نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام8%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57645 / تحميل: 9228
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

في الحقوق والواجبات الأُسرية أم لا، فإنّ هذه المسألة هي أساساً من عجائب آيات الخلق، بل هي درس في التوحيد ومعرفة الله، ودليل على التنظيم الحكيم والدقيق للعالم، ونموذج واضح على غياب الصدفة في سير الخلق، وأنّ الطبيعة لا تجري أحداثها بصورة عشوائية، ودليل نيّر على أنّ موجودات الكون لا يمكن تفسير وجودها بدون اللجوء إلى قانون (العلّيّة).

ولقد أنشأت القدرة - من أجل تحقيق هدفها وحفظ النوع - جهازاً عظيماً لإدامة النسل ينتج دائماً في معمله جنس الذكر وجنس الأُنثى، وحين يستدعي بقاء النسل تعاون جنسين - خصوصاً في الإنسان - فإنّه من أجل أن يتعاون الجنسان على إنجاز هذا العمل؛ طرح فكرة وحدتهما واتحادهما، واستطاع أن يستبدل الأنانية وحب الذات - اللازمين لكلّ حي - بالخدمة والتعاون والتسامح والإيثار، ودفعهما إلى أن يسعيا إلى الحياة المشتركة. ومن أجل أن يحقّق الخطّة كاملة في الواقع ويوثق عرى العلاقة بينهما جسماً وروحاً؛ باين بين جسميهما روحيهما وهذا التباين هو الذي يجذب كل منهما نحو الآخر ويجعل منهما عاشقين لبعضهما. ولو كان للمرأة جسم وروح وأخلاق ورغبات الرجال لتعذّر عليها أن تجتذب الرجل نحوها وتحوّله إلى عاشق محب أمكن المرأة أن تعدّه فارس أحلامها وتظهر من فنونها ما تصطاد به قلبه. خلق الرجل ليسخر العالم وخلقت المرأة لتسخر الرجل. إنّ قانون

٢٠١

الخلقة جعل المرأة والرجل متعلقين ببعضهما وطالبين لكلّ منهما، لكن هذا التعلق ليس من نوع التعلق بالأشياء. فالتعلّق بالأشياء ناتج عن الأنانية، أي أنّ الإنسان يريد الأشياء لذاته ويتعامل معها على أنّها وسائل يريد أن يستخدمها من أجل توفير الرفاه لنفسه، أمّا الحب الزوجي فإنّه قد صنع بالصورة التي تجعل كلاّ من الزوجين يسعى من أجل سعادة ورفاه زوجه، ويتلذّذ بالإيثار والتضحية في سبيله.

علاقة أسمى من الشهوة

العجيب أنّ بعض الأفراد لا يستطيعون أن يفرّقوا بين الشهوة والرأفة، فيتصوّرون أن الذي يربط الزوجين ببعضهما يقتصر على الطمع والشهوة والرغبة في الاستخدام والاستغلال. تماماً كالشيء الذي يشد الإنسان إلى المأكولات والمشروبات والملبوسات ووسائل النقل. إنّهم لا يدركون أنّ في الخلقة والطبيعة دوافع أخرى إضافة إلى الأنانية وطلب المنفعة، وتلك الدوافع لم تنتج عن الأنانية، بل عن العلاقة المباشرة بالغير وهي السبب في نشوء التضحية والإيثار وتحمّل المشاق في سبيل راحة الغير، وأنّها هي التي تجسّد إنسانية الإنسان بل إنّ طرفاً منها - يعني ذلك الذي يرتبط بالزوج والولد - يشاهد أيضاً لدى الحيوانات، هؤلاء الأفراد يظنون أنّ الرجل ينظر إلى المرأة دائماً بتلك العين التي ينظر بها شاب أعزب إلى أيّة فتاة يراها في الشارع، أي إنّها - فقط - الشهوة التي تربط بين الاثنين وتشدّهما إلى بعضهما، في الوقت

٢٠٢

الذي يوجد هناك رباط أسمى من الشهوة، وهو الأساس في وحدة الزوجين، وهذا الشيء هو ما عناه القرآن الكريم بكلمة (مودّة ورحمة) إذ يقول:

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدّةً وَرَحْمَةً ) .

ما أكبره من خطأ أن نفسّر تاريخ علاقات المرأة والرجل فقط على أساس حسّ الاستخدام والاستغلال وتنازع البقاء، وما أكثر التفاهات التي تُحاك في هذا المجال، والحقيقة إنّني أعجب وآسف لجهل البعض حين أقرأ بعض ما كتب في تفسير تاريخ العلاقة بين المرأة والرجل، وأجد أنّ المبدأ الذي استندوا إليه أساساً هو مبدأ الصراع، فيفترضون أنّ المرأة والرجل مثل طبقتين اجتماعيتين دائمتي الصراع والتجاذب. فإذا استطعنا أن نفسّر تاريخ علاقة الآباء بالأبناء على أساس حسّ الاستخدام والاستغلال، عند ذاك لا يمكن أن نفسّر العلاقة التاريخية بين الزوجات والأزواج على نفس الأساس. صحيح أنّ الرجل كان دائماً أقوى من المرأة إلاّ أنّ قانون الخلقة قد صاغ غرائز الرجل بشكل لا يستسيغ ممارسة الظلم تجاه المرأة بالشكل الذي يمارسه مع غلمانه وعبيده وخدمه وجيرانه، كما أنّه لا يستسيغ ذلك الظلم لأولاده.

أنا لا أنكر ظلم الرجال للنساء، إنّما أنكر التفسير المطروح حول هذا الظلم. لقد مارس الرجال ضد النساء على طول التاريخ ظلماً كثيراً لكن دوافع هذا الظلم هي نفس الدوافع التي تحدو الرجل إلى ممارسة الظلم

٢٠٣

ضدّ أولاده الذين يحرص كل الحرص على سعادتهم ومستقبلهم، هي نفس الدوافع التي تحدوه إلى ظلم نفسه. إنّ سببها الجهل والتعصّب والعادة وليس طلب المنفعة. أرجو أن تسنح لي فرصة في وقت مناسب أطرح فيها بحثاً مفصّلاً عن تفسير تاريخ العلاقة بين المرأة والرجل.

تفاوت مشاعر الرجل والمرأة تجاه بعضهما

إنّ العلاقة الأُسرية بين المرأة والرجل لا تختلف فقط عن علاقتهما بالأشياء بل إنّ علاقة أحدهما بالآخر هي الأخرى غير متشابهة، أي إنّ علاقة الرجل بالمرأة للمرأة، قد تمّت بعجلة شديدة لكونها جاءت متأخّرة. ولم تمهل الإحساسات العلم ليقول كلمته ويهتدي بهداه؛ لذا فقد أحرقت هذه النهضة الأخضر واليابس. تختلف عن علاقة المرأة بالرجل نوعاً. صحيح إنّها علاقة تجاذب بين طرفين، ولكنّها على عكس الجمادات، حيث يجذب الجسم الأصغر باتجاه الجسم الأكبر، فإنّ الخالق قد جعل الرجل مظهراً للطرف المحب العاشق الطالب، والمرأة مظهراً للطرف المحبوب المعشوق المطلوب. إحساسات الرجل تمثّل الحاجة، وإحساسات المرأة تمثّل الدلال، إحساسات الرجل طالبة، وإحساسات المرأة مطلوبة.

قبل فترة نشرت أحدى الصحف صورة شابة روسية كانت قد انتحرت، وقد كتبت في قصاصة ورق كانت قد تركتها ما يلي:

(لحد الآن لم يقبّلني رجل؛ لذا فإنّ هذه الحياة لم تعد تحتمل).

٢٠٤

إنّ عدم حصول البنت على مَن يحبّها ويقبّلها يعتبر - بالنسبة لها - فشلاً ذريعاً. ولكن متى ييأس الشاب من الحياة؟ هل حين لا تقبّله فتاة أيضاً؟

كلاّ، بل حين يستطيع هو أن يقبّل فتاة.

يقول ويل ديورانت في بحوثه المفصلة والجامعة.

(ولو امتازت الفتاة بالعلم والتفكير ولم تحظ إلاّ بالقليل من الجاذبية وفنون الغنج والدلال فسوف لا توفّق كثيراً في الحصول على الزوج).

ثم يقول: (إنّ ستين بالمئة من فتيات الجامعة يبقين بلا أزواج، فهذه السيدة مونيا كوالوسكي - وهي عالمة بارزة - كانت تشكو من أنّ أحداً لم يتزوجها، وتتساءل: (لم لا يحبني أحد؟ إنّني أستطيع أن أكون أفضل من كثير من النساء، ومع ذلك فإنّ النساء اللواتي هنّ أقل أهميّة منّي يتجه إليهنّ الرجل بالحب، وأُترك أنا).

