تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني13%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113689 / تحميل: 9455
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

على طريق الساحل، وكان معهم الشيخ ظاهر حاكم الزاوية، ويوسف الشمر مِن كفر حانا، فعسكر الجبل شتّت المتاولة، فهرب بعضهم إلى ناحية بعلبك، وفرّ بعضهم في وادي المسيحان نحو الساحل، فالتقاهم العسكر الآتي مِن الساحل، فنكّل بهم، واحرق مزارعهم الّتي كانت بساحل جبيل، ولكنْ بينما كان بشارة كرم عائداً مع رجاله تحت المغيرة كَمِنَ له بعض المتاولة فقتلوه وستّة مِن رجاله.

وفي سنة ١٧٦٤م (ص٤٢٣): توجّه مشايخ الجبة إلى الأمير منصور الشهابي، فولاّهم على بلادهم، وأمدهم أيضاً بمُحافظين لردع المتاولة عن التعدّي، فلم يكن ذلك كافياً لكبتهم عن إقلاق أهل البلاد، إلى أن كان ما ذكرناه في عدد ١٠٤٢ مِن أن المشايخ الحماديّة دهموا الأمير بشير حيدر نائب الأمير يوسف في بلاد جبيل (تقدّم ذِكر ذلك).

وفي سنة ١٨٦١م وضع المشايخ المذكورون يدهم على بكاليك المتاولة واستمروا على ذلك إلى أن صالح المشايخ أهل القرى البكاليك على حقوقهم بها أو باعوهم هذه الحقوق.

ما كتبه الخالدي في تاريخه: لبنان في عهد الأمير فخر الدين المعني عن المشايخ الحماديّة:

في سنة ١٠٢٦هـ ١٦١٧م: وصل إلى الأمير علي - ابن الأمير فخر الدين المعني - وهو بصيدا خبر أنّ الأمير سليمان بن سيفا في برج تولا انحصر؛ وسبب ذلك أنّ أولاد حمادة وأولاد الشاعر وقفوا عند الأمير سليمان لمّا حَكَمَ البلاد، وجعلوا يُحسّنون له إبعاد جماعة ابن معن عنه، وقالوا له:

لا ينالك منهم إلاّ الكُلفة عليهم، ونحن لا نُحوجك إليهم. فأعطى إجازة لمَن كان عنده منهم، وهم أولاد الخازن والكساردة، وما بقي عنده أحد منهم يُناظر المذكورين، فعند ذلك كاتب أولاد حمادة وأولاد الشاعر يوسف باشا، فعين رجالاً كبسوا الأمير سليمان في تولا وحصروه في البُرج، فأرسل الأمير سليمان يُعلم الأمير عليّ بن معن بما كان، وفي الحال عيّن الأمير علي رجال بلاد صيدا مع مصطفى كتخدا، ورجال الغرب والجرد مع الأمير ناصر الدين، ورجال المتن مع بيت أبي اللمع المُقدّمين،

١٤١

ورجال كسروان مع طويل حسين بلوكباشي، فتوجّه الجميع برجالهم، وأرسل أيضاً إلى حسين اليازجي أن يتّجه إلى صيدا برجال بلد صفد وبلاد بشارة والشقيف حتّى لو احتاج الأمر يتوجّه الأمير علي نفسه ويأخذهم معه، فمع وصول حسين اليازجي - وكان وصوله لصيدا في شهر ربيع الثاني - بالرجال وصلت الأخبار أنّ الأمير سليمان سَلّم؛ لعدم وجود العازق، وقلّة وجوده عنده، وأخذوه إلى عمّه بترسيم حَشَمه إلى عكار، وكان ذلك في شهر جمادى الآخر مِن السَنة المذكورة، ولمّا واجه حسين باشا الجلالي سابقاً أرسل عمّه يوسف باشا دفع على سكّ الأمير سليمان خمسة وعشرين ألف قرش، وكان مصطفى كتخدا وصل بالرجال الّذين معه إلى نهر إبراهيم، فتشاور الأمير علي مع حسين اليازجي فاعتمد أريهما أنّهما يأمران العساكر الّذين تَقدّموهم أن يصلوا إلى قُرى أولاد حمادة وأولاد الشاعر لينهبوهم ويُحرقوهم، ففعلوا ذلك، وعاد كُلّ منهم إلى موضعه.

وفي سنة ١٠٣٠هـ ١٦٢٠م: وقد تقدّم ذِكر هذه الحادثة الّتي يذكرها الخالدي في هذه السَنة فلا يُفيد ذكرها.

هذا كُلّ ما كَتبه الخالدي عن الحماديّة.

ونقف فيما وقفنا عليه مِن المصادر عند هذا الحدّ، باحثين عن مصادر تاريخيّة أُخرى نعرض لذكرهم وذكر أواخرهم، والله المُوفّق والمُسدّد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

صار الانتهاء مِن كتابة هذا التاريخ عن هذه الأُسرة الّتي لعبت دوراً مُهمّاً في عهد الأحكام الإقطاعيّة صبيحة يوم الأحد في ١٣ جمادى الآخرة سنة ١٣٦١، و٢٨ حزيران سنة ١٩٤٢.

إنّ ما دونْتُهّ مِن تاريخ هذه الأُسرة هو ما رواه مَن عزوته إليهم مِن المُؤرِّخين، ولم نعلم مصادره، وهو لا يختلف عمّا كتبوه عن غير هذه الأُسرة مِن الأُسر اللبنانية غير معزوّة في جُلّها إلى مصادر معروفة، وكان واجبهم التاريخي يُحتّم عليهم أنْ يستمدّوا معلوماتهم مِن رجالات الأُسر، ولكنّهم لم يفعلوا ذلك.

وإنّ مَن يدّعي انتسابه إلى عشيرة، فالعادة المُتّبعة في الأنساب أن تُقرّ دعواه إلى أنْ يَعرض ما يُفسدها بدليل مقبول، والحماديّون معروف عندهم متناقل لديهم أنّهم عَرَبٌ أقحاح ينتسبون إلى هاني بن عروة المذحجي، وإنّ

١٤٢

أوائلهم كأوائل كثيرين مِن العرب الّذين كانوا يُهاجرون مِن بلادهم إلى البلاد الّتي انضوت تحت لواء السُلطان العربي الإسلامي لدوافع وعوامل كثيرة، وما زال في بلاد الفُرس، وفي غيرها مِن بلاد الأعاجم مَن هو مُحتفظ بنَسَبِه العربي.

ولمّا وقع بينهم وبين شاه إيران ما وقع، هجروا إيران بعشائرهم البالغة ثلاثين أُسرة إلى البلاد الشاميّة، فأقاموا في بعض جهات حلب مُدّة ثلاثة أشهر، ولمّا كانت لهم قواعد خاصّة في الزواج فلا يُصاهرون غير ذوي أرحامهم، فأراد بعض رجال عرب الموالي مُصاهرتهم على كريمة مِن كرائمهم، فأبوا ذلك عليه تَمسّكاً بتلك العادة، وأدّى ذلك إلى نزاع فحرب بين الفريقين، انتهى بفوز الموالي لكثرة عددهم، ولانضمام الكثير مِن القبائل العربيّة في تلك البوادي إليهم، فاضطرّوا للنزوح إلى لبنان وسُكنى القُرى الّتي دخلت في إقطاعهم، وامتدّ حُكمهم فيها إلى العهد الّذي ألغت فيه الدولة العثمانية الحُكم الإقطاعي مِن البلاد الشامية.

أمّا الأُسر الثلاثون المُنتمية إلى الحماديّة، فهي كما تلقيت ذلك في الهرمل عن الزعيم الكبير المرحوم محمّد سعيد باشا:

١ - شريف، ٢ - الحاج يوسف، ٣ - مِلحم، ٤ - زعيتر، ٥ - شمص، ٦ - ناصر الدين، ٧ - عواد، ٨ - دندش، ٩ - علّوه، ١٠ - جعفر، ١١ - المقداد، ١٢ - حجولا، ١٣ - قمهز، ١٤ - خير الدين، ١٥ - النمر، ١٦ - نون، ١٧ - الحاج حسن، ١٨ - جنبلاط، ٢٠ - بلوط، ٢١ - المستراح، ٢٢ - الحجل، ٢٣ - صفوان، ٢٤ - علام، ٢٥ شقير، ٢٦ - بدير، ٢٧ - حيدر أحمد، ٢٨ - عمرو، ٢٩ - أبو حيدر، ٣٠ - همدر.

١٤٣

١٤٤

تاريخُ البويهِيّين

الحمد لمَن له الحمد، ومَن إلى جلاله ينتهي كلُّ مجد، المخصوص بالكبرياء والجبروت، والمُلك والملكوت، مُصرّف الأُمور مِن حال إلى حال، ومُقلّب القُلوب والأبصار، يَعزّ مَن يشاء ويُذل مَن يشاء، بيده الأُمر وإليه مرجع العباد، والصلاة على أفضل مبعوث خُتمتْ بنبوّته النبوّات، وانتهت إليه الباقيات الصالحات، وعلى آله المخصوصين بالكرامات، وأصحابه القادة الهُداة.

وبعد، فإنّا نُدوِّن بهذا الجُزء مِن أجزاء تاريخ الشيعة السياسي أخبار مُلوك بني بويه، الّذين بلغوا مِن النُفوذ والسلطان في عهدِ تراجُع الخلافة العباسيّة ما سَتَراه مبسوطاً في هذا الجُزء إن شاء الله.

