تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 72837
تحميل: 9114


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72837 / تحميل: 9114
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

الحجرة عليهم ويوضع السيف في سائرهم، فقتل منهم ثلاث آلاف، ودخل دمشق وطاف بها، وأحضر الأشراف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم، وبعث بهم إلى مصر، وأمن الناس، ثمّ إنّه توفي.

وفي ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي في حوادث سنة ٣٨٧:

بعد انجلاء فتنة ابن عمّار والكتابة بالوثوب في القائد أبي تميم سليمان بن جعفر بن فلاح الذي كان قد ندبه ابن عمّار لقتال منجوتكين، حين أظهر الانتقاض عليه، وكان أهل صور في هذه السنة قد عصوا وأمَّروا عليهم رجلاً ملاّحاً من البحريّة يُعرف بالعلاقة، وقتلوا أصحاب السلطان. واتفق أنّ المفرج بن دغفل قد نزل على الرملة ونهب ما كان في السواد وأطلق يد العبث في البلاد.

وانضاف إلى هاتين الحادثتين خروج الدُوقُس عظيم الروم في عسكرٍ كثيرٍ إلى الشام ونزوله على حصن افامية، فاصطنع برجوان القائد جيش بن الصمصامة وقدّمه وجهّز معه ألف رجل، وسيَّره إلى دمشق وأعمالها وبسط يده في الأموال، وردّ إليه تدبير الأعمال.

فسار جيش ونزل على الرملة، والوالي عليها وحيد الهلالي ومعه خمسة آلاف رجل، ووافاه ولاة البلد وخدموه وصادف القائد أبا تميم سليمان بن فلاح في الرملة فقبض عليه قبضاً جميلاً، وندب أبا عبد الله الحسين بن ناصر الدولة وياقوت الخادم ومَن معه من عبيد الشرا لقصد صور ومنازلتها وفتحها. وكان قد ولّى جماعةً من الخدم السواحل وأُنفذوا إليه وأنفذ في البحر تقدير عشرين مركباً من الحربيّة المشحونة بالرجال إلى ثغر صور، وكتب إلى علي بن حيدرة والي طرابلس بالمسير إليه في أسطوله، وإلى ابن الشيخ والي صيدا بمثل ذلك وإلى جماعةٍ من الجهات، بحيث اجتمع الخلق الكثير على باب صور.

ووقعت الحرب بينها وبين أهلها واستجار العلاقة بملك الروم وكاتب يستنصره ويستنجده، وأنفذ إليه عدّة مراكب في البحر مشحونة بالرجال المقاتلة، والتقت هذه المراكب مراكب المسلمين، فاقتتلوا في البحر قتالاً شديداً.

فظفر المسلمون بالروم وملكوا مركباً من مراكبهم وقتلوا مَن فيه، وكان عدّتهم مئة وخمسين رجلاً، وانهزمت بقيّة المراكب، فضعفت نفوس أهل صور ولم يكن لهم طاقة بمن اجتمع عليهم من العساكر برّاً وبحراً، ونادى المغاربة (من أراد الأمان من أهل الستر والسلامة فليلزم منزله)، فلزموا ذلك. وفتح البلد وأسر العلاقة وجماعة

٣٤١

من أصحابه، ووقع النهب وأخذ من الأموال والرجال الشيء الكثير.

وكان هذا الفتح أوّل فتحٍ على يد برجوان الحاكمي.

وحُمل العلاقة وأصحابه إلى مصر فسُلخ حيّاً وصُلب بظاهر المنظر بعد أن حشي جلده تبناً وقتل أصحابه.

وولي أبو عبد الله الحسين بن ناظر الدولة بن حمدان صور وأقام بها، وسار جيش بن الصمصامة على مقدّمته بدر بن ربيعة لقصد المفرج بن دغفل بن جراح، وطلبه فهرب بين يديه حتّى لحق بجبلي طيء وتبعه حتّى كاد يأخذه. ثمّ رماه ابن جراح بنفسه وعجائز نسائه وعاذ منه بالصفح وطلب الأمان فأمنه، وشرط عليه ما التزمه وعفا عنه جيش وكفّ عنه واستحلفه على ما قرّره معه، وعاد إلى الرملة ورتّب فيها والياً من قبله، وانكفأ إلى دمشق طالباً لعسكر الروم النازل على افامية.

فلمّا وصل إلى دمشق استقبله أشرافها ورؤساء أحداثها مذعنين له بالطاعة، فأقبل على رؤساء الأحداث وأظهر لهم الجميل ونادى في البلد برفع الكُلَف واعتماد العدل والإنصاف وإباحة دم كلّ مغربي يتعرّض لفساد. فاجتمع إليه الرعية يشكرونه ويدعون له وسألوه دخول البلد والنزول فيه بينهم، فأعلمهم أنّه قاصد الجهاد في الروم.

وأقام ثلاثة أيّام وخلع على رؤساء الأحداث وحملهم ووصلهم ونزل حمص.

ووصل إليه أبو الحسن عبد الواحد بن حيدرة في جند طرابلس والمتطوّعة من عامّتها، وتوجّه إلى الدوقس وظهر على الروم وكان له الظفر، وامتلأت يده من السبي ويد أصحابه من الغنائم.

وعاد منكفئاً إلى دمشق وقد عظمت هيبته، فاستقبله اشرافها ورؤساؤها وأحداثها مهنئين وداعين له، فتلقّاهم بالشماسية وزادهم من الكرامة وخلع عليهم وعلى وجوه الأحداث وحملهم على الخيل والبغال ووهب لهم الجواري والغلمان وعسكر بظاهر البلد، وخاطبوه في الدخول والجواز في الأسواق، وقد كانوا زيّنوها إظهاراً للسرور به والتقرّب إليه، فلم يفعل. وقال:

معي عسكر وإن دخلت دخلوا معي ولم آمن أن يمدّوا أيديهم إلى ما يثقل به الوطأة منهم. والتمس أن يخلوا له قريةً على باب دمشق تُعرف ببيت لهيا، ليكون نزوله بها، فأجابوه إلى ذلك.

لمّا تقرّر الحال بمصر مع برجوان الحاكمي على تجهيز جيش بن الصمصامة إلى الشام لتلافي ما حدث فيه، وتدبير الأعمال وتسديد الأحوال، والرفع لشر الروم الواصلين إلى أعماله، اقتضت الحال والسياسة

٣٤٢

ردَّ ولاية دمشق بعد إخراج القائد أبي تميم سليمان بن جعفر بن فلاح منها إلى القائد بشارة الأخشيدي، في يوم الاثنين النصف من شوّال سنة ٣٨٨ هـ.

وتوجّه مع جيش بن الصمصامة إلى الجهاد في الروم، فلمّا أظفر الله بهم ونصر عليهم وانكفأ المسلمون منصورين ظافرين مسرورين وعاد بشارة الوالي في الجملة، صادف الأمر قد ورد من مصر بصرفه عن ولاية دمشق، وإقرارها على القائد جيش بن محمد بن الصمصامة.

