ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب36%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156201 / تحميل: 8966
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وعليه: يتعيَّن على الأولياء والمعلّمين، وكذلك الشباب واليافعين فيما لو كانوا قد ابتلوا - لا قدَّر الله - بهذا المرض، أن يسعوا إلى معالجته قبل فوات الأوان؛ فإنّه إذا تجذّر المرض فسيكون الأمر كما قال القائل:( مَن لم يؤدّبهُ الأبوان أدّبهُ الزمان، ومَن لم يؤدّبه الزمان أدّبه سهمٌ مسموم ) .

٨١

(١١)

الانحرافاتُ الجنسية والسقوط الأخلاقي

هل من الضروري في ظلّ الظروف الاجتماعية الراهنة أن نبحث في( الانحرافات الجنسية ) ؟

هناك سببان لضرورة بيان المسائل المتعلّقة بناحية الشهوة الجنسية لدى كلّ من الذكر والأنثى:

١ - تتجلّى ضرورة ذلك من الأسئلة والرسائل وتقارير الصُحف والمراكز الاستشارية والتقارير الأخرى.

٢ - من الضروري بيان المسائل المتعلّقة بـ( سنّ تكليف الشباب )، وتبيين الفرق بين ( الحلال والحرام )، والالتفات إلى العواقب السيئة للانحراف الجنسي لطبقة الشباب الكبيرة في الظروف الراهنة وعصر الاتصالات، فلابدّ من رفع مستوى الوعي لدى الشباب والأولياء والمعلّمين بشكلٍ جادّ.

والمراد من( الانحرافات الجنسية ) : هو الاستفادة غير الطبيعية من ( المشاعر ) و( السلوكيات )، التي تَعتبرها الأديان الإلهية، والقوانين العقلائية، والفطرة الطاهرة لدى الناس، ذنباً ومعصية، ولها من الناحية العلمية آثار جسميّة ونفسية سيّئة، ولها من الناحية الدينية تَبَعات حقوقية وجزائية، وأهمّ تلك الانحرافات ما يلي:

٨٢

١ - النظرُ الحرام

إنّ النظر إلى المحرّم هو نوع من إطفاء الشهوة الجنسية عن طريق ( الحاسّة الباصرة )، يؤدّي إلى اضطراب القلب وتدنيسه، وهو في حدّ ذاته معصية وانحراف، وقد يؤدّي أحياناً إلى انحرافات هدّامة أكبر.

ومن هنا قال بعض الكبار، الذين سعوا في طريق السلوك المعنوي للوصول إلى مستقبلٍ ناصع في هذا المجال، بُغية تنبيه الجميع إلى مخاطر انحراف الباصرة :( الويلُ من أمر العين والقلب، إذ كلّ ما تراه العين احتفظَ به القلب، فلا محيص من أن أشحذ خنجراً فولاذياً لأفقأ به عيني حتّى يتحرّر قلبي ) (١) .

وقال الإمام علي ( عليه السلام ):( إذا أبصَرَت العين الشهوة، عَميَ القلب عن العاقبة ) (٢) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( النظرةُ سهمٌ من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرةٍ أورثت حسرة طويلة ) (٣) .

استقبلَ شابٌ من الأنصار امرأة بالمدينة، وكان النساء يتقنَّعن خلف آذانهن، فنظرَ إليها وهي مقبلة، فلمّا جازت نظر إليها، ودخلَ في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها، واعترضَ وجههُ عظم في الحائط، أو زجاجة فشقّ وجهه، فلمّا مَضت المرأة، نظرَ فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال: والله، لآتينّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ولأخبرنّهُ، فلمّا رآهُ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال:( ما هذا؟ ) فأخبرهُ، فنزلَ جبرئيل ( عليه السلام ) بهذه الآية:( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (٤) .

____________________

(١) دو ربيتي بابا طاهر العريان: ص٨.

(٢) غُرر الحِكم: ص٣٠٥.

(٣) وسائل الشيعة: ٢٠ / ١٩١ ( مؤسّسة آل البيت، قم ).

(٤) سورة النور: الآية ٣، وسائل الشيعة: ٢٠ / ١٩٢.

٨٣

  وعلى أيّ حال، فإنّ النظرَ إلى المحارم انحرافٌ جنسي يؤدّي إلى الافتتان والفساد، وقد عدَّه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ذنباً ونوعاً من الزنا، وقال في بيان عقوبته الأخروية:( مَن مَلأ عينيه من حرام، مَلأ الله عينيه يوم القيامة من النار، إلاّ أن يتوب ويرجع ) (١) .

٢ - العادةُ السرّية

وهي المعبَّر عنها في الكتب الفقهية والرسائل العملية لعلماء الدين بـ( الاستمناء ) ، ويَعدّها الأطبّاء وعلماء الأحياء في جملة الانحرافات الجنسية، كما يراها الإسلام معصية وانحرافاً أخلاقياً.

والعادة السرّية: عبارة عن أن يتصوّر الإنسان أشياء تُثير شهوتهُ الجنسية، أو يقوم بعمل يؤدّي إلى خروج المَني منه، وبذلك يُطفئ لهيب شهوته ويُشبع غريزته الجنسية.

