تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني13%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113703 / تحميل: 9455
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ان علق الامر بزوال علة النهى... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فانه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الاباحة أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون موجبا لاجمالها غير ظاهرة في واحد منها الا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الامر مطلقا لا دلالة لها على المرة ولا التكرار، فان المنصرف عنها ليس الا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها، والاكتفاء بالمرة فانما هو

______________________________

(قوله: إن علق النهي بزوال) كما في قوله تعالى: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وقوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن، وقوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا (قوله: لا مجال للتشبث) اشارة إلى إبطال استدلال بعضهم على مدعاه ببعض موارد الاستعمال كالايات المتقدمة (وحاصله) أن الكلام في المقام في أن وقوع الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلا بدليل الموجبة لظهور الصيغة في الاباحة مطلقا أو الوجوب أو رجوع الحكم السابق على النهي أو غير ذلك ؟ والاستعمال لا يدل على شئ من ذلك لامكان استناد الظهور فيه إلى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر فلا يصح الاستناد إليه في اثبات الدعوى (قوله: ومع فرض) يعني لو فرض التجريد عن القرائن الخاصة لم يظهر أن الوقوع عقيب الحظر من القرائن الموجبة لظهور الصيغة في غير الوجوب الذي تكون ظاهرة فيه لولا الوقوع عقيب الحظر (قوله: لاجمالها) وعليه فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له الا بناء على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد لا من باب حجية الظهور

المرة والتكرار

(قوله: مطلقا) يعنى حيث لا يقيد بمرة أو تكرار (قوله: على المرة والتكرار) سيأتي منه شرحهما (قوله: لا بهيئتها ولا بمادتها) إذ

١٨١

لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية - على ما حكاه السكاكي - لا يوجب كون النزاع ههنا في الهيئة - كما في الفصول - فانه غفلة وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها

______________________________

الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط، وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما (قوله: لحصول الامتثال) إذ الامتثال يحصل بوجود المأمور به فإذا كان المأمور به صرف الطبيعة وكان يتحقق بالمرة كانت امتثالا للامر، ومنه يظهر بطلان استدلال القائل بالمرة بصدق الامتثال بها (قوله: لا يذهب عليك) قال في الفصول: الحق أن هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا على تكرار... إلى أن قال: وانما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه، ولان الاكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها، ولانه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل الا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه... الخ فأشكل عليه المصنف (ره) بان الاتفاق على عدم دلالة المصدر المجرد الا على الماهية لا يدل على كون النزاع في المقام في الهيئة لا في المادة إذ المصدر ليس مادة للمشتقات التي منها صيغة الامر بل هو مشتق مثلها، والمادة هي الامر المشترك بينه وبينها حسبما حققه (أقول): ما في الفصول يرجع إلى أمرين أحدهما أن المصدر مادة للمشتقات وثانيهما ان الاتفاق على عدم دلالته على المرة والتكرار يقتضي الاتفاق على عدم دلالة مادة (افعل) عليه ويكون النزاع في مدلول الهيئة أما الاول فيمكن أن يكون جاريا على المشهور، وأما الثاني فلا غبار عليه لان المصدر إذا لم يدل على المرة والتكرار دل ذلك عدم دلالة مادته عليهما فيصح الاستدلال به على عدم دلالة مادة (افعل) عليهما فيلزم الاتفاق على الاول الاتفاق على الاخير (قوله: غفلة وذهول) قد عرفت أنه في محله (قوله: ضرورة أن)

١٨٢

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ؟ فكيف بمعناه يكون مادة لها ؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى (إن قلت): فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت): - مع أنه محل الخلاف - معناه أن الذى وضع اولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا ساير الصيغ التى تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها ومنه بصورة ومعنى كذلك، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد ؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع

______________________________

هذا لا يثبت الاشكال على الفصول إلا من جهة ظهور كلامه في كون المصدر مادة للمشتقات، وقد عرفت إمكان حمله على الاصطلاح المشهوري (قوله: فعليه يمكن) قد عرفت أنه لا يمكن (قوله: مع أنه محل) هذا لا دخل له في دفع السؤال إذ قول الكوفيين: ان الفعل هو الاصل في الاشتقاق أءكد في توجه الاشكال فتأمل (قوله: معناه أن) إذا كان هذا معنى كلامهم فليكن هو معنى كلام الفصول (قوله: جمعه معه) الضمير الاول راجع إلى (ما) التي هي عبارة عن سائر الصيغ والثاني راجع إلى (الذي) ويمكن العكس (قوله: ومعنى) معطوف على قوله: لفظ، يعني ومادة معنى متصورة في كل منها ومنه (قوله: هو المصدر) خبر أن (قوله: أو الفعل فافهم) لعله اشارة إلى وجوب حمل كلامهم على ما ذكر بقرينة دعوى الكوفيين ان الفعل هو الاصل إذ لا يراد منه أن الفعل مادة للمشتقات بالمعنى الحقيقي " ثم " ان الموجود في بعض النسخ الضرب على لفظة: وهو أولى (قوله: الدفعة والدفعات) الفرق بين الدفعة والفرد أن الدفعة تصدق على الافراد المتعددة الموجودة في وقت واحد ولا يصدق عليها أنها فرد واحد، وأن الفرد الموجود تدريجا مثل الكلام الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة فبينهما عموم من وجه كما بين الافراد والدفعات ايضا (قوله: والتحقيق أن يقعا) الذي استظهره في الفصول أن النزاع

١٨٣

وان كان لفظهما ظاهرا في المعنى الاول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد ؟ فيقال عند ذلك: وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما ؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث - كما فعلوه - وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى (فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب - على القول بالطبيعة - إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي

______________________________

*

فيهما بالمعنى الاول، ونسب إلى القوانين كونه فيهما بالمعنى الثاني، والظاهر ان مراد المصنف (ره) امكان كون النزاع فيهما بالمعنيين لا تحقق النزاع فيهما بهما معا إذ ليس له وجه ظاهر (قوله: وان كان لفظهما) هذا من القرائن التي اعتمد عليها في الفصول لاثبات ما استظهره (قوله: وتوهم انه لو أريد) هذا التوهم للفصول والباعث له عليه ظهور لفظ الفرد المذكور في المسألتين بمعنى واحد وهو ما يقابل الطبيعة (قوله: فاسد لعدم العلقة) حاصله أن المراد بالفرد هنا غير المراد به في تلك المسألة إذ المراد به في تلك المسألة ما يتقوم بالخصوصية المميزة له عن بقية الافراد والمراد به هنا الوجود الواحد للمأمور به فان كان المأمور به هو الطبيعة يقع النزاع في أن صيغة الامر تدل على وجوب وجود واحد للطبيعة أو وجود متعدد لها أو مطلق وجودها فيتأتى النزاع على القول بتعلق الامر بالطبيعة بعين ما يتأتى به على القول بتعلقه بالفرد، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الفرد جعله في قبال الدفعة (قوله: باعتبار وجودها) هذا ذكره المصنف (رحمه الله) تمهيدا لتأتي النزاع على القولين لا ردا على الفصول إذ لم يتوهم خلافه في الفصول كما يشهد به دعواه تأتي النزاع على القولين بناء على كون المراد الدفعة إذ لا يخفى أن القائل بالطبيعة لو كان مراده الطبيعة من حيث هي لا معنى لتأتى النزاع في المقام بكل معنى (قوله: ضرورة ان الطبيعة من) قد يقال: الماهية

١٨٤

ليست الا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها، أما بالمعنى الاول فواضح، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الامر خصوصيته وتشخصه - على القول بتعلق الامر بالطبايع - يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقومه (تنبيه) لا إشكال - بناء على القول بالمرة - في الامتثال وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الاهمال أو الاجمال

______________________________

من حيث هي ليست الا هي، ويراد منه معنى أن كل ما هو خارج عنها فليس هو هي لا عينها ولا جزؤها، وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا واحد ولا كثير ولا غيرها، وقد يقال ذلك بمعنى أن الخارج عنها ليس عارضا لها بما هي هي بل بشرط الوجود، ويختص النفي بعوارض الوجود كالكتابة والحركة وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا كاتبة ولا متحركة ولا لا كاتبة ولا لا متحركة، فان الكتابة لما كانت في الرتبة اللاحقة للوجود كان نقيضها هو العدم في الرتبة اللاحقة له أيضا لوحدة رتبة النقيضين فجاز ارتفاع النقيضين في غير تلك الرتبة وحيث أن الطلب ليس من عوارض الماهية من حيث هي بل بشرط الوجود صح أن يقال: الماهية من حيث هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة فتأمل (قوله: وبهذا الاعتبار) أي اعتبار الوجود (قوله: في الامتثال) يعني يتحقق بالمرة (قوله: من الامتثال بعد الامتثال) يعني وهو ممتنع لان الامتثال فعل المأمور به وبالامتثال الاول يسقط الامر فلا يكون فعله ثانيا امتثالا وسيجئ له

١٨٥

فالمرجع هو الاصل، وإما أن يكون اطلاقها في ذاك المقام فلا اشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال، وإنما الاشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى (والتحقيق) أن قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد فيكون ايجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كايجادها في ضمن الواحد لا جواز الاتيان بها مرة ومرات فانه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الامر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض

______________________________

تتمة (قوله: فالمرجع هو الاصل) يعني الاصل العملي فلو تردد الامر بين الطبيعة والتكرار فالاصل البراءة عن وجوب الزائد على المرة مع تعدد الوجود أما مع اتصاله - بناء على تحقق التكرار به - فاستصحاب الوجوب هو المرجع، ولو تردد بين الطبيعة والمرة فلا أثر للشك، ولو تردد بين المرة والتكرار والطبيعة فالحكم كما لو تردد بين الطبيعة والتكرار، وكذا لو تردد بين المرة والتكرار، وربما يختلف الاصل باختلاف تفسير المرة من حيث كونها لا بشرط أو بشرط لا فلاحظ (قوله: في ذاك المقام) أي في مقام البيان (قوله: في الاكتفاء بالمرة) لصدق الطبيعة على المرة (قوله: في جواز ان لا يقتصر) يعني في جواز الاتيان ثانيا بقصد امتثال الامر لا مجرد الاتيان ثانيا بلا قصد الامر فانه لا ريب في جوازه (قوله: أو مرارا) فيجوز الاتيان ثانيا وثالثا بقصد الامتثال (قوله: فرد أو أفراد) يعني افرادا دفعية (قوله: فانه مع الاتيان بها) هذا تعليل لعدم كون مقتضى الاطلاق جواز الاتيان زائدا على المرة، ومرجعه إلى ابداء المانع العقلي عن ثبوت

١٨٦

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الاجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة

______________________________

اطلاق المذكور لان الوجود الاول إذا كان علة تامة لسقوط الغرض كان علة تامة لسقوط الامر ايضا فيمتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للامر كي يجوز الاتيان به بقصد امتثال الامر، وإذا امتنع كون الاتيان الثاني موضوعا للامر امتنع ان يكون اطلاق الصيغة شاملا للمرة والمرات " أقول ": يمكن منع الاطلاق المذكور مع قطع النظر عن المانع العقلي وذلك لان اطلاق المادة يقتضي أن يكون المراد بها صرف الوجود الصادق على القليل والكثير وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق فانه وجود بعد وجود لا صرف الوجود الذي هو بمعنى خرق العدم فتأمل، وأما المانع الذي ذكره فهو يتوقف على امتناع التخيير بين الاقل والاكثر بكل وجه، وسيأتي الكلام فيه (قوله: كما إذا امر بالماء ليشرب) الغرض من الامر باحضار الماء: تارة يكون مجرد تمكن الآمر من شربه ولا ريب في حصوله بمجرد احضاره، واخرى يكون هو الشرب الفعلي فيشكل الامتثال ثانيا من جهة امتناع بقاء الامر مع حصول موضوعه الذي هو صرف الاحضار، فلا بد اما من الالتزام بأن موضوع الامر ليس مطلق الاحضار بل الاحضار المترتب عليه الشرب، والباعث على هذا الالتزام لزوم المساواة عقلا بين الغرض وموضوع الامر سعة وضيقا لامتناع التفكيك بينهما، وعليه فلا يتعين الاحضار الحاصل لان يكون مأمورا به الا بعد ترتب الغرض عليه، ولازمه ان المكلف في مقام الامتثال انما يأتي بالاحضار الاول رجاء كونه مأمورا به لا بقصد ذلك، وحينئذ فللمكلف الاتيان ثانيا وثالثا بهذا القصد بعينه ولا يكون فرق بين الوجود الاول وبقية الوجودات اللاحقة في كيفية الامتثال لكن لازم ذلك القول بالمقدمة الموصلة، واما من الالتزام بأن الغرض كما يبعث إلى الامر اولا بالاحضار يبعث ثانيا إلى صرف الاحضار المنطبق على بقاء الفرد الاول واحضار فرد آخر إذ لا يتعين للدخل في

١٨٧

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه تبادر طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها باحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية، وفيه منع الضرورة أن سياق آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية: (واستبقوا الخيرات) انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى " فافهم " مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه ارشادا إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الاطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن

______________________________

الغرض الفرد الاول بخصوصه بمجرد وجوده بل كما لم يتعين أولا قبل وجوده لم يتعين بعد وجوده، ولازم ذلك الالتزام باوامر طولية بحسب الزمان مادام الغرض باقيا ويكون المراد من بقاء الامر هذا المعنى لا بقاء الامر الشخصي بحدوده لامتناع بقائه بحصول موضوعه فتأمل جيدا.

