّى الله عليه وآله) شاهد زور.

فلم يحر جواباً.

ثم دعاعليه‌السلام بالهربذ الأكبر فقال له الرضاعليه‌السلام : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجّتك على نبوّته؟

قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده، ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه.

قالعليه‌السلام : أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟!

قال: بلى.

قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون، وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم، إذ كنتم أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة، بأنّه جاء بما لم يجيء به غيره؟!

فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا قوم إن كان فيكم أحدٌ يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً في المتكلمين فقال: يا عالم الناس لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته أفتأذن لي أن أسألك؟

قال الرضاعليه‌السلام : إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو!

فقال: أنا هو.

فقالعليه‌السلام : سل يا عمران وعليك بالنصفة وإيّاك والخطل والجور!

قال: والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلّق به فلا أجوزه.

١٩٤

قالعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك، فازدحم عليه الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض.

فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق.

قالعليه‌السلام : سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك ثمّ خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حدّه ولا على شيء حذاه ولا مثّله له.

فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافاً وائتلافاً وألواناً وذوقاً وطمعاً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً، تعقل هذا يا عمران؟

قال: نعم والله يا سيدي.

قالعليه‌السلام : واعلم يا عمران! أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل ولا نقمةٍ منه على من أذلّ، فلهذا خلق.

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد علم منها، أفهمت ياعمران؟

قال: نعم والله يا سيدي فأخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّاً من أن تجعل لذلك الضمير حداً ينتهى إليه المعرفة؟!

١٩٥

قال عمران: لابدّ من ذلك.

قال الرضاعليه‌السلام : فما ذلك الضمير؟

فانقطع ولم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، إن سألتك عن الضّمير نفسه تُعرّفُه بضمير آخر؟!

ثم قال الرضاعليه‌السلام : أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صواباً.

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه؟ كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يتكوّن؟

قالعليه‌السلام : قد سألت فافهم إنّ حدود خلقه على ستّة أنواع: ملموس وموزون ومنظور إليه، وما لا وزن له، وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حسّ ولا ذوق والتقدير، والأعراض، والصور والعرض والطول، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها وتغييرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها.

وأما الأعمال والحركات فإنّها تنطلق لأنّها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرق من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.

قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق.

قال الرضاعليه‌السلام : يتغير عَزَّ وجَلَّ بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.

قال عمران: فبأي شيء عرفناه.

قالعليه‌السلام : بغيره.

قال: فأي شيء غيره؟

١٩٦

قال الرضاعليه‌السلام : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر.

قال عمران: يا سيدي فأيّ شيء هو؟

قالعليه‌السلام : هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك عليَّ أكثر من توحيدي إيّاه.

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضاعليه‌السلام : لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إنّ السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وإنّما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك.

قال عمران: يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أن الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار تغير نفسها؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره؟

قال عمران: لم أرَ هذا، ألا تخبرني أهو في الخلق أم الخلق فيه.

قال الرضاعليه‌السلام : جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلّمك وتعرفه به، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟! فان كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك؟

قال عمران: بضوء بيني وبينها.

فقال الرضاعليه‌السلام : هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر ممّا تراه في عينك؟

قال نعم.

١٩٧

قال الرضاعليه‌السلام : فأرناه؟ فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ودلّ المرّاة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى.

ثم التفتعليه‌السلام إلى المأمون قال: الصلاة قد حضرت.

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي.

قال الرضاعليه‌السلام : نصلّي ونعود، فنهض ونهض المأمون، فصلّى الرضاعليه‌السلام داخلاً وصلّى الناس خارجاً خلف محمد بن جعفر، ثم خرجاً، فعاد الرضاعليه‌السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران.

قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عَزَّ وجَلَّ هل يوحد بحقيقة أم يوحد بوصف؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّ الله المبدئ الواحد الكائن الأوّل، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه لا معلوماً ولا مجهولاً، ولا محكماً ولا متشابهاً، ولا مذكوراً ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشيء قام ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء وما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أنّ الإبداع والمشيّة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيّته الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء ودليلاً على كلّ مدرك وفاصلاً لكلّ مشكل. وتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حقّ وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهي ولا وجود لأنها مبدعة بالإبداع، والنّور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض.

١٩٨

والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عَزَّ وجَلَّ، علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على اللغات السريانيّة، والعبرانيّة، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً.

فأمّا الخمسة المختلفة فتحجج لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثمّ جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلاً منه كقوله عَزَّ وجَلَّ:( كُنْ فَيَكُونُ ) وكن منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عَزَّ وجَلَّ الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حسّ.

والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوساً ملموساً ذا ذوق منظوراً إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنّه ليس قبله عَزَّ وجَلَّ شيء، ولا كان معه شيء والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدلّ على غير أنفسها.

قال المأمون: وكيف لا تدلّ على غير أنفسها؟ قال الرضاعليه‌السلام : لأن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألّف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فرداً فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفاً وجعلتها اسماً وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.

١٩٩

قال الرضاعليه‌السلام : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حدّ لغير محدود، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا.

ولكن يدلّ على الله عَزَّ وجَلَّ بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدلّ عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن ولا لمس كفّ ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدلّ عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلو لا أنّ ذلك كذلك لمكان المعبود الوحد غير الله تعالى، لأنّ صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني.

قال الرضاعليه‌السلام : إياك وقول الجهّال أهل العمى والضلال الذي يزعمون أن الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عَزَّ وجَلَّ نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقّ من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عَزَّ وجَلَّ:( وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلاً ) يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة.

وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا يكون إلاّ بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً، لأنّ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214