تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني13%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113609 / تحميل: 9450
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

تاريخ الشيعة

السياسي الثقافي الديني

(٣)

١

٢

تَاريخُ الشِّيعَةِ

السِّياسي الثقافي الدِّيني

تأليف

العَلاّمَة الشيخ سُليمان ظَاهِر

عضو المَجمع العلمي العربي بدمشق

حقّقه وضبطه

عبد الله سليمان ظاهر

المُجَلّد الثَالث

منشورات

مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات

بَيروت - لبنان

ص. ب ٧١٢٠

٣

٤

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحرافشة

جاء في دائرة المعارف للبستاني م٧ ص٩:

(آل حرفوش: عائلة أُمراء مِن الشيعة موطنهم بلاد بعلبك، كانوا مِن البأس والسطوة على جانب عظيم، وكانوا هُم السائدين في تلك البلاد، والمُتسلّطين على أهلها وأموالهم، ولمّا تكاثروا هُناك زادهم ذلك عُتوّاً وبغياً، فأكثروا مِن التعدي والسلب والنهب، وتمادوا في ذلك مع اجتهادات الحُكومة المركزيّة على ردعهم، فلم ينجع فيها ذلك، فأدّى الأمر إلى أن وقعوا تحت غضب الدولة، فأصدرت أوامرها بنفيهم مِن تلك البلاد، وخلعهم مِن كُلّ المناصب، ومنع استخدامهم، فانحطّوا كُلّ الانحطاط، وكادوا ينقرضون، واتّخذ بعضهم التسوّل مهنة؛ لتشريف أنفسهم عن الأشغال، وسهولة الكسب مِن الخارج.

ومن أشهر المتأخّرين مِن هذه العائلة: الأمير سلمان والأمير خنجر).

هذا ما عرّفت به الدائرة عن هذا القبيل، وكلّ ما نفحت به التاريخ مِن أخبارهم التي تكاد تشغل مجلّداً ضخماً، وأمّا ما أفاضت عليهم مِن النعوت والأوصاف حتّى كأنّهم مِن غير جِبلّة مجاوريهم، فإنّا نَكِل المطالع على ما كُتب مِن تاريخ تلك الأيّام، وما كانوا يزيدون على غيرهم مِن الحُكّام والأُمراء الإقطاعيّين مِن حيث ذلك الوصف، فكلهم في ذلك شرع، والعصر كان عصر تغلّب وتطاحن، ولرجال الدولة اليد الكُبرى في كُلّ ما كانوا يجنونه على أُمّتهم وبلادهم بما كانوا يخلقونه مِن وسائل المُنافسة: المضاربة والمزايدة على تحصل الوظائف، وهمُ الّذين مهّدوا لكلّ مَن تُحدّثه نفسه بالطموح إلى النزول في ميدان المُنافسة، والتغالي بدفع أثمان الحُكم المسلوب مِن الرعيّة، والدولة هي المُمهّدة لذلك كلّه، والمخدوعون في زخارف الحُكم كلّهم سواء.

٥

إنّنا نُدّون ما وقفنا عليه مِن الكُتب التاريخيّة الّتي هي تحت متناولنا مِن تاريخ الأُمراء الحرافشة:

الحرافشة مِن أُمراء الشيعة الّذين تولّوا إمارة بعلبك وأعمالها، وساهموا مع أُمراء زمانهم في الحُكم الإقطاعي، وطووا حُقبة مِن الزمن في الإمرة الّتي لم تُخالف نوع الإمارات ذلك العهد، الّذي كان ميداناً واسعاً للتنافس عليها مِن كُلّ طامح إليها، طامع فيها، وكانت له عصبيّة تؤيّده، وقديم يعضده، وفطنة تُسدّده، وجرأة ترفده.

وكان الحرافشة وهُم يرجعون إلى قبيل ذي مجدٍ أثيل، وفخرٍ أصيل، وفروسيّة نادرة، ومكارم باهرة، فمَكّنت لهم هذه الخلال أن يُنشئوا إمارتهم بين إمارات محيطة بهم مِن هنا وهناك، وفي عهد دولة ودول لم تكن فيه الولايات والإيالات إلاّ سلعة مِن السلع، تُعرض في المزاد وتنتقل مِن يد إلى يد، ومن قبيل إلى قبيل، ومن فرد إلى فرد، وكان الولاة العثمانيّون، وقد انتقل حُكم البلاد الشاميّة إليهم مِن الأُمراء الجراكسة، وملوك المماليك حُكّام مصر، هُم الّذين يذكرون نار المُنافسة بين الطامحين إلى الحكم.

كان للأُمراء الحرافشة في مثل هذا الموقف المضطرب، والّذي لا يعرف الطمأنينة والاستقرار مثل ما كان لغيرهم مِن حُكم وصولة ودولة، وكلّها متشابهة متماثلة في مظاهرها.

رافقت إمارة الحرافشة إمارة المعنيّين والشهابيّين، وانتهت وإمارة الشهابيّين في عهد واحد تقريباً سَنة ١٨٦٦م.

بدء إمرة الحرافشة:

إن جَدَّ الحرافشة الأعلى الأمير حرفوش هو مَن عُقدت له راية بقيادة فرقة في حَملة أبي عبيدة بن الجرّاح على بعلبك، وإنّ الحرفوش هذا هو عمود النَسب لهذا الفرع مِن قبيلة خُزاعة العربيّة المعروفة القديمة، والّتي سبق لأوائلها أن ولوا حراسة مكّة.

أمّا الحرفوش، فلم نجد له ذِكراً في الفتوحات الشاميّة، ولا ذِكرُ تأميره على قيادة فرقة في حملة أبي عبيدة عند فتح بعلبك، ولكنّ ذلك لا ينفي صحّة هذا الخبر، فإن التاريخ - ومنه تاريخ تلك الفُتوحات - لم يُحط إلاّ بالمُهم بل الأهمّ مِن الأخبار، ولو عرض لكلّ شيء، ولمثل هذه الأُمور الّتي لا

٦

يبخس ترك ذكرها قيمة المُهمّة التاريخيّة؛ لَنَفد القرطاس، وضاقت الطوامير عن استيعاب الحوادث كُلّيها وجُزئيها.

وإذا عرفت عظيم عناية العَرب بأنسابهم، وحرصهم على ضبط أنسابهم، وربط سلسلة حديثها بقديمها، لم يكن مِن المُستبعد أن يحفظوا مِن أسماء رجالاتهم ما لم يحفظه التاريخ الّذي لم يعنِ إلاّ بالمُهم أو الأهم مِن تلك الحوادث، ولم يُدوّن ما دوّنه مِن ذكر أمساء رجال إلاّ لعظيم ما لهم مِن البلاء، وجليل ما أتوا به مِن الأعمال.

وهكذا تجد في تاريخ أكثر الأُسر العريقة أسماء رجال لم يُدوّنها التاريخ، على أنّنا لم نجد في الكُتب التاريخيّة، ولا في كُتب اللُغة ذِكراً لاسم حرفوش قبل العُصور الأخيرة الّتي عُرف فيها اسم قبيل آل الحرفوش، ونُرجّح أن هذا الاسم محروف عن حرنفش كغضنفر، وهو الجافي الغليظ أو العظيم كما جاء في القاموس.

وكيف كان، فإنّه لم يُعرف في عهد الفُتوحات الإسلاميّة في الديار الشاميّة مَن تسمّى بهذا الاسم.

وإذا أقررنا ما يذكره الحرافشة مِن انتسابهم إلى ذلك الجدّ الأعلى، الّذي عاصر الفتح الإسلامي الشامي، وهو ما لا يُنازَع فيه، فلم نجد ذِكراً لآل حرفوش، مِن عهد القَرن الأوّل الهجري، ولا مَن وُلّي منهم إمارة مِن الإمارات، إلاّ في أواخر القرن الثامن الهجري، وهو علاء الدين الّذي ولاّه السلطان برقوق مُقاتَلة كسروان، كما عرفت.

وسكت المُؤرّخون عن ذكرهم حُقبة مِن الزمن، فلم يعرضوا لهم في مدى القرن التاسع إلى أوائل العقد الثالث مِن القرن العاشر، فقد جاء في حوادث سَنة ٩٢٤ هـ / ١٥١٧م:

(لمّا مهَّد السلطان سليم العثماني فاتح مصر وسورية الأقطار الشاميّة والمصريّة، ورجع إلى الشام، عصى عليه الأمير ناصر الدين محمّد بن الحنش صاحب صيدا والقاعين وشيخ الأعراب، ثُمّ هرب واتّهم الأمير زين الدين والأمير قرقماز والأمير عَلم الدين سليمان أنّهم مِن حزبه، فقبض عليهم الغزالي، وبعث برأس ابن الحنش ورأس ابن الحرفوش إلى السلطان سليم في حلب، وأطلق سراح هؤلاء المُعتقلين.

وفي حوادث سَنة ٩٤٠ هـ ١٥٣٣م في هذه السَنة وقعت فتنة أهليّة في جهات العاقورة وجبّة المنيطرة في لبنان، نشأت مِن خِصام بين مالك اليمني وهاشم العجمي مِن مشايخ العاقورة، وكثُرت الدسائس بين بني الحرفوش أُمراء بعلبك وآل سيفا حُكّام طرابلس.

٧

ولمّا وقعت المُخاصمة بين مالك اليمني وهاشم العجمي العاقوري، وباغت مالك جبة المنيطرة وأحرقها، واتّفق أهل الجبّة وقيسية العاقورة على قتل مالك، وتمّ لهم قتله، شكا أخواه الأمر لنائب الشام، وكَتب هذا للأمير منصور بن سيفا طالباً منه تسليم قَتلة مالك؛ فبعث مَن يَقتل هاشماً، فانهزم هاشم إلى كرك نوح مُحتمياً ببيت حرفوش.

ثُمّ إن الأمير منصوراً وأتباعه نهبوا لاسا وأحرقوها؛ فخافت قيسية العاقورة، وهربوا إلى طرابلس، فنَهب الأمير منصور دورهم وأحرقها.

ثُمّ إنّ عبد المُنعم كاتبَ الأُمراء الحرافشة على قتل ابن عمّه، وتعهّد لهُم بقتل الأمير منصور، وأن يُسلّمهم تلك المُقاطعات الّتي بيده، فقبل الحرافشة ذلك، وغدروا بهاشم وقتلوه فوق الكرك، ورموه في بئر كنيت بئر هاشم إلى الآن.

وفي خطط الشام: (وقد بقي أرباب المُقاطعات في الدولة العثمانيّة - كما كانوا في عهد دولة المماليك - يضمنون الخراج مُقابل أموال يَتعهّدون بها، مثل: أمير عرب الشام مدلج بن ظاهر مِن آل جبّار، والأمير فخر الدين المعني، والأمير جمال الدين الإرسلاني، وبني شهاب في وادي التيم، وبَني الحرفوش في بعلبك(١) .

فترى مِن ذلك أن الحرافشة كانوا مِن أرباب المُقاطعات الّذين أقرّهم السُلطان سليم على حُكم إقطاعاتهم، وهو ما نستظهره ونُرّجحه، وإن لم يَذكر المُؤرّخون أشخاص مَن كان يلي منهم هذا الحُكم الإقطاعي، إلاّ في زمن متأخّر عن زمن الفتح العُثماني للبلاد الشاميّة والمصريّة، حتى أوائل العقد الأخير مِن القرن العاشر الهجري، وما يليه مِن القرون.

إنّ حُكّام تلك المُقاطعات لم يكن ليصفو لهم الحُكم، وكانوا أبداً عُرضة للقَلب والإبدال ما دام الحُكم في تلك العُصور سلعة مِن السِلع، تُعرض في أسواق المُساومات والمُنافسات، والظافر فيه مَن يتفوّق على مُنافسه بالمُغالاة في دفع المال، وإرضاء الولاة العثمانيّين الّذين كانوا يلون البلاد بمثل ذلك، فكان مَن يلي الحُكم اليوم يُعزل منه غداً دواليك، فكان الأُمراء الحرافشة كغيرهم في هذا المُعترك السياسي الّذي لا يعرف الاستقرار).

