نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56671 / تحميل: 8385
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

روز) أي (امرأة اليوم) صفحة 72: (بموجب المادة 1047 إذا أراد أحد الخطيبين أن يفسخ الخطبة بدون سببٍ وجيه، يجب عليه أن يعيد إلى الطرف المقابل الهدايا التي أهداها والده أو أشخاص آخرون لهم صلة بالأول، وإذا لم تكن عين هذه الهدايا موجودة، يجب أن يعيد قيمتها، إلا إذا كانت قد تلفت بدون تقصير.

فطبقاً لضوابط هذه المادة، تعتبر الخطبة - بنظر المشرّع - كالوعد بالزواج لا تملك أيّ أثرٍ قانوني، ولا تملك أيّ ضمانة إجرائية أيضاً ولا تتطلّب من الطرفين التزاماً معيّناً، إنّما الأثر الذي يترتّب عليها هو أنّ الطرف المخالف - كما يعبّر عنه كاتب القانون المذكور (بدون سبب وجيه) - إذا قطع الصلة، يجب عليه أن يعيد الهدايا التي كان تسلّمها من الطرف الآخر، ولكن الطرفين في مرحلة الخطوبة - غالباً - لا يتهاديان شيئاً تحت عنوان الخطوبة، إنّما يتحمّلان نفقات باهضة تقتضيها الخطوبة نفسها...).

وكما تلاحظون فإنّ اعتراض السيد المهدوي على هذه المادّة هو: أن لا أثر قانونياً ولا ضمانة إجرائية للخطوبة، وإنّما الأثر الوحيد لها هو كون الطرف الناقض للخطبة ملزماً بردّ عين الهدايا التي كان قد تسلّمها أو قيّمها، بينما الخسارات الرئيسية التي يتحمّلها الشخص إبان الخطوبة هي خسارات من نوع آخر مثل مصروفات إقامة حفل، أو دعوة ضيوف أو فسحات الخطيبين.

٤١

وأنا أقول إنّ هناك اعتراضاً آخر أيضاً يرد على هذه المادة في القانون؛ وذلك قولها: إنّ الطرف الناقض للخطبة (بدون سبب وجيه) يجب أن يعيد الهدايا التي تسلّمها، بينما المتعارف أنّ الصلة لو قطعت بدون سبب وجيه أيضاً، تعاد عين الهدايا التي أُعطيت على الأقل إذا طالب بها الطرف المقابل.

لكن الحقيقة أنّ أيّاً من الاعتراضين ليس سليماً.

يورد القانون المدني في المادة 1036 ما يلي: (إذا قطع أحد الخطيبين هذه الصلة بدون سبب وجيه في الوقت الذي كان الطرف المقابل أو الأبوان أو أشخاص آخرون قد أنفقوا أموالاً وغرّر بهم على أمل حصول الزواج، فعلى الطرف الفاسخ أن يعوّض الخسارة. لكنّ الخسارة المذكورة تتعلّق فقط بالمصروفات المتعارفة).

هذه المادة تبيّن نفس الأمر الذي تصوّر السيد المهدوي أنّ القانون لم يتداركه، وهي المادة التي ذكرت فيها عبارة (بدون سبب وجيه) وطبقاً لهذه المادة لا يتحمّل الطرف الفاسخ ما أنفقه الخطيب الآخر فحسب، بل ما أنفقه أبواه وغيرهما من الأشخاص كذلك.

وفي هذه المادة، بالاستناد إلى كلمة (غرّر بهم) يكون القانون قد أشار إلى القاعدة المعروفة بقاعدة (التغرير).

هذه بالإضافة إلى أنّ التسبيب في القانون المدني يُعدّ أحد موجبات الضمان الإجباري، ويمكن إحراز ذلك أيضاً من المادة (332)

٤٢

المتعلّقة بالتسبيب حيث يُفهم منها ضمان الطرف المخالف.

وعلى هذا فإنّ القانون المدني لم يسكت على خسارات الخطوبة (التي وصفها كاتب المقترحات بالخسارات التي تحصل خلال الخطوبة نفسها) وحسب، وإنّما ضمنها من خلال مادّتين.

فالمادة 1037 تقول: (يحق لكلٍّ من الخطيبين - في حالة فسخ الخطوبة - أن يطالب باستعادة الهدايا التي أعطاها لخطيبه أو أعطاها أبواه أو الآخرون من أجل الخطيب الأوّل، وإذا كانت الهدايا مفقودة، فقيمة الهدايا التي لها قيمة معتبرة إلاّ إذا كانت تلك الهدايا قد تلفت بدون تقصير الطرف المقابل).