وطبقاً للروايات المروّية عن الإمام الصادق ( عليه السلام )، فقد عدّ الاستمناء عملاً قبيحاً ومعصية كبيرة، فقد سُئل عن الخضخضة؟ فقال:( إثمٌ عظيم، قد نهى الله عنه في كتابه وفاعله كناكح نفسه، ولو عَلمتَ بما يفعلهُ ما أكلتَ معهُ ، فقال السائل: فبيّن لي يابن رسول الله من كتاب الله فيه؟ فقال:قول الله: ( فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) وهو ممّا وراء ذلك ) (٢) .

كما قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) في بيان مجازاة مَن يرتكب هذا النوع من الانحراف الجنسي:( إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أُتيَ برجل عَبث بذكره، فضربَ يدهُ حتّى احمرّت، ثمّ زوّجه من بيت المال ) (٣) .

ومن جهةٍ أخرى، فقد ذهبَ جميع المجتهدين إلى أنّ ( الاستمناء ) من الأمور المبطلة للصوم(٤) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ٢٠ / ١٩٦، بحار الأنوار: ١٠١ / ٣٢.

(٢) سورة المؤمنون: الآية ٧، وسائل الشيعة: ٢٨ / ٣٦٤، الحديث ٣٤٩٧٨.

(٣) وسائل الشيعة: ٢٨ / ٣٦٣، ٢٠ / ٣٥٢، مؤسّسة آل البيت ( عليهم السلام ).

(٤) تحرير الوسيلة: ١ / ٢٦٦، توضيح المسائل: ص٢١١.

٨٤

ومع الالتفات إلى أنّ الاستمناء عملية غير طبيعية، وإشباع ناقص للشهوة وكونهُ انحرافاً جنسياً، فقد ذكر الأطبّاء وعلماء النفس لهُ أضراراً جسدية ونفسية متعدّدة، أهمّها ما يأتي:الاضطراب والشعور بالضعة بعد إتمام العملية، إرهاق الجهاز التناسلي والأعصاب، إضعاف الإرادة، الكسل، شدّة الحياء، الأنانية، حدّة المزاج، التكبّر، الاكتئاب، سوء الظنّ (١) .

وقد ذكرَ الدكتورهوجين : ( إنّ أوّل ما يترتّب على هذه العادة الشنيعة هو: زوال قوّة العين وشفافيّتها، وذهاب اللون الطبيعي للبشرة وذُبولها، وقلّة الذكاء، وظهور حالة من الانقباض عليهم، وتعلو أجفانهم زرقة خفيفة، وضُعف الذاكرة، وقلّة الشهوة إلى الطعام، وعُسر الهضم، واختلال التنفّس، وحدّة الأخلاق والمزاج، والحسد، والحُزن والاكتئاب، وحُبّ العزلة والوحدة، وفقر الدم، وآلام الظهر، والصداع، وصفير الإذن، والضُعف والنحول، ورعشة اليد، وانعدام مناعة الجسم، وكلّها من الآثار السيئة للابتلاء بهذا الانحراف الجنسي )(٢) .

للوقاية من هذا المرض ولعلاجه أحياناً، لابّد في الدرجة الأولى من الإقبال على الأطعمة التي تعمل على تقوية الأعصاب والإرادة، اجتناب الاعتزال والنظر إلى المشاهد التي تثير الشهوة، وعدم ارتداء الثياب الضيّقة، وسائر الموارد المثيرة، والتمتّع بإرادة راسخة(٣) ، واللجوء إلى الزواج والاتصال الطبيعي والمشروع؛ فإنّ ذلك خير علاج للشباب، ولابدّ أيضاً من الرجوع إلى الطبيب للحيلولة دون المخاطر الأليمة لذلك.

____________________

(١) مُشكلات جنسي جوانان: ص١٤٠.

(٢) مسائل واختلالات جنسي: الدكتور مير أحمد هاشمي فرد، ص٦٣.

(٣) مسائل واختلالات جنسي: د. مير أحمد هاشمي فرد.

٨٥

٣ - اشتهاءُ المماثل

إنّ ممارسة الجنس مع المماثل من جملة الانحرافات الجنسية والأخلاقية المشؤومة والمُهلكة.

وإنّ هذه العملية القبيحة عريقة في القِدَم، وقد أوعزها القرآن الكريم إلى( قوم لوط ) في ثلاثة مواطن من القرآن الكريم، وقد صوّر القرآن كيف أنّ لوطاً ( عليه السلام ) شنّع هذه العملية، واصفاً مَن يمارسها بالجهل والانحراف(١) .

وهذه العملية التي تسمّى بالانجليزية ( Homosexuality ) أن حَصلت بين الإناث سميّت في الأحاديث والفقه الإسلامي بـ( المُساحقة ) ، وسواءٌ حَصلت هذه العملية بين الذكور أم الإناث، فهي عملية قبيحة ومنحرفة ومعصية كبيرة توجب انقطاع النسل، وانعدام السعادة، والآثار الجنسية السيئة، وتُخلّف تشويهات جسدية ونفسية، وتُتخذ بحقّ مَن يمارسها أشدّ العقوبات الجزائية(٢) .

ولكن للأسف الشديد، فإنّنا نشاهد في العالَم الغربي المعاصر بعض الجهات المنحرفة والمريضة والمتحلّلة، تدعو إلى إشاعة هذا الانحراف الأخلاقي وإعطائه صبغة قانونية(٣) ، بذريعة الحرّية والحدّ من النسل، وطبعاً أنّ هذه السلوكية مُخالفة للوجدان والشرف الإنساني، وقد ذَهبت جميع الأديان إلى تقبيحها والمنع منها، بل رَدعت عنها حتّى المذاهب غير الإلهية، فقد عُرض فيلم في الهند تحت عنوان( النار ) ، وقد صوّر هذه العملية بين امرأتين، فَشجَبهُ الهندوس وأوقفوا عرض الفيلم بمهاجمة السينما(٤) .

