تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني13%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113675 / تحميل: 9454
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وفي سَنة ١٠٣٠ هـ - ١٦٢٠م تُوفّي الأمير أحمد بن الأمير يونس الحرفوش، وكان صهر الأمير فَخر الدين، لأنّه كان متزوّجاً ابنته.

وفي سَنة ١٠٣١ هـ، ١٦٢٠م بَلغَ الأمير يونس الحرفوش توجّه الحاج كيوان إلى الأمير فَخر الدين؛ ليوسّط معه بإبقاء ابنته زوجة الأمير أحمد المُتوفّى لتربية ولدها الصغير، ويتزوّجها أخوه الأمير حسين، ويدفع له ثمانية آلاف قرش، فعُرض ذلك على الأمير فَخر الدين فقبله، وسمح له في تزويجها مِن الأمير حسين أخي الأمير أحمد، ووكّل بذلك الحاج كيوان، وطلب أنْ يُدفع المال إلى خزينة الشام، ورجع الحاج كيوان إلى بعلبك، وأبلغ الأمير يونس الحرفوش قبول الأمير فَخر الدين، وقبض منه المال.

وفي هذه السَنة بعد وصول عمر باشا إلى طرابلس، أرسل الأمير فَخر الدين يطلب منه أنْ يُسلّم حمص إلى الأمير يونس الحرفوش، وأدّى له عليها اثني عشر ألف قرش، فأصدر له أوامر بذلك.

وأرسل الأمير يونس ولده الأمير حسيناً حاكماً على حمص، فجمع منها مالاً زائداً وأدّى الاثني عشر ألف قرش إلى عمر باشا.

وفي سنة ١٠٣٢ هـ - ١٦٢٢م عُزل عمر باشا عن طرابلس وابن الحرفوش عن حمص، وتولّى عليهما عُمر بك بن يوسف باشا ابن سيفا.

وفي هذه السنة تولّى عمر باشا على طرابلس، وعُزل يوسف باشا ابن سيفا، وأرسل أوامر إلى الأمير فَخر الدين وللأمير يونس الحرفوش أنْ يكونا مُساعدين له على ضبط أملاك ابن سيفا.

واتّفق في هذه السَنة أنّ الأمير يونس بن الحرفوش أرسل كتاباً إلى كرد حمزة - مأمور سنجق حمص - يُعلمه بما توقّع للأمير فَخر الدين، وعن عزله عن بلاد صفد ونابلس وعجلون، وعن ضبط ابن قانصوه للمواشي والجمال، ويطلب منه أنْ يغتنم الفُرصة، ومِن القضاء والقدر أنّ هذا الكتاب اختلط بكُتب أرسلها كرد حمزة إلى الأمير فَخر الدين، فلمّا وقف الأمير فَخر الدين على هذا الكتاب تغيّر على ابن الحرفوش، وفي الحال رتّب وأخذ مِن عنده مِن السكمان؛ لأنّه أكثر سكمانة كانوا مِن بلاد صفد.

ولمّا وصل إلى قب الياس نزل إلى النهر، فعلم به الأمير حسين بن الحرفوش ونزل إليه، ودعاه إلى داره فقَبِل دعوته وصعد معه إلى القلعة

٢١

بجميع السكمانية، ولمّا استقرّ الأمير فَخر الدين بالقلعة أظهر صكوكاً وأوامر سلطانيّة بمشتراه قلعة قب الياس مِن تَركة الأمير منصور بن عسّاف، وأعطاها للأمير حسين الحرفوش، وقال له:

على موجب هذه الحُجج الدار هي مُلكنا، ونحن أسكنّاكم بها هذه المُدّة، والآن احتجنا إليها فتوجّه أنت إلى والدك بالأمان.

فلمّا سمع الأمير حسين الحرفوش ذلك الكلام تغيّرت أحواله، وما أمكنه أنْ يردّ جواباً، وودّع الأمير فَخر الدين وتوجّه إلى والده إلى بعلبك وأخبره بما حصل، فرحل بعياله إلى الزبداني وخربت بلاد بعلبك، ثُمّ أمر الأمير فَخر الدين بهدم دار قب الياس، وأرسل ابنته زوجة الأمير حسين الحرفوش وولدها إلى والدتها في صيدا، وأمر بنهب غلال أهل بلاد ابن حرفوش فنُهبت، ونُهبت البقاع، وأرسل الأمير بضبط جميع مواشيهم الّتي كانت في البقاع، واستدعى البنّائين وشرعوا في هدم الدار.

ولمّا بلغ الأمير يونس وصول الأمير فَخر الدين بجيشه إلى جسر المجامع، أرسل إلى كرد حمزة أنْ يُوافيه إلى الشام، واجتمعوا بمصطفى باشا، وجعل له تقدمةً على بلاد صفد ثلاثة آلاف قرش زيادة عن المال المربوط عليها، فكَتب الباشا له الأوامر بإحالة سنجقيتها إليه عن يد كرد حمزة بلوكباشية.

ولمّا بلغ الأمير فَخر الدين ذلك كَتب إلى مصطفى باشا وأغاوات الانكشارية في الشام:

(بَلغنا أنّ ابن الحرفوش زاد على سنجق صفد ألف ذهب وقبلتم ذلك منه وأحلتموه إليه، فنحن عندنا تَقدُمة إلى مولانا السلطان مئة ألف ذهب، وإنْ كان ذلك لحزازة في الصدر وقصدكم حدوث الفتنة، وما قبلتم المال يصل إليكم فالأمر لله ثُمّ إليكم).

فلمّا وصلت هذه الكُتب إلى مصطفى باشا، لم يقدر أنْ يَردّ عليها جوباً خوفاً مِن كرد حمزة، وبعد أنْ قضى ابن الحرفوش مصالحه في الشام رجع إلى بعلبك.

وفي هذه السَنة أُعيدت إليه سنجقية صفد بأمر الوزير علي باشا بواسطة الحاج درويش، ولكن والي الشام مصطفى باشا الّذي أبلغه الأمير فَخر الدين الأوامر بذلك لم يُعره التفاتاً؛ ظنّاً أنّها تزوير، وكذلك بقيّة مأموري الشام، فلمّا رجعتْ رُسل الأمير بغير جواب، وأعلموا الأمير عليّاً واقع الحال، ركب بمَن معه مِن صفد، ثُمّ أرسل إلى قب الياس، ولمّا اجتمعت العساكر في قب الياس، ووصل الأمير فَخر الدين والأمير عليّ الشهابي إلى

٢٢

القرعون، وكان إذ ذاك الأمير يونس الحرفوش وابنه الأمير حسين وجميع أقاربهم في بعلبك، وعندهم الأمير عمر بن سيفا وجميع سكمانه وعربه، وبلغهم اجتماع بيت معن وعساكرهم في قب الياس، توجّهوا بعسكرهم إلى مصطفى باشا والي الشام ونزلوا على جسر دير زيتون، وبعد عَلف خيلهم ركبوا وأدركوا الديماس صباحاً، والتقوا بعسكر الشام.

وأمّا الأمير علي، فقد ركب مِن القرعون إلى قب الياس، ولم ينزل بها إلاّ ليدبّر عليق خيوله، فتابع سيره إلى الكرك بجميع الخيل، وكان في الكرك نحو مئة رجل مِن سكمان ابن الحرفوش، فلمّا هجمت الخيل دخلوا إلى مزار نوح (عليه السلام)، وأخذوا يُطلقون نيران بنادقهم على العسكر، فلمّا رأى الأمير ذلك أمر أنْ يكسروا الباب بالفؤوس، فقُتل مِن عسكر ابن معن خمسة رجال، وتسلّموا المزار، وقُتل مِن اللاجئين به نحو أربعين قتيلاً.

