تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 442
المشاهدات: 107946
تحميل: 8800


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107946 / تحميل: 8800
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

مِن هؤلاء مِن السيئات، وما عَضُد الدولة إلاّ بشرٌ يُخطئ ويُصيب، ومَلك يَعدل ويجور ويَرحم ويَظلم، وقد يكون أقلّ المُلوك الّذين هُم على شاكلته أوزاراً.

وكيف كان، فـ (كفى المرءَ نُبلاً أنْ تُعدّ معايبه).

عَضُد الدولة وابن سمعون الواعظ:

قيل لعَضُد الدولة - كما روى ابن كثير -: إنّ أهل بغداد قد قلّوا كثيراً بسبب الطاعون، وما وقع بينهم مِن الفِتن بسبب الرفض والسُنّة، وأصابهم حريق وغريق.

فقال: إنّما يهيج الشرّ بين الناس هؤلاء القُصّاص والوعّاظ. ثُمّ رَسم أنّ أحداً لا يقصّ ولا يَعظ في سائر بغداد، ولا يسأل سائل باسم أحد مِن الصحابة، وإنّما يقرأ القرآن فمَن أعطاه أخذ منه، فعُمل بذلك في البلد، ثُمّ بلغه أنّ أبا الحسين بن سمعون الواعظ - وكان مِن الصالحين - لم يترك الوعظ، بل استمرَّ على عادته، فأرسل إليه مَن جاءه به، وتحول عَضُد الدولة مِن مجلسه، وجلس وحده؛ لئلاّ يَبدر مِن ابن سمعون إليه بين الدولة كلام يكرهه، وقيل لابن سمعون: إذا دخلت على المَلك فتواضع في الخطاب، وقبّل التراب، فلمّا دخل دار المَلك وجده قد جلس وحده؛ لئلاّ يبدر مِن ابن سمعون في حقّه كلام بحضرة الناس يُؤثَر عنه، ودخل الحاجب بين يديه يستأذن له، ودخل ابن سمعون وراءه، ثُمّ استفتح القراءة:

( وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى‏ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ) ، ثُمّ التفت بوجهه نحو دار عِزّ الدولة، ثُمّ قرأ:

( ثُمّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ ) ، ثُمّ أخذ في مُخاطبة المَلك وَوَعظِهِ، فبكى عَضُد الدولة بكاء كثيراً، وجزّاه خيراً، فلمّا خرج مِن عنده، قال للحاجب:

اذهب فخذ ثلاثة آلاف درهم وعشرة أثواب وادفعها له، فإنْ قَبِلها جئني برأسه.

قال الحاجب: فجئته فقلت، هذا أرسل به المَلك إليك، فقال: لا حاجةّ لي به، هذه ثيابي مِن عهد أبي مُنذ أربعين سَنة كلّما خرجتُ إلى الناس لبستُها فإذا رجعت طويتها، ولي دار آكل مِن أُجرتها تركها لي أبي، فأنا في غنية عمّا أرسل به المَلك، فقلت: فَرّقها في فُقراء أهلك، فقال: فقراء أهله أحقّ بها.

٢٤١

الخامس: عِزّ الدولة بختيار بن مُعِزّ الدولة أحمد بن بويه

الديلمي (أبو منصور)

مَولدهُ وولايتُهُ ومُخالفتُه وصيّة أبيه:

وُلد سَنة إحدى وثلاثين وثلاثمئة للهجرة، وُلّي المِلك بعد وفاة أبيه مُعِزّ الدولة سَنة ستٍّ وخمسين وثلاثمئة، ولمّا حضرته الوفاة وصّى بختيار بطاعة عمّه رُكن الدولة، واستشارته في كلّ ما يفعله، وبطاعة عَضُد الدولة ابن عمّه؛ لأنّه أكبر منه سِنّاً وأقوم بالسياسة، ووصّاه بتقرير كاتبيه أبي الفضل العبّاس بن الحسين، وأبي الفرج محمّد بن العبّاس لكفايتهما وأمانتهما، ووصّاه بالديلم والأتراك، وبالحاجب سبكتكين، فخالف هذه الوصايا جميعها، واشتغل باللهو واللعِب وعِشرة النساء والمساخر والمُغنين، وشرع في إيحاش كاتبيه وسبكتكين، فاستوحشوا، وانقطع سبكتكين عنه فلم يحضر داره، ونفى كبار الدَيلم عن مَملكته شَرَهاً إلى إقطاعاتهم وأموالهم وأموال المُتّصلين بهم، فاتّفق أصاغرهم عليه وطلبوا الزيادات، واضطر إلى مرضاتهم، واقتدى بهم الأتراك، فعملوا مِثل ذلك، ولم يتمّ له على سبكتكين ما يُريد لاحتياطه، واتّفق الأتراك معه، وخرج الديلم إلى الصحراء، وطالعوا بختيار بإعادة مَن أسقط منهم، فاحتاج أنْ يُجيبهم لتغيّر سبكتكين عليه، وفعل الأتراك أيضاً مِثل فعلهم، واتصل خَبر موت مُعِزّ الدولة بكاتبه أبي الفرج محمّد بن العباس - وهو مُتولّي أمر عُمان - فسلّمها إلى نوّاب عَضُد الدولة، وسار نحو بغداد، وكان سَببُ تسليمها إلى عَضُد الدولة أنّ بختيار لمّا مَلك بعد

٢٤٢

موت أبيه تفرّد أبو الفضل بالنظر في الأُمور، فخاف أبو الفرج أنْ يستمرّ انفراده عنه، فسَلّم عُمان إلى عَضُد الدولة؛ لئلاّ يُؤمَر بالمَقام فيها لحفظها وإصلاحها، وسار إلى بغداد فلم يتمكّن مِن الذي أراد، وتفرّد أبو الفضل بالوزارة.

ما كَتبَ عنه المُؤرّخون:

قال ابن خُلّكان:

وُلّي عِزّ الدولة مملكة أبيه يوم موته، وتزوّج الإمام الطائع ابنته شاه زمان على صداقٍ مبلغه مئة ألف دينار، وخطب خطبة العَقد القاضي أبو بكر بن فريعة، وذلك سَنة أربع وستّين وثلاثمئة، وكان عِزّ الدولة مَلكاً سرياً شديد القوى يُمسك الثور العظيم بقرنيه فيصرعه، وكان متوسّعاً في الإخراجات والكُلَف والقيام بالوظائف.

حكى بشر الشمعي ببغداد، قال:

سُئِلنا عند دخول عَضُد الدولة بن بويه - وهو ابن عمّ عِزّ الدولة - إلى بغداد لمّا ملكها بعد قتله عِزّ الدولة عن وظيفة الشمع الموقد بين يدي عِزّ الدولة، فقُلنا: كانت وظيفة وزيره أبي الطاهر محمّد بن بقية ألف مَنٍّ في كلّ شهر، فلم يُعاودوا التقصّي استكثاراً لذلك.

