ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب0%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد الصادقي
الناشر: ناظرين
تصنيف: الصفحات: 214
المشاهدات: 149622
تحميل: 8249

توضيحات:

ما يحتاجه الشباب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149622 / تحميل: 8249
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقد وردَ في الحديث: ( إنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) إذا أراد أن يتزوّج امرأة بعثَ مَن ينظر إليها ويقول للمبعوثة:شمّي ليتها ( أي: صفحة عُنقها )، فإن طابَ ليتها طاب عرفها ) (١) .

مقدّماتُ الخطوبة

بعد أن نحصل على مجموعة من المعلومات النسبية لابدّ من الدخول في مقدّمات الخطوبة، أو الخطوبة عن طريق غير مباشر، وذلك بتوسيط الصالحات من النساء المجرّبات، أو كبار الأسرة من ذوي التجارب، أو غيرهم من المعروفين بالأمانة والعلم والصلاح، من أجل الحوار لحصول على الموافقة المبدئية والتزاور.

وبديهي أنَّ هؤلاء الوسطاء إذا كانوا من ذوي الخبرة والمخلِصين، فهم خير وسيلة لتعريف كلّ من الأسرتين بالأخرى، ويمكنهم أن يبيّنوا أهمّ خصوصيات الأسرتين بشكلٍ صريح، مع تجنّب الإفراط والتفريط، بنحوٍ أفضل من الوالدين.

وفي مثل هذه الصورة إذا حصلَ اتفاق على الخطوبة المباشرة، أو طلَبَت المهلة للتفكير والمشاورة، ستأخذ المسألة مجراها الطبيعي.

وأمّا إذا لم يحصل توافق، فسوف لا تستتبع المسألة ردود فعل سيّئة.

 أثناءُ الخطوبة

وفي أثناء الخطوبة لابدّ من مراعاة التشريفات العقلائية، وعلى ذوي النفوذ من أفراد الأسرتين أن يبيّنوا مطالب وشروط الأسرة بشكل واضح وصريح بلسان العقل والمنطق، حتّى إذا حدثَ خلاف في مسألة أمكنَ حلّه عن طريق التفاهم، وإذا لم يحصل اتفاق تُحسَم مسألة الخطوبة وتُعتبر لاغية؛ للحيلولة دون الوقوع في أضرار أخرى.

____________________

(١) فهرست الغُرر والدرر للآمدي: ص١٨٣.

١٨١

أجل، من الضروري جدّاً مراعاة الحوار للحصول على معرفة كافية بالنسبة إلى الخصوصيات الأخلاقية والسلوكية، والتناسب السنّي والفكري والمادّي والثقافي لإقرار زواج ناجح ومُحكم، وإن استغرقَ ذلك وقتاً وجُهداً طويلاً.

وعلى كلّ حال، فلأجل أن نحصل على المعرفة والقناعة العقلائية والمدروسة للحيلولة دون بروز المشاكل اللاحقة، لابدّ من مراعاة الأمور الثلاثة الآتية:

أ - الالتزامات الأخلاقية

مع أنّ الشروط والالتزامات تُسجّل في عَقد الزواج، وبذلك يكون كلّ واحد من الطرفين مُلزماً بأدائها، إلاّ أنّه لابدّ أيضاً لكلّ من الطرَفين أن يَذكر شروطه بشأن مكان السكن واختيار المِهنة والاستمرار فيها، والمسائل المتعلّقة بالمهر وسائر الموازين الحقوقية والأخلاقية؛ لأنّ هذه الأمور تؤدّي لوقوع الزواج عن بصيرة، ويكون الطرفان مُلزَمين بأداء ما التزما به، وقد جاء عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قوله:( المسلمون عند شروطهم ممّا وافقَ كتاب الله عزّ وجل ) (١) .

ب - الرؤية والحوار

ولحصول المعرفة أكثر ولكي لا يتمّ الزواج من غير دراسة وتدبّر، لابدّ لكلّ من الفتى والفتاة أن يرى أحدهما الآخر، بعد إعداد جميع مقدّمات الزواج تحت إشراف الوالدين وطبقاً للموازين الدينية، فيتحدّثان مع بعضهما ويذكران شروطهما بشكلٍ مباشر بعيداً عن العواطف السطحية ليحصل التفاهم والتوافق.

وعلينا أن نلتفت إلى أنّ أهمية الزواج تقضي بجواز نظرَ الطرفين كلّ للآخر، دون شهوة وريبة إذا لم يكونا على علم بخصوصيات بعضهما، على الخصوص بالنسبة إلى الشابّ الذي تكون فرصة النظر لديه أقلّ، فيمكنه أن ينظر إلى وجهها وشَعرها ويَدها وسائر ما يظهر منها.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١٢ / ٣٥٢، كتاب التجارة: الباب ٦ من أبواب الخيار.

١٨٢

عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ): الرجل يريد أن يتزوّج المرأة، يجوز لهُ أن ينظر إليها؟ قال:( نعم، وتُرقّق لهُ الثياب؛ لأنّه يريد أن يشتريها بأغلى ثمن ) (١) .

ج - تجنّبُ الإكراه

وممّا يجدر الالتفات إليه جيّداً أنّ على الأولياء أن لا يكرهوا أولادهم على الزواج إن لم تكن لهم رغبة فيه؛ لأنّ مثل هذا الزواج لا ينسجم مع الطريقة المتّبعة للرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله )؛ فإنّه ( صلّى الله عليه وآله ) بعد أن ردّ الخاطبين غير الأكفّاء، حينما تقدّم الإمام علي ( عليه السلام ) لخطبة فاطمة ( عليها السلام )، فبرغم أنّ هذا الزواج كان مرصوداً من قِبل السماء، إلاّ أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) علّق الأمر على رضا فاطمة ( عليها السلام )(٢) .