واتفق ذلك وقد قوّض الصيف خيامه، وطوى بعد النشر أعلامه، والشتاء قد أقبل بصره وهريره، وقرّة زمهريره، فالتمس من أهل دمشق على ما تقدّم ذكره إخلاء بيت لهيا، فأجيب إلى ما طلب، فنزل فيها وشرع في التوفر على استعمال العدل ورفع الكُلَف وإحسان السيرة والمنع من الظلم، وأشخص رؤساء الأحداث وقدّمهم واستحجب جماعة منهم وجعل يعمل لهم السُمَط في كلّ يوم يحضرهم للأكل عنده ويبالغ في تأنيسهم واستمالتهم بكلّ حال. فلمّا مضت على ذلك بُرهة من الزمان أحضر قوّاده ووجوه أصحابه وتقدّم إليهم بالكون على أهبة واستعداد لما يُريد استخدامهم وتوقُع لما يوصل إليهم من رقاعه المختومة بخاتمه والعمل به.

وقسّم البلد وكتب إلى كلّ قائدٍ يذكر الموضع الذي دخل فيه، ويضع السيف في مفسديه، ثمّ رتّب في حمام داره مئتي راجلٍ من المغاربة بالسيوف، وتقدّم إلى المعروف بالناهري العلوي وكان من خواصّه وثقاته بأن يراعي حضور رؤساء الأحداث الطعام، فإذا أكلوا وقاموا إلى المجلس الذي جرت عادتهم بغسل أيديهم فيه أغلق عليهم بابه، وأمر مَن رتّب في الحمّام بوضع السيف في أصحابهم.

وكان كلّ رجلٍ منهم يدخل ومعه جماعة من الأحداث معهم السلاح، وحضر القوم على رسمهم فبادر جيش بالرقاع إلى قوّاده وجلس معهم للأكل.

فلمّا فرغوا نهض فدخل في حجرته ونهضوا إلى المجلس وأغلق الفرّاشون بابه، وكانت عدّتهم اثني عشر رجلاً يقدمهم المعروف بالدُهَقين وخرج مَن بالحمّام فوضعوا السيف في أصحابهم فقتلوهم بأسرهم وكانوا تقدير مئتي رجل. وركب القوّاد ودخلوا البلد وقتلوا فيه قتلاً ذريعاً وثلموا السور من كلّ جانبٍ ومحوا ألوانه ورموها، وأنزل المغاربة دور الدمشقيين، وجرّد إلى الغوطة والمرج قائداً يُعرف بنصرون وأمره بوضع السيف في مَن بها مِن الأحداث، فيُقال

٣٤٣

إنّه قل ألف رجلٍ منهم ؛ لأنّهم كانوا كثيرين.

ودخل دمشق فطافها فاستغاث الناس وسألوا العفو والإبقاء، فكفّ عنهم ورتّب أصحاب المصالح في المحال والمواضع وعاد إلى القصر في وقته، فاستدعى الأشراف استدعاءً حسن معه ظنّهم فيه. فلمّا حضروا أخرج رؤساء الأحداث فضرب رقابهم بين أيديهم، وأمر بصلب كلّ واحدٍ منهم في محلّته، حتّى إذا فرغ من ذلك قبض عليهم وحملهم إلى مصر وأخذ أموالهم ونعمهم ووظّف على أهل البلد خمسمئة ألف دينار.

وجاءه أمر الله الذي لا يدفع نازله، ولا يُردّ واصله، فهلك، وكانت مدّة هذه الولاية والفتنة تسعة شهور.

وقيل إنّ عدّة مَن قتل من الأحداث ثلاثة آلاف رجل.

١٥ - محمد بن جيش بن محمد بن الصمصامة: وكانت ولايته تسعة أشهر.

لمّا انتهى الخبر إلى مصر بمهلك جيش قُلّد ولده محمد هذا مكانه.

أمّا هلاك جيش فكان في يوم الأحد لتسع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ٣٩٠، وكانت مدّة ولايته التي هلك فيها على ما صحّ في هذه الرواية دون ما تقدّم ذكره ستّة عشر شهراً وستّة عشر يوماً (ابن القلانسي)، ويظهر أنّ ولاية محمد هذا كانت موقوتة حتّى يعين غيره خلفاً لأبيه جيش فإنّ ابن القلانسي وغيره من المؤرّخين يذكرون والياً بعده.

١٦ - القائد تميم بن إسماعيل المغربي الكتامي نسبة إلى كتامة (المقريزي في ج ٤ ص ٦٨) الملقّب بفحل.

قال ابن القلانسي في كتابه (ذيل تاريخ دمشق ):

وانتهى الخبر (بمهلك جيش) إلى مصر فوقع الارتياد لمَن يختار لولايتها بعده، فوقع الاختيار على القائد تميم بن إسماعيل المغربي الملقّب بفحل، فوصل إليها وأقام بها وأمر ونهى وبقي شهوراً من سنة ٣٩٠، وعرضت له علّة هلك بها ومضى لحال سبيله.

وعاد بعده إلى ولايتها القائد علي بن جعفر بن فلاح كما مرّ ذلك في أخباره.

وكان فحل هذا والياً على صور سنة ٣٨٦.

١٧ - ابن دواس الكتامي:

كان من كبار قوّاد الحاكم وكان يخافه.

قال ابن الأثير: ثمّ أوحش (الحاكم) أخته وأرسل إليها

٣٤٤

مراسلات قبيحة يقول فيها:

بلغني أنّ الرجال يدخلون إليك، وتهدّدها بالقتل، فأرسلت إلى ابن دواس هذا تقول له: إنّني أريد أن ألقاك، فحضرت عنده، وقالت له: قد جئت إليك في أمرٍ تحفظ فيه نفسك ونفسي، وأنت تعلم ما يعتقده أخي فيك، وأنّه متى تمكّن منك لا يبقي عليك وأنا كذلك، وقد انضاف إلى هذا ما تظاهر به ممّا يكرهه المسلمون ولا يصبرون عليه، وأخاف أن يثوروا به هو ونحن معه وتنقلع هذه الدولة، فأجابها إلى ما تريد ودبّر على قتله وكان ذلك في سنة ٤١١.

وفي الكامل ج ٩ ص ١٣٢، في حوادث سنة ٤١١، لمّا قتل الحاكم بقي الجند خمسة أيّام ثمّ اجتمعوا إلى أخته وأسمها ستّ الملك وقالوا: (قد تأخّر مولانا ولم تجر عادته بذلك).

فقالت: (قد جاءتني رقعة بأنّه يأتي بعد غد. فتفرقوا، وبعثت الأموال إلى القوّاد على يد ابن دواس، فلمّا كان اليوم السابع ألبست أبا الحسن علي بن أخيها الحاكم أفخر الملابس، وكان الجند قد حضروا للميعاد فلم يرعهم إلاّ وقد أخرج أبو الحسن وهو صبي والوزير بين يديه، فصاح يا عبيد الدولة، مولاتنا تقول لكم هذا مولاكم أمير المؤمنين فسلِّموا عليه. فقبّل ابن دواس الأرض والقوّاد الذين أُرسلت إليهم الأموال ودعوا له، فتبعهم الباقون ومشوا معه، ثمّ بويعوا من الغد.

وكتبت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له، وجمعت أخت الحاكم الناس ووعدتهم وأحسنت إليهم، ورتّبت الأمور ترتيباً حسناً وجعلت الأمر بيد ابن دواس، وقالت له:

إنّنا نريد أن نردّ جميع أحوال المملكة إليك، ونزيد في أقطاعك ونشرّفك بالخلع فاختر يوماً لذلك).

فقبل الأرض ودعا وظهر الخبر بين الناس، ثمّ أحضرته وأحضرت القوّاد معه وأغلقت أبواب القصر، وأرسلت إليه خادماً، وقالت له: قل للقوّاد: إنّ هذا قتل سيّدكم واضربه بالسيف، ففعل ذلك وقتله فلم يختلف رجلان.

