تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 72874
تحميل: 9114


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72874 / تحميل: 9114
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

ومنها:

تـبوح بفضلك الدنيا لتحظى بـذاك وأنت تكره أن تبوحا

ومـا للمسك في أَن فاح حظٌّ ولـكن حـظّنا في أن يفوحا

وقـد بـلغ الضراح وساكنيه ثناك وزار من سكن الضريحا

وقـد شرَّفتني ورفعت إسمي بـه وأنـلتني الحظّ الربيحا

أجل ولو أنّ علم الغيب عندي لـقلت أفـدتني أجلاً فسيحا

وكون جوابه في الوزن ذنب ولـكن لم تزل مولى صفوحا

وذلك أنّ شعرك طال شعري فـما نلت النسيب ولا المديحا

ومن لم يستطع أعلام رضوى لـينزل بعضها نزل السفوحا

شـققت البحر من أدبٍ وفهمٍ وغرَّق فكرك الفكر الطموحا

لـعبت بسحرنا والشعر سحرٌ فـتبنا مـنه توبتنا النصوحا

فلو صحّ التناسخ كنت موسى وكـان أبوك إسحاق الذبيح

اوفي سقط الزند قصائد أُخرى، لا أستبعد أنّها في ممدوحه فتركت الاختيار منها ؛ لأنّها لم تعنون باسمه ولم يلقّب بالمرتجم بممدوح أبي العلاء إلاّ لمدحه له بأكثر من القصيدتين اللتين اخترنا منهما ما اخترناه. وبعد فإنّا نختم هذا الفصل بإيراد ما يتّسع له المجال من قصيدته التي رثاه بها، قال:

بني الحسب الوضّاح والشرف الجمِّ لـسانيَ إن لم أرثِ والدكم خصمي

شـكوت مـن الأيّـام تبديل غادرٍ بـوافٍ ونـقلاً من سرورٍ إلى همِّ

وحـالاً كـريش النسر بينا رأيته جـناحاً لشهم آض ريشاً على سهمِ

فـيا دافـنيه فـي الثرى إنّ لحده مـقرّ الـثريّا فـادفنوه عـلى علمِ

ويـا حـاملي أعـواده إنّ فـوقها سـماوي سـر فاتقوا كوكب الرجمِ

ومـا نـعشه إلاّ كـنعشٍ وجـدته أبـاً لـبناتٍ لا يـخفن مـن اليتمِ

ومنها:

فـيا قـلب لا تـلحق بـثكل محمد سـواه لـيبقى ثـكله بـيّن الـوسمِ

فـإنّي رأيـت الحزن للحزن ماحياً كما خُطّ في القرطاس رسمٌ على رسمِ

٢٨١

كـريم حـليم الجفن والنفس لا يرى إذا هو أغفى ما يرى الناس في الحلمِ

فـتـىً عـشـقته الـبابلية حـقبةً فـلم يـشفها مـنه بـرشفٍ ولا لثمِ

كـأنّ حـباب الـكأس وهي حبيبة إلى الشرب ما ينفي الحباب من السمِّ

تـسـور إلـيه الـراح ثـمّ تـهابه كـأنّ الـحميّا لـوعة في ابنة الكرمِ

دعـا حـلباً أخـت الغريّين مصرع بـسيف قـويق لـلمكارم والـحزمِ

أبـي الـسبعة الشهب التي قيل إنّها مـنفّذة الأقـدار فـي العرب والعجمِ

فـإن كـنت مـا سـمّيتهم فـنباهة كـفتني فـيهم أن أعـرّفهم باسمي

فـهذا وقـد كـان الـشريف أبوهم أمـير الـمعاني فارس النثر والنظمِ

إذا قـيل نـسك فـالخليل ابن آزر وإن قـيل فـهم فـالخليل أخو الفهمِ

أقـامت بـيوت الـشعر تحكم بعده بـناء المراثي وهي صور إلى الهدمِ

فـيا مـزمع الـتوديع إن تمس نائياً فـإِنّك دان فـي الـتخيّل والـوهمِ

تـقرّب جـبريل بـروحك صاعداً إلـى الـعرش يـهديها لجدّك والأمِّ

فلا تنسني في الحشر والحوض حوله عـصائب شـتّى بـين غرٍّ إلى بهمِ

لـعلّك فـي يـوم الـقيامة ذاكـري فـتسأل ربّـي أن يـخفف من اثمي

أعقابه:

قال في عمدة الطالب: وعقب أبي إبراهيم المذكور المعروف الآن من رجلين: أبي عبد الله جعفر نقيب حلب، وأبي سالم محمد ابني إبراهيم ولأعقابهما توجّه وعلم وسيادة، فمن بني أبي سالم محمد بنو زهرة، ومن أبي عبد الله جعفر بن إبراهيم بنو حاجب الباب، وهو شرف الدين أبو القاسم الفضل بن يحيى بن أبي علي بن عبد الله نقيب حلب ابن جعفر بن أبي تراب زيد بن جعفر المذكور، وهو السيّد العالم حافظ كتاب الله كان حاجباً لباب الفتوى(١) بدار الخلافة ببغداد.

والذي ظهر من قول أبي العلاء المعرّي في القصيدة الأولى:

(وجرت في الأنام أولاده السبعة جري الأرواح في الأبدان)

ومن قوله في مرثيّته:

____________________

(١) في الأصل الفنوني.

