نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56641 / تحميل: 8381
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نظام حقوق المرأة في الإسلام

١

٢

نظام حقوق المرأة في الإسلام

الشهيد آية الله مرتضى المطهّري

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٤

مقدّمة المؤلِّف

تقتضي متطلّبات هذا العصر أن يعاد تقويم كثير من المسائل، وإلاّ يكتفى بالتقويمات القديمة، و(نظام الحقوق والواجبات الأُسرية) من جملة هذه المسائل.

في هذا العصر، ولأسباب سأشير إليها لاحقاً، أفترض أن تكون المسألة الأساسية في هذا الباب هي (حرية المرأة) و(حق المساواة) بين المرأة والرجل، وأنّ جميع المسائل الأُخرى متفرّعة عن هاتين المسألتين.

أمّا في نظرنا، فإنّ المسألة الأساسية في باب (نظام حقوق الأُسرة) - أو على الأقل في مرتبة المسائل الأساسية - هي أنّ نظام الأُسرة هل هو نظام مستقل عن باقي النظم الاجتماعية؟ وهل هو معيار خاص به يختلف عن المعايير المتبعة في سائر النظم الاجتماعية؟ أم ليس هناك أي فرق بين هذه الوحدة الاجتماعية وبين سائر الوحدات الأُخرى، وهو محكوم بنفس المنطق ونفس الفلسفة ونفس المعايير التي تحكم بقيّة الوحدات الاجتماعية؟

أساس هذا التردّد هو كون ركني هذه الوحدة جنسين من جهة، وتوالي أجيال الوالدين والأبناء من جهةٍ أُخرى. وقد منح الخالق تعالى أعضاء هذه الوحدة أوضاعاً متفاوتة وغير متساوية فيما بينها وكيفيات

٥

متباينة. ومجتمع الأُسرة مجتمع (طبيعي - وضعي) أي مجتمع وسط بين المجتمع الغريزي كمجتمع النحل والنمل الذي وضعت الطبيعة له حدوده وحقوقه ومقرّراته فلا يزيغ عنها، والمجتمع الوضعي مثل مجتمع الحضارة الإنسانية الذي يتميّز بدرجة قليلة من الطبيعية والغريزية.

وكما نعلم فإنّ قدماء الفلاسفة كانوا يعدّون فلسفة الحياة الأُسرية فرعاً مستقلاًّ من (الحكمة العملية)، ويعتقدون بمنطق ومعيار خاصّين لهذا الجانب من الحياة الإنسانية... وأنّ أفلاطون في رسالة (الجمهورية)، وأرسطو في كتاب (السياسة)، وابن سينا في كتاب (الشفاء)، قد نظروا إلى هذا الموضوع من هذه الزاوية.

وفيما يخصّ حقوق المرأة في المجتمع، هناك أيضاً تساؤل واستفهام فيما إذا كانت الحقوق الطبيعية والإنسانية للمرأة والرجل متشابهة أم غير متشابهة. أي أنّ الخلق والطبيعة التي منحت الإنسان مجموعة من الحقوق، هل جعلت هذه الحقوق جنسين أم جنساً واحداً؟ وهل وجدت (الذكورة) و(الأُنوثة) طريقها إلى الحقوق والواجبات الاجتماعية، أم أنّ الحقوق في نظر الطبيعة وفي منطق التكوين والخلق جنس واحد؟

* * *

في الغرب، منذ القرن السابع عشر وما بعده، اقترنت النهضة العلمية والفلسفية بنهضة اجتماعية وباسم (حقوق الإنسان). وقد نشط كتّاب

٦

ومفكّروا القرنين السابع عشر والثامن عشر بنشر أفكارهم بين الناس حول الحقوق الطبيعية والفطرية - غير القابلة للسلب - للبشر، ومن بين هؤلاء الكتّاب والمفكّرين: جان جاك روسو، وفولتير، ومنتسكيو. وقد كان لهذه المجموعة من المفكّرين فضل عظيم على المجتمع البشري، وقد يمكن القول: إنّ فضل هؤلاء على المجتمع الإنساني لا يقل عن فضل المكتشفين والمخترعين الكبار.