هذه المادة تتعلّق بالأشياء التي أهداها كل من الخطيبين للآخر. وكما تلاحظون فإنّ هذه المادة لم تشر إلى قيدٍ أو شرطٍ باسم (بدون سبب وجيه)، إنّما هذا الشرط الأخير قد استنبطه السيد المهدوي نفسه.

وأعجب لأشخاص عاجزين عن فهم عدّة مواد بسيطة في القانون المدني (مع أنّهم قد قضوا أعمارهم في دراستها، وخُصّصت لهم ميزانية خاصة من أموال هذا البلد باسم التخصّص الفنّي في هذه القوانين نفسها) كيف يدعون إلى تغيير قوانين سماوية ضمّت آلاف الملاحظات والتفصيلات؟

وهناك نقطة لابد من ذكرها، وهي أنّ السيد المهدوي إلى ما قبل خمس سنوات - حين كان مشغولاً بتأليف كتابه (پيمان مقدس يا ميثاق ازدواج) أي (الميثاق المقدّس أو ميثاق الزواج) - كان يقرأ

٤٣

الجملة المذكورة على هذه الصورة (بدون سبب وموجب). وفي كتابه عقد فصلاً طويلاً، وصال وجال قائلاً: (وهل في الدنيا عمل بدون سبب وموجب). لكنّه أخيراً تنبّه إلى أنّه كان لسنوات يقرأ هذه الجملة مغلوطة ففهمها وصار يقرأها (بدون سبب وجيه).

والى هنا أغضّ النظر عن باقي الاعتراضات التي يمكن إيرادها على كاتب المقترحات.

٤٤

الفصل الثاني

(1) الزواج المؤقّت

إنّني - على العكس من الكثيرين - لا أغضب من الشكوك والشبهات التي تُثار حول الإسلام، بالرغم من حبّي لهذا الين واعتقادي به، بل أفرح من أعماق قلبي؛ لأنّني أعتقد - وقد علّمتني التجربة - أنّ الهجوم على هذا الدين السماوي المقدّس كلّما كان أقسى وأشدّ - في أي جبهة من الجبهات - ازداد جلاءً وبهاءً وبدا مرفوع الهام قويّاً.

فخاصيّة الحقيقة هي أنّ الشك والتشكيك يزيدانه نوراً، فالشك يؤدّي إلى اليقين، والتردّد يؤدّي إلى التحقيق. ورد في رسالة (زنده بيدار) أي (الحي القيّوم) نقلاً عن رسالة (ميزان العمل) للغزالي، قوله: (لو كانت لكلامنا فائدة واحدة فقط وهي أن تجعلك تشك في عقائدك القديمة الموروثة لكان ذلك كافيا. ذلك أنّ الشك أساس التحقيق، والشخص الذي لا يشك يفوته التأمّل والتدقيق. ومَن لا ينظر جيداً لا يرى جيداً، ومثل هذا الشخص يبقى في العمى والحيرة).

فدعهم يقولوا ويكتبوا ويعقدوا الندوات ويثيروا الشبهات، من أجل أن تظهر حقائق الإسلام جليّة على الرغم منهم.

* * *

٤٥

من قوانين الإسلام النيّرة في نظر المذهب الجعفري، الذي هو المذهب الرسمي لبلادنا، أنّ الزواج يتم بنحوين: دائم ومؤقت.

الزواج المؤقّت والدائم يتفقان في بعض الأُمور ويختلفان في البعض الآخر. والذي يميّزهما عن بعضهما بالدرجة الأُولى أنّ المرأة والرجل في الزواج المؤقّت يتفقان على أن يكونا زوجين لمدّة معيّنة فقط، وبعد انتهاء المدّة إن رغبا في تمديدها مدّداها، وإلاّ افترقا.

والفرق الثاني هو امتلاكها حرية أكثر في إدخال الشروط التي يرغبان فيها في العقد. فمثلاً إذا كان الزوج في الزواج الدائم ملزماً بأداء نفقات البيت واللباس والمسكن وباقي احتياجات الزوجة من دواء وطبيب وغيره، فإنّه في الزواج المؤقّت يتبع اشتراط ذلك رغبة الزوجين، إذ من المحتمل أنّ الرجل لا يريد أو لا يقدر على أداء نفقات المنزل أو غيره أو أنّ المرأة لا تنوي الإفادة من مال الرجل.