هذه رواية ابن الأثير في مقتل الحاكم، وأمّا المقريزي فإنّه ينكرها ونسبها للمشارقة، ويبرّئ أخت الحاكم من التآمر على قتل أخيها.

١٨ - ابن ثعبان وقيل ابن شعبان الكتامي:

كان والياً على حلب سنة ٤١٤ أيّام الظاهر لإعزاز دين الله الفاطمي.

وفي هذه السنة قصد حلب صالح بن مرداس، وكان بقلعتها خادم يعرف بموصوف فأما أهل البلد فسلّموه إلى صالح لإحسانه إليهم ولسوء سيرة المصريّين معهم.

وصعد ابن

٣٤٥

ثعبان إلى القلعة فحصره صالح في القلعة فغار الماء الذي بها فلم يبق لهم ما يشربون فسلم الجند القلعة إليه.

١٩ - الأمير حصن الدولة حيدرة بن منزو بن النعمان الكتامي:

قال ابن القلانسي:

لمّا انصرف أمير الجيوش بدر عن ولاية دمشق هارباً، ندب لولايتها الأمير حصن الدولة حيدرة بن منزو بن النعمان والياً عليها، ووصل إليها في شهر رمضان من سنة ٤٥٦ وأقام بها وأمر ونهى على عادة أمثاله من الولاة. ثمّ اقتضى الرأي المستنصر صرفه عنها لشهاب الدولة دُرِي المستنصري.

٢٠ - الأمير حصن الدولة مُعَلى بن حيدرة بن منزو الكتامي:

ولي دمشق قهراً وغلبةً وقسراً من غير تقليد، في يوم الخميس الثامن من شوّال سنة ٤٦١ بحيل نمقها، ومحالات اختلقها ولفّقها، وذكر أنّ التقليد بعد ذلك وافاه فبالغ في المصادرات حينئذٍ، وارتكب من الظلم ومصادرة المستورين الأخيار ما هو مشهور من العنت والجور ما هو شائع بين الأنام مذكور، ولم يلق أهل البلد من التعجرف والظلم والعسف بعد جيش بن الصمصامة في ولاته ما لقوه من ظلمه وسوء فعلته وقاسوه من اعتدائه ولؤم أصله، ولم تزل هذه أفعاله إلى أن خربت أعمالها، وخلا عنها أهلها، وهان عليهم مفارقة أملاكهم، وسلوّهم عن أوطانهم، بما عانوه من ظلمه ولابسوه من تعدّيه وعَشَمه، وخلت الأماكن من قاطنيها، والغوطة من فلاّحيها، وما برح لقاء الله على هذه القضيّة المنكرة والطريقة المكروهة، إلى أن أجاب الله وله الحمد والشكر دعاء المظلومين، ولقّاه عاقبة الظالمين وحقّق الأمل فيه بالراحة منه، وأوقع بيه وبين العسكريّة بدمشق الشحناء والبغضاء، فخاف على نفسه الهلاك والبوار، فاستشعر الوبال والدمار، فلم يكن له إلاّ الهرب منهم، والنجاة من فتكهم ؛ لأنّهم عزموا على الإيقاع به، والنكاية فيه، وقصد ناحية بانياس فحصل فيها في يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة ٤٦٧، فأقام بها وعمرها عمره من الحمام وغيره فيها ثمّ خرج منها في أوائل سنة ٤٧٢ خوفاً من العسكر المصري أن يدركه فيها فيأخذه منها وحصل بثغر صور عند ابن عقيل القاضي المستولي عليها.

ثمّ سار من صور إلى طرابلس وأقام بها عند زوج أخته جلال الملك بن عمّار مدّةً، وأطلع إلى مصر فهلك في الاعتقال في سنة ٤٨١

٣٤٦

وذلك جزاء الظالمين وما الله بغافلٍ عمّا يعملون. انتهى عن ابن القلانسي(١) .

وإليك ملخّص ما جاء في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي من أخبار حيدرة:

لمّا ولي بدر الجمالي دمشق سنة ٣٥٨، وجرى منه أُمور مع ذوي الجاه والنفوذ، ومنهم الشريف أبو طاهر ابن أبي الجن المنفذ معه خادم لإفساد أمر بدر بالشام وإثارة أهل دمشق عليه، ولما فعل بدر بالمذكورين ما فعل ثار أهل دمشق عليه وأغلقوا أبوابها وحاربوه وساعدهم حصن الدولة (حيدرة) بن منزو وراسلهم سمار بن سنان الكلبي وراسلوه وحالفوه.

وجاء عرب سمار فأغارت على قصر السلطنة بدمشق بظاهرها، وعاد بدر الجالي وراوحوه فأنفذ ثقله وأهله إلى صيدا ومضى خلفهم إليها.

وجمع ابن منزو عسكره وعسكر دمشق لقصد بدر، فلمّا عرف ذلك رحل إلى صور وحاصرها ومتولّيها القاضي الناصح ثقة الثقات عين الدولة أبو الحسن محمد بن عبد الله بن أبي عقيل، فحاصرها أيّاماً، وقرب منه ابن منزو فسار إلى عكاء وأقام أيّاماً دخل فيها بزوجته بنت رقطاش التركي ومضى إلى عسقلان.

وجاء الشريف ابن أبي الجن من مصر إلى دمشق، وكان أهلها هدموا قصر السلطنة ودرسوه، وكان عظيماً يسع ألوفاً من الناس.

وأقام على دمشق سبعة وعشرين يوماً ومعه حازم وحميد ابنا جرّاح اللذان اتفقا مع الشريف على الفتك ببدر.

ولمّا عجز بدر عن دمشق عاد إلى عكاء ؛ لأنّ الشريف والعساكر دفعوا عنها.

ولمّا رحل عن دمشق اختلف العسكر وأحداث البلد فنهب العسكر بعض البلد ونادوا بشعار بدر الجمالي، واستدعوا منهم صاحباً يكون عندهم، فأنفذ إليهم رجلاً يُعرف بالقطيان في جماعةٍ من أصحابه فدخل دمشق وهرب الشريف وولدا ابن منزو، وكان أبوهما قد مات على صور في هذه السنة، فنزل ابنا منزو على الكلبيين وسار الشريف طالباً مصر. وجرى بعد ذلك أمور لا علاقة لها بموضوع الكتاب فتركنا ذكرها.

٢١ - سنان الدولة بن حيدرة بن منزو الكتامي:

____________________

(١) في كامل ابن الأثير من أخباره ما خلاصته أن اتسز بن أوق الخوارزمي من أمراء السلطان ملكشاه قصد في سنة ٣٦٣ بلد الشام.

٣٤٧

قد تقدّم في أخبار حيدرة بن منزو خروجه على بدر، وظفر بدر أخيراً بخصومه ورجوعه إلى ولاية دمشق، وفرار الشريف ابن أبي الجن وولدي ابن منزو من بدر، ونذكر هنا ما جاء في مرآة الزمان لسبط بن الجوزي عقيب استتباب الأمر لبدر.

من خبر سنان هذا قال:

ومضى سنان الدولة ولد ابن منزو إلى أمير الجيوش، وصالحه، وصاهره على أخته، وعاد إلى دمشق والياً عليها من قبل أمير الجيوش، وأطاعته المغاربة وسلّموها إليه فدخلها. أورد ذلك في حوادث سنة ٣٦٢.