وقد كان المبدأ الأساس الذي اعتمده هؤلاء المفكّرون هو أنّ الإنسان يستحق مجموعة من الحقوق والحرّيّات بالفطرة، وبأمر الخلق والطبيعة. هذه الحقوق والحرّيّات لا يمكن لأيّ فردٍ أو جماعة - تحت أي اسم أو عنوان - سلبها عن فرد أو جماعة آخرين، وحتى صاحب الحق نفسه ليس له - طبقاً لهواه وإرادته - أن يحرم نفسه من هذه الحقوق ويهبها لغيره. كما أنّ جميع الناس: الحاكم والمحكوم... الأبيض والأسود... الغني والفقير، يتساوون في هذه الحقوق والحرّيّات.

وقد ظهرت ثمار هذه النهضة الفكرية والاجتماعية لأوّل مرة في انكلترا، ثم في أمريكا، ثم في فرنسا (على شكل ثورات وتغيير في الأنظمة ونشر بيانات)، وانتشرت بالتدريج إلى البلدان الأخرى.

في القرن التاسع عشر، ظهرت أفكار جديدة ترتبط بحقوق الإنسان في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحدثت تحوّلات أخرى انتهت بظهور الاشتراكية ووجوب منح الأرباح إلى

٧

الطبقات الكادحة، وانتقال الحاكم من الطبقة الرأسمالية إلى المدافعين عن الطبقة العاملة.

وحتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان كل ما قيل حول حقوق الإنسان، أو ما نفذ عملياً في المجتمع هو ما يتعلّق بحقوق الشعوب مقابل حكوماتها، أو حقوق الطبقة العاملة والكادحين مقابل أصحاب العمل.

وفي القرن العشرين طُرحت مسألة (حقوق المرأة) في مقابل (حقوق الرجل) وأعلن بصراحة ولأوّل مرة - في لائحة حقوق الإنسان التي نشرتها منظمة الأُمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1948م - عن تساوي حقوق المرأة والرجل.

في جميع النهضات الاجتماعية في الغرب من القرن السابع عشر وحتى القرن الحالي، كان المحور الأساس لهذه النهضات: (التحرّر) و(المساواة) ونظراً لأنّ نهضة حقوق المرأة في الغرب جاءت في أعقاب سائر النهضات: كما أنّ تاريخ المرأة في أوروبا من ناحية الحريات والمساواة كان مشحوناً بالمرارة، ففي هذا المجال أيضاً لم تجن المرأة غير شعار (الحرية) و(المساواة).

وقد اعتبر روّاد هذه النهضة تحرّر المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق متمّماً لنهضة حقوق الإنسان التي بدأت في القرن السابع عشر، وادعوا أنّه بدون تأمين حرية المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل

٨

يصبح الكلام عن حرية وحقوق الإنسان بلا معنى، إضافةً إلى أنّ جميع مشاكل الأُسرة ناشئة عن عدم تحرّر المرأة وعدم مساواتها بالرجل، وبتأمين هذا الجانب تحل مشكلات الأُسرة كلها مرة واحدة.

في هذه النهضة، نسي ما كان قد اعتبرناه (المسألة الأساسية في نظام حقوق الأُسرة) وهو هل أنّ هذا النظام - بطبعه - نظام مستقل، وله منطق ومعيار مستقلاّن عن منطق ومعيار باقي المؤسّسات الاجتماعية أم لا، وإنّما الذي انصرفت إليه الأذهان هو تعميم مبدأ الحرية والمساواة على النساء في مقابل الرجال. وبتعبيرٍ آخر: في مجال حقوق المرأة كان موضوع البحث فقط (الحقوق الطبيعية والفطرية للإنسان غير القابلة للسلب) لا غير. فكانت جميع الأحاديث وهي إنسان كامل ولذا يجب أن تتمتّع - كالرجل، وفي المقابل - بالحقوق الفطرية للإنسان غير القابلة للسلب.