أوَّليَّتُهُم:

لم يكن لأوَّلهم سابق إمرة، ولا عهد في ولاية، بل ولا مَرفق مِن مَرافق الحياة يَدرُّ عليهم بالثروة، ويُمتّعهم بالرخاء، ويرفه عليهم ولو بعض الترفيه، بل اتّفق مَن أرّخ أوَّليتهم أنّ بويه - مُنجِب المُلوك البويهيّين ومَن إليه ينتسبون - كان يرتفق مِن كُلِّ مرافق الحياة، ويحترف مِن كُلِّ ما فيها مِن حِرف، لا لتحصيل دُنيا واسعة أو ثروة طائلة أو مُلك ثابت، بل لبُلوغ أيسر بلغة يبلغ بها الكَفاف، فحسب حِرفة صيد السمك، ويَحتطب بنوه الحَطب على رؤوسهم، حتّى كان مُعزّ الدولة بعد تَملُّكه البلاد يَعترف بنعمة الله تعالى، ويقول: كُنتُ أحتطب الحطب على رأسي.

وأمّا ابن خلدون، فإنّه يقول: إنّ بويه كان مِن رجالات الدَيلَم.

١٤٥

رُؤيا بويهٍ وتَأَويلُ المُنجِّمِ لها:

ذَكرَ هذه الرُؤيا غير واحد مِن المؤرّخين، ومنهم: ابن الأثير في كامله، وابن كثير في بدايته، وابن الطقطي في الآداب السلطانية. وسكت عن روايتها ابن خلدون وأبو الفداء، ولا نذكرها؛ لأنّه لا يَتعلّق بها كبيرُ أمر.

ومُلخّص تأويل المُنجّم لها بامتلاك أولاده الثلاثة وأعقابهم، وهُم: عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة علي أبو الحسين، ومعز الدولة أبو الحسن أحمد. وهذه هي الحال في كلّ دولة ناشئة أن تكثر لها الرؤى ويَرهص لها المُرهّصون.

جيلُهُم:

إن البويهيّين لم يكونوا مِن جيل الدَيلم، وإنّما قيل لهم الديالمة؛ لأنّهم جاوروا الديلم وكانوا بين أظهرهم مدة.

العظاميّة بعد العصاميّة:

لا مُشاحّة أنّ دولة البويهيّين لم تَقم على أساس النَسَب العالي والقبيلة وعَصَبيّتها القاهرة، بل قامت على العبقريّة والعصاميّة والطموح، وتمكين أطراف المُلك العبّاسي الواسع المُضطرب والمُنتقص مِن الأيدي الغاصبة مِن ذلك الطموح، فالتَوثّب على غرار المشوبين مِن هُنا وهناك، ولا سيّما في البلاد النائية عن عاصمة الخلافة، على هذا الطموح وتلك العصاميّة، وما يحمل مؤسّس المُلك البويهي مِن جُرأة نادرة، إلى تدبير حكيم، وفطنة نافذة هي الّتي مكّنَتْ له مِن الأمر، وأدركوا بها ما صبَت إليه نفوسُهم.

أمّا العظاميّة وعصبيّة القبيلة والعنعنات النسبيّة الأُسريّة، فلم يكن لها مِن أثر في ذلك، ولا كان يُعنى بها العَجم عناية العَرب، ولعلّ انبساط سلطانهم في العرب، وامتداد أيديهم إلى أكبر زعامة تُمثّل سلطان العرب، مِن أكرم أُسرهم وأعرقها شَرَفاً ونَسباً، وهي تقبض على زمام الخلافة الإسلاميّة، ولها عصبيّتها العربيّة، كان مِن أسباب عنايتهم باتّصالهم بسلسلة نَسب عريق يرتفع بهم إلى الأُسر المالكة بلاد إيران القديمة، فقد نسبهم الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتابه، فقال:

إنّ أبا شُجاع بويه - أبا مؤسِّسي الدولة - ابن قبا خسرو بن تمام بن كوهي بن شيرزيل الأصغر بن شيركيده بن

١٤٦

شيرزيل الأكبر بن شيران شاه بن شيرويه بن سيسان شاه بن سيس بن فيروزين شيرزيل بن سيسان بن بهرام جور الملك بن يزدجرد الملك بن سابور الملك بن سابور ذي الأكتاف الفارسي.

ثُمّ ارتفع بعضهم بنَسب بويه مِن واحد إلى واحد مِن مُلوك الفرسان حتّى يتّصل بيهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وكذا إلى آدم أبي البشر.

وأمّا أبو الفداء، فإنّه لم يعرض لنَسبهم، وابن خلدون قد شكّ في هذا النَسب، ورجّحه ابن الأثير.

وكيف كان، فقد أُسّست هذه الدولة ولم تتّخذ العظاميّة أساساً لها، ولئن ظهرت لمُؤسّسيها هذه السلسلة العريقة في النَسب، فقد كان ظهورها بعد التمكين لهم مِن المُلك، بل ومِن وضع الخُلفاء العباسيّين تحت نُفوذ سُلطانهم المُطلق.

اتّصالهم بمُلوك بلادهم:

رأى الأُخوة الثلاثة مصير المُلك العبّاسي الّذي انتهى إليه، ورأوه كيف يَنتقص مِن أطرافه كلُّ توثّب يملك أدوات التغلّب وأسبابها، وهُم لم يملكوا شيئاً مِن تلك الأدوات والأسباب.

أمّا المال، فقد عرفتَ أوّليتهم، وأنّهم لم يملكوا مِن مرافق الدُنيا شيئاً، وأنّهم كانوا يتكفّفون في معيشتهم مِن أحمز الطُرق وأشقّها: صيد السمك، والاحتطاب.

وأمّا العصبيّة، فقد كانوا غُرباء بين الديالمة، وهُم ليسوا مِن جيلهم، فلا يعتزّون بعشيرة ولا بقبيل.

وأمّا الجاه، فمِن أين يأتي به مَن لا يملك المال وما إليه، وليس له عشيرة يعتزُّ بها؟ فلم يبقَ أمامهم غير الشجاعة، وهي رأس مالهم، وغير التدبير والحِكمة وهُما كلّ شيء، وهل يظهر لها مِن أثر إذا لم تُستعمَل فيما يُظهِر كوامنها؟ وهل لذلك غير التَقرّب مِن الأُمراء والملوك؟ وهُم كثيرون في بلادهم وبلاد إيران عامّة، وميدان التنافس فيما بينهم جميعاً مُتّسع المجال، وهل يرى الأُخوة بعد فقد أدوات الزعامة والرئاسة والإمارة والمُلك فرصة يهتبلونها أقرب مِن هذه الفُرصة السانحة، ومُلوك تلك الأطراف المُتنازعون أحوج إلى تقريب هذه الأُخوة للاستعانة بهم على الخُصوم، ولتأييد سُلطانهم، وحسبك بُرهاناً على ما آل إليه أمر خُلفاء بغداد، ومُلوك الشرق والغرب بالأمس ما ذكره غير واحد مِن المُؤرِّخين بعد تسلّط ابن رائق على بغداد والخليفة:

١٤٧

(ولم يَبقَ للخليفة غير بغداد وأعمالها، والحُكم فيها لابن رائق، وليس للخليفة فيها حُكم.

وأمّا باقي الأطراف، فكانت: البصرة في يد ابن رائق المذكور، وخوزستان في يد البريدي، وفارس في يد عماد الدولة بن بويه، وكرمان في يد أبي علي محمّد بن الياس، والري وأصفهان والجبل في يد رُكن الدولة بن بويه ويد وشمكير بن زيار أخي مرداويج يتنازعان عليها، والموصل وديار بكر ومُضر وربيعة في يد بني حمدان، ومصر والشام في يد الأخشيد محمّد بن طغج، والمغرب وإفريقية في يد القائم العلوي بن المهدي، والأندلس في يد عبد الرحمان بن محمّد الأُموي المُلقّب بالناصر، وخراسان وما وراء النهر في يد نصر بن أحمد بن سامان الساماني، وطبرستان وجرجان في يد الديلم، والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القُرمطي.

الأُخوة في خدمة ماكان بن كاني مَلِك طَبرستان ثُمّ في خِدمة مرداويج فخروجهم عليه:

قال ابن كثير:

إنّ هؤلاء الأُخوة الثلاثة كانوا عند ملكٍ يُقال له (ماكان بن كاني) في بلاد طبرستان، فتسلّط عليه مرداويج، فضَعُف ماكان، فتشاوروا في مُفارقته حتّى يكون مِن أمره ما يكون، فخرجوا عنه ومعهم جماعة مِن الأُمراء فصاروا إلى مرداويج، فأكرمهم واستعملهم على الأعمال في البُلدان، فأعطى عماد الدولة علي بويه نيابة الكرج، فأحسن فيها السيرة والتفَّ عليه الناس وأحبّوه، فحسده مرداويج، وبعث إليه يعزله عنها ويستدعيه إليه، فامتنع مِن القُدوم عليه، وصار إلى أصبهان، فحاربه نائبها، فهزمه عماد الدولة هزيمة مُنكرة واستولى على أصبهان، وإنّما كان معه سبعمائة فارس، فقهر بها عشرة آلاف فارس، وعَظُم في أعيُن الناس، فلمّا بلغ ذلك مرداويج قلِق منه، فأرسل إليه جيشاً فأخرجوه مِن أصبهان، فقصد أذربيجان فأخذها مِن نائبها، وحصل له مِن الأموال شيء كثير جدّاً، ثُمّ أخذ بُلداناً كثيرة، واشتهر أمرُه، وبعد صيته، وحسُنت سيرته؛ فقصده الناس مَحبّة وتعظيماً، فاجتمع إليه مِن الجُند خَلقٌ كثير وجمعٌ غفير، فلم يزل يترقّى في مراقي الدُنيا حتّى آل به وبأخَوَيه الحال إلى أن ملكوا بغداد مِن أيدي الخُلفاء العباسيّين، وصار لهم القطع والوصل، والولاية والعزل، وإليهم

١٤٨

تُجبى الأموال، ويُرجع إليهم في سائر الأُمور والأحوال.