٢٢ - القفي أخو حيدرة بن منزو:

قال سبط ابن الجوزي:

إنّ فيها يعني سنة ٣٦٢ استولى القفي مختص ابن أبي الجن أخو حيدرة المقتول على دمشق، وطرد نواب أمير الجيوش، واستولى على صور ابن أبي عقيل وعلى طرابلس قاضيها ابن عمّار (أبو طالب) وعلى الرملة والساحل ابن حمدان، ولم يبق لأمير الجيوش غير عكّا وصيدا.

هذه خلاصة أخبار رجال كتاميين مارسوا الولايات في عهد الخلافة الفاطميّة، وهم كما قال المقريزي في خططه:

(كانوا أصل دولة الخلفاء الفاطميّين) لم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب تاريخي ولا انتساب كثير منهم لكتامة معروفاً، وإنّما استخرجناها وجمعناها كما ترى بعد تتبّعٍ وتمحيصٍ وبعد مراجعة أمّهات الكتب التاريخية فكانت أخبارهم مبدّدةً نتفاً هنا وهناك، على أنّنا لا نضمن لأنفسنا أنّا أصبنا الغرض كلّه، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، ولقد يكون منهم من عمي علينا خبره، وهم كما سبق مادّة الدولة الفاطميّة وأصلها فلم ينتظم في عقد مجموعهم ولكنّنا بذلنا في ذلك أقصى المستطاع وغاية ما وصل إليه بحثنا، ولا يُكلّف المرء غير الطاقة، وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم.

وقد تبيّن من تضاعيف أخبارهم أنّ منهم مَن ساهم في الولايات الفاطميّة منذ تأسيسها في المغرب، وفي عهد بسط سلطانها في المشرق في مصر وبلاد الشام إلى أوائل العقد الثامن من القرن الخامس.

وقد تركنا أخبار بني عمّار أحد بطون كتامة إلاّ ما جاء عرضاً من ذلك حرصاً على نظم أخبارهم في سلكٍ واحدٍ وعقد بابٍ خاصٍّ بهم لنخلص منه إلى

٣٤٨

قضاتهم الذين استمرّت ولايتهم على طرابلس إلى أوائل القرن السادس حيث انتزع سلطانها منهم الصليبيّون.

١ - الحسن بن عمّار بن علي بن أبي الحسين الكلبي

وفي الخطط: الحسن، بعد علي.

هو ابن أخي الحسن بن علي بن أبي الحسين الذي وُلِّي صقلية بعد رجال من كتامة وُلّوا إمارتها من بدء استخلاف أبي عبيد الله المهدي الفاطمي، كما عرفت ذلك من أخبارهم فيما سبق.

وُلِّي الحسن بن علي إمارة صقلية عقيب انتهاء فتنة أبي زيد الخارجي سنة ٣٣٦ هـ، وسبب ولايته، بعد أن مرّت فترة قصيرة على خروج إمارتهم عن قبيلهم، هو أنّ عطافاً الأزدي الذي كان والياً عليها استضعفه أهل بليرم واستضعفهم العدو لعجزه، ووثب به أهل المدنية يوم الفطر من سنة ٣٣٥.

ونجا عطاف إلى الحصن وبعث إلى المنصور يعلمه ويستمدّه، فولّى الحسن بن علي على صقلية وساسها أحسن سياسة، وخشي الروم بادرته فدفعوا إليه ثلاث سنين.

ثمّ بعث ملك الروم بطريقاً في البحر في عسكر إلى صقلية، فهزمهم الحسن وامتلأت يده من غنائمهم، وذلك في يوم عرفة سنة ٣٤٠.

ثمّ ملك خراجة وهادنه ملك الروم، ولمّا مات المنصور وملك ابنه المعزّ سار إليه الحسن واستخلف على صقلية ابنه أحمد، وأمره المعزّ بفتح القلاع التي بقيت للروم بصقلية، فغزاها وفتح طرمين سنة ٣٥١، ولمّا حاصر رمطة وأعيته وقد جاءها من القسطنطينية مددٌ عظيمٌ بعث يستمدّ المعزّ، فبعث إليه المدد بالعساكر والأموال مع والده الحسن.

وجاء مدد الروم فنزلوا مرسى مرسينة، وزحفوا إلى رمطة، ومقدّم الجيوش على حصارها الحسن بن عمّار وابن أخي الحسن بن علي بن أبي الحسين، فأحاط الروم بها وخرج أهل البلد إليهم وعظم الأمر على المسلمين، فاستماتوا في سبيل دفع الروم وكان من مشيئة الله تعالى أن هبّت عليهم ريح النصر على الأعداء فظفروا بهم وشتتوا شملهم.

وفي تاريخ أبي الفداء ج ٢ ما محصّله:

وفي سنة ٣٧٥ هـ: تولّى صقلية بعد عبد الله بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسين ولده أبو الفتوح يوسف بن عبد الله، وبقي على ولايته وبات العزيز خليفة مصر

٣٤٩

وتولّى الحاكم واستوزر ابن عمّ يوسف المذكور وهو حسن بن عمّار بن علي بن أبي الحسين، وبقي حسن وزيراً بمصر وابن عمّه يوسف أميراً بصقلية.

وإليك ما جاء في الخطط عن الحسن هذا وما كان له من المكانة في الدولة ونهاية أمره:

قال في ج ٣ في التعليق على خط قصر ابن عمّار:

(هو أبو محمد الحسن بن عمر بن علي بن الحسن الكلبي من بني أبي الحسين، أحد أمراء صقلية وأحد شيوخ كتامة، وصّاه العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله لمّا احتضر هو والقاضي محمد بن النعمان على ولده أبي علي المنصور، فلمّا مات العزيز بالله واستخلف من بعده ابنه الحاكم بأمر الله، اشترط الكتاميّون وهم يومئذٍ أهل الدولة أن لا ينظر في أمورهم غير أبي محمد بن عمّار بعد ما تجمعوا وخرج منهم طائفة نحو المصلّى، وسألوا صرف عيسى ابن نسطورس وأن تكون الوساطة لابن عمّار، فندب لذلك وخلع عليه في ثالث شوّال سنة خمس وسبعين وثلاثمئة، وقُلّد بسيف من سيوف العزيز بالله، وحُمل على فرسٍ بسرج ذهب، ولُقب بأمين الدولة، وقيد بين يده عدة دواب وحمل معه خمسون ثوباً من سائر البز الرفيع، وانصرف إلى داره في موكبٍ عظيم، وقُرئ سجلّه، فتولّى قراءته القاضي محمد بن النعمان بجلوسه للوساطة وتلقيبه بأمين الدولة، وألزم سائر الناس بالترجّل إليه فترجّل الناس بأسرهم له من أهل الدولة، وصار يدخل القصر راكباً ويشق الدواوين ويدخل من الباب الذي يجلس فيه خدم الخليفة الخاصّة، ثمّ يعدل إلى باب الحجرة التي فيها أمير المؤمنين الحاكم، فينزل على بابها ويركب من هناك.

وكان الناس من الشيوخ والرؤساء على طبقاتهم يبكرون إلى داره فيجلسون في الدهاليز بغير ترتيب، والباب مغلق ثمّ يفتح فيدخل إليه جماعة من الوجوه، ويجلس في قاعة الدار على حصير وهو جالس في مجلسه، ولا يدخل له أحد ساعة ثمّ يأذن لوجوه مَن حضر: كالقاضي ووجوه شيوخ كتامة والقوّاد، فتدخل أعيانهم، ثمّ يأذن لسائر الناس فيزدحمون عليه بحيث لا يقدر أحد أن يصل إليه فمنهم من يومي بتقبيل الأرض، ولا يرد السلام على أحد، ثمّ يخرج فلا يقدر أحدٌ على

٣٥٠

تقبيل يده سوى أناس بأعيانهم إلاّ أنّهم يومئون إلى تقبيل الأرض، وشرف أكابر الناس بتقبيل ركابه وأجلّ الناس من يقبل ركبته.