وقد بحثنا في بعض فصول الكتاب مسألة: (مصادر الحقوق الطبيعية) بحثاً كافياً. وأثبتنا فيها أنّ أساس الحقوق الطبيعية والفطرية هو الطبيعة نفسها. أي أنّ الإنسان كان يتمتّع بحقوق خاصة يفتقدها الحصان والخروف والدجاجة والسمكة فإنّما أساس ذلك الطبيعة والخلقة، وإذا كان الناس جميعاً متساوين في الحقوق الطبيعية ويجب أن يحيوا جميعاً (أحراراً)، فإنّما أساس ذلك أمر متوفّر في أصل الخلقة، وليس لذلك أي سبب آخر؛ والعلماء المناصرون للحرية والمساواة إنّما يطرحونها على

٩

أنّها حقوق فطرية للناس وليس لديهم أي دليل غير ذلك، بالطبع، فإنّ المسألة لنظام الأُسرة ليس لها مرجع غير الطبيعة.

والآن يجب أن ننظر لماذا لم تحز تلك المسألة - التي سمّيناها المسألة الأساسية لنظام حقوق الأُسرة - اهتماماً كافياً؟ فهل تبيّن على ضوء العلوم العصرية أنّ تفاوت واختلاف المرأة عن الرجل هو اختلاف عضوي بسيط لا تأثير له في أساس بناء جسميهما وروحيهما، ولا في الحقوق التي يجب أن يتمتّعا بها أو المسؤوليات التي يجب أن يتعهّدا بها؟ وعلى هذا الأساس لم تفتح الفلسفة الاجتماعية الحديثة حسابين منفصلين لهما؟

ومن غرائب الصدف أنّ القضية على عكس ما ذكر، فإنّ الاختلاف بين الجنسين قد أصبح أوضح على ضوء الاكتشافات العلمية والحياتية والنفسية، وقد بحثنا ذلك في بعض فصول هذا الكتاب مستندين إلى تحقيقات علماء الأحياء والفسيولوجيين وعلماء النفس، ومع ذلك كلّه فقد أمست المسألة الأساسية مغمورة وطي النسيان، وهذا ما يثير العجب.

وقد يكون سبب هذا الانصراف عن المسألة الأساسية هو أنّ هذه النهضة تمّت بسرعة كبيرة؛ ولذلك فإنّها في الوقت الذي أنقذت المرأة من جملة تعاسات، أضافت تعاسات جديدة لها وللمجتمع البشري. وسنرى في فصول هذا الكتاب أنّ المرأة الغربية كانت حتى أوائل القرن

١٠

العشرين محرومة من أبسط الحقوق، ولم تفكّر شعوب الغرب بتلافي ذلك إلاّ في بداية هذا القرن، ولما كانت النهضة النسوية تبعاً لباقي النهضات التي قامت على أساس (الحرية) و(المساواة)، فقد طلبوا بهاتين الكلمتين جميع المعجزات، غافلين عن كون الحرية والمساواة إنّما ترتبطان بروابط البشر ببعضهم من ناحية كونهم بشراً وبتعبير أنصار (الحرية والمساواة حق للإنسان بما هو إنسان) إنّ المرأة من ناحية كونها إنساناً، قد خُلقت - ككل إنسان آخر - حرة وتتمتّع بحقوق مساوية لباقي حقوق الناس، لكن المرأة إنسان بكيفيّة خاصّة والرجل إنسان بكيفيّة أُخرى، والمرأة والرجل (متساويان) في الإنسانية لكنّهما نوعان من الإنسان، بنوعين من الخواص ونوعين من الصفات النفسية. وهذا الاختلاف ليس ناتجاً عن عوامل جغرافية أو تاريخية أو اجتماعية، إنّما مخطّط ذلك قد نُقش في أصل الخلقة. إنّ للطبيعة من وراء صنع نوعين من الإنسان هدفاً معيّناً، وكل عمل ضد الطبيعة والفطرة لابد أن يؤدّي إلى عوارض غير مرغوبة. ونحن كما استلهمنا من الطبيعة فكرة حرية الإنسان والمساواة بين الناس - بما في ذلك المرأة والرجل - كذلك يجب أن نستلهم منها درس (النوع الواحد) أو (النوعين) في حقوق المرأة والرجل، وهل أنّ مجتمع الأُسرة هو مجتمع نصف طبيعي - على الأقل - أم لا؟ وعلى الأقل فإنّ مسألة كون الحيوانات - ومنها الإنسان - جنسين هل هو من قبيل الصدفة أم ضمن مخطّط الخلقة، مسألة تستحق البحث. وهل اختلاف هذين الجنسين اختلاف سطحي وعضوي أم كما