وقد وردَ في كُتب التاريخ: أنّ خدام بن خالد الأنصاري أراد أن يزوّج ابنتهُ ( الخنساء ) من رجل، إلاّ أنّ الخنساء لم تكن راضية به، فرفعت شكواها إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فأعطاها الحقّ في رفضها(٣) .

هذا، مضافاً إلى ما رأيناه من التَبعات المأساوية المترتّبة على الزواج الذي يحصل بفعل ضغط الوالدين، والتي تُحتّم علينا أن نتجنّب الإكراه.

أجل، إنّ الدقّة والتحقيق في مسألة الزواج من وجهة نظر الإسلام؛ لأجل استحكام الزواج وثباته والحيلولة ما أمكن دون الوقوع في الغفلة، والانخداع الناشئ عن الهجرة الواسعة واتّساع حياة المُدن.

ولأجل الوصول إلى زواج وثيق وناجح لابدّ من مراعاة شرطين أساسيين وهما:( المعرفة والصِدق ) ، فإذا راعينا هذين الشرطين فسوف نحول دون وقوع الكثير من عمليات الخداع، والحوادث المأساوية التي لا يمكن تلافيها أحياناً.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١٤ / ٦١.

(٢) بحار الأنوار: ٤٣ / ٩٣ و ١١٢، ذخائر العُقبى: ص٢٩.

(٣) أُسد الغابة: ٥ / ٤٤١، تنقيح المقال: ٣ / ٧٧.

١٨٣

ولكي نلتفت إلى الأضرار المترتّبة على عدم المعرفة والصدق، والخداع وإلحاق الضرر بالآخرين في مسألة الزواج، ولكي يعي الأبناء - وعلى الخصوص البنات - الأضرار التي لا يمكن تداركها، التي تنتج عن عدم المعرفة الكافية وعدم الصدق اللازم، فيتدبّروا ويستفيدوا من تجارب الوالدين والأقرباء نستعرض الحادثَين التاليين:

١ - أضرارُ عدم المعرفة

نقرأ في الأخبار: في النصف الأوّل من عام ١٣٧٥ ارتفعت نسبة الزواج إلى ١٢%، والطلاق إلى ٩، ١٧% بالقياس إلى المدّة المشابهة من السنة الماضية، ويُعزى سبب ارتفاع نسبة الطلاق إلى انعدام الوعي واليقظة والتلاعب بالأحاسيس والعواطف، وعدم التريّث وانعدام المعرفة اللازمة(١) .

وجاء في تقرير آخر:

وافقت عائلة( زيلا ) الجامعية التي تقطن في إحدى المحافظات، على زواجها من( فريدون ) الساكن في طهران، بسبب عدم المعرفة وخداع الأقارب، وحينما اكتشفت فيما بعد أنّ الزوج عاطل عن العمل ولم يُكمل الابتدائية، قاموا بنقل الأثاث الذي جاؤوا به وأرجعوهُ من طهران إلى المحافظة بواسطة الشاحنة، وعلى حدِّ تعبير الزوج: افتضحنا أمام الناس وانهارت مراسم الزواج، واشتكت عائلة العروس وأُرسل الزوج إلى السجن، وحُكمَ عليه بدفع ثلاثة ملايين تومان هي نصف المهر(٢) .

وعلى كلّ حال، فقد قرأنا الكثير من هذه النماذج في الصُحف وشاهدنا بعضها أحياناً، ولكن ماذا يتعيَّن علينا فعله للحيلولة دون حدوث مثل هذه الفضائح والأضرار؟ ليس هناك طريق إلى ذلك سوى الصدق والأمانة وتجنّب الكذب والخديعة، على الخصوص إذا دقّقنا في هذه الحادثة الثانية:

____________________

(١) صحيفة سلام: العدد / ١٦٤٢.

(٢) صحيفة كيهان: العدد ١٥٤٧٥.

١٨٤

٢ - أضرارُ عدم الصدق

يُعدّ عدم الصدق والصلاح واحداً من الأمراض الاجتماعية، ومن الأسباب الخطيرة التي تحول دون تقدّم الحياة، إنّ هذا الأسلوب القبيح ( الكذب والخداع ) لهُ تأثير تخريبي فضيع على الزواج.

يرى الخبراء في ( مسائل الأسرة ) على أساس دراستهم لملفات الاختلافات العائلية، أنّ أهمّ عامل للطلاق في إيران هو:انعدام الصدق قبل الزواج (١) .

وتذكُر الصُحف أحياناً حوادث بشأن عدم الصدق تتجاوز الحدّ العادي، وتتّخذ صبغة الاحتيال والخداع والخيانة والانحطاط الأخلاقي، وتصلح أن تكون مدعاة إلى الاعتبار والتدبّر.

جاء في خبرٍ تحت عنوان( الخطيب الكاذب يُحكم عليه بالسجن مدّة سنتين ) : بعد أن أجرت أسرة الفتاة تحرّيات بشأن الشابّ الذي تقدّم لخطبة البنت مدّعياً أنّه ضابط طيّار، أثبتَت تحرّياتهم أنّه كاذب مُحتال، فحُكمَ عليه بالسجن سنتين بتهمة الاحتيال في الزواج(٢) .

ونقرأ بشأن المدعوّ( سعيد ) الذي انتحلَ صفة مهندس طُرق وعمران، واحتالَ على عوائل خمسة عشرة فتاة: أنّه كان يأخذ مبالغ طائلة بذريعة إقامة مراسم العقد وشراء المستلزمات الضرورية، بعد إبرازه عدداً من الشيكات المزيّفة، وبعد انكشاف أمرهُ شكتهُ العوائل المتضرّرة، وأودِعَ السجن بحكم المحكمة العامّة ( يافت آباد ) في طهران(٣) .