____________________

(١) ج٢ ص ٢٣٤.

٨

وبعد، فإنّا نرى مِن المُفيد في تاريخ الحرافشة، الّذين لم نقف لهم على تاريخ مُستقل، بل جال ما دُوّن مِن أخبارهم نتف مُبدّدة هُنا وهناك، أن نُنظّمها في عَقد واحد مؤلّف مِن ذر رجالاتهم الّذين عُرض لهم تاريخ تلك الأزمنة، ممّن وُلّي منهم الحُكم، أو نازع فيه القريب والبعيد، ليكون أقرب إلى التناول، وأعلق بضبط تاريخ هذا القبيل الّذي استطاع أن يُكوّن أمره مِن نوع تلك الإمارات، وحُكماً إقطاعيّاً مِن سِنخ ذلك الحُكم الإقطاعي الّذي كانت تضطرب به الديار الشاميّة، وهو ميدان واسع للتنافس بين الطامحين في الحُكم، وبين الطامعين في التوسُّع، وتكاد الإقطاعات لا تنضبط في عدد، ولا تنحصر في قبيل، فأوّل مَن ذُكر مِن الحرافشة باسمه:

١- الأمير علاء الدين: مرّ ذكره.

٢- الأمير علي:

جاء في حوادث سَنة ٩٩٤ هـ ١٥٨٦م:

في هذه السَنة، أراد جماعة مِن أقارب الأمير علي الحرفوش صاحب بعلبك أن ينزعوا حكومتها مِن يد أبي علي، الشهير بالأقرع بن قنبر؛ لأنّه ليس مِن أولاد الأُمراء، وحكومة بعلبك موروثة لبني الحرفوش، فعرف ابن الأقرع ما دُبّر له، فجاءه ألف رجل جمعهم بنو الحرفوش مِن كسروان، والشوف، وعين دارة، وأرادوه على أن يخرج بعياله وبمَن يلوذ به حيث شاء، فأبى إلاّ قتالهم، واستنجد بالأمير قرقماز بن الفريخ أمير بلاد البقاع، وبغيره مِن التُركمان والعرب، فأجابه مَن طلبه؛ فخرج إليهم، فلمّا التقى بهم انتصر عليهم، وولّى الدروز هاربين، فتبعهم أهل بعلبك يقتلونهم، وقتلوا منهم ألفاً وثمانين قتيلاً في لحظة واحدة، ولم يُقتل مِن جماعته سوى شخص واحد.

البوريني قال: وكان أصلح له ولجماعته طعاماً قبل المعركة، فقاتل أعداءه ورجع والطعام لم يبرُد، وأُرسلت الرؤوس لدمشق لتُعرض فيها، ثُمّ قَتل الأمير علي بن الحرفوش ابن الأقرع، وندم على قتله، وأخذت الدولة بعد ذلك عليّاً إلى دمشق بالأمان، وغدرت به وقتلته، وقتلت معه عسّافاً الكذّاب الّذي ادّعى أنّه ابن الأمير طرباي، أمير بلاد اللجون (الخطط ج٢ ص٢٤٠)(١) .

____________________

(١) الأمير علي هذا، هو أبو الأمير موسى، وقد جاء في خلاصة الأثر م٤ ص٤٣٢ أنّ مُراد باشا قبض عليه، كما قبض على ابن الفريخ، وخنقه في قلعة دمشق في سَنة إحدى أواثنتين بعد الألف.

٩

وفي سَنة ١٠٠٠ هـ - ١٥٩١م أمر قاضي الشام مصطفى بن سنان بقيام النوّاب كُلّهم مِن المحاكم، وإغلاق أبوابها كلّها، فأُغلقت، ثُمّ أُغلقت أسواق البلد كلّها؛ وسبب ذلك أنّ الدفتردار محموداً ارتشى مِن ابن الأقرع بخمسة عشر ألف ديناراً، وولاّه على بعلبك بدل ابن الحرفش؛ فأدّى ذلك إلى خراب بعلبك ظاهرها وباطنها، ورحل أكثر أهلها حتّى تعطّلت الأحكام الشرعيّة بها، وعتا بها ابن الأقرع وأتباعه، وصادر الناس مُصادرة عظيمة؛ ليوفي بها المال الّذي التزم به لجهة السلطنة.

٣- الأمير يونس الحرفوش:

هو على ما يظهر غير الأمير يونس الآتية ترجمته، والّذي له صفحة كبيرة في تاريخ الأُمراء الحرافشة، وورد ذكره في تاريخ بعلبك لميخائيل موسى الوف البعلبكي، حيث قال:

(وللشيعة جامع رثّ البناء، عمَّره الأمير يونس الحرفوش سَنة ٩٦٢)، ولم يَرد له ذِكر بغير هذا الموضع.

٤- الأمير موسى بن عليّ بن موسى الحرفوش:

قال المحبي في كتابه خلاصة الأثر:

(الأمير ابن الأمير، أمير بعلبك، وَلي إمارتها بعد قتل أبيه، وذلك بعد أن قُبض على أبيه، وأُرسل هو والأمير منصور بن الفريخ والأمير قانصوه إلى الروم، ثُمّ خلص هو وابن الفريخ، ثُمّ قَبض عليه مُراد باشا كما قبض على ابن الفريخ، وخنقه في قلعة دمشق سَنة إحدى أو اثنتين بعد الألف، وهؤلاء القوم مِن الغُلاة في الرفض، إلاّ أنّ صاحب الترجمة كان أقرب أهله إلى التَسنُّن، كما قال النجم في ترجمته).

وكان بطلاً شُجاعاً جواداً، وكان زحف إلى الأمير علي بن سيفا صاحب طرابلس بأمر مِن الوزير محمّد باشا، السيّد الشريف المُنفصل عن نيابة مصر، حين كان نائباً بالشام في سَنة سبع أو ثمان بعد الألف، وقَتل ابن سيفا في ناحية غزير. وقد ذكرنا عن (المحبي) خبر هذه الوقعة في ترجمة الأمير حسن بن الأعوج(١) ، وذكرنا بيتين تَمثّل بهما في صدر رسالة إلى الأمير موسى صاحب الترجمة، يحثّه فيهما على قتال ابن سيفا.

والبيتان هُما:

____________________

(١) ج٢ ص٤٥.

١٠

غزيرُ طورٌ ونار الحرب موقدة وأنت موسى وهذا اليوم ميقات

إلى آخرهما(١) فارجع إليهما ثَمّة.

وبقي الأمير موسى في إمارة بعلبك حتّى دخل الأمير عليّ بن جانبولاذ بعلبك، قاصداً دمشق، فنهض الأمير موسى إلى نواحي حمص لاستقباله، مُداراة ومُحاماة عن أرضه، فتحادثا، وتقاولا، وتشاورا فيما صدر، وتجاولا، فقال الأمير موسى:

هل تُعطيَني عهداً على الصلح وأنا أذهب إلى الشام، وآخذ لك العهد الوثيق مِن الأنام.

فقال: اذهب سليماً، وكُن يا موسى كليماً.

فحضر إلى الشام، ورُمي مِن عسكرها بغاية الملام، وأوجعوه بغليظ الكلام، ظنّاً مِن جُهلائهم أنّه عليهم، وما كان ناوياً إلاّ سَوق الخير إليهم، فلمّا حضر إلى أمير الأُمراء بدمشق، قال له: قد جئت على قدر يا موسى، فجرّدْ سيف عزمك لعلّه يذهب البوسى، فقال له:

إنّ ابن جانبولاذ يطلب أن تُعطى حوران لعمرو البدوي مِن عرب المفارجة، والشام والبقاع العزيزي لمنصور بن الفريخ، وأن يُؤذَن لكيوان بالدُخول إلى الشام والعود كما كان، ويُكتَب عرض بأنّ ابن جانبولاذ لم يدخل إلى أرض الشام، وأنّ فخر الدين بن معن يُؤدّي ما عليه مِن مال السلطان، وبلاده موصوفة بالأمان.

فعقد أمير الأُمراء ديواناً لهذه المطالب، فاتّفقوا على أنّ حوران لعمرو، ولكن في السَنة القابلة، وأمّا كيوان، فإنّ إعطاءه لمنصور غير معقول؛ لكونه عند الرعايا غير مقبول، وأمّا كيوان، فإنّه يرجع وعليه الأمان، وأنّه يُكتب عرض بما أراد مِن عدم دخوله، وبتعديل ابن معن.

ثُمّ وقع في ثاني يوم إباء مِن الشيخ محمّد بن سعد الدين لِما صمّم عليه أوّلاً، فرجع الأمير موسى إلى ابن جانبولاذ بغير المرام، فعزم ابن جانبولاذ على قصد دمشق، وهرب الأمير موسى إليها، وأخبر أنّه ترك ابن جانبولاذ على قصد دمشق، ثُمّ إنّ ابن جانبولاذ جاء إلى البقاع وخيّم بها، وانحاز إليه الأمير يونس بن حسين بن الحرفوش - ابن عم الأمير موسى - ومَن معه مِن أولاد عمّه، وقصدوا بعلبك فنهبوها، وفرّقوا أهلها، ووقع مِن ابن جانبولاذ بعد ذلك ما وقع مِن قصّته، وحوصرت الشام، وصولح ابن جانبولاذ على المال، وصولح ابن معن على أن تكون بعلبك

____________________

(١) أمّا البيت الثاني مِن البيتين فهو:

ألقِ العصا تتلقّف كُلّ ما صنعوا = ولا تَخفْ ما حبال القومِ حيّات

١١

والبقاع للأمير يونس.

فلمّا رجع ابن جانبولاذ وعشيره، خرج الأمير موسى إلى القيروانيّة(١) ، وجمع عشيراً كبيراً لقتال ابن عمّه، وإخراجه مِن بعلبك.

ثُمّ صرف العشير، ورجع إلى دمشق مريضاً، فمات يوم الجمعة سابع وعشرين صَفر سَنة ست عشرة بعد الألف، ودُفن في مقبرة الفراديس بالقبّة المعروفة ببني الحرفوش.

وقال صاحب أمل الآمل في ترجمته:

(كان فاضلاً شاعراً أدبياً جليلاً، ومِن شعره:

كأنّ رأس جيوش الضدّ ليس له عِلم بأنّ بلادي موطن الأُسدِ

ومِن مهابة سيفي في القلوب غدت أُمّ العدو لغير الموت لم تلدِ

فليرقبوا صدمة منّي معوّدة أن لا تقرّ لها الأعداء في البلدِ

ألستُ نجلَ عليّ وهو مَن عرفوا منه المخافة في الأحشاء والكَبدِ

وإنّني أنا موسى منه قد ورثتْ كفّي سيوفاً تُذيب الأرض في الجَلدِ).

بعض وقائعه:

جاء في تاريخ الأمير حيدر الشهابي في حوادث سَنة ١٠١١ هـ - ١٦٠٢م:

(في هذه السَنة باغتَ الأمير يونس بن الحرفوش جبة بشرى، فلمّا بلغَ ذلك يوسف باشا ابن سيفا، جمع سكماته وأهل البلاد، وهاجم بعلبك، فاجتمع ببيت الحروفش في القلعة، ونَهبت بنو سيفا بلاد بعلبك، وحاصروا قلعة الحدث خمسين يوماً، وملكوها، وقُتل ابن فاطمة وابن رعد الّذي كان مع الأمير فخر الدين المعني في وقعة نهر الكلب، ثُمّ نادوا بالأمان، وقد ذَكر هذه الموقعة كُلٌّ مِن: صاحب تاريخ بعلبك ودواني القطوف، مُتردّدين بعزوها إلى الأمير يونس أو الأمير موسى، ونُرجّح أنّها كانت مع الأمير موسى؛ لأنّ إمارة بعلبك كانت له في هذا التاريخ).