في الزواج الدائم، لابد للزوجة أن تتعامل مع الزوج على أنّه رئيس العائلة وتطيع أمره في حدود مصلحة العائلة، أمّا في الزواج المؤقّت فالأمر راجع إلى الاتفاق بينهما.

في الزواج الدائم - رضيا أم أبيا - يرث كل من الزوجين صاحبه، أمّا في المؤقّت فلا إرث بينهما.

إذاً، الفرق الأساس والجوهري بين الزواج المؤقّت والدائم هو أنّ الزواج المؤقّت (حر) من حيث حدوده وقيوده، أي بإرادة واتفاق

٤٦

الطرفين. وحتى توقيته يمنح الطرفين - في الحقيقة - حرية، إذ يحدّدان هما مدّة مفعوله.

في الزواج الدائم، لا يحق لأي من الزوجين أن يمنع الحمل بدون موافقة الطرف الآخر، أمّا في المؤقّت فلا يشترط موافقة الطرف الآخر من أجل منع الحمل. وهذا نوع آخر من الحرية أُعطي للزوجين.

الأطفال الذين يولدون من الزواج المؤقّت لا يختلفون في شيء من الحقوق عن الأطفال المتولّدين من الزواج الدائم.

المهر واجب في الزواج الدائم وفي الزواج المؤقّت كذلك، مع فرقٍ واحدٍ هو أنّ عدم ذكر المهر يبطل العقد المؤقّت ولا يبطله في العقد الدائم، بل يكون للمرأة مهر المثل.

وكما تحرم في العقد الدائم أُم وأُخت الزوجة على الزوج، ويحرم أبو وابن الزوج على الزوجة، كذلك يحرمون في العقد المنقطع، وكما أنّ خطبة المتزوّجة بالعقد الدائم حرام على الآخرين كذلك طلب يد المتزوجة بالعقد المؤقّت حرام على الآخرين. وكما أنّ الزنا بالمحصنة ذات العقد الدائم يوجب الحرمة الدائمة على الزاني، كذلك الزنا بالمحصنة ذات العقد المنقطع يوجب الحرمة الدائمة على الزاني. وكما يجب على الزوجة الدائمة أن تعتد بعد الطلاق، فكذلك يجب على الزوجة المؤقّته أن تعتد بعد الطلاق، فكذلك يجب على الزوجة المؤقتة أن تعتد بعد إتمام المدّة أو هبتها، مع فارق أنّ عدّة الزوجة الدائمة ثلاث

٤٧

حيضات، وعدّة الزوجة غير الدائمة حيضتان أو خمسة وأربعون يوماً. وكما لا يجوز الجمع بين الأُختين في الزواج الدائم، كذلك لا يجوز الجمع بينهما في الزواج المؤقّت، هذا هو عين ما ورد في فقه الشيعة باسم الزواج المؤقّت، أو النكاح المنقطع، وكذلك في القانون المدني.

وبديهي، أنّنا نؤيّد هذا القانون بهذه التفصيلات، أمّا كون أبناء شعبنا قد أساءوا استخدام هذا القانون، وما زالوا، فهذا ممّا لا علاقة له بنفس القانون. وإلغاء هذا القانون لا يحول دون إساءة التصرّف إنّما يغيّر شكل الإساءة، بالإضافة إلى أنّ مئات المفاسد ستعقب إلغاء القانون.

إننا يجب ألاّ نهاجم القانون عندما نعجز عن إصلاح الناس وتوعيتهم، فنبرّئ الناس ونتّهم القانون.

والآن لنر ما هي الضرورة لوجود قانون باسم قانون الزواج المؤقّت مع وجود الزواج الدائم، وهل أنّ الزواج المؤقّت - كما تقول مجلة (زن روز) أي (امرأة اليوم) - يتنافى مع مكانة الإنسانية للمرأة ومع روح لائحة حقوق الإنسان؟ وهل حقّاً أنّ الزواج المؤقّت حتى ولو كان ضرورياً فإنّما ضرورته في السابق؟ وهل أنّ حياة اليوم وظروف العصر ومقتضياته ممّا يتنافى وإيّاه؟

سأبحث هذا المطلب تحت عنوانين:

ألف - الحياة العصرية والزواج المؤقّت.