أرجو أن تلاحظوا أنّ نوع الإحساس بالفشل عند هذه السيدة يختلف عن نوع الإحساس بالفشل عند الرجل. إنّها تقول: (لماذا لا يحبني أحد؟) أمّا الرجل فإنّه يحس بالفشل في أمر الزواج إلاّ حين لا يجد المرأة التي ترضيه، أو أنّه إذا وجدها لم يستطع أن يخضعها لسلطانه.

ولكل ذلك فلسفة، هي تمتين وتعميق الصلة الواحدة. ولم هذه الصلة؟ هل هي من أجل أن تتلذّذ المرأة والرجل أكثر في الحياة؟ كلاّ،

٢٠٥

ليس هذا فحسب بل إنّ أساس المجتمع الإنساني وتربية الجيل القادم قد بُني على ذلك.

نظريّة عالمة نفسانيّة

نقلت مجلة (المرأة اليوم)(١) بحثاً نفسياً كتبته عالمة نفسانية تُدعى كليف دالسون تقول فيه:

(باعتباري متخصّصة نفسانية فإنّ أكبر رغبة لديّ هي الاطلاع على نفسيات الرجال. وقبل فترة كُلّفت بعمل تحقيقات حول العوامل النفسية عند الرجل والمرأة، وقد توصّلت إلى هذا النتائج:

١ - ترغب جميع النساء بالعمل بإمرة شخص آخر. وبتعبير آخر: إنّهن يفضّلن أن يصبحن مرؤوسات بإشراف رئيس.

٢ - تحب جميع النساء أن يشعرن أنّ وجودهن ذو أثر ومحل احتياج).

ثم تصوغ هذه السيدة رأيها كما يلي:

(في نظري أنّ هذين الاحتياجين الروحيّين للمرأة ينبعان من أنّ النساء يجرين وراء المشاعر والرجال يجرون وراء العقل. وكثيراً ما لوحظ أنّ السيدات في مجال الذكاء لا يوازين الرجال فحسب، بل يفضلنهم أحياناً. ونقطة ضعف السيدات تكمن فقط في إحساساتهن

____________________

(١) (زن روز) بالفارسية. العدد / ١٠١.

٢٠٦

المرهفة. الرجال يفكّرون دائماً بشكل عملي أكثر كما أنّهم يحكمون أحسن، وينظمون أحسن ويوجّهون بشكل أفضل؛ إذاً ففضل الرجال روحيّاً على النساء أمر خطّته الطبيعة. ومهما حاولت السيدات أن يدفعن هذه الحقيقة فلن يجديهن ذلك نفعاً، وبما أنّهن أكثر حسّاسية من الرجال، فقد وجب عليهن إذاً أن يتقبّلن حقيقة حاجتهن إلى إشراف الرجل عليهن في الحياة... والهدف الأعلى للسيّدات في الحياة هو (الأمن). فإذا نلن هذه الهدف، تركن العمل والنشاط... والمرأة من أجل الوصول إلى هذا الهدف تخشى مواجهة الأخطار. والأعمال التي تحتاج إلى التفكير الدائم تتعب المرأة وتضجرها).

النهضة العاجلة

إنّ النهضة التي قامت في أوروبا من أجل إحقاق الحقوق المهتضمة إذا أزاحت عن المرأة مجموعة تعاسات ومنحتها كثيراً من الحقوق وفتحت بوجهها الأبواب المغلقة، ولكنّها في المقابل جاءت بتعاسات ومشاكل جديدة للمرأة وللمجتمع الإنساني كلّه. ومن المسلّم به أنّ إحقاق الحقوق المرأة لو لم يتم بهذه العجلة لاتخذ صورة أفضل، ولما ارتفعت صيحات الحكماء إلى السماء من سوء أوضاع الحاضر ومخاطر المستقبل، ولكنّ الأمل ما يزال باقياً في أن يجد العلم طريقه في النهضة النسائية، وتعود هذه النهضة لتنهل من العلم بدلاً من التأثّر بالمشاعر كالسابق. وآراء علماء أوروبا في هذا المجال تبشّر بأنّ الأمور تسير في

٢٠٧

هذا الاتجاه، والذي يظهر أنّ الأمور التي تبهر اليوم مقلّدي الغرب في باب علاقة المرأة والرجل قد تخطّاها الغربيون أنفسهم.

نظرية ويل ديورانت

ويل ديورانت في القسم الرابع من كتاب (لذات الفلسفة) يورد بحوثاً مفصّلة وجامعة حول المسائل الجنسية والأُسرية. وقد انتخبنا أجزاء مختصرة من هذا الكتاب لعرضها على القرّاء كي يطلعوا على التيارات الفكرية الموجودة بين علماء الغرب ولا يتعجّلوا بإصدار الأحكام.

يقول ويل ديورانت في القسم الرابع من الفصل السابع من هذا الكتاب تحت عنوان (الحب) ما يلي:

(أوّل نغمات الحب تبدأ مع اقتراب البلوغ، وكلمة البلوغ تقابلها كلمة (پيوبرتي) باللاتينية التي تعني (سن الشعر) وهي السن التي يبدأ فيها شعر الشبّان بالظهور، وخصوصاً شعر الصدر الذي يتباهون به، وشعر الوجه الذي يحلقونه بصبر كصبر (سي سي فوس)(١) . إنّ كيفية الشعر (في حالة سلامة الجوانب الأخرى) لها صلة - على ما يظهر - بالقوّة

____________________

(١) بالانكليزية رجل أسطوري يمثّل قمّة الصبر، ويقابله في الإسلام (صبر أيوب) ويقصد الكاتب بهذا أنّهم كانوا يتألّمون أثناء حلاقتهم له لعدم توفّر وسائل الحلاقة المريحة آنذاك.

٢٠٨

التناسلية، أحسن وضع له هو عندما يبلغ النشاط الحيوي أوجه. هذا النمو المفاجئ للشعر يشكّل مع خشونة الصوت جزءاً من الصفات الجنسية الثانوية التي تظهر عند الشاب لدى البلوغ. أمّا الشابات فتمنحهن الطبيعة في هذه السن نعومة الأطراف والحركات التي تحيّر الناظرين، وسعة الحوض لتسهيل عمل الأُمومة، وامتلاء الصدور وبروزها من أجل إرضاع الأطفال. ولكن ما هو سبب ظهور هذه الصفات الثانوية؟ لا أحد يعلم، ولكن نظرية البروفيسور (ستارلينغ) في هذا الخصوص قد نالت مؤيّدين. بموجب هذه النظرية، تقوم الخلايا التناسلية ليس فقط بتوليد البويضة والحيمن بل تولّد أيضاً نوعاً من الهورمونات التي تفرز في الدم وتؤدّي إلى حدوث تغييرات جسمية ونفسية، وفي هذه السن، لا يتمتّع الجسم وحده بحيوية جديدة بل تظهر هناك آلاف التأثيرات المتنوّعة على النفس والطبيعة.

يقول رومن رولاند: خلال سنيّ الحياة، يأتي زمان تظهر على جسم الرجل تغييرات بطيئة... وعند المرأة يكون ما ذكرنا هو أهمّ هذه التغييرات... وتؤدّي القوّة والشجاعة إلى زيادة دقّات القلب، وتثير النعومة واللطف ميلاً ورغبة جامحة.

ويقول دموسيه: (كل الرجال كذّابون، ماكرون، ثرثارون، وذوو وجهين ومخاصمون، وكل النساء متكبّرات ويعشقن المظاهر وخائنات، وليس في العالم إلاّ شيء واحد مقدّس وسام، وذلك هو

٢٠٩

اجتماع هذين الموجودين الناقصين...).

(آداب الزواج عند الكبار عبارة عن هجوم الرجال للاستيلاء، وتراجع النساء من أجل اجتذاب القلوب والمخادعة - وهناك بالطبع استثناءات في بعض الأحيان - ولأنّ الرجل مقاتل وحيوان مفترس بطبعه، فعمله ايجابي وهجومي، والمرأة بالنسبة له كجائزة يريد أن يستولي عليها ويمتلكها. فالبحث عن القرين حرب وكفاح، والزواج امتلاك واقتدار).