وجاء في تقرير آخر تحت عنوان( ١٦ سنة من الانتظار ) : إنّ المدعوّة( آسية ) التي تَحمل شهادة الماجستير في التمريض، والتي لها من العمر حالياً ٤٦ سنة، قد تقدّم لخطبتها قبل سبع عشرة سنة شخص اسمهُ( عبد الحميد ) ، وبحجّة الاحتياج الشديد إلى مليون تومان طلبَ من عائلة المرأة أن تبيع بيتها وذَهبها،

____________________

(١) صحيفة القدس: العدد ٢٧٣٢.

(٢) المصدر المتقدّم: العدد ٢٩٩٨.

(٣) صحيفة خبر: العدد ٤٦٢.

١٨٥

 وبعد أن أخذَ النقود وحدّد تاريخ إقامة مراسم العَقد اغتنمَ الفرصة يوم العقد، حيث كان مئات الأشخاص حاضرين في مجلس العَقد، وكانت العروس في ثياب زفافها البيضاء وكان الجميع في انتظاره، وتوجّه نحو أوربا! تقول آسية: انتظرتُ سنوات لعلّه يعود، ولم أقنع بما قاله والداي ونصيحتهما لي بقطع الأمل عن هذا الشخص المحتال، واستمرّ هذا الانتظار ستّة عشر سنة، حتّى وصَلني نبأ زواجه من امرأة أوربية، فجئتُ إلى المحكمة لأُطالب بمطاردة هذا المحتال وإنزال العقوبة به(١) !

المدعوّة( فتانة. ص ) لها من العمر ٢٦ سنة، وتحمل شهادة الماجستير في الإدارة التجارية، وقد راجَعت شركة الصنائع الغذائية للحصول على عمل، وهناك وقَعت ضحيّة تخطيط واحتيال مدير الشركة البالغ من العمر ٥٤ سنة، حيث حُكمَ عليها بالسجن بسبب إصدارها عدّة شيكات من غير رصيد وتزوير الوثائق الحكومية، وحينما أُحضرت هذه الشابّة من السجن إلى المحكمة بسبب شكاوى المستثمرين المتضرّرين في هذه الشركة قالت: حينما طلبتُ من هذا الرجل مساعدتي في قضاء ديوني، قال لي: شريطة أن تتزوّجي منّي!

وحينما عَرضتُ اقتراح رئيس الشركة على أُسرتي رَفضت بشدة، إلاّ أنّني أُجبرت على الرضوخ لهذا الزواج، وبعدها استمهلَ الشاكينَ سنة ليدفع لهم الديون المترتّبة عليّ، ولكن بعد مُضي سنة لم يفِ زوجي بوعده، الأمر الذي دعا الدائنين إلى إحضاري إلى المحكمة مرّة ثانية! وحينما طالبتُ زوجي بمدّ يد المساعدة قال لي ضاحكاً: شريطة أن تطلبي الطلاق! وبعد أن تنازلتُ عن جميع حقوقي وحصول الطلاق، علمتُ حينما راجعت المحكمة أنّ هذا الرجل المحتال قد تزوّج قبلي من ثمانية نساء، وقد احتالَ عليهنّ جميعاً بشكلٍ من الأشكال(٢) !

____________________

(١) صحيفة إيران: العدد ١٥٣.

(٢) صحيفة إيران: العدد ١٠٩١.

١٨٦

وطبعاً في مثل هذه الموارد وإن كان يمكن لنا أن نلقي باللائمة على حماقة هؤلاء النسوة، إلاّ أنّنا في الوقت نفسه علينا أن لا نفقد الأمل بسبب هذه الاحباطات، وإنّما علينا أن نكتسب منها الدروس والعِبَر، وأن نستفيد منها في المستقبل بوعي لتعود المياه إلى مجاريها.

ومضافاً إلى ذلك نقول لمثل هؤلاء - الذين يعيشون على الاحتيال والتغرير بالآخرين لإشباع رغباتهم وميولهم، ويوقِعون الظلم بحقّ الآخرين، ويُبدّلون آمال الشابّات من النساء إلى جحيمٍ لا يُطاق - أن يلتفتوا إلى أنّهم سوف لا يأمنون القصاص الإلهي حتّى في هذه الدنيا، فقد وردَ عن النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال:( مَن لا يَرحَم لا يُرحَم ) (١) .

____________________

(١) كنز العمّال: ٣ / ١٦٢، الحديث ١٦٢.

١٨٧

(٢٣)

مشاكلُ الزواج

بالقدر الذي تُعاني منه الحياة العامّة في المجتمع المعاصر من المشاكل في البناء والاقتصاد، كذلك هي تُعاني من مشكلة زواج الشباب.

ومن هنا كان ارتفاع سنّ الزواج من الأمور التي تثير قلق العوائل والمجتمع، والتي تستتبع توتّر الأعصاب والأمراض الأخلاقية والاجتماعية!

تحكي الصُحف عن إحصائيات هائلة من الشباب غير المتزوّجين، ونحن إذا التفتنا إليها ستساعدنا في البحث عن سُبل علاج هذه المشكلة.

وإليك التقرير التالي:

أ: هناك أربعة ملايين شاب أعزب يتجاوز عمرهم العشرين سنة.

ب: هناك مليون ومئتا ألف أرمَلة ومطلّقة.

ج: هناك واحد وتسعون ألف عازبة يتجاوز عمرها الخمس وثلاثين سنة.

د: هناك مئة واثنان وأربعون مُعرِضاً عن الزواج يتجاوز عمرهم الخامسة وثلاثين سنة.