وفي تاريخ بعلبك لميخائيل الوف ما يلي:

(وفي سَنة ١٦٠٢م، دهم الأمير موسى الحرفوش - وقيل الأمير يونس - جبة بشرة، ونهب بيوتها

____________________

(١) موقع القيروانيّة فوق الهضبة الجنوبيّة مِن الهرمل، يفصل بينهما وادٍ عميق، وليس فيها اليوم بيت عامر، وهي في سهل منبسط، وأمامه سهل واسع.

١٢

ومواشيها، فجمع يوسف باشا سيفا خمسة آلاف مقاتل، وزحف بهم على بلاد بعلبك، فأحرق قرية الحدث، ثُمّ نزل على بعلبك فنهبها، وقتل وشتّت أهلها، فتحصّن الحرافشة مع جماعة مِن أهل البلد في القلعة، وكانوا نحو ألف رَجل ما عدا النساء والأولاد، فشدّد يوسف باشا الحصار على القلعة مُدّة خمسين يوماً، ثُمّ ملكها وقتل جماعة مِن أعدائه، وأطلق الأمان للباقين وعاد ظافراً(١) .

ويروي عن الأمير موسى المذكور - وليس للرواية مِن سَند تاريخي -: أنّه نبذ طاعة الدولة العليّة، فأرسلت عليه الجيوش، ووقفت له بالمرصاد، ولمّا رأى أنْ لا مناص مِن التسليم، توجّه خُفية إلى الآستانة العليّة، وكانت بلدة غزير قصبة كسروان عاصية، وقد استفحل أمرها، فاستأمن الأمير موسى للدولة، وتعهّد لها بفتح غزير والتنكيل بأهلها، على أن ينال عفو الدولة، ويتولّى أحكام بعلبك فأُجيب طلبه، وعاد إلى بعلبك، وجمع نحو خمسة عشر ألف مُقاتل، وزحف بهم على غزير، وقد أنشده أحد الشُعراء قبل ذهابه هذين البيتين:

غزيرُ طورٌ ونار الحرب موقدةٌ وأنت موسى وهذا اليوم ميقات

ألقِ عصاك ولا تخشَ لما أفكوا بأمرها وحبال اليوم حيّات)(٢)

مُنازعة ابن عمّه الأمير يونس له على الإمارة:

إن مِن أعظم الأسباب الّتي أدخلت الوهن على أُمراء بني الحرفوش، ونحتت مِن أثلة قوّتهم، وأظفرت أعداءهم الكثيرين بهم في كثير مِن الوقائع،

____________________

(١) وجاء في تاريخ المطران الدبس ما يؤيّد رأينا، فقد ورد فيه ج٧ ص٣٧:

في هذه السَنة (١٦٠٢) كبس الأمير موسى بن الحرفوش مع جماعته جبة بشري، فنهبوا البيوت واستاقوا الماشية، ولمّا بلغ ذلك يوسف باشا، جمع جنوده وأهل الناحية نحو خمسة آلاف رجل، وسار فيهم، فكبس مدينة بعلبك، فهرب أهل المدينة، فنهبوا وقتلوا مَن أدركوا، واحتمى شهلوب بن سيفا مع بعض الحرافشة، وكثير مِن أهل المدينة في قلعة بعلبك فحَرق يوسف باشا قلعة الحدث في بلاد بعلبك، وحاصر القلعة خمسين يوماً، ثُمّ ملكها وقتل ابن فاطمة ورعد بن نبعا؛ لأنّه كان مع الأمير فخر الدين في وقعة نهر الكلب، وقتل ابن أخيه الأمير عليّاً، ثُمّ نادى بالأمان.

(٢) مرّت سابقاً رواية المحبّي للبيت الثاني على غير هذه الصورة، ورواية المحبّي أرجح كما هو مبيّن.

١٣

تنازعهم الذميم على الإمارة، كما كان ذلك شأن سواهم مِن الأُمراء المُجاورين، وحُكّام الإقطاعات المتاخمة لهم، وهو السلاح ذو الحدّين، المطبوع بيد الولاة العثمانيّين وغيرهم، الّذين كانوا يشهرونه عليهم بأيديهم، يحلّون به عُقد عصبيّتهم، ويُفرّقون به وحدة جماعتهم، وكان ذلك على أشدّه في هؤلاء الأُمراء كما ستراه مبسوطاً في أخبارهم، وقد مُنّيَ صاحب الترجمة بمُنازعة ابن عمّه الأمير يونس له على الإمارة.

ففي سَنة ١٠١٤هـ - ١٦٠٥م:

التجأ الأمير يونس إلى الأمير فخر الدين المعني والي جبل لبنان، خوفاً مِن ابن عمّه الأمير موسى فأجاره، وتولّى بلاد بعلبك بمدده، وعقد للأمير ابن الأمير يونس على ابنته، ومِن هذا الحين استأثر يونس بإمارة بعلبك دونه إلى أن لحق بربّه.

عطف الأمير موسى على أهل العلم:

إنّ الأمير موسى - كما عرفت أنّه كان مِن رجال العِلم والفضل - كان يعطف على رجالها، فقد جاء في خُلاصة الأثر للمحبي في ترجمة شمس الدين محمّد بن علاء الدين بن بهاء الدين البعلي، الشهير بابن الفصّي الفقيه الشافعي، مُفتي ديار بعلبك، وآباؤه كلّهم رؤساء العِلم بتلك الناحية، ودرس بالمدرسة النوريّة في بعلبك - إلى أن قال - ثُمّ لمّا مات الأمير موسى بن عليّ بن الحرفوش أمير بعلبك، واستولى عليها الأمير يونس ابن عمّه بعد فِتنة ابن جانبولاذ، رحل إلى دمشق مع مَن رحل مِن بعلبك، وسكن دمشق مدّة، ثُمّ ألجأته الضرورة إلى الرُجوع إليها، فلم يرَ مِن الأمير يونس ما كان يعهده مِن الإقبال، فصار كاتباً بمحكمة بعلبك، وأقام بها.

تُوفّي فيها سَنة ١٠٢٤ هـ - ١٦١٥م).

٥- الأمير يونس ابن الأمير حسين:

لم يُقم في الأُمراء الحرافشة مَن ولي الإمارة البعلبكيّة المدّة الطويلة الّتي قطعها هذا الأمير، ولا انبسطت يدُ أمير فيهم انبساط يده، حتّى استتبّ له أن يليَ مع إمارة بعلبك: إمارة البقاء، وسنجقية حمص، وحكم صفد، ولا مَن ساور منهم ما ساور مِن الحوادث مُدّة إمارته المُستطيلة، ولئن كانت ترتفع يده في فترات مِن الزمان عن الإمارة، فسُرعان ما كان يعود إليها.

١٤

وأوّل عهده بالإمارة كان نهاية إمارة ابن عمّه الأمير موسى، وكان ذلك في سَنة ١٠١٤ هـ كان مرَّ آنفاً، وهذه السَنة هي مبدأ حياته السياسية، ومبدأ ذكره، ولم يرد له ذِكر قبلها، وهي السَنة الّتي استعان فيها بالأمير فَخر الدين المعني على ابن عمّه الأمير موسى.

وأمّا ما ورد مِن مُباغتة الأمير المُترجَم له لجبة بشرة في تاريخ الأمير حيدر الشهابي، وتردُّد صاحب الدواني في الخبر بين المُترجَم له والأمير موسى، ونسبة الحادثة إليه إلى القيل في تاريخ بعلبك، فقد سبق ترجيحنا نسبتها للأمير موسى، وهو ما رجّحه المطران الدبس.

وجاء في تاريخ بعلبك:

(وفي سنة ١٦٠٦م - ١٠١٥ هـ جمع أحمد باشا الحافظ والي دمشق الجنود، وحمل على الأمير يونس لضغينة بينهما، فاستنجد يونس بالأمير فَخر الدين؛ فأنجده برجاله، فكفّ حينئذ أحمد باشا عنه، وكان ذلك سبب نفوره مِن فَخر الدين).

وأمّا المطران الدبس، فقد ذَكر هذه الحادثة في سَنة ١٦١١م (١٠٢٠هـ)، فقال:

(وفي هذه السَنة قَدِم نصوح باشا إلى حلب، وأرسل يطلب مِن الأمير فَخر الدين خدمة للسلطان، فأرسل له خمسة وعشرين ألف قرش أُخرى، بعد أن كان أرسل له مع كتخداه قبلها خمسة وعشرين ألفاً وخيلاً وأنسجة، مع ذلك لم يصفُ خاطره عليه، وكان مؤاخذاً له؛ لأنّه أنجد الأمير يونس الحرفوش والأمير أحمد شهاب ضدّ أحمد باشا حافظ دمشق، ولأن ما قدّمه كان أقلّ ممّا أرسله إلى مُراد باشا سلفه مع ابنه الأمير علي).

وإليك رواية الأمير حيدر:

فقد ذَكر في حوادث سَنة ٢٠٢١ هـ - ١٦١٢م لمّا كان الحافظ أحمد باشا بالشام، وأراد الزحف إلى ابن الحرفوش، أعان الأمير فَخر الدين بن الحرفوش، وكذلك أعان الأمير أحمد بن شهاب، لمّا أراد الحافظ توجيه عسكر ضدّه، ومنع الأمير فَخر الدين الحافظ عن أذيّتهما.

ورواية الأمير حيدر والمطران الدبس هي الأقرب للواقع، فإنّ أحمد باشا الحافظ لم يكن والياً على الشام في سَنة ١٦٠٦م - ١٠١٥هـ، وهي السَنة التي أرّخ فيها الحادث صاحب تاريخ بعلبك، وإنّما وُلّي كفالة دمشق، ودخلها يوم الاثنين حادي عشر شهر ربيع الثاني سَنة ١٠١٨هـ، الموافق سَنة ١٦٠٩م، كما جاء بترجمة الحافظ في خلاصة الأثر للمحبي، وإن كان في

١٥

كلام المؤرّخين اختلاف في تحديد السَنة، والأمر في ذلك سهل.

وفي سَنة ١٠٢١ هـ - ١٦١٢م لمّا كان الحافظ أحمد باشا بالشام، وأراد الزحف إلى ابن الحرفوش، أعان الأمير فَخر الدين بن الحرفوش، وأيضاً لمّا أراد الحافظ توجيه عسكر ضدّ أحمد بن شهاب إلى وادي التيم، أرسل الأمير فَخر الدين عسكراً لإعانة الأمير أحمد، ومنع الحافظ أحمد باشا مِن أذيّتهما؛ فكان ذلك سبباً لحَنَق الحافظ على الأمير، وأضمر له السوء، فتوجّه إلى حلب لمُقابلة الوزير نصوح باشا، وبصحبته كنعان بكباشى - مِن أعيان انكشاريّة الشام، وكان للأمير مُبغضاً - وفخر بِك، فأعطاهُما سنجقية عجلون ونابلس والكرك، وعزل ابن قانصوره، وزّين الحافظ للوزير بشتّى الأساليب مُقاومة الأمير ومُحاربته، فعزم على تجريد العساكر إنفاذاً لغرض الحافظ، ورجع هذا إلى الشام والحافظ إلى الباب العالي، ثُمّ خرج أحمد باشا ابن الوزير بالعساكر مِن الشام إلى وادي التيم، ونزل في خان حاصبيا، فهرب بنو شهاب منها، فهدم دورهم، وأتلف أملاكهم، ونهب حاصبيا، وبعد خمسة أيّام عزم على المسير إلى الشوف، فخاف منه بنو مَعن، وتعهّدوا له بدفع مئة ألف قرش، وسلّموه رهناً على ذلك المُقدّم شرف الدين بن مِزهر والأمير عليّاً بن إرسلان مِن الشوفيات، ثُمّ رجع إلى الشام، فهرب الأمير خُفية، ثُمّ بعث له بنو معن ما تعهّدوا به مِن بعد هرب الأمير علي إرسلان، ثُمّ جرت أُمور.