(العفّة الكافية لدى المرأة تخدم قضية التناسل؛ لأنّ امتناعها عن مهاجمة الرجال للحصول على القرين - بسبب الحياء والخجل - سيساعدها في اختيار الزوج المناسب. والعفّة تقوّي مكانة المرأة حيث يختارها الراغب بعد بحث كثير كي يفوز بمقام الأبوة لأولادها. إنّ مصلحة النوع والجماعة تظهر على لسان المرأة، كما أنّ مصلحة الفرد تظهر على لسان الرجل... وفي ممارسة الحب تكون المرأة أمهر من الرجل؛ لأنّ ميلها ليس من القوّة بحيث يحجب تأثير عقلها).

* وقد لاحظ داروين في أكثر الأنواع أنّ الأنثى لا رغبة لها في ممارسة الجنس.

ويقول لمبرزو، وكيش، وكرافت أبينغ: (أكثر ما تبتغيه النساء الرفاه والمديح المطلق والمبهم، وأكثر ما يرغبن فيه اهتمام الرجل برغباتهن، وهذا الأمر أقوى لديهن من الميل الجنسي).

٢١٠

ويقول لمبرزو: (إنّ الأساس الطبيعي للجانب الجنسي عند المرأة ليس إلاّ صفة ثانوية متفرّعة من الأمومة، كما أنّ جميع الإحساسات والعواطف التي تبديها للرجل لا تنبع من رغبات جسمية بل من غريزة الانقياد والتسليم للرجل، وقد جاءت هذه الغريزة من أجل ملاءمة الأوضاع).

ويقول ويل ديورانت في فصل تحت عنوان الرجال والنساء: (دور المرأة الخاص هو الإبقاء على النوع، ودور الرجل الخاص خدمة المرأة والطفل. ومن الممكن أن يكون لكلٍّ منهما أدوار أخرى، ولكن كل ما يقومان به من أعمال تابع لهذين الدورين الأساسيين على سبيل الحكمة والتدبير، وكل هذه مقاصد أساسية لكنّها غير متكاملة الوعي، يكمن فيها معنى الإنسان والسعادة، وطبيعة المرأة تفتقد الغريزة القتالية أصلاً، فإذا قاتلت الأنثى فمن أجل أطفالها).

* المرأة أكثر من الرجل، ومهما كانت شجاعة الرجل في الأمور الخطيرة وفي مواجهة مصاعب الحياة عظيمة، إلاّ أنّ التحمّل المستمر واليومي لدى المرأة في قبال المشاكل الصغيرة المتعدّدة أعظم... أمّا كفاح المرأة فيتمثّل بمظهر آخر، فالمرأة تحب الجنود وتعجب بالرجل القوي، ويثيرها عند مشاهدة مظاهر القوّة عامل عجيب - يدعى (ماسوشيستيك)(١) Masochistic حتى لو كانت تلك القوّة سبباً في

____________________

(١) Masochistic كلمة لاتينية تعني تحمّل العذاب من أجل التلذّذ به. المصحّح.

٢١١

القضاء عليها).

*... هذا السرور القديم والتلذّذ بالقوّة والرجولة يغلب أحياناً على المشاعر الاقتصادية للمرأة؛ إذ إنّها ترجّح في بعض الأحيان الزواج من مجنون شجاع، والمرأة تستسلم بكل سرور للرجل ذي الإرادة القوية. وإذا كانت المرأة في هذه الأيام أقل طاعة من ذي قبل، فلأنّ القوّة والأخلاق عند الرجال أضعف اليوم من ذي قبل... إنّ اهتمام المرأة موجّه إلى الأمور العائلية، ومحيطها عادة البيت، إنّها كالطبيعة عميقة إلاّ أنّها كبيتها محدودة بحدود، وتشدّها الغريزة إلى العادات القديمة، إنّها ليست في الذهنية والعادة من أهل التجربة والاختيار (ويجب أن نستثني من ذلك بعض نساء المدن الكبرى)، وحتى إذا اتجهت إلى التحرّر الجنسي فليس ذلك لأنّها تستسيغه، وإنّما لأنّها يئست من الحصول على الرجل المؤهّل لتحمّل هذه المسؤولية فتتزوجه، وإذا افتتنت أحياناً في سن الشباب بالعبارات والمصطلحات السياسية وامتدّ اهتمامها إلى كافة الجوانب الإنسانية، فبعد العثور على الزوج الوفي تسدل - وكذلك زوجها - الستار على كل النشاطات السابقة، وتعلمه كيف يجب أن يكون وفاؤه مقصوراً على البيت فقط. والمرأة - من غير حاجة إلى مزيد من التفكير - تؤمن بأنّ الإصلاحات تبدأ من البيت. وهي في الوقت الذي تتمكّن فيه من أن تحوّل رجلاً شارد الذهن حائراً إلى رجل مضحٍّ ومنشد إلى البيت والأطفال تكون عامل حفظ وبقاء للنوع؛ إذ إنّ الطبيعة لا تهتم بالقوانين والحكومات إنّما تعشق البيت

٢١٢

والطفل، فإذا وفقت في المحافظة عليهما، فلا ارتباط ولا علاقة لها بالحكومات، وهي تسخر من الذين شغلوا أنفسهم في تغيير هذه القوانين الأساسية. وإذا عجزت الطبيعة - اليوم - عن حفظ البيت والطفل؛ فذلك لأنّ المرأة قد نسيتها لمدّة من الزمن، لكن هزيمة الطبيعة ليست دائمة، بل تستطيع في أيّ وقتٍ شاءت أن تؤمن مصالحها من ذخائرها، فهناك أقوام وعناصر أخرى أوسع وأكثر منّا تستطيع الطبيعة أن تؤمن دوامها الأكيد واللامحدود من خلالهم).

* * *

كان هذا بياناً قصيراً للفوارق بين المرأة والرجل ونظريات العلماء في هذا الباب.

كان بودّي أن أبحث تحت عنوان (سر الفوارق) إلى أيّ حد تمكّنت فيها العوامل التاريخية والاجتماعية أن تؤثّر في هذه الفوارق، ولكنّني أصرف النظر عن بحث ذلك إلى وقت آخر كي لا أطيل أمد البحث، ولكنّ الموضوع سيتضح كاملاً في البحوث القادمة.

٢١٣

٢١٤

الفصل الثامن

المهر والنفقة

(١) المهر والنفقة

من السنن القديمة جداً في العلاقات العائلية الإنسانية أنّ الرجل لدى الزواج يمنح المرأة (مهراً)، يهب شيئاً من ماله للمرأة أو لوالدها، وبالإضافة إلى ذلك يتعهّد بمصارف المرأة والأولاد طيلة الحياة الزوجية.

فما هي جذور هذه السنّة؟ ولماذا وكيف ظهرت؟ وأيّ صيغة يمثّل هذا المهر؟ ولماذا الإنفاق على المرأة؟ وهل - إذا نال كل من المرأة والرجل حقوقهما الطبيعية والإنسانية وحكمتهما العلاقات العادلة والإنسانية وعوملت المرأة كإنسان - يبقى موجب للمهر والنفقة؟ أم أنّ المهر والنفقة يمثّلان ذكرى عصور تملك الرجل للمرأة، وأنّ متقضى العدالة ومساواة حقوق الإنسان - خصوصاً في القرن العشرين - أن يلغى المهر والنفقة، فتعقد الزيجات بدون مهر، وتتعهّد المرأة بمسؤولية حياتها المالية، وتشارك الرجل بالتساوي في النفقة على الأولاد أيضاً.

نبدأ حديثنا الآن عن المهر لنرى كيف وجد؟ وما هي فلسفته وكيف يفسّر علماء الاجتماع وجوده؟

٢١٥

تاريخ المهر

يقال انه في زمان ما قبل التاريخ كان البشر يعيشون بطريقة وحشية، وكانت هناك طريقة تجمعهم تأخذ شكل القبيلة، ولأسباب مجهولة، كان الزواج بالأقرب غير جائز فكان شباب القبيلة الذين يبغون الزواج يظطرّون إلى أن يقصدوا القبائل الأخرى لاختيار زوجة أو حبيبة، وفي ذلك الزمان لم يكن الرجل يدرك دوره في إنجاب الأولاد. أي أنّه لم يكن يعلم أن لقاه بالزوجة هو الذي يؤدّي إلى الإنجاب فكان يعتبر الأولاد أولاداً لزوجته لا له، وكان يعجز عن تفسير شبه أولاده به ولا يدرك دلالته. وبالنتيجة فإنّ الأولاد أنفسهم كانوا يعدّون أنفسهم أولاد أُمّهم لا أولاد زوجها، وكان النسب يحدّد عن طريق الأُمّهات لا الآباء. فكان الرجال يعدّون موجودات عقيمة، وبعد الزواج يعيش الرجل بين قبيلة زوجته بوصفه إنساناً طفيلياً تحتاجه المرأة رفيقاً وتحتاج إلى وجود قوّته البدنية. هذه المرحلة هي مرحلة سلطة الأم.