الفور والتراخى

(قوله: لا على الفور ولا على) كما هو المشهور وعن الشيخ (ره) وجماعة القول بالفور، وعن السيد (ره) الاشتراك بين الفور والتراخي، وعن آخرين التوقف، والتحقيق الاول ويظهر ذلك بملاحظة ما تقدم في المرة والتكرار (قوله: قضية اطلاقها) يعني اطلاق المادة بالاضافة إلى الزمان (قوله: تبادر طلب) يعني ولو كان الوجه في التبادر مقدمات الاطلاق (قوله: ضرورة ان تركهما) يعني أن ظاهر تعليق المسارعة والاستباق بالمغفرة والخير كون تركهما

١٨٨

هناك أمر بها كما هو الشأن في الاوامر الارشادية " فافهم " (تتمة) بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا ايضا في الزمان الثاني أولا ؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة - على هذا القول - هو وحدة المطلوب

______________________________

لا ينافي تحقق المغفرة والخير كما هو الحال في كل فعل متعلق بمفعوله، ولازم ذلك عدم وجوب المسارعة والاستباق والا كان تركهما موجبا للغضب والشر كما هو شأن ترك الواجب وهو خلف، بل كان الانسب حينئذ أن يقال: احذروا من الغضب والشر بالمسارعة والاستباق، لا التعبير بما في الآية، إلا أن يقال: ان الغضب الحاصل بترك المسارعة لا يضاد المغفرة التي هي موضوع المسارعة فوجوب المسارعة لا ينافي كون تركها لا يؤدي إلى الغضب بل إلى المغفرة، وكذا الحال في الآية الاخرى، ولكن هذا لو سلم لا ينافي ظهور السياق فيما ذكره المصنف (ره) فتأمل جيدا (والاولى) أن يقال: المغفرة في الآية الاولى يراد منها سببها وهو الاطاعة وكما يمتنع اخذ الاطاعة قيدا للواجب الشرعي يمتنع أخذ المسارعة إليها كذلك وكما أن الامر بالاطاعة ارشادي كذلك الامر بالمسارعة فيها، مع أن الآية على تقدير دلالتها على وجوب المسارعة لا تدل على تقييد الواجب بالفورية بل هي على خلاف ذلك أدل لان مادة المسارعة إلى الشئ إنما تكون فيما هو موسع كما لا يخفى، وكذا الحال في الآية الاخرى على تقدير كون المراد من الخيرات الخيرات الاخروية كما هو الظاهر، ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم (قوله: الارشادية فافهم) لعله اشارة إلى لزوم الالتزام به لما عرفت، (قوله: فهل قضية الامر) ينبغي ان يجعل الاحتمال ثلاثي الاطراف فيقال: هل ظاهر الامر الاتيان به فورا فلو تركه عصى وسقط الامر أو الاتيان به فورا على نحو لو تركه في الزمان الاول عصى في ترك الفورية وبقي الامر بصرف الطبيعة أو الاتيان به فورا ففورا فلو تركه في الزمان الاول عصى ووجب الاتيان به بعد ذلك

١٨٩

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا

الفصل الثالث

الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر ان المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الذى ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا

______________________________

فورا أيضا... وهكذا، ومبنى الاحتمال الاول ان الفورية في الزمان الاول مقومة لاصل المصلحة فتفوت بفوتها وهذا هو المراد من وحدة المطلوب، ومبنى الثاني ان يكون مصلحتان احداهما قائمة بذات الفعل مطلقا والاخرى قائمة بالفورية في الزمان الاول لا غير، ومبنى الثالث كذلك الا ان مصلحة الفورية ذات مراتب مختلفة يكون ترك الفورية في كل زمان مفوتا لمرتبة من مصلحتها لا لاصلها كما هو مبنى الثاني (قوله: أو تعدده) قد عرفت ان تعدده على نحوين يكونان مبنيين لاحتمالين (قوله: لو قيل بدلالتها على) اما لو كان الدليل على الفورية غير الصيغة فيختلف باختلاف تلك الادلة، وفي المعالم بنى القول بالسقوط على الاستناد لغير الآيتين والقول بعدمه على الاستناد اليهما، ولا يخلو من تأمل ليس هذا محل ذكره والله سبحانه اعلم، ثم انه حيث كان اطلاق يعتمد عليه في نفي الفور والتراخي فلا اشكال واما إذا لم يكن اطلاق كذلك فالمرجع الاصل فلو كان التردد بين الفور والتراخي فالواجب الجمع بين الوظيفتين للعلم الاجمالي بالتكليف باحدهما، ولو كان بين الفور والطبيعة فالمرجع اصل البراءة لو كان وجوب الفورية على نحو تعدد المطلوب ولو كان بنحو وحدة المطلوب فالحكم هو الحكم مع الشك بين الاقل والاكثر، وكذا الحكم لو كان التردد بين الطبيعة والتراخي والله سبحانه أعلم

١٩٠

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا فانه عليه يكون (على وجهه) قيدا - توضيحيا - وهو بعيد - مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب فانه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار فلا بد من ارادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى

______________________________

الكلام في الاجزاء

(قوله: مثل ان يؤتى به) بيان للنهج اللازم عقلا بناء على خروج قصد التقرب عن موضوع الامر (قوله: لا خصوص) معطوف على النهج وفيه تعريض بما قد يظهر من عبارة التقريرات فتأملها (قوله: قيدا توضيحيا) لان ذكر المأمور به يغني عنه ثم إن كون القيد توضيحيا لازم للقائلين بأن قصد التقرب داخل في المأمور به (قوله: مع انه يلزم خروج) إذ لا إشكال في عدم الاجزاء لو كان المأمور به في العبادات فاقدا لقصد التقرب وان كان واجدا لجميع ما يعتبر فيه شرعا (قوله: بناء على المختار) أما على القول بكون قصد التقرب قيدا للمأمور به فهي داخلة في محل النزاع لدخولها في العنوان ويكون عدم الاجزاء مع فقد التقرب لعدم الاتيان بالمأمور به شرعا (قوله: ولا الوجه المعتبر) يعني الوجوب والندب (قوله: عند المعظم) فلا وجه لذكره في العنوان في كلام المعظم إلا أن يكون المقصود من ذكره الاحتياط في ذكر القيود لكنه بعيد (قوله: لا مطلق الواجبات) فلا وجه لاخذه قيدا في دعوى الاجزاء مطلقا (قوله: لاختصاصه) يعني من دون سائر القيود المعتبرة في الاطاعة مثل التقرب والتمييز إلا أن يدعى الاكتفاء به عنهما على بعض

١٩١

(ثانيها) الظاهر ان المراد من الاقتضاء ههنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة (ان قلت): هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بالنسبة إلى الامر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت): نعم لكنه لا ينافى كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره فانه لا يكون الا كبرويا لو كان هناك نزاع

______________________________

التقادير فتأمل (قوله: المراد من الاقتضاء ههنا) الواقع في القوانين والفصول وغيرهما في تحرير العنوان قولهم: الامر بالشئ هل يقتضي الاجزاء أولا ؟، وحيث أن ظاهر الاقتضاء فيه الكشف والدلالة كما في قولهم: الامر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، نبه المصنف (ره) على ان الاقتضاء في العنوان المذكور في المتن ليس بمعنى الكشف والدلالة بل بمعنى العلية والتأثير كما في قولهم: الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والوجه في ذلك نسبة الاقتضاء في عنوان المتن إلى الاتيان وفي عنوان غيره إلى الامر وحيث أنه لا معنى لتأثير الامر في الاجزاء وجب حمله على الدلالة يعني يدل الامر على أن موضوعه واف بتمام المصلحة بخلاف الاتيان فان تأثيره في الاجزاء ظاهر إذ لولا كونه علة لحصول الغرض لما كان مامورا به (قوله: هذا إنما يكون) يعني أن حمل الاقتضاء على العلية إنما يصح بالاضافة إلى نفس الامر المتعلق بالماتي فان إجزاءه يلازم سقوط امره لا بالنسبة إلى الامر المتعلق بغيره إذ النزاع في الحقيقة يكون في دلالة الدليل فالاقتضاء فيه بمعنى الدلالة (قوله: نعم) يعني كما ذكرت من أن النزاع في دلالة الدليل (قوله: صغرويا) صورة القياس في المقام هكذا: المأمور به

١٩٢

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر ان الاجزاء ههنا بمعناه لغة وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفى فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالامر الاضطراري أو الظاهرى الجعلي فيسقط به القضاء لا انه يكون ههنا اصطلاحا بمعنى اسقاط التعبد أو القضاء فانه بعيد جدا

______________________________

*

بالامر الاضطراري مأمور به بالامر الواقعي - ولو تنزيلا - والمامور به بالامر الواقعي يقتضي الاجزاء، ينتج: المأمور به بالامر الاضطراري يقتضي الاجزاء. والنزاع في هذه المسألة بالنسبة إلى الامر الواقعي في الكبرى وبالنسبة إلى الامر الاضطراري في الصغرى بالنسبة إلى الامر الواقعي، وفي الكبرى بالنسبة إلى أمر نفسه والمحكم في الكبرى مطلقا العقل والمحكم في الصغرى الدليل الشرعي فإذا كان الاقتضاء في الكبرى بمعنى العلية كان في النتيجة كذلك، ومنه يظهر أن إثبات الاجزاء في الفعل الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي يتوقف على إثبات الصغرى والكبرى معا، وفي الفعل الواقعي على اثبات نفس الكبرى لانه عينها (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى ان النزاع في مثل هذه الصغرى ليس نزاعا في المسألة الاصولية لان شأن المسائل الاصولية تنقيح الكبريات وأما الصغريات فوضيفة الفقيه، ولذا لم يتعرض في هذا المبحث لصغريات الافعال الاضطرارية والظاهرية تفصيلا فلاحظ (قوله: الظاهر ان الاجزاء) قد تضمنت جملة من العبارات كون الاجزاء له معنيان (احدهما) إسقاط التعبد بالفعل ثانيا (وثانيهما) إسقاط القضاء، وأن المراد هنا أي المعنيين ؟ وقد دفع المصنف (ره) ذلك - تبعا للتقريرات - بان لفظ الاجزاء لم يستعمل في المقام إلا بمعناه اللغوي وهو الكفاية غاية الامر أن ما يكفي عند الماتي به تارة يكون هو التعبد به ثانيا فيكون مسقطا للتعبد به واخرى الامر به قضاء فيكون مسقطا للقضاء لا أن له معنى اصطلاحيا ليتردد في أنه إسقاط التعبد أو إسقاط القضاء (قوله: يكفي فيسقط) يعنى يكفي في حصول الغرض فلا يحتاج إلى التعبد به ثانيا لتحصيله (قوله: فيسقط به) يعنى يكفي أيضا في حصول

١٩٣

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى، فان البحث ههنا في ان الاتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فانه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة اخرى (نعم) كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف هذه المسألة فانه كما عرفت في ان الاتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن اتيانه ثانيا اداء أو