باء - المآخذ على الزواج المؤقّت.

٤٨

الحياة العصرية والزواج المؤقّت

كما عرفنا من البدء، فإنّ الزواج الدائم يحمّل الزوجين مسؤولية وتكاليف كثيرة؛ لذا لا يمكن للفتى أو الفتاة بمجرّد البلوغ - حيث ضغط الغريزة على أشدّه - أن يتزوّجا بالعقد الدائم. إنّ ميزة العصر الحديث هي أنّه أطال المدّة الفاصلة بين البلوغ الطبيعي والبلوغ الاجتماعي حيث يمكن للشاب أن يكوّن عائلة. ففي العصور السابقة، لو أنّ عملاً أوكل إلى فتى في أوّل بلوغه لتمكّن أن يستمر فيه حتى آخر عمره، أمّا اليوم فهذا الأمر غير مقبول؛ لأنّ الفتى الذي يوفّق في إكمال الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعة بدون تأخّر ولا رسوب في الامحانات السنوية النهائية، ولا الامتحان العام للجامعة، يتخرّج آنذاك وعمره عشرون سنة ويستطيع بعد ذلك فقط أن يكون دخلاً خاصاً به. ممّا سيضطرّ إلى الصبر ثلاث أو أربع سنوات ريثما تكون لديه كمّيّة من المال يتهيأ بها للزواج الدائم، كذلك الأمر بالنسبة إلى أيّ فتاة موفّقة طوت سني الدراسة بنجاح.

شباب اليوم ومرحلة البلوغ والتهيّج الجنسي

لو كنت في هذا اليوم شابّاً ذا ثمانية عشر عاماً، حيث بلغ عندك الهياج الجنسي أشدّه، وذكرت رغبتك في الزواج، لضحكوا منك، كذلك الفتاة ذات الستة عشر عاماً. فعملياً، لا يمكن لأهل هذا السن أن يرتبطوا برباط الزواج الدائم أو يتحمّلوا مسؤولية حياة ذات واجبات وتكاليف

٤٩

كثيرة تجاه بعضهم البعض وتجاه أطفالهم القادمين.

الرهبانية المؤقّتة، أم الشيوعية الجنسية أم الزواج المؤقّت؟

أسألك الآن، ماذا يجب أن نعمل تجاه الطبيعة والغريزة في هذه الحالة؟ هل الطبيعة مستعدّة أن تريحنا من ضغط الغريزة الجنسية بتأخير سن البلوغ لدينا حتى نتخرّج من الجامعة؛ لأنّ العصر لا يسمح لنا بالزواج في سن الثامنة عشرة أو السادسة عشرة؟

وهل الشبّان على استعداد لطيّ مرحلة (رهبانية مؤقّتة) يروضون خلالها أنفسهم على التحمّل إلى أن تتهيّأ لهم إمكانية الزواج الدائم؟ ولو فرضنا جدلاً أنّ شابّاً يرضى أن يفرض على نفسه رهبانية مؤقّتة، فهل ترضى الطبيعة أن تعفيه من الوقوع تحت تأثير العوامل النفسية السيّئة والخطرة الناتجة عن الامتناع عن ممارسة مقتضيات الغريزة الجنسية، والتي كشفت عنها الدراسات العصرية؟

لم يبق إلاّ طريقان، فإمّا أن نترك الشبّان لحالهم بدون توجيه؛ فنجيز للفتى أن يتصل بمئات الفتيات، ونجيز للفتاة أن تعاشر عشرات الشبّان بصورة غير شرعية وتسقط جنينها كلّما شاءت، أي أنّنا نطبّق الشيوعية الجنسية. وبما أنّنا أجزنا للفتى والفتاة (على السواء) أن يفعلا ذلك، فقد أرضينا روح لائحة حقوق الإنسان؛ لأنّ هذه الروح - بنظر كثير من قاصري الأفهام - تقتضي بأنّ المرأة والرجل حتى لو أُريد لهما أن يسقطا في جهنّم فلابد أن يكونا جنباً إلى جنب ويداً بيد كي يكون

٥٠

سقوطهما بالنتيجة (متساوياً).