وقال ابن كثير:

مَلك بعد أبيه وعُمره فوق العشرين سَنة بقليل، وكان حَسُن الجسم، شديد البطش، قويّ القلب، يُقال إنّه كان يأخذ بقوائم الثور فيُلقيه على الأرض مِن غير أعوان، ويقصد الأُسود في أماكنها، ولكنّه كان كثير اللهو واللعب والإقبال على اللذّات، ولمّا كسره ابن عمّه ببلاد الأهواز كان في جُملة ما أُخذ منه أمرد، وكان يُحبّه حبّاً شديداً لا يهنأ بالعيش إلاَّ معه، فبعث يترفّق في ردّه إليه، وأرسل إليه بتُحف كثيرة وأموال جزيلة وجاريتين عوّادتين لا قيمة لهما، فردّ عليه الغلام المذكور، فكُثر تعنيف الناس له عند ذلك، وسقط مِن أعيُن الملوك، فإنّه كان يقول:

ذهاب هذا الغُلام منّي أشدّ عليَّ مِن أخذ بغداد مِن يدي، بل وأرض العراق كلّها، فأنت ترى ممّا ذَكره هذان المُؤرّخان، وابن الأثير في كامله، وغيرهم مِن ضعف سياسة عِزّ الدولة، وسوء سيرته، وانصرافه إلى كلّ لذائذ الشباب، وهو يَملك منها الشيء الكثير ما يُمهّد لابن عمّه عَضُد الدولة، وهو على غير هذه السيرة يسير في سياسة المِلك، ويقوم له بالعُذر في إنقاذ المملكة العراقيّة منه، وهي على شفا الخطر، والطامعون فيها كثيرون.

٢٤٣

عصيان أخيه حبشي عليه:

في السنة الثانية مِن مِلك عِزّ الدولة - وهي سَنة سبعٍ وخمسين وثلاثمئة - عصا حبشي بن مُعِزّ الدولة على أخيه بختيار، وكان بالبصرة لمّا مات والده، فحَسّن له مَن عنده مِن أصحابه الاستبداد بالبصرة، وذكروا له أنّ أخاه بختيار لا يَقدر على قصده فشرع في ذلك، فانتهى الخبر إلى أخيه، فسيّر وزيره أبا الفضل العبّاس بن الحسين إليه، وأمره بأخذه كيف أمكن، فأظهر الوزير أنّه يُريد الانحدار إلى الأهواز، ولمّا بلغَ واسط أقام بها ليُصلح أمرها، وكَتب إلى حبشي يَعده أنّه يُسلّم إليه البصرة سِلماً، ويصالحه عليها ويقول له:

إنّني قد لزمني مال على الوزارة ولا بدّ مِن مُساعدتي، فنفذ إليه حبشي مائتي ألف درهم، وتيقّن حصول البصرة له، وأرسل الوزير إلى عسكر الأهواز يأمرهم بقصد الأُبُلّة في يوم ذَكره لهم، وسار هو مِن واسط نحو البصرة، فوصلها هو وعسكر الأهواز لميعادهم، فلم يتمكّن حبشي مِن إصلاح شأنه وما يحتاج إليه، فظفروا به وأخذوه أسيراً وحبسوه برامهرمز، فأرسل عمّه رُكن الدولة وخلّصه، فسار إلى عَضُد الدولة فأقطعه إقطاعاً وافراً، وأقام إلى أنْ مات في آخر سنَة تسعٍ وستّين وثلاثمئة، وأخذ الوزير مِن أمواله بالبصرة شيئاً كثيراً، ومِن جُملة ما أخذ له خمسة عشر ألف مُجلّد، سوى الأجزاء والمَسرس وما ليس له جلد.

بَعضُ تصرّفات عِزّ الدولة في عَزل بعض وزرائه وتَعيين آخر ونفي بعض رجاله:

وفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة، قبض بختيار على وزيره أبي الفضل العبّاس بن الحسين وعلى جميع أصحابه، وقبض أموالهم وأملاكهم، واستوزر أبا الفرج محمّد بن العبّاس، ثُمّ عزل أبا الفرج وأعاد أبا الفضل، وفيها نفى شيرزاد، وكان قد غلب على أمر بختيار، فصار يُحكّم على الوزير والجُند وغيرهم، فأوحش الأجناد، وعِزّم الأتراك على قَتله، فمنعهم سبكتكين وقال لهم:

خوّفوه ليهرب، فهرب مِن بغداد، وعهد إلى بختيار ليحفظ ماله ومِلكه، فلمّا سار عن بغداد قبضَ بختيار أمواله وأملاكه ودوره، وكان هذا ممّا يُعاب به بختيار.

ثُمّ إنّ شيرزاد سارَ إلى رُكن الدولة ليصلح أمره مع بختيار، فتوفّي بالري عند وصوله إليها.

٢٤٤

حصر بختيار لعِمران بن شاهين:

في شوال سَنة تسعٍ وخمسين وثلاثمئة انحدر بختيار إلى البطيحة لمُحاصرة عِمران بن شاهين، وقد ذكرنا ذلك في أخبار ابن شاهين فلا نُعيده.

تزويج بختيار ابنته لأبي تغلب بن حمدان:

في سَنة ٣٦٠ تزوّج أبو تغلب بن حمدان ابنة عِزّ الدولة بختيار، وعُمرها ثلاث سنين على صداق مئة ألف دينار، وكان الوكيل في قبول العقد أبا الحسن عليّ بن عمر بن ميمون صاحب أبي تغلب بن حمدان، ووقع العقد في صَفر.

الفتنة في بغداد وبختيار والمُطيع لله:

في سنة إحدى وستّين وثلاثمئة وقعت ببغداد فتنة عظيمة، وأظهروا العصبيّة الزائدة، وتحزّب الناس، وظهر العيارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سَبب ذلك ما ذكرناه مِن استنفار العامّة للغُزاة، وقد بلغهم ما فعل الروم بالجزيرة، وسكوت أُمراء الأطراف كالحمدانيّين وغيرهم عن دفعهم، ومسير جماعة مِن أهل تلك البلاد مُستنفرين، وقاموا في الجوامع والمشاهد واسنفروا المسلمين، وذكروا ما فعله الروم مِن النهب القتل والأسر والسبي، فاستعظمه الناس وخَوّفهم أهل الجزيرة مِن انفتاح الطريق وطمع الروم، وأنّهم لا مانع لهم عندهم، فاجتمع معهم أهل بغداد وقصدوا دار الخليفة الطائع لله، وأرادوا الهُجوم عليه، فمُنعوا مِن ذلك وأُغلقت الأبواب، فأُسمعوا ما يقبح ذِكره، وكان بختيار حينئذ يتصيّد بنواحي الكوفة، فخرج إليه وجوه أهل بغداد مُستغيثين، مُنكرين عليه اشتغاله بالصيد وقتال عِمران بن شاهين وهو مسلم، وتَرْك جهاد الروم ومنعهم عن بلاد الإسلام حتّى توغّلوها، فوعدهم التجّهز للغُزاة، وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمره بالتجّهز للغزو، وأنْ يستنفر العامّة ففعل سبكتكين ذلك، فاجتمع مِن العامّة عدد كثير لا يُحصون كثرة، وكَتب بختيار إلى أبي تغلب بن حمدان صاحب الموصل يأمره بإعداد الميرة والعلوفات، ويُعرفه عَزمه على الغزاة، فأجابه بإظهار الفرح وإعداد ما طلب منه، ولمّا اجتمع عامّة

٢٤٥

بغداد وكثروا، وتولّد بينهم مِن أصناف البنوية والفتيان والسُنّة والشيعة والعيارين، فنُهبت الأموال وقُتل الرجال وأُحرقت الدور، وفي جُملة ما احترق محلّة الكرخ، وكانت معدن التجّار والشيعة، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.

