ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب27%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156235 / تحميل: 8968
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٩ - تظهر بُثور سوداء على أطراف الأنف والحنك في الفتيان ما يثير فيهم الخوف والقلق، إلاّ أنّها تزول بمرور الوقت(١) .

١٠ - ينمو الشعر على وجه الفتيان دون الفتيات، إذ يحتفظ وجههنّ بنعومته وطراوته.

١١ - يخشن شعر الجسد على الخصوص حول الأعضاء التناسلية، بفعل نشاط الهرمونات الجنسية في كلّ من الفتيان والفتيات(٢) .

١٢ - يكبر حجم الصدر والكتفين عند الفتيان، بينما يكبر الصدر والحوض عند الفتيات استعداداً للولادة.

١٣ - يزيد مقدار نموّ الطول في مرحلة البلوغ، ويمكن تخمين مستواه النهائي - مع الأخذ بنظر الاعتبار عوامل الوراثة والبيئة - بحوالي ٢٠ إلى ٢٥ سنتيمتراً.

١٤ - وكما تقدّم: فإنَّ الاحتلام - بمعنى خروج المني من الجهاز التناسلي عند الفتيان - يبدأ ما بين سن ١٦ إلى ١٨، ويبدأ الطمث عند الفتيات ما بين سن ١١ إلى ١٤، وقد تَحدث هاتان الظاهرتان بشكلٍ مبكّر في بعض الأفراد، إذا أخذنا بنظر الاعتبار العوامل الوراثية ورَغَد العيش والتغذية، وسُكنى المُدن، أو المناطق الحارّة والاستوائية، ومشاهدة المَناظر المثيرة وما إلى ذلك.

وبالنسبة إلى الطمث، لابدّ للأولياء والفتيات أنفسهنّ من الالتفات إلى هذه المسألة المهمّة التي أشار إليها القرآن الكريم، وأثبتتها التجارب أيضاً، وهي: أنّ الفتيات يتعرّضن في فترة الطمث إلى نوع اعتلال واختلال في المزاج، وقد ذَكر الدكتورابراهام ستون : ( الطمثُ، يصحبهُ ألم في الظهر والمَعدة واضطراب في الأمعاء، ويرى بعض علماء النفس أنّ ذلك يعود إلى عوامل نفسية )(٣) .

____________________

(١) نفس المصدر.

(٢) البلوغ: ص٤٠.

(٣) الدكتور ابراهام ستون: دليل الزواج، ص٤٢.

٢١

وعليه: يتعيَّن على الأولياء الالتفات إلى هذه المسألة، كي يحيطوا الفتيات برعايتهم واهتمامهم، وعلى الفتيات أيضاً أن يَعمدنَ إلى مراقبة أنفسهنّ والعمل على رفع مقدرتهنّ الروحية والجسدية.

٢ - الآثارُ النفسية والأخلاقية

وفي فترة الشباب - التي هي بمثابة ربيع الحياة، والمُفعمة بالطاقة والحيويّة والنشاط - تظهر بفعل التغيّرات الحاصلة في الغُدد الداخلية مثل:( غدّة الهيبوفيز )، و( الغدّة الدَرَقية ) سلسلة من الأعراض الروحية والأخلاقية في الشباب، أطلقَ عليها( موريس دبس ) تسمية ( حياة التشنّج والأزَمات النفسية )، وعبّر عنهاأفلاطون بـ ( السُكر الروحي والفكري )(١) .

وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( الشبابُ شعبة من الجنون ) (٢) .

ويؤدّي هذا الاختلال الأخلاقي والسلوكي إلى اضطرابات تستدعي من الآباء والأمّهات والمعلّمين والشباب أنفسهم، دقّة متناهية ومراقَبة صارمة ليتمّ تجاوز هذه المرحلة بسلام.

وأهمّ الآثار النفسية التي تظهر على سلوكية اليافعين والشباب ما يلي:

١ - بروز المشاعر النابضة والعاطفية، وعليه فإنّ البالِغين حديثاً سيُخلّفون أحلام الصبى وراءهم، ويدخلون في عالَم جديد له متطلّباته وظروفه وإمكانياته المختلفة.

٢ - تخبّط الشباب في أحلام اليقظة، فتجد الواحد منهم يفكّر تارةً في مهنة الطيران، وأخرى في الطب، وثالثة يريد أن يتألّق نجمه كلاعب كرة على الصعيد العالَمي، ورابعة يفكّر في أفضل الطُرق إلى جَمع الثروة، وفي هذا الصدد يقولموريس دبس: ( ليست هناك رابطة بين الشباب والتعقّل؛ إذ هم يرون التعقّل من شؤون الكبار والمُسنّين،

____________________

(١) البلوغ: ص٨ و٩ و٥٢.

(٢) بحار الأنوار: ٢١ / ٢١١، ٧٤ / ١٣٣.

٢٢

 أمّا هم فيحاولون في عالَم الرؤيا أن يربطوا عَربتهم بواحدة من نجوم السماء، كما صَنع أمرسون )(١) .

٣ - ومن الخصائص الأخرى لفترة الشباب: عدم الانسجام مع واقعية الحياة؛ ذلك أنّ أحلام اليقظة ونبذ التعلّق بالواقع يؤدّي إلى بروز التضادّ بين أفكار الشباب السطحية والساذجة وبين واقعيات الحياة، فيصاب الشباب من جرّاء ذلك بنوعٍ من الإحباط الذي يؤدّي بهم إلى الاقتضاب في الكلام أو السكوت المطلق، وأحياناً اعتزال الناس والانفراد في زاوية من البيت.

٤ - إنّ روح الشباب المعتلّة والمضطربة تفرض عليه حسّاسية خاصّة تجعل منه كتلة من المتطلّبات، حتّى أنّه سيثور لأدنى رفضٍ يُجابه به طلبه، بل قد يَحمّر غضباً وينفجر لأتفه الأسباب، وأحياناً بلا سبب معقول، إلاّ أنّ هذه السلوكية لا تدوم طويلاً وسرعان ما يظهر عليه الندم على ما بدرَ منه!

٥ - إنّ العُجب والاغترار المُخادع الذي يبعث على الغَثيان، من الأعراض الأخلاقية والروحية الأخرى لـ( أزمة الشباب ) التي يُبتلى بها الشابّ بسبب قلّة تجربته؛ ولأنّه يحاول فرض شخصيّته يظهر عليه جنون العظمة الذي هو على حدّ تعبير( موريس دبس ) ، كحبِّ الشباب جزء من أمراض هذه المرحلة من العمر(٢) !

٦ - ومن العوارض الأخرى لمرحلة الشباب: الوسوسة في انتخاب المِهن والأعمال، وللوسواس صور مختلفة أشدّها يتجلّى في عملية تكرار تطهير الثياب والجسد.

٧ - سوء الظنّ حالة طبيعية في هذه المرحلة، إلاّ أنّه في الوقت نفسه مرضٌ خطير قد يتحوّل إلى مرضٍ مزمنٍ وحادّ، فلابدّ من المبادرة إلى علاجه قبل أن يستفحل.

____________________

(١) البلوغ: ص١٩٢.

(٢) البلوغ: ص١٣٧ و١٧٨.

٢٣

وللأسف الشديد قد تطغى حالة سوء الظنّ على الشباب حتّى تُخرجهم من الاعتدال والاتّزان، فلا يقيمون وزناً لنصائح الكبار مهما كانت صالحة، وأحياناً يُطال سوء الظنّ حتّى الآباء والأمّهات فيتصوّرهما الشابّ عَدوّين له، وقد يُقدّم نصائح الآخرين على نصائحهما.

٨ - وتارةً يستولي الانطواء على الذات، والاعتداد بالنفس، وشعور العَظمة على الشباب حتّى يرون أنفسهم شخصيات ممتازة ومستقلّة، فينجرفون من جرّاء ذلك في طُرق الضلال والمتاهات، وقد يدركون خطأ الطريق أحياناً، إلاّ أنّ كبرياءهم لا يُجيز لهم أن يطلبوا العون من أوليائهم!

٩ - إنّ القلب السالم والطاهر الذي يصل أحياناً إلى مستوى السذاجة ، يدفع الشابّ على حدِّ تعبير( الكسيس كاريل ) إلى تقليد الآخرين تقليداً أعمى(١) ، فإذا لم يَعثر على نموذج صالح يَقتدي به، تورّط في اقتفاء آثار الطالحين، وهو أمرٌ في غاية الخطورة!

١٠ - ومن عوارض مرحلة الشباب الأخرى: عدم اشتهاء الطعام، وهي مسألة ذات صلة بالوضع الجسدي والظروف النفسية لهم، والالتفات إليها يمكن أن يساعدهم على إدراك أنّ هذه المرحلة سريعة الزوال أوّلاً، وثانياً بالإمكان القضاء عليها بمراجعة الطبيب والعلاجات النفسية.