وفي سنَة ١٠٢٢ هـ - ١٦١٣م اضطرّت الأمير فَخر الدين للركوب بمَن معه مِن الرجال إلى القنيطرة أُمورٌ لا مَحلّ لبسطها هُنا، ولمّا أخبره عسكره بخروج العسكر مِن الشام، أرسل لهم نجدة عسكراً نحو عشرة آلاف مِن السكمان، ورجال الأمير أحمد بن شهاب، ورجال الأمير يونس (في تاريخ الأمير يوسف)، ومِن رجال يوسف بن سيفا، ولمّا شكا الحافظ ذلك إلى الوزير، ألقى القبض على مصطفى كتخدا، الأمير الّذي كان أرسله إلى إسلامبول لإظهار إخلاص سيّده للدولة، وعيّن في الحال أربعة عشر بيكلربيكاً وخمسين سنجقاً، وجعل الحافظ أحمد باشا سرداراً عليهم.

ولمّا وصلت العساكر إلى الشام، وعزم الحافظ على الركوب لمُحاربة الأمير، توجّه الأمير يونس الحرفوشي والأمير أحمد الشهابي لمواجهة الحافظ، وأخذ الأمير بتحصين القلاع، وجعل في قلعة بانياس حسين اليازجي مع ألف

١٦

شخص مِن السكمان، وفي قلعة الشقيف حسين الطويل، ومعه أربعمئة شخص، ووضع حريمه في القلعتين، ولم يأخذ معه إلاّ واحدة، ثُمّ وجّه أُناساً إلى الحافظ في كُتب يسترضيه بها، ولمّا لم ينتهِ أمر بهذه الوساطة إلى ما يشتهي الأمير عزم على المُقاومة، وكان أشدّها في قلعة الشقيف، وقد زحف الحافظ للحرب بجيش كثيف، وقد أرسل مَن في القلعة رسولاً لاستنجاد الأمير يونس أخي الأمير فَخر الدين، وهو جلب حسين، فأبلغ بعض جواسيس الحافظ ذلك إليه، فأرسل الحافظ حسين باشا بن سيفا والأمير يونس بن الحرفوش، فترصّدا طريق جلب حسين، وجرى بينه وبين رجاله وبين ابن سيفا وابن الحرفوش تصادم في البقعة فوق جسر الخردلة ليلاً، فقبضا على رجلين مِن رجال جلب حسين، ونجا بالباقون.

ووقعت بينهم موقعة، وانتهى الأمر بارتحال الحافظ في العسكر عن قلعة، وأخذ معه السيدة الوالدة بكلّ إكرام.

وحين وصل الحافظ إلى نهر حاصبيا أمر خمسين مِن الانكشاريّة بالإقامة هُناك بالخان، وطلب مِن الأمير يونس الحرفوش أن يُسلّمه حِصنَي قب الياس واللبوة، وبعد دخول الحافظ إلى الشام بخمسة أيّام خرج في العسكر إلى بعلبك ليتسلّم القلعة وحصن اللبوة، فأرضاه ابن الحرفوش بخمسين ألف قرش.

وفي سَنة ١٠٢٣ هـ - ١٦١٤م خرج الحافظ مِن الشام إلى المزّة، ثُمّ انتقل إلى الديماس، ثُمّ إلى جسر ديرزنون، ومنها إلى قب الياس، وأقام بها نحو عشرين يوماً، فاجتمع إليه حُكّام صفد وصيدا وبيروت، ومحمّد باشا والي غزّة، وفروخ بك، والأمير أحمد بن طربيه، وحسين بك ابن الأعرج حاكم حماه وعشائرهم، وحضر أُمراء الغرب، وهم: الأمير يونس بن الحرفوش، وغيرهم.

ثُمّ إنّ الحافظ أرسل الشيخ مُظفّر بجمع رجال الجرد والغرب والمتن إلى الشوف، فالتقاه أهل الباروك وعين زحلتا وبعض قُرى أُخرى ممّا يُجاورها نحو ٤٠٠ شخص مِن رأس الشوف، ووقع بينهم القتال مِن أوّل النهار بقُرب الباروك، فلمّا وصل الخبر إلى الحافظ، عيّن ثلاثة باشاوات والأمير أحمد الشهابي وبيت الحرفوش، وأرسلهم مِن قب الياس بعسكر إلى معونة الشيخ مُظفّر، ووقعت وقائع انتصر بها الشيخ مظفّر أوّلاً، ثُمّ انكسر، ثُمّ جرت وقائع أُخرى لا يَتعلّق لنا بها غرض.

وفي سنة ١٠٢٤ هـ - ١٦١٥م عُزل الحافظ مِن الشام، وعُيّن مكانه

١٧

محمّد جركس باشا، الّذي بوصوله إلى الشام أطلق والدة الأمير فَخر الدين، وكَتب إلى الأمير فَخر الدين برجوعه إلى بلاده مِن توسكانا، وفيها أعطى محمّد جركس باشا مُقاطعة البقاع إلى الأمير شلهوم الحرفوش، وأخذ على ذلك اثني عشر ألف قرش خدمة له، ووجّه معه عسكراً نحو خمسمئة خيّال، وكان الأمير أحمد بن شهاب مِن حزب الأمير شلهوم، فحاصر الأمير حسين الأمير يونس في قب الياس، ولم يُسلّمها، وحضر إلى معونة الأمير شلهوم: الشيخ مُظفّر شيخ اليمنيّة، ومُقدّمي كفرسلوان، وحسن آغا مملوك حسين باشا ابن سيفا؛ لأنّ الأمير شلهوم له قرابة ببيت سيفا، واجتمع العسكر في قريبة مكسة، وحضر الأمير يونس الحرفوش إلى الكرك، وجرت مُكاتبات فيما بينهما، وطلع الأمير حسين مِن قب الياس وتوجّه إلى والده، وتسلّم الأمير شلهوم قلعة قب الياس.

ثُمّ إنّ جركس محمّد باشا أرسل صوباشي وكيلاً إلى مدينة بعلبك، فتوجّهَ الأمير يونس إلى حلب، وأصحب معه أربعين ألف ذهب خدمة للوزير وأرباب الدولة، فقرّر عليه البقاع وبلاد بعلبك ورجع، وصحبته الأوامر إلى جركس محمّد باشا برفع الأمير شلهوم مِن البقاع، فتوجّه الأمير شلهوم إلى الشام، ثُمّ إلى الهرمل - بلاد ابن سيفا - وتسلّم الأمير يونس البقاع، وأقام في قلعة قب الياس، وفي بعلبك ولده الأمير حسين.

ولمّا كان الأمير يونس في حلب تكلّم معه الوزير بخصوص تسليم قلاع ابن معن، وأنّه يتوسّط بذلك، وبعد رجوعه أرسل إلى حسين اليازجي مكاتيب يُفهمه عن ذلك، وأشار عليه أن يَعمل صالحه في زمن الوزير المومى إليه؛ لأنّه كان له ميل شديد إلى بيت معن.

وفي سَنة ١٠٢٥ هـ - ١٦١٦م في شهر المحرّم الحرام حضر عند الأمير فَخر الدين المعني الأمير يونس الحرفوش والأمير ابن الشهاب، وكان الأمير علي الشهابي مُؤمّلاً أن يخرج ولده الأمير محمّد مع الأمير علي مِن القلعة، وفي ذلك الوقت صار اتّفاق، وكتبوا كتاب الأمير عليّ بن معن على كريمة الأمير عليّ بن الشهاب، وأرسلوا يطلبون الأمير محمّداً مِن القلعة، فلم تُمكّنه طائفة السكمانيّة مِن ذلك، فامتنع الأمير علي الشهابي مِن تزويج ابنته ما لم يحضر ولده، فالتزم الأمير علي المعني بدفع خمسة آلاف قرش إلى السكمان ترضية، وأن يوفيه إيّاها الأمير علي الشهابي، وكفل ذلك الأمير يونس الحرفوش.

١٨

وفي هذه السَنة، لمّا توجّه حسين اليازجي ومصطفى كتخدا إلى حلب، مرّا على بعلبك، فصحبهما الأمير يونس الحرفوش، ولمّا دخلوا على الوزير خلع على حسين اليازجي ومصطفى كتخدا، واشترط عليهما أن يهدما القلعتين (بانياس والشقيف)، وأن يكون حُكم صيدا وصفد للأمير عليّ بن معن، ووعد ابن الحرفوش بسنجقية حمص.

ولمّا رجع حسين اليازجي والأمير يونس مِن حلب وجّه معهما وزيرها قبجي باشا - يُسمّى باكيراغا - فألبسوا الأمير يونس الخِلَع الّتي جاؤوا بها، إلاّ أنّه لم يُسر الأمير علي، ولا الأمير يونس بهدم القلاع، ولكن كان نُفذّ الأمر، وكان الأمير علي يعتمد كثيراً على رأي حسين اليازجي، ووالده الأمير فَخر الدين كان أوصاه فيه، ثم توجّه حسين اليازجي ومصطفى كتخدا وباكير بك والأمير يونس الحرفوش إلى القلاع، فأخرجوا جميع الحريم منها، ولم يتركوا في القلعة أحداً، وجيء بهم إلى صيدا، ثُمّ استحضروا بنّائين وهدموا القلاع، واستمرّوا في هذا العمل نحو ٤٠ يوماً، وبعد ذلك توجّهوا ليُعلموا الوزير بهدم القلاع، وكان مُتوجّهاً إلى بلاد العَجَم، فلحقوه في منزلة أزرنكان وأخبروه بذلك، فخلع عليهم، وأعطى الأمير يونس الحرفوش سنجقية حمص.

وفي سَنة ١٠٢٧ هـ - ١٦١٧م كفل الأمير يونس بن الحرفوش الأمير عليّ بن معن لمحمّد باشا - المُكنّى بالجوقدار - بمبلغ أربعين ألف قرش على إعادة سنجقة صفد إليه، وكانت بِيَد حسين اليازجي التزمها محمّد جركس باشا، وقد خرج على بني معن وانتهى الأمر بقتله، وعند استحقاق المال وجّه الأمير علي به إلى ابن الحرفوش، وأرسل إليه يشكره.

وفي هذه السَنة عقد الأمير علي المعني عقد ابنته (فاخرة) على الأمير أحمد بن الأمير يونس الحرفوش، فجاء وسكن في قرية مشغرة، وأسّس بها أساس بناء عظيم ليسكن هُناك، وابتدأ يُكاتب بني متوال، فحضر إليه أولاد أغر، وأولاد علي الصغير، وبيت شكر، فلمّا بلغ الأمير علي المعني ذلك أرسل إلى والده الأمير يونس أن يمنع ولده عن السُكنى في قرية مشغرة، فأرسل له جواباً:

إنّ ولدي مُراده القُرب مِنكم، وأن يكون هو وزوجته بقُربكم، وتحت أنظاركم. فلمْ يقبل الأمير علي بذلك، وألزمه بالرجوع إلى بعلبك.

وفي هذه السَنة الّتي عاد فيها الأمير فَخر الدين المعني إلى البلاد، واستقبله كلٌّ مَن هو مِن حزب بيت معن في عكّا، وقد بلغه مقابلة بني

١٩

متوال لابن الحرفوش، فلمّا حضر الحاج ناصر الدين بن منكر قَبض عليه، فأرسل الأمير يونس الحرفوش كتخدا حسين يَتشفّع به إليه في إطلاقه، فقَبِل شفاعته على أن يَدفع الحاج ناصر الدين اثني عشر ألف قرشاً كفّلها الأمير يونس.

وفي سَنة ١٠٢٨ هـ - ١٦١٨م ألحّ محمّد آغا قبجي باشى في الطلب على الأمير فَخر الدين بالأموال الأميريّة الباقية عن ثلاث سنوات، فتوجّه الأمير إلى عكّا لجمع أموال بلاد صفد وبلاد بشارة، فرحل المشايخ بيت منكر وبيت علي الصغير إلى الأمير يونس الحرفوش، كما رحل غيرهم مِن صفد، ولمّا بلغه ذلك أحرق بعضاً مِن أماكنهم وضبط أملاكهم.