ثُمّ إنّ بختيار أنفذ إلى المُطيع لله يطلب منه مالاً يُخرجه في الغُزاة، فقال المطيع:

إنّ الغزاة والنفقة عليها وغيرها مِن مصالح المسلمين تلزمني إذا كانت الدُنيا في يدي وتُجبى إليّ الأموال، وأمّا إذا كان حالي هذه، فلا يلزمني شيء مِن ذلك، وإنّما يلزم مَن البلاد في يده وليس له إلاّ الخطبة، فإنْ شئتم أنْ أعتزل فعلت.

وتردّدت الرسائل بينهما حتّى بلغوا إلى التهديد، فبذل المُطيع لله أربعمئة ألف درهم، فاحتاج إلى بيع ثيابه وأنقاض داره وغير ذلك، وشاع بين الناس مِن العراقيين وحجافج خُراسان أنّ الخليفة قد صودر، فلمّا قبضَ بختيار المال صرفه في مصالحه وبطل حديث الغُزاة.

عزل أبي الفضل مِن وزارة عِزّ الدولة ووزاة ابن بقية:

وفي سنة ٣٦٢هـ عُزِل الوزير أبو الفضل العبّاس بن الحسين من وزارة عِزّ الدولة بختيار في ذي الحجّة، واستوزر محمّد بن بقية، فعجب الناس لذلك؛ لأنّه كان وضيعاً في نفسه مِن أهل أوانا، وكان أبوه أحد الزرّاعين لكنّه كان قريباً مِن بختيار، وكان يتولّى له المطبخ، ويُقدّم إليه الطعام ومنديل الخوان على كتفه إلى أنْ استوزر، وحُبس الوزير أبو الفضل فمات عن قريب، فقيل: إنّه مات مسموماً، وكان في ولايته مُضيّعاً لجانب الله، فمِن ذلك أنّه أحرق الكرخ ببغداد فهلك فيه مِن الناس والأموال ما لا يُحصى، ومِن ذلك أنّه ظلَم الرعيّة، وأخذ الأموال ليُفرّقها على الجُند ليَسلُم فما سلّمه الله تعالى ولا نفعه ذلك، وكان ما فعله مِن ذلك أبلغ الطرق التي سلكها أعداؤه مِن الوقيعة فيه والسعي به، وتمشّى لهم ما أرادوا لِما كان عليه مِن تفريطه في أمر دينه وظُلم رعيّته، وعقبَ ذلك أنْ ماتت زوجته وهو محبوس وحاجبه وكاتبه، فخربتْ داره وعفا أثرها.

وأمّا ابن بقية، فإنّه استقامت أُموره، ومشت الأحوال بين يديه بما أخذه مِن أموال أبي الفضل وأموال أصحابه، فلمّا فني ذلك عاد إلى ظُلم الرعيّة، فانتشرت الأُمور على يده، وخربت النواحي، وظهر العيارون وعلموا ما أرادوا، وزاد الاختلاف بين

٢٤٦

الأتراك وبين بختيار، فشرع ابن بقية في إصلاح الحال مع بختيار وسبكتكين، فاصطلحوا وكانت هدنة على دخن، وركب سبكتكين إلى بختيار ومعه الأتراك فاجتمع به، ثُمّ عاد الحال إلى ما كان عليه مِن الفساد، وسَبب ذلك أنّ ديلميّاً اجتاز بدار سبكتكين وهو سكران، فرمى الروشن بزوبين في يده فأثبته فيه، وأحسّ به سبكتكين فصاح بغلمانه فأخذوه، وظنّ سبكتكين أنّه قد وضع على قتله، فقرّره فلم يعترف، وأنفذه إلى بختيار، وعرّفه الحال فأمر به فقُتل، فقوي ظنّ سبكتكين أنّه كان وضعه عليه وإنّما قتله لئلاّ يُفشي ذلك، وتحرّك الديلم لقتله وحملوا السلاح، ثُمّ أرضاهم بختيار فرجعوا.

استيلاءُ بختيار على الموصل:

في ربيع الأول سنة ٣٦٣هـ سار بختيار إلى الموصل ليستولي عليها وعلى أعمالها وما بيد أبي تغلب بن حمدان، وقد ذكرنا ذلك في أخبار بني حمدان فلا نُعيده.

الفِتنةُ بينَ بختيار وأصحابه:

في هذه السنَة ابتدأت الفتنة بين الأتراك والديلم بالأهواز، فعمّت العراق جميعه واشتدّت، وكان سبَب ذلك أنّ عِزّ الدولة بختيار قلّتْ عنده الأموال، وكثر إدلال جنده عليه واطّراحهم لجانبه وشَغبهم عليه، فتعذّر عليه القرار، ولم يجد ديوانه ووزيره جهة يحتال منها بشيء، وتوجّهوا إلى الموصل لهذا السبب فلم ينفتح عليهم، فرأوا أنْ يتوجّهوا إلى الأهواز، ويتعرّضوا لبختكين آزادرويه وكان مُتولّيها، ويعملوا له حجّة يأخذون منه مالاً ومِن غيره، فسار بختيار وعسكره وتَخلّف عنه سبكتكين التُركي، فلمّا وصلوا إلى الأهواز خَدَم بختيار، وحَمل له أموالاً جليلة المقدار، وبذل له مِن نفسه الطاعة، وبختيار يُفكّر في طريق يأخذه به، فاتّفق أنّه جرى فتنة بين الأتراك والديلم، وكان سببها أنّ بعض الديلم نزلوا داراً بالأهواز، ونزل قريباً منه بعض الأتراك، وكان هُناك لِبْن موضوع، فأراد غُلام الديلمي يبني منه مَعلفاً للدواب، فمنعه غلام التركي فتضاربا، وخرج كلّ واحد مِن التُركي والديلمي إلى نُصرة غُلامه، فضعُف التركي عنه، فركب واستنصر بالأتراك، فركبوا وركب الديلم، وأخذوا السلاح فقُتِل بينهم بعضُ قوّاد الأتراك، وطلب الأتراك بثأر

٢٤٧

صاحبهم، وقتلوا به مِن الديلم قائداً أيضاً، وخرجوا إلى ظاهر البلد، واجتهد بختيار في تسكين الفتنة فلم يُمكنه ذلك، فاستشار الديلم فيما يفعله - وكان أُذناً يَتبع كلّ قائل - فأشاروا عليه بقبض رؤساء الأتراك لتصفو له البلاد، فأحضروا آزادرويه وكاتبه سهل بن بشر وسباشى الخوارزمي يكتيجور - وكان حِماً لسبكتكين - فحضروا فاعتقلهم وقيّدهم، وأطلق الديلم في الأتراك، فنهبوا أموالهم ودوابهم، وقُتل بينهم قتلى، وهرب الأتراك، واستولى بختيار على إقطاع سبكتكين فأخذه، وأمر فنودي بالبصرة بإباحة دمِ الأتراك.