١١

يقول الكسيس كارل إنّ كل خلية من خلايا الإنسان تحمل علامة جنسية؟ وهل في منطق ولغة الفطرة أن يحمل كل من المرأة والرجل رسالة خاصة به أم لا؟ والحقوق هل هي نوع واحد أم نوعان؟ وهل الأخلاق والتربية جنسان أم جنس واحد؟ وماذا عن العقوبات وكذلك المسؤوليات والرسالات؟

في هذه النهضة لم يلتفت إلى أنّ هناك مسائل أخرى مؤثّرة، غير الحرية والمساواة، الحرية والمساواة شرطان لازمان لا كافيان، فتساوي الحقوق شيء وتشابهها شيء آخر، وتساوي حقوق المرأة والرجل من حيث القيمة المادية والمعنوية شيء والتشابه والتماثل شيء آخر.

في هذه النهضة: حل (التساوي) محل (التشابه) و(المساواة) محل (التماثل).

واختفت (الكيفية) في ظل (الكمية).

كون المرأة (إنساناً) أدّى إلى نسيان كونها (امرأة).

والحقيقة أنّ هذا الإهمال لا يعزى إلى غفلة فلسفية ناشئة عن العجلة، بل هناك عوامل أخرى أيضاً مؤثّرة تتعلّق بالرغبة في استثمار عنوان (الحرية) و(المساواة) للمرأة.

من هذه العوامل: مطامع الرأسماليين، فأصحاب المعامل من أجل اجتذاب المرأة من البيت إلى المعمل واستثمار طاقاتها اقتصادياً، رفعوا شعارات: حقوق المرأة، الاستقلال الاقتصادي للمرأة، حرية المرأة،

١٢

مساواة المرأة بالرجل في الحقوق. وكان هؤلاء الرأسمالييون هم الذين جعلوا لهذه الشعارات: الصفة الرسمية القانونية.

ويل ديورانت - في الفصل التاسع من كتاب لذات الفلسفة - بعد أن يذكر بعض الآراء التي تحتقر المرأة عن أرسطو ونيتشه وشوبنهاور وبعض الكتب اليهودية المقدّسة، والإشارة إلى أنّ الثورة الفرنسية بالرغم من حديثها عن تحرّر المرأة، إلاّ أنّ تغيّراً عملياً لم يحدث، يقول: (حتى حدود عام 1900م لم يكن القانون ليجبر الرجل على احترام المرأة) وعندها يتطرّق إلى أسباب تغيّر وضع المرأة في القرن العشرين، فيقول: (تحرّر المرأة من آثار الثورة الصناعية) ويكمل حديثه قائلاً:

(.... كانت العاملات أقل أجراً من العمّال، وكان أصحاب المعامل يفضّلونهن على الرجال لثكرة تمرّدهم. قبل قرن من الزمان كان الحصول على عمل في انكلترا أمراً عسيراً على الرجال لكن الإعلانات كانت تدعوا الرجال إلى إرسال نسائهم وأطفالهم إلى المعامل... وكانت أوّل خطوة على طريق تحرير جداتنا تتمثّل في قانون عام 1882م إذ بموجب هذا القانون أصبحت نساء بريطانيا العظمى يتمتّعن بميزة لم يسبق لها مثيل هي أنّ من حقّهن الاحتفاظ لأنفسهن بالمال الذي يكتسبنه(1) .

هذا القانون المسيحي الأخلاقي وضعه أصحاب المعامل

____________________

(1) في شرح القانون المدني الإيراني، ص: 366 يقول الدكتور على شايغان: (إنّ الاستقلال الذي تتمتّع به المرأة في أموالها والذي اعترف به فقه الشيعة من البداية، =

١٣

في مجلس العموم من أجل أن يجتذبوا نساء انكلترا إلى المعامل. ومنذ ذلك العام وحتى العام الحالي أدّى البحث عن الربح الذي لا يقاوم إلى أن تتحرّر النساء من العذاب والاستعباد في البيت، لتصبح رهن العذاب في المتجر والمعمل....)(1) .