ومضافاً إلى عشرات الآثار السيئة المترتّبة على هذه العملية السيّئة، فإنّ مرض( الايدز ) الخطير من جملة الأمراض المترتّبة عليها، كما يترتّب عليها أثران وضعيان وحقوقيان آخران في الحياة الاجتماعية والأُسرية، كما ذَكرت الروايات الإسلامية:

____________________

(١) راجع سورة الأعراف: الآية ٨١، سورة النمل: الآية ٥٥، سورة العنكبوت: الآية ٢٩.

(٢) تحرير الوسيلة: ج٢، ص٦٠٠.

(٣) صحيفة كيهان: العدد ١٤٦٤٨، ص٧.

(٤) راديو (B.B.C).

٨٦

١ - فقد ورد في الحديث عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال:( مَن ألحّ في وطئ الرجال، لم يمت حتّى يدعو الرجال إلى نفسه ) (١) .

٢ - وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) في رجلٍ عَبث بغلام:( إذا أوقبَ حرُمت عليه ابنتهُ وأخته ) (٢) .

وعلى كلّ حال، فإنّ هذه الفاجعة الأخلاقية( اشتهاء المماثل ) - والتي نَعدّها انحرافاً وانحطاطاً وسقوطاً للقيَم الأخلاقية - أدّت بالمجتمع الغربي إلى أن يعدَّها فضيلة، حتّى خَرجت مجموعة من هؤلاء المنحرفين في ألمانيا برفقة مليون شاب ألماني وغير ألماني، في مسيرة تمثّل عدم التزامهم بالقيَم الأخلاقية(٣) !

ولكن في قبال هذه الكارثة الأخلاقية التي تؤدّي إلى تحطيم الأُسرة، وبمناسبة بحث قضية ( زواج المتماثلين ) في المجلس الفرنسي، فقد نظّمت المنظّمات الدينية المسيحية والإسلامية واليهوديّة - التي قدّرها الشرطة بحوالي ٧٢٠٠ شخص فقط، في حين قدَّر المنظّمون عدد الجماهير التي شاركت من مختلف مُدن فرنسا بين ٦٠ إلى ١٣٠ ألف شخص - تظاهرات تُندّد بهذه العملية، وتدعو إلى حفظ القيَم الأسرية وعدم المصادقة على هذا القانون الذي ينافي القيَم الأخلاقية(٤) .

وطبقاً لأحاديثنا الدينية، فإنّ هذا النوع من الانحرافات والفجائع الأخلاقية في المجتمع سَيَعقبهُ غضبُ الله، فقد وردَ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال:( لمّا عَمل قوم لوط ما عَملوا، شَكَت السماء والأرض إلى الله عزّ وجل، فأوحى الله إلى السماء أن احصبيهم، وإلى الأرض أن اخسُفي بهم ) (٥) .

وإنّنا نشاهد حالياً هذه العقوبات تَتّخذ صورة الفيضانات والأعاصير والزلازل الفتّاكة، في المجتمعات التي تسودها هذه الانحرافات.

____________________

(١) الفصول المهمّة: الحرّ العاملي ٣ / ٣٩٩، الكافي: ٥ / ٥٤٦.

(٢) وسائل الشيعة: ١٤ / ٣٣٩ ( دار إحياء التراث العربي ).

(٣) صحيفة كيهان: العدد ١٦٢٩٤، ص٧.

(٤) صحيفة جمهوري إسلامي: العدد ٥٦٣٠، ص١٦.

(٥) دعائم الإسلام: ٢ / ٤٥٥.

٨٧

٤ - الأعمالُ المنافية للعفّة

إنّ العمل المنافي للعفّة، أو الاتصال غير المشروع الوارد في القرآن الكريم والروايات تحت عنوان ( الزنا )، معصية كبيرة وانحراف جنسي خطير، مَنعتهُ جميع الأديان السماوية والقوانين البشرية العقلائية المنبثقة عن الوجدان الطاهر.

وفي مجتمعنا لا يخفى على أحد قُبح هذه العملية والأضرار المترتّبة عليها، ومن خلال الالتفات إلى الملفّات الجنائية الموجودة في الصُحف، فإنّ الأمور الآتية جديرة بالملاحظة:

١ - إنّ القرآن الكريم يرى أنّ هذه العملية من القُبح والخطورة حتّى وردَ فيه:( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) (١) .

٢ - وقد جَعل نبيّ الإسلام ( صلّى الله عليه وآله ) الزنا، مساوياً لقتل النبيّ، والإمام، وتخريب الكعبة(٢) .

٣ - وقال الإمام علي ( عليه السلام ):( ما زَنى غيورٌ قطّ ) (٣) .

٤ - وفي بيان سبب تحريم هذه العملية من وجهة نظر الإسلام، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( لمَا فيه من: الفساد، وذهاب المواريث، وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا مَن أحبلها، ولا المولود يَعلم مَن أبوه، ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة ) (٤) .

____________________

(١) سورة الإسراء : الآية ٣٢.

(٢) بحار الأنوار: ٧٦ / ٢٠.