______________________________

*

الغرض فلا يثبت الامر بالقضاء ثم إن إجزاء المأمور به الواقعي لما كان بلحاظ الامر به ناسب التعبير باسقاط التعبد به ثانيا وإجزاء المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري لما كان بلحاظ الامر به قضاء ناسب التعبير باسقاط القضاء (قوله: الفرق بين هذه) قد يتوهم أن القول بالمرة قول بالاجزاء والقول بالتكرار قول بعدم الاجزاء (قوله: بما هو المأمور به) يعني بعد الفراغ عن تعيين تمام المأمور به (قوله: فانه في تعيين) وحينئذ فيكون النزاع في الاجزاء مترتبا على النزاع في المرة والتكرار لا أن النزاع فيهما نزاع في الموضوع والنزاع فيه نزاع في الحكم (قوله: بحسب دلالة) يعني فيكون النزاع في أمر لفظي (قوله: عملا) متعلق بقوله: موافقا، يعني هما من حيث العمل سواء لكنه موقوف على أن المراد بالتكرار فعل كل فرد ممكن بعد آخر أما لو كان المراد ما يشمل تكرار الصلاة اليومية وصوم رمضان كما يقتضيه استدلال بعضهم فلا ملازمة بينهما عملا ثم إن هذا بالنسبة إلى أمره أما بالنسبة إلى أمر غيره فلا مجال للتوهم ولا للموافقة عملا (قوله: لا بملاكه) إذ ملاك عدم الاجزاء عدم وفاء المأمور به بالغرض المقصود منه وملاك التكرار عدم حصول تمام المأمور به (قوله: وهكذا الفرق) يعني قد يتوهم أن القول بعدم الاجزاء عين القول بتبعية القضاء للاداء، والقول بالاجزاء قول بعدم تبعية القضاء للاداء (قوله: فان البحث حينئذ) يعني أن البحث في تبعية القضاء للاداء بحث في ان الامر بشئ في وقت

١٩٤

قضاء أولا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسئلتين اصلا (إذا) عرفت هذه الامور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الاول) أن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به ثانيا، لاستقلال العقل بانه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانيا. نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما اشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى

______________________________

*

هل يدل على لزوم فعله في خارج الوقت على تقدير عدم الاتيان به في الوقت بحيث يرجع إلى الامر به مطلقا لكونه في الوقت أولا يدل ؟ فيكون النزاع في تعيين المأمور به من حيث دلالة الامر، وأين هو من النزاع في المسألة ؟ (قوله: فلا علقة بين) أولا من جهة أن إحداهما متضمنة لتعيين نفس المأمور به والاخرى متضمنة لتعيين مقتضاه (وثانيا) من جهة أن النزاع في إحداهما لفظي وفى الاخرى عقلي " وثالثا " من جهة ان القول بعدم الاجزاء انما في ظرف الاتيان بالمأمور به والقول بالتبعية انما هو في ظرف عدم الاتيان به (قوله: بالامر الاضطراري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: أو الظاهري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: لاستقلال العقل بأنه) قد عرفت أن الامر الحقيقي لابد ان يكون حاكيا عن الارادة وأن الارادة حدوثا وبقاء تتوقف على العلم بالمصلحة المعبر عنها بالداعي تارة وبالغرض أخرى فالماتي به في الخارج إما أن لا يترتب عليه الغرض فلا يكون مامورا به فهو خلف أو يترتب عليه الغرض فبقاء الامر حينئذ إن كان بلا غرض فهو مستحيل كما عرفت وان كان عن غرض آخر غير الغرض الحاصل من الماتي به أولا فيلزمه أن يكون المأمور به فردين في الخارج يترتب على كل منهما غرض خاص فيكون الامر منحلا إلى أمرين يسقط كل منهما بالاتيان بمتعلقه وهو عين الاجزاء المدعى غاية الامر أنه لا يكون فعل أحدهما مسقطا لامر الآخر ومجزئا عنه ولكنه غير محل الكلام إذ الكلام - كما عرفت - في أن فعل المأمور به مجزئ عن الامر به ثانيا (قوله: لا منضما إليه)

١٩٥

به كما إذا اتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد فان الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه اتيانه ثانيا كما لم يأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الاول بدلا عنه. نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع التبديل كما إذا أمر باهراق الماء في فمه لرفع عطشه فاهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال ان لا يكون علة فله إليه السبيل، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار احبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه مقامان (المقام الاول) في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يجزئ عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت اعادة وفى خارجه قضاء أولا يجزئ ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم انه يمكن

______________________________

*

قد يمكن أن يكون منضما إليه كما في الافراد الدفعية التى تكون امتثالا واحدا لعدم المرجح. فتأمل (قوله: وجب عليه) يعني بعين وجوبه أولا كما تقدم الكلام فيه (قوله: بدلا عنه) قد عرفت أنه يمكن أن يكون منضما إليه (قوله: فلا يبقى موقع) إذ الثاني مما يعلم بعدم ترتب الاثر عليه (قوله: ما ورد من الروايات) كرواية أبي بصير قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال (عليه السلام): صل معهم يختار الله أحبهما إليه، ورواية هشام عنه (عليه السلام): في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال (عليه السلام): يصلي معهم ويجعلها الفريضة انشاء الله، ونحوها رواية حفص، وفي مرسلة الصدوق: يحسب له أفضلهما وأتمهما

١٩٦

ان يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافيا به كذلك بل يبقى منه شئ امكن استيفاؤه أو لا يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى انه ان كان وافيا به فيجزئ فلا يبقى مجال اصلا للتدارك لا قضاء ولا اعادة، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الاهم فافهم

______________________________

الامر الاضطراري

(قوله: ان يكون التكليف) يعني موضوعه (قوله: كالتكليف الاختياري) يعني كموضوعه (قوله: وما أمكن كان) يعني أن المقدار الباقي من المصلحة الذي يمكن استيفاؤه قسمان فانه تارة يكون واجب التدارك وأخرى يكون مستحب التدارك (أقول): ما لا يمكن استيفاؤه ايضا قسمان تارة يكون محرم التفويت وأخرى لا يكون كذلك فالاقسام خمسة وإنما لم يتعرض للقسمين المذكورين لعدم اختلافهما في الاجزاء وإن كانا يختلفان في جواز البدار وعدمه (قوله: ولا يخفى) شروع في حكم الاقسام من حيث الاجزاء (قوله: اصلا للتدارك) لان التدارك إنما يكون في ظرف الفوت والمفروض عدمه (قوله: ولا يكاد يسوغ) يعني حيث يكون الفائت مما يحرم تفويته أما إذا لم يكن فلا تحريم للبدار كما أن نسبة التحريم إلى البدار لا تخلو من مسامحة إذ المحرم هو تفويت ذلك المقدار والبدار ليس تفويتا ولا مقدمة له وإنما هو ملازم له فلا ينسب إليه التحريم إلا بالعرض والمجاز ولذا لم تفسد العبادة، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: إلا لمصلحة) يعني إذا كانت مصلحة في البدار تصلح لمزاحمة المقدار الفائت لم يحرم التفويت الملازم للبدار حينئذ (قوله: لما فيه من)

١٩٧

(لا يقال): عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لامكان استيفاء الغرض بالقضاء (فانه يقال): هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأما تسويغ البدار أو ايجاب الانتظار في الصورة الاولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طرؤ الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض، وان لم يكن وافيا وقد امكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج

______________________________

تعليل لعدم جواز البدار لكن عرفت أن البدار لا تفويت فيه لغرض المولى وإنما هو يلازم التفويت (قوله: فلا مجال لتشريعه) يعني إذا كان البدل الاضطراري غير واف بمصلحة المبدل الاختياري كيف جاز تشريعه ولو في آخر الوقت ؟ لان في تشريعه تفويتا للمصلحة (قوله: هذا كذلك) (أقول): تشريع الاضطراري إنما جاز لاشتماله على المصلحة مع عدم كونه مقدمة للتفويت فالمنع عن تشريعه غير ظاهر الوجه الا ان يكون المراد من تشريعه الامر بفعله في الوقت أو الاذن كذلك الملازمين للاذن في التفويت (قوله: لولا المزاحمة) يعنى انما يكون تفويت التشريع ممنوعا عنه حيث يؤدي إلى تفويت المصلحة مع عدم مزاحمتها بمصلحة أخرى وإلا فلو فرض كون خصوصية الفعل في الوقت مشتملة على مصلحة تزاحم المقدار الفائت لم يكن مانع عن تشريعه كما تقدم مثل ذلك في جواز البدار ثم إنه حيث كان في خصوصية الوقت مصلحة يتدارك بها ما يفوت جاز البدار أول الوقت إذا علم الاضطرار في تمام الوقت ولا موجب للانتظار فتأمل (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما كان الاضطراري فيها وافيا بتمام المصلحة (قوله: الاضطرار مطلقا) وعليه يجوز البدار مطلقا (قوله: أو بشرط الانتظار) وعليه فلا يجوز البدار (قوله: أو مع اليأس) فلا يجوز البدار الا مع اليأس ثم إن هذه الاقسام لا تختص بالصورة الاولى بل تجري في الثانية أيضا إذ قد تكون خصوصية الوقت مطلقا ذات مصلحة تزاحم المقدار الفائت. وقد تكون بشرط الانتظار، وقد تكون بشرط اليأس وقد يكون بغير ذلك فيتبع كلا حكمه (قوله: وان لم يكن وافيا)

١٩٨

الوقت فان كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من ايجاب الاعادة أو القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة الثانية يتعين عليه استحباب البدار واعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى: (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وقوله (عليه السلام): (التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ولا بد في ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):

______________________________

*

معطوف على قوله: إن كان وافيا (قوله: فلا بد من ايجاب) لاجل تدارك الباقي (قوله: والا فاستحبابه) الظاهر أن أصل العبارة: والا فيجزئ، بمعنى عدم وجوب الاعادة والقضاء وان كان يستحب (قوله: ولا مانع عن) إذ لا تفويت فيهما (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما يكون الباقي فيها مما يجب تداركه (قوله: وفى الصورة الثانية) وهي ما كان الباقي فيها مما يستحب تداركه (قوله: استحباب البدار) هذا الاستحباب بنحو الكلية غير ظاهر الوجه إلا أن يستند فيه إلى مثل آيتي المسارعة والاستباق فتأمل (قوله: وأما ما وقع عليه) التعرض لذلك ينبغي أن يكون في الفقه لا هنا إذ ليس لدليله ضابطة كلية فقد يختلف الدليل باختلاف قرينة الحال أو المقال من حيث الدلالة على الوفاء وعدمه وكأن مقصود المصنف (ره) الاشارة إلى ما يكون كالانموذج لادلة البدل الاضطراري (قوله: هو الاجزاء) أما اقصاء ما كان بلسان البدلية مثل: أحد الطهورين، ونحوه فظاهر، فان اطلاق البدلية يقتضي قيام البدل مقام المبدل منه بلحاظ جميع الآثار والخواص فلا بد من أن يفى بما يفي به المبدل من المصلحة بمرتبتها ويترتب عليه الاجزاء " فان قوله ": هذا الاطلاق