وقد كان للعوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية أثر بالغ في عدم زواج بعض الأفراد، أو الذين أخفَقوا في زواجهم، وفي الوقت الذي تُعدّ كلّ واحدة من هذه الأسباب مشكلة بذاتها، إلاّ أنّه على العموم ليست هناك مشكلة لا يمكن حلّها، لذا فإنّنا سندرس أوّلاً وضع إخفاق غير المتزوّجين من الذين تتجاوز أعمارهم الثلاثين سنة، ليكون فيها عِبرة للآخرين ليفكّروا بشكلٍ جيّد، وأن يُعيدوا النظر في تصرّفاتهم، وأن يستعينوا بالصالحين ليقوى عندهم الأمل لتكوين الأسرة والزواج.

١٨٨

الأفراد البالغون ثلاثين سنة وأكثر

إنّ الاعترافات التي يذكرها غير المتزوّجين من النساء والرجال، الذين تتجاوز أعمارهم الثلاثين والخمسة وثلاثين كالآتي:

السيّدة(ب - س) ماجستير في اللغة الألمانية لها من العمر ثلاثون سنة، وقد رَفضت الكثير من الخاطبين، وهي تقول: إنّ الأمل في الزواج قليل جدّاً، وأنا أُفضِّل أن أبقى عازبة على أن أتزوّج من شخصٍ لا يُعجبني!

(مرجان - ب) لها من العمر ٣٥ سنة ولا زالت عازبة، تقول: ( إذا أرادت المرأة أن لا تواجه مشكلة في زواجها، فلابدّ من أن تكون ثقافتها بمستوى الرجل أو دونه ).

(مهناز - س) لها من العمر ٣٨ سنة، وعندها ماجستير وتعمل موظّفة وهي عازبة، تقول: عندما كنتُ شابّة كنت أُفضِّل العمل على الزواج، لأنّي كنتُ أعتقد بأنّ العمل والدراسة رمزان للنجاح في الحياة الاجتماعية!

(مهين - ج) لها من العمر ٤٠ سنة، موظّفة عازبة تقول: ( كنتُ أرفض كلّ مَن يتقدّم للزواج منّي، إذ كنتُ أريد من زوجي أن يكون ثريّاً يمتلك بيتاً وسيّارة، ويتمتّع بحسبٍ رفيع ونَسَب شريف، وعلى مستوى كبير من الثقافة والعلم، وأن يكون وسيماً بهيّاً ).

(مجيد - ك) لهُ من العمر ٣٧ سنة، يقول: ( أنا من الذين فكّروا في الزواج مبكّراً؛ لأنّني كنتُ أرى أنّ الزوجة والأطفال يضيفون إلى الحياة بهجة ونشاطاً، إلاّ أنّني كنتُ معلِّماً ولم أتقدّم لخطبة امرأة، حتّى تُطالبني بالبحث عن وظيفة تَدفع راتباً كبيراً، وأن يكون لي بيت مستقلّ وسيّارة ).

(عبّاس - ب) عمرهُ ٣٨ سنة أعزب، ويمتلك شركة خصوصية، يقول: ( لم أعثر إلى الآن على زوجة تُلائم ذوقي، ولا أعتقد بأنّي سأحصل على مثل هذه المرأة في المستقبل! )(١) .

____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٠٤٤.

١٨٩

وكما ترون فإنّ النماذج المتقدّمة وما شابهها - والتي تؤدّي إلى إخفاق الزواج - كان سببها المطالبة بالشهادات العلمية العالية، وامتلاك البيت المستقلّ والسيّارة، والعمل الذي تكون أرباحهُ طائلة، والنَسب الشريف والجمال، وهناك مَن يريدها بأجمعها مجتمعة في شخصٍ واحد!

وطبعاً إنّ مثل هذه المطالب معقولة ومرادة، إلاّ أنّ على الذين أخفقوا في زواجهم - بالنسبة إلى هذه المطالب - أن يلتفتوا إلى المواضيع الثلاثة المهمّة الآتية، حتّى لا يقعوا في مثل هذه الورطة:

١ - رجّح بعضٌ في شبابه طلب العلم والحصول على وظيفة، وكما يقول كان الزواج عنده قليل الأهمية، وأنّهم إذا حصلوا على العلم والوظيفة فإنّ مسالة الزواج ستكون محلولة بشكلٍ قهري، في حين أنّ هذا النوع من التصوّر غير متكامل، وإنّما على المرء في فترة شبابه أن يفكّر في الزواج بشكلٍ جيّد، وقد اعتبرَ الإمام الصادق ( عليه السلام ) الزواج معاملة غالية الثمن!

وعليه: فالزواج ليس قليل الأهميّة يمكننا أن نغفله لنضيّع الفرصة المناسبة لهُ، وإنّما لابدّ من التفكير فيه والإعداد له في فترة الشباب.

٢ - في العالَم المعاصر لا يمكن للذوق وحده أن يكون مفيداً بل من الضروري إعمال التفكير، والأهمّ منه المشوَرة مع الكبار والعلماء؛ فإنّ إعمال الذوق وحدهُ ضيّق في أُفق التفكير وسذاجة، ولا يمكنهُ إيصال المرء إلى هَدفه.

ومن الضروري لهؤلاء الأشخاص - الذين لم يحصلوا على الفرصة اللازمة - أن يلتفتوا أوّلاً إلى أنّ الإسلام يَعتبر العزوبة ذنباً فظيعاً، ومن الناحية العلمية تترتّب عليها تَبَعات سلبية كثيرة، وثانياً على هؤلاء الأفراد أن يلتفتوا إلى أهميّة الوسطاء الصالحين في أمر الزواج، وعلى الوسطاء الذين يجمعوا بين العازبين أن يلتفتوا إلى قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) حيث قال:( مَن زوَّج أعزبَ كان ممّن ينظر الله عزّ وجل إليه يوم القيامة ) (١) .

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٣٣١.

١٩٠

٣ - ليست كلّ الآمال والمطالب صحيحة، وعلاوة على ذلك فإنّ نسبة حصولها وتوفّرها في شخصٍ واحد قليلة جدّاً.