١١ - حاجةُ الشباب إلى المحبّة - مع الأخذ بنظر الاعتبار شفافيّة روحهم ورقّتها - خصوصية أُخرى فيهم، فإذا لم تُلَبَّ بواسطة الصالحين والمخلصين، فسوف يبادر الطالحون إلى اغتنام الفرصة والانقضاض على الشباب ومهاجمة وجودهم، والأخذ بهم نحو مهاوي الانحراف!

١٢ - إنّ التغيّر السلوكي والأخلاقي، واختلال الأعمال، وفوران الغريزة الجنسية ، إذا لم يتمّ توجيهها وتهذيبها بالمراقبة والمداراة، فإنّها - على حدِّ تعبير( موريس دبس ) - سوف تبرز في أوّل الأمر على هيئة التمرّد ومعاداة الوالدين،

____________________

(١) الإنسان ذلك المجهول: ص٨٤.

٢٤

ثمّ تتحوّل بعد ذلك إلى التسفّل والجنون الأخلاقي وانعدام الحياء والقسوة(١) ، وعشرات الجرائم والمفاسد الأخلاقية الأخرى التي تلّوث البيئة الاجتماعية.

وسنتعرّض في البحوث القادمة من هذا الكتاب أيضاً إلى استعراض سُبل وقائية أو علاجية أخرى، لهذه العوارض التي تصحب فترة الشباب، ولكن في الوقت نفسه - ونظراً إلى الأهمية النفسية والفكرية لجيل الشباب تجاه الأضرار، والتأسّي بالنماذج غير الصالحة - نتعرّض إلى إرشادَين ناظرَين إلى واجب الوالدين والأولياء تجاه أبنائهم، وإرشادَين قيّمين آخرَين موجّهين للشباب أنفسهم:

١ - قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المُرجئة ) (٢) .

٢ - وقال ( عليه السلام ) أيضاً:( احذَروا على شبابكم الغُلاة لا يُفسدوهم؛ فإنّ الغُلاة شرّ خَلق الله، يُصغّرون عظمة الله، ويدَّعون الربوبيّة لعباد الله..) (٣) .

٣ - قال الإمام علي لدى تفسيره قوله تعالى:( وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) : ( لا تنسى صحّتك، وقوّتك، وفراغك، وشبابك، ونشاطك أن تطلب بها الآخرة )(٤) .

٤ - وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( لستُ أحبّ أن أرى الشباب منكم إلاّ غادياً في حالَين: إمّا عالماً، أو متعلّماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثِم، وإن أثِم سَكن النار والذي بعثَ محمّداً بالحقّ ) (٥) .

____________________

(١) البلوغ: ص١٢٨ و ١٩٠.

(٢) فروع الكافي: ٦ / ٤٧.

(٣) بحار الأنوار: ج٢٥، ص٢٦٥، أمالي الطوسي: ص٦٥٠.

(٤) بحار الأنوار: ٦٨ / ١٧٧، معاني الأخبار: ص٣٢٥.

(٥) بحار الأنوار: ١ / ١٧٠.

٢٥

(٣)

البلوغُ وأحكامه

تنتهي فترة الطفولة مع بداية مرحلة البلوغ في الفتيان والفتيات، ويكونان قد بلغا رُشديهما وعليهما كسائر الرجال والنساء من المسلمين أن يؤدّيا تكاليفهما الدينية من قبيل: تقليد المجتهد، وأداء الصلاة والصيام، وسائر الأحكام الأخرى.

وبعد أن تحدّثنا في الفصل المتقدّم عن أعراض البلوغ العلمية، فسوف نتحدّث في هذا الفصل عن الميزان الشرعي للبلوغ وأحكامه.

البلوغ والتكاليف الدينية

علائمُ البلوغ من الناحية الشرعية:

١ - علامات البلوغ في الغلام تكون بإكماله ١٥ سنة قمريّة، أو نبات الشعر تحت الإبط وفوق العانة، أو خروج المني بالاحتلام وغيره، قال الإمام الباقر ( عليه السلام ):( إذا احتلمَ، أو بَلغ خمس عشرة سنة، أو أشعرَ، أو أنبتَ قبل ذلك، أُقيمت عليه الحدود التامّة، وأخذَ بها، وأُخذت له ) (١) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١ / ٣٠، ح٢.

٢٦

٢ - وأمّا بلوغ الفتيات فيكون بإكمالهنَّ تسع سنوات قمرية، أو نبات الشعر تحت الإبطين والعانة، أو الاحتلام ( وأحياناً الطمث )، وقد حدّد الإمام الصادق ( عليه السلام ) البلوغ في الفتيات، بإكمال التسع سنوات والطمث(١) .

وأمّا بشأن أداء التكاليف على البالغين، فينبغي الاهتمام بالتوضيحات الآتية بشكلٍ دقيق:

١ - إنّ أهمّ معيار في بلوغ الغلام هو: إكمال سنّ الخامسة عشرة، والفتاة إكمالها تسع سنوات قمرية، وعليه إذا بَلغا هذه السن، وجبَ عليهما أداء التكاليف وإن لم تظهر عليهما سائر العلامات الأخرى.

٢ - وإذا لم يبلغا هذه السنّ وظهرت عليهما بعض العلامات الأخرى: كالاحتلام، ونبات الشعر الخشن، وأحياناً الطمث، كان ذلك دليلاً على بلوغهما بهذه العلامات، ووجبَ عليهما أداء التكاليف الشرعية لذلك(٢) .

٣ - إذا لم تتمكّن الفتاة بعد إكمالها سنّ التاسعة من الصيام في شهر رمضان بسبب ضعفها، أمكنها أن تصوم قدر إمكانها منه، ويمكنها أيضاً أن لا تصوم الشهر كلّه، ولكن عليها قضاؤه في أشهرٍ أخرى(٣) .

٤ - إنّ السنة القمرية - التي هي الملاك في تحديد سنّ التكليف - تُقدّر بحوالي ٣٥٥ يوماً، وبذلك تكون البنت التي بقي لها حوالي ٩٨ يوماً لكي تبلغ سنّ التاسعة على السنوات الشمسية، قد بلغت تسع سنوات قمرية.

أحكامُ الجنابة وآثارها

هناك بشكلٍ عام خمسة سوائل تخرج من الأفراد قبل البلوغ وبعده، ولكلّ واحد منها علائمه وخصوصياته وأحكامه التي سنوضّحها فيما يأتي:

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١ / ٣٠ - ٣١، ٢ / ١٠.

(٢) تحرير الوسيلة: ٢ / ١٦٣، كتاب الحِجر، المسألة ٣.

(٣) استفتاءات الإمام الخميني ( رحمه الله ): ١ / ٣٢١.

٢٧

١ - الإدرار أو البول: وهو سائل يخرج من جميع الأفراد سواءٌ في ذلك البالغ منهم وغيره، رجلاً كان أو امرأة، وهو يخرج منهم عدّة مرات في اليوم والليلة ولونهُ معروف، وهو نجسٌ فلابدّ من تطهير موضع خروجه بالماء.

٢ - الوَدْي: سائلٌ رطب ولزج شبيه برشح المصاب بالزكام، يخرج من مجرى الإدرار بعد انقطاع البول بلا هياج جنسي، وهذا السائل في ذاته ليس نجساً ولا يحتاج إلى تطهير موضع خروجه أو ملاقاته، ولكن لو أنّ الشخص لم يستبرئ بعد البول، فإنَّ الودي سيكون قد لاقى البول فينجس لذلك، فلابدّ حينئذٍ من تطهير موضع خروجه بالماء.

٣ - المَذْي: وهو سائل يترشّح بعد المداعبة والهياج الجنسي لأجل عملية الجماع، وهو لزج أيضاً ولونهُ أبيض رقيق، وهو طاهرٌ لا يتنجّس الثوب والبدن بملاقاته، وقد ذَكر الدكتور( ابراهام استون ) : تخرج قبل الإنزال ترشّحات قليلة لزجة ليست من المني، وفائدتها: إبطال مفعول الحوامض الأسيدية في البول، والتي تقتل الحيوانات المنويّة لولا وجود هذه الترشّحات(١) .

٤ - الوَذي: سائل رطب ولزج أبيض اللون يخرج من الرجل بعد الجنابة وخروج المني، وهو طاهرٌ في ذاته أيضاً، فإذا لم يُلاقِ المَني، أو كان الرجل قد استبرأ بعد خروج المَني، فلا حاجة إلى تطهيره، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( وأمّا الوَذي: فهو الذي يخرج من الأدواء ولا شيء فيه ) (٢) .