١٩٩

وان كان ثابتا الا انه معارض باطلاق دليل المبدل منه فانه يقتضي تعينه في جميع الاحوال ولازمه وجوب حفظ القدرة عليه الكاشف عن عدم وفاء البدل بمصلحته والا جاز تفويت القدرة عليه، وكما يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن اطلاق دليل المبدل فيحمل على تعينه في ظرف القدرة عليه جاز رفع اليد عن اطلاق دليل البدل فيحمل على وفائه ببعض مراتب المصلحة التي يفي بها المبدل واذ لا مرجح يرجع إلى الاصل ويسقط الاطلاق عن المرجعية " قلت ": نسبة دليل البدل إلى دليل المبدل منه نسبة الحاكم إلى المحكوم لانه ناظر إليه موسع لموضوعه فيجب تقديمه عليه وجوب تقديم الحاكم على المحكوم. هذا كله بالنظر إلى طبع الكلام نفسه أما بملاحظة كون البدلية في حال الاضطرار فلا يبعد كون مقتضى الجمع العرفي كون البدل من قبيل الميسور للتام ولاجل ذلك نقول: لا يجوز تعجيز النفس اختيارا لانه تفويت للتام، فتأمل جيدا. وأما ما كان بلسان الامر فقد يشكل اطلاقه المقتضي للاجزاء إذ الامر انما يدل على وفاء موضوعه بمصلحة مصححة للامر به أما أنها عين مصلحة المبدل أو بعضها فلا يدل عليه الامر ولا يصلح لنفي وجوب الاعادة أو القضاء. نعم لو كان المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول الغرض المترتب على الاختياري مع عدم الامر بالاعادة أو القضاء أمكن الحكم بالاجزاء حينئذ اعتمادا على هذا الاطلاق المقامي المقدم على اطلاق دليل المبدل للحكومة، أو كون الامر واردا مورد جعل البدل فيجري فيه ما تقدم، اللهم إلا أن يقال: دليل المبدل ظاهر في التعيين في حال التمكن وعدمه ودليل البدل ظاهر في تعينه في حال عدم التمكن من المبدل وهما متنافيان للعلم بعدم تعينهما معا فيدور الامر (بين) رفع اليد عن ظهور دليل البدل في التعيين ودليل المبدل فيه بالاضافة إلى بعض مراتب المصلحة ولازمه الحكم بتعين المبدل في تحصيل تمام مرتبة الغرض والتخيير بينه وبين البدل في تحصيل بعضها ويترتب عليه عدم الاجزاء (وبين) رفع اليد عن اطلاق دليل المبدل بالاضافة إلى حالتي التمكن وعدمه وحيث أن الثاني أقرب يكون هو المتعين ولازم ذلك اشتراط وجوب المبدل بحال التمكن فيترتب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

هُناك مُمانع ولا مُدافع، فإذا فعلنا ذلك لا يقدر شَرف الدولة على المُقام بالعراق فيعود، حينئذٍ يقع الصُلح، فأعرض صمصام الدولة عن الجميع وسار في طيار إلى أخيه شَرف الدولة في خواصّه، فوصل إليه فلقيه وطيّب قلبه، فلمّا خرجَ مِن عنده قبض عليه، وأرسل إلى بغداد مَن يحتاط على دار المملكة، وسار فوصل إلى بغداد في شهر رمضان، فنزل بالشفيعي وأخوه صمصام الدولة معه تحت الاعتقال، وكانت إمارته بالعراق ثلاث سنين وأحد عشر شهراً.

الفِتنةُ بين الأتراك والدَيلم:

في هذه السَنة جرت فتنة بين الديلم والأتراك الذين مع شَرف الدولة ببغداد؛ وسببها أنّ الديلم اجتمعوا مع شَرف الدولة في خَلقٍ كثير بلغت عِدّتهم خمسة عشر ألف رجل، وكان الأتراك في ثلاثة آلاف، فاستطال عليهم الدَيلم، فجرت مُنازعة بين بعضهم في دار واصطبل، ثُمّ صارت إلى المُحاربة فاستظهر الديلم لكثرتهم، وأرادوا إخراج صمصام الدولة وإعادته إلى مَلكه، وبلغَ شَرف الدولة الخَبر، فوكّل بصمصام الدولة مَن يقتله إنْ همّ الديلم بإخراجه.

ثُمّ إنّ الديلم لمّا استظهروا على الأتراك تبعوهم فتشوشت صفوفهم، فعاد الأتراك عليهم مِن أمامهم وخَلفهم فانهزموا، وقُتل منهم زيادة على ثلاثة آلاف، ودخل الأتراك البلد فقتلوا مَن وجدوه منهم، ونهبوا أموالهم وتفرّق الديلم، فبعضهم اعتصم بشَرف الدولة وبعضهم سار عنه، فلمّا كان الغَد دخل شَرف الدولة بغداد والديلم المُعتصمون به معه، فخرج الطائع لله ولقيه وهنأه بالسلامة، وقبّل شَرف الدولة الأرض، وأخذ الديلم يذكرون صمصام الدولة.. فقيل لشَرف الدولة اقتله، وإلاّ مَلّكوه الأمر.

ثُمّ إنّ شَرف الدولة أصلح بين الطائفتين وحَلف بعضهم لبعض، وحمل صمصام الدولة إلى فارس فاعتُقِل في قلعة هناك، فرَدَّ شَرف الدولة على الشريف محمّد بن عمر جميع أملاكه وزاده عليها، وكان خراج أملاكه كُلّ سَنة ألفَي ألف وخمسمئة درهم، وردّ على النقيب أبي أحمد الموسوي أملاكه، وأقرّ الناس على مراتبهم ومنع الناس مِن السعايات ولم يقبلها، فأمِنوا وسكنوا ووزر له أبو منصور بن صالحان.

٢٨١

الحربُ بين بدر بن حسنويه وعسكر شَرف الدولة:

في هذه السَنة جهَّز شَرف الدولة عسكراً كثيفاً مع قراتكين الجهشياري - وهو مُقدّم عسكره وكبيرهم - وأمرهم بالمسير إلى بدر بن حسنويه وقتاله، وسبب ذلك أنّ شَرف الدولة كان حَنِقاً على بدر؛ لانحرافه عنه وميله إلى عمّه فَخر الدولة، فلمّا استقرّ مُلكه ببغداد وأطاعه الناس شرع في أمرِ بدر، وكان قراتكين قد جاوز الحدّ في التَحكّم والإدلال وحماية الناس على نوّاب شَرف الدولة، فرأى أنْ يُخرجه في هذا الوجه فإنْ ظَفر ببدر شفى غيظه منه، وإنْ ظفرَ به بدر استراح منه، فساروا نحو بدر، وتجهّز بدر وجمع العساكر، وتلاقيا على الوادي بقرميسين، فلمّا اقتتلوا انهزم بدر حتّى توارى عنه، وظنّ قراتكين وأصحابه أنّه مضى على وجهه، فنزلوا عن خيولهم وتفرّقوا في خيامهم، فلم يلبثوا إلاّ ساعة حتّى كرَّ بدر راجعاً إليهم، وأكبّ عليهم وأعجلهم عن الركوب، وقتل منهم مَقتلة عظيمة، واحتوى على جميع ما في عسكرهم، ونجا قراتكين في نَفر مِن غُلمانه، فبلغ جسر النهروان وأقام به حتّى اجتمع عليه المُنهزمون ودخل بغداد، واستولى بدر بعدَ ذلك على أعمال الجبل وما والاها، وقَويَت شوكته.

وأمّا قراتكين، فإنّه لمّا عاد مِن الهزيمة زاد إدلاله وتجنّيه، وأغرى العسكر بالشَغب والتوثّب على الوزير أبي منصور بن صالحان، فلقوه بما يكره فلاطفهم ودفعهم، وأصلح شَرف الدولة بين الوزير وبين قراتكين، وشرع في إعمال الحيلة على قراتكين، فلم تمضِ أيّام حتّى قَبض عليه وعلى جماعة مِن أصحابه وكُتّابه، وأخذ أموالهم وشَغب الجند لأجله، فقتله شَرف الدولة فسكنوا، وقَدّم عليهم طغان الحاجب فصلُحت طاعته.

طَمع باذ الكردي بالموصل:

في هذا السَنة تجدد لباذ الكُردي طَمعٌ في بلاد الموصل وغيرها، وسبب ذلك أنّ سعداً الحاجب توفّي بالموصل، فسَيّر إليها شَرف الدولة أبا نصر خواشاذه، وجهّز إليه العساكر، وكَتب يستمدّ مِن شَرف الدولة العساكر والأموال، فتأخّرت الأموال عنه، فأحضر العَرب مِن بني عقيل وأقطعهم البلاد ليمنعوا عنها، وانحدر باذ فاستولى على طور عبدين، ولم يقدر على النزول إلى الصحراء، وأرسل أخاه في عسكر فقاتلوا العَرب فقُتل أخوه

٢٨٢

وانهزم عسكره، وأقام بعضهم مُقابل بعض، فبينما هُم كذلك إذ أتاهم الخَبر بموت شَرف الدولة، فعاد خواشاذه إلى الموصل وأظهر موته، وأقامت العَرب بالصحراء تمنع باذ مِن النزول إليها وباذ بالجبل، وكان خواشاذه يصلح أمره ليُعاود حرب باذ، فأتاه إبراهيم وأبو الحسين ابنا ناصر الدولة.

جُلوس الطائع لله جلوساً عامّاً لشَرف الدولة:

في هذه السَنة جَلس الطائع لله لشَرف الدولة جُلوساً عامّاً، وحضره أعيان الدولة وخَلع عليه، وحَلَف كُلّ واحد منهما لصاحبه.

القبض على شكر الخادم:

في هذه السَنة قَبض شَرف الدولة على شكر الخادم، وكان أخصّ الناس عند والده عَضُد الدولة وأقربهم إليه، يرجع إلى قوله ويعول عليه، وكان سَبب قَبضه أنّه كان في أيّام والده يَقصد شَرف الدولة ويُؤذيه، وهو الّذي تولّى إبعاده إلى كرمان مِن بغداد، وقام بأمر صمصام الدولة فحَقد عليه شَرف الدولة ذلك، فلمّا مَلك شَرف الدولة العراق اختفى شكر، فطلبه أشد الطلب فلم يوجد، وكان له جارية حبشيّة قد تزوّجها، فطلبها إليه فأقامت عنده مدّة تَخدمه، وكان قد عَلق بقلبها غيره، فصارت تأخذ المأكول وغيره وتحمله إلى حيث شاءت، فأحسّ بها شكر فلم يحتملها فضربها، فخرجت غضبى إلى باب دار شَرف الدولة فأخبرت بحال شكر، فأخذه وأُحضر عند شَرف الدولة، فأراد قتله فشفع فيه نحرير الخادم، فوهبه له واستأذنه في الحج فأذن له، فسار إلى مكّة ثُمّ منها إلى مصر، فنال هُناك منزلة كبيرة.

سَملُ صمصام الدولة:

سَنة ٣٧٩هـ كان نحرير الخادم يُشير على شَرف الدولة بقتل أخيه صمصام الدولة، وشرف الدولة يُعرض عن كلامه، فلمّا اعتلَّ شَرف الدولة واشتدّت علّته ألحّ عليه نحرير...، وقال له:

الدولة معه على خَطر، فإنْ لم تقتله فأسمله، فأرسل في ذلك محمّد الشيرازي الفراش، فمات شَرف الدولة قبل أنْ يَصل الفراش إلى صمصام الدولة، فلمّا وصل الفراش إلى القلعة التي بها صمصام الدولة لم يُقدِم على سمله، فاستشار أبا القاسم العلاء بن

٢٨٣

الحسن الناظر هناك فأشار بذلك، فسَمله وكان صمصام الدولة يقول:

ما أعماني إلاّ العلاء؛ لأنّه أمضى في حُكم سلطان قد مات.

وفاة شَرف الدولة:

في مُستهلّ جمادى الآخرة سَنة ٣٧٩هـ توفّي المَلك شَرف الدولة أبو الفوارس شيرزيل بن عَضُد الدولة مُستسقياً، وحُمِل إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فدُفن به، وكانت إمارته بالعراق سنتَين وثمانية أشهُر، وكان عُمره ثمانياً وعشرين سَنة وخمسة أشهُر، ولمّا اشتدّت عِلّته سيَّر ولده أبا علي إلى بلاد فارس، وأصحبه الخزائن والعِدد وجماعة كثيرة مِن الأتراك، فلمّا أيسَ أصحابه منه اجتمع إليه أعيانُهم، وسألوه أنْ يُملّك أحداً..، فقال:

أنا في شُغل عمّا تدعونني إليه..، فقالوا له: ليأمُر أخاه بهاء الدولة أبا نصر أنْ ينوب عنه إلى أنْ يُعافى؛ ليحفظ الناس لئلاّ تثور فتنة، ففعل ذلك وتوقّف بهاء الدولة ثُمّ أجاب إليه، فلمّا مات جلس بهاء الدولة في المَملكة، وقعد للعزاء ورَكب الطائع لله أمير المؤمنين إلى العزاء في الزبزب فتلقّاه بهاء الدولة وقبّل الأرض بين يديه، وانحدر الطائع لله إلى داره وخَلع على بهاء الدولة خِلَع السَلطنة، وأقرّ بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته.