وعليه: فبالنسبة إلى الزواج يندر أن يصل الأشخاص إلى كلّ ما يطلبونه، ويحصلون على الزوج الذي تنطبق عليه كلّ المواصفات ١٠٠%، على الخصوص وأنّ الأمور نسبية وليس هناك في هذا العالَم شيء متكامل من جميع الوجوه.

فعلى الذين تجاوزت أعمارهم السنّ الطبيعية للزواج إلاّ أنّهم لا يزالون يرون الخير والسعادة؛ وذلك لأنّهم كما يشعرون هم وحتّى الدول المتقدّمة في العالَم، مثل: ألمانيا التي يعيش ٤٠% من مجموع سكّانها حياة الوحدة، وكما تذعن الصُحف: أنّ عيد رأس السنة الميلادية بالنسبة إلى هؤلاء، مليء بالأحزان والغُصص الناجمة عن الوحدة، فيحبسونَ أنفسهم بين الجدران ليخفوا وحدتهم وعزلتهم.

مشاكلُ الزواج العامّة

يَبرز أمام الشباب والشابّات الذين يرومون الزواج موانع ومشاكل، من آثارها في هذه السنين ارتفاع سنّ الزواج.

وعلى حدّ تعبير رئيس دائرة الإحصاء في إيران: إنّ معدّل سنّ الزواج بين النساء والرجال في المُدن في عام ٧٥، ارتفع إلى ٢/٢٦ سنة للرجال، و ٥/٢٢ سنة للنساء، في حين أنّ معدّل ذلك في عام ٦٥ كان ٢/٢٤ سنة للرجال، و٢٠سنة للنساء(١) .

____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٢٧٠.

١٩١

 لا شكّ في أنّ ارتفاع سنّ الزواج يُعدّ خسارة اجتماعية ناشئة من العِلل الثقافية والاقتصادية في المجتمع، وأهمّها ما يلي:

١ - البطالة

إنّ الحصول على العمل من الحقوق الابتدائية لتكوين الأسرة وضمان الحياة العائلية، ولكن للأسف هناك عِلل وأسباب اقتصادية وثقافية مختلفة أدّت إلى بروز البطالة كظاهرة سيّئة، وترَكت المجتمعات البشرية المعاصرة تتخبّط في مأساتها ومحنتها.

وفقاً لتقرير برامج الإعمار في منظّمة الأمم المتّحدة، فإنَّ عدد العاطلين عن العمل آخذ بالارتفاع، وإنّ عدد العاطلين في العالَم سيصل في عام ٢٠٠٠ إلى مليار شخص(١) !

كما توضّح نتائج البحوث التحقيقية في ألمانيا: أنّ بطالة الشباب من أكبر المشاكل الاجتماعية التي توسّع من رقعة القلق والخوف في صفوف العاطلين، وتؤدّي إلى ازدياد الانحرافات الأخلاقية وتفشّي الفساد فيما بينهم(٢) .

وطبقاً لإحصائيات نقابة العمّال في الجمهورية الإسلامية: هناك حاليّاً مليونان ونصف عاطل عن العمل في المُدن والمحافظات، ممّا قد يؤدّي - مضافاً إلى عدم تفكيرهم في الزواج - إلى ابتلائهم بالأمراض النفسية والسرقة وإدمان المخدّرات، وما إلى ذلك من المفاسد(٣) !

وخلاصةُ القول: إنّ البطالة وعدم الحصول على مورد مادّي يُعدّ في الحقيقة عُقدة أمام الزواج في المجتمع المعاصر، ولابدّ من حلّ لهذه المشكلة، وعلى الشعب والحكومة أن يتعاضدا ويتعاونا لإيجاد حلّ أساسي وثابت لهذه المُعضلة.

____________________

(١) صحيفة كيهان: العدد ١٤٨١٥.

(٢) صحيفة سلام: العدد ١١٨٩.

(٣) صحيفة جمهوري إسلامي: العدد ٥٦٥٠.

١٩٢

٢ - أزمةُ السكن

مع الأخذ بنظر الاعتبار إخلاء حوالي ٢٠% من القرى في البلاد والهجرة إلى المُدن، فقد غدا إعداد السكن - على الخصوص بالنسبة إلى الشباب الذين يَعتزمون الزواج - مشكلة اجتماعية.

وبشأن أزمَة السكن - لكي نتفهّم أكثر ولكي نُخطّط بشكلٍ أفضل - علينا أن نتعرّف أنّ نتائج الإحصاءات العامّة للنفوس والسكن في عام ٧٥ كما يلي:

١ - يبلغ عدد سكّان طهران ١٧٦،٢٣٩، ١١ شخصاً، وهم يُشكّلون ٦١، ١٨% من مجموع سكّان البلاد.

٢ - وهناك في طهران ٢٩٧،٧٨٣،٢ بيتاً تسكنها ٥٨٦،٧٤٣،٢عائلة.

٣ - إنّ ما يقارب ١٣،٦٢% من الأُسر الساكنة في طهران تمتلك بيتاً، وإنّ ٦٨،٢٤% أي حوالي ربع سكّان طهران يعيشون في بيوت مستأجِرة.

٤ - هناك حوالي مليون ونصف عائلة في المُدن، يُقدّر عدد أفرادها بسبعة ملايين نسمة تُعاني من أزمَة السكن.

٥ - يعاني ٠٠٠،٨٤٠ عائلة من العدد المتقدّم، أي حوالي أربعة ملايين نسمة من أزمَة توفير السكن، حيث يُخصّصون أكثر من ٣٠% من دَخلهم لتكاليف السكن.

٦ - وفقاً للإحصائية المتقدّمة فهناك حالياً ٢٠،٩% من مجموع عوائل البلاد، تسكن في بيوت مستأجِرة(١) .