ولم يمض طويل وقت حتى شعر الرجل بدوره في إنجاب الأطفال، وعدّ نفسه المالك الرئيس لهم، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الزوجة تابعة له، وتسلّم هو رئاسة الأسرة وبدأت ما تسمّى مرحلة (سلطة الأب). وفي هذه المرحلة بقي الزواج من الأقارب ممنوعاً أيضاً، وكان الرجل مضطرّاً إلى اختيار زوجته من قبيلة أُخرى ليأتي بها إلى قبيلته. وبما أنّ

٢١٦

حالة الحرب والصدام هي التي كانت سائدة بين القبائل، فقد اتخذ اختيار الزوجة صورة اختطاف الفتاة، أي أنّ الشاب يجب أن يختطف الفتاة التي تعجبه من قبيلة أخرى.

وبالتدريج حلّ الصلح محل الحرب، وبدأت القبائل المختلفة تتعايش سلميّاً فيما بينها. وفي هذه المرحلة، نُسخ عرف اختطاف الفتاة وصار الرجل الذي يرغب في الاقتران بفتاة، يذهب إلى قبيلتها ليصبح أجير والدها ويعمل لديه لمدّة من الوقت فيزوّجه ذاك ابنته مقابل خدماته ثم يعود بالفتاة إلى قبيلته.

وبعد أن ازدادت الثروة لدى الناس، ارتأى الرجل تقديم هدية مناسبة لوالد الفتاة مقابل الزواج منها بدل أن يعمل لديه أجيراً لعدّة سنين. لقد نفذت هذه الفكرة ومن هنا كان (المهر). وعلى ذلك، ففي المراحل البدائية عاش الرجل طفيلياً على المرأة وخادماً لها، وكانت المرأة تحكمه. وفي المرحلة الثانية حيث صار الحكم بيد الرجل أصبح الرجل يختطف المرأة من القبيلة الأخرى. وفي المرحلة الثالثة صار الرجل - من أجل الفوز بالفتاة - يذهب إلى بيت والدها ويعمل لديه أجيراً لعدّة سنوات. وفي المرحلة الرابعة أصبح الرجل يقدّم مبلغاً بصفة (هدية) إلى والد الفتاة ومن هنا نشأت عادة المهر.

يقولون إنّ الرجل منذ أن قضى على نظام (سلطة الأم) وأسّس نظام سلطة الأب، أصبح يعامل المرأة كأمة أو - في أحسن الأحوال -

٢١٧

كأجيرة له، وينظر إليها كسلعة تنفعه أحياناً في تسكين شهوته. ولم يمنحها أيّ استقلال اجتماعي أو اقتصادي. كما أنّ ناتج عملها وجهدها ملك لغيرها أباً كان أو زوجاً. ولم يكن للمرأة حق في اختيار زوجها، ولا في أن تعمل طبقاً لرغبتها أو يكون لها ناتج نشاطها الاقتصادي والمالي، في الحقيقة إنّ المال الذي كان يدفعه الرجل مهراً، والنفقات التي يبذلها بوصفها نفقة، كان يقبضها فائدة اقتصادية تؤدّيها المرأة خلال فترة زواجها.

المهر في النظام الحقوقي الإسلامي

وهناك مرحلة خامسة سكت عنها علماء الاجتماع والمتحدّثون. في هذه مرحلة يقدم الرجل لدى الزواج (هدية) إلى زوجته لا يحق لوالديها التصرّف بها، وفي نفس الوقت الذي تتسلّم فيه المرأة هدية الرجل، تحفظ أيضاً استقلالها الاجتماعي والاقتصادي كما يلي:

أولاً: تختار زوجها بإرادتها لا بإرادة الأب أو أخ.

ثانياً: في الفترة التي تقضيها في دار أبيها، وكذلك في الفترة التي تقضيها في دار زوجها لا يحق لأحد أن يستخدمها أو يستغلّها، وعائد عملها وجهدها يكون لها لغيرها، ولا تحتاج إلى قيمومة الرجل عليها في معاملاتها الحقوقية.

والرجل من حيث استفادته من المرأة ليس له الحق في أن يتصل بها إلاّ في فترة الزواج، وهو ملزم - مادام زوجها وعلى صلة بها - أن

٢١٨

يؤمن معيشتها في حدود إمكاناته. هذه المرحلة هي التي ارتضاها الإسلام وبنى بنيانه عليها. ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تذكر أنّ مهر المرأة ملك لها لا لغيرها. والرجل خلال فترة الزواج ملزم بتأمين احتياجات المرأة، وفي نفس الوقت يكون عائد عمل المرأة لها لا لغيرها - أباً كان أو زوجاً - وهنا تتخذ مسألة المهر والنفقة شكل اللغز، فإذا كان المهر يدفع لوالد الفتاة وتحمل هي إلى بيت زوجها - كالأمة - حيث يقوم الزوج باستغلالها، تصبح فلسفة المهر ثمن شراء الفتاة من والدها، وفلسفة النفقة ما ينفقه كل مالك على مملوكه. فإذا تقرّر ألاّ يدفع لوالد الفتاة شيء ولم يكن للزوج حق استغلال زوجته والانتفاع بمواردها الاقتصادية، وصار للمرأة استقلال اقتصادي كامل ولم تكن هناك حاجة - من الناحية الحقوقية - لوجود قيّم ووصي على المرأة، فلماذا إذاً يدفع المهر وتصرف النفقة؟

نظرة في التأريخ

إذا أردنا أن نتابع فلسفة المهر والنفقة في المرحلة الخامسة، يجب أن نعود قليلاً إلى المراحل الأربع السابقة. الحقيقة أنّ كل ما قيل في هذه المراحل ليس إلاّ سلسلة افتراضات وتخمينات وليست حقائق تاريخية أو علمية أو تجريبية. ومنشأ بعض القرائن من جهة وبعض الفرضيات الفلسفية حول الإنسان والعالم من جهة أخرى، وما قيل عن

٢١٩

مرحلة ما يُسمّى بـ (سلطة الأم) ليس ممّا يمكن تصديقه بسهولة، كذلك ما قيل عن بيع الآباء لفتياتهم واستغلال الزوجات من قِبل أزواجهن.

وفي هذه الافتراضات والتخمينات يلفت أنظارنا شيئان:

الأول: إنّهم حرصوا على تصوير تأريخ الإنسان الأول بالقسوة المتناهية، والخشونة ومجانبة العواطف الإنسانية.

الثاني: إنّهم تجاهلوا دور الطبيعة من حيث التدابير المحيّرة التي وضعتها من أجل الوصول إلى أهدافها الكليّة.

مثل هذه التصوّرات والآراء حول الإنسان والطبيعة، مقبولة عند الإنسان الغربي. أمّا بالنسبة للإنسان الشرقي - إذا لم يكن مقلّداً للغرب - فغير مقبولة؛ ذلك أنّ الغربي بعيد عن العواطف الإنسانية لأسباب خاصة، فليس بإمكانه أن يرى للعاطفة والحرارة الإنسانية دوراً أساسياً في التاريخ. فإذا انطلق الغربي من ناحية الاقتصاد لم ير إلاّ الخبز، فالتاريخ - في نظره - ماكنة لا تعمل إلاّ إذا أطعمتها الخبز. وإذا انطلق من المسائل الجنسية عد الإنسانية وتاريخ الإنسانية - مع كل صور الثقافة والفن والأخلاق والدين ومع كل التوجهات الروحية السامية - مجرّد ألاعيب تعبّر عن حالات متطوّرة للميول الجنسية. وإذا انطلق من حب الظهور والسيادة كان تاريخ البشرية في نظره سلسلة متصلة من نزف الدم والقساوة.

عانى الإنسان الغربي في القرون الوسطى من الدين وباسم الدين

٢٢٠

من التعذيب والآلام، وشاهد حالات إلقاء أحياء من البشر في النار؛ ولهذا صار يفزع من اسم الله والدين وكل ما تشم منه رائحة ذلك. وبالرغم من جميع الآثار والأدلّة العلمية المتعددة على وجود الهادفية في الطبيعة وعدم ترك العالم بدون هدف إلاّ أنّه لا يجد في نفسه الجرأة الكافية للاعتراف بمبدأ (العلّية).