٢٨٢

أبي السبعة الشهب التي قيل إنّها منفّذة الأقدار في العرب والعجمِ

إنّه تخلّف بسبعة، ولكنّ المعقّبين منهم اثنان، كما ورد في عمدة الطالب.

عمود نسبهم الثالث زهرة

هو أبو المحاسن زهرة بن أبي المواهب علي بن أبي سالم محمد بن أبي إبراهيم محمد النقيب بن أبي علي أحمد بن أبي جعفر محمد بن أبي عبد الله الحسين بن أبي إبراهيم إسحاق المؤتمن ابن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام).

هكذا أورد نسبه صاحب لؤلؤتي البحرين، عن العلاّمة جمال الملّة والدين الحسن بن المطهّر الحلّي في المنقول من إجازته لبني زهرة.

وفيها بعض الاختلاف عن رواية عمدة الطالب، فقد جاءت كنيته فيه (بأبي الحسن) لا بأبي المحاسن.

وفي عمدة الطالب ابن أبي سالم محمد بن (إبراهيم) بإسقاط (أبي) والصواب ما جاء عن العلاّمة ؛ لأنّه لا يوجد في سلسلة آبائه اسم إبراهيم.

وقد رأينا فيما سبق من هذا المقال(١) أنّ شهرة هذا القبيل الفاطمي ببني زهرة هي منه، أمّا ترجمة أحواله فلم نقف على شيءٍ منها في المعاجم وكتب الرجال التي نعوّل عليها في كتابة هذا المقال ؛ فوقفنا عند ما نعلم.

وبعد، فلمّا كان من المستصعب بل المتعذّر علينا ربط رجال العلم وذوي الأقدار من أعقابه بسلسلته، وضمّ كلّ فرع منهم إلى أصله المتحدّر منه مثل تعذّر تنسيق أسمائهم وتراجمهم مرتّبةً على السنين، رأينا الاقتصار على سردها خلواً من الترتيب، ولئن فاتنا في ذلك رواء العقد منظوماً، فلن يفوتنا رواء درّه منثوراً.

____________________

(١) العرفان م ٧ ج ٨ ص ٤٥٧.

٢٨٣

١ - الشريف زهرة (١)

هو الشريف زهرة بن علي بن إبراهيم الإسحاقي الحسيني، لم يذكره صاحب أمل الآمل ولا صاحب روضات الجنات، وأعتمد في ترجمته على ما كتبه العالم الأديب الشيخ محمد راغب طباخ الحلبي المعروف في جريدة الحقيقة(٢) تحت عنوان (حول افتتاح المدرسة الخسروانية)، قال:

وأوّل مدرسة بُنيت في مدينة حلب هي المدرسة الزجاجيّة، أنشأها بدر الدولة أبو الربيع سليمان بن عبد الجبّار أرتق صاحب حلب، ابتدأ في عمارتها سنة عشر وخمسمئة، وعلى حائطها مكتوب سنة سبع عشرة(٣) .

ولمّا أراد بناءها لم يمكنّه الحلبيّون إذ كان الغالب عليهم التشيّع ؛ فكان كلّما بُني فيها شيء نهاراً أخربوه ليلاً، إلى أن أعياه ذلك ؛ فأحضر الشريف زهرة بن علي بن إبراهيم الإسحاقي الحسيني، والتمس منه أن يباشر بناءها فيكفّ العامّة عن هدم ما يُبنى ؛ فباشر الشريف البناء ملازماً له حتّى فرغ منها.

أمّا خبر معارضة الشيعة بناء هذه المدرسة فقد رويناه في القسم الأوّل من هذا المقال عن مجلّة المقتبس بغير هذا التفصيل.

٢ - علي بن الحارث بن زهرة

أورد صاحب الروضات اسمه نقلاً عن ابن شهراشوب، ونسب له كتاب قبس الأنوار.

وقد عد هذا الكتاب في مصنفات السيّد أبي المكارم حمزة بن زهرة، كما سترى ذلك قريباً.

____________________

(١) العدد ١٥٤٥.

(٢) الشريف بن زهرة بن علي بن إبراهيم الإسحاقي الحسيني، كما قال الشيخ محمد راغب طباخ الحلبي في جريدة الحقيقة.

(٣) إذا كان باني المدرسة بدر الدولة وهو لم يستنب من عمّه إيلغازي على حلب إلاّ سنة ٥١٥، وسنة ٥١٧ انتزعها منه ابن عمّه يلك بن بهرام بن أرتق، كما ترى خبر ذلك مبسوطاً في كامل ابن الأثير، ومختصر أبي الفداء، فكيف يصحّ القول بعد هذا بأنّه ابتدأ في عمارتها سنة ٥١٠ هـ.

٢٨٤

٣ - السيّد أبو المكارم حمزة بن زهرة الحلبي

هو عزّ الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن أبي المحاسن زهرة بن الحسن بن زهرة الحسيني الحلبي.

قال في الروضات: ينتهي نسبه إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) باثنتي عشرة واسطة، سادات أجلاّء.