وفي هذه السَنة لمّا نشبت الحرب بين الأمير فَخر الدين ويوسف باشا ابن سيفا، وكان النصر للأمير، ففي ذلك الحين توجّه الأمير يونس، وكان مِن أنصاره، وحاصر برج القيرانيّة - على هضبة الهرمل الجنوبية - الّذي كان فيه جماعة ابن سيفا مِن السكمانيّة، وتسلّمه في ثلاثة أيّام، وضبط ناحية القيرانيّة والهرمل مع كلّ غنائهما، وغنم أيضاً جميع المَعزى والمواشي الّتي انهزمت مِن بلاد عكار والحصن، ضبط ذلك كلّه واستصفاه لنفسه.

وفي زمن مُحاصرة الأمير فَخر الدين لحصن راويد في بلاد عكّا، أتى تقرير مِن محمّد باشا الوزير على يد باكير آغا لابن سيفا، فأرسل ابن الحرفوش أربعة بلوكباشية مِن سكمانيّته إلى الأمير فَخر الدين إلى الحصن لأجل المُحاصرة.

وفي سنة ١٠٢٩ هـ - ١٦١٩م بعد رجوع الأمير فَخر الدين مِن حرب ابن سيفا، وقد انتهى الأمر بفوزه عليه، ثُمّ إلى الصلح عن طريق الحدث إلى بلاد بعلبك، ونزل على المجر، فبلغ الأمير يونس الحرفوش ذلك وهو بحصن اللبوة؛ فداخله الخوف، فبلغ الأمير فَخر الدين ذلك فركب في عشرة فُرسان وتَوجّه إليه، وكان الأمير يونس في طريق اللبوة فتصادفا، ونزل الأمير يونس وسلّم على الأمير، وعاد إلى الخيام وبصحبته الأمير يونس، وثاني يوم دعا الأمير فَخر الدين إلى اللبوة، وبات تلك الليلة هُناك، وانتقل إلى الهرمل، ثُمّ إلى قرية صدارة قُرب بلاد عكار، وبعد هدمه الدُور الّتي جدّدها بيت سيفا في عكار عاد عن طريق بعلبك إلى بيروت.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والمستفاد من خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي ثابت بن دينار عند ما قصد زيارة الحسين (عليه السّلام) قادماً من الكوفة لأواخر عهد الدولة الاُمويّة ذكر باب الحائر وكرّر لفظه، بينما ابن اُخته الحسين اقتصر على ذكر القبر دون إيراد لفظ الباب(1) .

ومن الممكن إن لم يكن يقصد بالباب حدود حومة الحائر وجود بناء على سبيل الإجمال على التربة الطاهرة، وكلاهما يصرّخان إنّهما كانا على خوف ووجل من القتل، وصرح ابن الثمالي بوجود المسلحة المطوّقة للحفرة الطاهرة من الجند الاُموي للحيلولة دون مَنْ يؤم قصده.

كان لحركة الشيعة في استعراضهم لجند الشام بعين الوردة بزعامة سليمان بن صرد الخزاعي واستماتتهم بطلب ثأر الحسين (عليه السّلام)، وإعادتهم الكرّة تحت لواء إبراهيم الأشتر، واستقصائهم للجندي الاُموي مع زعيمهم ابن زياد، مستهونين غير محتفين بكلّ ما سامهم معاوية من خطوب وخسف، وما أذاقهم من مرّ العذاب وصنوف التنكيل بغارات بسر بن أرطأة، وصلب وقتل وسمل في ولاية زياد بن أبيه وسمرة بن جندب وابن زياد، ممّا خلف أثراً عميقاً سيئاً في نفوس آل مروان ودويّاً هائلاً.

فبعد أن تسنّى لعبد الملك بن مروان وصل حلقات فترة الحكم الذي دهم دور حكم آل أمية بموت يزيد بإقصائه آل الزبير عن منصّة الحكم والإمرة، أراد أن يستأصل الثورة من جذورها؛ لذلك اتّبع سياسة القسوة والشدّة تجاه أهل العراق، وضغط ما لا مزيد عليه لمستزيد، خصوصاً في ولاية الحجاج بن يوسف.

ونهج خلفاؤه عين خططه دون أيّ شذوذ مع تصلّب بالغ؛ كابن هبيرة،

____________________

(1) يقول في خبر طويل بعد أن نزل الغاضرية وقد أدركه الليل، وهدأت العيون ونامت، أقبل بعد أن اغتسل يريد القبر الشريف يقول: حتّى إذا كنت على باب الحير... وساق في خبره وقد كرّر لفظ الباب حيث يقول بعد ذلك: فلمّا انتهيت إلى باب الحائر... (إقبال الأعمال - لابن طاووس / 28)، ومجلد المزار من بحار الأنوار 22 / 120.

٦١

وخالد بن عبد الله القسري، ويوسف بن عمر.

فترى ممّا تقدّم أنّ من المستحيل إفساحهم المجال بأن يُشيّد بناء على قبر الحسين (عليه السّلام)، ويكون موضعاً للتعظيم والتقدير؛ ممّا يتنافى وسياستهم المبنية على الكراهية لآل البيت (عليهم السّلام) والتنكيل بشيعتهم.

وإن سلّمنا بتحقق خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي على سبيل استدراك الورود لفظ الباب، من الممكن أن نقول: أي وجود بناء في الفترة بين سنة أربع وستين لإحدى وسبعين، ونلتزم بتغاضي المروانيين من التعرّض لهم، وبقائه ليوم ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي لزيارة الضريح الأقدس.

وورد خبر لا يوثق به ولا يعوّل عليه من أنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي بنى على القبر الشريف وأقام حوله قرية(2) .

وقيل: إنّ سكينة بنت الحسين (عليه السّلام) أقامت بناء على الرمس الأقدس أمد اقترانها بمصعب في ولايته للكوفة، ففي أمد الفترة لسنة ست وستين عندما أمَّ التوّابون (عند مسيرهم للتلاقي مع جند عين الوردة) التربة الزاكية، وازدحموا على القبر

____________________

(1) جاء في مزار بحار الأنوار - للمولى محمّد باقر المجلسي / 120 ما نصه: (عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين (عليه السّلام) مستخفياً من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء، فاختفيت في ناحية القرية، حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر، فلمّا دنوت منه... حتّى كاد يطلع الفجر أقبلت... فقلت له عافاك الله، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني ها هنا... وصلّيت الصبح وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام.

(2) ذكر هذا القبر صاحب كنز المصائب دون إسناد، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذا الكتاب لا يُعتمد عليه كثيراً؛ لِما حُشي متنه من الأخبار الغير واردة.

وقد ذكر هذا الخبر عند سرده لما دار بين المختار ومصعب بن الزبير، وعدد المواقع التي دارت بينهم والتي انتصر في جميعها المختار، =

٦٢

كازدحام الناس على الحجر الأسود(1) .

لم يكن حينذاك ما يظلل قبره الشريف أيّ ساتر، واستقصوا أمد البقية من الفترة، المختار بن أبي عبيدة الثقفي، ومصعب، وابن أخيه حمزة؛ فالأخبار الواردة في زيارة الحسين (عليه السّلام) عن السجّاد علي، والباقر(2) محمّد بن علي (عليه السّلام) (لكونهما قضيا حياتهما في الدولة المروانية) يشفان عن خوف ووجل.

وممّا يؤيد وجود بناء بسيط (بل له بعض الشأن) على القبر الشريف في زمن ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة للزيارة، ما جاء من الألفاظ في الزيارات الواردة عن الصادق (سلام الله عليه) لجدّه الحسين (عليه السّلام)(3) ، حيث يقول في خبر: «... بعد الغسل بحيال قبره الشريف في الفرات، فتتوجه إلى القبر حتّى تدخل الحير من جانبه الشرقي، وتقول:...، ثمّ إذا استقبلت القبر...، ثمّ اجلس عند رأسه الشريف...، ثمّ تحوّل عند رجليه...، ثمّ تحوّل عند رأس علي بن الحسين...، ثمّ تأتي قبور الشهداء»(4) .

وفي خبر المفضل بن عمر عن الصادق (سلام الله عليه): «إذا أتيت باب الحير

____________________

= وهزيمة مصعب، إلى أن تمكّن مصعب من المختار آخر الأمر.

وإذ لم ترد مثل هذه الأخبار في الكتب التأريخية - والمعروف بل المحقّق أنّه لم يكن بين المختار ومصعب من مواقف سوى ما كان بالمذار، ثمّ تحصّن المختار بقصر إمارة الكوفة إلى أن قُتل -؛ لذا قلّ الاعتماد على ما ورد في هذا الكتاب من قيام المختار بتشييد قبر الحسين (عليه السّلام)، وإن كان المحلّ مناسب لإعطاء مثل هذه النسبة له.

كيف لا وقد قام المختار بأخذ ثأر الحسين (عليه السّلام)، وقتل قاتليه وصلبهم، وأحرق بعضهم بالنار؟ فلا يبعد من أن يقوم بتشييد قبره الشريف، إلاّ أنّنا نحكم بوقوع مثل هذا الأمر وجداناً لا استناداً على ما ورد في هذا الكتاب؛ للأسباب السالفة.

(1) تاريخ الطبري 7 / 70، وكان ذلك سنة 65 هـ.

(2) مجلد المزار 22 / 110.

(3) فقد توفي الصادق (عليه السّلام) سنة 148، والثمالي توفي في زمن المنصور.

(4) مجلد المزار / 145.

٦٣

فكبر الله أربعاً، وقل:...»(1) .

وفي خبر ابن مروان عن الثمالي عند آخر فصول الزيارة يقول: ثمّ تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومئ إليهم، وتقول:...(2) .

وفي خبر صفوان الجمّال عن الصادق (عليه السّلام) يقول: «فإذا أتيت باب الحائر فقف... وقل:... ثمّ تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس، وقل:...، ثمّ اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليه السّلام) وقل:...، ثمّ توجه إلى الشهداء وقل:...»(3) .

وفي خبر آخر عن صفوان يقول: «فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل:...، ثمّ ادخل رجلك اليمنى القبر وأخّر اليسرى، ثم ادخل الحائر وقم بحذائه وقل:...»(4) . وهذا ما يدلّك على أنّ له باباً شرقيّاً وغربيّاً.

فخلاصة القول: إنّ المستفاد من هذه الزيارات هو وجود بناء ذو شأن على قبره في عصر الصادق (سلام الله عليه).

ومع هذا فقد كان الاُمويّون يقيمون على قبره المسالح لمنع الوافدين إليه من زيارته، ولم يزل القبر بعد سقوط بني اُميّة وهو بعيد عن كلّ انتهاك؛ وذلك لانشغال الخلفاء العباسيِّين بإدارة شؤون الملك، ولظهورهم بادئ الأمر مظهر القائم بإرجاع سلطة الهاشميِّين، وهو غير خفي أنّ القائمين بالدعوة كانوا من أهل خراسان، وأكثر هؤلاء إن لم نقل كلّهم كانوا من أنصار آل البيت (عليهم السّلام).

ولمّا رسخت قدم العباسيِّين في البلاد، وقمعوا الثورات جاهروا بمعاداة شيعة علي (عليه السّلام)، ولكنّها كانت خفيفة الوطأة أيام السفّاح، فتوارد الزائرون

____________________

(1) المصدر نفسه / 148.

(2) المصدر نفسه / 105.

(3) المصدر نفسه / 159.

(4) المصدر نفسه / 179.

٦٤

لقبر الحسين (عليه السّلام) من شيعته عند سنوح هذه الفرصة جهاراً، واشتدّت الوطأة أيام المنصور بوقيعته بوجوه آل الحسن(1) ، وخفّت ثانية في أيام المهدي والهادي.