رواية ابن الأثير:

بعد أن ذكر خُروج جماعة مِن الديلم لتملك البلاد، منهم: ماكان بن كاني، وليلى بنت النُعمان، وأسفار بن شيرويه، ومرداويج بن زيار، قال:

وخرج مع كلّ واحد منهم خلق كثير مِن الديلم، وخرج أولاد أبي شجاع في جُملة مَن خرج، وكان مِن جُملة قوّاد ماكان بن كاني، فلمّا كان مِن أمر ماكان ما ذكرناه مِن الاتّفاق تمّ الاختلاف بعد قتل أسفار واستيلاء مرداويج على ماكان بيد ماكان مِن طبرستان وجرجان، وعود ماكان مرَّة أُخرى إلى جُرجان والدامغان، وعوده إلى نيسابور مهزوماً، فلمّا رأى أولاد بويه ضعفه وعجزه قال له عماد الدولة وركن الدولة:

نحن في جماعة، وقد صُرنا ثقلاً عليك وعيالاً، وأنت مضيق والأصلح لك أن نُفارقك لنُخفّف عنك مؤنتنا، فإذا صلح أمرنا عدنا إليك، فأذِن لهما فسارا إلى مرداويج، واقتدى بهما جماعة مِن قوّاد ماكان وتبعوهما، فلمّا صاروا إليه قبلهم أحسن قبول، وخلع على ابنَي بويه وأكرمهما، وقلّد كلَّ واحد مِن قوّاد ماكان الواصلين إليه ناحية مِن نواحي الجبل، فأمّا عليّ بن بويه، فإنّه قلّده كرج.

الأُخوة الثلاثة المالكون وأعقابهم المُلوك:

رأينا أنّ مِن الفائدة لجعل تاريخ هذه الأُسرة - الّذي ملأ صفحةً كبيرةً مِن تاريخ العَرب والإسلام مِن متناول الأفهام - إفراد كلِّ واحد مِن الأُخوة الثلاثة مُؤسّسي هذه الدولة البويهيّة الفتيّة وأعقابهم بالترجُمة، وإن كان الكثير مِن أخبارهم مُتداخلاً بعضه في بعض، ولئن استقلّ كلُّ واحد منهم بمملكة، فهم كانوا جدّ مُتضامنين، ولا سيّما هؤلاء الأُخوة الّذين كان لتضامنهم الأثر الكبير في تكوين دولهم.

الأول: عماد الدولة أبو الحسن عليّ بن بويه:

هو أكبر الأُخوة سنّاً، وأعلاهم هِمّة، وأسدّهم تدبيراً، وأولاهم بالتقديم، بل يكاد يكون بمظاهرة الأَخوين هو الرِكن الأعظم في تكوين دولتهم.

قال ابن الأثير في كامله: كان السبب في ارتفاع عليّ بن بويه مِن بينهم بعد

١٤٩

الأقدار أنّه كان سَمِحاً حليماً شُجاعاً، فلمّا قلّده مرداويج كرج، وقلّد جماعة القوّاد المُستأمنة معه الأعمال، وكَتب لهم العُهود، ساروا إلى الري وبها وشمكير بن زيار أخو مرداويج، ومعه الحُسين بن محمّد المُلقّب بالعميد، وهو والد أبي الفضل الّذي وزر لركن الدولة بن بويه، وكان العميد يومئذٍ وزير مرداويج، وكان مع عماد الدولة بَغلة شَهباء مِن أحسن ما يكون، فعرضها للبيع فبلغ ثمنها مئتي دينار، فعُرضت على العميد فأخذها وأنفذ ثمنها، فلمّا حَمل الثمن إلى عِماد الدولة أخذ منه عشرة دنانير وردّ الباقي، وجعل معه هديّة جميلة.

ثُمّ إنّ مرداويج نَدِم على ما فعل مِن تولية أولئك القوّاد البلاد، فكَتب إلى أخيه وشمكير، وإلى العميد يأمرهما بمنعهم مِن المسير إلى أعمالهم، وإن كان بعضهم قد خرج فيردّ، وكانت الكُتب تصل إلى العميد قبل وشكمير، فيقرؤها ثُمّ يعرضها على وشكمير، فلمّا وقف العميد على هذا الكتاب أنفذ إلى عماد الدولة يأمره بالمسير مِن ساعته إلى عمله ويطوي المنازل، فسار مِن وقته وكان المَغرب.

وأمّا العميد، فلمّا أصبح عرض الكتاب على وشمكير، فمنع سائر القوّاد مِن الخُروج مِن الري، واستعاد التوقيعات الّتي معهم بالبلاد، وأراد وشكمير أن ينفذ خَلفَ عماد الدولة مَن يَردّه، فقال العميد:

إنّه لا يرجع طوعاً، وربّما قاتل مَن يقصده، ويخرج عن طاعتنا فتركه، وسار عماد الدولة إلى كرج، وأحسن إلى الناس، ولطُفَ بعمّال البلاد، فكتبوا إلى مرداويج يشكرونه، ويَصِفون ضبطه البلد وسياسته. وافتتح قلاعاً كانت للخرميّة، وظفر منها بذخائر كثيرة صرفها جميعها إلى استمالة الرِجال والصِلات والهبات، فشاع ذِكره وقصده الناس وأحبّوه، وكان مرداويج ذلك الوقت بطبرستان، فلمّا عاد إلى الري أطلق مالاً لجماعة مِن قوّاده على كرج، فاستمالهم عماد الدولة ووصلهم، وأحسن إليهم حتّى مالوا إليه وأحبّوا طاعته، وبلغ ذلك مرداويج فاستوحش وندِم على إنفاذ أولئك القوّاد إلى كرج، فكَتب إلى عماد الدولة وأولئك يستدعيهم إليه وتَلطّف بهم، فدافعه عماد الدولة، واشتغل بأخذ العُهود عليهم وخوَّفهم مِن سطوة مرداويج، فأجابوه جميعهم، فجبى مال كرج، واستأمن إليه شيرزاد - وهو مِن أعيان قوّاد الديلم - فقويت نفسه بذلك، وسار بهم عن كرج إلى أصبهان، وبها المُظفّر بن ياقوت في نحو عشرة آلاف مُقاتل، وعلى خراجها أبو علي بن رستم، فأرسل عماد الدولة إليهما يستعطفهما

١٥٠

ويستأذنهما في الانحياز إليهما، والدُخول في طاعة الخليفة ليمضي إلى الحضرة ببغداد، فلم يُجيباه إلى ذلك، وكان أبو علي أشدّهما كراهة، فاتّفق للسعادة أنّ أبا علي مات في تلك الأيّام، وبرز ابن ياقوت عن أصبهان ثلاثة فراسخ، وكان في أصحابه جيل وديلم مقدار ستمئة رجل، فاستأمنوا إلى عماد الدولة؛ لِما بلغهم مِن كرمه، فضعُف قلب ابن ياقوت، وقويَ جنان عماد الدولة فواقعه واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم ابن ياقوت واستولى عماد الدولة على أصبهان، وعظُم في عيون الناس؛ لأنه كان في تسعمائة رَجل هزم بهم ما يُقارب عشرة آلاف رجل، وبلغ ذلك الخليفة فاستعظمه، وبلغ خبر هذه الوقعة مرداويج فأقلقه، وخاف على ما بيده مِن البلاد، واغتمّ لذلك غمّاً شديداً.

استيلاؤه على أرجان وغيرها وملك مرداويج أصبهان:

لمّا بَلَغَ خبر الوقعة مرداويج خاف عماد الدولة بن بويه، فشرع في إعمال الحيلة، فراسله يُعاتبه ويستميله، ويطلب منه أن يُظهر طاعته حتّى يمدّه بالعساكر الكثيرة ليفتح بها البلاد، ولا يُكلّفه سوى الخطبة له في البلاد الّتي يَستولي عليها، فلمّا سار الرسول جهّز مرداويج أخاه وشمكير في جيش كثيف ليكبس ابن بويه، وهو مطمئن إلى الرسالة الّتي تقدّمت، فعلم ابن بويه بذلك، فرحل عن أصبهان بعد أن جباها شهرين، وتوجّه إلى أرجان، وبها أبو بكر بن ياقوت فانهزم أبو بكر مِن غير قتال، وقصد رامهُرمُز، واستولى ابن بويه على أرجان في ذي الحجّة، ولمّا سار عن أصبهان دخلها وشمكير وعسكر أخيه مرداويج وملكوها، فلمّا سَمِع القاهر أرسل إلى مرداويج قبل خلعه ليمنع أخاه عن أصبهان، ويُسلّمها إلى محمّد بن ياقوت ففعل ذلك ووليها محمّد.