فهل تصلح مثل هؤلاء الفتيات لتشكيل أُسرة صالحة إثر الزواج بالعقد الدائم بعد كل تلك العلاقات الواسعة خلال مرحلة الدراسة؟

الطريق الثاني الزواج المؤقّت الحر. هذا الزواج يحدّد علاقات المرأة بالدرجة الأُولى؛ إذ لا يمكن أن تكون الفتاة زوجة لاثنين، وبديهي أنّ تقييد المرأة يستوجب تقييد الرجل رضي أم أبى، فحين تختص كل امرأة برجل معيّن يصبح في النتيجة كل رجل مختصاً بامرأة معيّنة، إلاّ إذا كان أحد الطرفين أكثر من الآخر، وبهذه الطريقة ينهي الفتى والفتاة مرحلة الدراسة دون أن يتحمّلا مصاعب الرهبانية المؤقّتة أو يسقطا فريسة الشيوعية الجنسية.

الزواج الاختياري

هذه الضرورة لا تختص بأيام الدراسة فحسب، بل ترد كذلك في ظروف أخرى؛ إذ لا يمكن للمرأة والرجل اللذين يرغبان في الزواج الدائم من بعضهما ولم يحرزا الكامل ببعضهما أن يعقدا زواجاً اختياريا لمدّة معيّنة، فإذا اطمأنا لبعضهما استمرّا وإلا افترقا.

أنا أسأل الآن: ما هي الضرورة التي حدت بالأوربيين إلى وضع عدد من النساء الساقطات في مكان معيّن من كل مدينة تحت إشراف الدولة؟ أليس هو كون وجود العزّاب غير القادرين على الزواج الدائم يشكّل خطراً كبيراً على العوائل والبيوت؟

٥١

رسل ونظرية الزواج المؤقّت

يقول برتراند رسل الفيلسوف الانگليزي المعروف في كتاب (الزواج والأخلاق): (... في الواقع أنّنا لو تأمّلنا قليلاً، لوجدنا أنّ الفواحش من النساء، يحفظن لنا عصمة بيوتنا وطهارة نسائنا وبناتنا. وعندما جاهر (لكي) برأيه هذا في عصر (فيكتوريا)، غضب الأخلاقيون غضباً شديداً، دون أن يفهموا أساس هذا الرأي. لكنّهم لم يتمكّنوا أبداً من إثبات خطئه. وكان لسان حال الأخلاقيين أُولئك وكل منطقهم أن: (لو أنّ الناس اتبعوا تعاليمنا، لما وُجدت الفحشاء) لكنّهم يعلمون جيداً أنّ أحداً لا يهتم لتعاليمهم).

كانت هذه هي الأطروحة الغربية للتخلّص من خطر الرجال والنساء العاجزين عن الزواج الدائم، وهي نفسها التي شرّعها الإسلام من قبل. وإذا ما طُبّقت هذه الأطروحة الإفرنجية وقامت مجموعة من النساء التعيسات بهذا الواجب الاجتماعي! فهل ستحقّق المرأة بذلك كرامتها الإنسانية وتحرز مقامها اللائق بها، وتسعد روح لائحة حقوق الإنسان؟

إن برتراند رسل قد خصّص في كتابه فصلاً بعنوان الزواج التجربي قال فيه: (إنّ القاضي ليندسي الذي كان لسنوات طويلة رئيساً لمحكمة دنفر واطلع من خلال منصبه على حقائق كثيرة، يقترح أطروحة باسم (زواج الصداقة) لكنّه للأسف خسر بذلك منصبه الرسمي في أمريكا؛ إذ

٥٢

ظهر أنّه يفكّر في سعادة الشبّان والشابات أكثر من تفكيره بإيجاد الشعور بالخطيئة لديهم، وقد كان لمساعي الكاثوليكيين وأعداء الزنوج اليد الطولى في عزله.

إنّ أطروحة زواج الصداقة التي اقترحها رجل محافظ وحكيم، قصد منها إيجاد نوع من الثبات في العلاقات الجنسية. فقد انتبه ليندسي إلى أنّ المشكلة الأساسية في الزواج هي افتقاد المال. وضرورة المال ليس من أجل الأطفال المتوقّعين فحسب، بل إنّ تكفّل المرأة بتأمين المعيشة أمرٌ غير لائق؛ لذا يتوصّل إلى وجوب مبادرة الشبّان لتطبيق مبدأ زواج الصداقة الذي يختلف عن الزواج العادي من ثلاث جهات:

الأُولى: ليس القصد من الزواج إنجاب الأطفال.

الثانية: ما دامت الزوجة الشابة لم تنجب أطفالاً ولم تحمل فالطلاق سيكون ميسّراً برضا الطرفين.