إنّ تكامل الآلة، والزيادة اليومية للإنتاج فوق ما يحتاجه واقع الإنسان والرغبة في استنزاف المستهلك بألف حجّة وحيلة، واستعمال الوسائل السمعية والبصرية والفكرية والشعورية والذوقية والفنيّة والشهوانية من أجل صنع إنسان مستهلك بلا إرادة، أدّت مرةً أخرى إلى أن تحتاج الرأسمالية إلى جهود المرأة، ولكن هذه المرّة لم تكن الحاجة إلى قدرتها البدنية وطاقتها الإنتاجية وجمالها وتخلّيها عن شرفها وكرامتها، وإلى قدرتها السحرية على تسخير الفكر والإرادة واستثمارهما في فرض السلع على المستهلك، وبديهي أنّ عنوان ذلك

____________________

= لم يكن موجوداً في اليونان، ولا روما ولا ألمانيا، ولا حتى وقت قريب في أغلب بلدان العالم، أي أنّها كانت محجوراً عليها مثل الصغير والمجنون ولا يحق لها التصرّف في أموالها، وفي بريطانيا حيث كانت شخصية المرأة سابقاً محجوبة بشخصية زوجها وقد رفع الحجر عنها بقانون عام 1870م وقانون 1882م باسم قانون الملكية.

(1) لذات الفلسفة: ص 155 - 159.

١٤

كلّه الحرية والمساواة مع الرجل.

والسياسة بدورها لم تكن غافلة عن استعمال هذا العمل، فأنت تقرأ أخبار الجرائد والمجلاّت، وفي جميع ذلك يستفاد من وجود المرأة؛ حتى غدت المرأة أداة لتنفيذ مآرب الرجل تحت ستار الحرية والمساواة.

وبديهي أنّ شباب القرن العشرين لم يغفل عن اغتنام هذه الفرصة الثمينة، من أجل أن يتخلّص من الالتزامات التقليدية تجاه المرأة عند الزواج، ويصطادها حيثما شاء رخيصة أو بالمجّان، ففاق الجميع في ذرف دموع التماسيح حزناً وأسفاً على تعاسة بصورة أفضل في هذا الجهاد المقدّس! أخر سن زواجه إلى الأربعين وأحياناً بقي أعزب طول حياته!!!

لا شك في أنّ القرن الأخير هذا قد خلّص المرأة من مجموعة تعاسات، ولكنّ الحديث في أنّه قد جاءها بمجموعة من التعاسات، لماذا؟ وهل أنّ المرأة محكومة بإحدى التعاستين ولابد لها قسراً أن تختار إحداهما؟ أم ليس هناك مانع من أن تقوم المرأة بطرد مصائبها القديمة والجديدة معاً؟

هذه هي الحقيقة، وهي ألاّ جبر في الموضوع، فالمصائب القديمة كانت غالباً نتيجة نسيان إنسانية المرأة، أما الجديدة فناتجة عن أنّهم

١٥

أغفلوا عمداً أو سهواً كونها امرأة، كما أغفلوا موقفها الطبيعي والفطري ورسالتها ومدارها وحاجاتها الغريزية واستعداداتها الخاصة.

العجيب أنّه حين يجري الحديث عن الاختلافات الفطرية بين المرأة والرجل يتلقّاه البعض على أنّه نقص المرأة وكمال الرجل ويؤدّي بالتالي إلى سلسلة من الحقوق بالنسبة للرجل وسلسلة من الحقوق المهدورة بالنسبة للمرأة، غافلين عن أنّ المسألة ليست مسألة نقص وكمال، فإنّ الخالق لم يرد بهذه الاختلافات أن يجعل أحدهما ناقصاً والثاني كاملاً، وبالتالي يكون أحدهما ذا حقوق وامتيازات والثاني محروماً.