حيلةٌ لبختيار عادتْ عليه:

كان بختيار قد واطأ والدته وإخوته أنّه إذا كَتب إليهم بالقبض على الأتراك يُظهرون أنّ بختيار قد مات ويجلسون للعِزّاء، فإذا حضر سبكتكين عندهم قبضوا عليه، فلمّا قَبض بختيار على الأتراك، كَتب إليهم على أجنحة الطيور يُعرفهم ذلك، فلمّا وقفوا على الكُتب وقع الصُراخ في داره، وأشاعوا موته ظنّاً منهم أنّ سبكتكين يَحضر عندهم ساعة يبلغه الخَبر، فلمّا سَمع الصُراخ أرسل يسأل عن الخَبر، فأعلموه، فأرسل يسأل عن الذي أخبرهم، وكيف أتاهم الخبر؟ فلم يجد نَقلاً يَثق القلب به، فارتاب بذلك ثُمّ وصله رُسله الأتراك بما جرى، فعَلِم أنّ ذلك كان مكيدة عليه، ووعّاه الأتراك إلى أنْ يتآمر عليهم فتوقف، وأرسل إلى أبي إسحاق بن مُعِزّ الدولة يُعلمه أنّ الحال قد انفسد بينه وبين أخيه، فلا يُرجى صلاحه، وأنّه لا يرى العُدول عن طاعة مواليه وإنْ أساؤوا إليه، ويدعوه إلى أنْ يَعقد الأمر له، فعَرض قوله على والدته فمنعته، فلمّا رأى سبكتكين ذلك ركب في الأتراك، وحصر دار بختيار يومين ثُمّ أحرقها، ودخلها وأخذ أبا إسحاق وأبا طاهر ابني مُعِزّ الدولة ووالدتهما ومَن كان معهما، فسألوه أنْ يُمكّنهم مِن الانحدار إلى واسط ففعل، وانحدروا وانحدر مَعهم المُطيع لله في الماء، فأنفذ سبكتكين فأعاده وردّه إلى داره، وذلك تاسع ذي القعدة، واستولى على ما كان لبختيار جميعه ببغداد، ونزل الأتراك في دور الديلم، وتتبّعوا أموالهم وأخذوها، وثارت العامّة مِن أهل السُنّة ينصرون سبكتكين؛ لأنّه كان يتسنّن، فخلع عليهم وجعل لهم العرفاء والقوّاد، فثاروا بالشيعة وحاربوهم، وسُفكتْ بينهم الدماء، وأُحرقت الكرخ حريقاً ثانياً، وظهرت السُنّة عليهم.

٢٤٨

وفي هذه السنة خُلع المطيع لله ووُلّي الخلافة مكانه ولده الطائع لله، واسمه أبو الفضل عبد الكريم.

حال بختيار بعد قبض الأتراك:

لمّا فَعل بختيار ما مَرّ ذِكره مِن قبض الأتراك ظفرَ بذخيرة لآزادرويه بجنديسابور فأخذه، ثُمّ رأى ما فعله الأتراك مع سبكتكين، وأنّ بعضهم بسواد الأهواز قد عصوا عليه، واضطرب عليه غُلمانه الّذين في داره، وأتاه مشايخ الأتراك مِن البصرة فعاتبوه على ما فعل بهم، وقال له عقلاء الديلم:

لا بدَّ لنا في الحرب مِن الأتراك يدفعون عنّا بالنشّاب، فاضطرب رأي بختيار ثُمّ أطلق آزادرويه، وجعله صاحب الجيش موضع سبكتكين، وظنّ أنّ الأتراك يأنسون به، وأطلق المُعتقلين وسار إلى والدته وإخوته بواسط، وكَتب إلى عمّه رُكن الدولة وابن عمّه عَضُد الدولة يسألهما أنْ يُنجداه، ويكشفا ما نزل به، وكَتب إلى أبي تغلب بن حمدان يطلب منه أنْ يُساعده بنفسه، وأنّه إذا فعل ذلك أسقط عنه المال الّذي عليه، وأرسل إلى عِمران بن شاهين بالبطيحة خِلَعاً وأسقط عنه باقي المال الّذي اصطلحا عليه، وخطب إليه إحدى بناته، وطلب منه أنْ يُسيِّر إليه عسكر.

فأمّا رُكن الدولة عمّه، فإنّه جهّز عسكراً مع وزيره أبي الفتح بن العميد، وكتب إلى ابنه عَضُد الدولة يأمره بالمسير إلى ابن عمّه، والاجتماع مع ابن العميد، فأمّا عَضُد الدولة، فإنّه وَعَد بالمسير وانتظر ببختيار الدوائر طَمعاً في مُلك العراق، وأمّا عِمران بن شاهين، فإنّه قال:

أمّا إسقاط المال، فنحن نَعلم أنّه لا أصل له وقد قبلته، وأمّا الوصلة، فإنّني لا أتزوج أحداً إلاّ أنْ يكون الذِكر مِن عندي، وقد خطب إليَّ العلويّون وهم موالينا فما أجبتهم إلى ذلك، وأمّا الخِلع والفرس، فإنّي لست ممَّن يلبس ملبوسكم وقد قبلها ابني، وأمّا إنفاذ عسكر، فإنّ رجالي لا يسكنون إليكم لكثرة ما قتلوا منكم.

ثُمّ ذَكر ما عامَله به هو وأبوه مرّة بعد أُخرى، وقال: ومع هذا فلا بد أنْ يحتاج إلى أنْ يدخل بيتي مُستجيراً بي والله لأُعاملنّه بضدّ ما عاملني به هو وأبوه فكان كذلك.

وأمّا أبو تغلب بن حمدان، فإنّه أجاب إلى المُسارعة، وأنفذ أخاه أبا عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدان إلى تكريت في عسكر، وانتظر انحدار الأتراك عن بغداد فإنْ ظفروا ببختيار دخل بغداد مالكاً له، فلمّا انحدر الأتراك عن بغداد

٢٤٩

سار أبو تغلب إليها يوجب على بختيار الحجّة في إسقاط المال الّذي عليه، ووصل إلى بغداد والناس في بلاء عظيم مع العيارين، فحمى البلد وكفّ أهل الفساد.

وأمّا الأتراك، فإنّهم انحدروا مع سبكتكين إلى واسط، وأخذوا معهم الخليفة الطائع لله والمُطيع أيضاً وهو مخلوع، فلمّا وصلوا إلى دير العاقول تُوفّي بها المُطيع لله، ومَرض سبكتكين فمات بها أيضاً، فحُملا إلى بغداد، وقدِم الأتراك عليهم الفتكين، وهو مِن أكابر قوّادهم وموالي مُعزّ الدولة، وفرح بختيار بموت سبكتكين، وظنّ أنْ أمرَ الأتراك ينحلّ وينتشر بموته، فلمّا رأى انتظام أُمورهم ساءه ذلك.

ثُمّ إنّ الأتراك ساروا إليه وهو بواسط، فنزلوا قريباً منه، وصاروا يُقاتلونه نوائب نحو خمسين يوم، ولم تزل الحرب بين الأتراك وبختيار مُتّصلة، والظَفر للأتراك في كلّ ذلك، وحصروا بختيار واشتدّ عليه الحصار وأحدقوا به، وصار خائفاً يترقّب، وتابع إنفاذ الرُسل إلى عَضُد الدولة بالحثّ والإسراع، وكَتب إليه:

فإنْ كُنتُ مأكولاً فكنْ أنت آكلي وإلاّ فأدرُكني ولمّا أُمزّق

فلمّا رأى عَضُد الدولة ذلك، وأنّ الهمّ قد بلغَ ببختيار ما كان يرجوه سارَ نحو العراق نجدة له وباطنه بِضدّ ذلك.

استيلاءُ عَضُد الدولة على العراق وقَبضُ بختيار:

تقدّم الخَبر عن ذلك في أخبار عَضُد الدولة مِن هذا الجُزء، وذلك في سنة ٣٦٤هـ فراجعه.

عودُ بختيار إلى مُلكه:

مرّ خبر عوده إلى مُلكه بواسطة عَمّه رُكن الدولة والد عَضُد الدولة في هذه السَنة في أخبار عَضُد الدولة، فراجعه.