إنّنا لا نريد من مفسّري التاريخ أن يعترفوا بوجود الأنبياء الذين ظهروا على مدار التاريخ، ونادوا بالعدل والإنسانية، وحاربوا الانحرافات وحصلوا على نتائج مثمرة من مجاهداتهم، إنّما نريد منهم ألاّ ينسوا - على الأقل - الدور الواعي للطبيعة.

في تاريخ العلاقة بين المرأة والرجل وقعت مظالم كثيرة وقسوة لا تتصوّر، وقد تحدّث القرآن عن أشد هذه المظالم قسوة، إلاّ أنّه لا يمكن القول إنّ هذه القسوة والخشونة قد وُجدت على طول التاريخ.

الفلسفة الحقيقية للمهر

إنّ المهر - في رأينا - قد وجد نتيجة تدبير ذكي في أصل الخلقة من أجل تمتين علاقة المرأة بالرجل وتماسكها.

وُجد المهر لأنّ دور كل من المرأة والرجل في مسألة الحب مختلف في أصل الخلقة، وهذا القانون يسري - عرفاً - على الوجود بأجمعه إذ يقال إنّ قانون الحب والجاذب والمجذوب يسري على جميع الموجودات والمخلوقات، مع خاصية مفادها يجب أداؤه، فطبق عليها

٢٢١

جميعا قاعدة (الاحتراق بنار العذاب من جهة، والصبر عليه وعدم الشكوى منه من جهة أخرى).

يقول الشاعر المعروف ما ترجمته:

وتر الطرب لا يعرفه غير العاشق أيّ وتر هو؟

ذاك الذي من ألم جرحه ضجّت الأفلاك التسعة

إذا عرفت السر الذي خلف هذه الستارة

لعلمت لماذا قيدت الحقيقة بقيد المجاز

العشق هو الذي يبدو كل لحظة بلون

فهو دلال في مكان واحتياج في آخر

كل ما يظهر على وجه العاشق تحرّق

وكل ما يبدو على المعشوق تحمّل وصبر

لقد ذكرنا في إحدى مقالات هذه السلسلة - حيث بيّنا الفوارق بين المرأة والرجل - أنّ مشاعر المرأة والرجل تجاه كل منهما ليست متشابهة. فقانون الخلقة قد منح المرأة الجمال والغرور والاستغناء، ومنح الرجل الاحتياج والطلب والعشق والتغزّل فعادل ضعف المرأة في مقابل قوّة الرجل بهذه الطريقة، وهكذا نجد الرجل هو الذي يذهب لخطبة المرأة، وكما رأينا من قبل طبقاً لأقوال علماء الاجتماع في مرحلة سلطة الأم كما في مرحلة سلطة الأب أنّ الرجل هو الذي يبحث عن المرأة.

٢٢٢

يقول العلماء: الرجل أكثر شهوة من المرأة، وقد ورد في الروايات الإسلامية أنّ الرجل ليس أكثر شهوة من المرأة بل على العكس من ذلك، إلاّ أنّ المرأة خلقت أكثر من الرجل قابلية على مقاومة شهوتها، ونتيجة الكلامين واحدة، ففي كلتا الحالتين يكون الرجل تجاه غريزته أضعف من المرأة، وهذه الخاصية أضفت على المرأة مزية هي ألاّ تذهب في طلب الرجل ولا تستسلم له بسهولة، بل على العكس من ذلك اضطر الرجل إلى إظهار حاجته إلى المرأة والمبادرة إلى جلب رضاها، وكان من هذه المبادرات - من أجل جلب رضاها واحترام رغبتها - أن يقدّم لها هدية.

لماذا يتنافس الذكور دائماً من أجل الفوز بصحبة الأنثى وتقع بينهم الحروب والمنازعات لذلك، أمّا في الإناث فلا يحدث أبداً أن يظهر الحرص والولع لاصطحاب الذكر؟ السبب هو أنّ دور الذكر غير دور الأنثى. فجنس الذكر اقترن بدور الطالب وجنس الأنثى لم يطلب جنس الذكر بحرص وولع مطلقاً، بل يظهر نوعاً من الاستغناء وعدم الحاجة.

وللمهر جذر مشترك مع حياء وعفّة المرأة، فقد أدركت المرأة بإلهام فطري أنّ عزّتها واحترامها يقضيان بأن لا تسلّم نفسها للرجل مجّاناً: أي - كما يصطلح عليه - أن تعرض سلعتها بثمن غال.

وقد أدّى ذلك كلّه إلى أن تستطيع المرأة - مع ضعفها الجسمي - جرّ الرجل إلى ساحتها خاطباً، وتدفع الرجال إلى التنافس من أجلها، كما

٢٢٣

أنّها - بإخراج نفسها من متناول يد الرجل - صنعت الحب الرومانتيكي فصار كل مجنون يعدو خلف ليلاه، وحين ترضى بالزواج من الرجل تتسلّم منه هدية دليلاً على الصداقة.

يقولون إنّه في بعض القبائل المتوحّشة، حين تواجه الفتاة بعدد من الطلاّب والعشّاق المولهين، تدعوهم إلى منازلة بعضهم، فأيّهم غلب الآخر أو قتله، فقد أثبت لياقته للزواج منها.

وقد كتبت صحف طهران قبل مدّة، أنّ فتاة دفعت بشابين إلى (البراز) في طهران حين تنافسا في خطبتها، وقد اشتبك الاثنان بالسلاح الأبيض وهي حاضرة.

وفي نظر الأشخاص الذين يرون القدرة فقط في قوّة الساعد - و يرون تاريخ علاقة المرأة بالرجل حلقات متصلة من الظلم والاستغلال من قبل الرجل لا يصدقون أنّ المرأة - هذا المخلوق الضعيف والظريف - تستطيع أن تدفع أفراد الجنس الخشن إلى التنازع فيما بينهم. ولكن الشخص الذي له أدنى اطلاع على التدابير الماهرة للخالق والقدرة العجيبة والذكية التي عبّأها في وجود المرأة يعلم أنّ هذا الشيء ليس بعجيب أبداً.

إنّ للمرأة على الرجل تأثيراً كبيراً، وتأثيرها فيه أكبر من تأثيره فيها، فالرجل في كثير من فنونه وشجاعته وإقداماته ونبوغه وشخصيته مدين للمرأة، وإنّ التمنّع الظريف للمرأة مدين لحيائها وعفافها، أي مدين

٢٢٤

إلى (العرض الغالي) للمرأة. المرأة دائماً تصنع الرجل، والرجل دائماً يصنع المجتمع، وفي الوقت الذي يذهب حياء المرأة وعفافها وامتناعها، وتبادر إلى ممارسة دور الرجل، ينتفي دورها، وينسى الرجل رجولته، فينهدم المجتمع في النهاية.

هذه القدرة، التي حفظت للمرأة شخصيتها طول التاريخ، وصانتها من الركض وراء الرجل، وجعلت الرجل يقصد ساحتها كخاطب، ودفعت الرجال إلى التنافس والتخاصم من أجلها إلى حد القتل، وجعلت شعارها الحياء والعفاف وسترت جسدها عن عيني الرجل... وجعلت منها شخصية محفوفة بالأسرار، ملهمة الرجل وخلاقة عشقه ومنبع فنه وشجاعته، ونبوغه... أوجدت في ذاته حس (التغزّل) والمدح ودفعته إلى التواضع ونكران ذاته أمامها؛ هي التي جعلت الرجل يقدّم للمرأة عند الزواج هدية باسم المهر.

المهر مادّة في قانون عام صبّت في أساس الخلقة وهيئت بيد الفطرة.

المهر في القرآن

القرآن الكريم لم يخترع المهر بالصورة التي ذكرناها في المرحلة الخامسة. المهر بهذه الصورة هو إبداع الخلقة، ودور القرآن إنّما هو إعادة المهر إلى حالته الفطرية.

يقول القرآن الكريم بلطف وظرف منقطعي النظير:( وَآتُوا النِّسَاءَ

٢٢٥

صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (1) ، أي أعطوا النساء مهورهن - التي هي ملك لهن - بأيديهن لا بأيدي الآباء أو الإخوة. إنّها هداياكم إليهن.

والقرآن الكريم في هذه الجملة القصيرة أشار إلى ثلاث نقاط:

أولاً: سمّى المهر (صدقة) بضم الدال والصدقة مشتقة من مادة (صدق) ولذا يسمّى المهر صداقاً أو صدقة لدلالته على صدق العلاقة مع الرجل، وقد أشار إلى هذه النقطة بعض المفسّرين كصاحب الكشّاف، وكذلك أورد الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القرآن أنّ الصدقة (بفتح الدال) سمّيت كذلك لأنّها دليل على صدق الإيمان.