وهو من كبار فقهائنا الأصفياء النبلاء، وكذا أبوه الفاضل الكامل الذي يروي هو عنه. وجدّه السيّد أبو المحاسن وأخوه الفقيه الكامل الأديب السيّد أبو القاسم عبد الله وكذا ابن أخيه السيّد محيي الدين محمد بن عبد الله، بل وسائر أولاده وأحفاده وبنو عمومته الذين من جملتهم السيّد الفاضل الفقيه الكامل علاء الدين، إلى أن قال:

فالسيّد أبو المكارم المعظّم من أجلاّء علمائنا المشار إلى خلافاته في كلمات الأصحاب، وأكثر أهل ذلك البيت المكرّم فقهاً وعلماً وشهرةً بين الطائفة، وغيرها بالسيّد ابن زهرة بحيث لا ينصرف الإطلاق منه إلاّ إليه(١) .

روى عنه ابن أخيه محمد بن عبد الله بن زهرة ومحمد بن إدريس.

وهو الذي أجاب صاحب حلب مقترح الشيعة بتفويض عقودهم ونكحتهم إليه، وإعادة حيّ على خير العمل في الأذان ؛ حيث اشترطوا ذلك عليه يوم استنفرهم لمقاومة صلاح الدين حين جاء حلب فاتحاً، وقد ذكرنا ذلك في تضاعيف هذا المقال.

وقال صاحب أمل الآمل في حقّه: فاضل عالم ثقة جليل القدر عظيم المنزلة، له مصنّفات كثيرة.

وبعد إيراده أسماءها قال: ويروي عنه شاذان بن جبريل ومحمد بن إدريس وغيرهما.

وذكره ابن شهراشوب وقال: له قبس الأنوار في نصر العترة الأطهار وغنية النزوع، حسن.

____________________

(١) في آخر أمل الآمل أنّ ابن زهرة يطلق على حمزة المترجم ويأتي لمحمد بن عبد الله، ومحمد بن إبراهيم، وغيرهما.

٢٨٥

وقد عرفت آنفاً نسبة كتاب قبس الأنوار إلى علي بن الحارث بن زهرة.

ولد أبو المكارم سنة ٥١١ وتوفّي سنة ٥٨٥.

٤ - الشريف زهرة (١)

لم أجد له ذكراً في غير الخطط للمقريزي(٢) وهذا نصّ ما جاء فيه.

أنشد الشريف زهرة بن علي بن زهرة بن الحسن الحسيني وقد اجتاز به (المعشوق)(٣) يريد الحج:

قد رأيت المعشوق وهو من اله جـر بحالٍ تنبو النواظر عنه

أثَّـر الـدهر فـيه آثار سوءٍ قـد أدالـت يد الحوادث منه

والظاهر أنّه أخو الشريف أبي المكارم حمزة الآنف الذكر.

٥ - الشريف عبد الله

هو أبو القاسم عبد الله بن علي بن زهرة أخو أبي المكارم الشريف حمزة، قال في حقّه صاحب أمل الآمل:

فاضل عالم فقيه محقّق ثقة، يروي عنه ولده السيّد محيي الدين وجماعة جميع تصانيفه، ثمّ عدّ أسماءها وقد تقدّم ذكره في ترجمة أخيه أبي المكارم كما نقلناه عن الروضات.

٦ - ابن أخيه السيّد محمد

هو محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحلبي.

قال في أمل الآمل: فاضل عالم جليل، يروي عنه المحقّق، ويروي هو عن أبيه، عن ابن شهراشوب أيضاً، وقد تقدّم أنّه روى هو وابن إدريس عن عمّه الشريف أبي المكارم.

____________________

(١) الشريف زهرة بن علي بن زهرة بن الحسن الحسيني، كما جاء في خطط المقريزي.

(٢) ج ٣ ص ٢٥٩.

(٣) اسم لمكان فيه أشجار بظاهر مصر.

٢٨٦

٧ - السيّد محمد بن زهرة

هو محيي الدين محمد بن زهرة أبو حامد الحسيني الحلبي الإسحاقي، هكذا نسبه صاحب أمل الآمل، وقال في وصفه: فاضل فقيه علاّمة يروي الشهيد عن الحسن بن نما عنه.

٨ - السيّد جمال الدين أبو الحسن علي بن زهرة الحلبي

هو كما في أمل الآمل علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن زهرة بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن بن جعفر (عليه السلام).

كان عالماً ثقةً جليل القدر، استجاز العلاّمة فأجازه، وأجاز ولده وأخاه وولديه إجازةً طويلةً مفصّلةً كثيرة الفوائد، وأثنى عليهم ثناءاً بليغاً، وهذا ما جاء منها في لؤلؤتي البحرين مع كلمةٍ للمؤلّف:

وأمّا السيّد ابن زهرة فهو السيّد الأجلّ الأنبلّ علاء الملّة والحق والدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي، قال العلاّمة (رحمه الله تعالى) في إجازته له:

(وبلغنا في هذه الأعصار ورود الأمر الصادر عن المولى الكريم، والسيّد الجليل الحسيب النسيب نسل العترة الطاهرة، وسلالة الأنجم الزاهرة، المخصوص بالنفس القدسية، والرياسة الأُنسية، الجامع بين مكارم الأخلاق، وطيب الأعراق، أفضل أهل العصر على الإطلاق، علاء الملّة والحق والدين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن محمد(١) بن أبي الحسن زهرة بن أبي المواهب علي بن أبي سالم محمد بن أبي إبراهيم محمد النقيب بن أبي علي أحمد بن أبي جعفر محمد بن أبي عبد الله الحسين بن إسحاق المؤتمن(٢) بن أبي عبد الله جعفر الصادق لبن أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) ابن أبي الحسن علي زين العابدين (عليه السلام) ابن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) السبط الشهيد ابن علي (عليه السلام):

نسبٌ تضاءلت المناسب دونه فـضياؤه كصباحه في فجرِهِ

____________________

(١) في الأصل إبراهيم محمد بحذف (ابن).