٥ - المَني: سائلٌ أبيض شبيه ببياض البيضة، وله رائحة العجين الحامض، يَخرج عند الجماع والاحتلام، ومقدارهُ في كلّ مرّة - كما يقول علماء الأحياء - ملعقة اعتيادية، ويكون حاوياً على مئتين إلى خمسمئة مليون حيمن(٣) .

____________________

(١) دليل الزواج: ص٣١.

(٢) وسائل الشيعة: ١ / ١٩٧، ج٦.

(٣) دليل الزواج: ص٣١.

٢٨

وعلائم المَني الذي يوجب خروجه الجنابة: عبارة عن ثلاث حالات كما هو موجود في الأحاديث وكُتب الفقه:

١ - الخروج بِدفق.

٢ - استشعارُ الإنسان للّذة والنشاط.

٣ - استشعارُ الفتور والارتخاء بعد خروجه.

ويكفي في المرأة والمريض حصول الشهوة فقط وإن لم يخرج المَني بدفق، وعندها تحصل الجنابة بمجرّد اللذّة والشهوة(١) .

وعليه: فمن بين هذه السوائل الخمسة يكون الوذْي، والمذْي، والودي، سوائل طاهرة في نفسها، ولا تحتاج إلى تطهير أو وضوء أو غُسل، وأمّا البول فهو نجسٌ فلابدّ من تطهير موضع ملاقاته، ولابدّ من الوضوء بعده لأجل أداء الصلاة، وأمّا المَني فهو يُبطل الوضوء أيضاً، ولكن لابدّ من الغُسل بعد خروجه.

الطمث

وأمّا الطمث الذي يَحدث للفتيات بعد البلوغ وتراه النساء عدّة أيّام من كلّ شهر، فلابدّ لنا من الالتفات بشأنه إلى عدّة أمور:

١ - إنّ الطمث الطبيعي دليلٌ على الصحّة واعتدال المزاج، إذ به تطهر الأعضاء الداخلية عند المرأة وتكون مستعدّةً للحمل.

٢ - إنّ مدّة الطمث من الناحية الشرعية - سواء كان الدم قليلاً أم كثيراً - لا تقلّ عن ثلاثة أيّام ولا تزيد على العشرة، وعليه: فإنّ الدم الذي تشاهده المرأة إن كان أقلّ من ثلاثة أيّام أو أكثر من عشرة ليس بحيض(٢) .

____________________

(١) تحرير الوسيلة: ١ / ٣٤، توضيح المسائل للسيّد الإمام، ص٤٥.

(٢) تحرير الوسيلة: ١ / ٤٤.

٢٩

٣ - يختلف مقدار الدم الخارج بالحيض تبعاً للظروف والعوامل الوراثية والمزاجية، والمناخ، ونوع الطعام، والعمل والنشاط، والبيئة، إلاّ أنّه يُقدّر في كلّ دورة شهرية بشكلٍ متوسط بحوالي ٥٠ إلى ١٠٠ غرام(١) ، وعلى الفتيات أن يُجبرنَ هذا النقص بالاستراحة وتناول الأطعمة الغنيّة والمقويّة.

٤ - لون دم الحيض في الغالب أحمر ضاربٌ إلى السواد، ويكون غليظاً وحارّاً يخرج بدفق وحِرقة(٢) .

٥ - على المرأة أثناء الحيض أن تترك العبادات التي تحتاج إلى وضوء من قبيل الصلاة والصيام، ولكن عليها قضاء الصوم دون الصلاة(٣) .

وهناك مسائل فرعية كثيرة حول الطمث ومدّته، وتناول العقاقير التي تَحول دونه ومراعاة الأمور الصحّية، ممّا لابدّ من مراجعته في مظانّه في الرسائل العلمية والكتب المختصّة في هذا المجال.

أنواع البلوغ الأخرى

تقدّم منّا بيان بلوغ الفتيات والفتيان، وحدّدناه على الترتيب بسنّ التاسعة والخامسة عشرة من السنوات القمرية، ولكن لابدّ لنا أيضاً من أن نأخذ بنظر الاعتبار العلاقات الحقوقية والاجتماعية التي تحتاج - مضافاً إلى سنّ البلوغ الشرعي - إلى رُشدٍ وكفاءة فكرية وقابلية كاملة؛ لما تحتويه هذه العلاقات من مسؤولية.

إنّ نماذج العلاقات الحقوقية للفتيان والفتيات التي تحتاج - مضافاً إلى بلوغ سنّ التكليف - إلى الرشد العقلي والفكري، بل والفيزيقي أيضاً، عبارة عن:

____________________

(١) اطلاعات عمومي جسمي وزناشوئي: ص٢١٩.

(٢) العروة الوثقى: دار الكتب الإسلامية، ص٩٩.

(٣) توضيح المسائل: الإمام الخميني، طبع آستان قدس، ص٥٩، المسألة رقم ٤٦٩.

٣٠

١ - البلوغ الجنسي والزواج

من الواضح أنّ بلوغ الفتيات والفتيان سنّ التكليف الشرعي - الذي حدّدناه ببلوغ التاسعة والخامسة عشرة - لا يعني في الغالب بلوغهما سنّ الزواج والبلوغ الجنسي، ولهذا السبب حينما يتحدّث القرآن الكريم بشأن دَفع أموال اليتامى إليهم يقول:( وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) (١) .

وجاء في الحديث:( إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) دَخل بعائشة وهي بنت عشر سنين، وليس يُدخل بالجارية حتّى تكون امرأة ) (٢) .

وربّما كان هذا النوع من الأحاديث وسائر التجارب العلمية والعرفية، هي التي دَعت السلطة التشريعية إلى سَنّ المادّة رقم ١٠٤١ من القانون المدني، والتي تُحدّد سنّ الزواج في الفتيات ببلوغ الخامسة عشرة، وفي الفتيان ببلوغ الثامنة عشرة، وقد يمكن للفتاة أن تتزوّج في سنّ الثالثة عشرة، والولد في سنّ الخامسة عشرة، في بعض الحالات بإذن وإشراف من المحكمة.

كما عُدّلت هذه المادّة بتاريخ ٨ / ١٠ / ١٣٦١ هجري شمسي، حيث تمّ السماح بزواج الفتاة دون سنّ الثالثة عشرة، ولكن بإذن من ولي أمرها ومراعاة مصلحتها، وفي الوقت الذي يمكن للفتيان أن يتزوّجوا بعد إكمال سنّ الخامسة عشرة، فإنّ الظروف السنّية والرشد العقلي بحاجة إلى كفاءة أكبر، وهو ما يؤيّده العُرف والعقل لتنموا كفاءته الجنسية وسائر الكفاءات الأخرى التي تساعده على إدارة الحياة العائلية.

____________________

(١) سورة النساء: الآية ٦.

(٢) وسائل الشيعة: ١ / ٣١، ح٥.

٣١

٢ - البلوغ الاقتصادي

مضافاً إلى ما توصّلنا إليه في البحث المتقدّم، والآية رقم ستّة من سورة النساء: من ضرورة اكتمال عقل اليتامى لدفع أموالهم إليهم، اكتشفنا أنّ هناك - مضافاً إلى سنّ البلوغ - سنّاً تُمكّن الفتيان والفتيات من إدارة أمورهم الاقتصادية، وهناك رواية عن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال فيها الراوي:

( سألتهُ عن اليتيم متى ينقطع يُتمه؟ قال ( عليه السلام ): ( إذا احتلمَ وعَرف الأخذ والعطاء ) (١) .

ومن هنا أجاز القانون معاملة الأفراد البالِغين سنّ الثامنة عشرة، وبذلك يتحدّد سنّ ( البلوغ الاقتصادي ) بثمانية عشر عاماً.

٣ - البلوغ الاجتماعي

إنّ سنّ بلوغ الفتيان والفتيات لأداء التكاليف الشرعية وفقاً للموازين الإسلامية، وإن حُدّد بتسعة أعوام وخمسة عشر عاماً، إلاّ أنّ القانون حَدّد سنّ البلوغ الاجتماعي بثمانية عشر عاماً في بعض الحالات التي تحتاج إلى رشد وكفاءةٍ عالية، من قبيل الحصول على إجازة السياقة وأداء الخدمة العسكرية.

٤ - البلوغ السياسي

وأمّا بشأن البلوغ السياسي فمعَ الالتفات إلى ما فيه من الحقوق الاجتماعية، وأنّ الشاب لا يمكنه أن يستقلّ في إبداء رأيه وفكره، وإنّما هو تبع للعقل الجمعي في ذلك، يكون رأيهُ على العموم في الشؤون السياسية مع انضمام آراء الآخرين إليه مصوناً من الأضرار الاحتمالية، ومن هنا فقد مَنَحهم قانون الانتخابات حقّ الانتخاب في سنّ السادسة عشرة.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١ / ٣١، ح٦.