وعند ذلك أرسل الأمير إلى ولده الأمير علي، أنْ يَحضر في باقي عسكر الفرسان، وأنّ المُشاة تبقى مع أخيه الأمير يونس في الخيام، وحضر الجميع إلى مدينة الكرك، وعند الصباح أحرق العسكر جميع ما فيها حتّى لم يبقَ بيت، ثُمّ توجّهوا إلى قرية سرعين - الّتي كانت قديماً مَسكن بيت الحرفوش - فوجدوا أهلها قد ارتحلوا إلى الزبداني، فأخذوا منها العليق ثُمّ حرقوها، ورجعوا إلى الشرقي فأحرقوا جميع قُرى بلاد بعلبك.

وأمّا أهل بعلبك، فإنّهم لمّا علموا ذلك تحصّنوا في القلعة، ورجع الأمير إلى قب الياس.

وفي سَنة ١٠٣٣ هـ - ١٦٢٣م خرج مصطفى باشا بجيش كثيف ينيف عدده عن اثني عشر ألفاً، اجتمع مِن أعداء بيت معن، وانضم إليه سكمانية ابن سيفا وابن الحرفوش، وكان عدد جيش الأمير فَخر الدين يبلغ أربعة آلاف، ولمّا وصل عسكر الشام إلى ينبوع عنجر، انتشب القتال بينهم وبين رجال بني شهاب، فهجم عليهم عسكر الشام هجمة واحدة، فأخرجوهم مِن قرية مجدل عنجر، وملك سكمانية ابن سيفا وابن الحرفوش البلدة، وحاصر رجال بيت شهاب في البرج، وظلّ دُخان البارود صاعداً إلى السماء، وسمع الأمير فَخر الدين فَرقَعَة البارود، فغار في عساكره إلى أنْ وصل، ولمّا عَلم رجال بيت شهاب بقدوم الأمير هجموا على الّذين في القرية، واجتمعوا مع فرسانهم واصطفّ العسكر قُبالة ينبوع عنجر بزمورهم وطبولهم ونشروا الأعلام، وبقيت الساقة والذخيرة وراءهم ووقفوا لانتظار عسكر ابن معن،

٢٣

فجاءت مُشاة الأمير فَخر الدين مِن جانب الشمال عند الثغرة التي تنفذ إلى ينبوع عنجر، وأتى عسكر الأمير علي مِن ناحية برج المجدل، وعسكر الأمير يونس مِن الناحية الجنوبية تحت قرية المجدل، ولمّا ظَهرت العساكر المذكورة خرج مِن عسكر الشام - نحو ألف فارس - وأغاروا على العسكر، فثبت أمامهم عساكر ابن معن، وكانت هجمتهم لنحو عسكر الأمير علي، فثبت رجال البلاد.

ولمّا رأى الأمير ميل الفرسان نحو عسكر ولده، أغار في فرسان السكمان على مُقدّمة عساكر الباشا، واجتهد مصطفى كتخدا أنْ يُنجد الأمير عليّاً بمَن معه، إلاّ أنّه لمّا ضَرب الأمير فَخر الدين مُقدمّة الجيش ولّت مِن أمامه، ونكّسوا السنجق الّذي فوق رأس الباشا، ونادى عسكر ابن مَعن بالنصر، فلمّا رأى الفرسان أنّ مُقدّمة جيش الباشا وابن سيفا وابن الحرفوش انكسرت مِن الوراء، ردّوا رؤوس خيولهم ورجعوا مُنكسرين، وتشاغلت عساكر ابن مَعن بالغنيمة والمكَسب ونهب الخيم، ولولا ذلك لهلك مِن عسكر الشام قتلاً ما لا يُحصى.

وأمّا مصطفى باشا، فلم يُمكنه الفرار، وأحاطت به خيل السمكانيّة مِن كلّ جانب وأمسكوه بأيديهم، وأتوا به أسيراً إلى الأمير فَخر الدين والأمير علي، فلمّا رأياه نزلا عن خيلهما وقبّلا ذيل ثيابه، وقدّم له الأمير فَخر الدين فرسه وأركبه عليها، وأمر محمّد بلوكباشي أنْ يتوجّه معه إلى قب الياس، ولم يبقَ معه مِن عسكره سوى مملوكَين قبَض عليهما السكمان، فأمر الأمير بردّ سلاحهم وخيلهم، والّذين أُسروا مِن العسكر أمر بإطلاقهم.

وأمّا الأمير يونس الحرفوش والأمير عمر بن سيفا ورجالهما وكرد حمزة وبلوكباشيّته، فلم يبيتوا إلاّ في مدينة بعلبك، وعند الصباح توجّه الأمير يونس إلى حصن اللبوة، وأبقى عياله في القلعة، والأمير عمر وكرد حمزة توجّها إلى حِمص، وبعد ثلاثة أيّام أرسل الأمير يونس عياله إلى قلعة حصن راويد، وتوجّه هو إلى حماة.

ولمّا دخل الأمير على مصطفى باشا في قب الياس، اعتذر له عن هذه الحرب الّتي لم تكن عن رضاه، والباشا اعتذر له أنْ هذه الحرب لم تكن بخاطره، وأنّ كرد حمزة هو الّذي سبّب ذلك مع ابن الحرفوش، وطلب الأمير مِن الباشا التوجّه إلى بعلبك ليُنظّم أحوالها، وركب الباشا والأمير والحاج كيوان ونزلوا في تمنين، ومنها ساروا إلى مدينة بعلبك فرأوها خراباً، ولم يكن فيها في قلعتها غير مئتي رجل مِن السكمانيّة، فنزل مصطفى باشا

٢٤

والحاج كيوان في دار الأمير شلهوب الحرفوش، ونزل الأمير فخر الدين في دار الأمير يونس، والأمير سليمان بن سيفا في دار الأمير حسين.

وأمّا الأمير يونس الحرفوش، فإنّه لمّا بلغه أنّ الأمير فخر الدين دخل بعلبك توجّه هو وكرد حمزة إلى حلب، ونزلوا على وجاق الاسبهاتيّة وقابلوا مُراد باشا الوزير، وكان الأمير شلهوب الحرفوش قد رجع مِن حمص وقابل مصطفى باشا والأمير فخر الدين، فطَمأنا خاطره وتصرّف في أملاكه، والأمير حسين بقي في حمص عند الأمير عمر بن سيفا، وبعد ذهاب مصطفى باشا مِن بعلبك، أرسل الأمير فخر الدين إلى جبة عسال مَن ضبط معزى ابن الحرفوش، وكانت نحو عشرة آلاف رأس، فأرسل منها ألفين إلى مصطفى باشا.

وفي أواخر صفر هذه السَنة، انضمّ الأمير شلهوب الحرفوش إلى عسكر الأمير فخر الدين، الّذي قدم لإنجاد الأمير مدلج الحياري على ابن عمّه الأمير حسين، وبعد عودة الأمير فخر الدين مِن مُحاربة الأمير حسين الحياري إلى بعلبك أمر السكمان أنْ يُحيطوا بالقلعة، ويُشدّدوا عليها الحصار، وفرّق عليهم هبة، لكلّ واحد خمسة قروش، ولكنّه لمّا وجد منهم إهمالاً بأمر الحصار خرج بنفسه ونصب خيامه على الخندق، فرأى البلوكباشية أنّ الأمير تغيّر خاطره عليهم، فشرعوا في بناء المتاريس وعملوا خنادق، وشدّدوا الحصار إلى أنْ صاروا تحت حائط القلعة، فأمر البنّائين بأنْ يَفتحوا ألغاماً فلم يقدروا؛ لأنّ بناء تلك القلعة مِن عجائب الدنيا، وكان الأمير لا يُفارق المتاريس لا ليلاً ولا نهاراً، ووضعوا أخشاباً مِن الحور على حائط القلعة بحيث إذا رموا الحجارة لا يُصيبون البنّائين، وبقي الحصار مُدّة طويلة، وفي تلك الأيّام حَضر الأمير حسن بن الحرفوش في أواخر ربيع الثاني، وقابل الأمير فخر الدين عن يد خاله الأمير شلهوب، فأقام في بعلبك.