وأمّا ابن بويه، فإنّه لمّا مَلك أرجان استخرج منها أموالاً فقويَ بها، ووردت عليه كُتب أبي طالب زيد بن علي النوبند جاني يستدعيه، ويُشير إليه بالمسير إلى شيراز، ويُهوّن عليه أمر ياقوت وأصحابه، ويُعرّفه تهوّره واشتغاله بجباية الأموال، وكثرة مؤنته ومؤنة أصحابه، وثِقل وطأتهم على الناس مع فشلهم وجُبنهم، فخاف ابن بويه أن يقصد ياقوتاً مع كثرة عساكره وأمواله، ويحصل بين ياقوت وولده، فلم يَقبل مشورته فلم يبرح مِن مكانه، فعاد أبو طالب وكَتب إليه يُشجّعه ويُعلِمه أنّ مرداويج قد كَتب إلى ياقوت

١٥١

يطلب مُصالحته، فإنْ تمّ ذلك اجتمعا على مُحاربته ولم يكن له بهما طاقة، ويقول له:

(إنّ الرأي لِمَن كان في مثل حاله أن يُعاجل مَن بين يديه، ولا ينتظر بهم الاجتماع والكثرة أن يُحدقوا به مِن كلّ جانب، فإنّه إذا هَزم مَن بين يديه خافه الباقون، ولم يَقدموا عليه.

ولم يزل أبو طالب يُراسله إلى أن سار نحو النوبندجان في ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وقد سبقه إليهما مُقدّمة ياقوت في نحو ألفي فارس مِن شُجعان أصحابه، فلمّا وافاهم ابن بويه لم يثبتوا له لمّا لقيهم، وانهزموا إلى كركان، وجاءهم ياقوت في جميع أصحابه إلى هذا الموضع، وتقدّم أبو طالب إلى وكلائه بالنوبندجان بخدمة ابن بويه، والقيام بما يحتاج إليه، وتنحّى هو عن البلد إلى بعض القُرى حتّى لا يُعتقد فيه المواطأة له، فكان مَبلغ ما خسر عليه في أربعين يوماً مقدار مئتي ألف دينار، وأنفذ عماد الدولة أخاه رُكن الدولة الحسن إلى كازرون وغيرها مِن أعمال فارس، فاستخرج منها أموالاً جليلة، فأنفذ ياقوت عسكراً إلى كازرون، فواقعهم ركن الدولة فهزمهم وهو في نفر يسير، وعاد غانماً سالماً إلى أخيه، ثُمّ إنّ عماد الدولة انتهى إليه مُراسلة مرداويج وأخيه وشمكير إلى ياقوت ومراسلته إليهما، فخاف اجتماعهم فسار مِن النوبندجان إلى اصطخر، ثُمّ إلى البيضاء وياقوت يتبعه، وانتهى إلى قنطرة على طريق كرمان فسبقه ياقوت إليها ومنعه مِن عُبورها، واضطر إلى الحرب، وذلك في آخر سَنة إحدى وعشرين ودخلت سَنة اثنتين وعشرين.

استيلاء عِماد الدولة على شيراز:

في هذه السنة ظفر عِماد الدولة بن بويه بياقوت وملك شيراز، وقد مرَّ ذِكر مسير عماد الدولة بن بويه إلى القنطرة، وسِبْق ياقوت إليها وصَدّه عن عبورها، وأنّه اضطرّ بسبب ذلك إلى مُحاربة ياقوت، وقد وقعت الحرب بينهما في جمادى الآخرة، وأحضر عليّ بن بويه أصحابه، ووعدهم أنّه يترجّل معهم عند الحرب ومنّاهُم ووعدهم الإحسان، وكان مِن سعادته أنّ جماعة مِن أصحابه استأمنوا إلى ياقوت فحين رآهم ياقوت أمر بضرب رقابهم، فأيقن مَن مع ابن بويه أنّهم لا أمان لهم عنده، فقاتلوا قتال مُستقتل.

ثُمّ إنّ ياقوتاً قدّم أمام أصحابه رَجّالة كثيرة يُقاتلون بقوارير النفط، فانقلبت الريح

١٥٢

في وجوههم واشتدّت، فلمّا ألقوا النار عادت النار عليهم، فعلقت بوجوههم وثيابهم فاختلطوا، وأكبَّ عليهم أصحاب ابن بويه فقتلوا أكثر الرجّالة، وخالطوا الفرسان فانهزموا، فكانت الدائرة على ياقوت وأصحابه، فلمّا انهزم صعد على نشز مُرتفع، ونادى في أصحابه الرجعة فاجتمع إليه نحو أربعة آلاف فارس، فقال لهم:

اثبتوا فإنّ الديلم يشتغلون بالنهب، ويتفرّقون فنأخذهم. فثبتوا معه، فلمّا رأى ابن بويه ثباتهم نهى أصحابه عن النهب، وقال:

إنّ عدوّكم يرصدكم لتشتغلوا بالنهب فيعطف عليكم، ويكون هلاككم، فاتركوا هذا وافرغوا مِن المنهزمين، ثُمّ عودا إليه ففعلوا ذلك. فلمّا رأى ياقوت أنّهم على قصده ولَّى مُنهزماً وأتبعه أصحاب ابن بويه يقتلون ويأسرون ويغنمون الخيل والسلاح - وكان مُعزّ الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه في ذلك اليوم مِن أحسن الناس أثراً، وكان صبيّاً لم تنبت لحيته، وكان عُمره تسع عشرة سنة - ثُمّ رجعوا إلى السواد فغنموا، ووجدوا في سواده برانس لبود عليها أذناب الثعالب، ووجدوا قيوداً وأغلالاً، فسألوا عنها، فقال أصحاب ياقوت:

إنّ هذه أُعدّت لكُم لتُجعل عليكم ويُطاف بكم في البلاد، فأشار أصحاب ابن بويه أن يُفعل بهم مِثل ذلك فامتنع، وقال:

إنّه بغيٌ ولؤم ظفر، ولقد لقيَ ياقوتُ بغيه. ثُمّ أحسن إلى الأُسارى وأطلقهم، وقال:

هذه نعمة، والشُكر عليها واجب يقتضي المزيد. وخَيَّر الأُسارى بين المُقام عنده واللحوق بياقوت، فاختاروا المقام عنده، فخلع عليهم وأحسن إليهم، وسار مِن موضع الوقعة حتّى نَزلَ شيراز، ونادى في الناس بالأمان وبثّ العدلَ، وأقام لهم شحنته يمنع مَن ظلمهم، واستولى على تلك البلاد، وطلب الجُند أرزاقهم فلم يكن عنده ما يُعطيهم، فكاد يَنحلُّ أمره.

الأقدارُ والحظوظُ تَخدم بني بويه:

فقعد في غُرفة في دار الإمارة بشيراز يُفكّر في أمره، فرأى حيّةً خرجت مِن موضع في سقف تلك الغُرفة، ودخلت في ثقب هناك، فخافَ أن تَسقط عليه فدعا الفرّاشين، ففتحوا الموضع فرأوا وراءه باباً، فدخلوا إلى غُرفة أُخرى وفيها عشرة صناديق مملوءة مالاً ومصوغاً، وكان فيها ما قيمته خمسمئة ألف دينار فأنفقها، وثبتَ مُلكه بعد أن كان قد أشرف على الزوال.

وحُكيَ أنّه أراد أن يُفصّل ثياباً، فدلّوه على خيّاط كان لياقوت

١٥٣

فأحضره، فحضر خائفاً وكان أصمّ، فقال له عماد الدولة:

لا تخف، فإنّما أحضرناك لتُفصّل ثياباً. فلم يَعلم ما قال، فابتدأ وحلف بالطلاق والبراءة مِن دين الإسلام أنّ الصناديق الّتي عنده لياقوت ما فتحها، فتعجّب الأمير مِن هذا الاتّفاق، فأمره بإحضارها، فأحضر ثمانية صناديق فيها مال وثياب قيمته ثلاثمائة ألف دينار، ثُمّ ظهر له ودائع ياقوت وذخائر يعقوب وعمر وابني الليث جُملة كثيرة فامتلأت خزائنه وثبت مُلكه.

اتّصاله بالراضي بالله وخُدعته رسوله:

فلمّا تمكّن مِن شيراز وفارس كَتب إلى الراضي بالله - وكانت الخلافة قد أفضت إليه - وإلى وزيره أبي علي بن مقلة يُعرفهما أنّه على الطاعة، ويطلب منه أن يُقاطع على ما بيده مِن البلاد، وبَذَل ألف ألف درهم، فأُجيب إلى ذلك فأنفذوا له الخلع، وشرطوا على الرسول أن لا يُسلّم إليه الخلع إلاّ بعد قبض المال، فلمّا وصل الرسول خرجَ عماد الدولة إلى لقائه، وطلب منه الخلع واللواء، فذكر له الشرط فأخذهما منه قهراً، ولبس الخلع ونشر اللواء بين يديه، ودخل البلد وغالط الرسول بالمال، فمات الرسول عنده سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وعظُم شأنه وقصده الرجال مِن الأطراف، ولمّا سمع مرداويج بما ناله مِن ابن بويه قام لذلك وقعد، وسار إلى أصبهان للتدبير عليه، وكان بها أخوه وشمكير، لأنّه لمّا خُلع القاهر وتأخّر محمّد بن ياقوت عنها عاد إليها وشمكير بعد أنْ بقيتْ تسعة عشر يوماً خالية مِن أمير، فلمّا وصلها مرداويج ردّ أخاه وشمكير إلى الري.