٣٢

وعليه: فبرغم بلوغ الفتاة من الناحية الشرعية في سنّ التاسعة، والفتى في سنّ الخامسة عشرة، إلاّ أنّهما لا يبلغان من الناحية السياسية، ولا يتسنّى لهما تقرير مصيرهما من هذه الناحية إلاّ ببلوغهما سنّ السادسة عشرة، وعندها يتمكّنان من التواجد في رقعة الحياة السياسية والاجتماعية، بُغية المشاركة في تحديد مصيرهما وتعالي مجتمعهما الإسلامي من الناحية المعنوية والمادّية، ويكونان قدوة للأجيال والمجتمعات القادمة.

٣٣

(٤)

علاقاتُ الفتيان والفتيات

لو لم يقلأرسطو (٣٨٤ - ٣٢٢ ق م) الملّقب بالمعلِّم الأوّل:( الإنسان مَدني بالطبع ) لابدّ لهُ من العيش ضمن مجتمع(١) ، لأمكننا أن ندرك من كلمة ( الإنسان ) - التي تَحمل معنى الأُنس والأُلفة - ضرورة إقامة العلاقات والارتباط ببعضنا.

ولهذا الارتباط مراحل وشروط يمكن بحثها في ضوء الآراء المختلفة، إلاّ أنّ المُحور المشترك في أغلب الروابط يدور حول محور( تحقيق المنافع ودفع الأضرار ) .

إنّ معنى ( ضرورة هذا الارتباط ) هو: الحاجة الكامنة في وجود كلّ إنسان التي تدفعه إلى معاشره الآخرين، ليبثّهم همومه وأحزانه، ويطلب منهم العون فيحقّق منافعه ويرفع الموانع التي تعترض طريقه في الحياة.

أجل، إنّ هذا الميل نحو الارتباط بالآخرين كامن في جبلّة الإنسان، وهو واضح عليه حتّى في طفولته، إلاّ أنّه يتجلّى في فترة الشباب بشكلٍ أوضح؛ نظراً إلى اتّساع دائرة قابلياته وحاجاته، فيسعى من أجل ذلك بجهدٍ أكبر، وبموازاة ذلك يزداد نشاطه ومعاشراته واكتسابه الأصدقاء ويغدو أكثر حسّاسية.

____________________

(١) سير الحكمة في أوربا: ١ / ٢٨، ٤٨.

٣٤

ويمكن تقسيم أنواع الارتباط بين الشباب بشكلٍ عام إلى أربعة أقسام، نحاول دراسة مشروعيّتها وصلاحيتها:

١ - ارتباط الفتيان بالفتيان.

٢ - ارتباط الفتيات بالفتيات.

٣ - ارتباط الفتيان بالفتيات.

٤ - ارتباط الفتيات بالفتيان.

أمّا الموردان الأوّل والثاني: فهما مطلوبان وضروريان من الناحية العقليّة والفطرية والدينية والسنّة الإنسانية، فيجوز لهما الارتباط ببعضهما وإقامة العلاقات الإنسانية والتعاون فيما بينهما، بل قد يغدو ذلك واجباً لكونه من الشروط اللازمة في حياتهم الاجتماعية، إذ له أحياناً تأثير حيوي ومصيري في تلبية حاجة الإنسان وحلّ مشاكله النفسية وغيرها من مشاكل الحياة.

وعليه: فإنّ علاقة القسمين الأوّلين ببعضهما - كما سنوضّح ذلك أيضاً - إن كانت قائمة على أساس مصالحهما الأخلاقية والإنسانية والدينية، فهي كما قلنا مفيدة وضرورية، وليس لنا الآن حولها مزيد كلام.

الفتيان والفتيات

أمّا بشأن روابط الفتيان بالفتيات وبالعكس، فلنا كلام في هذا الموضوع؛ لمَا يحتويه هذا النوع من الروابط من حسّاسية ودقّة، وطبعاً - كما تقدّم - فإنّ سنّ بلوغ الفتيان يتمّ في الخامسة عشرة، إلاّ أنّ الغلام البالغ عشرة أعوام يُعدّ مميّزاً، والدين يرى قيمة عالية للشؤون الأخلاقية والإنسانية، فلابدَّ من الحفاظ عليها بشكل كامل، وعليه: يحظر على الفتيان والفتيات النظر إلى بعضهما بشهوة، ولا يحقّ لهما أن يتماسّا جسدياً، ولا يجوز لهما الالتقاء في الخفاء، أو المراسلة، أو الاتصال هاتفياً، وما إلى ذلك من الروابط الخارجة عن إطار الدين والأخلاق والأعراف الإنسانية.

٣٥

وإنّ الغريزة الجنسية لها خاصية اجتذاب كلّ من الغلام والفتاة إلى بعضهما، فيستمتعان بذلك ويلبيان حاجتهما الغريزية، ولكن علينا أن نعلم بأنّ تلبية الحاجة الجنسية لا تتمّ عبرَ هذا النوع من الطُرق غير المشروعة، هذا أوّلاً، وثانياً: قال الله تعالى في مُحكم كتابه الكريم:( وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) (١) .

قد يكون هناك مَن لا يدرك خيرهُ وصلاحه وصلاح المجتمع، أو يطّلع على وضع الأخلاق في البلدان الغربية، فيتصوّر أنّ الروابط المحظورة عندنا ما هي إلاّ نوع من الحرّية، فيقع في شباكها الخطيرة، ولكن علينا أن نعي هذه الحقيقة وهي: أنّه ليست كلّ رابطة نافعة، ولا يمكننا أن ندرج كلّ رابطة في خانة الحرّية.

وقد قال العالِم الشهير( فكتور كوزن ) :( ليست الحرّية بأن نفعل ما نحبّ، بل الحرّية أن نفعل ما يحقّ لنا فعله ) (٢) .

الأضرار

إنّ الروابط غير الأخلاقية بين الفتيان والفتيات حتّى وإن سلّمنا جَدلاً عدم منافاتها للعفّة، إلاّ أنّها تُخلّف أضراراً بليغة وكبيرة أهمّها ما يأتي:

أ - خرقُ الموازين الدينية، وتجاوز الحدود الأخلاقية، والاعتداء على حُرمات الآخرين وانتهاك أعراضهم، وإيجاد المشاكل الأخلاقية، والتحلّل والسقوط في هوّة الانحراف والمخاطر الجسيمة التي لا يمكن جبرها.

ب - من خلال الالتفات إلى أنّ هذا النوع من الروابط بين الفتيان والفتيات مخالفٌ لمَا يقرّه العُرف والدين، ويتمّ بعيداً عن أعين الآباء والأمّهات وسائر الأقرباء، إذ يرونه معصية ومخالفاً للأعراف الدينية والتقاليد الأُسرية، وأنّ شيوع هذه الروابط غير السليمة يؤدّي أوّلاً إلى ردود فعل واضطرابات في النظام العائلي، وثانياً إلى الفضيحة والخروج عن دائرة الأخلاق، ونتيجة ذلك كلّه الضياع والندم.

____________________

(١) سورة البقرة: الآية ٢١٦.

(٢) انديشة مردان بزرك: ص٢٥.

٣٦

 والشيء المهمّ في البين: هو أنّ بعض الشباب نتيجة لتسرّعهم وعدم نضجهم يُطلقون العنان لأنفسهم، فينسون كلّ شيء حتّى أنفسهم وهوّيتهم فيهتكون سترهم بأيديهم، فيكون نصيبهم الفضيحة والعار، بل والعقوبة أيضاً! ولا يمكن قبول أيّ عُذرٍ من هؤلاء الأشخاص، ويجدر بهم أنّ يلوموا أنفسهم قبل كلّ أحد.

ج - يسعى الآباء والأمّهات إلى أن تكون سلوكية أبنائهم قائمة على الأسس والموازين الدينية؛ ليقدّموا إلى المجتمع أفراداً صالحين، فيدقّقون في مراقبتهم، وإذا شاهدوا سلوكية مُنافية للأعراف الأخلاقية والأُسرية صاروا بصدد البحث والتنقيب عنها، وعندها يتعيّن على الفتيان والفتيات أن يجيبوا بصدقٍ ليحضوا بثقة أوليائهم، فإذا كانوا قد ارتكبوا خطيئة فسوف يلجؤون إلى الكذب والاحتيال لتبرير خطيئتهم، ممّا يؤدّي بهم إلى ازدواج الشخصية، وإنّ استقرار هذه الخصلة السيّئة فيهم سيؤدّي بهم بالتدريج نحو الاضطراب والقلق النفسي والتحلّل من القيود الأخلاقية! فيجدر بنا أن لا نأتي بشيء يكون منشأ لهذه الصفات القبيحة، وأن لا نفعل ما نضطرّ معه إلى الاعتذار، وقد قيل قديماً:( حَبلُ الكذب قصير )، هذا مضافاً إلى أنّ هذه الانحرافات تنافي الفطرة الإنسانية الطاهرة.