وقرّب كتامة وأنفق فيهم الأموال وأعطاهم الخيول وباع ما كان بالاصطبلات من الخيل والبغال والنجب وغيرها، وكانت شيئاً كثيراً، وقطع أكثر الرسوم التي كانت تطلق لأولياء الدولة من الأتراك، وقطع أكثر ما كان في المطابخ، وقطع أرزاق جماعة، وفرّق كثيراً من جواري القصر وكان به من الجواري والخدم عشرة آلاف جارية وخادم، فباع من اختار البيع وأعتق من سأل العتق طلباً للتوفير، واصطنع أحداث المغاربة، فكثر عتيُّهم وامتدّت أيديهم إلى الحرام في الطرقات وشلّحوا الناس ثيابهم، فضجّ الناس منهم واستغاثوا إليه بشكايتهم. فلم يبد منهم كبير نكر، فأفرط الأمر حتّى تعرّض جماعةٌ منهم للغلمان الأتراك وأرادوا أخذ ثيابهم، فثار بسبب ذلك شر قُتل فيه غلام من الترك وحدث من المغاربة، فتجمّع شيوخ الفريقين واقتتلوا يومين آخرهما يوم الأربعاء تاسع شعبان سنة سبع وثمانين وثلاثمئة، فلمّا كان يوم الخميس ركب ابن عمّار لابساً آلة الحرب وحوله المغاربة، فاجتمع الأتراك واشتدت الحرب وقتل جماعة وجرح كثير فعاد إلى داره وقام برجوان بنصرة الأتراك، فامتدت الأيدي إلى دار ابن عمّار واصطبلاته ودار رشا غلامه فنهبوا منها ما لا يُحصى كثرةً، فصار إلى داره بمصر في ليلة الجمعة لثلاث بقين من شعبان واعتزل عن الأمر فكانت مدّة نظره أحد عشر شهراً إلاّ خمسة أيّام.

فأقام بداره في مصر سبعة وعشرين يوماً ثمّ خرج إليه الأمر بعوده إلى القاهرة، فعاد إلى قصره هذا ليلة الجمعة الخامس والعشرين من رمضان.

فأقام به لا يركب ولا يدخل إليه أحدٌ إلاّ أتباعه وخدمه، وأطلقت له رسومه وجراياته التي كانت في أيّام العزيز بالله ومبلغها من اللّحم والتوابل والفواكه خمسمئة دينار في كلّ شهر، وفي اليوم سلّة فاكهة بدينار وعشرة أرطال شمع ونصف حمل ثلج.

فلم يزل بداره إلى يوم السبت الخامس من شوّال سنة تسعين وثلاثمئة فأذن له الحاكم في الركوب إلى القصر، وأن ينزل موضع نزول الناس، فواصل الركوب إلى يوم الاثنين رابع عشرة، فحضر عشيّةً إلى القصر وجلس مع مَن حضر فخرج إليه الأمر بالانصراف، فلمّا انصرف ابتدره جماعةٌ من الأتراك وقفوا له فقتلوه واحتزّوا رأسه ودفنوه مكانه، وحُمل

٣٥١

الرأس إلى الحاكم، ثمّ نُقل إلى ترتبه بالقرافة فدُفن فيها.

وكانت مدّة حياته بعد عزله إلى أن قتل ثلاث سنين وشهراً واحداً وثمانية وعشرين يوماً وهو من جملة وزراء الدولة المصرية ووُلي بعده برجوان.

وقال ابن خلدون في تاريخه:

(في سنة ٣٨٦ ولي الحاكم بعد وفاة أبيه العزيز ولقّب بالحاكم بأمر الله، واستولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيّته بذلك، وكان مدبّر دولته وكان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمّار ويلقّب بأمين الدولة. وتغلّب ابن عمر وانبسطت أيد كتامة في أموال الناس وحرمهم، ونكر منجوتكين تقديم ابن عمّار في الدولة وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك، فأظهر الانتقاض وجهّز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح، فلقيهم بعسقلان وانهزم منجوتكين وأصحابه، وقتل منهم ألفين وسيق أسيراً إلى مصر، فأبقى عليه ابن عمّار واستماله للمشارقة، وعقد على الشام لسليمان بن فلاح ويكنّى أبا تميم، فبعث منطبرية أخاه عليّاً إلى دمشق فامتنع أهلها فكاتبهم أبو تميم وتهدّدهم وأذعنوا ودخل على البلد ففتك فيهم.

ثمّ قدم أبو تميم فأمن وأحسن وبعث أخاه عليّاً إلى طرابلس وعزل عنها جيش بن الصمصامة، فسار إلى مصر وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمر وأعيان كتامة، ثمّ ثارت الفتنة واقتتل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة واختفى ابن عمار، وأظهر برجوان الحاكم وجدّد له البيعة وكتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح، فنهب ونُهبت خزائنه واستمرّ القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق واستولى الأحداث، ثمّ أذن برجوان لابن عمّار في الخروج من استتاره وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره.

وذكر أبو يعلى بن القلانسي في كتابه: (ذيل تاريخ دمشق ) بعد ذكره خروج العزيز إلى بلاد الشام بعساكره الجرّارة لمحاربة الفتكين (هفتكين) والحسن القرمطي اللذين تغلّبا على جوهر وتخلّص منهما بدهائه، وانتهى الأمر بانتصار العزيز وفرار القرمطي والقبض على الفتكين وإكرام العزيز له بنصب دست خاصٍّ به ليجلس عليه، وامتناعه من الجلوس فيه وقعوده بين يديه ؛ قال:

(وأتاه بعد ساعة أمين الدولة الحسن بن عمّار وهو أجلّ كتّابه، وجوهر ومعهما عدّة من الخدم على أيديهم الثياب، فسلّما عليه وأعلماه رضى العزيز عنه وتجاوزه عن الهفوة الواقعة منه، وألبسه جوهر دستاً من

٣٥٢

ملابس العزيز كان في جملة الثياب ؛ وقال له: (أمير المؤمنين يقسم عليك بحقّه ألاّ طرحت سوء الاستشعار وعدت إلى حال السكون والانبساط، فجدّد الدعاء وتقبيل الأرض)

وشكر جوهراً على ما ظهر منه في أمره، وعاد الحسن وجوهر إلى العزيز فأخبراه ما كان منه، وكان ذلك في سنة ٣٦٥ ومن هذا يظهر أن ابن عمر كان من المقدّمين في دولة العزيز ومن كبار كتّابه وكان ملقّباً في عهده بأمين الدولة لا في خلافة الحاكم وكيف يوفق بين هذا وبين ما سبق في ما نقلناه عن أبي الفداء في سنة ٣٧٥ من تولّي أبي الفتوح يوسف بن عبد الله صقلية في هذه السنة).