تَعليقٌ على ما سَبَق لا بُدّ مِنه:

لقد أقام عماد الدولة بن بويه البُرهان على تدبير في الحُروب سديد، وعلى حَذَر ويقظة وذكاء هي مِن أهم ّصفات القوّاد بصرفه جيشه الديلمي عن نهب أسلاب جيش ياقوت المُنهزم، وأمرِه بالثبات، وقد ظهرت له خِدعة ياقوت المُنهزم بجيشه حيث يجمع إليه مِن فُلوله أربعة آلاف، وهو على نشز مُرتفع، ويأمرهم بالثبات ليأخذ الجيش الديلمي على غرّة، وهو على غير النظام باشتغاله في النهب، فلم يترك حَذَر عماد الدولة ياقوتاً يَتمكّن مِن إتمام خدعته، كما أقام البُرهان الآخر على جدارته بالمُلك وهو يَجمع أنبل

١٥٤

صفات المالكين، ومَن يبنون على دعائمها الراسخة مُلكهم العتيد، حيث أبَتْ نفسه أن يَحذو حذو ياقوت في التشهير بالمغلوبين فيما إذا أُتيحت له الغلبة قائلاً:

إنّ ذلك بغيٌ ولؤمٌ. كما أحسن إلى الأُسارى بإطلاقهم، ثُمّ بتخييرهم بين المُقام عنده واللحاق بياقوت، وهو يَعلم أنّ في لحاقهم بخصمه قوّةٌ لخصمه، فكان مِن سداد سياسته وجميل إحسانه أن قادَهُم إليه، وقيّدهم عن قُيود الحديد بقُيود المعروف والإحسان، (ومَن وَجَدَ الإحسانَ قيداً تقيّدا).

بمثل هذا التدبير السديد، وبمثل هذا الإحسان، وبمثل تلك اليقظة في ميادين النِزال والقتال ظَهَرَ أمرُ بني بويه، وهبَّتْ لهم ريح النصر، وأسلس لهم المُلك مِن قياده فراضوا صِعابه.

وقد يُؤاخذ عماد الدولة بخُلفه وَعدَ الراضي بالله بالطاعة، وبذل المال بعد إنفاذ الخلع عليه واللواء، ولكن مَن يعلم ما آلت إليه حال الخلفاء العباسيّين مِن خَلعِ خليفة وتنصيب آخر وقتل ثالث ما بين عشيّة أو ضُحاها، وهُم كالريشةِ في مهبّ العواصف، قد يجد له عُذراً في هذا الخُلف، وإبقاء المال الكثير الّذي وَعدَ به الخليفة لصرفه في مهامّ أُموره، وفي ترسيخ بُنيان مُلكه، وهو مُحاط بالأعداء مِن هُنا وهُناك، وحَسبُهُ بخصمه مرداويج الشديد ودع خصومه الآخرين، وقد يدّخر هذا المال أو ما يَخلفه لمُصانعة خليفة آخر قد تصير إليه الخلافة في الوقت القريب.

وبعد، فإنّ للسياسة وجوهاً وألواناً ولا سيّما في ذلك العهد المُضطرب، وعماد الدولة مؤسّس الدولة بها جدّ عليم.

وممّا اتّفق له في شيراز، وهو ممّا لم يذكره ابن الأثير، وذكره ابن كثير، (وهو أنّه رَكِب ذات يوم يَتفرّج في جوانب البلد، وينظر إلى ما بَنَتْه الأوائل، ويتّعظ بمَن كان فيه قبله، فانخسفت الأرض مِن تحت قوائم فرسه، فأمَر فحُفِر هُنالك فوجد مِن الأموال شيئاً كثياً أيضاً).

استيلاء مرداويج على الأهواز:

لمّا بَلَغَ مرداويج استيلاء عليّ بن بويه على فارس اشتدّ ذلك عليه، فسار إلى أصبهان للتدبير على ابن بويه، فرأى أن ينفذ عسكراً إلى الأهواز ليستولي عليها، ويسدّ الطريق على عماد الدولة بن بويه إذا قصده، فلا يبقى له طريق إلى الخليفة، ويقصده هو مِن ناحية أصبهان، فلا يثبت لهم، فسارت

١٥٥

عساكر مرداويج في شهر رمضان حتّى بلغت اميزج، فخاف ياقوت أنْ يَحصل بينهم وبين ابن بويه، فسار إلى الأهواز ومعه ابنه المُظفّر، وكتب إلى الراضي ليُقلّده أعمال الأهواز فقلده ذلك، وصار أبو عبد الله بن البريدي كاتبه مُضافاً إلى ما بيده مِن أعمال الخراج بالأهواز، وصار أخوه أبو الحسين يَخلفه ياقوتاً ببغداد، ثُمّ استولى عسكر مرداويج على رامهرمز أوّل شوال مِن هذه السنة، وساروا نحو الأهواز، فوقف لهم ياقوت على قنطرة الربق فلم يُمكنْهم مِن العبور لشدّة جري الماء، فأقاموا بإزائه أربعين يوماً، ثُمّ رحلوا فعبروا على الأطواف نهر المسرقان، فبلغ الخبر إلى ياقوت وقد أتاه مَدَدٌ مِن بغداد قبل ذلك بيومين، فسار بهم إلى قرية الريخ، وسار منها إلى واسط، وبها حينئذ محمّد بن رائق، فأخلى له غربي واسط فنزل فيه ياقوت، ولمّا بَلغَ عماد الدولة استيلاء مرداويج على الأهواز كاتب نائب مرداويج يستميله، ويطلب منه أن يتوسّط الحال بينه وبين مرداويج، ففعل ذلك، وسعى فيه فأجابه مرداويج إلى ذلك على أن يُطيعه ويَخطب له، فاستقرَّ الحال بينهما، وأهدى له ابن بويه هديّة جليلة، وأنفذ أخاه رُكن الدولة رهينة، وخطب لمرداويج في بلاده فرضي مرداويج منه، واتّفق أنّه - مرداويج - قتل فقويَ أمر ابن بويه، وكان قتل مرداويج في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة بعد ذلك الاتّفاق بسَنة، وكان قتله لأُمور نَقَمَها عليه أتباعه، وتولّى ذلك جماعة مِن الأتراك، ولمّا قُتل كان رُكن الدولة بن بويه رهينة عنده كما سبق بيانه، فبذل للموكّلين مالاً فأطلقوه، فخرج إلى الصحراء ليفكّ قيوده، فأقبلت بغال عليها تبن وعليها أصحابه وغُلمانه، فأُلقي التبن، وكَسر أصحابه قُيوده، وركبوا الدواب ونجوا إلى أخيه عماد الدولة بفارس.

ولمّا قَتل الأتراك مرداويج سارت فرقة منهم إلى عماد الدولة بن بويه مع فخجج الّذي كان له شأن مَذكور في الدولة.

ظَفَرَ عِماد الدولة بياقوت مَرّة أُخرى:

لمّا انهزم ياقوت مِن الأهواز وقويَ بها أمرَ البريدي - وكان يَتولّى الكتابة إلى ياقوت ويتصرف في أعمال أسافل الأهواز - سار إليه، فأقام معه بواسط، فلمّا قبُض على ابنيه كَتبَ ابن مُقلة إلى ابن البريدي يأمره أن يُسكن ياقوتاً، ويُعرّفه أنّ الجُند اجتمعوا وطلبوا القبض على ولديه، فَقُبِضا

١٥٦

تسكيناً للجُند، وأنّهما يسيران إلى أبيهما عن قريب، وأنّ الرأي أنْ يسير هو لفتح فارس، فسار ياقوت مِن واسط على طريق السوس، وسار البريدي على طريق الماء إلى الأهواز، وكان إلى أخَوَيه أبي الحسين وأبي يوسف ضمان السوس وجنديسابور، وادَّعَيا أنّ دَخْلَ البلاد لسَنة اثنتين وعشرين أخذه عسكر مرداويج، وأنّ دَخْلَ سنة ثلاث وعشرين لا يَحصل منه شيء؛ لأنّ نواب مرداويج ظلموا الناس فلم يبقَ لهم ما يزرعونه، وكان الأمرُ بضدّ ذلك في السَنتين، فبلغ ذلك الوزير ابن مقلة، فأنفذ نائباً له ليُحقّق الحال، فواطأ ابني البريدي وكتب بصدقهم، فحصل لهم بذلك مال عظيم، وقَويتْ حالهم، وكان مَبلَغ ما أخذوه أربعة آلاف ألف دينار، وأشار ابن البريدي على ياقوت بالمسير إلى أرجان لفتح فارس، وأقام هو بجباية الأموال مِن البلاد، فحصل منها ما أراد، فلمّا سار ياقوت إلى فارس في جموعه لقيه ابن بويه بباب أرجان، فانهزم أصحاب ياقوت، وبقي إلى آخرهم ثُمّ انهزم، وسار ابن بويه خَلفه إلى رامهرمز، وسار ياقوت إلى عسكر مكرم، وأقام ابن بويه برامهرمز إلى أن وقع الصُلح بينهما.

استيلاءُ عِمادِ الدَولةِ على أصبهان وغيرها:

في هذه السَنة (سَنة ٣٢٣هـ) جهّز عماد الدولة بن بويه أخاه رُكن الدولة الحسن إلى بلاد الجبل، وسَيَّر معه العساكر بعد عوده لمَّا قُتل مرداويج، فسار إلى أصبهان فاستولى عليها، وأزال عنها وعن عدّة مِن بلاد الجبل نوّاب وشمكير، وأقبل وشمكير وجهّز العساكر نحوه، وبقي هو ووشمكير يتنازعان تلك البلاد، وهي: أصبهان، وهَمذان، وقُم، وقاجان، وكرج، والري، وكنكور، وقزوين وغيرها.