قصّة جعفر الطيّار

إنّ ما ذهبنا إليه من أنّ المعصية تنافي الفطرة الإنسانية الطاهرة أمرٌ يَذعن به الجميع، ولهذا السبب يسعى الفتيان والفتيات إلى إخفاء علاقاتهم غير السليمة من الناحية الأخلاقية، ويحاولون تبرير عملهم القبيح للتخفيف من حدّة لوم الآخرين لهم!

٣٧

وهناك في هذا المجال قصّة تُنقل عن جعفر بن أبي طالب المعروف بـ( جعفر الطيّار ) ، وقد قلّده رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في حرب( مؤتة ) قيادة جيش قوامهُ ثلاثة آلاف رجل من المسلمين، فاستشهدَ في هذه الحرب ولهُ من العمر إحدى وأربعون سنة(١) ، وقد كان له قُبيل بزوغ فجر الإسلام عشرون سنة، حيث كان الناس يتخبّطون في ظلمات الجاهلية، أمّا القصة المذكورة عنه، فقد نُقلت في روايةٍ عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) جاء فيها:( أوصى الله عزّ وجل إلى رسوله: إنّي شكرتُ لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاهُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأخبرهُ، فقال: لولا أنّ الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتُك: ما شربتُ خمراً قطّ؛ لأنّي علمتُ أنّي إن شَربتها زالَ عقلي، وما كذبتُ قطّ؛ لأنّ الكذب يُنقص المروّة، وما زنيتُ قطّ؛ لأنّي خفتُ أنّي إذا عملتُ عُمل بي، وما عبدتُ صَنماً قطّ؛ لأنّي علمتُ أنّه لا يضرّ ولا ينفع، قال: فضربَ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بيده على عاتقه وقال: حقٌّ لله عزّ وجل أن يجعل لك جناحين تطيرُ بهما مع الملائكة في الجنّة ) (٢) .

وعليه: لابدّ للفتيان والفتيات من تجنّب العلاقات غير السليمة؛ لكونها معصية مخالفة للشرع، وقد تنعكس على الإنسان نفسه وعرضه، كما أنّ الأعمال التي تتمّ في الخفاء تنافي السير الطبيعي والفطري للإنسان، ولا ينتج عنها سوى العار والفضيحة.

التذرّعُ بالزواج

يقال أحياناً: لابدّ للفتيان والفتيات من التعرّف على أخلاق وسلوكيات بعضهما قبل الزواج؛ ليتمّ الزواج عن معرفة وبصيرة، فلابدّ لهما من الاختلاط والتزاور والتردّد على بعضهما، للحيلولة دون وقوع المحاذير الناتجة عن عدم معرفة بعضهما!

وللجواب عن ذلك لابدّ من تقديم توضيحات:

١ - ليس من الممكن تجاوز حدود التديّن والعفاف والأعراف الأخلاقية والاجتماعية، ولا يمكن للعوائل المتديّنة والشريفة أن تقبل ذلك.

____________________

(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة: ١ / ٢٨٧.

(٢) بحار الأنوار: ٢٢ / ٢٧٣، الحديث ١٦.

٣٨

٢ - لا يمكن الوصول إلى هدفٍ حميد من خلال سلوك طريق منحرف، وإنّ هذا التفكير الخاطئ دليلٌ على عدم الاتّزان، وناتج عن عدم التقيُّد بالموازين الدينية وتجاوز الحدود الأخلاقية.

٣ - مع الالتفات إلى العواطف الزائفة والخادعة والأنانية، نجد هذا النوع من الروابط في الغالب لم يؤدِّ إلى نتائج ايجابية يمكن التعويل عليها، بل كثيراً ما جرّنا إلى الندم والبؤس؛ لكونه سلوكية غير مدروسة ولا عقلائية.

٤ - بالنسبة إلى الأقرباء والجيران والموظّفين يمكن عادةً حصول المعرفة اللازمة، بسبب الارتباط الاعتيادي الحاصل بشكل عفوي بحكم طبيعة العلاقة الودّية والثقافية والاقتصادية وحتّى الأخلاقية، وعليه: فإنّ الروابط غير الأخلاقية سوف لا تضيف شيئاً.

٥ - وأمّا بالنسبة إلى غير الأقارب والمعارف، فمعَ الالتفات إلى أنّ مثل هذه الروابط السرّية تنشأ عادة عن الانفعالات العاطفية، يكون المنظور فيها الأطماع الأنانيّة غير المسؤولة، فلا يمكن أن تكون عقلائية يمكن الاطمئنان إليها، وإنّ تقارير المحاكم وإحصائيات الطلاق خيرُ دليل على ذلك، وعلى مَن يريد تعرّف طُرق المعرفة الصحيحة أن يراجع بحث( الزواج عن تدبّر ) من هذا الكتاب.

وخلاصة القول: إنّ الروابط الخفيّة وغير السليمة بذريعة الزواج وحتّى عقد العزم عليه، لا تُعد سلوكية موثوقة، ولا تنسجم مع التعاليم الإسلامية، فإذا عَثر كلّ من الشابّ والشابّة على مورد مناسب للزواج، وتوصّلا إلى نتيجة مطلوبة بعد دراسة الأمر بعيداً عن الأحاسيس والعواطف الزائفة، فعليهما أن يبادرا إلى إخبار أوليائهما، أو أحد أقربائهما ممّن يتوفّر فيه التعقّل والتدبير وكتمان السرّ وحفظ الأمانة؛ لأنّ تجربة هؤلاء وإخلاصهم غالباً ما تكون أدقَّ وأنجح، والمهمّ أن لا يسلك الشباب سُبل الانحراف والمعصية.

زواجُ موسى ( عليه السلام ) من صفّورة

إنّ قصّة زواج موسى ( عليه السلام ) قبل نبوّته من القصص التربوية في هذا المجال، فإنّه حينما وصل إلى بئرٍ خارج ( مدين ) - الواقعة شرقيّ خليج العقبة شمال الحجاز وجنوب الشامات في قبال( تبوك ) -

٣٩

 رأى رجالاً يسقون أغنامهم ورأى بعيداً عنهم امرأتين تمنعان وتذودان غنمهما من الورود إلى الماء، فسألهما موسى ( عليه السلام ):( ما شأنكما ومالكما لا تسقيان غنمكما؟ فقالتا: لا نسقي حتّى ينصرف الرجال، وأبونا لا يقوى على السقي بنفسه؛ لأنّه شيخ كبير، لذلك احتجنا ونحن نساء أن نسقي الغنم، فسقى موسى غنمهما، ثمّ تولّى إلى ظلِّ شجرة وقال:( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) (١) .

وعندما ذهبت الفتاتان إلى أبيهما شعيب ( عليه السلام ) وأخبرتاه بما شاهدتاه من خبر موسى الشابّ الأمين الذي أعانهما، أمرَ شعيب ( عليه السلام ) واحدة منهما بالرجوع إلى موسى ( عليه السلام ) واستدعائه، فجاءَته على استحياء وقالت له: إنّ أبي يدعوك ليكافئك على سقيك غنمنا، فتوجّه معها إلى بيت أبيها فتقدّمته لتُدلّه على الطريق، وكانت الريح تضرب ثوبها فتصف محاسنها فناداها موسى ( عليه السلام ):( يا أمَة الله، كوني خلفي وأرني الطريق بقولك، ولمّا دَخل على شعيب وقصّ عليه أمره طمأنَهُ وقال له:نجوتَ من فرعون وقومه إذ لا سلطان لهُ بأرض مدين ) ، ثمّ أشارت إحدى البنتين على شعيب أن يستأجرهُ لقوّته على العمل وأدائه الأمانة، ثمّ زوّجه( صفّورة ) ، واسم الثانية( ليا )، وجَعل مهرها أن يعمل له أجيراً ثماني أو عشر سنوات، فقبلَ موسى بالشرط وحصلَ الزواج بعد أن عَرف موسى فيها العفّة والحياء، وعَرفت فيه الإيمان والتضحية والأمانة.

الاحتياطات اللازمة

إنّ الفتيان والفتيات وإن أمكنهم التحدّث إلى بعضهم في ظلّ الأجواء السليمة، وبين الأقارب وفي الأماكن الدراسية، وأن يتبادلوا المعلومات الدراسية بلا ريبة، وهو أمرٌ يقرّه العلماء والمؤمنون والمتشرّعون، إلاّ أنّه من الضروري تشديد المراقبة الأخلاقية، وتجنّب الاختلاط بغير المحارم في غير هذه الأجواء، على الخصوص في البيئات التي تُخيّم عليها الشهوات والأهواء.