١ - في الخطط جزء ٢:

قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز:

في يوم عاشوراء من سنة ٣٦٣ انصرف خلف من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين: قبر كلثوم ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالاتهم بالنياحة والبكاء على الحسين، وكسروا أواني السقّائين في الأسواق وشقّقوا، إلى أن مات العزيز وتولّى الحاكم واستوزر ابن عمّ يوسف حين بلغو مسجد الريح، وثارت عليهم جماعة من رعيّة أسفل، فخرج أبو محمد الحسين بن عمّار، وكان يسكن هناك في دار محمد بن أبي بكر، وأغلق الدرب ومنع الفريقين، ورجع الجميع فحسن موقع ذلك عند المعز، ولولا ذلك لعظمت الفتنة.

الحسن بن عمّار(١) :

وجاء في تاريخ ابن القلانسي في حوادث سنة ٣٨٦ التي توفّي فيها العزيز، وقام بعده ولده الحاكم وكان عمره عشر سنين (وغير ابن القلانسي يقول إحدى عشرة سنة ونيّف): وتقدّم أبو محمد الحسن بن عمر وكان شيخ كتامة وسيّدها ولُقّب بأمين الدولة وهو أوّل من لُقّب

____________________

(١) وفي خطط المقريزي ج ٢ ص ٢٠٧: لمّا ظفر العزيز بهفتكين واصطنعه سنة ٣٨٠ والقائد جوهر وابن عمر ومن دونهما من أهل الدولة مشاة في ركابه وكانت يد جوهر في يد ابن عمّار فزفر ابن عمّار زفرة كاد أن ينشقّ لها، وقال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فنزع جوهر يده منه، وقال: قد كنت عندي يا أبا محمد أثبت من هذا فظهر منك إنكار في هذا المقام لأحدثنّك حديثاً عسى سيسليك عمّا أنت فيه، والله ما وقف على هذا الحديث أحدٌ غيري إلخ.

٣٥٣

في دولة مصر، واستولى على الأمر وبسط يده في الإطلاق والعطاء والصلات بالأموال والثياب والخباء وتفرقة الكراع، وكان في القصر عشرة آلاف جارية وخادم، فبيع منهم مَن اختار البيع وأعتق مَن سأل العتق، ووهب مِن الجواري لمَن أحبّ وآثر.

وانبسطت كتامة وتسلّطوا على العامّة ومدّوا أيديهم إلى حُرمهم وأولادهم، وغلب الحسن بن عمّار على الملك وكتامة على الأمور، وهمّ الحسن بقتل الحاكم وحمله على ذلك شيوخ أصحابه، وقالوا: لا حاجة لنا إلى إمامٍ نقيمه ونتعبّد له. فحمله صغر سنّه والاستهانة بأمره على إقلال الفكر فيه وإن قال لمن أشار عليه بقتله وما قدّر هذه الوزغة حتّى يكون منها ما نخاف (يعني بذلك برجوان سمّاه الحاكم بذلك)، وبرجوان في أثناء ذلك يحرس الحاكم ويلازمه ويمنعه من الركوب ولا يفسح له في مفارقة الدور والقصور.

وقد كان شكر العضدي اتفق مع برجوان وعاضده في الرأي والفعل وصارا على كلمةٍ سواء في كلّ ما ساء (و) سرّ ونفع وضرّ، وتظاهرا على حفظ الحاكم في وصاة والده العزيز به، إلى أن تمّت السلامة لهما فيه.

وأمّا منجوتكين وما كان منه بعد نوبة الروم فإنّه أقام بدمشق على حاله في ولايتها، وزاد أمر الحسن بن عمّار وكتامة وقلّت مبالاتهم بالسلطان، فكتب برجوان إلى منجوتكين يعرّفه استيلاء المذكورين على الأمور، وغلبتهم على الأموال، وتعدّيهم إلى الحرم والفروج وقبيح الأعمال، ورفعهم المراقبة للخالق والحشمة من المخلوقين، وإبطالهم رسوم السياسة وإضاعة حقوق الخدمة، وإنّهم قد حصروا الحاكم في قصره وحالوا بينه وبين تدبير أمره، ويدعوه إلى مقابلة نعمة مولاه العزيز عنده بحفظ ولده والوصول إلى مصر وقمع هذه الطائفة الباغية.

وقال: إنّ الديلم والأتراك والعبيد الذين على الباب، يساعدونه على ما يحاول فيهم ويكونون معه أعواناً عليهم، فامتثل منجوتكين ما في الكتاب عند وقوفه عليه، وسارع إليه وركب إلى المسجد الجامع في السواد، وجمع القوّاد والأجناد ومشايخ البلد وأشرافه، وفيهم موسى العلوي، وله التقدّم والخيرة وأذكرهم بحقوق العزيز وما كان منه من الإحسان إلى الخاص والعام، وحسن السيرة في الرعيّة واعتقاد الخير للكافّة، وخرج من ذلك إلى ذكر ما له عليه من حقوق الاصنطاع

٣٥٤

والتقدّم والاصطفاء والتعديد للتنويه (في الأصل التمويه) باسمه، وما يلزمه في خدمته حيّاً وميتاً ومناصحته معدوماً ومفقوداً وموجوداً، وقال:

(وإذ قبضه الله إليه ونقله إلى ما اختاره له وارتضاه وحكم به وأفضاه، فإنّ حقوقه قد انتقلت إلى نجله وسليله الحاكم بأمر الله أمين المؤمنين، وهو اليوم والي النعمة وكالقائم مقامه العزيز بالله (رحمه الله) في استحقاق الطاعة والمناصحة والخدمة.

وقد تغلّب على الملك الحسن بن عمّار وكتامة وصار إخواننا المشارقة بينهم كالذّمة بين المسلمين وما يسعنا الصبر على هذه الصورة، وتسليم الدولة إلى هذه العصابة المتسلّطة، وخرق ثيابه السود وبكى البكاء الشديد فاقتدى الناس به في تخريق الثياب والبكاء ؛ ثمّ قالوا: ما فينا إلاّ سامع لك مطيع لأمرك ومؤثر ما تؤثر وباذل مهجته في طاعة الحاكم وخدمته وخدمتك، ومهما رسمت لنا من خدمة وبذل نفس كنّا إليه مسارعين، ولأمرك فيه طائعين، إلى أن تبلغ مُناك وترك مبتغاك في نصرة مولانا.

فشكرهم على هذا المقال وقوّى عزائمهم وآراءهم على المتابعة له والعمل بما يوافقه، وعاد إلى داره ووضع العطاء في الرجال وبرَّز إلى ظاهر دمشق.

وقد اشتملت جريدة الإثبات على ستّة آلاف من الأجناد السائرين معه خيلاً ورجالاً، وكتب إلى الحسن بن عمّار على أجنحة الطيور ومع أصحاب البريد بشرح ذلك الحال، فلمّا وقف على الخبر عظم عليه وقلق وجمع وجوه كتامة، وأعاد عليهم ما ورد من خبر منجوتكين وما هو مجمع عليه في بابهم، وقال: ما الرأي عندكم؟

قالوا: نحن أهل طاعتك والمسارعون إلى العمل بإشارتك، وأظهر أنّ منجوتكين قد عصى على الحاكم وجرى مجرى الفتكين المعزي البويهي، وندب الناس قتاله، وتقدّم إلى الخزّان في خزائن أموال العزيز بإطلاق الأموال، وإلى العرّاض بتجريد الرجال والإنفاق فيهم، وأحضر البرجوان وشكر العضدي، وقال لهما:

أنا رجل شيخ وقد كثر الكلام عليّ والقول فيَّ، وما لي غرض إلاّ حفظ الأمر للحاكم، ومقابلة اصطناع العزيز وإحسانه إليّ، وأريد مساعدتكما ومعاضدتكما وأن تحلفا لي على صفاء النيّة، وخلوص العقيدة والطويّة، فدعتهما الضرورة إلى الانقياد له والإجابة إلى ما سأله منهما، واستأنف معهما المفاوضة والمشاورة والإطلاع لهما على مجاري الأُمور، ووجوه

٣٥٥

التدبير في الجمور واستمالة المشارقة، وندب أبا تميم سليمان بن جعفر بن فلاح وقدّمه وجعله (اسفسكو) الجيش وأمره بالمسير إلى الشام وأطلق له كل ما التمس من المال والعدد والرجال والسلاح والكراع، وأسرف في ذلك إلى حدّ لم يقف عنده، وجرّد معه ستّة عشر ألف رجلٍ وبرز إلى عين شمس، وكان عيسى بن نسطورس الوزير على حاله في الوزارة، فبلغ ابن عمر عنه ما أنكره فقبض عليه ونكبه وقتله.