ثانياً: بإلحاق ضمير (هنّ) بالصدقات أراد عزّ وجل أن يشير إلى تعلّق المهر بنفس المرأة لا بالأب والأُم؛ لأنّ المهر ليس أجرة التربية والإرضاع والإطعام وغيرها من الخدمات التي قدّماها.

ثالثاً: إنّه باستعمال كلمة (نحلة) يصرّح بوضوح أنّ المهر ليس له عنوان غير الهدية والمنحة فحسب.

تفاوت المشاعر لدى الحيوانات

في جميع الأحياء - وليس الإنسان وحده - وحيثما كان قانون الجنسين حاكماً، وكان الجنسان محتاجين إلى بعضهما خلق جنس الذكر أكثر احتياجاً إلى جنس الأنثى، أي أنّ مشاعره ذاتها أكثر

____________________

(1) سورة النساء، الآية 4.

٢٢٦

احتياجاً إلى الأنثى. وهذا بدوره أدّى إلى أن يخطو الذكر خطوات على طريق جلب رضاها، وكان سبباً في إصلاح علاقة الجنسين، فلا يستغل الذكر قوّته ضد الأنثى بل يلتزم جانب التواضع والخضوع أمامها.

الهديّة في العلاقات اللاشرعيّة

ولا يقتصر ذلك على الزواج والرباط الشرعي لعلاقات الجنسين، بل كلّما أراد (المرأة والرجل) أن يتلذّذا ببعضهما أو يمارسا ما اصطلح عليه باسم الحب الحر، كان الرجل هو الذي يقدم للمرأة هدية. وإذا ما تناولا معاً القهوة أو الشاي أو وجبة غذاء أحياناً نجد الرجل يدرك واجبه في أن يكون هو الذي يدفع ثمن ذلك. وترى المرأة أنّ من الإهانة لها أن تبذل مالاً من أجل الرجل. إنّ عبث ومجون الشاب يتطلّب أن يكون لديه مال. وعبث الفتاة وسيلة للحصول على الأموال. هذه العادات التي تجري حتى في العلاقات غير المشروعة وغير القانونية منشؤها اختلاف نوع المشاعر التي تكنّها المرأة والرجل لبعضهما.

العشق عند الغربيين أكثر طبيعية من الزواج

في العالم الغربي، غيّروا الوجه الطبيعي لمسألة المساواة في الحقوق الأُسرية بعنوان المساواة في حقوق الإنسان، وهم يسعون - خلافاً لقانون الطبيعة - إلى أن يضعوا المرأة والرجل في مواقع متشابهة ويعهدوا إليهما بأدوار متشابهة في الحياة العائلية، ولكنّا نرى أنّ المسألة حين تتصل بما يسمّى بالحب الحر ويكون تصرّف الرجل خارجاً عن سلطة

٢٢٧

القوانين الوضعية، يقوم الأخير بواجبه الطبيعي تجاه المرأة متمثّلاً بالاحتياج والطلب وتقديم المال وبذل المصاريف، ويقدم الهدية إلى المرأة ويتحمّل نفقاتها، بينما في الزواج الغربي لا وجود للمهر، كما يعهد إلى المرأة بمسؤولية ثقيلة من ناحية نفقتها. أي أنّ الحب العربي أكثر انسجاماً مع الطبيعة من الزواج الغربي.

المهر وسيلة من الوسائل التي تجسّد لنا أنّ المرأة والرجل قد خلقا باستعدادات غير متشابهة، وأنّ قانون الخلق قد منح كلاًّ منهما سندات متفاوتة من حيث الحقوق الفطرية والطبيعية.

(2) المهر والنفقة

ذكرنا في الفصل السابق الفلسفة والعلّة الرئيسة لظهور المهر، ووضّح أنّ المهر إنّما وجد لأنّ قانون الخلقة في علاقات الجنسين قد عهد لكل منهما بدور متميز، كما ظهر أنّ المهر نشأ عن المشاعر الرقيقة والعاطفية لدى الرجل وليس عن مشاعر الخشونة والتملّك. أمّا فيما يتعلّق - من هذا الجانب - بالمرأة، فهو مشاعر التمنّع لديها لا الضعف ولا فقدان الإرادة. وما المهر إلاّ تدبير وضعه قانون الخلقة من أجل رفع قيمة المرأة ووضعها في مستوى أرفع. إنّ المهر يمنح المرأة شخصيتها، وأنّ قيمته المعنوية بالنسبة للمرأة أكبر من قيمته المادية.

٢٢٨

العادات الجاهلية التي نسخها الإسلام

نسخ القرآن الكريم عادات الجاهلية حول مسألة المهر وأعادها إلى حالتها الطبيعية الأُولى.

ففي الجاهلية كان الآباء والأُمّهات يعتبرون المهر ثمن إرضاع الفتاة وثمن الأتعاب والجهود التي بذلوها لها منذ الطفولة حتى الزواج. وقد ورد في تفسير الكشّاف وغيره: أنّه حين كان يولد لأحدهم فتاة ويريد آخر أن يهنّئه يقول له: (هنيئاً لك النافجة) أي الزيادة في الثروة، يقصد أنّها ستجلب له مالاً حين تشب وتتزوّج ويدفع له مهرها.

وفي الجاهلية كان الآباء - وعند عدم وجودهم فالإخوة من بعدهم - يتبادلون الفتيات مع الآباء أو الإخوة الآخرين باعتبارهم أولياء الفتاة والقيّمين عليها وهم الذين يزوّجونها حسب رغبتهم لا رغبتها، هذا من جهة ومن جهة أُخرى فإنّهم يعتبرون مهر الفتاة ملكاً لهم لا لها، فكان الرجل يقول للآخر: زوّجتك من ابنتي أو أختي في مقابل تزويجك لي من ابنتك أو أختك، ويقبل الآخر قوله، وبذلك تصح كل فتاة مهراً للأخرى وتلحق بأبي أو أخي صاحبتها. هذا النوع من النكاح كان يسمّى نكاح (الشغار).

وقد نسخ الإسلام هذه العادة، بقول الرسول (صلّى الله عليه وآله): (لا شغار في الإسلام).

وجاء في الروايات الإسلامية أنّ الأب ليس فاقداً الحق في مهر ابنته فحسب ولكن حتى لو اشترط للأب في عقد الزواج شيء منفصل

٢٢٩

عن مهر الفتاة وأعطي المهر لنفس الفتاة، صح العقد وبطل الشرط، أي أنّ الأب لا حقّ له في أن يستفيد شيئاً لنفسه من تزويج ابنته، حتى لو كانت هذه الفائدة منفصلة عن المهر.

وألغى الإسلام - أيضاً - عادة عمل العريس عند والد الفتاة التي يذكر علماء الاجتماع أنّها كانت موجودة في المراحل التي لم تكن الثروة قابلة للمبادلة. لكن عمل العريس عند والد فتاته لم يكن فقط بسبب أنّ الأب كان يرغب في الإفادة من بناته، وإنّما كانت هناك جذور أخرى للمسألة ترتبط أحيانا بتلك المرحلة من التمدّن، ولم يكن هذا الأمر - بحد ذاته - ظلماً. وعلى كل حال فمثل هذه العادة كانت موجودة قطعاً في العالم القديم.

وقصّة موسى وشعيب التي وردت في القرآن الكريم تشير إلى وجود مثل هذه العادة. فموسى في أثناء فراره من مصر، وحين وصل إلى بئر (مدين) أشفق على ابنتي شعيب اللتين كانتا تنتظران إلى جانب أغنامهما حين لم يرحمهما أحد، فسقى موسى لهما. وحين عادت الفتاتان إلى أبيهما، وقصّتا عليه أحداث اليوم، بعث إحداهما في إثره فدعته إلى البيت، وبعد أن تعارف موسى وشعيب، قال شعيب لموسى ذات يوم إنّي أريد أن أزوّجك إحدى ابنتي هاتين على أن تعمل عندي مدّة ثماني سنوات، وإذا رغبت أن تضيف من عندك سنتين، فيصبح عملك عندي عشر سنوات، فقبل موسى وأصبح صهر شعيب. كانت هذه

٢٣٠

العادة موجودة في ذلك الزمان وتعود أسبابها إلى أمرين:

الأوّل: عدم وجود النقود آنذاك، فكانت الخدمة التي يمكن أن يؤدّيها العريس - للمرأة أو لأبيها - محصورة غالباً في العمل لهما.