(٣) نهج البلاغة: صبحي الصالح، ص٥٢٩، الحديث ٣٠٥، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٩ / ٢٠٩.

(٤) الاحتجاج للطبرسي: ٢ / ٩٣، بحار الأنوار: ١٠٠ / ٣٦٨.

٨٨

وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ):( حرَّم الزنا لمَا فيه من الفساد من: قَتل الأنفُس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد ) (١) .

ردودُ الفعل والعقوبات الإلهية

إنّ الآثار والأعراض الفظيعة والمُهلكة الناجمة عن هذه العملية المنافية للعفّة وغير المشروعة كعقوبة إلهية هي كالآتي:

١ - قال الإمام علي ( عليه السلام ):( إيّاكم والزنا؛ فإنّ فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، فأمّا اللواتي في الدنيا: فيذهب بالبهاء، ويقطع الرزق الحلال، ويُعجّل الفناء إلى النار ) (٢) .

٢ - وقال أيضاً:( والزنا يورثُ الفقر ) (٣) .

٣ - وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أربعٌ لا تدخل بيتاً واحدة منهنّ إلاّ خَربَ ولم يعمُر بالبركة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزنا ) (٤) .

٤ - إنّ العمل المنافي للعفّة والاعتداء الجنسي وما يترتّب من الآثار المتقدّمة على فاعله، يُحتّم الالتفات إلى مسؤولية الجميع في الحدّ من هذا الانحراف، فإذا لم يقم الجميع بما تُمليه مسؤوليتهم، فإنّ العقوبة الإلهية المترتّبة على هذه المعصية ستعمّ الجميع، وتترتّب عليها آثار وضعية سيّئة.

قال الإمام الباقر ( عليه السلام ):( وجدنا في كتابٍ لعلي ( عليه السلام ) عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال : إذا ظهرَ الزنا من بعدي ظهَرَت موتة الفجأة ) (٥) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ) (٦) .

____________________

(١) عِلل الشرائع: ٢ / ٤٧٩، بحار الأنوار: ٧٦ / ٢٤، الحديث رقم ١٩.

(٢) عِلل الشرائع: ص٤٨٠، عقاب الأعمال: ص٣١١.

(٣) الخصال للصدوق: ص٢٣٩، بحار الأنوار: ٧٦ / ١٩، الحديث رقم ٤.

(٤) أمالي الصدوق: ص٢٣٩، بحار الأنوار: ٧٦ / ١٩، الحديث ٤.

(٥) بحار الأنوار: ٧٦ / ٢٣.

(٦) المصدر السابق: ص٢١.

٨٩

٥ - وبما أنّ نظام هذا العالَم قائم على قاعدة:أنّ لكل فعل ردّ فعل ، وهو ما أثبتتهُ التجارب أيضاً، فقد وردَ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال:( أوصى الله إلى موسى ( عليه السلام ): لا تزنوا فَتزني نساؤكم، ومَن وَطَئ فراش امرئ مُسلم وطِئ فراشهُ، كما تُدين تُدان ) (١) .

كما يدين المرء يوماً يُدان به

مَن يزرع الشوك لا يحصدهُ ريحاناً

٦ - إنّ عُمق هذه الكارثة الأخلاقية والاعتداء الجنسي عظيم جدّاً، ومُخالف لسير النظام الطبيعي.

يُروى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أوصى يعقوب ( عليه السلام ) ابنهُ قائلاً: يا بُني لا تزنِ، لو أنّ الطير زنا لتناثرَ ريشه ) (٢) .

٧ - إنّ إحصائية ( الأمّهات الخليّات )، والفتيات اللاتي تزوّجن بشكلٍ غير قانوني في ٥٣ بلداً في الدول النامية، تُبيّن لنا وضعاً خطيراً ومُخجلاً!

وتحكي نتيجة تحقيق دولي في انجلترا عن ظاهرة ولادات من نساء خليّات، تتراوح أعمارهنّ بين ١٥ إلى ١٩ سنة في: أمريكا، وبولندا، واليابان، وانجلترا، وقد شكّلت أكبر نسبة من ولادة الأطفال غير الشرعيين، حيث بَلَغت ٨٧% من ولادات لأمّهات لم يتزوّجن بشكلٍ شرعي(٣) ، وقد تخبّطت انجلترا بسبب ذلك في وضع أخلاقي فظيع.

وعلى أيّ حال، فإنّ المفاسد الأخلاقية والضغوط الناجمة عن الفراغ المعنوي في العالم الغربي أدّت - كما جاء في تقرير لمجلّة( سكو لاستيك ) الأمريكية - إلى ارتفاع نسبة المسلمين الأمريكان البالغة بين أربعة إلى ستة ملايين نسمة، وإنّ آلاف التلاميذ من الفتيان والفتيات يفضّلون الانتساب إلى المدارس التي تَدرس الإسلام باللغة العربية(٤) .

____________________

(١) المحاسن: ص١٠٧، بحار الأنوار: ٧٦ / ٢٧، الحديث ٣٢.

(٢) المحاسن: ١ / ١٠٦، بحار الأنوار: ٧٦ / ٢٧، الحديث ٣٠.

(٣) صحيفة جمهوري إسلامي: العدد ٥٤٨٤، ص٥.

(٤) الملحق الخاص بصحيفة اطلاعات: ١٥ دي ماه ١٣٧٣، ص١.