(٢) في الأصل ابن (إبراهيم) إسحاق.

٢٨٧

أيّده الله بالعنايات الإلهية، وأمدّه بالسعادات الربّانيّة، وأفاض على المستفيدين جزيل كماله، كما أنبع عليهم من فواضل نواله، تتضمّن طلب إجازة صادرة من العبد له ولأقاربه السادات الأماجد، المؤيّدين من الله تعالى في المصادر والموارد، وأجوبة عن مسائل دقيقة رقيقة لطيفة، ومباحث عميقة شريفة، فامتثلت أمره، رفع الله قدره، وبادرت إلى طاعته، وإن التزمت سوء الأدب المغتفر في جنب الاحتراز عن مخالفته، وإلاّ فهو معدن الفضل والتحصيل، وذلك عن حجّةٍ ودليل، وقد أجزت له أدام الله أيّامه ولولده المعظّم، والسيّد المكرّم، شرف الملّة والدين أبي عبد الله الحسين، ولأخيه الكبيرين المعظّمين أبي طالب أحمد شهاب الدين وأبي محمد عز الدين حسن عضدهم الله تعالى بدوام مولانا أن يروي هو وهم عنّي جميع ما صنّفته في العلوم العقليّة والنقليّة، أو أنشأته وأفتيت به، أو أُجيز لي روايته، أو سمعت من كتب أصحابنا السابقين وجميع ما أجازه لي المشايخ الذين عاصرتهم، واستفدت من أنفاسهم إلى آخره، ثمّ ساق طريقه إليهم.

٩ - ولده أبو عبد الله الحسين

قد عرفت أنّه من رجال إجازة العلاّمة، كان عالماً فاضلاً فقيهاً جليل القدر روى عن العلاّمة واستجازه فأجازه، كذا جاء في أمل الآمل.

١٠ - أخوه السيّد بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زهرة

هو من رجال إجازة العلاّمة، قال في أمل الآمل: كان من علماء السادات وسادات العلماء، من تلامذة العلاّمة.

١١ - ابن أخيه أبو طالب شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن زهرة

هو من رجال إجازة العلاّمة لعمّه وأبيه، قال في أمل الآمل: فاضل جليل، يروي عن العلاّمة وله منه إجازة مع أبيه وعمّه وأخيه وابن عمّه، وقد بالغ فيها في الثناء عليهم.

٢٨٨

١٢ - ابن أخيه أبو محمد عز الدين حسن بن محمد بن إبراهيم بن زهرة

هو من رجال تلك الإجازة، قال في أمل الآمل: كان عالماً فاضلاً فقيهاً جليل القدر، روى عن العلاّمة واستجازه فأجازه.

١٣ - أبو طالب أحمد بن القاسم بن زهرة الحسيني

عالم فاضل جليل يروي عن الشهيد. كذا في أمل الآمل.

١٤ - علي بن محمد بن زهرة الحسيني الحلبي

قال في أمل الآمل، ونقله عنه صاحب لؤلؤتي البحرين، فاضل فقيه جليل القدر روى عن الشيخ طمان بن أحمد العاملي.

١٥ - النقيب بدر الدين محمد بن زهرة

ذكره ابن الوردي في ذيل مختصر أبي الفداء في أخبار الأمير بدر الدين لولو القندشي حين دخل إلى حلب شادّاً(١) على المملكة وعلى يده تذاكر، وصادر المباشرين وغيرهم.

قال ومنهم النقيب بدر الدين جرى ذلك في حوادث سنة ٧٣٣ وقال في حوادث سنة ٧٣٦ فيها في المحرّم باشر السيّد النقيب الشريف بدر الدين محمد ابن السيّد شمس الدين بن زهرة الحسيني وكالة بيت المال بحلب مكان شيخنا القاضي فخر الدين أبي عمر وعثمان بن الخطيب زين الدين علي الجويني.

وقال في حوادث سنة ٧٣٩ وفيها في العشر الأوسط من ربيع الآخر تُوفّي السيّد الشريف بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني نقيب الأشراف وكيل بيت المال بحلب.

(ومن الاتفاق أنّه مات يوم ورد الخبر بعزل ملك الأُمراء علاء الدين الطنبغا عن نيابة حلب، وكان بينهما شحناء في الباطن ؛ قلت:

____________________

(١) الشادّ: العامل على المكوس.

٢٨٩

قد كان كلٌّ منهما يرجو شفا أضغانه

فـصار كلُّ واحدٍ مـشتغلاً بـشانه

وكان السيّد (رحمه الله) حسن الشكل، وافر النعمة، معظّماً عند الناس شهماً ذكيّاً، وجدّه الشريف أبو إبراهيم هو ممدوح أبي العلاء المعرّي.

١٦ - الأمير شمس الدين حسن بن السيّد بدر الدين محمد بن زهرة

كذا جاءت نسبته في ذيل المختصر لابن الوردي، ذكره مع ابن عمّه السيّد علاء الدين في حوادث سنة ٧٤٧، قال وفيها ورد البريد بتولية السيّد علاء الدين علي بن زهرة الحسيني نقابة الأشراف بحلب مكان ابن عمّه الأمير شمس الدين، وأُعطي هذا إمارة الطبلخانات بحلب.