وسار سليمان بن فلاح من مصر ودخل منجوتكين إلى الرملة فملكها وأخذ أموالها، فتقوّى بها وكان معه المفرج بن دغفل بن الجراح وسنان بن عُليان، ونزل سليمان عسقلان وسار منجوتكين حتّى نزل بظاهرها، وتقاتل الجيشان فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام من تقاربهما وتقاتلهما، ضرب كلّ واحدٍ منهما مصاف عسكره وعمل على مناجزة صاحبه.

واستأمنت العرب من أصحاب ابن جراح وابن عُليان إلى سليمان، فاستظهر وقتل من أصحاب منجوتكين أربعة قوّاد في وقتٍ واحدٍ، وانهزم منجوتكين وقتل من الديلم عدّة كثيرة ؛ لأنّهم لجأوا عند الهزيمة إلى شجر الجمِّيز واختفوا به، فكان المغاربة ينزلونهم منها ويقتلونهم تحتها، وأُحصيت القتلى فكانوا من أصحاب منجوتكين ألفي رجل.

وسار سليمان إلى الرملة وقد امتلأت أيدي أصحابه من الغنائم والأموال والكراع، وبذل لمَن يحضر منجوتكين عشرة آلاف دينار ومئة ثوب، فانبثّت العرب في طلبه، وأدركه عليّ بن جراح فأسره وحمله إلى سليمان فأخذه منه وأعطاه ما بذل له، وحمله مع رؤوس القتلى من أصحابه إلى مصر، فشهرت الرؤوس وأبقى على منجوتكين الحسن بن عمّار واصطنعه واستمال المشارقة به ونزل سليمان طبريّة.

وكان أهل دمشق قد أثاروا الفتنة ونهبوا دار منجوتكين وخزائنه، وما فيها من مال السلطان وعدده، فأنفذ أخاه عليّاً إليها في خمسة آلاف رجل، فلمّا وصلها ناوش أهلها وناوشوه واعتصموا بالبلد ومنعوا الدخول إليه، وكتب إلى سليمان أخيه يعلمه مخالفتهم وعصيانهم، ويستأذنه في منازلتهم وقتالهم، فأذن له في ذلك وأعلمه مسيره إليّ، وكتب إلى موسى العلوي والأشراف والشيوخ بالإنكار عليهم بتسلّط العامّة فيما ارتكبوا من النهب والإفساد، وتقاعدهم عن الأخذ على أيديهم والردع لهم، والتوعّد بالمسير إليهم والمقابلة لهم

٣٥٦

بما يقتضيه الرأي، فلمّا وقفوا على ما ذكره خافوا، وخرجوا إلى أخيه عليّ ولقوه وأعلموه أنّهم على الطاعة والإنكار لمّا أُجري إليه الجهّال، فركب عليٌّ وحارب أهل دمشق وزحف إلى باب الحديد والنفّاطون معه فانهزموا منه، وملك البلد وطرح النار في الموضع المعروف بحجر الذهب، وهو أجلّ موضعٍ في البلد، وقتل خلقاً كثيراً من رجاله، وعاد بعد ذلك إلى معسكره، ووافى من غدٍ أخاه سليمان في عسكره، فأنكر عليه إحراق ما أحرق وبلوغه في الإفساد ما بلغ.

وتلقاه الأشراف والشيوخ والناس وشكوا إليه ما لحقهم وتلف من دورهم وأملاكهم وأموالهم، فأمنهم وكف المغاربة عنهم وأظهر اعتقاده الجميل فيهم، وكتب المناشير بالصفح عن الجناة وإيمان الكبير والصغير منهم، ورفع الكلف والمؤن عنهم وإفاضة العدل والإنصاف فيهم، وكوتب في المسجد الجامع على رؤوس الإشهاد، فسكنت إلى ذلك النفوس واطمأنّت به القلوب ورجعوا إلى ما كانوا عليه واختلط المغاربة بهم.

وركب القائد سليمان إلى الجامع في يوم الجمعة بالطيلسان على البغل السندي، وخرق في البلد بالسكينة والوقار وبين يديه القرّاء وقوم يفرّقون قراطيس دراهم الصدقات على أهل المسكنة والحاجة، وكان لهذا القائد نفس واسعة، وصدر رحب وقدَم في الخير متقدِّمة، ورغبة في الفعل الجميل مشهورة ومقاصد في الصلاح مشكورة بعد الحسن بن عمر.

ولمّا صلَّى عاد إلى القصر الذي بني بظاهر البلد، ونزل فيه وقد استمال قلوب الرعية والعامّة بما فعله، وأظهره من حسن النظر في الظلامات المرفوعة إليه، وإطلاق جماعة كانت في الحبوس من أرباب الجرائم المتقدّمة والجنايات السالفة.

واستقام له الأمر واستقرّت على الصلاح الحال، وصلحت أحوال البلد وأهله بما نشر فيه من العدل، وحكم به من الإنصاف، وأحسنه من النظر في أمور السواحل، بصرف من صرفه من ولاتها الجائرين، واستبدل بهم من شيوخ كتامة وقوّادها، وردَّ إلى عليٍّ أخيه ولاية طرابلس الشام، وصرف عنها جيش بن الصمصامة، فمضى جيش إلى مصر من غير أن يقصد القائد سليمان ويجتمع معه، وكان جيش هذا من شيوخ كتامة - أيضاً - إلاّ أنّ سليمان كان سيئ الرأي فيه لعداوةٍ بينه وبينه، فلمّا حصل جيش بمصر قصد برجوان سرّاً وطرح

٣٥٧

نفسه عليه واعلمه بغض أهل الشام للمغاربة واستيحاشهم منهم، فأولاه برجوان الجميل قولاً ووعداً وبذل له المعونة على أمره، وتأمّل برجوان ما يلي به في الأحوال من الحسن بن عمّار وكتامة، وما خافه على نفسه منهم وأنّ مصر والقاهرة قد خلتا إلاّ من العدد الأقلّ منهم، وأمكنته الفرصة فيما يريده منهم، فراسل الأتراك والمشارقة، وقال لهم:

قد عرفتم صورتكم، وصورة الحاكم مع هؤلاء القوم وأنّهم قد غلبوا على المال وغلبوكم، ومتى لم تنتهز الفرصة في قلّة عددهم وضعف شوكتهم، سبقوكم إلى ما لا يمكنكم تلافيه بعد التفريط فيه واستدراك الغاية منه.