الثاني: عادة تجهيز الفتاة، يعتقد علماء الاجتماع أنّ عادة تجهيز الفتاة من قبل الأب هي من العادات والسنن القديمة. فلكي يتمكّن والد الفتاة من توفير جهازها يتخذ من العريس أجيراً عنده أو يتسلّم منه مقداراً من النقود، ويكون ما يأخذه الأب من العريس لمصلحة الفتاة ولها.

على كل حال، فقد أُلغيت هذه القاعدة في الإسلام، ولم يعد لوالد الفتاة أن يعد مهرها مالا له، حتى ولو كان هدفه صرفه من أجل ابنته. إنّما الفتاة نفسها هي التي تملك حق التصرّف في المال فتصرفه على أي نحو تشاء. وتصرّح الروايات الإسلامية أنّ مثل هذا المهر غير جائز في المرحلة الإسلامية.

وفي الجاهلية، كانت هناك عادات أُخرى تؤدّي عملياً إلى حرمان المرأة من مهرها، من هذه العادات توارث الزوجية، فإذا مات الرجل كان وارثوه من قبيل الأبناء، والإخوة يرثون الزواج من أرملته بعد موته كما يرثون ثروته، فيتصوّر ابن أو أخو الميت أنّ له حق الزوجية الذي كان للميت، ويرى نفسه مخيّراً بين أن يزوّج أرملة المتوفّى من آخر ويقبض قيمة مهرها أو يتخذها زوجة له بدون مهر جديد بل بموجب

٢٣١

نفس المهر الذي كان الميت قد دفعه لها من قبل.

وقد ألغى القرآن الكريم إرث الزوجة بقوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ) (1) .

والقرآن الكريم في آية ثانية يحرّم بشكل عام زواج الابن من زوجة أبيه حتى لو لم تكن إرثاً وأرادا الزواج من بعضهما طوعاً حيث يقول:

( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) (2) .

وألغى القرآن الكريم كل عادة تستوجب تضييع مهر النساء، ومن جملتها أنّ الرجل كان حين يفقد ميله إلى زوجته فإنّه يضايقها ويؤذيها قاصداً بأذيّتها أن ترضى بالطلاق وتعيد إليه كلاًّ أو قسماً ممّا كان قد وهبها من المهر، يقول القرآن الكريم:( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) (3).

ومن هذه العادات - أيضاً - أنّ رجلاً مثلاً يتزوج من امرأة ويجعل لها مهراً غالياً، وحين يملّها ويشتاق إلى الزواج من أخرى، يتهم الأُولى بالفحشاء ويلوّث سمعتها ويدّعي - لذلك - أنّ هذه المرأة لم تكن لائقة

____________________

(1) سورة النساء، الآية 19.

(2) سورة النساء، الآية 22.

(3) سورة النساء، الآية 19.

٢٣٢

بالزواج منه أصلاً ويجب فسخ عقد الزواج، ويطالب باستعادة قيمة المهر الذي وهبه لها عند الزواج، وقد ألغى القرآن الكريم هذه العادة ومنعها.

نظام المهر الإسلامي مختص بالإسلام

من مسلّمات الدين الإسلامي أنّ الرجل لا حق له في مال المرأة ولا عملها. فلا يمكن أن يأمرها بالقيام بعمل ما، وإذا ما اشتغلت المرأة وحصلت على مال نتيجة شغلها فليس للرجل حق التصرّف فيه بدون رضاها، ومن هذه الناحية يتساوى وضع المرأة والرجل. وعلى خلاف العادة المتّبعة في أوروبا المسيحية حتى أوائل القرن العشرين، فالمرأة المتزوّجة في نظر الإسلام ليست تحت قيمومة الرجل في معاملاتها وعلاقاتها الحقوقية، بل لها استقلال وحرية كاملة في إنجاز معاملاتها. والإسلام في الوقت الذي منح الزوجة مثل هذا الاستقلال الاقتصادي في مقابل الزوج ولم يجعل للزوج حقّاً في مالها ولا عملها ولا معاملاتها، لم يلغ نظام المهر. وهذا نفسه يدل على أنّ المهر في نظر الإسلام لم يكن من أجل أن يفيد الرجل بعد ذلك من وجود الزوجة اقتصادياً ويستغل إمكاناتها البدنية؛ إذاً فللإسلام نظام خاص بالمهر، وهذا النظام المهري وفلسفته يجب ألاّ يقرنا بنظم المهر الأخرى، وأنّ الاعتراضات الواردة على نظم المهر الأخرى ليست واردة على النظام الإسلامي.

٢٣٣

قانون الفطرة

كما قلنا في المقالة السابقة، يصرّح القرآن الكريم أنّ المهر (نِحْلة) وعطية، والقرآن يعتبر هذه العطية أو الهدية شرطاً؛ لأنّه يراعي بدقّة كاملة رموز الفطرة الإنسانية، ولأنّ كلاًّ من المرأة والرجل قد عهد إليه بدور خاص في الطبيعة من حيث علاقات الصداقة؛ لذلك لم ينس أن يؤكّد شرط المهر.

دور المرأة أن تستجيب لحب الرجل، وحب المرأة سليم حين يكون ردّ فعلٍ لحب الرجل لا مبادرة منها، أمّا العشق الذي يبدأ من المرأة - أي الذي تبادر به فتعشق الرجل قبل أن يكون هو الذي بدأ بذلك - فسيواجه فشل الحب وفشل شخصية المرأة ذاتها، على خلاف الحب الذي يأتي جواباً من المرأة على حب آخر، فمثل هذا الحب لا يفشل ولا يسيء لشخصية المرأة.

هل حقّاً إنّ المرأة عديمة الوفاء؟ وأنّ عهد حبّها واهٍ؟ وأنّ حبّها لا يركن إليه؟

هذا الرأي صادق وكاذب في آن واحد. هو صادق حين يبدأ الحب من المرأة فإنّها إذا بادرت الرجل بالحب والعشق وتعلّق قلبها به، فسرعان ما تخبو نار هذا العشق، فلا يمكن الركون إلى مثل هذا الحب. وهو كاذب حين يكون الحب المتأجّج للمرأة ردّ فعلٍ للحب الصادق من قبل الرجل وجواباً للحب الحقيقي لديه. مثل هذا الحب يستبعد أن يفسخ، إلاّ إذا برد حب الرجل نفسه، فحينها ينتهي حب المرأة، والحب

٢٣٤

الفطري للمرأة هو هذا النوع من الحب.

واشتهار المرأة بعدم الوفاء إنّما يحدث في النوع الأول من الحب. والامتنان الذي حصل نتيجة وفاء المرأة مرتبط بالنوع الثاني منه، والمجتمع إذا أراد لروابط الزوجية أن تستحكم، فلا مفرّ من أن يسلك نفس سبيل القرآن؛ وذلك مراعاة لقوانين الفطرة، ومن جملتها: أن يأخذ بنظر الاعتبار الدور الخاص لكل من المرأة والرجل في مسألة الحب، فقانون المهر انسجام مع الطبيعة من حيث إنّه دليل على ابتداء الحب من جانب الرجل، وما المرأة إلاّ مستجيبة لحبّه. والرجل لا يقدّم لها هذه الهدية والمهر إلاّ بدافع الاحترام؛ وعلى هذا الأساس يجب أن لا نلغي مادة في هذا القانون العام - الذي دوّنته يد مقنّن الطبيعة - باسم المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل.

وكما لاحظتم فإنّ القرآن في باب المهر قد غيّر العادات والقوانين الجاهلية بالرغم من ميل الرجال آنذاك إليها. فما أقرّه القرآن في باب المهر لم يكن هو العادة التي كانت سائدة في الجاهلية، لكي نقول أنّ القرآن لم يهتم بوجود المهر أو عدمه، فالقرآن كان يمكن أن يلغي المهر كليّاً ويريح الرجال من هذه الناحية لكنّه لم يفعل.

انتقادات

والآن وقد اطلعتم على وجهة نظر الإسلام حول المهر، ووضحت فلسفته فيه، فيستحسن أن تسمعوا أقوال الذين ينتقدون هذا القانون

٢٣٥

الإلهي.

كتبت السيدة منوجهريان في كتابها: (انتقاد قوانين إيران الأساسية والمدنية)(1) في فصل بعنوان (المهر) ما ترجمته: (كما يدفع الرجل مبلغاً من المال ليحوز بستاناً أو داراً أو حصاناً أو بغلاً، كذلك يجب أن يخرج من جيبه نقوداً لأجل شراء الزوجة، وكما يتفاوت سعر الدار والبستان والبغل حسب الكبر والصغر والقبح والجمال والمنفعة والاستعمال، كذلك يتفاوت سعر الزوجة حسب القبح والجمال والغنى والفقر.