مَسيرُ عَضُد الدولة إلى العراق والحرب بينه وبين بختيار وانهزام بختيار:

قد عرفتَ ممّا سَبقَ تركُ عَضُد الدولة العراق في سَنة أربع وستّين وثلاثمئة بعد مِلكها، وقبضه على بختيار واستياء رُكن الدولة مِن وَلده عَضُد

٢٥٠

الدولة، وإلجائه أخيراً إلى الرجوع إلى مملكته فارس، والتَخلّي عن العراق لبختيار تَركَ عَضُد الدولة العراق مُكرهاً مُلجأً مِن والده، وهو يضمر العودة إليه، وما كان ذلك إلاّ لأجَلٍ هو بالغه قريباً، وما بين والده والموت إلاّ أنْ يَنزُل به، وهو الذي أناف على السبعين أو الثمانين، وما مضى على تخليته العراق قِبلَة أنظاره سوى العام وبعض العام، ودخلت سَنة ستّ وستّين والأُمور عن بختيار في إدبار، وهو في جيش مُنقسم على نفسه مِن قبيلين مُختلفين مُتنازعين على السلطة: الديلم والترك، دعْ نضوب المال مِن خُزانته، وهو عَصب الدولة، بل كلّ عَمل في الدنيا، ممّا اضطرّه لاستنصار ابن عمّه عَضُد الدولة الطامع في مُلكه، وهو يستشهد في استنصاره وقد ضاق به الخِناق، وفسدت عليه العراق بالبيت المشهور:

فإنْ كُنتُ مأكولاً فكنْ أنتَ آكلي وإلاّ فأدرُكني ولمّا أُمزّق

فكان مِن طموح عَضُد الدولة وطمعه في العراق واستنجاد مَلكها المستضعف الفارّ مِن سلطة الأتراك مِن بغداد ما هيّأ له تحقيق آماله، كما عرفت الخَبر عن ذلك في أخبار عَضُد الدولة مِن هذا الجُزء.

استيلاء عَضُد الدولة على العراق ومَقتل بختيار:

دخلتْ سَنة سبع وستّين، ودخل عَضُد الدولة بغداد، وأخرج منها بختيار بعد أنْ خيره في المسير إلى الجهة التي يختارها على أنْ يَضمن له المُساعدة بما يحتاج إليه مِن مال وسلاح وغير ذلك، وبعد أنْ أجاب ولبس خلعته وغادر بغداد مؤكّداً لابن عمّه العمل بما أخذ عليه مِن العهود والمواثيق أنْ لا يقصد ولاية أبي تغلب بن حمدان، ولكنّه نَكث تلك العهود والمواثيق، وقصد ابن حمدان وجَرّد حملة، وسار هو وابن حمدان نحو العراق لمُقاتلة عَضُد الدولة، فانتهى الأمر بقتله - كما مَرّ الخبر عن ذلك في أخبار بني حمدان وعَضُد الدولة في سنة ٣٦٧ - ثُمّ باستيلاء عَضُد الدولة على مُلك بني حمدان الموصل وأعمالها، وفي سنة ٣٦٨ على ميافارقين وديار مضر، وفرار أبي تغلب إلى بلاد الشام وقتله سنة ٣٦٩، وقد بسطنا الخبر عن ذلك كلّه في أخبار الحمدانيّين فلا نُعيده.

قال ابن خُلّكان:

وكان بين عزّ الدولة وابن عمّه عَضُد الدولة مُنافسات في الممالك أدّت إلى التنازع، وأفضتْ إلى التصاف والمُحاربة،

٢٥١

فالتقيا يوم الأربعاء ثامن عشر شوال سنة سبعٍ وستّين وثلاثمئة، فقُتِل عِزّ الدولة في المصاف، وكان عُمره ستّاً وثلاثين سَنة، وحُمل رأسه في طست ووُضع بين يَدَي عَضُد الدولة، فلمّا رآه وضع منديله على عينيه وبكى.

تَناقضٌ في خَبر ابن كثير بيِّنٌ:

قال: مَلكَ [ بختيار ] بعد أبيه وعُمره فوق العشرين سَنة بقليل، ثُمّ قال بعد ذلك بقليل: فكانت مُدّة حياته ستّاً وثلاثين سَنة، ومُدّة دولته منها إحدى وعشرين سنَة وشُهور، وعلى هذا فإنْ كان عُمر بختيار عند مِلكه فوق العشرين، وكانت مُدّة دولته إحدى وعشرين سَنة وشهور، فإنّ مُدّة حياته تكون إحدى وأربعين سَنة ونيّف، وقال: وهو الذي أظهر الرفض ببغداد، وجرى بسبب ذلك شُرور، وقد ذَكر في خبر وفاة والده مُعزّ الدولة أنّه هو الذي أظهر الرفض ونَصر عليه.

السادس: أبو مَنصور بويه المُلقّب مُؤيّد الدولة بن رُكن الدولة بن بويه الدَيلمي:

مولده : وُلد في جمادى الآخرة سَنة ثلاثين وثلاثمئة.

تزوّجه: في سنة ثمان وأربعين وثلاثمئة سار مُؤيّد الدولة مِن الري إلى بغداد، فتزوج بابنة عمّه مُعزّ الدولة ونقلها معه إلى الري، ثُمّ عاد إلى أصبهان.

أبو منصور بويه في الولاية:

إنّ بويهاً كان في عهد أبيه رُكن الدولة يلي بعض بلاده ولعلّها خُراسان، فإنّ ابن الأثير يقول في أخبار سَنة ستّين وثلاثمئة:

وفيها استوزر مُؤيّد الدولة بن رُكن الدولة الصاحب أبا القاسم بن عبّاد، وأصلح أُموره كلّها.

وقال ابن خُلّكان في ترجمة الصاحب هذا نقلاً عن كتاب التاجي للصابئ:

أنّه إنّما قيل له الصاحب؛ لأنه صحب مُؤيّد الدولة بن بويه مُنذ الصبا، وسمّاه الصاحب فاستمرّ عليه هذا اللقب واشتهر به، ثُمّ سُميّ به كلّ مَن وُلّي الوزارة بعده، وكان أوّلاً وزير مُؤيّد الدولة أبي منصور بويه بن

٢٥٢

رُكن الدولة بن بويه الديلمي تولّى وزارته بعد أبي الفتح عليّ بن الفضل بن العميد.

وعلى هذا، فيكون الصاحب ثاني مَن استوزر لأبي منصور، ويَظهر ممّا جاء في كامل ابن الأثير - كما هو المعروف - أنّ أبا الفتح كان وزير أبيه رُكن الدولة، وَليها له بعد أبيه أبي الفضل بن العميد.

وفي سنة ٣٦٣ جهّز معه عسكراً لنجدة ابن أخيه بختيار في فتنة الأتراك في العراق، وإخراجهم له مِن بغداد ومُحاربتهم له كما مرّ ذلك في أخبار بختيار.