وفي هذه السَنة أوصى مراد باشا الأمير خالداً - الّذي حضر إليه مِن قِبَل الأمير مدلج - أنْ يَمرّ على معرة النعمان، ويقبض على الأمير يونس الحرفوش ويرفعه إلى القلعة، فامتثل الأمر وقبض عليه وأرسله إلى قلعة سلمية، وكان ذلك في أواخر جمادى الأُولى مِن هذه السَنة، فلمّا بلغ الأمير حسين إلقاء القبض على والده - وكان في حماة عند خاله محمّد باشا - خاف على نفسه وخرج ليلاً بسكمانيته، وجاء إلى بلاد الحصن؛ لأنّ عيالهم كانت هُناك، وأرسل إلى خاله الأمير شلهوب أنْ يتوسّط مع الأمير فخر الدين في

٢٥

المُصالحة، وأنْ لا تجري منه مُراسلات إلى مُراد باشا بضرر والده، وأنْ يكون له أربعون ألف قرش، فقَبِل الأمير فخر الدين ذلك.

وفي تلك الأيام: سلّم السكمان الّذين كانوا مُحاصرين في قلعة اللبوة، وحضروا إلى بعلبك لمّا عَلموا بإلقاء مراد باشا القبض على ابن الحرفوش، فأرسلهم الأمير ليُخبروا أصحابهم الّذين في القلعة عن ذلك، ولمّا أخبروهم يئسوا مِن الفرج، وقبلوا بالتسليم شريطة أنْ يخرجوا بسلاحهم، وخرج منهم ثلاثة بلوكباشية، وحضروا عند الأمير فطيّب خواطرهم وأعطاهم الأمان، ثُمّ رجعوا وفتحوا باب القلعة، فخرج جميع مَن فيها بسلاحهم وسباياهم.

وعيّن الأمير عنده جماعة منهم، وكانت مُدّة الحصار أربعة أشهر، ولمّا تسلّم الأمير فَخر الدين القلعة أمر البنّائين بهدمها، فظلّوا مُدّةً لم يهدموا منها إلا اليسير، وبعد تسليم القلعة أرسل الأمير فخر الدين إلى الأمير مدلج يَستعلم منه عن أخبار ابن الحرفوش، فرجع الجواب أنّ مُراد باشا أحضره إلى حَلب، وحال وصوله تَوسَّط له كرد حمزة؛ فأطلقه تحت ضمانة ماليّة لم يُعرف مقدارها، ولم يزل مُقيماً في حلب.

ولم يزل الأمير فَخر الدين يُقيم الفينة بعد الفينة في بعلبك، ولمّا كان قد احتاج وهو فيها إلى مال أرسل الأمير عليّاً الحرفوش إلى أخيه الأمير حسين يطلب منه المال الّذي وقع عليه الصُلح، وعاد مِن أخيه وصحبته أخوه سيد أحمد وأقاربه ووكيل الأمير مدلج الحياري ومعه ستّة عشر ألف قرش، وأبقى الباقي إلى عيد الفطر، فتسلّم الأمير عليّ بن معن المال، ووقع الصلح بينهما، وعاد وكيل الأمير مدلج والأمير سيد أحمد مجبوريّ الخاطر.

ثُمّ في هذه السَنة رجع الأمير يونس إلى جبة عسال، وأرسل هديّة إلى مصطفى باشا عند رجوعه إلى بلاد بعلبك، على أنْ يسمح له بقتل ابن عمّه الأمير شلهوب الحاكم مِن قِبَل الأمير فخر الدين، وجعل له لقاء ذلك ثلاثين ألف قرش هديّة، فلمّا قبضَ الباشا المال بعث مَنْ قبض على الأمير شلهوب، ورفعه إلى القلعة، وضبط جميع مُقتنياته، وبعد يومين قتله، وبعد ذلك تزوّج الأمير عليّ ابن الحرفوش بزوجة الأمير شلهوب.

سَنة ١٠٣٤هـ - ١٦٢٤م في هذه السنة - بعد وصول الأمير فخر الدين إلى صيدا مِن بيروت - حضر له كتاب مِن الأمير علي الشهابي، يُخبره أنّ الأمير حسيناً الحرفوش حضرَ إلى حاصبيا، وأنّه مُستعدٌّ لتأدية المال المُتّفق

٢٦

عليه، على شرط وقوع الصُلح التامّ، وأنْ تُرجع له زوجته - ابنة الأمير فخر الدين - الّتي أُخذت منه لمّا ضبط قلعة قب الياس، فردّ الأمير جواباً للأمير علي، طالباً الأمير حسيناً أنْ يحضر ويكون طيّب الخاطر، فحضرَ الأمير علي وولده الأمير قاسم، معهما الأمير حسين الحرفوش، ولمّا وصلوا إلى مدينة صيدا التقاهم الأمير فخر الدين وولده بكلّ إعزاز وإكرام إلى خارج المدينة، ومكثوا عنده عشرة أيّام، وأدّى الأمير حُسين المال الّذي تعهّد به، وأخذ زوجته ابنة الأمير، ورجع إلى بعلبك مجبور الخاطر.

وفي هذه السَنة أمر الأمير فخر الدين بإصلاح قلعة بعلبك، ووضع فيها السكمان مِن قِبَلِه.

وفي سنة ١٠٣٥هـ - ١٦٢٥م لمّا عُزل حافظ أحمد الوزير الأعظم، وتولّى مكانه خليل باشا توجّه إلى حلب لكي يُحارب الأمير فخر الدين وينهب بلاده، ولمّا بلغه ذلك، أرسل عبد الله بلوكباشي يستعطف خاطره، ويَعده بمالٍ جزيل، وتسليم قلاع: الحصن وصافيتا وسلمية وشميس والمرقب؛ فقبل الوزير ذلك، وبعد أنْ تمّ هذا الاتّفاق بين الأمير والباشا قَتل الوزير الأمير يونس الحرفوش، وتحوّلت الحملة الّتي كان يقودها لحرب الأمير إلى الشام.

وفي هذه السنة ضخمت ولاية الأمير، حيث امتدّت على بلاد العَرب بسورية، مِن حُدود حلب إلى حدود القدس، وأُعطي اسم جدّه الأمير فَخر الدين الأوّل سُلطان البر، ولمّا جدّد بناء بعض القلاع رجع إلى بعلبك وأصلح قلعتها، ووضع فيها سكمانه.

انتهت حال المُترجَم له - الأمير يونس - الّذي طالت ولايته، ولم يَعرف للاستقرار معنى في أثنائها إلى القتل على يد الوزير خليل باشا، بتدبير الأمير فخر الدين المعني، كما كانت نهاية ابن عمّه - خصمه على حُكم بلاد بعلبك - الأمير شلهوب الّذي كان قتله بتدبيره، والناس مجزيّون بأعمالهم.

٦- الأمير شلهوب:

الّذي سبقتْ ترجمته وتفاصيل أحواله في تاريخ الأمير يونس، ولم يكن بين قتلهما غير عام.

وهكذا كانت سياسة ولاية ذلك العَهد، مجموعةً مِن عناصر الأطماع وإرهاق سكّان البلاد بالضرائب والمُصادرات، وإلهابها بالحُروب المتتابعة، وإلقاء الشقاق والتفريق بين الطامحين في الولايات مِن

٢٧

المجاورين البعيدين والأقربين، وبين أبناء الأعمام والإخوان والأولاد، وفي ذلك كلّه عِبرةٌ للمُعتبر، وعِظةٌ للمُتّعظ، وكفى بالتاريخ واعظاً، وهذا هو شأن المتقلّب الغريب في كلّ زمان ومكان، ولله الأمر مِن قبلُ ومِن بعدُ.