الرابع عشر مِن مُلوك بني بويه والسادس مِن مُلوكهم في العراق: أبو نَصر بهاءُ الدولة بن عَضُد الدولة

نابَ بهاء الدولة مناب أخيه شَرف الدولة في إدارة المَملكة في مَرضه - كما سبق بيان ذلك - وحين وفاته في سنة ٣٧٩هـ خلع عليه الطائع لله خِلَع السَلطنة، واستقرّت له ورسخت فيها قدمه، فكان السادس مِن مُلوك بني بويه في العراق.

مسير أبي عليّ بن شَرف الدولة إلى فارس وما كان منه مع صمصام الدولة:

لمّا اشتدّ مرضُ شَرف الدولة جهّز ولده الأمير أبا علي، وسيّره إلى فارس ومعه والدته وجواريه، وسَيّر معه مِن الأموال والجواهر والسلاح

٢٨٤

أكثرها، فلمّا بَلغ البصرة أتاهم الخَبر بموت شَرف الدولة، فسيّر ما مَعه في البحر إلى أرجان، وسار هو مُجدّاً إلى أنْ وصل إليها، واجتمع معه مَن بها مِن الأتراك وساروا نحو شيراز، وكاتبهم مُتولّيها وهو أبو القاسم العلاء بن الحسن بالوصول إليها ليُسلّمها إليهم، وكان المرتّبون في القلعة التي بها صمصام الدولة وأخوه أبو طاهر قد أطلقوهما ومعهما فولاذ، وساروا إلى سيراف واجتمع على صمصام الدولة كثير مِن الدَيلم، وسار الأمير أبو علي إلى شيراز، ووقعت الفتنة بها بين الأتراك والدَيلم، وخرج الأمير أبو علي مِن داره إلى معسكر الأتراك فنزل معهم، واجتمع الدَيلم وقصدوا ليأخذوه ويُسلّموه إلى صمصام الدولة، فرأوه قد انتقل إلى الأتراك، فكشفوا القِناع ونابذوا الأتراك، وجرى بينهم قتال عِدّة أيّام، ثُمّ سار أبو علي والأتراك إلى نسا فاستولوا عليها، وأخذوا ما بها مِن مال وقتلوا مِن بها مِن الدَيلم، وأخذوا أموالهم وسلاحهم فقووا بذلك، وسار أبو علي إلى أرجان، وعاد الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، ونهبوا البَلد وعادوا إلى أبي علي بأرجان، وأقاموا معه مديدة، ثُمّ وصل رسول مِن بهاء الدولة إلى أبي علي، وأدّى الرسالة وطيّب قَلبه ووعده، ثُمّ إنّه راسل الأتراك سِرّاً واستمالهم إلى نفسه وأطمعهم، فحسّنوا لأبي عليّ المسير إلى بهاء الدولة، فسار إليه فلقيه بوسط مُنتصف جمادى الآخرة سَنة ثمانين وثلاثمئة، فأنزله وأكرمه وتركه عِدّة أيام، وقبض عليه ثُمّ قتله بعد ذلك بيسير، وتجهّز بهاء الدولة للمسير إلى الأهواز لقصدِ بلاد فارس.

الفِتنة ببغداد بين الدَيلم والأتراك:

في هذه السَنة وقعت الفتنة ببغداد بين الأتراك والدَيلم، واشتدّ الأمرُ ودام القتال بينهم خمسة أيّام، وبهاء الدولة في داره يُراسلهم في الصُلح، فلم يسمعوا قوله وقُتل بعض رُسله.

ثُمّ إنّه خرج إلى الأتراك وحضر القِتال معهم، فاشتدّ حينئذ الأمر وعظم الشرّ، ثُمّ إنّه شَرع في الصُلح ورفق بالأتراك، وراسل الدَيلم فاستقرّ الحال بينهم، وحَلَف بعضهم لبعض، وكانت مُدّة الحَرب اثني عشر يوماً.

ثُمّ إنّ الدَيلم تفرّقوا فمضى فريق بعد فريق، وأخرج بعضهم وقبض على البعض، فضعُف أمرهم وقويت شوكة الأتراك واشتدّت حالهم.

٢٨٥

مَسيرُ فَخر الدولةِ إلى العراق:

في هذه السَنة سار فَخر الدولة بن رُكن الدولة مِن الريّ إلى همذان عازماً على قصد العراق والاستيلاء عليها، وقد مرَّ الخَبر عن ذلك في أخبار فَخر الدولة فلا نعيده.

مُفردات بهاء الدولة:

في هذه السنة قَبض بهاء الدولة على أبي الحسن محمّد بن عمر العلوي الكوفي، وكان قد عظُم شأنه مع شَرف الدولة، واتسع جاهه وكثرت أمواله، فلمّا ولي بهاء الدولة سعى به أبو الحسن المُعلّم وأطمعه في أمواله ومُلكه، وعظم ذلك عنده وقبض عليه.

وفيها أسقط ما كان يُؤخذ مِن المراعي مِن سائر السَواد.

وفي سنة ٣٨٠هـ تغلّب أبو الذوّاد محمّد بن المسيّب بن عقيل على أبي طاهر بن حمدان بعد انهزامه مِن أبي عليّ بن مروان، واستولى على الموصل نائباً عن بهاء الدولة اسماً وله فيها الأمر والنهي دونه، وقد مرَّ ذلك في أخبار بني حمدان وبني المسّيب.

مسيرُ بهاءِ الدولةِ إلى الأهواز وما كان منه ومِن صمصام الدولة:

في هذه السنة ٣٨٠هـ سار بهاء الدولة عن بغداد إلى خوزستان عازماً على قصد فارس، واستخلف ببغداد أبا نصر خواشاذه، ووصل إلى البصرة ودخلها، وسار عنها إلى خوزستان، فأتاه نعيُ أخيه أبي طاهر فجلس للعزاء به، ودخل أرجان فاستولى عليها، وأخذ ما فيها مِن الأموال فكان ألف ألف دينار، وثمانية آلاف ألف درهم، ومِن الثياب والجواهر ما لا يُحصى، فلمّا عَلِم الجُند بذلك شَغبوا شغباً مُتتابعاً، فأُطلِقت تلك الأموال كلّها، لم ولم يبقَ منها إلاّ القليل، ثُمّ سارت مُقدّمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبنداجان وبها عساكر صمصام الدولة، فهزمهم وبثّ أصحابه في نواحي فارس، فسيّر إليهم صمصام الدولة عسكراً وعليهم فولاذ زماندار فواقعهم، فانهزم أبو العلاء وعاد مهزوماً، وكان سبب الهزيمة أنّه كان بين العسكرين وادٍ وعليه قنطرة، وكان أصحاب أبي العلاء يعبرون القنطرة ويَغيرون على

٢٨٦

أثقال الدَيلم عسكر صمصام الدولة، فوضع فولاذ كميناً عند القنطرة، فلمّا عَبر أصحاب بهاء الدولة خرجوا عليهم فقتلوهم جميعاً، وراسل فولاذ أبا العلاء وخدعه، ثُمّ سار إليه وكَبسه فانهزم مِن بين يديه، وعاد إلى أرجان مهزوماً، وغلت الأسعار، ولمّا بلغَ الخبر إلى صمصام الدولة سار عن شيراز إلى فولاذ، وتردّدت الرُسل في الصُلح، فتمّ على أنْ يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان العراق، وأنْ يكون لكلّ واحدٍ منها إقطاع في بَلد صاحبه، وحَلف كلُ واحد منهما لصاحبه، وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز.

ولمّا سار بهاء الدولة عن بغداد ثارَ العيّارون بجانبي بغداد، ووقعت الفتن بين أهل السُنّة والشيعة وكثُر القتَل بينهم، وزالت الطاعة وأُحرقت عدّة محالّ ونُهبت الأموال وأُخرِبت المساكن، ودامَ ذلك عدّة شُهور إلى أنْ عادَ بهاءُ الدولة إلى بغداد.

قبضُ بهاءِ الدولةِ على الطائع لله:

في سنة ٣٨١هـ قبضَ بهاء الدولة على الطائع لله أبي بكر عبد الكريم، وكان سببُ ذلك أنّ الأمير بهاء الدولة قلّت عنده الأموال، فكثُرَ شغبُ الجُند، فقبض على وزيره سابور، فلم يُغنِ عنه ذلك شيئاً، وكان أبو الحسن بن المُعلّم قد غَلب على بهاء الدولة، وحَكم في مملكته، وحسَّن له القَبض على الطائع وأطمعه في ماله، وهوّن عليه ذلك وسهّله، فأقدم عليه بهاء الدولة، وأرسل إلى الطائع وسأله الإذن في الحُضور في خدمته ليُجدّد العهد به، فأذن له في ذلك، وجلس له كما جرتْ العادة، فدخل بهاء الدولة ومَعه جَمع كثير، فلمّا دخل قبّل الأرض وأُجلس على كُرسي، فدخل بعض الدَيلم كأنّه يُريد أنْ يُقبّل يدَ الخليفة، فجذبه فأنزله عن سريره، والخليفة يقول:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهو يَستغيث ولا يُلتفت إليه، وأُخذ ما في دار الخليفة مِن الذخائر، فمشوا به في الحال، ونَهب الناس بعضُهم بعضاً، وكان مِن جُملتهم الشريف الرضي، فبادر بالخُروج فسَلُم، وقال أبياتاً مِن جملتها:

مِن بَعد ما كان ربُّ التاج مُبتسم إلى أدنوه في النجوى ويُدنيني

أمسيتُ أرحمُ مَن قد كُنتُ أغبِطه لقد تقارب بين العزّ والهون

ومَنظرٌ كان بالسراءِ يُضحكني يا قرب ما عاد بالضرّاء يُبكيني

هيهات أغترُّ بالسلطان ثانيةً قد ضلَّ ولاّج أبواب السلاطين

٢٨٧

ولمّا حُمل الطائع إلى دار بهاء الدولة أشهدَّ عليه بالخلع، وبويعَ بعده للقادر بالله.

عودِ الدَيلم إلى الموصل:

كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجّاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل، وكان قد استقرّ حُكمها في يد أبي الذواد محمّد بن المسيّب، وأقرّه بهاء الدولة على ذلك بعد أنْ قَدّم له أبو الذواد الطاعة، فملكها آخر سَنة ٣٨١هـ، وقد ذكرنا خَبر ذلك في أخبار بني المسيّب فاطلبه هناك.

وجرت أُمور مِن بهاء الدولة على وُزرائه لم يكن فيها شيء مِن الحِكمة والتدبير، وكان كما قال ابن الأثير: أُذناً يسمع ما يُقال له ويفعل به، وحَسبه معرّة ما عامل به الطائع لله مِن الاحتقار والخلع على غير سَبب سوى الطَمع في أمواله، وفي ذِكر ذلك كلّه ما يَطول به الخطب.

مُلك صمصام الدولة خوزستان:

في سنة ٣٨٣هـ مَلك صمصام الدولة خوزستان، وكان سَبب نقض الصُلح أنّ بهاء الدولة سيّر أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز، وتقدّم إليه بأنْ يكون مُستعدّاً لقصد بلاد فارس، وأعلمه أنّه يُسيّر إليه العساكر مُتفرّقين، فإذا اجتمعوا عنده سار بهم إلى بلاد فارس بغتة، فلا يَشعر صمصام الدولة إلاّ وهُم معه في بلاده، فسار أبو العلاء ولم يتهيّأ لبهاء الدولة إمداده بالعساكر وظَهر الخبر، فجّهز صمصام الدولة عسكره وسيّرهم إلى خوزستان، وكتبَ أبو العلاء إلى بهاء الدولة بالخَبر، ويطلب إمداده بالعساكر، فسيَّر إليه عسكراً كثيراً، ووصلتْ عساكر فارس فلقيهم أبو العلاء فانهزم هو وأصحابه، وأُخذ أسيراً وحُمل إلى صمصام الدولة، فأُلبس ثياباً مُصبّغة وطيف به، وسألت فيه والدة صمصام الدولة فلم يقتله واعتقله.