ظَفَرُهُ بطاهر الجبلي الخارج عن طاعته:

اتّصل طاهر هذا بياقوت - وهو مِن كِبار أصحاب ابن بويه - في ثمانمئة رجُل، وهو مِن أرباب المَراتب العالية، ومِمَن يسمو إلى مَعالي الأُمور، وسَبَب اتّصاله به خوفه مِن ابن بويه أن يقبض عليه خوفاً منه، فلمّا رأى حال ياقوت انصرف عنه إلى غربي تستر، وأراد أنْ يَتغلّب على ماء البصرة، وكان معه أبو جعفر الصيمري، وهو كاتبه، فسَمِع به عماد الدولة بن بويه

١٥٧

فكبسه، فانهزم هو وأصحابه، واستولى ابن بويه على عسكره وغنمه، وأسر الصيمري فأطلقه الخيّاط وزير عماد الدولة بن بويه، فمضى إلى كرمان، واتصل بالأمير مُعزّ الدولة بن بويه، وكان ذلك سبب إقباله.

تجهيزُ عِمادِ الدولةِ وأخيه رُكن الدولة أخاهما الأصغر مُعزّ الدولة بالجيوش لفتح كرمان:

في هذه السنة سَيَّر عِماد الدولة وركن الدولة أخاهما مُعزّ الدولة الأصغر بالجيوش لفتح كرمان ليستَبدّ بمُلكها، وقد جرى ما ستراه في غير هذا المكان مِن تَرجمة مُعزّ الدولة.

التجاءُ البريدي إلى عِماد الدولة:

لمّا انهزم البريدي أمام بجكم وابن رائق سار مِن جزيرة أوال إلى عماد الدولة بن بويه واستجار به، وأطمعه في العراق وهون عليه أمْرَ الخليفة وابن رائق، فَنَفَذ معه أخاه مُعزّ الدولة، فلمّا سَمِع ابن رائق بإقبالهم مِن فارس إلى الأهواز سيَّر بجكم إليها، فامتنع مِن المسير إلاّ أن يكون إليه الحرب والخراج، فأجابه إلى ذلك وسيّره إليها، ثُمّ إنّ جماعة مِن أصحاب البريدي قصدوا عسكر ابن رائق ليلاً فصاحوا في جوانبه، فانهزموا فلمّا رأى ابن رائق ذلك أمر بإحراق سواده وآلاته لئلاّ يغنمه البريدي، وسار إلى الأهواز جريدة، فأشار جماعة على بجكم بالقبض عليه فلم يفعل، وأقام ابن رائق أيّاماً وعاد إلى واسط، وكان باقي عسكره قد سبقه إليها.

تَسيير عِماد الدولة أخاه مُعزّ الدولة مع البريدي لفتح العراق:

في سنة ٣٢٦هـ سار مُعزّ الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه إلى الأهواز وتلك البلاد فملكها، وكان سبب ذلك ما تقدّم ذِكره مِن مسير أبي عبد الله البريدي إلى عماد الدولة، فلمّا وصلَ إليه أطمعه في العراق والاستيلاء عليه، فسيّر معه أخاه مُعزّ الدولة إلى الأهواز، وترك أبو عبد الله البريدي ولديه أبا الحسن محمّداً وأبا جعفر القاضي عند عِماد الدولة بن بويه رهينة وساروا، فبلغ الخبر إلى بجكم بنزولهم أرجان فسار لحربهم، فانهزم مِن بين أيديهم، وكان سبب الهزيمة أنّ المطر اتّصل أيّاماً كثيرة،

١٥٨

فعُطّلت أوتار قُسي الأتراك، فلم يقدروا على رمي النشّاب، فعاد بجكم وأقام بالأهواز، وجعل بعض عسكره بعسكر مكرم، فقاتلوا مُعزّ الدولة بها ثلاثة عشر يوماً، ثُمّ انهزموا إلى تستر، فاستولى مُعزّ الدولة على عسكر مكرم، وسار بجكم إلى تستر مِن الأهواز، وأخذ معه جماعة مِن أعيان الأهواز، وسار هو وعسكره إلى واسط، وأرسل مِن الطريق إلى ابن رائق يُعلِمه الخبر، ويقول له:

إنّ العسكر مُحتاج إلى المال، فإنْ كان مَعَك مئتا ألف دينار فتُقيم بواسط حتّى نصل إليك وتُنفق فيهم المال، وإن كان المال قليلاً فالرأي أنّك تعود إلى بغداد لئلاّ يجري مِن العسكر شَغَب.

فلمّا بلغَ الخبر إلى ابن رائق عاد مِن واسط إلى بغداد، ووصل بجكم إلى واسط، فأقام بها، واعتَقل مَن معه مِن الأهوازيّين، وطالبهم بخمسين ألف دينار، وكان فيهم أبو زكريّا يحيى بن سعيد السوسي، قال أبو زكريا:

أردّتُ أنْ أعلم ما في نفس بجكم، فأنفذتُ إليه أقول: عندي نصيحة فأحضرني عنده، فقلتُ: أيّها الأمير أنتَ تُحدّث نفسك بمملكة الدنيا، وخدمة الخلافة وتدبير أعمالك كيف يجوز أنُ تعتقل قوماً منكوبين قد سُلبوا نِعمتهم، وتُطالبهم بمالٍ وهم في بَلد غربةٍ، وتأمُر بتعذيبهم، حين جُعل أمس طشت فيه نار على بطن بعضهم، أمْا تعلم أنّ هذا إذا سُمِع عنك استوحش مِنك الناس، وعاداك مَن لا يعرفك، وقد أنكرت على ابن رائق إيحاشه لأهل البصرة؟ أتراه أساء إلى جميعهم؟ لا والله، بل أساء إلى بعضهم فأبغضوه كلّهم، وعوام بغداد لا تَحتمل أمثال هذا، وذَكرتُ له فِعل مداويج.

فلمّا سمع ذلك، قال: قد صدقتني ونصحتني، ثُمّ أمر بإطلاقهم.

ولمّا استولى ابن بويه والبريدي على عسكر مكرم سار أهل الأهواز إلى البريدي يُهنّئونه، وفيهم طبيب حاذق، وكان البريدي يَحمُّ بِحُمّى الربع، فقال لذلك الطبيب: أمّا ترى يا أبا زكريا حالي وهذه الحُمّى؟ فقال له: خَلطٌ، يعني في المأكول. فقال له: أكثر مِن هذا التخليط قد رهجت الدُنيا.

ثُمّ ساروا إلى الأهواز فأقاموا بها خمسة وثلاثين يوماً، ثُمّ هرب البريدي مِن ابن بويه إلى الباسيان، فكاتبه بِعَتَب كثير ويذكر عُذره في هربه، وكان سبب هربه أنّ ابن بويه طَلبَ عسكره الّذين بالبصرة ليسيروا إلى أخيه رُكن الدولة بأصبهان معونة له على حرب وشمكير، فأحضر منهم أربعة آلاف فلمّا حضروا، قال لمُعز الدولة:

إنْ أقاموا وقع بينهم وبين الديلم فتنة، والرأي أن يسيروا إلى السوس، ثُمّ يسيروا إلى أصبهان. فأذِن له

١٥٩

في ذلك، ثُمّ طالبه بأنْ يُحضر عسكره الّذين بحصن مهدي ليُسيّرهم في الماء إلى واسط، فخاف البريدي أن يُعمَل به مِثل ما عَمِل هو بياقوت، وكان الديلم يُهينونه ولا يَلتفتون إليه، فهرب وأمر جيشه الّذين بالسوس فساروا إلى البصرة، وكاتب مُعزّ الدولة بالإفراج له عن الأهواز حتّى يتمكّن مِن ضمانه، فإنّه كان قد ضَمِن الأهواز والبصرة مِن عماد الدولة بن بويه كُلّ سَنة بثمانية عشر ألف ألف درهم، فرحل عنها إلى عسكر مكرم خوفاً مِن أخيه عماد الدولة بن بويه؛ لئلا يقول له: كسرت المال.

فانتقل البريدي إلى بناباذ، وأنفذ خليفته إلى الأهواز، وأنفذ إلى مُعزّ الدولة يَذكر له حاله وخوفه منه، ويطلب أن ينتقل إلى السوس مِن عسكر مكرم ليَبعُد عنه، ويأمَن بالأهواز، فقال له أبو جعفر الصيمري وغيره:

إنّ البُريدي يُريد أنْ يفعل بك كما فعل بياقوت، ويُفرّق أصحابك عنك، ثُمّ يأخذك فيتقرّب بكَ إلى بجكم وابن رائق، ويستعيد أخاك لأجلك.

فامتنع مُعزّ الدولة مِن ذلك، وعلم بجكم بالحال فأنفذ جماعة مِن أصحابه، فاستولوا على السوس وجنديسابور، وبقيت الأهواز بيد البريدي، ولم يبقّ بيد مُعزّ الدولة مِن كوَر الأهواز إلاّ عسكر مكرم، فاشتدَّ الحال عليه، وفارقه بعض جنده، وأرادوا الرجوع إلى فارس فمنعهم أصفهووست وموسى قياذه - وهُما مِن أكابر القوّاد - وضمنا لهم أرزاقهم ليُقيموا شهراً فأقاموا، وكَتب إلى أخيه عِماد الدولة يُعرفه حاله فأنفذ له جيشاً فقَويَ بهم، وعاد استولى على الأهواز، وهرب البريدي إلى البصرة واستقرّ فيها، فاستقرَّ ابنُ بويه بالأهواز، وأقام بجكم بواسط طامعاً في الاستيلاء على بغداد ومكان ابن رائق، ولا يُظهر له شيئاً مِن ذلك.