فما هو السُبل في مثل هذه الظروف للشباب الذين يريدون الزواج كي يوفّروا السكن؟

مضافاً إلى سياسة الدولة وما قامَت به من الحدّ من الهجرات الواسعة نحو المُدن، والقيام ببناء الشقق، وإعطاء القروض للسكن والزواج وبناء البيوت الاستئجارية، فمعَ الالتفات إلى ازدياد نسبة الشباب في المجتمع،

____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٣٠٣ و ١٦٩٧.

١٩٣

ولأجل الوقاية من الانحرافات الأخلاقية لابدّ للأشخاص قبل الزواج أن لا يصرّوا على أن يمتلكوا بيوتاً مستقلّة، وأن يخضعوا للأمر الواقع ويسيروا على الطريقة التقليدية المتّبعة في السكن مع أوليائهم، أو أن يلزموا الصبر والقناعة والموازين الأخلاقية والحقوقية بالنسبة إلى الوالدين، بل وحتّى الإخوة والأخوات، ويبدأوا حياتهم الزوجية.

وعلى كلّ حال، فإنّ توفير السكن على حدود الوسع أمرٌ ضروري للشروع في الحياة الزوجية.

٣ - المهورُ الغالية

إنّ المهر أو الصداق: هو ما يتوافق عليه الرجل والمرأة من مالٍ، أو عملٍ، أو شيء مشروع يتكفّل الرجل بأدائه عند عَقد النكاح.

وعليه: يتعهّد الرجل حين عَقد الزواج بأن يفعل للمرأة شيئاً، أو يُقدّم لها مالاً مهراً لها، كما تعهّد موسى بن عمران ( عليه السلام ) أن يعمل برعي الغنم لمدّة ثمان سنوات، حينما تزوّج من ابنة شعيب ( عليه السلام )(١) .

وأقلّ ما يمكن دفعهُ كمهر هو:أن يكون ممّا يتموّل ، وأمّا أكثرهُ فهو:أن لا يتجاوز مهر السنّة وهو خمسمئة درهم ، وهو صداق فاطمة الزهراء ( عليها السلام )(٢) .

وفي الأيّام الأولى من تطبيق أحكام الإسلام في المدينة، حيث كانت الأمور تجري على البساطة والإيمان المسؤول، كان الرجل أحياناً يتعهّد بتعليم المرأة عشرين آية من القرآن أو سورة واحدة، وأحياناً جميع القرآن كمهرٍ لها، وبذلك يحصل الزواج ويؤدّي الرجل ما تعهّد به من المهر، كما يُكتفى أحياناً بقبضة من الحنطة أو خاتم كمهر للزواج، ويتمّ الزواج في جوٍّ من البساطة والإيمان، قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( أفضلُ نساء أمّتي أصبحهنّ وجهاً، وأقلّهنّ مَهراً ) (٣) .

وفي أوائل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، شاعَ بين بعض الأشخاص المتدينين في المجتمع الاكتفاء بالمهر القليل، ويُقدّمون للمرأة نسخة من القرآن أو دورة كاملة من تفسير الميزان، ولكنّ تغيير الظروف الاقتصادية والاستغلال

____________________

(١) سورة القصص: الآية ٢٦ و ٢٧.

(٢) تحرير الوسيلة: ٢ / ٤٣٤.

(٣) وسائل الشيعة: ١٥ / ٣.

١٩٤

السيئ الذي حَدثَ في بعض الأحيان من هذه الناحية، ولتحقيق التوازن بين المهر و( الجهيزية )(١) - التي تقع على عاتق أسرة البنت لضمان ثبات الزواج واستحكامه ما أمكنَ - ارتفعت المهور، ولكن مع ذلك إذا حصلَ الزواج على أُسس صحيحة، وفي جوٍّ تسودهُ الثقة المتبادلة ضمن تقليل المهور، أو إجرائها على أساس غير النقد والمادّة، فسوف يكون اللجوء إلى ذلك من المشاكل التي تحول دون الزواج في المجتمع المعاصر.

٤ - توفيرُ الجهاز

إنّ الجهاز: عبارة عن الأثاث الذي يحتاج إليه الرجل للزواج، فتوفيرهُ يقع على عاتق الرجل، كما صَنع الإمام علي ( عليه السلام ) حينما أراد أن يتزوّج من فاطمة الزهراء ( عليها السلام )، حيث جَعل درعهُ صداقاً فباعهُ بأمر الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، وأعطى ثمنهُ إلى الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) فقام بشراء جهاز مختصر وبسيط بجزء من الثمن(٢) .

وطبقاً للمادّة رقم ١١٠٧ من القانون المدني الإيراني، فقد اعتُبر إعداد أثاث البيت أي الجهاز من النفقة ويكون على عاتق الزوج.

وبالتدريج تحوّل الجهاز بوصفهِ مساعَدة من قِبل أهل الزوجة لبناء كيان الأسرة إلى واجبٍ عليهم، ثمّ صار للأسف الشديد بفعل طبقة جاهلة وأحياناً واعية، إلاّ أنّها متورّطة في المنافسة العصبية إلى عَقَبة كؤود، حتّى عَجزت الأُسر الفقيرة عن توفيره، وفي كثيرٍ من الموارد تُحرم الفتاة من الزواج بسبب عدم امتلاكها للجهاز أو كونهُ بسيطاً!

وإنّ الذي يجري حالياً في المجتمعات البدوية - التي تسكن البوادي حيث الفطرة والطبيعة السليمة - هو أنّ توفير الجهاز يكون على عاتق أُسرة الزوج، ومضافاً على ذلك يتكفّل الزوج بدفع مقدار من المال يدعونه ثمن الرضاع(٣) .