٩٠

كما ذكرت جريدة( أنديبند نت ) الانجليزية تحت عنوان( ارتفاع نسبة المنتسبين إلى الإسلام في أوربا ) : ( إنّ الضغوط النفسية الناتجة عن الفراغ والخواء المعنوي في الغرب، واليأس من المسيحية الجوفاء، من الأسباب الرئيسة في لجوء الأوربيين خلال نصف القرن الأخير إلى الإسلام )(١) .

فإذا كانت أحكام الإسلام المبيّنة قد أوجدت مثل هذا التقدّم في العالم الغربي والأوربي، أفلا يجدر بنا أنّ نتمسّك أكثر بالفضيلة والعيش الطاهر الذي نادى به الإسلام؛ كي لا نتخلّف عن هذا الركب العظيم؟!

____________________

(١) صحيفة جمهوري إسلامي: العدد ٥٦٤٠، ص١٦.

٩١

(١٢)

النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) والشباب

إنّ الشباب ثروة عظيمة لا يدركها كافّة الشباب ما دامت في أيديهم، وحينما يفقدونها يكون قد فاتهم الأوان، واستحال الرجوع إلى الوراء!

وقلّما تجد شابّاً يدرك قيمة شبابه ويغتنمها بشكلٍ كامل، وقلّما يندم الكبار على الفُرص التي ضيّعوها في شبابهم!

وهنا تتجلّى أهمية حِكمة الإمام علي ( عليه السلام ) كي لا يغترّ الشباب بمستوى وعيهم، وأن لا يُضيّعوا فرصة الشباب الذهبية، وعلى أولياء الأمور أن يراقبوا بشدّة، وأن يتجاوزوا عن غفلة الشباب وعثراتهم الطفيفة، وأن يغضّوا الطرف عنها.

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( جهلُ الشباب معذور، وعلمهُ محقور ).

كما أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) الذي عاشرَ فئات مختلفة من الناس، يلفت أنظار أصحابه إلى مشاعر الشباب الطاهرة وطاقاتهم الكبيرة، وقد أدّى الصدقُ في العمل والتواضع والعيش البسيط، والهدف المعنوي ورسم صورة وضّاءة للإسلام من قِبَل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، إلى تأثّر طبقة الشباب بهداية النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، فكانوا من خُلّص أصحابه والمؤثّرين في دعوته، ممّا أدّى إلى استياء المشركين من هذا الأمر، وأحسّوا بالقلق على مستقبلهم، وسعوا جاهدين إلى اتّهام الشباب المؤمن الطاهر بالانحراف والفساد الأخلاقي!

٩٢

فقد قال( عتبة بن ربيعة ) أحد قادة الشرك في مكّة لـ( سعد بن زرارة ) ، عندما جاءه من المدينة ليتوسّط في حلّ الخلاف القائم بين قبيلة الخزرج وقبيلة الأوس:( بَعُدت دارنا من داركم، ولنا شغلٌ لا نتفرّغ لشيء، خرجَ فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله، سفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسدَ شبابنا، وفرّق جماعتنا ) (١) .

كما أنّ جماعة أخرى من قادة الكفر والنفاق، أحسّت بالخوف الشديد من التفاف الشباب حول النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وإطاعتهم له، فذهبت إلى أبي طالب عمّ النبي والمُستميت في الدفاع عنه، فشكوهُ قائلين:( يا أبا طالب، إنّ ابن أخيك محمّداً خالفَ قومه، وسفّه أحلامهم، وعابَ آلهتهم وسبّها، وأفسدَ الشباب من رجالهم، وفرّق جماعتهم ) (٢) .

أجل، فبمقدار ما كان إيمان واعتقاد وتواجد الشباب في صفوف المجتمع، والتديّن ضرورياً ومصيرياً لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وكان يسعى إلى المحافظة عليه، كان الأعداء والمشركون يصرّحون بتذمّرهم منه، وبذلوا جميع ما بوسعهم لإبطال هذا الدور الفاعل الذي يقوم به الشباب المؤمن، وإبعادهم عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) والمجتمع.

وقد ذَكرت كُتب التاريخ: أنّ المشركين لم يكفّوا عن إيذاء المسلمين، حتّى بعد أن هاجر ٨٣ رجلاً و١٨ امرأة سوى الأطفال إلى الحبشة، وتركوا أوطانهم بأمر النبي بُغية الخلاص ومن وطأة الكفّار وعذابهم، ومع ذلك لم يقرّ للمشركين قرار، فأرسلوا رجلين جِلفين هما:عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد إلى النجاشي ( مَلك الحبشة ) بُغية تشويه صورة المهاجرين، فقال ( عمرو بن العاص ) للنجاشي:( خالَفوا ديننا، وسبّوا آلهتنا، وأفسدوا شبابنا، وفرّقوا جماعتنا ) (٣) .

____________________

(١) بحار الأنوار: ١٩ / ٨ - ١٠.

(٢) بحار الأنوار: ٩٠ / ٨٠.

(٣) بحار الأنوار: ١٨ / ٤١٥.