الثالثة: في حالة الطلاق، ستكون المرأة مستحقّة لمساعدة تكفل طعامها...

وأنا أشك في فائدة أُطروحة ليندسي. ولو أنّ القانون قبلها لأثرت كثيراً في تحسين الأخلاق).

إنّ هذا الذي يسمّيه (ليندسي ورسل) زواج الصداقة، مع أنّه يختلف قليلاً عن الزواج المؤقّت الإسلامي، إلاّ أنّه ينبئ عن إدراك مفكّرين مثل ليندسي ورسل لمسألة كون الزواج العادي والدائم لا يفي بجميع حاجات المجتمع.

٥٣

(2) الزواج المؤقّت

إنّ مواصفات الزواج المؤقّت وضرورة وجوده وعدم كفاية الزواج الدائم وحده لسد حاجات الإنسان، خصوصاً في الوقت الحاضر، قد أصبحت محلاّ للبحث، والآن نريد أن ننظر إلى الوجه الثاني للعملة - كما يقول المثل - لنرى ماذا يمكن أن يجر علينا الزواج المؤقّت من أضرار. وأريد أوّلاً أن أنبّه إلى هذه النقطة:

تاريخ كتابة العقائد

ليس هناك موضوع أو أساس معقّد وشائك بين جميع المواضيع والمسائل وأُسس التعبير عن الرأي - بالنسبة للإنسان - أكثر من البحث في تاريخ العلوم والعقائد والسنن والعادات والآداب الإنسانية.

ولذا لم يخض الخائضون في أي موضوع إنساني كما خاضوا في هذه المواضيع، والعجيب أنّه لا يوجد موضوع يستهوي الناس - أكثر من هذا - لإبداء آرائهم فيه.

فعلى سبيل المثال: أنّ أي شخص له إلمام في الفلسفة والعرفان والتصوّف والكلام الإسلامي يقرّ طرفاً ممّا يكتب هذه الأيام - والذي هو غالباً اقتباس من الأجانب أو نفس آرائهم - يدرك ما أقول. ويظهر أنّ المستشرقين وأتباعهم وأذنابهم - من أجل إبداء رأيهم في مثل هذه المسائل - يرون كل شيء ضرورة، إن لم يكونوا يفهمون ويدركون عمق هذه المسائل.

٥٤

فمثلاً بخصوص المسألة التي تسمّى في العرفان الإسلامي باسم (وحدة الوجود) لم يبق جانب لم يتحدث فيه؟ شيء واحد لم يتحدث فيه وهو أنّ وحدة الوجود ما هي؟ وماذا كان تصوّر أبطالها عنها من أمثال: محي الدين ابن عربي، وصدر المتألّهين الشيرازي؟ وقد تذكّرت مسألة وحدة الوجود حين قرأت بعض الآراء المنشورة في أعداد مجلة (زن روز) أي (امرأة اليوم) حول النكاح المنقطع. فوجدت أنّ كل شيء قد ذكر إلاّ الشيء الذي يشكّل روح هذا القانون وقصد مشرّعه.

وبالطبع فإنّ هذا القانون لكونه (ميراثاً شرقياً) لم ينل الاهتمام اللازم، ولو كان (تحفة غربية) لاختلف الأمر.

قطعاً، لو أنّ هذا القانون جاءنا من الغرب، لعقدت الندوات والمؤتمرات لتنادي أنّ قصر الزواج على العقد الدائم لا ينسجم وظروف النصف الثاني من القرن العشرين، وأنّ جيل اليوم لا يقبل بالزواج الدائم بقيوده هذه، وأنّ جيل اليوم يريد أن يكون حرّاً، وان يحيا حرّاً، ولا يرضى بغير الزواج الحر الذي يختار شخصياً كل حدوده وقيوده...

والآن بما أنّ هذه النغمة قد انطلقت من الغرب، وطرحها أشخاص من أمثال برتراند رسل وليندسي بعنوان (زواج الصداقة)، فإنّها ستسقبل أكثر ممّا يتوقّع من الإسلام نفسه، وسينسى الزواج الدائم ونغدو مضطرّين لأن ندافع عنه وندعو إليه.