٧- الأميرُ حُسين ابن الأمير يونس ابن الأمير حسين:

في سنة ١٠٢٤هـ - ١٦١٥م وهي السنة التي عُزل فيها أحمد باشا الحافظ عن ولاية الشام، وولي مكانه محمّد جركس باشا، الّذي كان مِن باكورة أعماله إطلاق سراح والدة الأمير فَخر الدين المَعني، والكتابة له بالعود إلى بلاده، وكان مِن أعماله إرساله وكيلاً عنه إلى مدينة بعلبك، ممّا حدا بالأمير يونس إلى السفر إلى حَلب، مستصحباً معه أربعين ألف ليرة ذهباً خدمة لوزيرها، فقرّر عليه ولاية البقاع وبعلبك، وكتب إلى محمّد جركس باشا بأنْ يدفع يد الأمير شلهوب الحرفوش عن حُكم بعلبك، فتسلّم البقاع متخّذاً مقامه بقلعة قب الياس، وأقام ولده الأمير حسين - المُترجَم له - حاكماً في بعلبك كما سبق ذِكر ذلك، وهذه هي المرّة الّتي ذُكر فيها اسمه في الحُكم.

وفي سنة ١٠٣١هـ صاهر الأمير فَخر الدين على ابنته الأميرة فاخرة - زوج أخيه الأمير أحمد المُتوفّى ١٠٣٠هـ - كما سبق ذِكر ذلك في ترجمة والده الأمير يونس.

وفي هذه السَنة وليَ حُكم حمص عن والده بعد أنْ ضُمّت إلى أعماله بتوسّط الأمير فخر الدين مع عُمر باشا والي طرابلس، وبعد عزل عُمر باشا مِن ولاية طرابلس في سَنة ١٠٣٢هـ - ١٦٢٢م رُفعت يد الأمير يونس عن ولاية حمص.

وفي هذه السنة كان مقيماً في قلعة قب الياس قاعدة البقاع، فأخرجه منها الأمير فخر الدين لسبب مرّ بيانه، وأحفظ ذلك صدره على الأمير يونس.

وفي سنة ١٠٣٣هـ - ١٦٢٣م لمّا وقعت الحربُ بين الأمير فخر الدين ومصطفى باشا والي الشام انضمّ الأمير يونس إلى والي الشام، وانتهت الحرب بظَفر الأمير فخر الدين وفرار الأمير يونس وولده الأمير حسين، فذهب الوالد إلى مراد باشا في حلب، وأقام الأمير حسين في حمص عند الأمير عمر بن سيفا، وبقيّة أخباره في هذه السَنة مبسوطة في أخبار والده فلا نُعيدها.

٢٨

وبعد مقتل والده سَنة ١٠٣٥هـ - ١٦٢٥م إلى سنة ١٠٤٦هـ - ١٦٣٦م، أي بعد زوال سلطان الأمير فخر الدين مِن البلاد الشاميّة بثلاث سِنين، انقطعت أخبار قومه الحرافشة، ولم نقفْ على مصير المُترجَم له.

٨- الأمير أحمد ابن الأمير يونس ابن الأمير حسين:

مَرّ خبرُ تزويجه بابنة الأمير فخر الدين، وسُكناه قرية مشغرة، واتصاله بشيعة جبل عامل، وتبرّم الأمير عليّ بن الأمير فخر الدين بذلك، وطلبَ مِن أبيه بأنْ يأمره بُمغادرتها، ثُمّ استياء الأمير فخر الدين مِن ذلك بعد عودته مِن توسكانا، وقبضه على الحاج ناصر الدين بن منكر بهذا السبب، ثُمّ خبر وفاة المُترجَم له سَنة ١٠٣٠هـ، فنقتصر على ما سبق، وهو كلّ ما اتّصل به عِلمنا بأحواله.

٩ و١٠- الأميران علي وسيّد ابنا الأمير يونس:

وردَ لهُما ذِكر سابقاً، ولم نجد لهما بعد ذلك خبراً، اللّهمّ إلاّ تزويج الأوّل بزوجة الأمير شلهوب.

١١- الأمير حسن:

ولعلّه مِن أبناء الأمير يونس، وقد ذُكر سابقاً حضوره إلى بعلبك في أثناء مُحاصرة الأمير فخر الدين المعني لقلعتها، ومُقابلته له عن يد خاله الأمير شلهوب، وإقامته في بعلبك.

أخبار الحرافشة بعد انقطاعها مُدّة إحدى عشرة سَنة:

انقطعت أخبار الحرافشة مِن سنة ١٠٣٥ إلى سَنة ١٠٤٦هـ - ١٦٣٦م، وفي هذه المُدّة كانت أيديهم مقبوضة عن حُكم بلادهم الموروث عن آبائهم.

وفي هذه السَنة جَمع آل حرفوش سكمانهم وعربانهم وأتوا يسترجعون بلاد بعلبك، فلمّا بلغَ ذلك نائب الشام خرج بعسكره ووقعت بينهم الحرب، فظفر النائب بهم، وقَتَل منهم مقتلةً عظيمة، وكان ذلك في مُدّة حُكم الأمير ملحم المعني ابن الأمير يونس ابن الأمير قرقماز وابن أخي الأمير

٢٩

فخر الدين، ثُمّ انقطع خبرهم إلى سَنة ١٠٨٢هـ - ١٦٧١م، أي مُدّة ستٍّ وثلاثين سَنة.

١٢- الأمير عليّ الحرفوش:

ففي هذه السنَة ١٠٨٢هـ استنجد الأمير علي بحكومة الشام، وخرج بعسكر، فهزم أولاد عمّه الأُمراء عُمر وشديداً ويونس، فنهب أرزاقهم وحرق دورهم وتولّى بعلبك.

في سنة ١٠٩١هـ - ١٦٨٠م استأجر الأمير فارس بن الشهاب بلاد بعلبك، فتوجّه الأمير عمر إلى آل حمادة وجمع الرجال، وباغتَ الأمير في نيحا فوق الفرزل، فقتله وقتل خمسين رجلاً مِن شيوخ وادي التيم، فجمعَ الشهابيّون العساكر وساروا إلى بلاد بعلبك، فتدخّل الأمير أحمد بن مَعن بالصُلح، وجعل جزيةً على آل حرفوش، كلّ سَنة خمسة آلاف قرش، ورأسين مِن أطايب الخيل.

ولم نقف للأمير عُمر بعد هذا على خَبر.

وفي سنة ١١٠٤هـ - ١٦٩٢م أُذن لمحمّد باشا المعزول عن إيالة طرابلس بحُكم بلاد بعلبك.

وفي هذه السنة بعد مُحاربة علي باشا والي طرابلس الحماديّة وانهزامهم منه، ونيله منهم ما أراده وتصرّفه في العزل والتعيين في الأعمال استناب في بعلبك أحمد آغا الكردي ورحل بالعسكر، وكَتب أحمد آغا هذا إلى آل حمية طالباً حضورهم، وعندما حضروا غدر بهم وقتل منهم ستّة عشر رجلاً، وأرسل الحاج ياغي وأولاده إلى علي باشا فقتلهم.

١٢و١٣- الأميران شديد ويونس:

لم نجد لهما ذِكراً غير ما مرّ سابقاً، ولم نعلم ما آل إليه أمرهما وأمر الأمير عُمر.

انقطاع أخبار الحرافشة إلى سَنة ١١٦٠هـ - ١٧٤٧م:

ففي مدّة تبلغ تسعاً وستّين سَنة لم يعرض المؤرّخون لذكر الحرافشة بشيء.