ولايته بعد وفاة أبيه رُكن الدولة:

وفي سنة ٣٦٥هـ بعد ترك عَضُد الدولة العراق إلى ابن عمّه بختيار بعد قبضه والاستيلاء على مُلكه، واستياء أبيه رُكن الدولة منه كما عرفت ذلك، خاف عَضُد الدولة - بعد أنْ شاع غَضب أبيه عليه عند الخاصّ والعام - أنْ يموت أبوه وهو على حال غَضبه، فيختلّ مُلكه وتزول طاعته، فأرسل إلى أبي الفتح بن العميد وزير أبيه يَطلب وساطته للحضور عند أبيه، وأنْ يُمهّد له بالمُلك بعده، فسعى أبو الفتح بذلك وأجابه رُكن الدولة إليه، وسار مع ضعفه ومَرضه وكِبَر سِنّه، وقد وجد مِن نفسه خِفّة مِن الريّ إلى أصبهان، وجمع عنده سائر أولاده وقوّاده وأجناده، وبعد الفراغ مِن طعام وليمة أولَمها لهم أبو الفتح عَهِد إلى ولده عَضُد الدولة بالمُلك بعده، وجعل لولده فَخر الدولة أبي الحسن على همذان وأعمال الجبل، ولولده مُؤيّد الدولة أصبهان وأعماله، وجعلهما في هذه البلاد بحُكم أخيهما عَضُد الدولة، وبعد الخَلع على عَضُد الدولة وسائر الناس في ذلك اليوم، وإجراء المراسيم والتقاليد المعروفة في ذلك العهد، والإيصاء إلى أولاده بالاتّفاق وتَرْك الاختلاف عادَ إلى الري، ولازمه المرض إلى أنْ توفّي في المحرّم سنة ٣٦٦، ولكن ما أوصى به مِن الاتّفاق وترك الاختلاف بين الإخوة، وما أهمّه وأمرضه وأرمضه مِن طَمع وَلده عَضُد الدولة بمملكة ابن أخيه بختيار، ومُلك عَضُد الدولة لها في حياته، ثُمّ تخلّيه عنها اجتناباً لغَضب والده، وما أعقبه ويُعقبه عليه ذلك الغَضب، لم يكن ذلك إلاّ موقوتاً لأجَلٍ وموصولاً حبله بحبل حياة والده، ولم يقضِ نَحبه حتى عاد عَضُد الدولة إلى تنفيذ خُطّته مِن امتلاك العراق على ابن عمّه بختيار، فكان له ما أراد وكانت النهاية ما عرفت.

٢٥٣

قبضُ مُؤيّد الدولة على ابن العميد:

وفي هذه السَنة لمّا مَلك عَضُد الدولة بعد موت أبيه كَتب إلى أخيه فَخر الدولة بالري يأمره بالقبض على أبي الفتح بن العميد، وعلى أهله وأصحابه؛ لأُمور نقمها عليه - وقد سبق بيانه - ففعل فَخر الدولة ما أُمر به.

ذَكر هذا ابن الأثير، وأن القابض على ابن العميد هو فخر الدولة، ولكنّه يقول بعد ذلك في مكان واحد: أنّ المُتولّي لقبضه هو مُؤيّد الدولة، وهذا هو الأصحّ، فقد جاء في وفيات الأعيان:

ولم يزل أبو الفتح في وزارة رُكن الدولة إلى أنْ تُوفّي، وقام بالأمر ولده مُؤيّد الدولة فاستوزره أيضاً، وأقام إلى ذلك مدّة مديدة، وكانت بينه وبين الصاحب بن عبّاد مُنافرة، ويُقال إنّه أغرى قلب مُؤيّد الدولة عليه، فظهر له منه التَنكّر والإعراض، وقبض عليه في بعض شهور سَنة ٣٦٦هـ.

وقال الثعالبي: اجتاح ماله وقَطع أنفه وجزّ لحيته.

وقال غيره: وقطع يديه، فلمّا أيس مِن نفسه، وعَلِم أنّه لا مَخلص له ممّا هو فيه ولو بذل جميع ما تحتوي عليه يَده، فشقّ جيب جُبّة كانت عليه، واستخرج منها رقعة فيها تَذكرة بجميع ما كان له ولوالده مِن الذخائر والدفائن وألقاها في النار، فلمّا عَلِم أنّها قد احترقت، قال للمُتوكّل به:

افعل ما أُمرت به فوالله لا يصل إلى صاحبك مِن أموالنا درهم واحد، فلم يزل يعرضه على أنواع العذاب حتّى تَلف.

قصدُ عَضُد الدولة أخاه فَخر الدولة وأخذه بلاده وتسليمها إلى أخيهما مُؤيّد الدولة:

وهذه الثانية مِن مُخالفة عَضُد الدولة لوصيّة والده له ولأخَويه، فإنّه في هذه السنة سار إلى بلاد الجبل فاحتوى عليه، وكان سَبب ذلك - كما سبق بيانه - ما كان قد جرى مِن المُكاتبة بين بختيار وفخر الدولة مِن الاتفاق على عَضُد الدولة، وحاول عَضُد الدولة أنْ يُصلح هذا الأمر، فراسل أخويه فخر الدولة ومُؤيّد الدولة وقابوس بن وشمكير يُشير عليه بحفظ العُهود.

أمّا جواب فخر الدولة، فكان جواب المناظر المناوئ، ناسياً كِبَر سنّ أخيه وسعة مُلكه وعهد أبيه، وجواب قابوس جواب المُراقب، وجواب مُؤيّد الدولة البقاء على الطاعة، ثُمّ انتهاء الأمر - كما سَبق في أخبار عَضُد الدولة - بمُلك عَضُد الدولة ما كان بيد فَخر الدولة: همذان والري وما بينهما، وتسليمها إلى

٢٥٤

أخيه مُؤيّد الدولة، وجعله خليفته ونائبه في تلك البلاد، ثُمّ نزوله الريّ واستيلاؤه على تلك النواحي.

إقطاع عَضُد الدولة أخاه مُؤيّد الدولة همذان:

وفي سنة ٣٧٠هـ أرسل الصاحب بن عبّاد إلى عَضُد الدولة بهمذان رسولاً مِن عند أخيه مُؤيّد الدولة يبذل له الطاعة والموافقة، فالتقاه عَضُد الدولة بنفسه، وأكرمه وأقطع أخاه مُؤيّد الدولة همذان وغيره، وأقام عند عَضُد الدولة إلى أنْ عاد إلى بغداد فردّه إلى مُؤيّده الدولة، فأقطعه أقطاعاً كثيرة، وسيّر معه عسكراً يكون عند مُؤيّد الدولة في خدمته.

استيلاءُ عَضُد الدولة على جرجان بواسطة مُؤيّد الدولة:

وفي سَنة ٣٧١هـ استولى عَضُد الدولة على بلاد جرجان وطبرستان، وأجلى عنها قابوس بن وشمكير؛ لاحتماء فَخر الدولة، ورَفضه طَلبه بتسليم أخيه مع ما بَذله له لقاء ذلك مِن رغائب في البلاد، ومن أموال وعُهود، فجهّز أخاه مُؤيّد الدولة، وسَيّر معه العساكر والأموال والعدد إلى جرجان والتقوا باستراباذ، فاقتتلوا فانهزم قابوس وأصحابه، وجرت حُروب أُخرى بعد انضمام نجدات إلى فَخر الدولة انتهت كلّها بظَفر مُؤيّد الدولة، كما سبقَ تفصيل ذلك في أخبار عَضُد الدولة.

وفاة مُؤيّد الدولة:

وفي شعبان سَنة ٣٧٣هـ توفي مُؤيّد الدولة بجرجان، وكانت علّته الخوانيق، وقال له الصاحب بن عبّاد: لو عهدت إلى أحد، فقال: أنا في شُغل عن هذا، ولم يَعهد بالمُلك إلى أحد، وكان عُمره ثلاث وأربعين سَنة، وجلس صمصام الدولة للعزاء ببغداد، فأتاه الطائع لله مُعزّياً فلقيه في طيارة.