أمّا السيّد علاء الدين فأظنّه صاحب إجازة العلاّمة والذي سبقت ترجمته.

هذا جلّ ما استطعنا تجريده في هذا المقال من أسماء مشهوري (بني زهرة)، ونعلم أنّنا لم نبلغ حاجةً في نفوس قرّاء العرفان الأدباء، ولا في نفسنا، وعذرنا انطماس آثارهم.

وعجيب أن لا تفسح المعاجم مجالاً لذكرهم وأن لا يكون لهم حظ منها، وهي قد تعرّضت لترجمة كثيرين ممّن ينحطّون عنهم في مراتب العلم والشرف، ولا يوازونهم في موازين الفضل والجاه، ولا نرتاب بأنّ هناك رجالاً من تلك الأسرة الكريمة غير مَن سردنا أسماءهم في هذا القسم دَرَست آثارهم، وطُمست أخبارهم، وعميت علينا أنباؤهم.

وبعد، فأنّى لنا بإيفاء الموضوع حقّه من التمحيص، وأن نحيط بما لرجال تلك الأسرة الأعلام من الآثار، وكلّ ما نستمدّ به مادّتنا في الكتابة من المعاجم لا يعدو طريقة الفهارس، على أنّ في انقطاع العلم منهم بضعة قرون وبعد شقّة الاتصال بيننا وبين أعقابهم ما يحول دوننا ودون ما نتوخّاه من التحقيق.

وكيف كان، فقد جرينا فيما كتبناه مع قول الشاعر:

إذا لم تستطع أمراً فدعْه وجاوزْهُ إلى ما تستطيعُ

٢٩٠

أعقاب بني زهرة اليوم

لبني زهرة أعقاب متفرّقون في البلاد، وجمهرتهم في الفوعة، ونرى أن سياسة الغالب من غير أبناء مذهبهم أخرجتهم من حلب، وهم لا يُعرفون في هذه الأيّام ببني زهرة، ومنهم على ما روى لنا بعض الأعلام أسرة المرحوم نايف آغا الزعيم الشيعي في تلك الناحية، والمظنون أن أسرة بدر الدين في النبطيّة تتّصل نسبتها بسلسلة نسبهم الكريم، وفي قرية شحور أسرة تحمل نسباً كما أخبرني بعض العلماء الأجلاّء متّصلاً ببني زهرة.

وظنّ بعضهم أنّ نسبة الزهراوي أُسرة العلاّمة المرحوم الشهيد السيّد عبد الحميد الزهراوي إلى بني زهرة ولكن الذي يرويه ذلك العلاّمة أنّ النسبة إلى الزهراء (عليها السلام) وذلك الأصوب ؛ لأنّه أعرف بنسبه أوّلاً ؛ ولأنّ النسبة إلى زهرة الزهري لا الزهراوي ثانياً.

ولقد وقفت على صورة نسب لشريف فوعي يتّصل ببني زهرة ؛ ألمحت إليه في تضاعيف المقال.

والحمد لله في البدء والختام.

٢٩١

تاريخ بني عمار

أحمده تعالى على تواتر نعمائه وترادف آلائه، وأُصلي على صفوة أنبيائه والخيرة من أوليائه.

وبعد، فإنّي مُدوِّنٌ بهذه الصفحات ما بلغه علمي وأدركه جهدي من مظانّ كتبٍ تاريخيّةٍ من متناولي من تاريخ بني عمّار قضاة طرابلس الشام، من منتصف القرن الخامس الهجري إلى أوائل القرن الخامس، حيث غلب عليها الفرنج في غزواتهم الصليبيّة، وأصابها ما أصاب البلاد الشاميّة من التدمير والتنكيل بالسكّان الذين أوقعهم القدر في سلطانهم العاثر، وكانت نكبة هذا البلد التي تزيد على نكبة تقويض عمرانه وشامخ بنيانه، بالقضاء المجرم على دور العلم فيه ومكتبته الحافلة بنفائس الكتب التي ذهب بصنّاعها عصارة ما أنتجته الأدمغة العربية الإسلامية من علوم وآداب وفنون.

ندبت نفسي لهذا العمل الشاق القليلة مصادره خدمةً للتاريخ، وإقراراً بفضل بن عمّار على العلم، وبما أسدوه للإسلام من جميل، وعمل رافع في سبيل الوقوف بإتيّ الغزو الصليبي الجارف الحامل في ثناياه، إلى روح التعصّب الديني الممقوت، كلّ أدوات التخريب والقضاء على المدنيّة الإسلامية.

وأراني إن لم أفِ الموضوع حقّه فقصاراي أن قمت بالمستطاع، وفتحت باباً مغلقاً لمن يفتحه، ويكمل ما نقص من استيفاء الموضوع، والله من وراء القصد.