٥٥

اعتراضات

إنّ العيوب التي ذكرت في موضوع النكاح المنقطع هي:

1 - إنّ أساس الزواج يجب أن يكون دائماً، ويتوجّب على الزوجين - منذ أن يعقد زواجهما - أن يوطّنا نفسيهما على أن يكون كل منهما للآخر دائماً، وإلاّ يخطر في مخيّلتهما أن يفترقا، إذاً فالزواج المؤقّت لا يصلح أن يكون عهداً متيناً.

إنّ لزوم كون الزواج دائمياً أمر سليم جداً، لكنّ هذا الاعتراض يردّ حينما نريد أن نحل الزواج المؤقّت محل الزواج الدائم ونلغي الأخير.

لا شك في أنّ الطرفين حين يكونان قادرين على أن يتزوّجا زواجاً دائماً، وقد حصل عندهما الاطمئنان الكامل تجاه بعضهما، وصمّما على أن يرتبط كل منهما بالآخر برباط دائم، فإنّهما يعقدان عقداً دائماً. فالزواج المؤقّت إنّما شُرّع لأنّ الزواج الدائم غير قادر في كل الحالات والظروف أن يفي باحتياجات البشر، والاقتصار على الزواج الدائم يستلزم أن يحيا الأفراد بالرهبانية المؤقّتة أو ينغمسوا في غمرة الشيوعية الجنسية، وإلاّ، فبديهي أنّ أي فتى أو فتاة تتيسّر له أو لها ظروف الزواج الدائم لن يشغل نفسه بأمرٍ مؤقّت.

2 - إنّ الزواج المؤقّت لا يروق لنساء وفتيات إيران على الرغم من كونهن شيعيات المذهب، بل وينظرن إليه على أنّه نوع من الامتهان والاحتقار لهنّ، وهذا يعني أنّ نفس الشيعة قد رفضوا هذا القانون.

٥٦

والرد على هذا الاعتراض هو:

أولاً: إنّ كراهة النساء للمتعة منشؤها سوء التصرّف الصادر من الرجال المستهترين في هذا المجال، فيجب أن يردعهم القانون، وهذا ما سنبحثه في وقت لاحق.

ثانياً: إنّ الرغبة في الزواج المؤقّت بقدر الرغبة في الزواج الدائم أمر غير مستساغ؛ لأنّ ما يدعوا إلى الزواج المؤقّت هو عدم استعداد أو إمكانية الطرفين أو أحدهما للزواج الدائم.

3 - النكاح المنقطع لا ينسجم مع مكانة واحترام المرأة؛ إذ يمثّل نوعاً من استئجار الإنسان وإسباغ الشرعية على نفسه، إذ ممّا يخالف كرامة المرأة الإنسانية أنّ تضع نفسها تحت تصرّف رجل في مقابل نقود تقبضها منه.

هذا الاعتراض أعجب من سابقيه.

أولاً: ما علاقة الزواج المؤقّت - بالمواصفات التي فصّلناها - بالاستئجار؟

هل أنّ تحديد مدّة الزواج قد أخرجه من صورة الزواج إلى صورة الاستئجار؟

هل لأنّ مهراً معيّناً يجب أن يدفع صار الأمر أمر استئجار؟

فلو أنّ المرأة قد أسلمت نفسها للرجل دون أن يبذل لها شيئاً فهل تحفظ كرامتها الإنسانية بذلك؟

وسنتحدّث في فصل خاص فيما يتعلّق بالمهر.

لقد صرّح الفقهاء في القضاء ونظّم القانون المدني مواده كذلك على

٥٧

أساس أنّ الزواج المؤقّت والزواج الدائم من حيث العقد متساويان وليس هناك أي اختلاف بينهما. فكلاهما زواج، وكلاهما يجب أن يتم بالألفاظ الخاصة بالزواج، ولو عقد النكاح المنقطع بصيغة الإجارة لكان باطلاً.

ثانياً: منذ متى أُلغي استئجار الإنسان؟

إنّ جميع الخيّاطين والحلاّقين وكل الأطباء والخبراء، وجميع موظفي الدولة من رئيس الوزراء حتى أدنى مستخدم، وجميع عمّال المصانع هم أُناس مستأجرون.