____________________

(١) الجهيزيّة: مصطلح شائع في إيران، حيث على عائلة الفتاة تزويدها بكلّ ما تحتاجه من أثاث لمستقبل حياتها الزوجية، وما يُقدّمه الرجل من مال كمهر يكون خاصّاً لها.

(٢) الاستيعاب: ٤ / ٣٧٧، بحار الأنوار: ٤٣ / ٩٤ و ١٠١ / ٨٨.

(٣) وهو مبلغ من المال يُدفع لأم الزوجة عوضاً عن إرضاعها ابنتها التي تريد تزويجها.

١٩٥

وعلى كلّ حال، فإنّ توفير الجهاز الغالي يُعقّد مسألة الزواج، وقد يؤدّي إلى حوادث مأساوية، نظير ما حَدث لذلك الموظّفَ المتقاعد الذي اضطرّ إلى بيع إحدى كليتيه؛ ليوفّر بثمنها جهازاً لإحدى بناته، الأمر الذي أودى بحياته(١) !

وخلاصةُ القول: إنّ هذه التقاليد إذا لم يتمَّ الحدّ منها ولم تَحلّ القيَم الإنسانية محلّها، فسوف تتجذّر الأمراض الأخلاقية والاجتماعية، ويتحوّل الزواج إلى مجرّد معاملة تجارية ومادّية صِرفة، إذ تقرأ في الصُحف الحادثة التالية:( يُقتل في الهند سنوياً خمسة آلاف فتاة على يد أسرة الزوج ( أمّه أو أخته )، بسبب قلّة ما حَمَلتهُ معها من جهاز ) (٢) .

ويجدر الالتفات إلى حديث الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) الموجّه لأسرة الفتاة حيث يقول:( لا تُغالوا في الصداق فتكون عداوة ) (٣) .

وعليه: ففي مورد تحديد المهر الذي لا يُدفع نقداً في الغالب، قد أوصى الإسلام بأن يكون قليلاً ولابدَّ من مراعاة ذلك، سيّما ونحن نعيش في ظروف اقتصادية حرجة، ولأجل الحفاظ على كرامة أسرة الفتاة التي تدفع الجهاز نقداً، فعلى أسرة الفتى أن تقنع منه بالقليل، لكي لا يثقل على عاتق أسرة الفتيات الفقيرة والمحتاجة، ليحصل بذلك التوازن الأخلاقي والاقتصادي الذي يتمخّض عن توثيق الروابط بين الأُسر.

وعليه: إذا أقبلَ الشباب نحو الفتيات اللاتي يمتلكنَ جهازاً ضخماً، فستبقى الفتيات اللاتي لا يمتلكن جهازاً، أو يمتلكن شيئاً قليلاً منه في بيوتهنّ من غير زواج، أو يضطرّ آباؤهنّ وأمّهاتهنّ إلى تحمّل القروض الباهضة من أجل إعداد الجهاز لهنّ.

٥ - تكاليفُ حَفلات العَقد والزواج

إنّ ( الوليمة ) ودعوة الأشخاص لتناول الطعام والحلويات في حفلات العقد والزواج، وإن كانت ممّا يحثّ عليه الإسلام ويقبلهُ كلّ عقل سليم، إلاّ أنّ ما يحدث حالياً - في ظلّ الظروف الاجتماعية الراهنة - هو الإسراف في نَفقات هذه الحفلات الذي يُؤدّي إلى تعقيد الزواج - بل وقد يؤدّي إلى تعطيله أساساً.

____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٦٨٧.

(٢) صحيفة اطلاعات ( الملحق ): العدد ٢١١١٢.

(٣) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: ص١٧٨.

١٩٦

إذ إنّ اتّساع رقعة المطالب والإسراف المصحوب أحياناً بارتكاب المآثم - من قبيل عدم مراعاة الأخلاق والعفّة، بل وإيذاء الناس - يُعدُّ حالياً من المُعضلات الاجتماعية والموانع من تسهيل عملية الزواج.

وقد واجهنا موارد اضطرّ فيها بعض إلى الاقتراض من أجل إعداد مسكن للإيجار، إلاّ أنّهم لقلّة وعيهم - ولأجل المنافسات التي ليس لها مبرر - أسرَفوا في نفقات العَقد والزواج، ممّا اضطرّهم إلى العيش سنوات وهم يتجرّعون الآلام والغُصص، ويدفعون بسبب ذلك أثماناً مادّية ومعنوية باهضة! وأن يتحمّلوا الآلام الطويلة من أجل لذّة قصيرة وقليلة الفائدة! وما أروع ما جاء في الحديث:( رُبَّ لذّة ساعةٍ أورثت حُزناً طويلاً ).

أجل، في ظلّ ظروف البطالة وارتفاع الأسعار التي جَعلت المجتمع يتخبّط في مشاكله الاقتصادية، تكون مراعاة الاقتصاد في جميع شؤون الحياة - سيّما الزواج منها - أمراً ضرورياً، ليغدو من السهل على الشباب أن يتزوّجوا.

ومن هنا فقد بادرت الحكومة الباكستانية إلى تمديد القانون القاضي بتخفيض نفقات حفلات الزواج، المصادَق عليه سنة ١٩٩٧م مدّة ثلاثة سنوات أخرى، وبموجب هذا القانون يتعيّن إقامة جميع الحفلات في الوقت الواقع بين صلاتي الظهر والعصر وحتّى الغروب؛ بُغية الحيلولة دون الاضطرار إلى تقديم وجبة الغداء أو العشاء، وقد أدّى هذا القانون إلى شعور الطبقات الفقيرة وذات الدخل المحدود بالسرور والفرح، وإن أدّى إلى امتعاض واستياء الطبقات الثريّة والمرفّهة(١) .

____________________

(١) مجلّة ( زن روز ): العدد ١٦٨٤.