٢٩٢

٢٩٣

المقدّمة الأُولى

بنو عمّار قضاة طرابلس:

١ - أغفل التاريخ أخبار هؤلاء القضاة الذين كان لهم دورٌ مهمٌ في طرابلس وفي السياسة الفاطميّة، ولقبيلهم سعيٌ عظيمٌ في إنشاء دولتها في إفريقية، ولم يرد لهم ولقبيلهم فيما دوّنه من حوادث تلك الأيّام إلاّ نتف يسيرة مغمورة في التيّار الأعظم من تلك الحوادث، حتّى لا يكاد يبين لها شبح يشخص ما كان لهم من مكانةٍ في سياسة الدولة الفاطميّة، وعمل خطير في طرابلس أيّام ولايتهم عليها، التي سلخت زهاءَ قرن ونصف من مدّة تلك الأزمان الحافلة بالأحداث، سواء أكان ذلك في عملهم العمراني بطرابلس وما إليها، أم كان في خدمتهم الجلّى للعلم والعرفان، أم كان في مكتبتهم العظمة التي احتوت من الكتب ما اختلف المؤرّخون والرواة في تقديره بالملايين أو الألوف أو بمئة ألف كتاب.

وكنت في أثناء مراجعتي لتاريخ تلك القرون، وأنا أرى كيف تقتضب أخبارهم اقتضاباً، ولا تُذكر فيه إلاّ استطراداً على ما كان لهم من أثرٍ نافع وعمل رافع، آسف جدّ الأسف كيف لا تكون لهم فيه صفحة لامعة تليق بعملهم السياسي والعمراني والعلمي، وحدثتني نفسي أن أتولّى البحث عنهم، وأراجع مختلف الكتب التاريخية التي هي في متناولي، وأدوّن ما أبلغه من نتيجة بحثي في تضاعيف تلك الكتب، وما أظفر به من شذرات مبدّدات هنا وهناك، فأنظمها بعد التأليف ما بينها في سمط كتابٍ واحدٍ لعلّي أؤدّي به رسالة الاعتراف بما لهذا القبيل المبخوس حقّه التاريخي من الفضل، على أنّني لا أضمن لنفسي الإصابة في التنسيق التاريخي المنتظم، والمظانّ مفقودة والمراجع لا تكاد

٢٩٤

تفي ببعض الحاجة، والمصادر أعزّ من بيض الأنوق، ولكن ما على المجتهد حرج إن أخطأ الصواب إذا كان حسن النية حافزه، ونشدان الحقيقة دافعه، وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم.

٢ - إن لم يؤدّ التاريخ رسالته في سرد أحوالهم وترجمة رجالهم ومبدأ أُمورهم إلى زمن ظهورهم ومشاركتهم ذوي السلطان في النفوذ والسلطان، ولم يُعن على الأقل بأصول أنسابهم، كما لم يُعن بأحسابهم، فإنه لم يسكت عما يستفزّ الباحث إلى استطلاع شؤونهم بذكره في عرض حوادثه الكبرى طرفاً من بلائهم، سواء أكان في تأسيس الخلافة الفاطمية في افريقية، ومصاحبة فريق منهم أوّل مستولٍ من الفاطميّين على الدار المصريّة ثمّ الديار الشاميّة، أم كان من بلاء آخرهم فخر الملك بن عمّار في الدفاع عن طرابلس وصدّ الغارات الصليبيّة عنها، أم كان فيما أسدوه إلى هذا البلد وما إليه من الأعمال: من نشر علم واستبحار عمران وبذل عناية في ترقية مرافق حياة هذا البلد، من حيث إتقان الزراعة وتفوّق الصناعة.

وذكر مثل هذا البلاء من بني عمّار ومثل تلك العناية، ممّا يزيد الباحث شوقاً إلى دراستهم والوقوف على تراجمهم.

وإليك طرفاً ممّا أجمل المؤرّخون من سيرتهم: ففي خطط الشام (وممّا يذكر في هذا القرن (الخامس) أنّ القاضي جلال الملك أبا الحسن علي بن محمد بن أحمد بن عمّار جدّد في طرابلس دار العلم ودار الحكمة، وذلك في سنة ٤٧٢ هـ لتكون مركزاً من مراكز التشيّع، فنُشرت العلوم والآداب وأصبحت طرابلس مباءة علمٍ ودرسٍ ومباراة في التعلّم. وجهّز هذه الجامعة الدينية بمئة ألف مجلّد، وربّما كانت على عهده قبل استيلاء الصليبين عليها أوّل بلدة علميّة في الشام على ما رأى (فان برشم)).

وفي مكانٍ آخر من الخطط:

(وكان لابن عمّار البلاء الحسن، بل الأحسن في دفع عادة الصليبيّين عن بلده. لم يترك باباً من أبواب الخلاص ليصدهم عن طرابلس إلاّ طرقه، حتّى دفعهم بعقله وحسن إدارته عن تملّكها عشر سنين.

وكان في طريق رجعتهم كالحسكة في الحلق، وفي معاملة ملوك الأطراف نموذج الدهاء السياسي، وهو على صغر جرم مملكته

٢٩٥

يطاول ويحاول وينازل ويصاول ويلين ويقسو ؛ لأنّ مع الكثرة تخاذلاً ومع القلّة تماسكاً).

وجاء فيها فيما يتعلّق بمكتبة بني عمّار:

(ومن أهم النكبات التي أُصيبت بها الكتب في الشام نكبة طرابلس لمّا فتحها الصليبيّون، وإحراق صنجيل أحد أمرائهم كتب دار العلم فيها.

وأخذ الصليبيّون بعض ما طالت أيديهم إليه من دفاترها وكتبها الخاصّة في بيوتهم.