وفي هذه السنة (١١٦٠هـ) ذَكر المُؤرّخون:

٣٠

١٤- الأمير حيدر:

وأنّه كان في هذه السنة حاكم بعلبك، وقد ذُكر في الحرب الّتي وقعت بين أسعد باشا العظم والأمير ملحم الشهابي، وكان مع الأمير ملحم يومئذٍ الأمير حسين، والأمير حيدر أخوه مع أسعد باشا، ولمّا خرج الباشا إلى الحجّ، أرسل الأمير ملحم عسكراً إلى بلاد بعلبك فطرد الأمير حيدراً وولّى مكانه الأمير حسيناً، وخَرّبت الدروز بلاد بعلبك وقطّعت أشجارها.

وفي سنة ١١٨٨هـ - ١٧٧٤م تُوفيّ الأمير حيدر - وكان قد عَمّر كثيراً - فتولّى مكانه على بلاد بعلبك أخوه الأمير مصطفى الآتي ذِكره.

١٥- الأمير حسين أخو الأمير حيدر:

كان يُنازع أخاه الإمرة، وقد ولاّه حُكم بلاد بعلبك الأمير ملحم الشهابي سنة ١١٦٠هـ ١٧٤٧م كما مرَّ سابقاً.

١٦- الأمير مصطفى:

تولّى حُكم بلاد بعلبك بعد وفاة أخيه الأمير حيدر، وكان لأخيه هذا ولد يُقال له الأمير درويش، فحضر إلى دير القمر يلتمس مِن الأمير يوسف الشهابي الحُكم مكان أبيه، فلم يُلبِّ الأمير يوسف طلبه؛ لأنّ الأمر مصطفى كان أجدر منه بالحُكم، فتوجّه إلى عكّاء، وطلب مِن الشيخ ظاهر العمر الولاية، فكَتب الشيخ ظاهر إلى الأمير يوسف بهذا الأمر، فكان مِن نتيجة هذه الوساطة أنْ جعل حُكم بلاد بعلبك مُقتَسَماً بين الأميرين.

وفي سنة ١١٩٧هـ - ١٧٨٢م حضر الأمير محمّد الحرفوش إلى دير القمر مطروداً مِن أخيه الأمير مصطفى، فجهّز الأمير يوسف معه عسكراً وأقام عليه البعض مِن بني عمّه والبعض مِن وجهاء البلاد، وكان عدد العسكر نحو خمسة آلاف رجل، ولمّا وصلوا إلى بلاد بعلبك هرب الأمير مصطفى وأولاده إلى حمص، وتولّى الأمير محمّد بلاد بعلبك، والتقى الأمير مصطفى في طريقه بعبد الله باشا والي طرابلس وهو متوجّه إلى الحج، ووعده بخمسة وعشرين ألف قرش إذا جعل طريقه على بعلبك، فأبى وسار معه الأمير مصطفى إلى دمشق، ومكثَ هناك.

ورجع عسكر الأمير يوسف إلى البلاد، وتمهّدت ولاية بعلبك للأمير محمّد، وأقام الأمير

٣١

مصطفى في دمشق حتّى رجع عبد الله باشا مِن الحج، فرجع إلى بعلبك بعسكر مِن رجال الدولة، وهربَ الأمير محمّد بأُسرته ومعه جماعة مِن بني الحرفوش، فأقاموا في المجدل في جرد المتن، وأصلح الأمير مصطفى أمره مع الأمير يوسف، وقدّم له المُرتّب المُعتاد على الولاية مِن المال، واستقرّ حُكمه في بلاد بعلبك.

وفي سَنة ١١٩٨هـ - ١٧٨٣م بعد ولاية درويش باشا على دمشق، أرسل عسكراً لكبس الأمير مصطفى في بعلبك، فقبضوا عليه وعلى أخيه وسَبَوا حريم بني الحرفوش ونهبوا المدينة، وأخذوا الأمير مصطفى وأخاه إلى دمشق، فأمر درويش باشا بشنق الأمير مصطفى، وأرسل مِن قِبَلِه مُتسلّماً إلى بعلبك فعدل في حُكمه، وارتاحت الرعايا وارتفعت عنهم المظالم الّتي سنّها فيهم الأُمراء الحرافشة، وكان يُدعى ذلك المُتسلّم سليم آغا.

١٧- الأمير درويش ابن الأمير حيدر:

لم نجد له ما يُدوّن غير ما ذُكر مِن أمره بترجمة عمّه الأمير مصطفى، كما أنّنا لم نقف على نهاية حاله.

١٨- الأمير محمّد أخو الأمير مصطفى:

لم نقف له على غير ما دُوّن مِن خبره بترجمة أخيه الأمير مصطفى، كما أنّنا لم نقف على نهاية ما آل إليه أمره.

١٩- الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى:

قد سبق ذِكر الخَبر في ترجمة الأمير مصطفى عن نهاية أمره على يد درويش باشا والي دمشق، وإخراج الحُكم مِن أيدي بني حرفوش، وتعيينه مُتسلّماً على بعلبك سليم آغا.

وفي سنة ١٢٠١هـ - ١٧٨٦م بعد دخول بطال باشا إلى دمشق الشام، أرسل محمّد آغا العبدَ الّذي كان حاكماً في البقاع مُتسلّماً على بلاد بعلبك، وكان قد رجع الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى وجمع عسكراً، فكبس محمد آغا في بعلبك، وقتل جماعة مِن أصحابه، وهربَ محمّد آغا إلى دمشق، وكان الوزير يومئذ قد همّ بالخروج إلى الحج فلم يتمكّن مِن تجهيز حَملةٍ إلى بعلبك.

٣٢

وفي سَنة ١٢٠٢هـ - ١٧٨٧م بعد رجوع بطال باشا مِن الحج عُزل عن دمشق وتولّى مكانه أظنّ إبراهيم باشا، وبعد دخوله إلى دمشق أرسل عسكره إلى بلاد بعلبك وكبس الأمير جهجاه، فانكسر عسكر الدولة وقُتل منهم جماعة، ثُمّ أرسل الأمير يوسف مُستعطفاً إبراهيم باشا على الأمير جهجاه، ورجع إلى حُكم بلاد بعلبك.

وفي سنة ١٢٠٣هـ - ١٧٨٨م وقعت الحرب بين عسكر الجزار والأمير يوسف، وكان قد انضمّ إلى عسكر الأمير يوسف الأمير جهجاه بعسكر بلاد بعلبك، وكان النصر للأمير يوسف، وبعد انتصاره تفرّق عسكره، ومِن جُملتهم عسكر الأمير جهجاه، وانتشبت حرب ثانية بين الجزار والأمير يوسف انتصر فيها الجزار.

وفي سنة ١٢٠٤هـ - ١٧٨٩م قدٍِم الأمير قاسم ابن الأمير حيدر الحرفوش مُلتجئاً إلى الأمير بشير الشهابي، فجهّز معه عسكراً يرفع الأمير جهجاه عن حُكم بلاد بعلبك، ويُولّي مكانه الأمير قاسماً، وبوصول هذا العسكر إلى بلاد بعلبك التقاهم الأمير جهجاه وكسرهم وسلبَ منهم كثيراً مِن الخيل والسلاح، ولم يُرد أنْ يقتل أحداً منهم، وأسَرَ الأمير مُراد ابن الأمير شديد أبي اللمع، ولمّا وصلَ أمامه أطلقه مُكرّماً.

ثُمّ إنّ الأمير قاسماً جمع عسكراً مِن بلاد الشوف وبلاد بعلبك، وكبس ابن عمّه الأمير جهجاه في مدينة بعلبك، فخرجَ إليه برجاله والتقوا خارج المدينة، فهجم الأمير قاسم على الأمير جهجاه إلى وسط العسكر، وقبل وصوله أصابته رصاصة فقتلته، وكان شجاعاً كريماً كوالده، ولم يكن ظالماً مثل بقيّة بني الحرفوش، وكان له مِن العُمر سبع عشرة سَنة.