ولمّا سمع بهاء الدولة بذلك أزعجه وأقلقه وكانت خزانته قد خلت مِن الأموال فأرسل وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط ليحصل ما أمكنه وأعطاه رهوناً مِن الجواهر والأعلاق النفيسة ليقترض عليها مِن مُهذّب الدولة صاحب البطيحة، فلمّا وصل إلى واسط تَقرّب منها إلى مُهذّب الدولة، وترك ما معه مِن الرهون بحاله، وأرسل بهاء الدولة ورَهنها وأقرض عليها.

٢٨٨

عَقدُ نِكاح القادر على بِنتِ بهاء الدولة:

في هذه السنة عقد النكاح للقادر على بنت بهاء الدولة، بصداق مَبلغه مئة ألف دينار، وكان العَقد بحضرة والولي النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي، وماتتْ قبل النقلة.

عودُ الأهواز إلى بهاء الدولة:

في سَنة ٣٨٤هـ مَلك بهاء الدولة الأهواز، وكان سَببه أنّه أنفذ عسكراً إليها عِدّتهم سبعمئة رجل، وقَدّم عليهم طغان التركي، فلمّا بَلغوا السوس رحل عنها أصحاب صمصام الدولة، فدخلها عسكر بهاء الدولة وانتشروا في أعمال خوزستان، وكان أكثرهم مِن التُرك، فعلت كَلمتهم على الدَيلم، وتوجّه صمصام الدولة إلى الأهواز ومعه عساكر الدَيلم وتميم وأسد، فلمّا بلغ تستر رحل ليلاً ليكبس الأتراك مِن عسكر بهاء الدولة، فَضَلّ الأدلاّء في الطريق فأصبح على بُعد منهم، ورآهم طلائع الأتراك فعادوا بالخَبر، فحَذِروا واجتمعوا واصطفّوا، وجعلوا مُقدّمهم واسمه طغان كميناً، فلمّا التقوا واقتتلوا خَرج الكمين على الدَيلم فكانت الهزيمة، وانهزم صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، وكانوا أُلوفاً كثيرة استأمَن منهم أكثر مِن ألفَي رجُل، وغنم الأتراك مِن أثقالهم شيئاً كثيراً، وضَرب طغان للمُستَأمنة خِيَماً يسكنونها، فلمّا نزلوا اجتمع الأتراك وتشاوروا وقالوا:

هؤلاء أكثر مِن عدّتنا ونحن نخاف أنْ يثوروا بنا، واستقرّ رأيهم على قتلهم، فلم يَشعر الدَيلم إلاّ وقد أُلقيت الخيام عليهم، ووقع الأتراك فيهم بالعَمَد حتى أتوا عليهم فقتلوا كُلّهم، وورد الخَبر على بهاء الدولة وهو بواسط قد اقترض مالاً مِن مُهذّب الدولة، فلمّا سَمع ذلك سار إلى الأهواز، وكان طغان والأتراك قد مَلكوها قبل وصوله إليها.

وأمّا صمصام الدولة، فإنّه لبس السواد وسار إلى شيراز فدخلها، فغيّرت والدته ما عليه مِن السواد، وأقام يتجهّز للعود إلى أخيه بهاء الدولة بخوزستان.

الصهر بين بهاء الدولة ومُهذّب الدولة:

في هذه السَنة عقد النكاح لمُهذّب الدولة على ابنة بهاء الدولة، والأمير أبي منصور بويه بن بهاء الدولة على ابنة مُهذّب الدولة، وكان الصداق مِن كلّ جانب مئة ألف دينار.

٢٨٩

عودُ صمصام الدولة إلى الأهواز:

في سنة ٣٨٥هـ جَهّز صمصام الدولة عساكره مِن الدَيلم، وردّهم إلى الأهواز مع العلاء بن الحسن، واتّفق أنّ طغان نائب بهاء الدولة بالأهواز عوفي، وعَزم مَن معه مِن الأتراك على العودة إلى بغداد، وكَتب مَن هناك إلى بهاء الدولة بالخبر فأقلقه ذلك وأزعجه، فأرسل أبا كاليجار المرزبان بن شهيفروز إلى الأهواز نائباً عنه، وأنفذ أبا محمّد الحسن بن مكرم إلى الفتكين وهو برامهرمز قد عاد مِن بين يَدي عسكر صمصام الدولة إليها يأمره بالمقام بموضعه، فلم يفعلْ وعاد إلى الأهواز، فكَتب إلى أبي محمّد بن مكرم بالنظر في الأعمال، وسار بَعدهم بهاء الدولة نحو خوزستان، فكاتبه العلاء وسلك طريق اللين والخداع، ثُمّ سار على نهر المسرقان إلى أنْ حصل بخان طوق، ووقعت الحرب بينه وبين أبي محمّد بن مكرم والفتكين، وزحف الدَيلم بين البساتين حتّى دخلوا البلد، وانزاح عنه ابن مكرم والفتكين، وكَتبا إلى بهاء الدولة يُشيران عليه بالعبور إليها فتوقّفَ عن ذلك ووعدهما به، وسيّر إليهما ثمانين غُلاماً مِن الأتراك، فعبروا وحملوا على الدَيلم مِن خَلفهم فأفرج لهم الدَيلم، فلمّا توسّطوا بينهم أطبقوا عليهم فقتلوهم، فلمّا عرف بهاء الدولة ذلك ضَعُفت نفسه، وعزم على العود ولم يُظهر ذلك، فأمر بإسراج الخيل وحَمل السلاح فَفُعل ذلك، وسار نحو الأهواز يسيراً ثُمّ عاد إلى البصرة فنزل بظاهرها، فلمّا عرف ابن مكرم خبر بهاء الدولة عادَ إلى عسكر مكرم، وتبعهم العلاء والدَيلم فأجلوهم عنها، فنزلوا براملان بين عسكر مكرم وتستر.

وتَكرّرت الوقائع بين الفريقين مُدّة، وكان بيَد الأتراك أصحاب بهاء الدولة مِن تستر إلى رامهرمز، ومع الدَيلم منها إلى أرجان وأقاموا ستّة أشهر، ثُمّ رجعوا إلى الأهواز ثُمّ عبر بهم النهر إلى الدَيلم، واقتتلوا نحو شهرين، ثُمّ رحل الأتراك وتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط، فكفّ عنهم وأقام بعسكر مكرم.

استيلاء صمصام الدولة على البصرة:

في سنة ٣٨٦هـ سار قائد كبير مِن قوّاد صمصام الدولة اسمه لشكرستان إلى البصرة، فأجلى عنها نوّاب بهاء الدولة، وسَبب ذلك أنّ الأتراك لمّا عادوا عن العلاء كان هذا لشكرستان مع العلاء، فأتاهم مِن

٢٩٠

الدَيلم مع بهاء الدولة أربعمئة رجل مستأمنين، فأخذهم لشكرستان وسار بهم وبمَن معه إلى البصرة فكثر جَمعه، فنَزلوا قُرب البصرة بين البساتين يُقاتلون أصحاب بهاء الدولة، ومال إليهم بعض أهل البصرة، ومُقدّمهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي، وكانوا يحملون إليهم الميرة، وعَلم بهاء الدولة بذلك فأنفذ مَن يَقبض عليه، فهرب كثير منهم إلى لشكرستان فقويَ بهم، وجمعوا السُفن وحملوه فيها ونزلوا إلى البصرة، فقاتلوا أصحاب بهاء الدولة بها وأخرجوهم عنها، ومَلك لشكرستان البصرة، وقتل مِن أهلها كثيراً وهربَ كثير منهم، وأخذ كثيراً مِن أموالهم، فكَتب بهاء الدولة إلى مُهذّب الدولة صاحب البطيحة يقول:

أنتَ أحقّ بالبصرة، فَسَيَّرَ إليها جيشاً مع عبد الله بن مرزوق..، وقيل إنّما فارقها فأجلى لشكرستان عن البصرة..، وقيل إنّه سار عن البصرة بغير حَرب، ودخلها ابن مرزوق..، وقيل إنّما فارقها بعد أنْ حارب فيها وضَعُف عن المقام بين يديه، وصفت البصرة لمُهذّب الدولة.

ثُمّ إنّ لشكرستان عَمل على العود إلى البصرة، فهجم عليها في السُفن، ونزل أصحابه بسوق الطعام، واقتتلوا فاستظهر لشكرستان، وكاتبَ بهاء الدولة يطلب المُصالحة، ويبذل الطاعة ويخطب له بالبصرة، فأجابه مُهذّب الدولة إلى ذلك، وأخذَ ابنه رهينة، وكان لشكرستان يُظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومُهذّب الدولة، وعسفَ أهل البصرة مدّة فتفرّقوا، ثُمّ إنّه أحسن إليهم وعدل فيهم فعادوا.

وفي هذه السنة مَلك المقلد بن المسيّب الموصل، وقد مرّ خَبر ذلك في أخبار بني المسيّب.

وفي سنة ٣٨٧هـ خَرج أبو الحسن عليّ بن مزيد عن طاعة بهاء الدولة، وسبقَ الخَبر عن ذلك في مكانه فلا نُعيده.

مسيرُ بهاءِ الدولةِ إلى واسط:

في سنة ٣٨٨هـ عاد أبو عليّ بن إسماعيل إلى طاعة بهاء الدولة وهو بواسط، فوزرَ له ودبّر أمره، وأشار عليه بالمسير إلى أبي محمّد بن مكرم ومَن معه مِن الجُند ومساعدتهم ففعل ذلك، وسار على كُره وضيق فنزل بالقنطرة البيضاء، وثبت أبو عليّ بن أستاذ هرمز وعسكره، وجرى لهم معه وقائع كثيرة، وضاق الأمر ببهاء الدولة وتعذّرت عليه الأقوات، فاستمدّ بدر بن حسنويه فأنفذ إليه شيئاً قام ببعض ما يُريده، وأشرف بهاء الدولة على الخَطر،

٢٩١

وسعى أعداء أبي عليّ بن إسماعيل به حتّى كاد يبطش به، فتجدّد مِن أمر ابنَي بختيار وقتل صمصام الدولة ما أتاه به الفرج مِن حيث لم يحتسب، وصَلح أمرُ أبي علي عنده واجتمعت الكلمة عليه.

مَقتل صمصام الدولة:

في هذه السنة في ذي الحجّة قُتِل صمصام الدولة بن عَضُد الدولة، وسَبب ذلك أنّ جماعة كثيرة مِن الدَيلم استوحشوا مِن صمصام الدولة؛ لأنّه أمرَ بعرضهم وإسقاط مَن ليس بصحيح النَسب، فأسقط منهم مقدار ألف رجل، فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون، واتّفق أنّ أبا القاسم وأبا نصر ابنَي عِزّ الدولة - بختيار - كانا مقبوضين، فخدعا الموكّلين بهما في القلعة، فأفرجوا عنهما، فجمعا لفيفاً مِن الأكراد، واتّصل خبرهما بالّذين أُسقطوا مِن الدَيلم فأتوهم، وقصدوا إلى أرجان فاجتمعت عليها العساكر، وتحيّر صمصام الدولة ولم يكن عنده مَن يُدبّره، وكان أبو جعفر أستاذ هرمز مُقيماً بنسا، فأشار عليه بعض مَن عنده بتفريق ما عنده مِن المال في الرجال، والمسير إلى صمصام الدولة وأخذه إلى عسكره بالأهواز، وخوف إنْ لم يفعل ذلك فشحّ بالمال، فثار به الجُند ونهبوا داره وهربوا، فاختفى فأُخذ وأُتي به إلى ابنَي بختيار فحُبس ثُمّ احتال فنجا.

وأمّا صمصام الدولة، فإنّه أشار عليه أصحابه بالصعود إلى القلعة التي على باب شيراز، والامتناع بها إلى أنْ يأتي عسكره ومَن يمنعه، فأراد الصُعود إليها فلم يُمكّنه المستحفظ بها، وكان معه ثلاثمئة رجل فقالوا له:

الرأي أنّنا نأخذك ووالدتك ونسير إلى أبي عليّ بن أستاذ هرمز، وأشار بعضهم بقصد الأتراك وأخذهم والتَقوّي بهم ففعل ذلك، وخرج معهم بخزائنه وأمواله فنهبوه، وأرادوا أخذه فهَرب، وسار إلى الدودمان على مرحلتين مِن شيراز، وعَرف أبو نصر بن بختيار الخبر فبادر إلى شيراز، ووثبَ رئيس الدودمان - واسمه طاهر - بصمصام الدولة فأخذه، وأتاه أبو نصر بن بختيار وأخذه منه فقتله في ذي الحجّة، فلمّا حُمل رأسه إليه قال:

هذه سُنّة سنّها أبوك - يعني ما كان مِن قتل عَضُد الدولة بختيار - وكان عُمر صمصام الدولة خمساً وثلاثين سَنة وسبعة أشهر، ومُدّة إمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيّام، وكان كريماً حليماً.