فلمّا كانت أيام الرشيد(2) ، وكانت قد استقرّت الأوضاع، وثبتت دعائم الحكم، وقضت على ثورات العلويِّين بما دبّرته من طرق الغدر والخيانة، فأرغمت أنوفهم الحمية، وأخمدت نفوسهم الطاهرة، فأرادت القضاء عليهم في محو قبور أسلافهم، فسلكوا سلوك بني اُميّة؛ إذ أمر الرشيد بهدم قبره الشريف ومحو أثره، فأخذت الشيعة الوسائط بالاهتداء إلى تعيين موضع القبر، وتعيين محلّ الحفرة منها السدرة، فبلغ الرشيد ذلك فأمر بقطعها(3) ، ثمّ وضع المسالح على حدوده إلى أن انتقل إلى طوس ومات فيها.

فلم يتتبع الأمين ذلك لِما كان منشغلاً باللهو والطرب وصنوف المجون والبذل، فاغتنموا الحال وبادروا إلى تشييد قبره الشريف، وقد اتخذوا عليه بناءً عالياً.

ولمّا جاء دور المأمون وتمكّن من سرير الخلافة تنفس الشيعة الصعداء، واستنشقوا ريح الحرية، ولم يتعرّض لذلك، وكان المأمون يتظاهر بحبّه لآل البيت (عليهم السّلام) حبّاً جمّاً حتّى إنّه استعاض بلبس السواد - وهو شعار العباسيِّين - بلبس الخضرة - وهو شعار العلويِّين -، وأوصى بالخلافة من بعده لعلي الرضا

____________________

(1) مروج الذهب - للمسعودي 2 / 171.

(2) الظاهر إنّ الرشيد لم يتعرّض لقبر الحسين (عليه السّلام) إلاّ في اُخريات أيامه، ولعل سبب ذلك غضبه ممّا كان يشاهد من إقبال الناس لزيارة الحسين (عليه السّلام) وتعظيمه والسكنى بجواره، وكان قبل ذلك يجري ما أجرته أمّ موسى من الأموال على الذين يخدمون قبر الحسين في الحير. انظر الطبري 10 / 118. (عادل)

(3) روى ذلك محمّد بن الحسن الطوسي في أماليه / 206 طبع إيران، بسنده إلى جرير بن عبد الحميد، وذكر أنّه عندما سمع جرير بالخبر رفع يديه قائلاً: الله أكبر! جاءنا فيه حديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «لعن الله قاطع السدرة» ثلاثاً. فلم نقف على معناه حتّى الآن.

٦٥

ابن موسى الكاظم (عليه السّلام)، ولعل ذلك كيد منه، وكان هذا الوقوع بعد قتل أخيه الأمين، واسترضاء لمناصريه الخراسانيين.

وقد زعم البعض أنّه هو الذي شيّد قبره الشريف، وبنى عليه لهذه الفترة(1) ، وفي ورود أبي السرايا بن السري بن المنصور إلى قبر الحسين (عليه السّلام) أيام المأمون عام تسعة وتسعين بعد المئة حين قام ببيعة محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط، دليل على تشييد قبر الحسين(2) بعد مضي الرشيد إلى طوس.

وبقي الحال على هذا المنوال والشيعة في حالة حسنة حتّى قام حول قبره الشريف سوقاً، واتخذت دوراً حوله، وأخذ الشيعة بالتوافد إلى قبره للسكنى بجواره، إلى أن كان من المغنّية الشهيرة التي قصدت من سامراء في شعبان زيارة قبره الشريف، وكانت تبعث بجواريها إلى المتوكّل قبل أن يلي الخلافة يغنين له إذا شرب، وقد بعث إليها بعد استخلافه فأخبر بغيبتها، فأسرعت بالرجوع عندما أبلغها الخبر بطلب المتوكّل لها، فبعثت إليه بجارية وكان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟

قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها.

فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟

قالت: إلى قبر الحسين (عليه السّلام).

فاستطير غضباً(3) ، وفيه من بغض آل أبي طالب ما هو غني عن البيان، فبعث بالديزج بعد أن استصفى أملاك المغنّية - وكان الديزج يهودياً قد أسلم - إلى قبر الحسين (عليه السّلام)، وأمره بحرث قبره الشريف ومحوه، وهدم كلّ ما حوله من الدور والأسواق، فمضى لذلك وعمل بما أمر به، وقد حرث نحو مئتي جريب من جهات القبر، فلمّا بلغ الحفرة لم يتقدّم

____________________

(1) نزهة الحرمين - للعلاّمة السيد حسن الصدر (مخطوط) نقلاً عن تسلية المجالس.

(2) انظر مقاتل الطالبيِّين - لأبي الفرج الإصبهاني / 341 ط النجف.

(3) المصدر نفسه / 386.

٦٦

إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء عليه(1) ، فحار الماء عند حدود قبره الشريف(2) ، ثمّ وكّل به المسالح بين كلّ مسلحتين ميل، ولا يزوره أحد إلاّ وأخذوه ووجهوا به إلى المتوكّل(3) ، فحصل للشيعة من ذلك كرب عظيم لِما طرأ على قبره من الجور، ولم يعهد مثله إلى هذا الحد.

فضاق بمحمد بن الحسين الأشناني بعد طول عهده بالزيارة، فوطّن نفسه على المخاطر، وساعده رجل من العطّارين، فخرجا يمكثان النهار ويسيران الليل حتّى بلغا الغاضرية، وخرجا منها نصف الليل، فسارا بين مسلحتين وقد ناموا حتّى دنا من القبر الشريف، فخفى عليهما موضعه، فجعلا يتحرّيان موضع القبر حتّى أتياه وقد قُلع الصندوق الذي كان عليه واُحرق، وفي الموضع اللبن قد خُسف وصار الخندق، فزاراه وانكبّا عليه، وقد شمّا من القبر رائحة ما شمّا مثلها قطّ من الطيب.

فقال الأشناني للعطّار: أي رائحة هذه؟

فقال: والله ما شممت مثلها بشيء من العطر.

فودّعاه وجعلا حوله علامات في عدّة مواضع، وبعد قتل المتوكّل حضر مع بعض الطالبيِّين والشيعة فأخرجوا العلامات وأعادوا القبر إلى ما كان عليه أوّلاً.

وقد نالت الشيعة شيء من الحرية على عهد المنتصر، وكان هذا محبّاً لآل البيت (عليهم السّلام)، مقرّباً لهم، رافعاً مكانتهم، معظّماً قدرهم، ومن حسناته إليهم أنّه شيّد قبر الحسين (عليه السّلام)، ووضع ميلاً عالياً يرشد الناس إليه(4) ، وذلك في عام السابع والأربعين بعد المئتين.

ولم يُهدم بناء المنتصر ظلماً؛ لعدم تعرّض أخلافه له؛ لِما ظهر من الوهن في دولتهم، وانحلال أمرهم، وتسلّط الأتراك عليهم، وانشغالهم بأنفسهم.

وفي خلافة المسترشد ضاقت الأرض على رحبها على الشيعة؛ وذلك عندما أمر بأخذ جميع ما اجتمع من هدايا

____________________

(1) المصدر نفسه / 386.

(2) المصدر نفسه / 386.

(3) المصدر نفسه / 387.

(4) فرحة الغري - لعبد الكريم بن طاووس.

٦٧

الملوك والأمراء والوزراء والأشراف من وجوه الشيعة من الأموال والمجوهرات في خزانة الروضة المطهّرة، وأنفقه على العسكر، واعتذر بأنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة(1) ، إلاّ أنّه لم يتعرّض للبناء ولم يمسّه؛ لقصور يده، وضعف شأنه لا لشيء آخر.

وكان البناء الذي شيّد في عهد المنتصر قد سقط في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومئتين(2) ، فقام إلى تجديده محمّد بن زيد القائم بطبرستان في خلافة المعتضد بالله العباسي(3) لسنة ثلاث وثمانين ومئتين(4) ، وقد أخذ حال القبر الشريف منذ تشييد المنتصر إيّاه بالعروج إلى مدارج العمران يوماً بعد يوم حيث أمن الناس من إتيانه واتخاذ الدور عند رمسه.

وقد زار القبر عضد الدولة بن بويه سنة (370 هـ) بعد أن بالغ في تشييد الأبنية حول الضريح وزخرفتها(5) ، وكان آل بويه يناصرون الشيعة.

وقد استحفل التشيّع على عهدهم حتّى إنّ معزّ الدولة أمر سنة 352 بإقامة المآتم في عاشوراء، وكان ذلك أوّل مأتم أُقيم في بغداد.

____________________

(1) المناقب - لابن شهر آشوب، وكان ذلك سنة 511 هـ.

(2) فرحة الغري / 61.

(3) جاء في بحر الأنساب (العائد لخزانة المرحوم الشيخ عبد الحسين شيخ العراقيين الطهراني) عند ذكره لنسب المعتضد بالله العباسي بقوله: وأمر بعمارة مشهد الغري بالكوفة ومشهد كربلاء، وافتقد الخزائن بدار الخلافة، فأخرج منها ما وجده من نهب الواثق من مال مشهد الحسين بن علي (عليه السّلام) وأعاده إليه.

(4) فرحة الغري، وكان محمّد بن زيد هذا دائم التصدّق على العلويِّين في المشاهد؛ فقد بعث في خلافة المعتضد بالله اثنين وثلاثين ألف دينار لمحمد بن ورد ليفرّقها على العلويِّين. (انظر الكامل 6 / 80، والطبري 12 / 346).

(5) تسلية المجالس - لمحمد المجدي (بالفارسية)، طبع حجر.

٦٨

(وعندما عفا عضد الدولة عن عمران بن شاهين البطائحي بنى الرواق المشهور برواق عمران بن شاهين في المشهدين الشريفين الغروي والحائري (على مشرفهما السّلام»(1) .

وفي سنة سبع وأربعمئة هجـ احترق الحرم الشريف إثر اندلاع حريق عظيم كان سببه إشعال شمعتين كبيرتين سقطتا في الليل على التأزير واحترق، وتعدّت النار بعد الحرق القبة إلى الأروقة(2) ، فكان البناء على القبر الشريف بعد وقوع هذا الحريق ما وصفه الطنجي في رحلته، إلاّ أنّي لم أقف على خبر مَنْ شيّد هذا البناء، وفي أيّ تاريخ كان ذلك(3) ، ولعله كان قد تبقى شيء من البناء الذي

____________________

(1) فرحة الغري / 67.

(2) الكامل - لابن الأثير 9 / 110 ط ليدن، و7 / 295 من ط القاهرة، والمنتظم - لابن الجوزي 7 / 283، البداية - لابن كثير 12 / 4، والنجوم الزاهرة - لابن تغري بردى 4 / 241.

(3) ذكر كلّ من العلاّمة السيد حسن الصدر الكاظمي في نزهة الحرمين / 35، والعلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 4 / 302، ومن أخذ عنهما، أنّ أبا محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان وزير سلطان الدولة البويهي هو الذي جدّد بناء الحائر بعد وقوع هذا الحريق، لكن المصادر التي عوّلوا عليها لم تنسب إلى ابن سهلان هذا سوى بناء سور الحائر وليس تجديد بنائه، كما في المنتظم 7 / 283، والبداية والنهاية 12 / 16، ومجالس المؤمنين / 211، والنجوم الزاهرة 4 / 259.

هذا فضلاً عن أنّ ابن سهلان بدأ ببناء سور الحائر في سنة 400 هـ، أيّ قبل وقوع الحريق بسبعة أعوام، وهي نفس السنة التي أمر ببناء سور على مشهد أمير المؤمنين(عليه السّلام). (الكامل 7 / 249. ط القاهرة).

فقد ورد في المنتظم 7 / 246: وفي جمادى الأولى (سنة 400 هجـ) بدأ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحبّ أن يؤثر فيه مؤثراً، ثمّ ما نذر لأجله أن يعمل عليه سوراً حصيناً مانعاً؛ لكثرة مَنْ يطرق الموضع من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر، ففعل وعمل السور، وأحكم وعرض، ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمّم وفرغ منه، وتحسّن المشهد به، وحسن الأثر فيه. (عادل).