وفي سنة ١٢١٤هـ - ١٧٩٩م في ١٣ كانون الأوّل رجع الأمير بشير إلى بلاد بعلبك، فقدّم له الأمير جهجاه الذخائر الوفيرة.

إلى هذه السنة انتهت أخبار هذا الأمير، ولم نقف على مصير أمره فيما بعد هذا التاريخ.

٢٠- الأمير قاسم ابن الأمير حيدر:

لم نقف له على خبرٍ غير ما دُوّن في ترجمة ابن عمّه الأمير جهجاه، وانتهاء أمره بالقتل كما سبق بيانه.

٣٣

انقطاع أخبار الحرافشة إلى سنة ١٢٣٥هـ:

في هذه السَنة أرسل عبد الله باشا الخزندار والي صيدا يطلب مِن سليمان باشا العظم والي دمشق طرد المشايخ النازحين مِن جبل لبنان، فأمرَ بطردهم مِن تلك الديار، فأتوا إلى قرية (معذر) في شرقي البقاع وأقاموا مُدّة يسيرة، فأرسل عبد الله باشا يلتمس منه أنْ يطردهم مِن جميع إيالته، فأمر الأمير أفندي صاحب راشيا أنْ يسير بعسكرهم إلى طردهم مِن هناك، وكَتب إلى الأمير أمير الحرفوش أنْ يُلاقيه مِن الجهة الأُخرى، ولمّا بلغهم قدوم العساكر إليهم مِن وادي التيم وبلاد بعلبك فرّوا هاربين، ونزلوا في قارة والنبك نواحي المشرق.

٢١ - الأمير أمين:

يظهر ممّا سبق أنّ هذا الأمير كان يَحكم بلاد بعلبك قبل هذا التاريخ، وكأنّه لم يكن في أيّامه مِن الحوادث ما يستحقّ التدوين، وكأنّه لم يوجد في أُسرته مَن كان يُنازعه حُكم البلاد، ويَظهر أنّ مُدّة حُكمه قد طالت وامتدّت إلى سَنة ١٢٤٨هـ - ١٨٣١م، ففي هذه السَنة قدم إلى بتدين قاعدة الأُمراء الشهابيّين في عهد ولاية الأمير بشير الكبير ودخل السجن، فبلغ الأمير بشير ذلك فأمر بإحضاره وطيّب قلبه. ويُستدّل مِن هذا أنّ الأمير كان عليه غاضباً.

ولم يرد له بعد ذلك ذِكر ولم يُعرف مصيره.

٢٢ و ٢٣- الأميران خنجر وأخوه الأمير سلمان:

في سَنة ١٢٥٤هـ - ١٨٣٨م جمع الأمير علي اللمعي رجالاً مِن المتن وسار بهم إلى المريجات في البقاع، فقدِم إليه الأمير خنجر والأمير سلمان.

وفيها نزلَ الأمير خنجر وأخوه إلى زوق مكائيل ليجمعا رجالاً.

أمّا الأمير خنجر، فإنّه لمّا وصل إلى المعاملتين مِن كسروان، قال له البعض: خُذ معك بعضاً مِن أهل غزير، ونحن نذهب ونأتي بهم إليك، فساروا إلى الأمير عبد الله وأخبروه بما كان، فقصده الأمير عبد الله بأصحابه للقبض عليه، ولمّا رآهم الأمير خنجر مُقبلين ظنّ أنّهم مِن الأهالي، وإذ اقتربوا منه أحاطوا

٣٤

به فلم يُمكنه الفرار، فقبضوا عليه وعلى أخيه وستّة أشخاص مِن الشيعيّين كانوا معهما، ورجعوا بهم إلى غزير فأمر الأمير عبد الله بوضعهم في السجن، وذاع الخبر في كسروان، فانحدر مِن أهلها ومِن الفتوح نحو مئة رجل إلى غزير بقصد تخليص الأمير خنجر ومَن معه، وأرسلوا إلى الأمير عبد الله يطلبون إخراجهم مِن السجن فأبى، فهجموا على باب السجن وكسروه، وأخرجوا الأميرين وأصحابهما، واسترجعوا أسلحتهم جميعاً وسلّموهم إياهما، وانحدروا بهم إلى جونية فانضمّ إليهم جماعة، وأتى الأمير خنجر بهم إلى المكلس لتهييج المتنيّة.

وفي ذلك الوقت نهض عبّاس باشا وسليمان باشا بالعسكر مِن بيروت إلى الحازميّة ومعهما الأمير مجيد، ثُمّ ساروا إلى حمانا، ولمّا وصلوا تجاه المكلس أطلق الأمير خنجر وجماعته الرصاص، فأرسل إليهم سليمان باشا الأرناؤوط الّذين حين قابلوهم تفرّقوا شَذر مَذر، وفرّ الأمير خنجر إلى جرد العاقورة، فنهب الأرناؤوط ما نهبوا وأحرقوا المكلس وقسماً مِن المنصوريّة وبيت مري ودير القعلة، ورجعوا إلى المُعسّكر.

وفي غضون ذلك أرسل السر عسكر إلى بيت شباب عُمر بك النمساوي ومعه الأمير خنجر الحرفوش ولبنانيّون، فوزّع على أهلها أسلحةً، فالتقاه الأمير سعود إلى عيون العلق وحاربه، فرجع إلى جونية.

ما كتبه عنهم الأُستاذ عيسى المعلوف في كتابه دواني القطوف ونهاية أمرهم:

قال: (أوّل مَن تولّى الحُكم مِن الحرافشة في بعلبك الأمير موسى (أو يونس)، في أوائل القرن السابع عشر، له وقائع مع الأمير فخر الدين المعني وغيره، وآخرهم الأمير محمّد الّذي حدّثته نفسه بالخروج عن طاعة الدولة العليّة، فجمع عسكراً مِن بعلبك ووادي العَجم وتحصّن في قرية معلولا.

وفي الخامس مِن تشرين أوّل سَنة ١٨٥٠ هجمَ عليه مصطفى باشا قائد عسكر الدولة بين معلولا وعين التين، وقتل مِن عسكره نحو ثلاثمئة، وكان زخريا مطران سلفاكية الأرثوذكسي على سطح دير مار تقلا يُشارف المُتقاتلين فأصابته رصاصة وقُتل.

وكذلك الأخ باسيلوسي في دير مارسركيس، ونُهبت معلولا والدير وأُسر تسعة مِن الحرافشة إلى الأستانة العليّة وقُتل بعضهم، ثُمّ دُخل بعلبك وفُعل فيها مثل ذلك، فبقيت فيها بقيّةٌ

٣٥

منهم كانت تُلقي الفِتن، فتعقّبتهم الدولة إلى أنْ فتكت بهم سَنة ١٨٦٦، فلم يقم لهم بعد ذلك قائمة، ولا يزال منهم فئة قليلة في تمنين وسرعين وشيث وحرسته والنبي رشادة في بعلبك، ويُؤخذ عليهم الجور والاعتساف مُدّة حُكمهم هذه البقعة أربعة قُرون.

أمّا الّذين نُقلوا إلى الآستانة، فنشأ منهم نصرة باشا رئيس شورى الدولة وغيره).

وإليك أخبارهم مُرتّبة على السنين مأخوذة عن دواني القطوف:

(في سنة ١٧٦٧ أخذ الأمير يوسف بلاد جبيل مِن الحماديّين وطردهم منها، وصار يَدفع المُرتّب عليها إلى حاكم طرابلس، فالتجأ الحماديّون إلى الأمير حيدر الحرفوش، فأرسل معهم أُناساً إلى جبة المنيطرة وبلاد جبيل وأخذوا يعيثون فيها، فقام الأمير يوسف إليهم بعسكره، والتقوا في أميون (المصونة) فكسرهم إلى الهرمل، ورفع يد الأمير حرفوش عن بعلبك؛ لأنّه كان قد استولى على دير السيدة في رأس بعلبك فهرب رهبانه، وعاون الحماديّة، وولّى أخاه الأمير محمّداً فأرجع هذا الدير، وأمّن رُهبانه.