٩٣

وعى أيّ حال، فهناك قصص كثيرة بشأن سعة أخلاق الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، وتمكّنه من استقطاب الشباب وتنمية طاقاتهم وشخصياتهم، والاستفادة منها في مختلف مجالات الحياة السياسية والثقافية والعسكرية والاجتماعية، وإليك نماذج منها:

١ - زيد بن حارثة

زيد بن حارثة: من كبار صحابة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وخُلَّص أنصاره، لم يفارق النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) في جميع أسفاره، وقد جَعل من جسده وقاءً للرسول ( صلّى الله عليه وآله ) في سفره إلى الطائف، حيث تعرّض الرسول إلى هجوم شباب المشركين الذين رموهُ بالحجارة، فأخذَ زيد يقي الرسول بجسده ويدافع عنه(١) .

وهو الشخص الوحيد من بين أصحاب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، في قضية تطليق زوجته.

وقد نالَ زيد تحت تأثّره بتعاليم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) درجة إيمانية مرموقة، على أثرها لم يترك الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) المدينة مرّة إلاّ وجَعلهُ فيها خليفة عنه، وتزعّم جيش الإسلام في تسع حروب بأمر الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، حتّى استشهد في غزوة مؤتة وكان فيها أيضاً قائداً للمسلمين.

وبملاحظة أنّ هذه الغزوة قد حَدثت في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة، وأنّ الرسول قد تبنّاه وهو في الثامنة من عمره، وأقامَ معهُ ثلاث عشرة سنة في مكّة، وثماني سنوات في المدينة، فيمكن القول بأنّ عمره حين استشهاده لم يتجاوز الخامسة والعشرين، إلاّ أنّ الجانب المهمّ الذي يجدر ذكرهُ هنا من حياة زيد بن حارثة - والذي يعكس صفاءه وشخصيته الفريدة التي نالها بفعل تأثّره بالنبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) - هو أنّه حينما كان لهُ من العمر ثماني سنوات ذهبَ بصحبة أمّه لزيارة أقربائه من قبيلة( بني معن ) ، وفي مدّة إقامتهم هناك تعرّضت القبيلة المذكورة لغارة شنّتها عليها قبيلة( بني قين ) ، وقعَ فيها زيد أسيراً فيمَن أُسّر، وكان العُرف السائد في عصر الجاهلية يقوم على بيع الأسرى واسترقاقهم،

____________________

(١) طبقات أبي سعد: ١ / ١٤٢.

٩٤

 فتوجّهوا بهم إلى سوق عُكاظ بُغية عَرضهم للبيع بوصفهم عبيداً، وهناك اشترى حكيم بن حزام زيداً لعمّته خديجة، فوهبتهُ خديجة إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، فأخذَ زيدٌ يتولّى خدمة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ).

ومن جهةٍ أخرى، كان( حارثة ) والد زيد، وعمّه( كعب ) يبحثان عنه، ولمّا توصّلا لمعرفة مكانه، توجّها إلى مكّة وراجعا أبا طالب عمّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) في أمر شراء زيد وتحريره، فتركَ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) الأمر إليه، ولكنَّ زيداً آثر البقاء عند النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) برغم شوق أبيه إليه، وكان من أوائل المؤمنين بدعوة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، بعد علي ( عليه السلام ) وخديجة الكبرى ( عليها السلام )(١) ، فنالَ القسط الأوفر من إرشادات النبيّ التي أوصلتهُ إلى درجة سامية من بين الصحابة.

٢ - مُصعب بن عُمير

والشابّ الآخر الذي أجابَ دعوة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) في مستهل ظهور الإسلام، وهَبَّ إلى نُصرته:( مُصعب بن عُمير ) ، وكان مصعب قد ترعَرعَ في عائلة ثريّة، إلاّ أنّه تأثّر على يد( عثمان بن طلحة ) بتعاليم الإسلام، فأخذَ يصلّي خِفية بعيداً عن أنظار أهله، وبرغم ما لاقاه من جفاءٍ من أسرته حتّى وقعَ تحت سطوة الفقر والفاقة، إلاّ أنّه ثبتَ على إيمانه ومعتقده.

وهكذا طوى( مُصعب ) حياة عصيبة، حتّى توجّه في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة إلى( الحَبَشة ) ، مع أوّل قافلة تخرج مهاجرة من ظلم الأعداء في مكّة.

ومضت على المسلمين سنوات قاسية، إلاّ أنّ شوكة الإسلام أخذت تقوى في مكّة وامتدّت إلى المدينة.

وفي السنة الثانية عشرة للبعثة، وفدَ على النبي اثنا عشر شخصاً من أهل المدينة، وبايعوا النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) في( العَقَبة الثانية ) الواقعة في آخر( مِنى ) ، وسألوا الرسول أن يرسل إلى المدينة شخصاً ليعلّمهم القرآن والأحكام الإسلامية،

____________________

(١) السيرة النبوية: ١ / ٦٥ و ٢٦٤.

٩٥

 فأرسل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) مُصعب بن عُمير لهذا الغرض؛ لكونه شابّاً مؤمناً صَلباً عالِماً بقراءة القرآن(١) .

وقد عبّرت كُتب التواريخ عن مُصعب بن عُمير بأنّه: فتىً حَدَث ممّا يدلّ على صِغر سِنّه(٢) .

وعندما دخلَ المدينة أقامَ في بيت( أسعد بن زرارة ) ، فأخذَ الشباب يختلفون إليه ويُعلنون إسلامهم.

وأخذ مُصعب ينتقل من بيت إلى بيت يرافقهُ المسلمون حديثاً من الشباب، يعلّمهم القرآن، ويدعو الناس إلى الإسلام، حتّى شاعَ الإسلام في المدينة ولم يبقَ بيتٍ فيها سوى القليل إلاّ ودخلهُ الإسلام، أو أخذَ أهله يتحدّثون عن هذا الدين الجديد.