____________________

(١) سورة القصص: الآية ٢٤.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثمّ يضيف :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) ،( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) .(١)

في الحقيقة أنّ هذه الأقسام الثلاثة مرتبطة بعضها بالآخر ومكملة للآخر ، وكذلك لأنّنا كما نعلم أنّ القمر يتجلى في الليل ، ويختفي نوره في النهار لتأثير الشمس عليه ، والليل وإن كان باعثا على الهدوء والظلام وعنده سرّ عشاق الليل ، ولكن الليل المظلم يكون جميلا عند ما يدبر ويتجه العالم نحو الصبح المضيء وآخر السحر ، وطلوع الصبح المنهي الليل المظلم أصفى وأجمل من كل شيء حيث يثير في الإنسان إلى النشاط ويجعله غارقا في النور الصفاء.

هذه الأقسام الثلاثة تتناسب ضمنيا مع نور الهداية (القرآن) واستدبار الظلمات (الشرك) وعبادة (الأصنام) وطلوع بياض الصباح (التوحيد) ، ثمّ ينتهي إلى تبيان ما أقسم من أجله فيقول تعالى :( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) .(٢)

إنّ الضمير في (إنّها) إمّا يرجع إلى «سقر» ، وإمّا يرجع إلى الجنود ، أو إلى مجموعة الحوادث في يوم القيامة ، وأيّا كانت فإنّ عظمتها واضحة.

ثمّ يضيف تعالى :( نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) .(٣)

لينذر الجميع ويحذرهم من العذاب الموحش الذي ينتظر الكفّار والمذنبين وأعداء الحق.

وفي النهاية يؤكّد مضيفا أنّ هذا العذاب لا يخص جماعة دون جماعة ، بل :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) فهنيئا لمن يتقدم ، وتعسا وترحا لمن يتأخر.

واحتمل البعض كون التقدم إلى الجحيم والتأخر عنه ، وقيل هو تقدم النفس

__________________

(١) «أسفر» من مادة (سفر) على وزن (قفر) ويعني انجلاء الملابس وانكشاف الحجاب ، ولذا يقال للنساء المتبرجات (سافرات) وهذا التعبير يشمل تشبيها جميلا لطلوع الشمس.

(٢) «كبر» : جمع كبرى وهي كبيرة ، وقيل المراد بكون سقر إحدى الطبقات الكبيرة لجهنّم ، هذا المعنى لا يتفق مع ما أشرنا إليه من قبل وكذا مع الآيات.

(٣) «نذيرا» : حال للضمير في «أنّها» الذي يرجع إلى سقر ، وقيل هو تمييز ، ولكنه يصح فيما لو كان النذير مصدرا يأتي بمعنى (الإنذار) ، والمعنى الأوّل أوجه.

١٨١

الإنسانية وتكاملها أو تأخرها وانحطاطها ، والمعنى الأوّل والثّالث هما المناسبان ، دون الثّاني.

* * *

١٨٢

الآيات

( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) )

التّفسير

لم صرتم من أصحاب الجحيم؟

إكمالا للبحث الذي ورد حول النّار وأهلها في الآيات السابقة ، يضيف تعالى في هذه الآيات :( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) .

«رهينة» : من مادة (رهن) وهي وثيقة تعطى عادة مقابل القرض ، وكأن نفس الإنسان محبوسة حتى تؤدي وظائفها وتكاليفها ، فإن أدت ما عليها فكت وأطلقت ، وإلّا فهي باقية رهينة ومحبوسة دائما ، ونقل عن أهل اللغة أنّ أحد

١٨٣

معانيها الملازمة والمصاحبة(١) ، فيكون المعنى : الكلّ مقترنون بمعية أعمالهم سواء الصالحون أم المسيئون.

لذا يضيف مباشرة :( إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ) .

إنّهم حطموا أغلال وسلاسل الحبس بشعاع الإيمان والعمل الصالح ويدخلون الجنّة بدون حساب.(٢)

وهناك أقوال كثيرة حول المقصود من أصحاب اليمين :

فقيل هم الذين يحملون كتبهم بيمينهم ، وقيل هم المؤمنون الذين لم يرتكبوا ذنبا أبدا ، وقيل هم الملائكة ، وقيل غير ذلك والمعنى الأوّل يطابق ظاهر الآيات القرآنية المختلفة ، وما له شواهد قرآنية ، فهم ذو وإيمان وعمل صالح ، وإذا كانت لهم ذنوب صغيرة فإنّها تمحى بالحسنات وذلك بحكم( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٣) .

فحينئذ تغطّي حسناتهم سيئاتهم أو يدخلون الجنّة بلا حساب ، وإذا وقفوا للحساب فسيخفف عليهم ذلك ويسهل ، كما جاء في سورة الإنشقاق آية (٧) :( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) .

ونقل المفسّر المشهور «القرطبي» وهو من أهل السنة تفسير هذه الآية عن الإمام الباقرعليه‌السلام فقال : «نحن وشيعتنا أصحاب اليمين وكل من أبغضنا أهل البيت فهم مرتهنون».(٤)

وأورد هذا الحديث مفسّرون آخرون منهم صاحب مجمع البيان ونور

__________________

(١) لسان العرب مادة : رهن.

(٢) قال الشّيخ الطوسي في التبيان أن الاستثناء هنا هو منقطع وقال آخرون كصاحب (روح البيان) أنّه متصل ، وهذا الاختلاف يرتبط كما ذكرنا بالتفسيرات المختلفة لمعنى الرهينة ، وما يطابق ما اخترناه من التّفسير هو أن الاستثناء هنا منقطع وعلى التفسير الثّاني يكون متصلا.

(٣) سورة هود ، الآية ١١٤.

(٤) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٨٧٨.

١٨٤

الثقلين والبعض الآخر أورده تذييلا لهذه الآيات.

ثمّ يضيف مبيّنا جانبا من أصحاب اليمين والجماعة المقابلة لهم :

( فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ ) (١) ( عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) .

يستفاد من هذه الآيات أن الرابطة غير منقطعة بين أهل الجنان وأهل النّار ، فيمكنهم مشاهدة أحوال أهل النّار والتحدث معهم ، ولكن ماذا سيجيب المجرمون عن سؤال أصحاب اليمين؟ إنّهم يعترفون بأربع خطايا كبيرة كانوا قد ارتكبوها :

الاولى :( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) .

لو كنّا مصلّين لذكّرتنا الصلاة بالله تعالى ، ونهتنا عن الفحشاء والمنكر ودعتنا إلى صراط الله المستقيم.

والأخرى :( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) .

وهذه الجملة وإن كانت تعطي معنى إطعام المحتاجين ، ولكن الظاهر أنه يراد بها المساعدة والإعانة الضرورية للمحتاجين عموما بما ترتفع بها حوائجهم كالمأكل والملبس والمسكن وغير ذلك.

وصرّح المفسّرون أنّ المراد بها الزكاة المفروضة ، لأنّ ترك الإنفاق المستحب لا يكون سببا في دخول النّار ، وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى على أنّ الزّكاة كانت قد فرضت بمكّة بصورة إجمالية ، وإن كان التشريع بجزئياتها وتعيين خصوصياتها وتمركزها في بيت المال كان في المدينة.

والثّالثة :( وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ) .

كنّا نؤيد ما يصدر ضدّ الحقّ في مجالس الباطل. نقوم بالترويج لها ، وكنّا معهم

__________________

(١) «يتساءلون» : وهو وإن كان من باب (تفاعل) الذي يأتي عادة في الأعمال المشتركة بين اثنين أو أكثر ، ولكنه فقد هذا المعنى هنا كما في بعض الموارد الأخرى ، ولمعنى يسألون ، وتنكير الجنات هو لتبيان عظمتها و (في جنات) خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو في جنات.

١٨٥

أين ما كانوا ، وكيف ما كانوا ، وكنّا نصدق أقوالهم ، ونضفي الصحة على ما ينكرون ويكذبون ونلتذ باستهزائهم الحقّ.

«نخوض» : من مادة (خوض) على وزن (حوض) ، وتعني في الأصل الغور والحركة في الماء ، ويطلق على الدخول والتلوث بالأمور ، والقرآن غالبا ما يستعمل هذه اللفظة في الإشتغال بالباطل والغور فيه.

(الخوض في الباطل) له معان واسعة فهو يشمل الدخول في المجالس التي تتعرض فيها آيات الله للاستهزاء أو ما تروج فيها البدع ، أو المزاح الواقح ، أو التحدث عن المحارم المرتكبة بعنوان الافتخار والتلذذ بذكرها ، وكذلك المشاركة في مجالس الغيبة والاتهام واللهو واللعب وأمثال ذلك ، ولكن المعنى الذي انصرفت إليه الآية هو الخوض في مجالس الاستهزاء بالدين والمقدسات وتضعيفها وترويج الكفر والشرك.