وقد كتب مشرعونا ذوو الشهامة والشفقة ما يقرب من اثنتي عشرة مادة حول سعر الزوجة، وفلسفتهم في ذلك أنّ النقود إذا لم تدخل في الموضوع فإنّ حبل الزواج المتين سرعان ما يرتخي ثم ينقطع).

لو أنّ قانون المهر قد جاء به الأجنبي، كان سيرد أيضاً هذا المقدار من التهم والافتراءات والنظرة المتحيّزة؟ وهل النقود التي يهبها أحدهما للآخر تعني أنّه يريد أنّه يشتريه؟ فعلى هذا يجب أن تلغى عادة الهدية والهبة والعطية. إنّ مصدر قانون المهر الذي جاء في القانون المدني هو القرآن. والقرآن يصرّح أنّ المهر لا عنوان له سوى الهدية والهبة. إضافة إلى أنّ الإسلام قد صاغ قوانينه الاقتصادية بصورة لا تعطي للرجل الحق في أن يستثمر المرأة اقتصادياً. يوصف المهر حينئذٍ بأنّه سعر للزوجة. يمكن أن تقولوا إنّ رجال إيران يفيدون - فعلاً - من المرأة اقتصادياً وأنا

____________________

(1) بالفارسية (انتقاد بر قوانين أساسي ومدني إيران).

٢٣٦

أيضاً اعترف أنّ كثيراً من الرجال الإيرانيين على هذه الصورة، ولكن ما علاقة ذلك بالمهر، فالرجال يقولون لما دفعناه من مهر، يجب أن نتحكّم في نسائنا، فتحكّم الرجل الإيراني بالمرأة الإيرانية له جذور أخرى. فلماذا تريدون تخريب قانون الفطرة وتزيدون في المفاسد بدلاً من إصلاح المجتمع؟ وأنّ لكم في كل هذه الآمال قصداً آخر - غير خافٍ على أحد - هو أنّ الإيراني والشرقي يجب أن ينسى نفسه وفلسفة حياته ومعاييره الإنسانية، ويتخذ لنفسه لوناً وشكلاً أجنبيين كي يسهل ابتلاعه.

تقول السيدة منوجهريان: (إذا كانت المرأة كالرجل اقتصادياً، فما الحاجة إذا ننفق عليها ونكسوها ونجعل لها مهراً. فكما أنّ مثل هذه الاحتياجات والضمانات لا ترد بخصوص الرجل، كذلك عندها لن ترد بخصوص المرأة).

لو أردنا أن ننعم النظر جيداً في هذا الحديث لاتضح المعنى الحقيقي له كما يلي:

في المراحل التي لم يكونوا يقرون فيها بحق التملّك والاستقلال الاقتصادي للمرأة يمكن تعليل وجود المهر والنفقة، ولكن إذا منحت المرأة، استقلالاً اقتصادياً - كما حصل في الإسلام - فلا موجب حينئذٍ

٢٣٧

لوجود النفقة والمهر. إنّها تتصوّر(1) أنّ فلسفة المهر منحصرة في إيصال النقود إلى المرأة مقابل سلب حقوقها الاقتصادية، ألم يكن من الأفضل لها أن تراجع باختصار آيات القرآن الكريم، وتتأمّل قليلاً في التعبيرات التي استعملها للمهر فتدرك فلسفته الرئيسة؛ وعندها ستفخر بما يتضمّنه كتاب أُمّتها السماوي من منطق رفيع؟

وكاتب الأربعين اقتراحاً في العدد 89 من مجلة (امرأة اليوم) صفحة 71 بعد الإشارة إلى الوضع البائس للمرأة في الجاهلية وخدمات الإسلام في هذا الباب، يكتب: (لما كانت المرأة والرجل قد خلقا متساويين فإنّ بذل ثمن أو أجرة من أحدهما للآخر ليس له سبب معقول، فكما أنّ الرجل محتاج إلى المرأة، كذلك المرأة محتاجة إلى وجود الرجل، وقد خلقهما الرب محتاجين إلى بعضهما، وهما في هذا الاحتياج متساويان مع بعضهما، وعليه فإنّ إلزام احدهما بدفع مالٍ إلى الآخر يفتقر إلى التعليل، ولكن لما كان الطلاق بيد الرجل، وليس للمرأة ضمانة في حياتها المشتركة معه، فقد أُعطي للمرأة - علاوة على مسألة الثقة بالزواج - حق المطالبة بوثيقة مالية من الرجل).

وفي صفحة 72 يقول: (لو أنّ المادة 1133 من القانون المدني التي تقرّر أنّ: (للرجل في أيّ وقت يشاءان يطلق زوجته) عدلت ولم يربط الطلاق بميل الرجل وهوسه، فسيفقد الصداق والمهر أساساً مبرّر

____________________

(1) أي السيدة منوجهريان.

٢٣٨

وجوده).

وما تحدثنا به لحد الآن يغني عن توضيح هذه المطالب أكثر، فقد وضّح أنّ المهر ليس ثمناً أو أجرة، كما أنّ لوجوده سبباً منطقياً، ووضّح أيضاً أنّ المرأة والرجل في احتياجهما لبعضهما غير متساويين، وأنّ الخالق قد وضع كلاًّ منهما في وضع يختلف عن الآخر.

والأوهى من كل ما مر القول بأنّ المهر ضمانة مالية في مقابل إناطة حق الطلاق بالرجل، والادعاء بأنّ الإسلام أقرّ المهر من هذا المنطلق.

ولنسأل مثل هؤلاء الأشخاص: لماذا أعطى الإسلام حق الطلاق للرجل لكي يوجد الحاجة إلى ضمانة مالية بيد المرأة، وأكثر من هذا فإنّ معنى هذا الكلام هو ما يلي: أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قد جعل لنسائه مهراً لأنّه أراد أن يكون لهنّ عليه ضمانة مالية، وأنّه في زواج علي وفاطمة (عليه السلام) قد جعل لفاطمة (عليه السلام) مهراً من أجل أن تكون لها ضمانة مالية في مقابل علي (عليه السلام) ويطمئن قلبها. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا حث النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) النساء على أن يبيّن مهورهن لأزواجهن وذكر أنّ لهذه الهبات ثواباً عظيماً؟ وأكثر من ذلك، لِم حثّ على أن يكون مهر النساء قليلاً؟ أفلا يكون غرض نبي الإسلام أنّ هديّة الرجل في الزواج باسم المهر وهبة المهر، أو ما يعادله من قبل المرأة لزوجها ممّا يقوّي عرى الأُلفة والمحبّة في الزواج؟

وإذا كان غرض الإسلام أن يكون المهر ضمانة مالية، فلم جاء في كتابه السماوي قوله تعالى:( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) ، ولم يقل:

٢٣٩

(وآتوا النساء صدقاتهن ضمانة)؟

وعدا عن كل ذلك، فإنّ الكاتب المذكور تصوّر أنّ عادة المهر في صدر الإسلام كانت على ما هي عليه اليوم؛ إذ مهر هذه الأيام له جانب يتعلّق بالذمّة والعهد، أي أنّ الرجل يتعهّد بمبلغ من المال طبق عقد أو سند ولا تطالب به المرأة عادة إلاّ إذا حصل خلاف وشجار، هذا النوع من المهر يتخذ حقيقة صورة وثيقة الضمان. أمّا في صدر الإسلام فقد كان الرجل يدفع نقداً ما يتعهّد به من مهر؛ ولهذا، فلا يمكن القول إطلاقاً أنّ المهر من وجهة نظر الإسلام كان وثيقة تتسلّمها المرأة.

ويرينا التاريخ أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لم يكن يوافق - بأيّ وجه من الوجوه - على أن يزوّج امرأة من رجل بدون مهر. وقد وردت قصة باختلاف بسيط في كتب الشيعة والسنّة على الوجه التالي:

جاءت امرأة إلى النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) فوقفت بين الحاضرين وقالت:

- يا رسول الله اتخذني زوجة.

* سكت الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أمام طلب المرأة، ولم يقل شيئاً، وجلست المرأة في مكانها. فقام رجل من الصحابة وقال: يا رسول الله، إذا لم تكن راغباً في ذلك، فأنا لها.

* سأله الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: ماذا جعلت لها من مهر؟

- ليس عندي شيء

* لا يصح هكذا، اذهب إلى دارك عسى أن تجد شيئاً تعطيه لها مهراً.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446