وأنفذ ابنُ رائق عليَّ بن خلف بن طياب إلى بجكم ليسير معه إلى الأهواز، ويُخرج منها ابن بويه، فإذا فعل ذلك كانت ولايتها لبجكم والخراج إلى عليّ بن خلف، فلمّا وصل علي إلى بجكم بواسط استوزره بجكم، وأقام معه، وأخذ بجكم جميع مال واسط، ولمّا رأى أبو الفتح الوزير ببغداد إدبار الأُمور أطمع ابن رائق في مصر والشام، وصاهره، وعقد بينه وبين ابن طغج عهداً وصهراً، وقال لابن رائق:

أنا أُجبي إليك مال مصر والشام إن سيّرتني إليهما، فأمره بالتجهّز للحركة ففعل، وسار أبو الفتح إلى الشام.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أو عنه من اصل التركة.

(السادسة): من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاج والزائرين.

(السابعة): روى اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام في رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فبدأ بالنكاح، فقال: تحرر الغلام) وفيه اشكال إلا أن يكون نذرا.

(الثامنة): روى رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل نذر الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره؟ قال: (نعم) وفيه اشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.

(التاسعة): قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه، وهو استنادا إلى رواية مرسلة.

(العاشرة): العهد كاليمين يلزم حيث تلزم.

ولو تعلق بما الاعود(١) مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.

كتاب الصيد والذبائح

يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض اذا خرق، ولو اصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل الا أن يكون حادا فيخترق وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.

ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم.

ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح

____________________ ___

(١) الاكثر فائدة ونفعا.

(*)

٢٤١

الطير إلا أن يذكى.

وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف.

وضابطه حركة الحيوان.

ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.

ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بارساله الصيد مسميا عند الارسال.

فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي اذا اعتقد الوجوب.

ولو ارسل وسمى غيره لم يؤكل صيده الا أن يذكيه، ويعتبر ألا (يغيب) عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل.

وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة و بالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.

والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخاأوقتل الكلب طفلا(١) غير ممتنع لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.

مسائل: من أحكام الصيد: (الاولى): اذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(الثانية): لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة(٢) .

____________________ ___

(١) الطفل: المولود، وولد كل وحشية أيضا طفل.

اه‍ مختار الصحاح.

(٢) هذا استدراك على الحكم السابق، لانه يفيد عدم حله سواء أكان قبل موته مستقر الحياة ام لا.

مع ان عدم الحل انما هو حكم خاص بمستقر الحياة قبل التردي وبعد الاصابة والسهم.

ويدل على ذلك عبارته فيس شرائع الاسلام وهذا نصها: (ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع في ماء فمات، لم يحل لاحتمال ان يكون موته من السقطة نعم لو صير حياته غير مستقرة، حل لانه يجري مجرى المذبوح).

(*)

٢٤٢

(الثالثة): لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال ان كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية.

ولو لم تكن مستقرة حلا.

وفي رواية يؤكل الاكبر دون الاصغر وهي شاذة.

ولو اخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.

(الرابعة): اذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى.

وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.

(الخامسة): لو ارسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم لم يسم او لم يقصد الصيد، لم يحل.

(السادسة): لو رمى صيدا فأصاب غيره حل.

ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.

(السابعة): اذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده الا أن يعرف مالكه فيرده اليه.

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لان له مالكا.

ويكره أن يرمي الصيد بما هو اكبر منه ولو اتفق قيل يحرم والاشبه الكراهية.

وكذا يكره أخذ الفراخ من اعشاشها.

والصيد بكلب علمه مجوسي.

وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة.

وصيد الوحش والطير بالليل.

والذبائح: تستدعي بيان فصول: (الاول): الذابح: ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان انثى.

وفي الكتابي روايتان، أشهرهما: المنع.

وفي رواية ثالثة: اذا سمعت تسميته فكل والافضل أن يليه المؤمن.

نعم لا تحل ذبيحة المعادي لاهل البيتعليهم‌السلام .

(الثاني): الآلة ولا تصح الا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يغري الاوداج عند الضرورة، ولو مروة او ليطة أو زجاجة.

وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

(الثالث): الكيفية: وهي قطع الاعضاء الاربعة: المرئ، والودجان،

٢٤٣

والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

ويكفي في النحر الطعن في الثغرة: ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الابل وذبح ما عداها.

فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل.

ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفى أحدهما، وهو أشبه.

وفي ابانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.

ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح واحدى رجليه وامساك صوفه أو شعره حتى يبرد.

وفي البقر عقد يديه ورجليه واطلاق ذنبه.

وفي الابل ربط أخفافه إلى ابطيه.

وفي الطير ارساله.

ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة(١) وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.

ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها.

وقيل يكره، وهو أشبه.

ويلحق به أحكام: (الاول): ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.

(الثاني): ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يخرج اذا خشي تلفه.

(الثالث): ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا.

ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب او نضب عنه الماء فأخذ حيا حل.

وقيل:

____________________ ___

(١) نخعت الشاة نخعا من باب نخع: جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع اه‍. مصباح.

(*)

٢٤٤

يكفي ادراكه يضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وان كان في الآلة.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا.

ولا يشترط اسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل اخذه.

وكذا لو أحرقه قبل اخذه.

ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.

(الرابع): ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته.

وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح وفيه بعد.

ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

كتاب الاطعمة والاشربة

والنظر فيه يستدعي أقساما: (الاول): في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت.

ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والايلامي.

ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع ولا السرطان.

وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم.

وفي الزمار والمارماهي والرهو، روايتان.

والوجه: الكراهية.

ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت ان كانت مما يؤكل.

ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال ان لم تنسلخ فلوسها.

ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط.

ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.

وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الاملس.

(الثاني): في البهائم: ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.

ويحرم الجلال منها على الاصح وهو ما يأكل عذرة

٢٤٥

الانسان محضا.

ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف.

وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالاسد.

والثعلب، ويحرم الارنب، والضب، واليربوع، والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.

(القسم الثالث): في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.

وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية.

ويتأكد في الابقع.

ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية.

ويحرم الخفاش والطاووس.

وفي الخطاف تردد.

والكراهية أشبه.

ويكره الفاختة والقبرة.

وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.

ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.

والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.

ولو اشتبه اكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.

مسألتان: (الاولى): اذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره.

ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم نسله.

(الثانية): لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.

(القسم الرابع): في الجامد وهو خمسة: (الاول): الميتات: والانتفاع بها محرم.

ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا

٢٤٦

كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض اذا اكتسى القشر الاعلى، والانفحة.

وفي اللبن روايتان، والاشبه التحريم.

(الثاني): ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والانثيان، والطحال، والفرث، والدم.

وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث.

وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الاشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية.

وتكره الكلى، والقلب والعروق.

واذا شوى الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال(١) .

(الثالث): الاعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي، والعجين اذا عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لان النار قد طهرته.

(الرابع): الطين: وهو حرام إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة.

(الخامس): السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.

(القسم الخامس): في المائعات.

والمحرم خمسة: (الاول): الخمر، وكل مسكر، والعصير اذا غلا.

(الثاني): الدم.

وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة.

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرق المرق، ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان.

ومن الاصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو

____________________ ___

(١) ولو شوى الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم، وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مصقوبا. وكان اللحم تحته حرم (*)

٢٤٧

حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.

(الثالث): كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه.

ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.

ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

(الرابع): ابوال ما لا يؤكل لحمه.

وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس): ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

(القسم السادس): في اللواحق، وهي سبع: (الاولى): شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي او ميت على الاظهر.

فان اضطر استعمل ما دسم فيه وغسل يده.

ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.

(الثانية): اذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة.

على الاصح.

(الثالثة): لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.

وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.

وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

ولا يقصد ولا يحمل.

٢٤٨

(الرابعة): من شرب خمرا او شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة): اذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.

(السادسة): الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو ألقي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا وهو متروك.

(السابعة): لا يحرم الربوبات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر.

ويكره الاسلاف في العصير.

وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

كتاب الغصب

والنظر في امور: (الاول): الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة.

وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح(١) غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به.

ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

ويضمن حمل الدابة لو غصبها.

وكذا الامة.

ولو تعاقبت الايدي على المغصوب فالضمان على الكل.

ويتخير المالك.

والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه.

ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

ولو حبس

____________________ ___

(١) أي: يتحقق ويتصور. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)

٢٤٩

صانعا لم يضمن اجرته.

ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.

ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير.

ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه.

ولو أزال القيد عن فرس فشرد او عن عبد مجنون فأبق ضمن.

ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.

(الثاني): في الاحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في السفينة.

ولو عاب(١) ضمن الارش.

ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الاجزاء.

وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش.

ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر. ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الابنية أخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

(الثالث): في اللواحق، وهي ستة.

(الاولى): فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية): لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

(الثالثة): اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع

____________________ ___

(١) عاب المتاع: صار ذا عبث.

٢٥٠

وبجميع ما عرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد.

وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.

(الرابعة): اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فأفرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة): اذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الارض ولصاحبها ازالة الغرس والزامه طم الحفرة والارش ان نقصت.

ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

(السادسة): لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب.

وقيل: قول المغصوب منه.

