تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 442
المشاهدات: 107953
تحميل: 8800


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107953 / تحميل: 8800
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

الشهابي على مُحاربة الجزار، ووُجد في جيشهما نَفرٌ قليلٌ مِن بني المعلوف فعاد بفوز مبين.

وفي ٢١ حزيران سنة ١٧٨٩م استغاث الأمير قاسم ابن الأمير حيدر الحرفوش بالأمير بشير الشهابي أنْ يُمدّه بعسكر لمُحاربة ابن عمّه الأمير جهجاه، فأوعز الأمير الشهابي إلى الزحليّين أنْ يُساعدوه وإلى اللمعيّين أنْ يشدّوا أزرهم، فزحف الأمير قاسم بنحو خمسمئة مُقاتل بقيادة اللمعيّين إلى تمنين حيث كان مُعسكر جهجاه، فلاقاهم هذا برجاله إلى سهل أبلح، وهناك اصطلت نيران الحرب فدُحِر الأمير قاسم ورجاله، وتقهقروا إلى زحلة بعد أنْ سُلبت خيولهم وأسلحتهم وقُتل بعض مُشاتهم، وأُسر الأمير شديد مُراد اللمعي، فطلب المعلوفيّون مِن الأمير جهجاه إطلاقه فأطلقه، وَردّ له أسلحته وجواده وأكرمه.

ولمّا بلغ الأمير بشير انهزام عسكره جرّد غيره بقيادة أخيه الأمير حسن - مُدبّره - ناصيف آغا، فلمّا وصلوا إلى مدينة بعلبك كان جهجاه قد عرف بقدومهم، فهربَ سكّانها وأتلف ما فيها، حتّى يُروى أنّه وَجد في الدار الأسقفية قنطارَي زبيب فأطعمهما لخيله. وأخلى لهم المدينة وسار إلى اللبوة، فلم يستطيعوا البقاء فيها أكثر مِن أسبوعين لقلّة الزاد.

ولمّا رأى الأمير قاسم الفشل في هاتين الموقعتين استصرخ الجزار فأمر الأمير بشيراً أن يمدّه بجيش؛ فأرسل معه عسكرَ المغاربة والدولة ومشايخ الدروز برجالهم، فانتشب القتال بينهم وبين جهجاه الّذي خرج إلى ظاهر المدينة برجاله - وبينهم المعلوفّيون - فاندحروا، وفرّ جهجاه إلى رأس بعلبك فلحقوه، فعاد إلى جهات تمنين ورياق، فأحرق بيادرها واتّصل بزحلة وأخذ بغال دير مار الياس الطوق، وأحرق بيادره ثُمّ نهب دير مار يعقوب في قارة.

وحَكَم عوضه الأمير قاسم وحدث قلقٌ واضطرابٌ ورحل كثير مِن السكّان، ولم يَطِل العهد على الأمير قاسم حتّى تغلّب عليه جهجاه وتولّى الحُكم، فقصد بلاد بعلبك الأمير يوسف الشهابي فارّاً مِن وجه أبن أخيه الأمير بشير الكبير الّذي تولّى شؤون لبنان، فأرسل الأمير جهجاه يسأله أنْ يتحوّل عن بلاده خوفاً مِن الأمير بشير، فارتبك الأمير يوسف بالجواب، فقال له فارس الشدياق - وكان بخدمته -: الجواب عندي، ثُمّ شَتم الرسول وضربه بدبّوس مِن حديد، وقال له: اذهب فقُل لأميرك: مَن أنت حتّى تمنع الأمير يوسف عن المُرور، فهو يأمرك أنْ تقوم حالاً مِن بلاد بعلبك أو

٤١

يُفاجئك برجاله، ففرّ الأمير جهجاه عند سماع كلام رسوله إلى بلاد الشرق، وظلّ الأمير يوسف سائراً إلى الزبداني فحوران.