وأوثقهم على الطاعة والمساعدة فبذلوها له، ووثقوا له في كلّ ما يريده وأحسّ الحسن بن عمّار بما يريد برجوان وشرع فيه وفي الفتك به، وسبقه إلى ما يحاوله فيه، ورتّب له جماعة في دهليزه وواقفهم على الإيقاع به وبشكر إذا دخلا داره، وكان لبرجوان عيون كثيرة على الحسن بن عمّار، فصاروا إليه واعلموه ما قد عمل عليه، واجتمع برجوان وشكر وتفاوضا الرأي بينهما في التحرّز ممّا بلغهما، وقرّرا أن يركبا ويركب على أثرهما من الغلمان جماعة (فإن أحسّوا وأحسسنا على باب الحسن ما يريبنا رجعنا وفي ظهورنا مَن يمنع منّا)، فرتّبا هذا الأمر وركبا إلى دار الحسن وكانت في القاهرة ممّا يلي الجبل، فلمّا قربا من الباب بانت لهما شواهد ما أُخبرا به، فحذرا وعادا مسرعين، وجرّد الغلمان الذين كانوا معهما سيوفهم، ودخلا إلى قصر الحاكم يبكيان لديه ويستصرخان به.

وثارت الفتنة واجتمع الأتراك والديلم والمشارقة وعبيد الشرا بالسلاح على باب القصر، وبرجوان يبكي، ويقول لهم: يا عبيد مولانا احفظوا العزيز في ولده وارعوا فيه ما تقدّم من حقّه، وهم يبكون لبكائه، وركب الحسن بن عمّار في كتامة ومَن انضاف إليهم من القبائل وغيرهم، وخرج إلى الصحراء وتبعوه وتبعه وجوه البلد، فصار في عددٍ كثير، وفتح برجوان خزائن السلاح وفرّقه على الغلمان والرجال وأحدقوا ومَن معهم بالقصر من المشارقة والعامّة بقصر الحاكم، وعلى أعلاه الخدم والجواري يصرخون، وبرز منجوتكين وبارجكتن وينال الطويل وخمسمئة فارس من الغلمان، ووقعت الحرب بينهم وبين الحسن إلى وقت الظهر، وحمل الغلمان عليه فانهزم، وزحفت العامّة إلى داره فانتهبوها وفتحوا

٣٥٨

خزائنه وفرّقوا ما فيها.

والتجأ الحسن إلى بعض العامّة فاستتر عنده، وتفرّق جميع مَن كان معه، وفتح برجوان باب القصر وأجلس الحاكم وأوصل إليه الناس، وأخذ له بيعة مجددة على الجند، فما اختلف عليه أحد، وكتب الأمانات لوجوه كتامة وقوّاد الدولة وراسلهم بما تطيب به نفوسهم من إقامة عذرهم فيما كان منهم، فحضرت الجماعة وأعطت أيمانها على السمع والطاعة ؛ فاستقام الأمر لبرجوان، وكتب الكتب إلى اشراف دمشق ووجوه أهلها ويأمرهم بتطييب نفوسهم، وبعثهم على القيام على القائد أبي تميم سليمان بن جعفر بن فلاح، والإيقاع به، وكتب إلى مشارقة الأجناد بالاجتماع معهم على المذكور والإعانة لهم عليه.

أمّا ما كان من أثر لما كتبه برجوان لدمشق بشأن ابن فلاح فقد تقدّم ذكره في أخباره فلا نعيده.

٢ - رئيس الرؤساء أبو الحسن عمّار بن محمد الكلبي الكتامي:

في الخطط للمقريزي ج ٢ في ترجمة الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن علي بن الحاكم بأمر الله الذي بُويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه الحاكم، يوم عيد النحر سنة ٤١١ وهو ابن ستّ عشرة سنة، قال:

(ووزر له الخطير رئيس الرؤساء أبو الحسن عمّار بن محمد، وكان يلي ديوان الإنشاء وغيره، واستوزره الحاكم إلى أن فقد فتولّى البيعة للظاهر، ثمّ قُتل بعد سبعة أشهر في ربيع الأوّل سنة ٤١٢).

وهذا هو ممدوح عبد المحسن الصوري الشاعر المعروف، ففي مفتتح ديوانه يقول: قال يمدح الأمير رئيس الرؤساء عمّار بن محمد مستهلّ القصيدة:

أرأيت ما صنع القريب النائي أيّـام أعرب في حديث بكائي

وقال في آخرها يمدحه:

إن لا تكن نلت الوزارة ناشئاً فـلقد نـشأت مدبّر الوزراءِ

في نور مكرمةٍ ونار عزيمةٍ يـتناهبان غـياهب الظلماءِ

٣ - القاضي جلال الدين بن عمار الكلبي الكتامي:

٣٥٩

ذكر السيوطي في كتابه (حسن المحاضرة ) في قضاة مصر من بني عمّار القاضي جلال الدولة أبا القاسم علي بن أحمد بن عمّار، قال: ولي القضاء سنة ٤٧٢ ثمّ صُرف، وولي بعده سنة ٤٧٥ أبو الفضل هبة الله بن الحسين بن عبد الرحمان بن نباتة، وذكره محمد بن دانيال الموصلي بين مَن ولوا قضاء مصر في أرجوزته، فقال:

ثـمّ جلال الدولة ابن القاسم عاد فأضحى وهو خير حاكم

وفي كامل ابن الأثير ج ١٠ في حوادث سنة ٤٨٧، وهي السنة التي مات فيها المستنصر بالله أبو تميم معدّ بن أبي الحسن علي الظاهر لإعزاز دين الله العلوي.

ولمّا مات ولي بعده ابنه أبو القاسم أحمد المستعلي بالله، وكان قد عهد في حياته بالخلافة لابنه نزار، فخلعه الأفضل وبايع المستعلي بالله، وكان لهذا الخلع سببه ؛ فإنّ نزاراً أساء للأفضل في حياة أبيه إساءةً أحفظه بها وحقدها عليه، فلمّا مات المستنصر خلعه خوفاً منه على نفسه، وبايع المستعلي، فهرب نزار إلى الاسكندرية إلى ناصر الدولة افتكين، وتسلّم المستعلي نزاراً وبنى عليه حائطاً، فمات، وقتل القاضي جلال الدولة بن عمّار ومَن أعانه.

٤ - في الخطط للمقريزي ج ٢ في ترجمة أمير الجيوش أبي النجم بدر الجمالي:

كان مملوكاً أرمنياً لجمال الدولة بن عمّار، فلذلك دُعي بالجمالي، ارتقت به الحال حتّى ولي إمارة دمشق من قِبَل المستنصر، في يوم الأربعاء ثالث عشرين ربيع الآخر سنة ٤٦٥.

أمّا القلانسي فيقول:

إنّ إمارته على دمشق كانت في الشهر، إلاّ أنّها كانت سنة ٤٥٥، وفي السنة التي يؤرّخ المقريزي بها ولايته على دمشق هي السنة التي استولى فيها على الوزارة في مصر.

هؤلاء أربعة رجال من بني عمّار ممّن ساهموا في بعض الولايات في مصر، أفردناهم بالذكر عن ذوي قراباتهم ولاة طرابلس وقضاتها، وهم الذين خصصناهم بهذا التأليف، وما كان كلّ ما أطلنا به الكلام إلاّ مقدّمة - وإن طالت - لتاريخ هؤلاء القضاة، وتعريفاً بهم وبقديمهم، وما إخال أنّ

٣٦٠