وأمّا والدته، فسُلّمت إلى بعض قوّاد الدَيلم، فقتلها وبنى عليها دكّة في داره، فلمّا مَلك بهاء الدولة فارس أخرجها ودفنها في تربة بني بويه.

٢٩٢

مِلكُ بهاءِ الدولةِ فارس وخوزستان:

في سنة ٣٨٩هـ دخلَ الدَيلم مع أبي عليّ بن أستاذ هرمز بالأهواز في طاعة بهاء الدولة، وكان سَبب ذلك أنّ ابنَي بختيار لمّا قَتلا صمصام الدولة ومَلكا بلاد فارس كَتبا إلى أبي عليّ بن أستاذ هرمز بالخَبر، ويُذكر أنّ تعويلهما عليه واعتضادهما به، ويأمرانه بأخذ اليمين لهما على مَن معه مِن الدَيلم والمُقام بمكانه والجدّ بمحاربة بهاء الدولة، فخافهما أبو علي لِما كان أسلفه إليهما مِن قبل أخويهما وأسرِهما، فجَمعَ الدَيلم الذين معه وأخبرهم الحال واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا بطاعة ابني بختيار ومُقاتلة بهاء الدولة، فلم يوافقهم على ذلك، ورأى أنْ يُراسل بهاء الدولة ويستميله ويحلفه لهم، فقالوا:

إنّا نخاف الأتراك وقد عرفتَ ما بيننا وبينهم، فسكت عنهم وتفرّقوا، وراسله بهاء الدولة يستميله ويبذل له وللديلم الأمان والإحسان، وتردّدت الرُسل، وقال بهاء الدولة:

إنّ ثاري وثاركم عند مَن قتل أخي فلا عُذر لكم في التَخلّف عن الأخذ بثاره، واستمال الدَيلم فأجابوه إلى الدُخول في طاعته، وأنفذوا جماعة مِن أعيانهم إلى بهاء الدولة فحلفوه واستوثقوا منه، وكتبوا إلى أصحابهم المُقيمين بالسوس بصورة الحال، وركب بهاء الدولة مِن الغد إلى باب السوس رجاء أنْ يَخرج مَنْ فيه إلى طاعته، فَخرجوا إليه في السلاح وقاتلوه قتالاً شديداً لم يُقاتلوا مثله فضاق صدره، فقيل له:

إنّ هذه عادة الدَيلم، أنْ يشتدّ قتالهم عند الصُلح؛ لئلاّ يُظنّ بهم، ثُمّ كفّوا عن القتال وأرسلوا مَن يُحلفه لهم، ونزلوا إلى خِدمته، واختلط العسكران وساروا إلى الأهواز، فقرّر أبو عليّ بن إسماعيل أمورها وقسّم الإقطاعات بين الأتراك والدَيلم، ثُمّ ساروا إلى رامهرمز فاستولوا عليها وعلى أرجان وغيرها مِن بلاد خوزستان، وسار أبو عليّ بن إسماعيل إلى شيراز فنزل بظاهرها، فَخرج إليه ابنا بختيار في أصحابهما فحاربوه، فلمّا اشتدّت الحرب مال بعضُ مَن معهما إليه، ودخل بعضُ أصحابه البلد ونادوا بشعار بهاء الدولة، وكان النقيب أبو أحمد الموسوي بشيراز قد وردها رسولاً مِن بهاء الدولة إلى صمصام الدولة، فلمّا قَتل صمصام الدولة كان بشيراز، فلمّا سَمع النداء بشعار بهاء الدولة ظنّ أنّ الفتح قد تَمّ، فقصد الجامع - وكان يوم الجمعة - وأقام الخُطبة لبهاء الدولة، ثُمّ عاد ابنا بختيار واجتمع إليهما أصحابهما، فخاف النقيب فاختفى، وحُمِل في سَلّة إلى أبي

٢٩٣

الحسن الناظر هناك فأشار بذلك، فسَمله وكان صمصام الدولة يقول:

ما أعماني إلاّ العلاء؛ لأنّه أمضى في حُكم سلطان قد مات.

وفاة شَرف الدولة:

في مُستهلّ جمادى الآخرة سَنة ٣٧٩هـ توفّي المَلك شَرف الدولة أبو الفوارس شيرزيل بن عَضُد الدولة مُستسقياً، وحُمِل إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فدُفن به، وكانت إمارته بالعراق سنتَين وثمانية أشهُر، وكان عُمره ثمانياً وعشرين سَنة وخمسة أشهُر، ولمّا اشتدّت عِلّته سيَّر ولده أبا علي إلى بلاد فارس، وأصحبه الخزائن والعِدد وجماعة كثيرة مِن الأتراك، فلمّا أيسَ أصحابه منه اجتمع إليه أعيانُهم، وسألوه أنْ يُملّك أحداً..، فقال:

أنا في شُغل عمّا تدعونني إليه..، فقالوا له: ليأمُر أخاه بهاء الدولة أبا نصر أنْ ينوب عنه إلى أنْ يُعافى؛ ليحفظ الناس لئلاّ تثور فتنة، ففعل ذلك وتوقّف بهاء الدولة ثُمّ أجاب إليه، فلمّا مات جلس بهاء الدولة في المَملكة، وقعد للعزاء ورَكب الطائع لله أمير المؤمنين إلى العزاء في الزبزب فتلقّاه بهاء الدولة وقبّل الأرض بين يديه، وانحدر الطائع لله إلى داره وخَلع على بهاء الدولة خِلَع السَلطنة، وأقرّ بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته.

الرابع عشر مِن مُلوك بني بويه والسادس مِن مُلوكهم في العراق: أبو نَصر بهاءُ الدولة بن عَضُد الدولة

نابَ بهاء الدولة مناب أخيه شَرف الدولة في إدارة المَملكة في مَرضه - كما سبق بيان ذلك - وحين وفاته في سنة ٣٧٩هـ خلع عليه الطائع لله خِلَع السَلطنة، واستقرّت له ورسخت فيها قدمه، فكان السادس مِن مُلوك بني بويه في العراق.

مسير أبي عليّ بن شَرف الدولة إلى فارس وما كان منه مع صمصام الدولة:

لمّا اشتدّ مرضُ شَرف الدولة جهّز ولده الأمير أبا علي، وسيّره إلى فارس ومعه والدته وجواريه، وسَيّر معه مِن الأموال والجواهر والسلاح

٢٩٤

أكثرها، فلمّا بَلغ البصرة أتاهم الخَبر بموت شَرف الدولة، فسيّر ما مَعه في البحر إلى أرجان، وسار هو مُجدّاً إلى أنْ وصل إليها، واجتمع معه مَن بها مِن الأتراك وساروا نحو شيراز، وكاتبهم مُتولّيها وهو أبو القاسم العلاء بن الحسن بالوصول إليها ليُسلّمها إليهم، وكان المرتّبون في القلعة التي بها صمصام الدولة وأخوه أبو طاهر قد أطلقوهما ومعهما فولاذ، وساروا إلى سيراف واجتمع على صمصام الدولة كثير مِن الدَيلم، وسار الأمير أبو علي إلى شيراز، ووقعت الفتنة بها بين الأتراك والدَيلم، وخرج الأمير أبو علي مِن داره إلى معسكر الأتراك فنزل معهم، واجتمع الدَيلم وقصدوا ليأخذوه ويُسلّموه إلى صمصام الدولة، فرأوه قد انتقل إلى الأتراك، فكشفوا القِناع ونابذوا الأتراك، وجرى بينهم قتال عِدّة أيّام، ثُمّ سار أبو علي والأتراك إلى نسا فاستولوا عليها، وأخذوا ما بها مِن مال وقتلوا مِن بها مِن الدَيلم، وأخذوا أموالهم وسلاحهم فقووا بذلك، وسار أبو علي إلى أرجان، وعاد الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، ونهبوا البَلد وعادوا إلى أبي علي بأرجان، وأقاموا معه مديدة، ثُمّ وصل رسول مِن بهاء الدولة إلى أبي علي، وأدّى الرسالة وطيّب قَلبه ووعده، ثُمّ إنّه راسل الأتراك سِرّاً واستمالهم إلى نفسه وأطمعهم، فحسّنوا لأبي عليّ المسير إلى بهاء الدولة، فسار إليه فلقيه بوسط مُنتصف جمادى الآخرة سَنة ثمانين وثلاثمئة، فأنزله وأكرمه وتركه عِدّة أيام، وقبض عليه ثُمّ قتله بعد ذلك بيسير، وتجهّز بهاء الدولة للمسير إلى الأهواز لقصدِ بلاد فارس.

الفِتنة ببغداد بين الدَيلم والأتراك:

في هذه السَنة وقعت الفتنة ببغداد بين الأتراك والدَيلم، واشتدّ الأمرُ ودام القتال بينهم خمسة أيّام، وبهاء الدولة في داره يُراسلهم في الصُلح، فلم يسمعوا قوله وقُتل بعض رُسله.

ثُمّ إنّه خرج إلى الأتراك وحضر القِتال معهم، فاشتدّ حينئذ الأمر وعظم الشرّ، ثُمّ إنّه شَرع في الصُلح ورفق بالأتراك، وراسل الدَيلم فاستقرّ الحال بينهم، وحَلَف بعضهم لبعض، وكانت مُدّة الحَرب اثني عشر يوماً.

ثُمّ إنّ الدَيلم تفرّقوا فمضى فريق بعد فريق، وأخرج بعضهم وقبض على البعض، فضعُف أمرهم وقويت شوكة الأتراك واشتدّت حالهم.

٢٩٥

مَسيرُ فَخر الدولةِ إلى العراق:

في هذه السَنة سار فَخر الدولة بن رُكن الدولة مِن الريّ إلى همذان عازماً على قصد العراق والاستيلاء عليها، وقد مرَّ الخَبر عن ذلك في أخبار فَخر الدولة فلا نعيده.

مُفردات بهاء الدولة:

في هذه السنة قَبض بهاء الدولة على أبي الحسن محمّد بن عمر العلوي الكوفي، وكان قد عظُم شأنه مع شَرف الدولة، واتسع جاهه وكثرت أمواله، فلمّا ولي بهاء الدولة سعى به أبو الحسن المُعلّم وأطمعه في أمواله ومُلكه، وعظم ذلك عنده وقبض عليه.

وفيها أسقط ما كان يُؤخذ مِن المراعي مِن سائر السَواد.

وفي سنة ٣٨٠هـ تغلّب أبو الذوّاد محمّد بن المسيّب بن عقيل على أبي طاهر بن حمدان بعد انهزامه مِن أبي عليّ بن مروان، واستولى على الموصل نائباً عن بهاء الدولة اسماً وله فيها الأمر والنهي دونه، وقد مرَّ ذلك في أخبار بني حمدان وبني المسّيب.

مسيرُ بهاءِ الدولةِ إلى الأهواز وما كان منه ومِن صمصام الدولة:

في هذه السنة ٣٨٠هـ سار بهاء الدولة عن بغداد إلى خوزستان عازماً على قصد فارس، واستخلف ببغداد أبا نصر خواشاذه، ووصل إلى البصرة ودخلها، وسار عنها إلى خوزستان، فأتاه نعيُ أخيه أبي طاهر فجلس للعزاء به، ودخل أرجان فاستولى عليها، وأخذ ما فيها مِن الأموال فكان ألف ألف دينار، وثمانية آلاف ألف درهم، ومِن الثياب والجواهر ما لا يُحصى، فلمّا عَلِم الجُند بذلك شَغبوا شغباً مُتتابعاً، فأُطلِقت تلك الأموال كلّها، لم ولم يبقَ منها إلاّ القليل، ثُمّ سارت مُقدّمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبنداجان وبها عساكر صمصام الدولة، فهزمهم وبثّ أصحابه في نواحي فارس، فسيّر إليهم صمصام الدولة عسكراً وعليهم فولاذ زماندار فواقعهم، فانهزم أبو العلاء وعاد مهزوماً، وكان سبب الهزيمة أنّه كان بين العسكرين وادٍ وعليه قنطرة، وكان أصحاب أبي العلاء يعبرون القنطرة ويَغيرون على

٢٩٦

أثقال الدَيلم عسكر صمصام الدولة، فوضع فولاذ كميناً عند القنطرة، فلمّا عَبر أصحاب بهاء الدولة خرجوا عليهم فقتلوهم جميعاً، وراسل فولاذ أبا العلاء وخدعه، ثُمّ سار إليه وكَبسه فانهزم مِن بين يديه، وعاد إلى أرجان مهزوماً، وغلت الأسعار، ولمّا بلغَ الخبر إلى صمصام الدولة سار عن شيراز إلى فولاذ، وتردّدت الرُسل في الصُلح، فتمّ على أنْ يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان العراق، وأنْ يكون لكلّ واحدٍ منها إقطاع في بَلد صاحبه، وحَلف كلُ واحد منهما لصاحبه، وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز.