هذا البعض - بعد ردّ فعله المنطقي والحكيم! - يقول: حسناً، إذا كانت طبيعة المرأة قد ظلمتها وجعلتها ضعيفة وناقصة، أيحسن أن نأتي نحن أيضاً لنزيد في مظلوميّتها؟ فإذا نسينا أو تناسينا وضع المرأة الطبيعي ألاّ نكون قد أدّينا عملاً إنسانياً لها؟

لكن الحق أنّ العكس هو الصحيح، فإنّ إهمال الوضع الطبيعي والفطري يؤدّي إلى إهدار حقوقها أكثر فأكثر، فلو أنّ الرجل أقام جبهة ضدّ المرأة فقال لها: أنتِ فرد وأنا فرد، فيجب إذاً أن تتشابه الأعمال والمسؤوليات والأرباح والأُجور والجزاء، ويجب أن تشاركيني الأعمال صعبها وثقيلها على السواء، فتأخذي أجركِ بمستوى عملكِ لا تنتظري منّي احتراماً ولا دفاعاً عنكِ، وعليكِ أن تتكلّفي جميع

١٦

مصروفاتك وتشاركيني في نفقة أطفالنا، وتدفعي عن نفسك الأخطار، وتنفقي عليّ بمقدار ما أنفق عليكِ من مال؛ في هذه الحالة تكون المرأة في وضع لا تُحسد عليه.

ذلك أنّ طاقة المرأة وإنتاجها بالطبع أقل من الرجل، واستهلاكها للثروة أكثر منه، علاوة على مرضها الشهري، وصعوبات أيام الحمل والولادة وحضانة الرضيع، ممّا يجعل المرأة محتاجة إلى حماية الرجل وأن تكون مسؤوليّاتها أقلّ وحقوقها أكثر. وهذا لا يخص الإنسان وحده، فكل الحيوانات التي تحيا حياةً زوجيّة هكذا، ففي جميع أنواع الأحياء، يبادر الذكر إلى رعاية الأُنثى بحكم الغريزة.

فإذا أخذنا بنظر الاعتبار الوضع الطبيعي والفطري لكل من المرأة والرجل مع التأكيد على تساويهما في الإنسانية والحقوق المشتركة للإنسان، لوجدنا أنّ الفطرة قد وضعت المرأة في موقع مناسب لها جداً لا يدكّ شخصها ولا شخصيّتها.

ومن أجل أن نطّلع قليلاً على النتائج العملية التي قاد إليها نسيان الموقع الطبيعي والفطري لكل من المرأة والرجل والاعتماد فقط على الحرية والمساواة، فمن الأفضل أن ننظر إلى الذين ساروا قبلنا على هذا الطريق ووصلوا إلى نهايته ماذا يقولون وماذا يكتبون؟

في مجلة (مختارات للقراء) العدد 79، السنة 34، الصادر في

١٧

4 / تير سنة 1353 هـ ش(1) نشرت مقالة من المجلة الشهرية للشرطة تحت عنوان (قصص عن النساء العاملات في المجتمع الأمريكي). وهي مقالة مترجمة من مجلة كورونت، هذه المقالة مفصّلة وتستحق القراءة، في البداية تعرض المقالة شكوى إحدى السيّدات العاملات التي تتحدث كيف أنّه باسم المساواة بين المرأة والرجل، حُرمت المرأة العاملة من العناية التي كانوا يحيطونها بها سابقاً. فمثلاً (لا ترفع المرأة حملاً يزيد وزنه على (25 ) رطلاً، بينما لا توجد مثل هذه الميزات بالنسبة للرجل)، فتقول: (تغيّرت في الوقت الحاضر ظروف العمل في معمل جنرال موتورز في ولاية أوهايو أو بتعبير آخر المكان الذي تتعذّب فيه ما يقارب الـ (2500 ) امرأة... وترى هذه السيدة نفسها أمام ماكنة جبّارة أو منهمكة بتنظيف فرن معدني زنته (25 ) رطلاً كان قد وضعه في مكانه قبل لحظات رجل مفتول العضلات وتقول في نفسها: أجد جسمي محطّماً مليئاً بالكدمات والجروح) وأضافت: (يجب عليّ في كل دقيقة أن أعلق بالرافعة حزمة ذات (25 -50 ) إنجاً يزيد وزنها على (35 ) رطلاً، وأجد يدي على الدوام متورّمتين وتؤلماني كثيراً).

ثم تنتقل المجلة إلى عرض شكاوى وقلق سيدة أُخرى يعمل زوجها بحّاراً لدى القوّة البحرية، وكانت قيادة القوّة البحرية قد صمّمت

____________________

(1) المصادف 7 حزيران (يونيو) عام 1974م. والتاريخ المذكور أعلاه هو التاريخ الهجري الشمسي.