وأخيرا يضيف :( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ) .

من الواضح أنّ إنكار المعاد ويوم الحساب والجزاء يزلزل جميع القيم الإلهية والأخلاقية ، ويشجع الإنسان على ارتكاب المحارم ، ويرفع كلّ مانع هذا الطريق ، خصوصا إذا استمر إلى آخر العمر ، على كل حال فإنّ ما يستفاد من هذه الآيات أنّ الكفار هم مكلّفون بفروع الدين ، كما هم مكلّفون بالأصول ، وكذلك تشير إلى أن الأركان الاربعة ، أي الصلاة والزّكاة وترك مجالس أهل الباطل ، والإيمان بالقيامة لها الأثر البالغ في تربية وهداية الإنسان ، وبهذا لا يمكن أن يكون الجحيم مكانا للمصلين الواقعيين ، والمؤتين الزّكاة ، والتاركين الباطل والمؤمنين بالقيامة.

بالطبع فإنّ الصلاة هي عبادة الله ، ولكنّها لا تنفع إذا لم يمتلك الإنسان الإيمان به تعالى ، ولهذا فإنّ أداءها رمز للإيمان والإعتقاد بالله والتسليم لأوامره ، ويمكن القول إنّ هذه الأمور الأربعة تبدأ بالتوحيد ينتهي بالمعاد ، وتحقق العلاقة والرابطة بين الإنسان والخالق ، وكذا بين المخلوقين أنفسهم.

١٨٦

والمشهور بين المفسّرين أنّ المراد من (اليقين) هنا هو الموت ، لأنّه يعتبر أمر يقيني للمؤمن والكافر ، وإذا شك الإنسان في شيء ما فلا يستطيع أن يشك بالموت ونقرأ أيضا في الآية (٩٩) من سورة الحجر :( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) .

ولكن ذهب البعض إلى أنّ اليقين هنا يعني المعرفة الحاصلة بعد موت الإنسان وهي التي تختص بمسائل البرزخ والقيامة ، وهذا ما يتفق نوعا ما مع التّفسير الأوّل.

وفي الآية الأخيرة محل البحث إشارة إلى العاقبة السيئة لهذه الجماعة فيقول تعالى :( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) .

فلا تنفعهم شفاعة الأنبياء ورسل الله والائمّة ، ولا الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين ، ولأنّها تحتاج إلى عوامل مساعدة وهؤلاء أبادوا كل هذه العوامل ، فالشفاعة كالماء الزلال الذي تسقى به النبتة الفتية ، وبديهي إذا ماتت النبتة الفتية ، لا يكن للماء الزلال أن يحييها ، وبعبارة أخرى كما قلنا في بحث الشفاعة ، فإنّ الشفاعة من (الشفع) وتعني ضم الشيء إلى آخر ، ومعنى هذا الحديث هو أنّ المشفّع له يكون قد قطع قسطا من الطريق وهو متأخر عن الركب في مآزق المسير ، فتضم إليه شفاعة الشافع لتعينه على قطع بقية الطريق(١) .

وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى مسألة الشفاعة وتنوع وتعدد الشفعاء عند الله ، وهي جواب قاطع لمن ينكر الشفاعة ، وكذلك توكّد على أنّ للشفاعة شروطا وأنّها لا تعني إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب الذنوب ، بل هي عامل مساعد لتربية الإنسان وإيصاله على الأقل إلى مرحلة تكون له القابلية على التشفع ، بحيث لا تنقطع وشائج العلاقة بينه وبين الله تعالى والأولياء.

* * *

__________________

(١) التّفسير الأمثل ، المجلد الأوّل ، ذيل الآية (٤٨) من سورة البقرة.

١٨٧

ملاحظة :

شفعاء يوم القيامة :

نستفيد من هذه الآيات والآيات القرآنية الأخرى أنّ الشفعاء كثيرون في يوم القيامة (مع اختلاف دائرة شفاعتهم) ويستفاد من مجموع الرّوايات الكثيرة والمنقولة من الخاصّة والعامّة أنّ الشفعاء يشفعون للمذنبين لمن فيه مؤهلات الشفاعة :

١ ـ الشفيع الأوّل هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما نقرأ في حديث حيث قال : «أنا أوّل شافع في الجنّة»(١) .

٢ ـ الأنبياء من شفعاء يوم القيامة ، كما ورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع الأنبياء في كلّ من يشهد أن لا إله إلّا الله مخلصا فيخرجونهم منها»(٢) .

٣ ـ الملائكة من شفعاء يوم المحشر ، كما نقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يؤذن للملائكة والنّبيين والشّهداء أن يشفعوا»(٣) .

٤ ، ٥ ـ الأئمّة المعصومين وشيعتهم كما قال في ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال : «لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة»(٤)

٦ ، ٧ ـ العلماء والشّهداء كما ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء»(٥) .

وورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يشفع الشّهيد في سبعين إنسانا

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٣٠.

(٢) مسند أحمد ، ج ٣ ، ص ١٢.

(٣) مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ٤٣.

(٤) الخصال للصدوقرحمه‌الله ، ص ٦٢٤.

(٥) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ، ص ١٤٤٣.

١٨٨

من أهل بيته»(١) .

وفي حديث آخر نقله المجلسي في بحار الأنوار : «إنّ شفاعتهم تقبل في سبعين ألف نفر»(٢) .

ولا منافاة بين الرّوايتين إذ أنّ عدد السبعين والسبعين ألف هي من أعداد الكثرة.

٨ ـ القرآن كذلك من الشفعاء في يوم القيامة كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «واعلموا أنّه (القرآن) شافع مشفع»(٣) .

٩ ـ من مات على الإسلام فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا بلغ الرجل التسعين غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفّع في أهله»(٤) .

١٠ ـ العبادة : كما جاء في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة»(٥) .

١١ ـ ورد في بعض الرّوايات أنّ العمل الصالح كأداء الأمانة يكون شافعا في يوم القيامة.(٦)

١٢ ـ والطريف هو ما يستفاد من بعض الرّوايات من أنّ الله تعالى أيضا يكون شافعا للمذنبين في يوم القيامة ، كما ورد في الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشفع النّبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي»(٧) .

والرّوايات كثيرة في هذه الباب وما ذكرناه هو جانب منها.(٨)

__________________

(١) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ١٥.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠٠ ، ص ١٤.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ، ١٧٦.

(٤) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ٨٩.

(٥) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ١٧٤.

(٦) مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٢ ، ص ١٤.

(٧) صحيح البخاري ، ج ٩ ، ص ١٤٩.

(٨) للاستيضاح يمكن مراجعة كتاب مفاهيم القرآن ، ج ٤ ، ص ٢٨٨ ـ ٣١١.

١٨٩

ونكرر أنّ للشفاعة شروطا لا يمكن بدونها التشفع وهذا ما جاء في الآيات التي بحثناها والتي تشير بصراحة الى عدم تأثير شفاعة الشفعاء في المجرمين ، فالمهم أن تكون هناك قابلية للتشفع ، لأنّ فاعلية الفاعل لوحدها ليست كافية (أوردنا شرحا مفصلا في هذا الباب في المجلد الأوّل في بحث الشفاعة)

* * *

١٩٠

الآيات

( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣)كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦) )

التّفسير

يفرّون من الحق كما تفرّ الحمر من الأسد :

تتابع هذه الآيات ما ورد في الآيات السابقة من البحث حول مصير المجرمين وأهل النّار ، وتعكس أوضح تصوير في خوف هذه الجماعة المعاندة ورعبها من سماع حديث الحقّ والحقيقة.

فيقول الله تعالى أوّلا :( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (١) لم يفرّون من دواء

__________________

(١) «ما» مبتدأ و (لهم) خبر و (معرضين) حال الضمير لهم (وعن التذكرة) جار ومجرور ومتعلق بالمعرضين ، وقيل تقديم (عن التذكرة) على (معرضين) دلالة على الحصر أي أنّهم أعرضوا عن التذكرة المفيدة فقط ، على كل حال فإنّ المراد من التذكرة هنا كلّ ما هو نافع ومفيد وعلى رأسها القرآن المجيد.

١٩١

القرآن الشافي؟ لم يطعنون في صدر الطبيب الحريص عليهم؟ حقّا إنّه مثير( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) .

«حمر» : جمع (حمار) والمراد هنا الحمار الوحشي ، بقرينة فرارهم من قبضة الأسد والصياد ، وبعبارة أخرى أنّ هذه الكلمة ذات مفهوم عام يشمل الحمار الوحشي والأهلي.

«قسورة» : من مادة (قسر) أي القهر والغلبة ، وهي أحد أسماء الأسد ، وقيل هو السهم ، وقيل الصيد ، ولكن المعنى الأوّل أنسب.