وفي سنة ١٧٧٧ أرسل الجزار قسماً مِن فرقةٍ مِن جيشه تُسمّى بالقبيسي بقيادة مصطفى آغا ابن قراملا لمُصادرة اللمعيّين وغيرهم.

ففي آخر نيسان مرّوا بقلعة قب الياس وتركوها - لمُقاومة مَن فيها لهم - إلى مدينة بعلبك، وعاثوا فيها وصادروا كبار المتاولة بالأموال، وسجنوا الأمير محمّداً الحرفوش وأخذوا منه مالاً كثيراً، وبعد قليل خرج عليهم الأمير يوسف الشهابي وثَبّت الأمير جهجاه بن مصطفى في حُكم بعلبك، فارتدّوا إلى البقاع.

ولمّا كثُر عيثُ هذه الجند في البلاد أوغرَ ذلك صدر الأمير يوسف، فجمع عسكراً فيه الأُمراء اللمعيّون والمعلوفيّون، وانضمّ إليهم الحرافشة فواقعوا الجزار وهزموا عساكره.

وفي سَنة ١٧٨١ سكن بنو شبلي المعلوف في بلاد بعلبك وتركوا موطنهم كفرعقاب، فرأى منهم الأُمراء الحرافشة بسالةً وحميّة ونشاطاً حملهم على ترغيبهم في سُكنى بلادهم، وكانت الضرائب الكثيرة قد أرهقت سُكّان لبنان، فرأوا أنّ في تلك البقاع الخصيبة موارد غزيرةً للارتزاق، وأنّ وطأة الأُمراء الحرافشة مع استبدادهم أخفّ محملاً مِن وطأة الجزار وعيثه في البلاد وتقسيمه السكّان، فسكنوا أوّلاً (لاسا)، ثُمّ أقطعهم الأمير

٣٦

مصطفى الحرفوش محلّ قرية شليفة (المروج) وما يُجاورها وردين وبجامة، فبنوا تلك القرية وصاروا أغَوات الحرافشة الّذين كانوا قد تولّوا أحكام بعلبك مُنذ زمنِ الأمير يونس سَنة ١٥٣٤م، وتوالى ذلك في أعقابهم، وكان مَن أنفذهم بهذا الوقت الأُمراء حيدر ومصطفى ومحمّد، فتولّى الأمير حيدر حُكم بعلبك سنة ١٧٦٣ إلى قُرب وفاته سَنة ١٧٧٤، واشتهر بحبّه للعدل ودماثة الأخلاق، فخلّفه أخوه الأمير مصطفى قبل موته بقليل؛ لأنّه كان قد عجز عن القيام بأعباء الولاية لهرمه، فناهضه الأمير درويش بن حيدر هذا، وتولّى قسماً مِن بعلبك سنة ١٧٧٤.

ثُمّ اشتدّ الخصام بين الأميرين مصطفى ومحمّد لتنازعهما الولاية، فتولاّها محمّد سَنة ١٧٧٦، وارتفعت يد الأمير مصطفى الّذي كان يميل إلى المسيحيّين، ولا سيّما أهل زحلة وبني المعلوف بخلاف أخيه محمّد الّذي لم يكن يميل إليهم، فكانت هذه السَنة التي سَكن فيها بنو شبلي شليفة أشدّ السِنين هولاً لِما كان بين ذينك الأميرين المذكورين مِن النفرة، وكان الأمير محمّد قد شكا أخاه الأمير مصطفى أنّه يُحزّب أهل زحلة والمعلوفيّين ضدّه ويعيث في البلاد، فأرسل وزير دمشق عثمان باشا المصري ليقبض على مصطفى فلم يجده؛ لأنّه فَرّ هو وأهل زحلة فحُجزت غِلالهم، وذهب إلى رأس بعلبك والبقاع، ورفع يد الحرافشة عنهما؛ لأنّهما مِن أملاك والدة السلطان، فعاد سُكّانهما إليهما بعد أنْ تركاهما لِما سامهم الحرافشة مِن التحامل).

وفي هذه السَنة عصت قبيلة عَرب الشقيفة على الأمير محمّد الحرفوش حاكم بعلبك، وأبتْ أنْ تَدفع المكوس المُرتّبة عليها، فاستقدم الأمير محمّد موسى شبلي المعلوف المشهور بسطوته وقوّته، فأعدّ له عسكراً وسلّمه قيادتهم ليواقعوا أولئك العربان ويؤدّبوا عُصاتهم، فأبى أنْ يأخذ معه سوى نفرين، فقصد بهما العَرب وناصبهم القتال، وفي أثناء المُناوشة كانوا يرشقونه بالمقالع، وكثيراً ما كان يتلقف الحجر وهو مندفع عليهم ويرميهم به بقوّة ذراعه فيُدميهم، وهكذا دوّخ عُصاتهم وأرغمهم وتقاضاهم المُرتّبات فدفعوها، وعاد ظافراً فارتفعت منزلته لدى الأمير.

وسَنة ١٧٨٢م في شباط سار الأمير مصطفى الحرفوش إلى وزير دمشق عثمان باشا المصري، فبعد أنْ استقبله زجّه في السجن وصادره بمئتي كيس، فتشفّع به بعضُ أصدقائه أنْ يدفع مئة كيس ويُسلّم مرعي

٣٧

البقداني - المتوالي الثائر مِن أهل بريتال (بريتان) - وخَلع عليه، فعاد إلى بعلبك وقبض على مرعي المذكور وخمسة مِن ذوي قُرباه بواسطة طنوس شبلي المعلوف وإخوته، ثُمّ أرسلهم إلى دمشق.

وفيها انتقلت وزارة دمشق إلى أحمد باشا العظم، وكان بعض متاولة بلاد بشارة قد هربوا مِن وجه الجزار بعد مَقتل ناصيف والقبض على ابنه وضبط بلادهم وفتكه بكثيرين منهم، فجاءوا بلاد بعلبك ولاذوا بحمى الحرافشة، فاتّصل خبرهم بالوزير، وتوسّط أمرهم عند الأمير مصطفى الحاكم فأعطاهم قريتي القاع ورأس بعلبك، ونزع الهرمل مِن يد الأمير يوسف الشهابي وولّى عليها جميعها الشيخ قبلان أحد الفارّين مِن وجه الجزار.

وفيها تغيّر الأمير مصطفى على أهل زحلة وأراد مصادرتهم، وتهدّدهم بالإغارة عليهم، فكَتب الأمير يوسف الشهابي للأمير شديد مراد اللمعي أنْ يذهب بالزحليّين وغيرهم ويُهاجم بر الياس، فهاجمها ونهبها، ثُمّ نهبَ عسكره قرية النبي إيلا (إيليا)، وقتلوا رجلاً مِن بني حمية فترك البقاعيّون بلادهم وقد خرّبوا قلعة قب الياس؛ لأنّ الأمير سيّد أحمد أخا الأمير يوسف الوالي كان يفرّ إليها ويتّخذها مَعقلاً للدفاع.