إنّ المرأة التي تعقد زواجاً مؤقّتاً مع رجل معيّن بمحض إرادتها ليست إنساناً مستأجراً ولم تفعل شيئاً خلاف الكرامة والشرف الإنساني. أمّا إذا أردت أن ترى المرأة الأجيرة، وأن تنظر إلى عبودية المرأة فسافر إلى أوروبا وأمريكا واذهب إلى شركات السينما لتعرف معنى المرأة الأجيرة؟ انظر كيف يعرضون للبيع حركات المرأة ووضعياتها وأمورها الخاصة، ومنزلتها الجنسية، التذاكر التي تقتنيها للسينما أو المسرح هي في الحقيقة أُجرة النساء المستأجرات. انظر هناك إلى المرأة التعيسة - من أجل أن تحصل على المال - لأي الأعمال تقدّم جسدها؟ إنّها يجب أن تتعلّم لمدّة طويلة أسرار الإثارة الجنسية بإشراف متخصّصين (شرفاء) وحاذقين، فتضع جسمها وروحها وشخصيّتها تحت تصرّف مؤسّسة مالية من أجل اجتذاب زبائن أكثر

٥٨

للمؤسسة. الق نظرة على الملاهي والفنادق لترى الشرف الذي نالته المرأة، فمن أجل أجر حقير تحصل عليه، ومن أجل أن تضيف شيئاً إلى جيب الثري الفلاني انظر كيف تضع كل كرامتها وشرفها تحت تصرّف الزبائن. المرأة الأجيرة هي عارضة الأزياء المستأجرة في المتاجر الكبرى والتي تبذل شرفها وعِزّتها من أجل تطوير وتوسيع متاجرهم وأطماعهم.

المرأة الأجيرة هي المرأة التي - من أجل جذب العميل لإحدى المؤسسات الاقتصادية - تظهر على شاشة التلفزيون بألف شكل وشكل تمثيلاً وتصنيعاً كي تؤدّي واجبها الذي استؤجرت من أجله لصالح إحدى البضائع التجارية.

مَن ذا الذي لا يعلم اليوم أنّ جمال المرأة، وجاذبيتها الجنسية، وصوتها وفنّها وابتكارها وروحها وبدنها، وبالنتيجة شخصيتها تستخدم في الغرب كوسائل حقيرة وتافهة في خدمة الرأسمالية الأوروبية والأمريكية؟ وللأسف، فأنتم - علمتم أم لم تعلموا - تريدون أن تلقوا بالمرأة الإيرانية النجيبة الشريفة في هذه الهاوية. أنا لا أفهم لماذا تعتبر المرأة التي ترتبط بعقد زواج مؤقّت بشروط حرّة امرأة أجيرة، في حين أنّ امرأة تقوم في عرس أو حفلة ليلية بتمزيق حنجرتها بألف لحن ولحن أمام عيون ألف رجل جائع ومن أجل إرضاء شهواتهم الجنسية لكي تقبض أجراً معيّناً لا تُعتبر امرأة أجيرة؟

٥٩

فهل الإسلام الذي منع الرجال عن مثل هذا الاستغلال للمرأة، ونبّه المرأة إلى خطورة هذا الأسر، ونهاها عن أن تجري وراء هذا الأمر وترتزق منه هو الذي حطّ من مكانة المرأة، أم أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين؟

وعندما يأتي اليوم الذي تعي فيه المرأة حقيقة ما يراد بها، وتكشف لها المصائد التي نصبها رجل القرن العشرين في طريقها، فستثور ضد هذا المكر وتصدّق حينذاك أنّ ملاذها الوحيد وحاميها الحقيقي الصادق هو القرآن وحده، وما ذلك اليوم - طبعاً - ببعيد.

مجلة (زن روز) أي (امرأة اليوم) في العدد 87 صفحة 8 كتبت تقريراً عن امرأة اسمها مرضية ورجل اسمه رضا تحت عنوان (المرأة الأجيرة) وشرحت تعاسة هذه المرأة المسكينة.

تبدأ القصة حسب ما يذكره رضا منذ خطبة المرأة. أي إنّ أطروحة الأربعين مقترحاً قد اتبعت لأوّل مرة وذهبت المرأة لخطبة الرجل. وبديهي أنّ القصة التي تبدأ بخطبة المرأة لرجل لا يمكن أن تكون لها نهاية أفضل من هذه النهاية.

أمّا طبقاً لما تقوله مرضية، فرضا رجل مهووس جنسياً، قاسي القلب، وقد أرادها زوجة دائمة له يرعاها ويرعى أطفالها إلاّ أنّه وبدون موافقة المرأة المسكينة استغلّها جنسياً بحجّة أنّه عقد عليها مؤقّتا ثم تخلّى عنها.

٦٠