وعاد جهجاه إلى بعلبك، وبعد ذلك طُلب المال الأميري مِن جهجاه فتأخر عن دفعه، فدهمه الحاج إسماعيل الكردي مِن حمص ومعه عسكر مِن قِبَل الوزير، فلمّا عَلِم بقدومهم - وهو في إحدى القرى خارج المدينة - فرّ مِن وجههم، فسبى الحاج إسماعيل حريمه الأربع وماله وأمتعته وعاد إلى دمشق، فرجع جهجاه إلى بعلبك وقد أخذ الغيظ منه كلّ مأخذ، وتهدّد سُكّان المدينة وحملهم على مُزايلتها، وهكذا فعل بالقُرى ففرّ السُكّان إلى زحلة ونواحي دمشق.

وفي تشرين الثاني جاء الحاج إسماعيل المذكور وتسلّم زِمام أحكام بعلبك، وتأثّر الأمير جهجاه حتّى الكرك، فهرب الأمير إلى فالوغة، ولاذ بحمى الأُمراء آل مُراد اللمعيّين مُدّةً، ثُمّ عاد إلى زحلة بكثير مِن الرجال، فنمى الخبر إلى الحاج إسماعيل فقصده بستمئة فارس ومئة راجل ولمّا دنا مِن زحلة أرسل جاويشاً يُنادي فيها بالأمان، وأنّه لا يَتعرض لأحدٍ مِن أهل المدينة، ولكنّه يطلب القبض على الأمير جهجاه، فأجابوه أنّ هذا خصمك جهجاه خارجٌ إليك فاعمل به ما تشاء، وكان جهجاه قد هجم بجماعته وبينهم الزحليّون فانهزم حاكم بعلبك برجاله، وأعملوا السلاح في أقفيتهم وقَتل نحو مئتي رجل منهم، ولم يُقتل مِن رجال جهجاه أحدٌ، وجدّ في أثرهم إلى قرب الزبداني ثُمّ عاد إلى زحلة. وكان ذلك في العاشر مِن كانون الثاني سَنة ١٧٩٠.

وقد فعل جهجاه أشياء مُنكرة فيمَن عاد إلى بعلبك ممّن حرّضهم على تركها، فزاد في الطين بلّة، وأوغر صدر الوزير حِقداً حتّى نوى أنْ يُهاجم زحلة ويَحرقها لو لا سقوط الثلج، فبلغ الزحليّين ذلك فهجروا بلدتهم، إلى أنْ توسّط الأمير عبّاس التل حاكم الزبداني فأطلق سراح حريم الأمير جهجاه، وأصلح ذات البين بينه وبين الوزير على أنْ يغرم بأربعين كيساً، ويرهن أخاه لقاء المال الأميري المتأخّر عنده، وحَمل إليه خِلَع الولاية.

وفي حُزيران مِن هذه السَنة، بعد ذهاب حاكم دمشق إلى الحج، جاء جهجاه الحرفوش إلى رأس العين في بعلبك وانضمّ إليه رجال، وبينهم المَعلوفيّون فلاقاهم ابن عمّه الأمير قاسم حيدر الحرفوش برجاله، فانتصر جهجاه؛ لأنّ رجاله هاجموا الأعداء بقلوب قُدّت مِن حديد، ثُمّ أطلق

٤٢

طنوس شبلي المعلوف رصاصةً أصابت مِن الأمير قاسم مَقتلاً بينما كان مُنقضّاً على جهجاه يُريد قَتله فسقط قتيلاً، وكان ابن سبع عشرة سَنة، عادلاً كريماً مثل أبيه حيدر، وقُتل مِن رجاله اثنا عشر رجلاً، فظفر جهجاه ودخل المدينة باحتفال وإذنٍ مِن مُتسلّم الشام، ورفع منزلة طنوس شبلي.

فلمّا عاد الباشا مِن الحجّ أرسل عسكراً لمُهاجمة بعلبك والقبض على جهجاه، فلم ينل منه بطائل؛ لأنّه فرّ إلى الزبداني ثُمّ عاد إلى بعلبك بعد قليل، وبإيعاز الأمير حيدر الشهابي جمع عسكراً في آخر كانوا الأوّل نحو مئة مِن رجاله ومثلها مِن الدروز ودخل بعلبك، فقَتل نحو ثُلثي العسكر الّذي فيها، ودخل القصر (السراي)، وبعث إلى الأمير حيدر ببعض رؤوس القتلى، فأرسل يُهنّئه لانتصاره، ثُمّ أعاد العسكر الكرّة عليه فترك بعلبك.