كتاب الشفعة

وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي امورا: (الاول): ما تثبت فيه: وتثبت في الارضين والمساكن إجماعا.

وهل ثثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان، والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.

وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: انها لا تثبت.

ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة او صلح او صداق او صدقة او اقرار.

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه.

وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.

(الثاني): في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن(١) .

____________________ ___

(١) في شرائع الاسلام: ويشترط فيه الاسلام اذا كان المشتري مسلما.

(*)

٢٥١

فلا تثبت للذمي على مسلم.

ولا بالجوار.

ولا لعاجز عن الثمن.

ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص.

وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت.

ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.

وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او افاق المجنون فله الاخذ.

(الثالث): في كيفية الاخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته.

وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال.

وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته.

وفيه قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه.

ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن او ترك.

وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.

ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله.

وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.

ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل البيع لم تبطل.

أما لو شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع ففيه التردد.

والسقوط أشبه. ومن اللواحق مسألتان: (الولى): قال الشيخ: الشفعة لا تورث.

وقال المفيد، وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه.

ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.

(الثانية): لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.

٢٥٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لاربابه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم.

وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك او ملك وباد اهله، فهو للامام لا يجوز احياؤه إلا باذنه، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الامام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع وجوده له رفع يده.

ويشترط في التملك بالاحياء: ألا يكون في يد مسلم.

ولا حريما لعامر.

ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى.

ولا مقطعا(١) ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.

واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.

ويلحق بهذا مسائل: (الاولى): الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع.

(الثانية): حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا.

والناضح ستون ذراعا.

والعين الف ذراع.

وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة): من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل اليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة): اذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الاعلى للنخل إلى الكعب.

وللزرع إلى الشراك.

ثم يسرحه إلى الذي يليه.

____________________ ___

(١) كما أقطع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الدار وارضا بحضرموت.

(*)

٢٥٣

(الخامسة): يجوز للانسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة.

وللامام مطلقا.

(السادسة): لو كان له رحا على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها الا برضاء صاحبها.

(السابعة): من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: ان كان ذلك فيما اشترى فلا بأس.

وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن له عليه شئ.

وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك، والرواية ضعيفة، وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان.

وعلى تقدير الامتياز يفسخ إن شاء ما لم يعلم.

(الثامنة): من له نصيب في قناة او نهر جاز له بيعه بما شاء.

(التاسعة): روى اسحاق بن عمار عن العبد الصالح(١) في رجل لم يزل في يده ويد آبائه دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها.

قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن يبيع سكناه.

والرواية مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي، وفي النهاية يبيع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها غير المالك باذنه فللمحيي التصرف والاصل للمالك.

____________________ ___

(١) هو الامام أبوابراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع).

(*)

٢٥٤

كتاب اللقطة

وأقسامها ثلاثة: (الاول): في اللقيط: وهو كل صبي او مجنون ضائع لا كافل له.

ويشترط في الملتقط التكليف.

وفي اشتراط الاسلام تردد.

ولا يلتقط المملوك إلا باذن مولاه.

وأخذ اللقيط مستحب واللقيط في دار الاسلام حر، وفي دار الشرك رق.

واذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه: الامام اذا لم يكن له وارث ويقبل اقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده.

واذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين.

فان تعذر الامر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع.

ولو تبرع لم يرجع.

القسم الثاني - في الضوال: وهي كل حيوان مملوك ضائع.

وأخذه في صورة الجواز مكروه.

ومع تحقق التلف مستحب.

فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة.

ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلا ولا ماء، ويملكه الآخذ.

والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لانها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام فان جاء صاحبها والا تصدق بثمنها.

وينفق الواجد على الضالة ان لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال.

وهل يرجع على المالك؟ الاشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر او اللبن قال الشيخ في النهاية: كان بازاء ما انفق، والوجه التقاص.

القسم الثالث - وفيه ثلاث فصول: (الاول): اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف.

وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان ازيد، فان وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف، ويعرف حولا فان جاء صاحبه

٢٥٥

والا تصدق به عنه او استبقاه أمانة، ولا يملك.

ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الاشهر.

وان وجده في غير الحرم يعرف حولا.

ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة و ابقائها أمانة.

ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وان شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.

ويكره أخذ الادواة، والمخصرة، والنعلين.

والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهها.

مسائل: (الاولى): ما يوجد في خربة او فلاة او تحت الارض فهو لواجده.

ولو وجده في ارض لها او بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك او البائع فان عرفه فهو أحق به إلا كان للواجد.

وكذا ما يجده في دابته.

ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.

(الثانية): ما وجده في صندوقه او داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا أنكره.

(الثالثة): لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك.

وقيل: تملك بمضي الحول.

(الثاني): الملتقط من له أهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز.

وكذا المكاتب، والمدبر، وام الولد.

(الثالث): في الاحكام وهي ثلاثة: (الاول): لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

(الثاني) لا بأس بجعل الآبق فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر: دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على رواية ضعيفة يؤيدها

٢٥٦

الشهرة وألحق الشيخان: البعير، وفيما عداهما أجرة المثل.

(الثالث): لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط.

كتابب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق والمقدمات ثلاث: (الاولى): في موجبات الارث، وهي: نسب، وسبب.

فالنسب ثلاث مراتب: ١ - الابوان، والولد وإن نزل.

٢ - والاجداد وإن علوا، الاخوة وأولادهم وإن نزلوا.

٣ - والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة(١) ثم ولاء الامامة.

(الثانية): في موانع الارث، وهى ثلاثة: الكفر، والرق، والقتل.

أما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث.

فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر او ذميا او مرتدا ويرث الكافر أصليا ومرتدا فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر او كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن.

ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام.

والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر إلا اذا لم يكن وارث مسلم.

ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر، واذا أسلم الكافر، على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في النسب وحاز الميراث إن كان أولى سواء كان الموروث مسلما او كافرا.

____________________ ___

(١) هو المعروف عند فقهاء السنة بولاء الموالاة.

(*)

٢٥٧

ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان أسلم لانه لا تتحقق هنا قسمة.

مسائل: (الاولي): الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقي للامام.

ولو أسلموا او أسلم أحدهم، قال الشيخ: يزد عليهم ما فضل عن سهم الزوجية، وفيه تردد.

(الثانية): روى مالك بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة فان أسلم الصغار دفع المال إلى الامام فان بلغوا على الاسلام دفعة الامام اليهم.

فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

(الثالث): اذا كان أحد أبوي الصغير مسلما الحق به فلو بلغ أجبر على الاسلام.

ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آراؤهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة): المرتد عن فطرة(١) يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة.

وتقسم أمواله.

ومن ليس عن فطرة يستتاب.

فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لامعها.

والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة.

(السادسة): لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم.

ولو لم يكن وارث الا كافرا كان ميراثه للامام على الاظهر.

وأما القتل فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما ولا يمنع لو كان خطأ.

____________________ ___

(١) هو من كان أبواه مسلمين عند بدء الحمل به.

(*)

٢٥٨

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره.

ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وهنا مسائل: (الاولى): الدية كأموال الميت تقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه وان قتل عمدا إذا أخذت الدية(١) .

وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين.

(الثانية): يرث الدية من يتقرب بالاب ذكرانا أو اناثا، الزوج والزوجة ولا يرث من يتقرب بالام، وقيل: يرثها من يرث المال.

(الثالثة): اذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الامام فله القود أو الدية مع التراضي وليس له العفو، وقيل: له العفو.

أما الرق، فيمنع في الوارث والموروث.

ولو اجتمع مع الحر فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل القسمة شارك ان كان مساويا وحاز الارث ان كان أولى ولو كان الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث وان كان أقرب لانه لا قسمة، ولو لم يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وينعتق ليحوز الارث.

ولو قصر المال عن قيمته لم يفك.

وقيل: يفك ويسعى في باقيه ويفك الابوان والاولاد دون غيرهما وقيل: يفك ذو القرابة.

وفيه رواية ضعيفة.

وفي الزوج والزوجة تردد.

ولا يرث المدبر ولا ام الولد ولا المكاتب المشروط.

ومن تحرر بعضه يرث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية.

المقدمة الثالثة: في السهام: وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان

____________________ ___

(١) يريد اذا صولح على القصاص عليهما.

(*)

٢٥٩

والثلث، والسدس.

فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت، والاخت للاب والام أو للاب.

والربع للزوج مع الولد وإن نزل وللزوجة مع عدمه.

والثمن للزوجة مع الولد وإن نزل.

والثلثان للبنتين فصاعدا وللاختين فصاعدا للاب والام، أو للاب والثلث للام مع عدم من يحجبها من الولد وان نزل او الاخوة، وللاثنين فصاعدا من ولد الام.

والسدس لكل واحد من الابوين مع الولد وإن نزل.

وللام مع من يحجبها عن الزائد.

وللواحد من كلالة الام ذكرا كان او انثى.

والنصف يجتمع مع مثله، مع الربع، والثمن، ومع الثلث والسدس.

ولا يجتمع الربع مع الثمن.

ويجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس.

ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس.

ولا يجتمع مع الثلث، ولا الثلث مع السدس.

مسألتان: (الاولى): التعصيب باطل.

وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة.

والام مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي: (الثانية) لاعول في الفرائض لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يفي بل يدخل النقص على البنت او البنتين، او على الاب او من يتقرب به.

وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما المقاصد فثلاثة:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442