١٨

أخيراً على استخدام عدد من النساء في السفن التي يعمل عليها الرجال. فتقول: (إنّ القوّة البحرية أرسلت في هذه الأثناء سفينة في مهمّة، شاركت فيها أربعون امرأة وأربعمئة وثمانون بحّاراً. لكن عندما عادت هذه السفينة من أوّل سفرة (مختلطة) لها، تأكّدت مخاوف وتوجّسات زوجات البحّارة؛ إذ تبيّن أنّه لم تجر قصص عشق كثيرة على السفينة فحسب، بل إنّ أغلب النساء قد مارسن الجنس ليس مع بحّار واحد فقط، بل مع عدّة منهم).

وتقول أيضاً: (في ولاية فلوريد!)، وبعد التحرّي - امتد النزاع حتى شمل (الأرامل) فقد أعلن أحد قضاة هذه الولاية واسمه (توماس تستا) عدم شرعية المادة القانونية التي تعفي الأرامل اللاتي يملكن (500) دولار فما دون من ضريبة الدخل، قائلاً إنّ هذا القانون تحيّز للنساء ضد الرجال).

ثم تضيف المجلة: (إنّ السيدة ماك دانيل تعاني من حرقة الكفين، والسيدة استون (زوجة أحد البحارة) أصبحت فريسة الاضطراب والقلق، وأرامل فلوريدا يدفعن الغرامات النقدية، والباقون أيضاً سيذوق كل واحد منهم طعم الحرية حسب إمكانه.

ويخطر سؤال على بال الكثيرين هو: ألم تخسر السيدات أكثر ممّا كنّ يتمتعن به من الحقوق؟

لكن لا فائدة الآن من هذا التساؤل والبحث؛ فإنّ اللعبة قد بدأت فعلاً واتخذ المتفرّجون أماكنهم أمام الملعب، وقد تمّت المصادقة هذا العام على سبع وعشرين مادة معدّلة في الدستور الأمريكي، وقد اعتبرت بموجب ذلك جميع الامتيازات المتعلّقة بجنس الفرد غير قانونية...

١٩

وعلى هذا فقد تحقّقت نبوءة (رسكوباوند) أُستاذ كلية الحقوق في هارفارد إذ قال: (إنّ تحرير النساء بداية لنتائج مؤسفة للمكانة القانونية للمرأة في أمريكا).

... وقد اقترح السناتور (جي اروين) من ولاية كارولينا الشمالية بعد دراسة المجتمع الأمريكي (تساوي الحقوق بين النساء والرجال.... فجميع قوانين الأُسرة يجب أن تتغيّر، ولا يكون الرجال بعد ذلك مسؤولين عن تأمين ميزانية الأُسرة).

وتكتب المجلّة: (تقول السيدة ماك دانيل: (إنّ إحدى النساء أُصيبت بنزف داخلي من جرّاء حمل بعض الأثقال. إنّنا نريد العودة إلى الوضع السابق، نرغب في أن يعاملنا الرجال على أنّنا نساء لا عمّال. أمّا بالنسبة لأنصار تحرّر المرأة فهذا الموضوع سهل جداً، إذ يجلسون في غرفة فخمة ليقولوا: (يجب أن يتساوى النساء بالرجال)؛ ذلك أنّهم لم يعرفوا العمل في المعمل بعد. إنّهم يجهلون أن جميع العاملات بأجر في هذه البلاد يعملن مثلي ويشقين في المعامل. إنّني لا أريد هذه المساواة، إذ أنّني لا أستطيع إنجاز أعمال الرجال. إنّ الرجال أقوى منّا أجساماً وإذا كان المطلوب أن ننافسهم في العمل والإنتاج ويقاس عملنا بأعمالهم فإنّني - من جانبي - أُفضّل الاعتزال. إنّ الميزات التي خسرتها عاملات ولاية أوهايو أكثر بكثير من المزايا التي كسبتها عن طريق قانون حماية العمّال. لقد خسرنا شخصيتنا النسائية. إنّني لا أفهم ماذا

٢٠