وكان الأمير محمّد الحرفوش قد جاء دير القمر فارّاً مِن وجه أخيه، فجهّز الأمير يوسف عسكراً نحو خمسة آلاف لمُساعدته، وقد تولّى قيادته نَفَر مِن بني عمّه وأعيان البلاد، فهاجموا بعلبك وانحاز إليهم المعلوفيّون؛ لأنّ الأمير مصطفى تغيّر في تلك السَنة على مسيحيّي زحلة الّذين كان بينهم بعض المعلوفيّين أنسبائهم، فدحروا مصطفى وهَرب إلى جهات حمص، واستقدم مِن نواحيها جُنداً كثيراً فلاقاه الأمير محمّد برجاله، فقتلوا مِن عسكر الأمير مصطفى عشرة رجال، ولكنّه تغلّب أخيراً لكثرة رجاله فدخل بعلبك، وهرب أخوه محمّد إلى زحلة مع رجاله ولبث فيها مدّة، ثُمّ انحاز إلى أحمد باشا الجزار فقبض عليه، ولذلك أرسل مصطفى يتهدّد الزحليّين ويُصادرهم بأموال كثيرة، وجَمع رجالاً تأهُّباً لقتالهم فرحل بعضهم تاركين البلدة، وضايق بني شبلي في شليفة فثبتوا أمامه، وأخذوا يسعون بعزله عند وزير دمشق أحمد باشا ابن العظم الّذي تُوفّي على أثر ذلك، وتولّى مكانه أحد مماليكه محمّد باشا ابن عثمان باشا الصادق الكراجي، فلم يطلْ عُمره أكثر مِن ثلاثة أشهر فخلفه

٣٨

أخوه محمّد درويش باشا، فاتّفق الوزير مع الجزار على إخراج الأمير مصطفى مِن بعلبك، وأرسل عسكراً لمُهاجمته فاتّحد معه بنو المعلوف، فقبضوا عليه وعلى إخوته الخمسة، فقَتل الوزير منهم ثلاثة بينهم مصطفى هذا وسجَن الباقين، وسَبَوا حريم الحرافشة ونهبوا المدينة، ونجا ولده جهجاه مِن أيدي العساكر بواسطة المعلوفيّين؛ لأنّهم كانوا يُحبّونه، فسار إلى عرب خُزاعة - أبناء عمّ الحرفوشيّين - واستعان بهم على إرجاع بعلبك فلم يُلبّوا طلبه، ّبل اعتذروا، ولكنّهم أمدّوه بمالٍ كثيرٍ وأعطوه فَرساً صفراء كريمة فعاد إلى بلاده سَنة ١٧٨٦.

وتولّى حُكم بعلبك رمضان آغا مِن قِبَل وزير دمشق فركدت رياح الفِتن وسادَ الأمان ورُفعت المظالم، وقد أوصى الوزير ذلك الحاكم بالزحليّين والمعلوفيّين.

وفي سَنة ١٧٨٤م وَرد خطٌّ شريفٌ مِن الآستانة بإلحاق بلاد بعلبك بحُكم الجزار، فأرسلَ مِن قِبَله حاكماً اسمه سليم آغا فصارت تحتَ تصرّف الجزار.

وفي سَنة ١٧٨٦م أرسل بطال باشا وزير الشام رجُلاً زنجيّاً اسمه محمّد آغا العبد حاكم البقاع مُتسلّماً على بلاد بعلبك، فجاء الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى مِن عند عَرب خُزاعة أنسبائه إلى زحلة، وجَمع مئة مُقاتل وفي مُقدّمتهم بنو شبلي الّذين كانوا يميلون إليه، ولمّا تكامل عدد جيشه نعل الخيل باللباد ودخل بعسكره ليلاً وقتلوا مَن التقوا به، فهجم بنو المعلوف على العبد ورجاله المغاربة فقتلوا عدداً منهم، وكاد العبد يسقط بين يدَي موسى المعلوف، ولكنّه تمكّن مِن الفرار إلى دمشق، وكان الوزير قد همّ بالخروج إلى الحجّ، فلم يستطع إرسال عسكر إلى بعلبك للاقتصاص مِن الأمير جهجاه، وكان عمّه الأمير محمّد قد التجأ إلى الأمير يوسف الشهابي في دير القمر، فتُوفّي ودُفن في مجدل ترشيش، فصفا الجوّ لجهجاه.

وفي سنة ١٧٨٧م عاد بطال باشا مِن الحج فأرسل المنلا إسماعيل بألفٍ ومئتي فارس للاقتصاص مِن جهجاه، فالتقاه هذا هو وأخوه الأمير سلمان بأهل زحلة والمعلوفيّين وغيرهم، فكَمِن بعضهم في مضيق زحلة إلى أنْ وصلَ إليهم العسكر وأطلقوا عليهم الرصاص، والتحم الفريقان فتقهقرت عساكر المنلا، وتبعهم رجال الأمير إلى قرية السلطان إبراهيم، وأعملوا

٣٩

السلاح في أقفيتهم فلم يهلك مِن رجال الأمير سوى نَفر قليلين، فعاد جهجاه إلى بعلبك وتولّى الحُكم.

وفي سَنة ١٧٨٧م عُزل بطال باشا، ونُصّب مكانه أظنّ إبراهيم باشا - نسيب وزير طرابلس الشام الّذي كان عنده - فسار مِن هناك إلى مدينة حماة، وقبض على كبارها وصادرهم بألف وأربعمئة كيس، وبعث إلى الأمير جهجاه الحرفوش بعسكر يُناصبه ويتهدّده على صنيعه الّذي مرّ وطردِهِ العبد، ففرّ الأمير جهجاه بأهل المدينة مِن مُسلمين ومسيحيّين، وخرّب الطواحين وحمل الأهلين على مُغادرة المدينة والقُرى الّتي تتبعها، ثُمّ صعد إلى قرية ضيرة وحاصرها، وفيها جماعة بينهم المعلوفيّون.

وكان وزير دمشق - أظنّ - إبراهيم المذكور قد دخل دمشق، وأسند حُكم بلاد بعلبك إلى الأمير كنج ابن الأمير محمّد الحرفوش، فأرسل كنج مغاربة ودالاتية لقتل ابن عمّه جهجاه، فاستصرخ هذا الأمير يوسف الشهابي والأمير شديد مُراد اللمعي، فأرسلا إليه عسكراً كان فيه بعض المعلوفيّين فما وصلتْ الرجل حتّى استعاد جهجاه ورجاله قوّتهم، وناهضوا عسكر ابن عمّه الأمير كنج، فقتلوا أربعين رجلاً مِن المغاربة ودحروا الباقين إلى بعلبك. وكان هذا في التاسع مِن آذار، فأوغر ذلك صدر الوزير غيظاً ففاوض الأمير يوسف وبواسطة عبّاس التل حاكم الزبداني، وانفضّ المُشكل وأُعيدت الولاية إلى جهجاه، وحمل إليه خِلَع الولاية عبّاس المذكور، على شرط أنْ يَدفع نحو مئتي كيس مصادرة، فسرّ الناس بذلك وخاصّة الزحليّين؛ لأنّ أهلها كانوا على أُهبة الرحيل، وبعد ذلك بقليل جاء الأمير جهجاه زحلةَ حيث كان عياله، ومِن ذلك الوقت ارتفع شأنُ بني شبلي المعلوف لدى الأمير جهجاه، فكانوا يده يَعتمد على آرائهم؛ فانفتح الباب لأنسبائهم فأخذوا يستعمرون بلاد البقاع وبعلبك.

وفي هذه السَنة سعى المعلوفيّون بالأمير كنج الحرفوش - عملاً بإشارة ابن عمّه جهجاه - فاستقدمه وزير الشام وطالبه بنفقات العساكر الّتي أعانته وقَدَرها خمسة عشر ألف كيس، فلمّا تعذّر عليه دفعها زجّه في السجن، ثُمّ سار لتأدية فريضة الحج، فأرسل الأمير جهجاه أحد أنسبائه فسعى بالأمير كنج لدى المُتسلّم؛ فقتله خَنقاً في سجنه.

وفي هذه السنة سار الأمير جهجاه برجاله لمُعاضدة الأمير يوسف

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442