والمشهور أنّ الحمار الوحشي يخاف جدّا من الأسد ، حتى أنّه عند ما يسمع صوته يستولي عليه الرعب فيركض إلى كلّ الجهات كالمجنون ، خصوصا إذا ما حمل الأسد على فصيل منها ، فإنّها تتفرق في كل الجهات بحيث يعجب الناظر من رؤيتها.

وهذا الحيوان وحشي ويخاف من كل شيء ، فكيف به إذا رأى الأسد المفترس؟!

على كل حال فإنّ هذه الآية تعبير بالغ عن خوف المشركين وفرارهم من الآيات القرآنية المربية للروح ، فشبههم بالحمار الوحشي لأنّهم عديمو العقل والشعور ، وكذلك لتوحشّهم من كل شيء ، في حين أنّه ليس مقابلهم سوى التذكرة.

( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) (١) ، وذلك لتكبّرهم وغرورهم الفارغ بحيث يتوقعون من الله تعالى أن ينزل على كلّ واحد منهم كتابا.

وهذا نظير ما جاء في الآية (٩٣) من سورة الإسراء :( وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى

__________________

(١) «صحف» : جمع صحيفة ، وهي الورقة التي لها وجهان ، وتطلق كذلك على الرسالة والكتاب.

١٩٢

تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) .

وكذا في الآية (١٢٤) من سورة الأنعام حيث يقول :( قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) .

وعلى هذا فإنّ كلّا منهم يتنظر أن يكون نبيّا من اولي العزم! وينزل عليه كتابا خاصّا من الله بأسمائهم ، ومع كل هذا فليس هناك من ضمان في أن يؤمنوا بعد كل ذلك.

وجاء في بعض الرّوايات أنّ أبا جهل وجماعة من قريش قالوا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا نؤمن بك حتى تأتينا بصحف من السماء عليها فلان ابن فلان من ربّ العالمين ، ويأتي الأمر علنا باتباعك والإيمان بك.(١)

ولذا يضيف في الآية الأخرى :( كَلَّا ) ليس كما يقولون ويزعمون ، فإنّ طلب نزول مثل لهذا الكتاب وغيره هي من الحجج الواهية ، والحقيقة( بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ) .

إذا كانوا يخافون الآخرة فما كانوا يتذرعون بكل هذه الذرائع ، ما كانوا ليكذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كانوا ليستهزئوا بآيات الله تعالى ، ولا بعدد ملائكته ، ومن هنا يتّضح أثر الإيمان بالمعاد في التقوى والطهارة من المعاصي والذنوب الكبيرة ، والحقّ يقال إن الإيمان بعالم البعث والجزاء وعذاب القيامة يهب للإنسان شخصية جديدة يمكنه أن يغير إنسانا متكبرا ومغرورا وظالما إلى إنسان مؤمن متواضع ومتق عادل.

ثمّ يؤكّد القرآن على أنّ ما يفكرون به فيما يخصّ القرآن هو تفكّر خاطئ :( كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) .

إنّ القرآن الكريم قد أوضح الطريق ، ودعانا إلى التبصر فيه ، وأنار لنا السبيل

__________________

(١) تفسير القرطبي ، والمراغي ، وتفاسير اخرى.

١٩٣

ليرى الإنسان موضع أقدامه ، وفي الوقت نفسه لا يمكن ذلك إلّا بتوفيق من الله وبمشيئته تعالى ، وما يذكرون إلّا ما يشاء الله.

ولهذا الآية عدّة تفاسير :

إحداها : كما ذكرناه سابقا ، وهو أن الإنسان لا يمكنه الحصول على طريق الهداية إلّا بالتوسل بالله تعالى وطلب الموفقية منه.

وطبيعي أن هذا الإمداد والتوفيق الإلهي لا يتمّ إلّا بوجود أرضية مساعدة لنزوله.

والتّفسير الآخر : ما جاء في الآية السابقة :( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) يمكن أن يوجد وهما وأنّ كل شيء مرتبط بإرادة الإنسان نفسه ، وأنّ إرادته مستقلة في كل الأحوال ، وتقول هذه الآية رافعة بذلك هذا الاشتباه ، إنّ الإنسان مرتبط بالمشيئة الإلهية ، وإن هذه الآية مختارا حرّا وهذه المشيئة هي الحاكمة على كل هذا العالم الموجود ، وبعبارة اخرى : إنّ هذا الاختبار والحرية والمعطاة للإنسان في بمشيئته تعالى وإرادته ، ويمكن سلبها أنّى شاء.

وأمّا التّفسير الثّالث فإنّه يقول : إنّهم لا يمكنهم الإيمان إلّا أن يشاء الله ذلك ويجبرهم ، ونعلم أنّ الله لا يجبر أحدا على الإيمان أو الكفر ، والتّفسير الأوّل والثّاني أنسب وأفضل.

وفي النهاية يقول :( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) .

فهو أهل لأن يخافوا من عقابه وأن يتقوا في اتّخاذهم شريكا له تعالى شأنه ، وأن يأملوا مغفرته ، وفي الحقيقة ، أنّ هذه الآية إشارة إلى الخوف والرجاء والعذاب والمغفرة الإلهية ، وهي تعليل لما جاء في الآية السابقة ، لذا نقرأ

في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «قال الله : أنا أهل

١٩٤

أن اتقى ولا يشرك بي عبدي شيئا وأنا أهل إن لم يشرك بي شيئا أن ادخله الجنّة»(١) .

وبالرغم من أنّ المفسّرين ـ كما رأينا ـ قد أخذوا التقوى هنا بمعناها المفعولي ، وقالوا إنّ الله تعالى أهل لأن يتّقى من الشرك والمعصية ، ولكن هناك احتمالا آخر ، وهو أنّ تؤخذ بمعناها الفاعلي ، أي أن الله أهل للتقوى من كلّ أنواع الظلم والقبح ومن كل ما يخاف الحكمة ، وما عند العباد من التقوى هو قبس ضعيف من ما عند الله ، وإنّ كان التعبير بالتقوى بمعناه الفاعلي والذي يقصد به الله تعالى قليل الاستعمال ، على كل حال فإنّ الآية قد بدأت بالإنذار والتكليف ، وانتهت بالدعوة إلى التقوى والوعد بالمغفرة.

ونتعرض هنا بالدعاء إليه خاضعين متضرعين تعالى :

ربّنا! اجعلنا من أهل التقوى والمغفرة.

اللهم! إن لم تشملنا ألطافك فإنّنا لا نصل إلى مرادنا ، فامنن علينا بعنايتك.

اللهم! أعنّا على طريق مليء بالمنعطفات والهموم والمصائد الشيطانية الصعبة ، وأعنا على الشيطان المتهيئ لإغوائنا ، فبغير عونك لا يمكننا المسير في هذا الطريق.

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة المدّثّر

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٥.

١٩٥
١٩٦

سورة

القيامة

مكيّة

وعدد آياتها أربعون آية

١٩٧
١٩٨

«سورة القيامة»

محتوى السورة :

كما هو واضح من اسم السورة فإنّ مباحثها تدور حول مسائل ترتبط بالمعاد ويوم القيامة إلّا بعض الآيات التي تتحدث حول القرآن والمكذبين ، وأمّا الآيات المرتبطة بيوم القيامة فإنّها تجتمع في أربعة محاور :

١ ـ المسائل المرتبطة بأشراط الساعة.

٢ ـ المسائل المتعلقة بأحوال الصالحين والطالحين في ذلك اليوم.

٣ ـ المسائل المتعلقة باللحظات العسيرة للموت والانتقال إلى العالم الآخر.

٤ ـ الأبحاث المتعلقة بالهدف من خلق الإنسان ورابطة ذلك بمسألة المعاد.

فضيلة السورة :

في حديث روي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة القيامة شهدت أنا وجبرائيل له يوم القيامة أنّه كا مؤمنا بيوم القيامة ، وجاء ووجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة»(١) .

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام قال : «من أدمن قراءة( لا أُقْسِمُ ) وكان يعمل بها ، بعثها الله يوم القيامة معه في قبره ، في أحسن صورة

__________________

(١) مجمع البيان ، ١٠ ـ ، ص ٣٩٣.

١٩٩

تبشّره وتضحك في وجهه ، حتى يجوز الصراط والميزان»(١) .

والجدير بالملاحظة أنّ ما كنّا نستفيد منه في القرائن التي في فضائل تلاوة السور القرآنية قد صرّح بها الإمام هنا في هذه الرّواية حيث يقول : «من أدمن قراءة لا اقسم وكان يعمل بها» ولذا فإنّ كل ذلك هو مقدمة لتطبيق المضمون.

* * *

__________________

(١) المصدر السّابق.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214