ولمّا سار بهاء الدولة عن بغداد ثارَ العيّارون بجانبي بغداد، ووقعت الفتن بين أهل السُنّة والشيعة وكثُر القتَل بينهم، وزالت الطاعة وأُحرقت عدّة محالّ ونُهبت الأموال وأُخرِبت المساكن، ودامَ ذلك عدّة شُهور إلى أنْ عادَ بهاءُ الدولة إلى بغداد.

قبضُ بهاءِ الدولةِ على الطائع لله:

في سنة ٣٨١هـ قبضَ بهاء الدولة على الطائع لله أبي بكر عبد الكريم، وكان سببُ ذلك أنّ الأمير بهاء الدولة قلّت عنده الأموال، فكثُرَ شغبُ الجُند، فقبض على وزيره سابور، فلم يُغنِ عنه ذلك شيئاً، وكان أبو الحسن بن المُعلّم قد غَلب على بهاء الدولة، وحَكم في مملكته، وحسَّن له القَبض على الطائع وأطمعه في ماله، وهوّن عليه ذلك وسهّله، فأقدم عليه بهاء الدولة، وأرسل إلى الطائع وسأله الإذن في الحُضور في خدمته ليُجدّد العهد به، فأذن له في ذلك، وجلس له كما جرتْ العادة، فدخل بهاء الدولة ومَعه جَمع كثير، فلمّا دخل قبّل الأرض وأُجلس على كُرسي، فدخل بعض الدَيلم كأنّه يُريد أنْ يُقبّل يدَ الخليفة، فجذبه فأنزله عن سريره، والخليفة يقول:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهو يَستغيث ولا يُلتفت إليه، وأُخذ ما في دار الخليفة مِن الذخائر، فمشوا به في الحال، ونَهب الناس بعضُهم بعضاً، وكان مِن جُملتهم الشريف الرضي، فبادر بالخُروج فسَلُم، وقال أبياتاً مِن جملتها:

مِن بَعد ما كان ربُّ التاج مُبتسم إلى أدنوه في النجوى ويُدنيني

أمسيتُ أرحمُ مَن قد كُنتُ أغبِطه لقد تقارب بين العزّ والهون

ومَنظرٌ كان بالسراءِ يُضحكني يا قرب ما عاد بالضرّاء يُبكيني

هيهات أغترُّ بالسلطان ثانيةً قد ضلَّ ولاّج أبواب السلاطين

٢٩٧

ولمّا حُمل الطائع إلى دار بهاء الدولة أشهدَّ عليه بالخلع، وبويعَ بعده للقادر بالله.

عودِ الدَيلم إلى الموصل:

كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجّاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل، وكان قد استقرّ حُكمها في يد أبي الذواد محمّد بن المسيّب، وأقرّه بهاء الدولة على ذلك بعد أنْ قَدّم له أبو الذواد الطاعة، فملكها آخر سَنة ٣٨١هـ، وقد ذكرنا خَبر ذلك في أخبار بني المسيّب فاطلبه هناك.

وجرت أُمور مِن بهاء الدولة على وُزرائه لم يكن فيها شيء مِن الحِكمة والتدبير، وكان كما قال ابن الأثير: أُذناً يسمع ما يُقال له ويفعل به، وحَسبه معرّة ما عامل به الطائع لله مِن الاحتقار والخلع على غير سَبب سوى الطَمع في أمواله، وفي ذِكر ذلك كلّه ما يَطول به الخطب.

مُلك صمصام الدولة خوزستان:

في سنة ٣٨٣هـ مَلك صمصام الدولة خوزستان، وكان سَبب نقض الصُلح أنّ بهاء الدولة سيّر أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز، وتقدّم إليه بأنْ يكون مُستعدّاً لقصد بلاد فارس، وأعلمه أنّه يُسيّر إليه العساكر مُتفرّقين، فإذا اجتمعوا عنده سار بهم إلى بلاد فارس بغتة، فلا يَشعر صمصام الدولة إلاّ وهُم معه في بلاده، فسار أبو العلاء ولم يتهيّأ لبهاء الدولة إمداده بالعساكر وظَهر الخبر، فجّهز صمصام الدولة عسكره وسيّرهم إلى خوزستان، وكتبَ أبو العلاء إلى بهاء الدولة بالخَبر، ويطلب إمداده بالعساكر، فسيَّر إليه عسكراً كثيراً، ووصلتْ عساكر فارس فلقيهم أبو العلاء فانهزم هو وأصحابه، وأُخذ أسيراً وحُمل إلى صمصام الدولة، فأُلبس ثياباً مُصبّغة وطيف به، وسألت فيه والدة صمصام الدولة فلم يقتله واعتقله.

ولمّا سمع بهاء الدولة بذلك أزعجه وأقلقه وكانت خزانته قد خلت مِن الأموال فأرسل وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط ليحصل ما أمكنه وأعطاه رهوناً مِن الجواهر والأعلاق النفيسة ليقترض عليها مِن مُهذّب الدولة صاحب البطيحة، فلمّا وصل إلى واسط تَقرّب منها إلى مُهذّب الدولة، وترك ما معه مِن الرهون بحاله، وأرسل بهاء الدولة ورَهنها وأقرض عليها.

٢٩٨

عَقدُ نِكاح القادر على بِنتِ بهاء الدولة:

في هذه السنة عقد النكاح للقادر على بنت بهاء الدولة، بصداق مَبلغه مئة ألف دينار، وكان العَقد بحضرة والولي النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي، وماتتْ قبل النقلة.

عودُ الأهواز إلى بهاء الدولة:

في سَنة ٣٨٤هـ مَلك بهاء الدولة الأهواز، وكان سَببه أنّه أنفذ عسكراً إليها عِدّتهم سبعمئة رجل، وقَدّم عليهم طغان التركي، فلمّا بَلغوا السوس رحل عنها أصحاب صمصام الدولة، فدخلها عسكر بهاء الدولة وانتشروا في أعمال خوزستان، وكان أكثرهم مِن التُرك، فعلت كَلمتهم على الدَيلم، وتوجّه صمصام الدولة إلى الأهواز ومعه عساكر الدَيلم وتميم وأسد، فلمّا بلغ تستر رحل ليلاً ليكبس الأتراك مِن عسكر بهاء الدولة، فَضَلّ الأدلاّء في الطريق فأصبح على بُعد منهم، ورآهم طلائع الأتراك فعادوا بالخَبر، فحَذِروا واجتمعوا واصطفّوا، وجعلوا مُقدّمهم واسمه طغان كميناً، فلمّا التقوا واقتتلوا خَرج الكمين على الدَيلم فكانت الهزيمة، وانهزم صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، وكانوا أُلوفاً كثيرة استأمَن منهم أكثر مِن ألفَي رجُل، وغنم الأتراك مِن أثقالهم شيئاً كثيراً، وضَرب طغان للمُستَأمنة خِيَماً يسكنونها، فلمّا نزلوا اجتمع الأتراك وتشاوروا وقالوا:

هؤلاء أكثر مِن عدّتنا ونحن نخاف أنْ يثوروا بنا، واستقرّ رأيهم على قتلهم، فلم يَشعر الدَيلم إلاّ وقد أُلقيت الخيام عليهم، ووقع الأتراك فيهم بالعَمَد حتى أتوا عليهم فقتلوا كُلّهم، وورد الخَبر على بهاء الدولة وهو بواسط قد اقترض مالاً مِن مُهذّب الدولة، فلمّا سَمع ذلك سار إلى الأهواز، وكان طغان والأتراك قد مَلكوها قبل وصوله إليها.

وأمّا صمصام الدولة، فإنّه لبس السواد وسار إلى شيراز فدخلها، فغيّرت والدته ما عليه مِن السواد، وأقام يتجهّز للعود إلى أخيه بهاء الدولة بخوزستان.

الصهر بين بهاء الدولة ومُهذّب الدولة:

في هذه السَنة عقد النكاح لمُهذّب الدولة على ابنة بهاء الدولة، والأمير أبي منصور بويه بن بهاء الدولة على ابنة مُهذّب الدولة، وكان الصداق مِن كلّ جانب مئة ألف دينار.

٢٩٩

عودُ صمصام الدولة إلى الأهواز:

في سنة ٣٨٥هـ جَهّز صمصام الدولة عساكره مِن الدَيلم، وردّهم إلى الأهواز مع العلاء بن الحسن، واتّفق أنّ طغان نائب بهاء الدولة بالأهواز عوفي، وعَزم مَن معه مِن الأتراك على العودة إلى بغداد، وكَتب مَن هناك إلى بهاء الدولة بالخبر فأقلقه ذلك وأزعجه، فأرسل أبا كاليجار المرزبان بن شهيفروز إلى الأهواز نائباً عنه، وأنفذ أبا محمّد الحسن بن مكرم إلى الفتكين وهو برامهرمز قد عاد مِن بين يَدي عسكر صمصام الدولة إليها يأمره بالمقام بموضعه، فلم يفعلْ وعاد إلى الأهواز، فكَتب إلى أبي محمّد بن مكرم بالنظر في الأعمال، وسار بَعدهم بهاء الدولة نحو خوزستان، فكاتبه العلاء وسلك طريق اللين والخداع، ثُمّ سار على نهر المسرقان إلى أنْ حصل بخان طوق، ووقعت الحرب بينه وبين أبي محمّد بن مكرم والفتكين، وزحف الدَيلم بين البساتين حتّى دخلوا البلد، وانزاح عنه ابن مكرم والفتكين، وكَتبا إلى بهاء الدولة يُشيران عليه بالعبور إليها فتوقّفَ عن ذلك ووعدهما به، وسيّر إليهما ثمانين غُلاماً مِن الأتراك، فعبروا وحملوا على الدَيلم مِن خَلفهم فأفرج لهم الدَيلم، فلمّا توسّطوا بينهم أطبقوا عليهم فقتلوهم، فلمّا عرف بهاء الدولة ذلك ضَعُفت نفسه، وعزم على العود ولم يُظهر ذلك، فأمر بإسراج الخيل وحَمل السلاح فَفُعل ذلك، وسار نحو الأهواز يسيراً ثُمّ عاد إلى البصرة فنزل بظاهرها، فلمّا عرف ابن مكرم خبر بهاء الدولة عادَ إلى عسكر مكرم، وتبعهم العلاء والدَيلم فأجلوهم عنها، فنزلوا براملان بين عسكر مكرم وتستر.

وتَكرّرت الوقائع بين الفريقين مُدّة، وكان بيَد الأتراك أصحاب بهاء الدولة مِن تستر إلى رامهرمز، ومع الدَيلم منها إلى أرجان وأقاموا ستّة أشهر، ثُمّ رجعوا إلى الأهواز ثُمّ عبر بهم النهر إلى الدَيلم، واقتتلوا نحو شهرين، ثُمّ رحل الأتراك وتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط، فكفّ عنهم وأقام بعسكر مكرم.

استيلاء صمصام الدولة على البصرة:

في سنة ٣٨٦هـ سار قائد كبير مِن قوّاد صمصام الدولة اسمه لشكرستان إلى البصرة، فأجلى عنها نوّاب بهاء الدولة، وسَبب ذلك أنّ الأتراك لمّا عادوا عن العلاء كان هذا لشكرستان مع العلاء، فأتاهم مِن

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442