وطبعاً لم تكن مهمّة مُصعب في تبليغ الإسلام في المدينة خالية من الصِعاب، فقد أشاعَ الكفّار أنّ شابّاً قرشياً قد وفدَ من مكّة إلى المدينة؛ ليعمل على إفساد شبابها وإضلالهم!

إلاّ أنّ إخلاص مُصعب وتضحيته، ودَعم كثير من الأصحاب المسلمين له، جَعل الدين يأخذ بالاتّساع بين أهل المدينة، وعزّز من إمامته لجماعة المسلمين، حتّى طلبَ من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أن يأذن لهُ بإقامة الجمعة لازدياد عدد المسلمين في المدينة، فأذِن لهُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، فأقامها في بيت( سعد بن خُثيمة ) (٣) .

وبذلك أدّى مصعب الشابّ دوراً فعّالاً في تبليغ وإشاعة الأحكام، وتثبيت الأسس الإسلامية في المدينة، وحَضيَ عند الرسول بمكانة مرموقة.

____________________

(١) بحار الأنوار: ١٩ / ١٠.

(٢) المصدر نفسه: ص٢٤.

(٣) السيرة النبوية: ٢ / ٧٧، أُسد الغابة: ٤ / ٣٦٩، بحار الأنوار: ١٩ / ١٥ - ٢٠.

٩٦

٣ - كاتبُ الوحي والمُترجِم

والنموذج الآخر لقابلية الشباب على التأثّر فيما يرتبط بمسألة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، والاستفادة المؤثّرة والمفيدة التي جناها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( زيد بن ثابت ) ، وكان أبوهُ( الضحّاك ) من أهل المدينة ومن قبيلة ( الخزرج )، وقُتلَ أبوه في( حرب بُغاث ) حينما كان لهُ من العمر إحدى عشرة سنة.

وقد كان زيد من أوائل الذين هبّوا للقاء النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، حين دخوله المدينة فاعتنقَ الإسلام، وعُدَّ من جملة أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، إلاّ أنّه لم يتمكّن من الاشتراك في ( بدر ) و( أحد ) في السنة الثانية والثالثة للهجرة؛ لصغر سنّه آنذاك، إلاّ أنّه عملَ على إعداد المُؤن من تحضير الطعام وما إلى ذلك، ولذلك كان النبيّ يحثّه ويشجّعه قائلاً:( باركَ الله فيك ) (١) .

وقد وفِّق زيد بن ثابت فيما بعد في السنة الخامسة للهجرة للاشتراك في واقعة الخَندق، وحينما كان الأصحاب يحفرون الخَندق كان زيد يعمل بنقل التراب(٢) ، إلاّ أنّ أهمّ منصب قلّدهُ إيّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) هو:( كتابةُ الوحي، والعمل في حقل الترجمة ) ، وبذلك صار زيد من جملة ( كُتّاب الوحي )، فكان يكتب الآيات النازلة على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ويحفظها، كما أنّه كان عالِماً بها.

وقد مَنحهُ الله ذكاءً حادّاً حتّى أشار عليه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) بتعلّم اللغة السريانية، إذ لم يكن يأمن جانب اليهود في مكاتباته مع علماء اليهود، وكان يخشى من تحريف الرسائل(٣) .

وقد تحدّث زيد الشابّ حول مهمّة الترجمة التي أمرهُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) بها قائلاً:( لقد تعلّمتُ اللغة السريانية كما كنتُ أقرأ رسائل اليهود لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ) (٤) .

____________________

(١) طبقات ابن سعد: ص١٦٠.

(٢) أُسد الغابة: ٢ / ٢٢٢.

(٣) أُسد الغابة: ٢ / ٢٢٢.

(٤) تاريخ الخميس: ١ / ٤٦٥.

٩٧

كما كان زيد عارفاً بالحساب والرياضيات، فكلّفه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بالإشراف على تقسيم غنائم غزوَتَي:( حُنين )، و( خَيبر ) ، وكانت عبارة عن كثيرٍ من البقر، والضأن، والإبل(١) .

ومضافاً إلى ذلك كلّه، أعطاهُ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) راية قبيلة( بني مالك ) في غزوة ( تبوك )، بعد أن أخذها رسول الله من( عمارة بن حزم ) ، ورفعها زيد بن ثابت، فقال عمارة: هل صدرَ منّي شيء؟ فأجابهُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( كلاّ، ولكنّ زيداً أحفظُ منك للقرآن ) (٢) .

٤ - أُسامة بن زيد

ولِد أسامة بن زيد بن حارثة - الذي تقدّم الحَديث عن والده - من أمّ اسمها( بَرَكة ) وكُنيتها ( أم أيمن )، وتغذّى بتعاليم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) في ظلّ المجتمع الإسلامي.