٦٩

شيّده عضد الدولة، إلى أن شيّد عليه البناء الموجود اليوم على القبر الشريف، أو إنّه قد جدّده بعد الحريق أخلاف عضد الدولة؛ إذ كانت دولتهم قائمة عند وقوع الحريق.

هذا وكان إكمال بناء الحرم في سنة سبع وستين وسبعمئة، وقد أمر بتشييده السلطان أويس الإيلكاني، وأتمّه وأكمله ولده السلطان حسين(1) .

____________________

(1) زينة المجالس - لمحمد المجدي (مخطوط) باللغة الفارسية / 84، والمجدي من معاصري الشيخ البهائي، وقد صنّف كتابه هذا سنة 1004 هجـ، فقد جاء فيه: إلى أن أمر السلطان أويس الإيلكاني، وابنه السلطان حسين ببناء عمارة عالية.

وللسيد المؤلّف (عبد الحسين) ملاحظة مهمة في هذا الخصوص، خطر لي أن أثبتها هنا، يقول: ذكر سماحة السيد محسن الأمين العاملي في المجلد 3 / 593، من أعيان الشيعة، قال فضيلته عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلّي المجاور بالنجف الأشرف، في نسخته المخطوطة في خزانة العلوية الذي تمّت كتابته في محرّم سنة 755 هجـ، قال: (في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية (صلوات الله على مشرّفها)، وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760 سبعمئة وستون). انتهى.

أقول: هذا الحريق هو الذي ذكره ابن مهنا الداودي في العمدة / 5، ولكنّه لم يذكر اسم المجدّد للبناء الذي شيّد على الروضة المطهّرة الحيدرية، حيث المدّة تقارب زمن البناء الذي قام به السلطان أويس، وولده السلطان حسين الإيلكانية في سنة (767) على قبر الحسين (سلام الله عليه) الموجود اليوم على الروضة الطاهرة.

من المقتضي أن يكون السلطان حسين الإيلكاني هو منفرداً أقام البناء على الروضة الطاهرة الحيدرية، وبالخاصة لموقع قبورهم التي ظهرت في سنة الخامس عشر بعد الثلاثمئة والألف هـ وسط الصحن الشريف ما يلي باب الطوسي، أحد أبواب الصحن الشريف، في القسم الشمالي من الروضة الزاكية؛ إذ ظهر سرب فيه ثلاثة قبور على أحدهم في القاشاني مرقوم (توفي الشاهزاده الأعظم معزّ الدين عبد الواسع في 15 جمادى الأوّل سنة 790)، وعلى لوح القبر الثاني (هذا ضريح الطفل الصغير سلالة السلاطين الشاهزادة ابن الشيخ أويس (طاب ثراه). توفي يوم الأربعاء حادي عشر محرّم الحرام سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة).

وعلى لوح القبر الثالث (هذا قبر الشاهزادة سلطان بايزيد (طاب ثراه). توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة هلالية)، وعلى قبر آخر (هذا قبر المرحومة السعيدة بايندة السلطان).

وقد ابتدأ حكم الأسرة الإيلكانية الجلائرية في بغداد وآذربايجان بعد موت أبي سعيد بن أولجياتو محمّد خدابنده بقليل بالشيخ حسن الكبير، تقريباً بين سنة تسع وثلاثين وسبعمئة، أو سنة الأربعون، وكانت وفاته سنة 757 هـ، ثمّ تلاه في الحكم ولده السلطان أويس سنة 757 هـ، وتوفي سنة 776 هـ، ثمّ تلاه ولده السلطان حسين من سنة 776 هـ، إلى أن توفي في سنة 784 هـ، ثمّ تلا السلطان حسين أخوه السلطان أحمد الجلائري ابن أويس، إلى أن قُتل في تبريز بين سنة ثلاث عشرة وثمانمئة وأربع عشرة، وبه تقريباً انتهت أيامهم.

٧٠

وكان تاريخ هذا البناء موجوداً فوق المحراب الذي موضعه اليوم الرخام المنعوت بنخل مريم(1) فيما يلي الرأس الشريف، وقد شاهد ذلك التأريخ بنفسه محمّد بن سليمان بن زوير السليماني، وذكره في كتابه المسمّى بـ (الكشكول).

وقد كان إنزال هذا التاريخ سنة السادس عشر بعد المئتين والألف (1216)، ومن موضعه، عند عمل المرايا والتزيينات للحرم الشريف بأمر محمّد علي خان القواينلو كما تشير إلى ذلك الكتابة

____________________

(1) جاء في كتاب (دلائل الدين) تأليف عبد الله ابن الحاج هادي ما ترجمته: روى عن السجّاد (عليه السّلام): أنّ الله تعالى ذكر في القرآن أنّ السيدة مريم (عليها السّلام) عندما أرادت أن تلد ابنها المسيح ابتعدت عن قومها، وذهبت إلى كربلاء - بصورة معجزة - بجنب نهر الفرات، وقد ولد المسيح قرب مكان ضريح الحسين (عليه السّلام)، وفي نفس الليلة عادت السيدة مريم إلى دمشق.

ومصداق هذا الخبر ما ورد عن الباقر (عليه السّلام) - على ما أتذكر - أنّ صخرة على مقربة من قبر الحسين نُصبت في الحائط قد أجمع ساكنوا هذا المقام على أنّ الرأس الشريف قد حزّ على هذه الصخرة، ويقولون أنّ المسيح قد ولد على نفس تلك الصخرة أيضاً.

٧١

الموجودة في أعلى الباب الثالث من أبواب الحرّم المقابل للشبكة المباركة: (واقفه محمّد علي خان القواينلو سنة 1216) هـ.

وكذلك هذا التأريخ موجود بعينه في الكُتيبة القرآنية داخل القبّة على الضريح المقدّس، وفي سنة 920 هـ أهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقاً(1) إلى القبر الشريف،

____________________

(1) عندما دخل الشاه إسماعيل الصفوي الأوّل - مؤسس الدولة الصفوية في إيران والذي يرتقي نسبه إلى الإمام السابع موسى بن جعفر (عليه السّلام) - بغداد فاتحاً سنة 914 هـ كان همّه الأول هو التبرّك بزيارة أجداده الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، فقصد زيارة مرقد الحسين (عليه السّلام)، وعمل ثوباً حريرياً لقبره الشريف، وعلّق اثنى عشر قنديلاً من الذهب أطراف القبر، وفرش تلك الحضيرة القدسية بالبسط، وجلّله بأنواع الحرير والإستبرق، وبذل الأموال الكثيرة لللائذين بقبره الشريف، ثمّ خرج قاصداً النجف الأشرف. (وقد ترجم النص المتقدّم العلاّمة المؤلّف عن (حبيب السير) لخواند مير بالفارسية - مخطوط في 3 مجلدات في مكتبة المؤلّف سنة 1008 هـ).

وقد جاء أيضاً في (عالم آراى عباسي) لإسكندر منشي جـ 2 عن زيارة هذا الشاه ما ترجمته: توجه الشاه من بغداد إلى تربة كربلاء بعد إخلاص النيّة، وتشرّف بزيارة مرقد الحسين المنوّر وشهداء كربلاء، وقد زيّن الروضة وأنعم على المجاورين، ثمّ توجه من هناك إلى زيارة علي المرتضى (عليه السّلام) عن طريق الحلّة. راجع أيضاً فارسنامه ناصري 1 / 93.

وزار كربلاء أيضاً الشاه عباس الأول الصفوي، فقد جاء في فارسنامه ناصري ما ترجمته: غادر الشاه عباس الأول الصفوي أصفهان في سنة 1033 هجري متجهاً نحو بغداد، وفي غرّة ربيع الأوّل من نفس السنة دخل بغداد فاتحاً...، ثمّ توجه إلى النجف الأشرف في محرّم الحرام، وعلى بعد (30) كيلو متر ترجّل عن فرسه وخلع نعله، وأنعم على كافة سكنة النجف، وتوجه بعد ذلك مسروراً فرحاً إلى زيارة كربلاء وطاف بالبقعة الطاهرة، ثمّ أقفل راجعاً إلى بغداد وزار الإمامين الكاظمين وسامراء.

وفي ربيع هذه السنة أعاد الكرّة لزيارة كربلاء والنجف الأشرف، وقبل أعتاب هاتين الحضرتين أدّى لوازم الزيارة، وأهدى من الصناديق القيمة والطنافس الحريرية المطرّزة والديباج الشيء الكثير، ورجع مقفلاً إلى بغداد، وأعاد الزيارة مرّة أخرى إلى الروضة الحسينيّة.

وانظر أيضاً =

٧٢

ولم يرد ما يهمّ خبره من أخلافه الصفوية إلاّ الإقدام بأمور طفيفة لا مجال لذكرها، إلاّ أنّه بلغني - ولم أتثبّت من ذلك أنّ الشاه سليمان الصفوي قام ببناء القسم الشمالي من الصحن المطهّر، والإيوان الكبير الذي فيه المسمّى (بصافي صفا) نسبة إلى الصفويِّين، وليس اليوم في هذا الإيوان دليل على ذلك سوى إنّ الكاشي المعرّق الموجود في سقف هذا الإيوان، والزخارف المعمولة من البورق فيه يستدل منها أنّ بناء هذه الجهة أقدم بناء من الجهات الثلاث للصحن الشريف، فضلاً عن أنّ نقوش الكاشي المعرّق وصنعتها تشبه إلى حدّ كبير نقوش الكاشي المعرّق الموجود في روضة الجوادين (سلام الله عليهما)، وحرم حضرة الرضا (عليه السّلام)، ومقبرة خواجه ربيع، والقدم كاه.

وقد كان في حواشي الكاشي المعرّق الموجود في جنبتي هذا الإيوان - الشرقي والغربي - كُتيبة تنص على اسم الباني وتأريخ بنائه، ولكن مع مرور الزمن تلف واندرس أثره، ومع شديد الأسف لم يسعَ أحد بعد

____________________

= عالم آراي عباسي، وهناك مصدر لا بدّ من الإشارة إليه في هذا الخصوص هو (تاريخ دهامر الألماني) الذي تُرجم من اللغة الفرنسية إلى الفارسية باسم: سلطان التواريخ، في تاريخ سلاطين آل عثمان، يقع في ثلاث مجلدات ضخام، تحتوي على 72 باباً، ينتهي به مؤلفه إلى آخر عهد عبد الحميد الأول العثماني، بعد حرب الروس والأتراك وعقد معاهدة (كنارجة).

وفي سنة 1034 هـ أعاد السلطان مراد الرابع العثماني العراق إلى حوزة دولته، وفي 27 جمادى الأولى سنة 1039 هـ احتل بغداد مرّة أخرى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول، وزار كربلاء في سنة 1048 هـ في يوم عيد، فقبّل أعتاب ضريح سيد الشهداء وأخيه العباس بعد أن أنذر النذور، وأكرم ذوي الحاجة. (روضة الصفاي ناصري المجلد الثامن).

وفي سنة 1156 هـ توجه نادر شاه من النجف الأشرف إلى تقبيل أعتاب الحسين (عليه السّلام) الذي حرمه مطاف ملائكة الرحمن، وقدّمت زوجته رضية سلطان بيكم كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي عشرين ألف نادري لتعمير جامع الحرم الشريف (التاريخ النادري).

٧٣

ذلك لإرجاع هذا النص التأريخي المهم إلى موضعه.

وعندما أرادوا دفن ميرزا موسى الوزير فيه(1) عملوا موضعية الكُتيبة

____________________

(1) وقد شيّد هذا الإيوان الكبير في سنة 1281 هـ من قبل المرحوم ميرزا موسى وزير طهران، لتكون مقبرة له ولعائلته، وقد جدّد المرايا والكُتيبة القرآنية، وزوّق جدرانها الداخلية بالكاشي النفيس.