واختلفت الروايات في عدد المجلّدات التي كانت في خزانة دار بني عمّار أو دار حكمتهم في طرابلس، وعلى أصح الروايات أنّها ما كانت تقلّ عن مئة ألف مجلّد، وأوصلها بعضهم إلى ألف ألف وبعضهم إلى أكثر.

ووقفها أمين الدولة أبو طالب الحسن بن عمّار، وجاء بعدهم الأمير علي بن محمد بن عمّار الذي جدّد دار العلم سنة ٤٧٢ هـ، ثمّ فخر الملك عمّار بن محمد، حتّى صارت طرابلس كما قال ابن الفرات في زمن آل عمّار جميعها دار علم، وكان في تلك مئة وثمانون ناسخاً ينسخون لها الكتب بالجراية والجامكية، فضلاً عمّا يُشترى لها من الكتب المنتخبة من البلاد.

وابن الفرات هو ممّن يقول بأنّ عدد ما كان في دار العلم هذه من الكتب نحو ثلاثة ملايين كتاب عندما أحرقها الصليبيّون سنة ٥٠٣ هـ.

والغالب أنّه كان في طرابلس من الكتب الموقوفة غير دار العلم، وقفت قبل بني عمّار، وأراد ابن الفرات بهذه الثلاثة آلاف الألف عدد الكتب التي كانت في مكاتب طرابلس كلها).

إنّ فيما جاء في الخطط لَدليلاً كبيراً ناصعاً على تفوّق طرابلس العلمي في عهد بني عمّار، وإليك دليلاً آخر على تفوّقها العمراني والاقتصادي في عهدهم الزاهر، جاء في تاريخ سورية للأستاذ المحقّق جرجي يني الطرابلسي ما يلي:

(وكانت طرابلس في ذلك الحين (الحروب الصليبيّة) مشهورة بغنى طبيعته وحسن رونقها ونجاحها، وكانت حاصلاتها غزيرة جدّاً، حتّى أنّ السهول والتلال والأكم المجاورة كانت مصدراً لكثير من الغلال الفاخرة والزيتون والحرير، فضلاً عمّا هنالك من قصب السكّر والكرم وأنواع

٢٩٦

الفاكهة والأشجار، وحسبنا بذلك شهادة المؤرّخ (ميسود) الذي تبع قوله بقوله:

(إنّ في المدينة أكثر من أربعة آلاف نول لنسج الأقمشة الصوفيّة والحريريّة والقطنيّة، غير أنّ قسماً كبيراً من هذا الغنى بات طعاماً لانتقام الإفرنج أو معطّلاً من جرّى حروبهم وحصارهم الطويل ؛ فإنّهم كانوا في زمان الحصار قد أضرّوا بجوار البلدة، ولما تملّكوها لم يعتنوا بما فيها من المعامل الصناعيّة، فانحطّت انحطاطاً عظيماً ولم يكن ما ذكر لكلّ ما اشتهرت به طرابلس من الغنى في ذلك الزمن، فإنّ خزائنها كانت مُلئت من الكتب المفيدة، التي أحالها الافرنج رماداً، فخسر العالم بفقدها كنزاً عظيماً.

(فإنّ بين مجلّداتها كثيراً من كتب الفرس والعرب واليونان، وكان فيها عديد من الكتبة يشتغلون على الدوام بنسخ كتب الخط.

وقال ابن طي المؤرّخ العربي: (إنّ عدد هذه الكتب كان ثلاثة ملايين من المجلّدات).

غير أنّ مؤرّخاً آخر يقول: إنّ عددها لم يتجاوز مئة ألف مجلّد، وإنّ جامعها القاضي أبو الحسن طالب وهو نفسه قد ألّف كثيراً، وإنّه كان متولّياً البلدة، وقد بعث برسائل إلى الأقطار مفتّشاً على الكتب النادرة مهما كان ثمنها عظيماً.

وقد ندب مؤرّخو العرب فقدان تلك المكتبة، على أنّ المؤرّخين الصليبيّين القدماء لم يذكروا عنها شيئاً ليستروا زلّة قومهم).

وإنك لتعلم مبلغ ما بلغه هذا البلد من الغنى والثروة، بذل ابن عمّار أبي الحسن علي ثلاثمئة ألف دينار للملك دقاق بن تُتُش على تسليمه له ابن مليحة صاحب جبلة عرياناً، كما سترى ذلك مبسوطاً في مكانه من هذا الكتاب.

وإليك دليلاً آخر على ما كان لهذا البلد من رُقي وتفوّق عمرانيّ وسابغ نعمة، ما ورد في تاريخ ابن القلانسي في حوادث سنة ٥٠٢ هـ لمّا امتلك الإفرنج طرابلس عنوة بعد حصارها الطويل:

(وحصل في أيديهم من أمتعتها وذخائرها ودفاتر علمها وما كان منها في خزائن أربابها ما لا يُحدّ عدده ولا يُحصر فيذكر).

وفي كامل ابن الأثير في حوادث سنة ٥٠٣ هـ: وسدّ الفرنج القتال عليها (طرابلس) من الأبراج والزحف، فهجموا على البلد وملكوه عنوة

٢٩٧

وقهراً يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجّة من السنة (٥٠٣ هـ)، ونهبوا ما فيها وأسروا الرجال وسبوا النساء والأطفال، ونهبوا الأموال وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة ودور كتب العلم الموقوفة ما لا يُحدّ ولا يُحصى، فإنّ أهلها كانوا أكثر أهل البلاد أموالاً وتجارة، وسلم الوالي الذي كان بها وجماعة من جندها كانوا التمسوا الأمان قبل فتحها، فوصلوا إلى دمشق وعاقب الفرنج أهلها بأنواع العقوبات، وأُخذت دفائنهم وذخائرهم من مكامنها.