قال ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية:

وممَّن توفّي مِن الأعيانبويه مُؤيّد الدولة بن رُكن الدولة ، وكان مَلكاً على بعض ما كان أبوه يَملكه، وكان الصاحب بن عبّاد وزيره، وقد تزوّج مُؤيّد الدولة هذا ابنة عمّه مُعزّ الدولة، فغَرم على عرسه سبعمئة ألف دينار، وهذا أمرٌ عظيم.

٢٥٥

السابع: أبو الحسن عليّ بن رُكن الدولة بن بويه المُلقّب فَخر الدولة الديلمي:

مولده: هو ثالث الأخوة مِن أولاد رُكن الدولة، وُلد سَنة إحدى وأربعين وثلاثمئة.

أوّل عهده في المُلك:

لم نجد له ذِكراً في ولايةٍ أو مُلك في عهد أبيه رُكن الدولة، وقد سبق أنّ أباه رُكن الدولة قبل وفاته عَهِد إلى أكبر أخَويه عَضُد الدولة بالمُلك، ولأخيه مُؤيّد الدولة بأصبهان بأعماله، ولهذا بهمذان وأعمال الجبل، على أنْ يكون هو وأخوه في هذه البلاد بحُكم أخيهم، وبعد وفاة رُكن الدولة قبضَ كلّ واحد منهم على عَمله، وذلك في سنة ٣٦٦هـ.

مُخالفته على أخيه عَضُد الدولة:

لقد ذكرنا خَبر مُخالفته على أخيه عَضُد الدولة، ومسيره إلى بلاد الجبل واحتواءه عليه، وتسليمها إلى أخيه مُؤيّد الدولة، وأسباب ذلك الاختلاف في أخبار عَضُد الدولة ومُؤيّد الدولة فلا نُعيده، وكان ذلك في سنة ٣٦٩ و٣٧١، ولم يرد له ذِكر بعد هذا إلى سَنة ٣٧٣.

عودُهُ إلى مَملكته:

في هذه السنة التّي مات فيها أخوه مُؤيّد الدولة، ولم يعهد بالمُلك لأحد كما سبق بيانه، تشاور أكابر دولته فيمَن يقوم مقامه، فأشار الصاحب بن عبّاد بإعادة فَخر الدولة إلى مَملكته إذ هو كبير البيت، ومالك تلك البلاد قبل مُؤيّد الدولة، ولمِا فيه مِن آيات الإمارة والمَلك، فكَتب إليه واستدعاه وهو بنيسابور، وأرسل الصاحب إليه واستخلفه لنفسه، وأقام في الوقت خسرو فيروز بن رُكن الدولة ليُسكّن الناس إلى قُدوم فَخر الدولة، فلمّا وصلت الأخبار إلى فَخر الدولة سار إلى جرجان، فلقيه العسكر بالطاعة، وجلس في دست ملكي في رمضان بغير منّة لأحد، فسُبحان مَن إذا أراد أمراً كان، ولمّا عاد إلى مَملكته، قال له الصاحب:

يا مولانا، قد بلغك الله

٢٥٦

وبلغني فيه ما أمّلته، ومِن حُقوق خدمتي لك إجابتي إلى ترك الجُنديّة، ومُلازمة داري، والتوفّر على أمر الله.

فقال: لا تقلْ هذا، فما أُريد المَلك إلاّ لك، ولا يستقيم لي أمرٌ إلاَّ بك، وإذا كَرهتَ مُلابسة الأُمور كَرهتُها أنا أيضاً وانصرفتُ.

فقبّل الأرض وقال: الأمر لك، فاستوزره وأكرمه وعظّمه، وصدر عن رأيه في جليل الأُمور وصغيرها، وسُيّرت الخِلع مِن الخليفة إلى فَخر الدولة والعهد، واتّفق فَخر الدولة وصمصام الدولة فصارا يداً واحدة.

استجارة أبي العبّاس تاش بفَخر الدولة:

لمّا عُزل أبو العبّاس عن خُراسان بابن سيمجور، عادَ عن بخارا إلى نيسابور، استوزر الأمير نوح عبد الله بن عزيز - وكان ضدّاً لأبي الحُسين العتبي وأبي العبّاس - فلمّا وُلّي الوزارة بدأ بعزل أبي العبّاس عن خُراسان، وإعادة أبي الحسن سيمجور إليه، فكَتب مَن بخُراسان مِن القوّاد إليه يسألونه أنْ يُقرّ أبا العبّاس على عمله، فلم يُجبهم إلى ذلك، فكَتب أبو العبّاس إلى فَخر الدولة بن بويه يستمدّه، فأمدّه بمال كثير وعَسكر، فأقاموا بنيسابور وأتاهم أبو محمّد عبد الله بن عبد الرزاق مُعضِداً لهم على ابن سيمجور، وكان أبو العبّاس حينئذ بمرو، فلمّا سمع أبو الحسن بن سيمجور وفائق بوصول عسكر فخر الدولة إلى نيسابور قصدوهم، فانحاز عسكر فَخر الدولة وابن عبد الرزاق وأقاموا ينتظرون أبا العبّاس، ونزل ابن سيمجور ومَن معه بظاهر نيسابور، ووصل أبو العبّاس فيمَن معه، واجتمع بعسكر الديلم ونزل بالجانب الآخر، وجرى بينهم حروب عدّة أيام، وتحصّن ابن سيمجور بالبلد، وأنفذ فَخر الدولة إلى أبي العبّاس عسكراً آخر أكثر مِن ألفي فارس، فلمّا رأى ابن سيمجور قوّة أبي العبّاس انحاز عن نيسابور، فسار عنها ليلاً، وتبعه عسكر أبي العبّاس فغنموا كثيراً مِن أموالهم ودوابهم، واستولى أبو العبّاس على نيسابور، وأرسل الأمير نوح بن منصور يستميله ويستعطفه، ولجّ ابن عزيز في عَزله، ووافقه على ذلك والدة الأمير نوح - وكانت تَحكم في دولة ولدها - وكانوا يصدرون عن رأيه، ولمّا انهزم ابن سيمجور أقام أبو العبّاس بنيسابور يستعطف الأمير نوحاً ووزيره ابن عزيز، وترك اتّباع ابن سيمجور وإخراجه مِن خراسان، فتراجع إلى ابن سيمجور أصحابه المنهزمون، وعادت قوّته وأتته الأمداد مِن بخارا، وكاتب شرف الدولة أبا

٢٥٧

الفوارس بن عَضُد الدولة وهو بفارس يستمدّه، فأمدّه بألفَي فارس مُراغمة لعمّه فَخر الدولة، فلمّا كثف جمعه قصد أبا العبّاس، فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً إلى آخر النهار، فانهزم أبو العبّاس وأصحابه، وأُسر منهم جماعة كثيرة، وقَصد أبو العبّاس جرجان وبها فخر الدولة، فأكرمه وعظّمه وترك له جرجان ودهستان واستراباذ صافية له ومَن معه، وسار عنها إلى الري وأرسل إليه الأموال والآلات ما يحيل عن الوصف، وأقام أبو العبّاس بجرجان هو وأصحابه وجميع العساكر، وسار نحو خُراسان فلم يصل إليها، وعاد إلى جرجان وأقام فيها إلى أنْ مات سَنة ٣٧٧ مدّة ثلاث سِنين.