وقد نظم الشاعر (قلزم) الذي كان من الشعراء الشهيرين في تلك الفترة، هذه القصيدة بالمناسبة:

اي نمودار حريمت حرم عرش برين

ظـل دركـاهت خـركه زده بر عليين

قـدسيان بسته بفرمان تو از عرش كمر

آسمان سوده در ايوان تو بر فرش جبين

بـوده دارلـت شـاهنشه اقـليم شهود

بـيشكا رانـت فـرمان ده سرحد يقين

ظل خركاه تو را قبله كند روح القدس

خاك دركاه تو را سجده برد حور العين

از ازل تـاج شـهادة جه نهادي بر سر

شـد ترا ملك شفاعت همه در زير نكين

از بـهاي كـهر باك تو اين توده خاك

كعبه دين شود وشد سجده كه أهل زمين

إلى أن يقول:

قـصة طـور كـليم الله فاخلع نعليك

هـمه از خاك درت مظهر آيات مبين

عكس از شمسه ايوان تو شد شمس فلك

بر تو اوبر همه كون مكان كشت مكين

سـاكـنان حـرم وجـلال مـلكوت

هـه بـرخاك رهـت بايد خاك نشين

=

٧٤

الموجودة اليوم من المرايا، رُقمت بهذه الآية:( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً

____________________

=

بـهر فـراشي حجابت هر شام وسحر

قيصر أز روم كمر بندى وفقفور أز جين

إلى أن يقول:

اين هـمان وادى دوروا تـش شـوق

صـه جـه موسى باميد قبسي خاك نشين

انـدرين عـهد هـمايون از فـو ظـفر

رايـت دولـت اسـلام بر از جرخ برين

شـاه شـاهان جهان ظل خدا كهف زمان

خـسرو مـلك مـلل بـادشاه دولت ودين

شـهـر بـازيكه زأواز كـوي سـخطش

تـااب درشـده در جـحمه كـوه طـنين

مـير فـرخنده نـزادى زد راوكـه بـود

افـتـاب فـلك ورفـعت كـوه وتـمكين

داشـت جـون كوهري آراسته نور صفا

كـرد ايـن صـفه ايـوان صفارا ترين

دولت نـاصرى وسـعى امـام مـلت

أنـدرين عـهد بـود مـحيي آثار جنين

افـتـخار فـضلا قـبله أربـاب فـلاح

بـيشواى دو جـهان بـادشاه شرع مبين

انـكه از بـندكي صـاحب روضـه باك

شـده بـرخا جـكي علم ازل صدر تشين

جون زفيض كف موسى شد اين طور صفا

..........................................

كـلك قـلزم بي تاريخ سخنور شده وكفت

بـا كـف مـوسى آراسـته طـور سنين

٧٥

وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ... ) .

هذا وقام السلطان مراد الرابع العثماني سنة ثمان وأربعين وألف بتعمير وتجديد القبّة السامية، وجصّصها من الخارج(1) .

وفي سنة 1135 هـ نهضت زوجة نادر شاه وكريمة حسين الصفوي إلى تعمير المسجد المطهّر، وأنفقت على ذلك عشرين ألف نادري.

وقام أغا محمّد خان (الخصي) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبّة السامية للسنة السابعة بعد المئتين والألف الهجرية(2) .

وقد نظم بهذه المناسبة الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر، مؤرّخاً هذا التذهيب بقوله:

كلك صباحي از اين تاريخ أونوشت

در كبند حسين علي زيب بافت زر

1207 هـ

____________________

(1) لم نعثر على مصدر هذا الخبر، ولكنّه قد جاء في كلشن خلفاء (ص 102 وجه) لنظمي زاده بالتركية: أنّ الوالي علي باشا الوند زادة، بأمر من السلطان مراد الثالث العثماني قد جدّد بناء جامع الحسين وقبّته المنوّرة، وذلك سنة 984 هـ.

وقد أرّخ هذا البناء أحد الشعراء المشهورين بأبيات مطلعها:

بـحمد الله كه از عون الهي

نـموده خـدمت شاه شهيدان

شه كشور ستان خاقان اعظم

مـراد بن سليم ابن سليمان

وقد وهم الأستاذ حسن الكليدار في كتابه (مدينة الحسين / 38) إذ ذكر أنّ هذه الأبيات قد قيلت بمناسبة تشييد القبّة من قبل مراد الرابع العثماني، إلاّ أنّ الصحيح ما ذكرناه. (عادل)

(2) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ - للسان الملك سبيهر / 33 سنة 1206 هـ.

٧٦

وفي أوائل القرن التاسع عشر (1214هـ) أهدى فتح علي شاه القاجاري - أحد ملوك إيران - شبكة فضية(1) ، وهي إلى اليوم موجودة على القبر الشريف، وحوالي هذا التاريخ أمرت زوجته بتذهيب المأذنتين حتّى حدّ الحوض.

وفي سنة 1259 هـ قام محمّد علي شاه - ملك أود - سلطان الهند بتذهيب الإيوان الشريف وصياغة بابه بالفضة.

ويوجد اليوم على الفردة اليمنى من باب الفضة في إيوان الذهب: (هو الله الموفّق المستعان، قد أمر بصنع هذا الباب المفتوح لرحمة الملك المنان، وبإتمام تذهب هذا الإيوان الذي هو مختلف ملائكة الرحمن، وبحفر الحسينيّة وبناء قناطرها التي هي معبر أهل الجنان).

وعلى الفردة الثانية، الجانب الأيسر تتمته: (وتعمير بقعة قدوة الناس مولانا وسيدنا أبو الفضل العباس، السلطان ابن السلطان، والخاقان ابن الخاقان، السلطان الأعظم والخاقان الأكرم، سلطان الهند، محمّد على شاه (تغمّده الله بغفرانه، وأسكنه فسيح جناته)، وكان ذلك في سنة 1259 هـ ألف ومئتين وتسعة وخمسين).

وقام بعد ذلك أمراء الأكراد البختيارية إلى تزيين المسجد والأروقة، وقد وسع الضلع الغربي من الصحن الشريف، وجدّد بناءه المتغمّد برحمته المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني(2) (شيخ العراقين) من قبل شاه

____________________

(1) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ / 63.

(2) جاء في مستدرك الوسائل - للعلاّمة النوري 3 / 397 في ترجمة الشيخ عبد الحسين الطهراني: (شيخي وأستاذي ومَنْ إليه في العلوم الشرعية استنادي، أفقه الفقهاء، وأفضل العلماء، العالم الرباني، الشيخ عبد الحسين الطهراني... حتّى يقول: وجاهد في الله في محو صولة المبتدعين، وأقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات، وبالغ مجهوده في عمارة القباب الساميات).

وقد توفي في الكاظمية في 22 شهر رمضان سنة 1286 هـ، ونُقل إلى كربلاء، ودُفن في إحدى حجرات الصحن الحسيني.

٧٧

إيران ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1275 هـ، وشيّد إيوانه الكبير وحجر جهتيه.

وقد أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر الكبير مؤرّخاً لهذا البناء بالفارسية يقول:

بـنائي ناصر الدين شاه بنا كرد

زخـاك أوست بائين كاخ خضرا

نه صحن وكنبدي جرخي مكوكب

زنـور أو مـنور روي غـبرا

بـراي كـشوار عـرش يـعني

حـسين بـن عـلي دلبند زهرا

بـناي سـال أو جابر همي كوي

أز ايوان شـكست كـسرى

بكو تأريخ ايوانش مؤرخ 1275 هـ

وله تأريخ بالعربية:

لـله إيوانٌ سما رفعةً

فطاول العرشَ به الفرشُ

قال لسانُ الغيب تأريخه

أنت لأملاك السما عرشُ

ولم يحدث بعد ذلك ما يهمّ ذكره سوى ما جدّدت إنشاءه إدارة الأوقاف في العهد الأخير، في القسم الغربي من الصحن؛ لظهور الصدع فيه.

وفي المشهد الحسيني عدّة نقوش وكتابات تدلّ على تواريخ إصلاحه والزيارات فيه؛ ففي أعلى عمود وسط الضلع الجنوبي من شبكة الفولاد المنصوبة على قبر الحسين (عليه السّلام) ما يقابل الوجه الشريف، هذه العبارة: (مَنْ بكى وتباكى على الحسين فله الجنّة صدق الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنة 1185 هـ).

وما يقابل الزوايا الأربعة من القبر الشريف عبارة: (واقفه الموفّق بتوفيقات الدارين، ابن محمّد تقي خان اليزدي محمّد حسين سنة 1222 هـ).

٧٨

ويوجد في الإيوان الخارج من جدار الرواق الغربي المقابل للشبكة المباركة في الكاشي، فوق الشباك: (عمل أوسته أحمد المعمار سنة 1296 هـ).

ويستفاد من أبيات منظومة بالفارسية فوق شباك المقبرة الشمالية المقابلة للضريح أنّه بمباشرة الحاج عبد الله ابن القوام على نفقة الحاج محمّد صادق التاجر الشيرازي الأصفهاني الأصل، قد قام بتكميل تعمير سرداب الصحن الحسيني، وتطبيق الأروقة الثلاثة الشرقي والشمالي والغربي بالكاشي في سنة ألف وثلاثمئة الهجرية.

إيضاح ما يوجد في خارطة كربلاء من المواقع

أنهار كربلاء

(النهرين): فرعان يشتقان من عمود الفرات، ويتصلان ببعضهما في قرية نينوى في جوار الحاير الحسيني، ويتجهان إلى الشمال الشرقي إلى الكوفة معاً على سبيل توحيد وتفرد؛ وللفارق يعرفان بنهري كربلاء، يتوضّح على ضوء ما سرده أبو الفرج في المقاتل(1) ، ونورد بين قوسين ما تفرّد بإيراده صاحب الدرّ النظيم(2) :

قال أبو الفرج: لمّا قُتل زيد بن علي دفنه ابنه يحيى، تفرّق عنه الناس ولم يبقَ معه إلاّ عشرة نفر. قال سلمة بن ثابت: قلت له: أين تريد؟

قال: أريد النهرين. ومعه الصياد العبدي.

قلت: إن كنت تريد النهرين فقاتل ها هنا حتّى تُقتل.

قال: اُريد نهري كربلاء (وظننت أنّه يريد أن يتشطط الفرات)، فقلت له: النجاء قبل الصبح. فخرجنا فلمّا

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 61 ط القاهرة.

(2) الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم - لجمال الدين الشامي جـ 2 خط.

٧٩

جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان، فخرجنا مسرعين، فكلّما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعموني الأرغفة، فأطعمه إيّاها وأصحابي حتّى أتينا نينوى، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى، ومضى سابق إلى الفيوم فأقام به.

(فلمّا خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذنين فصلّينا الغداة بالنخيلة، ثمّ توجهنا سراعاً قبل نينوى، فقال: اُريد سابقاً مولى بشر بن عبد الملك. فأسرع السير إلى أن انتهينا إلى نينوى وقد أظلمتنا، فأتينا منزل سابق فاستخففت الباب فخرج إلينا).

وذكر ابن كثير في البداية(1) عن محمّد بن عمرو بن الحسن قال: كنّا مع الحسين بنهري كربلاء. وأورد ابن شهر آشوب في المناقب: مضى الحسين قتيلاً يوم عاشوراء بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين(2) .

قال الطبري(3) بعد مهادنة أهل الحيرة لخالد بن الوليد في مفتتح الفتح، وخضوع الدهاقين لأداء جزية وضريبة، وزع بينهم العمال؛ ولتمهيد الأمن أقام مخافر عهد بعمالة النهرين إلى بشر بن الخصاصية، فاتخذ بشر الكويفة ببابنورا قاعدة لعمالته.

وذكر عند حوادث سنة 278 هـ(4) ابتداء أمر القرامطة: وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة، فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من خوزستان، ومقامه بموضع يُقال له: النهرين، يظهر الزهد والتقشّف، ويسفّ الخوص ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة.

إذا قعد إليه إنسان ذكّره أمر الدين، وزهده في الدنيا، وأعلمه أنّ الصلاة المفروضة

____________________

(1) ج 8 / 188.

(2) المناقب 4 / 83، ط بمبي.

(3) ج 4 / 17، ط ليدن.

(4) ج 8 / 159، ط الاستقامة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442