وكان النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) لِمَا يوليه من أهمية لطبقة الشباب، واعتزازه بشخصيتهم والاستفادة من طاقاتهم، يحبُّ أُسامة بن زيد حبّاً جمّاً، وخوّله مهمّتين:ثقافية، وعسكرية، نشير إليهما فيما يأتي:

١ - في السنة السابعة للهجرة حيث رجع النبيّ بجيشه إلى المدينة منتصراً من غزوة ( خيبر )، أرسلَ أُسامة على رأس جماعة إلى قرية من قرى( فدك ) التي يقطنها اليهود، بُغية التبليغ والدعوة إلى الدين الإسلامي، فهربَ جميع سكّان تلك القرية حين سماعهم تكبيرات أصحاب أسامة، ماعدا( مرداس ) الذي كان قد أسلمَ قبل ذلك، وقد خفّ ( مرداس ) إلى استقبال ( أسامة )، وهو يُردّد شهادة( أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله ) ، إلاّ أنّ أسامة بادرَ إلى قتله ظنّاً منهُ أنّ ( مرداس ) إنّما نطقَ بالشهادتين خوفاً على نفسه وماله، دون أن يكون مسلماً في حقيقة الأمر، ثمّ أخذَ ماشيته غنيمة.

____________________

(١) طبقات ابن سعد: ٢ / ١١٥.

(٢) أُسد الغابة: ٢ / ٢٢٢.

٩٨

وحينما وصلَ الخبر إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) تأثّر كثيراً وقال لزيد:( لقد قتلتَ مسلماً! ) ثمّ نزلَ قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) (١) ، فندمَ أسامة على ما صدرَ منه نَدماً شديداً، وسألَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أن يدعو له الله بالمغفرة، وأقسمَ أن لا يقتل مُسلماً أبداً(٢) .

٢ - وبعد أن استشهدَ جمعٌ من المسلمين في السنة الثامنة للهجرة في غزوة( مؤتة ) ، وكان منهم: جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام )، وزيد بن حارثة ( والد أسامة )، بادرَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى تنظيم جيش قوامهُ أربعة آلاف رجل، وأعطى قيادتهُ لأسامة ليتوجّهوا نحو الشام ليجبر الصَدع، ويحِدّ من خطر الروم والنصارى، ويحافظ على حياض الإسلام.

وعلى الرغم من وجود عدد من الكبار والأبطال بين أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) من المهاجرين والأنصار، إلاّ أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) بادرَ - لكي يرفع من قيمة الشباب، ولِمَا كان يعرفهُ من كفاءة لدى أسامة، والمصالح التي كان يفكّر فيها في السنة العاشرة للهجرة - إلى جَعل القيادة العسكرية لجيش المسلمين لأسامة بن زيد، برغم أنّه لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره(٣) .

٥ - عتابُ بن أسيد

بعد أن فتحَ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) مكّة في السنة الثامنة للهجرة، اختارَ من بين الصحابة - وفيهم الكبار - شابّاً لهُ من العمر عشرون سنة وهو:( عتاب بن أسيد ) ، ونصّبهُ والياً على مكّة، لِمَا كان يتوسّمه فيه من كفاءات وقابليّات.

فقد ذَكرت السِيَر: أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أقامَ عتاب بن أسيد والياً على مكّة، وكان أوّل أمير يقيم الصلاة جماعة في مكّة بعد فتحها، قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) لابن أسيد:( يا عتاب، تدري على مَن استعملتك؟ استعملتُك على أهل الله عزّ وجل، ولو أعلمُ لهم خيراً منك استعملتهُ عليهم ) (٤) .

____________________

(١) سورة النساء: الآية ٩٤.

(٢) أُسد الغابة: ٢ / ٦٥، بحار الأنوار: ٢١ / ٤٨.

(٣) أُسد الغابة: ٢ / ٦٤.

(٤) أُسد الغابة: ٣ / ٣٥٨.

٩٩

وطبعاً أنّ اختيار شابّ لهُ من العمر ١٨ أو ٢١ سنة للإمارة والإمامة بعد فتح مكّة، كان له وقعٌ شديد على كبار الصحابة، ورأوا فيه إهانة لهم وقالوا: نحن أكبر سنّاً ونحن في جوار حَرَم الله الآمن، وإنّ هذه المدينة هي أفضل المُدن عند الله، وما أسيد سوى شاب حَدث له من العمر ١٨ سنة(١) !

إلاّ أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) الذي كان يلاحظ كفاءة ابن أسيد والمصالح الأخرى أجابهم قائلاً:( لقد اعترضَ بعضكم على حداثة ابن أسيد، فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر ) (٢) .

أجل، إنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) من خلال التفاته لكفاءة عتاب بن أسيد - وقابليته لولاية مكّة ذلك البلد العظيم، والمقرّ التوحيدي الكبير - قد استفاد استفادة قصوى، وقد اضطلعَ أسيد إلى آخر عمره بمهام الإدارة والولاية، بقوّة وأمانة وصدق وتواضع.

٦ - عَظمةُ الإيمان والطاعة

تحدّثنا في هذا المقال عن إيمان الشباب وإطاعتهم للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، وقبل أن نذكر نموذجاً آخر لعظمة الإيمان والطاعة والذوبان والفناء في ذات الله لدى الشباب، نرى من المناسب أن نذكر جانباً من سلوكية النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، وكيف أنّه كان يشمل الجميع بظلّ عَطفه الوارف.

قال أبو ذر الغفاري:( كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيّهم هو حتّى يسأل ) (٣) .

أجل، إنّ مثل هذه السلوكية الإيمانية والإلهية قد تركت آثاراً ملحوظة على أصحاب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )،

____________________

(١) بحار الأنوار: ٢١ / ١٢٢.

(٢) المصدر السابق: ص١٢٣.

(٣) مكارم الأخلاق: ص١٦.

١٠٠

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214