وما لنا والإكثار من التدليل على عظمة هذا البلد، وفي ثباته على مقاومة القوّات الصليبيّة الهائلة مدّة عشر سنين بإدارة ابن عمّار الرشيدة، ما يغني عن الإسهاب في هذا الباب، وستراه جليّاً في تضاعيف هذا الكتاب.

٢٩٨

المقدمة الثانية

نبذة وجيزة من تاريخ طرابلس

موقعها في طول شرقي ٢٠ ً ٤٤ َ ٣٥ ْ وعرض شمالي ٦٦ ً ٢٦ َ ٣٤ ْ على بعد ميل من البحر.

هي من مدن فينيقية وتُعرف باسمها اليوناني واسمها الفينيقي مجهول، وطرابلس أو أطرابلس مبدوءة بالألف تمييزاً لها عن طرابلس الغرب، وهي تعريب عن تريبوليس أي المدن الثلاث(١) سُمّيت بذلك ؛ لأنّ الأرواديّين سكّان جزيرة أرواد التي هي منها إلى الشمال على بضعة أميال، والصيداويّين والصوريّين (لا السوريّين) كما جاء في تاريخ سورية للمطران يوسف الدبس، بنوا هناك ثلاثة أحياء لكلّ فريق حيّاً منفصلاً عمّا سواه ؛ فسمّيت باليونانية تريبوليس أي المدن الثلاث، فنقلها العرب إلى طرابلس تمييزاً لها عن طرابلس الغرب و بالعكس، ويميّزها بعضهم عن تلك بطرابلس الشام.

وجاءت في شعر أبي الطيّب المتنبّي محذوفة الألف في قوله:

اكـارم تحسد الأرض السماء بها وقصرّت كلّ مصر عن طرابلس

قال القلقشندي في كتابه صبح الأعشى (وهي أَطْرابُلُس) بفتح الهمزة

____________________

(١) تاريخ لبنان. ونجد لأوّل مرّةٍ في أخبار هذه الحروب أسماء ثلاث مدن لبنانيّة هي (١) مخلات (٢) وميسة (٣) وكاية ذُكرت فيما بعد باسم (المدينة المثلثة) أو (المدن الثلاث) أو (طرابلس) ص ٢٠.

٢٩٩

وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين ثمّ ألف وباء موحّدة ولامٍ مضمومتين وسين مهملة في الآخر.

قال السمعاني: وقد تسقط الألف فرقاً بينها وبين طرابلس التي في الغرب.

وأنكر ياقوت في المشترك سقوطها وعاب على المتنبّي حذفها منها في شعره.

قال في الروض المعطار: ومعنى أطرابلس فيما قيل ثلاث مدن.

وقيل مدينة الناس، وهي مدينة من سواحل حمص واقعة في الإقليم الرابع.

قال في كتابه الأطوال: طولها تسع وخمسون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة.

وكانت في الأصل من بناء الروم، فلمّا فتحها المسلمون في سنة ثمان وستمئة في الأيّام الأشرفيّة (خليل بن قلاوون) خرّبوها وعمّروا مدينة على نحو ميلٍ منها وسمّوها باسمها وهي الموجودة الآن، إلى أن قال:

وهي الآن مدينة متمدّنة كثيرة الرخام، وبها مساجد ومدارس وزوايا وبيمارستان وأسواق جليلة وحمّامات حسان، وجميع بنائها بالحجر والكلس مبيّضاً ظاهراً وباطناً، وغوطتها محيطة بها، وتحيط بغوطتها مزروعاتها وهي بديعة المشرف ولها نهر يحكم على ديارها وطباقها، يتخرق الماء في مواضع من أعالي بيوتها التي لا يرقى إليها إلاّ بالدرج العليّة، وحولها جبال شاهقة صحيحة الهواء خفيفة الماء ذات أشجار وكروم ومروج ومواشٍ، وميناها مينا جليلة تهوى إليها وفود البحر الرومي، وترسو بها مراكبهم وتباع فيها بضائعهم، وهي بلد متجرٍ وزرعٍ كثيرة الفائدة.

وصفها:

وصفها المؤرّخ الأستاذ جرجي يني في تاريخه (سورية) بقوله: (فطرابلس الشام بلدة من أحسن مدن سورية جمالاً وأبهجها منظراً وأكثرها رياضاً، وهي قائمة على ضفتي نهر أبي علي المعروف عند الأقدمين بنهر قاديشا أي المقدس، وتحفّها البساتين والغياض، وتكثر فيها المياه والأثمار، فتزيدها نضارة وحسناً.

وتظهر طرابلس للرائي كالحمامة البيضاء فإنّ أكثر جدرانها وسطوحها مبيّضة بالكلس الأبيض، ناهيك عمّا يرى فيها من جمال الطبيعة، ذلك ما وصفه ابن مامية الرومي بقوله:

بـأربـعةٍ سـادت وسـاد مـقامها على سائر الأمصار في البحر والبرِّ

بـأبيض ثـلجٍ واحـمرار كـثيبها وخـضرة مرج قد جلا زرقة البحرِ

٣٠٠