عصيان محمّد بن غانم على فَخر الدولة:

وفي هذه السنة (٣٧٣) عصا محمّد بن غانم البرزيكاني بناحية كوردر مِن أعمال قُم على فَخر الدولة، وأخذ بعض غَلاّت السلطان، وامتنع بحصن الهفتجان، وجمع البرزيكاني إلى نفسه فسارت إليه العساكر في شوّال لقتاله فهزمها، وأُعيدت إليه مِن الريّ مرّة أُخرى فهزمها، فأرسل فَخر الدولة إلى أبي النجم بدر بن حسنويه يُنكر ذلك عليه، ويأمره بإصلاح الحال معه ففعل، وراسله فاصطلحوا أوّل سَنة أربع وسبعين، وبقي إلى سَنة خمسٍ وسبعين، فسار إليه جيش لفخر الدولة فقاتله، فأصابه طعنة وأُخذ أسيراً فمات مِن طعنته.

التجاءُ أبي الحسين أحمد بن عَضُد الدولة إلى عمّه فَخر الدولة ثُمّ أمره بقَتله:

في سنة ٣٦٥هـ سار شرف الدولة أبو الفوارس بن عَضُد الدولة مِن فارس يطلب الأهواز، وأرسل إلى أخيه أبي الحسين وهو بها يُطيّب نفسه ويَعده الإحسان، وأنْ يُقرّه على ما بيده مِن الأعمال، وأعلمه أنّ مَقصده العراق، وتخليص أخيه الأمير أبي نصر مِن مَحبَسِه، فلم يثق أبو الحسين إلى قوله، وعزم على منعه وتجهّز لذلك، فأتاه الخبر بوصول شَرف الدولة إلى أرجان، ثُمّ إلى رامهرمز فتسلل أجناده إلى شَرف الدولة ونادوا بشعاره، فهرب أبو الحسين نحو الريّ إلى عمّه فَخر الدولة، فبلغ أصبهان وأقام بها، واستنصر عمّه فأطلق له مالاً ووعده بنَصره، فلمّا طال عليه الأمر قصد

٢٥٨

التَغلّب على أصبهان، ونادى بشعار أخيه شَرف الدولة، فثار به جُندها وأخذوه أسيراً، وسيّروه إلى الري، فحبسه عمّه وبقي محبوساً إلى أنْ مَرض عمّه فَخر الدولة مَرض الموت، فلمّا اشتدّ مرضه أرسل إليه مِن قتله، وكان يقول شِعراً، فمِن قوله:

هبِ الصَّبر أرضاني وأعتب صرفُه وأعقب بالحسنى مِن الحَبس والأسرِ

فمَن لي بأيام الشَّباب التي مضتْ ومَن لي بما أنفقتُ في الحبس مِن عُمري

ابن الأثير ج٩ ص١٨.

الخُطبة في الأهواز والبصرة لفَخر الدولة:

في سنة ٣٧٤هـ خَطب أبو الحسين بن عَضد الدولة بالأهواز لفَخر الدولة، وخطب له أبو طاهر بن عَضد الدولة بالبصرة ونقش اسمه على السكّة.

إهداءُ الصاحبِ له ديناراً زِنته ألف مِثقال مَكتوباً عليه أبياتٌ مِن الشعر:

في أوّل المُحرّم سنة ٣٧٨ أهدى الصاحب بن عَبّاد إلى فَخر الدولة ديناراً وزنُه ألفَ مثقال، وكان على أحد جانبيه مَكتوب:

وأحمر يحكي الشمس شكلاً وصورةً فأوصافه مُشتقّة مِن صفاته

فإنْ قيل دينار فقد صدَق اسمه وإنْ قيل ألفٌ كان بعض سِماته

بديعٌ ولم يُطبع على الدهر مثله ولا ضربتْ أضرابه لسراته

فقد أبرزته دولة فَلكيّة أقام بها الإقبال صدر قناته

وصار إلى شاهانشاه انتسابه على أنّه مُستصغر لعفاته

يخبر أنْ يبقى سنين كوزنه لتستبشر الدُنيا بطول حياته

تأنّق فيه عبده وابن عبده وغرس أياديه وكافي كفاته

وكان على الجانب الآخر سورة الإخلاص، ولَقَب الخليفة الطائع لله، ولَقَب فَخر الدولة واسم جُرجان؛ لأنّه ضُرب بها.

وقوله دولة فَلكيّة يعني أنّ لقب فَخر الدولة كان فَلك الأُمّة، وقوله كافي كفاته، فإنّ الصاحب كان لَقبه كافي الكفاة.

٢٥٩

عصيانُ أبي منصور بن كوريكنج على فَخر الدولة وعَوده إلى الطاعة:

في سنة ٣٧٧هـ عصى الأمير أبو منصور كوريكنج صاحب قزوين على فَخر الدولة، فلاطفه فَخر الدولة وبذل له الأمان والإحسان فعاد إلى طاعته.

عصيانُ ابن الفيرزان على فَخر الدولة ومُعاودته الطاعة:

في سنة ٣٧٨هـ عصا نَصر بن الحسن بن الفيرزان بالدامغان على فَخر الدولة، واجتاز به أحمد بن سعيد الشبيبي الخُراساني مُقبلاً مِن الري ومعه عسكر مِن الدَيلم لمُحاربته، فلمّا رأى الجدّ في أمره راسل فَخر الدولة وعاود طاعته، فأجابه إلى قبول ذلك منه وأقرّه على حاله.

مسيرُ فَخر الدولة إلى العراق وطَمعه في مُلكه وما كان منه:

في سنة ٣٧٩هـ سار فَخر الدولة مِن الري إلى همذان عازماً على قصد العراق والاستيلاء عليها، وكان سَبب حركته أنّ الصاحب بن عَبّاد كان يُحبّ العراق لا سيما بغداد، ويُؤثر التقدّم بها، ويَرصُد أوقات الفُرصة، فلمّا توفّي شَرف الدولة عَلمَ أنّ الفرصة قد أمكنت، فوضع على فَخر الدولة مَن يُعظّم عنده مُلك العراق، ويُسهّل أمرها عليه، ولم يباشر هو ذلك خوفاً مِن خَطر العاقبة، إلى أنْ قال له فَخر الدولة:

ما عندك في هذا الأمر؟ فأحال على أنّ سعادته تُسهّل كلّ صَعب وعظم البلاد، فتَجّهز وسار إلى همذان، وأتاه بدر بن حسنويه، وقصده دبيس بن عفيف الأسدي، فاستقر الأمر على أنْ يَسير الصاحب بن عَبّاد وبدر إلى العراق على الجادّة، ويسير فَخر الدولة على خوزستان، فلمّا صار الصاحب حَذر فَخر الدولة مِن ناحيته، وقيل له: ربّما استماله أولاد عَضُد الدولة فاستعاده إليه، وأخذه مَعه إلى الأهواز فملكها، وأساء السيرة مع جندها، وضيّق عليهم ولم يَبذل المال، فخابت ظُنون الناس فيه واستشعر مِنه أيضاً عَسكره، وقالوا: هكذا يفعل بِنا إذا تمكّن مِن إرادته فتخاذلوا، وكان الصاحب قد أمسك نفسه تأثّراً بما قيل عنه مِن اتّهامه فالأُمور بسكوته غير مُستقيمة، فلمّا سَمع بهاء الدولة بوصولهم إلى

٢٦٠