١٩٧

(٢٤)

دعوةٌ عامّة للزواج

هناك أربعة ملايين شابّ عازب في مجتمعنا تزيد أعمارهم على العشرين سنة، وهناك مليون ومئتا ألف أرملة ومطلّقة، وواحدة وتسعون ألف امرأة غير متزوّجة تزيد أعمارهنّ على الخمسة والثلاثين عاماً، ومئة واثنان وأربعون ألف عازب تزيد أعمارهم على الخمس والثلاثين سنة(١) ، وهناك مليونان من الشباب يرومون الزواج(٢) .

وإنّما نُدرك أهميّة وضع الشباب العازبين الحرجة إذا أخذنا بنظر الاعتبار التكاليف الباهضة للزواج، على الخصوص بالنسبة إلى الأُسر الفقيرة من جهة، ومن جهةٍ أُخرى الوسائل التي تُثير الغرائز الجنسية التي يُروّجها الأعداء في الداخل والخارج، والأضرار الأخلاقية والنفسية والجسدية التي يتعرّض لها العزّاب!!

____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٠٤٤.

(٢) مجلّة ( زن روز ): العدد ١٦٥٨.

١٩٨

ومع الالتفات إلى خطورة المسألة، فإنّ التقصير وعدم الاهتمام والتهاون والغفلة والجهل يزيد وضع الشباب العازب تأزّماً، وقد نبتلي بسبب ذلك بنفس الداء الذي ابتُليت به المجتمعات الغربية!

وللحيلولة دون وقوع هذا الخطر الماحق، لابدّ من الإقدام على عملٍ شامل وعام، بيَّنهُ الله تعالى حيث قال:( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

وبشأن هذا الدستور الإلهي هناك أمران جديران بالاهتمام:

أ - حينما يؤمَر المسلم بتزويج العازبين، فمن الطبيعي أن لا يُكتفى في ذلك بالكلام والتوجيه فقط، وإنّما لابدّ مع ذلك من إعداد مقدّمات الزواج من المهر والجهاز، فقد قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أبى الله أن يُجري الأشياء إلاّ بالأسباب ) (٢) .

ب - حينما يقول الله تعالى:( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ )، ويؤكّدهُ النبيّ بقوله:( زوّجوا أيَاماكم ) ؛ فإنّ هذا الخطاب العامّ موجّه لجميع المكلّفين من المسلمين، فيجب عليهم امتثاله بوصفه قانونا فطرياً وتكليفاً واجباً، وعلى هذا الأساس فإنّ المسؤول عن تزويج الشباب العزّاب هم الفئات التالية:

١ - الآباءُ والأمّهات

إنّ المسؤول في الدرجة الأولى عن زواج الشباب والأبناء هم الآباء والأمّهات، وهذا أمر معروف في جميع المجتمعات وعلى الخصوص في مجتمعنا الإسلامي، إذ يهتمّ الآباء به بشكلٍ جادّ، ويأخذون بإعداد العدّة له منذ طفولة أبنائهم، فيفتحون لهم رصيداً في البنك ويخصّصون لهم جزءاً من الأموال والأثاث؛ ليضمنوا بذلك مستقبل حياتهم الزوجية، قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( إنّ من حقّ الولد على الوالد ثلاثة: أنّ يُحسّن اسمهُ، ويُعلّمه القرآن، ويزوّجه إذا بَلغ ) (٣) .

____________________

(١) سورة النور: الآية ٣٢.

(٢) بحار الأنوار: ٢ / ٩٠.

(٣) مكارم الأخلاق: ص٢٢٠، طبع النجف، بحار الأنوار: ٧١ / ٨٠.

١٩٩

وطبعاً بالنسبة إلى وظيفة الآباء والأمّهات في تزويج أبنائهم، يجب - مضافاً إلى ما تقدّم في فصل( الزواج المدروس ) - التعرّف على الزوج أو الزوجة المناسِبة وتهيئة المال ومقدّمات الزواج، ولابدّ أيضاً من رعاية المصلحة الواعية والصادقة والعقلائية، ولكن على الوالدين أن لا يتمسّكا بالأذواق الفردية والإشكالات الواهية وغير المنطقية، فيسلبون بذلك حرّية الاختيار من الشابّ ويعرّضون مصيره ومستقبله إلى الخطر؛ لأنّ هذا النوع من الأفكار والسلوكيات غير اللائقة واللئيمة يؤدّي أحياناً إلى الإضرار بالأسرة والمجتمع، والندم بعد فوات الأوان لا يُجدي شيئاً.

إنّ أكثر الآباء والأمّهات يُدركون ثقل مسؤوليتهم عن تزويج أولادهم، بل ويثبتون ذلك على المستوى العملي من خلال تحمّل الصعاب والآلام، ولكن مع ذلك قد نعثر على بعض الأشخاص الجاهلين والأنانيين الذين يقدّمون مصالحهم على مصالح الشباب من أولادهم، وبذلك يظلمونهم ويظلمون أنفسهم!

وفي هذا الصدد نقرأ في صحيفة خبراً بعنوان( رفض الأب لخمسين خطيباً ) : شكت فتاة تُدعى فريدة وتبلغ من العمر ١٩ سنة، أباها إلى المحكمة العامّة في طهران بسبب رفضه لمَن يخطبها، وقد ضاقت ذَرعاً من خشونة أخلاقه، وإدمانه المخدّرات وطلاقه لأمّها في صغرها، والضرب المُبرح الذي تنالهُ من زوجته الثانية وانجاز أعمال البيت، وقالت للقاضي: تقدّم لخطبتي حتّى الآن خمسون شخصاً، إلاّ أنّ أبي رفضهم جميعاً، وحَبسني في البيت لأقضي له ما يحتاجهُ، وقد سئمتُ هذا النمط من الحياة، أنقذوني(١) .

____________________

(١) صحيفة إيران: العدد ١٥٣.

٢٠٠