وجاء حوش الأمير سليمان تحت زحلة فلحقوه في العشرين مِن كانون الثاني سَنة ١٧٩٢، فواقعهم وقَتل منهم خمسة عشر رجلاً، وطردهم إلى القرعون في آخر البقاع، وعاد إلى قب الياس، فصعدوا ودهموا قرية سغبين، فدافع أهلها بيأس وقتلوا منهم نحو مئة، ولم يُقتل مِن السغبيّين أكثر مِن ثمانية.

وفي شباط سَنة ١٧٩٢م كان الأمير جهجاه في قب الياس ومعه بعض الرجال بينهم المعلوفيّون، فبعث الجزار إلى عسكر الشام في البقاع أن يُناصبه القتال ويقبض عليه، ففرّ إلى الشمال، فتأثّره العسكر ونهبوا الفرزل وأبلح، وقتلوا بعض الرُعاة وبعثوا برؤوسهم إلى الجزار.

فلمّا رآها قال لهم: ما هذه الرؤوس؟ فقالوا إنّها رؤوس رُعاة المواشي، فكاد يتميّز غيظاً، وأرسل إليهم يقول: أنا أرسلتكم لتقطعوا رأس جهجاه الحرفوش وأنتم لم تستطيعوا إلاّ قتل الأولاد فاتركوا البقاع، فلبّوا أمره وعادوا إلى عكّاء، فأراحوا البلاد مِن شرّهم.

وفي هذه السَنة وهبَ الشهابيّون للأمير جهجاه الهرمل، فامتنع سُكّانها مِن تسليمها له، فاستنجد الأُمراء، فبعثوا إليه جيشاً فيه كثيرٌ مِن المعلوفيّين وبنو شبلي طليعتهم، فوصلوا في تمّوز وحاربوا سكّانها وقتلوا منهم نحو أربعين وأحرقوا البلدة فأُخليت لهم، وفيها سار طنوس شبلي المعلوف وبعض الأعيان وتوسطوا الأمر عند الجزار وأخبروه بما هو عليه جهجاه مِن البأس، وأنّه لا يُمكن لغيره أنْ يُحسن إدارة بعلبك، وأخبروه أنّ سُكّانها تركوها لمّا تَرك الحُكم، فأعاد إليه الولاية على أنْ يدفع عشرة أكياس

٤٣

واستقدم الفارّين مِن رُهبانٍ وغيرهم، فعَمُرت البلاد بعد أنْ كانت خَرِبة.

وفي سنة ١٧٩٤ تشاقّ الأمير جهجاه وأولاد عمّه الأمير إبراهيم، فانتصر عليهم وقَتل الأمير داود وسَمل أعيُن إخوة الأمير عمر، فاستاء الناس مِن عمله وتحذّروا مِن غدره.

وفي سنة ١٧٩٥م غزا عسكر الشام بعلبك، فهرب الأمير جهجاه إلى رأس بعلبك فأحرق بعض بيوتها؛ فهرب الرهبان وأهلها.

وفي سنة ١٨٠٦م مرّ جرجس باز وعسكر لبنان عائدين مِن مُقاتلتهم لسكّان الضنية وظَفرهم بهم، فاحتفل بلقائهم الأمير جهجاه والمعلوفيّون بموكبٍ حافل، وفي هذه الأثناء نوى الأمير بشير أنْ يأخذ الكرك مِن الحرافشة، فتوسّط الأمير جرجس باز إكراماً لمودّة جهجاه فعدل عن نيته.

وفي سنة ١٨٠٧م عُزل إبراهيم باشا عن ولاية الشام وخلفه كنج يوسف باشا، فبينما كان يتأهّب لإرسال الخِلَع إلى الأمير جهجاه بولاية بعلبك تغيّر وعَدل عن قصده، فجمع جهجاه رجاله وألقى الفِتن ليُظهِر لذلك الوزير أنّه لا يُمكن لغيره أنْ يحفظ زمام الأحكام ويُدير شؤون تلك الجهة، فأرسل إليه الخِلَع، وكان ذلك بتوسّط الأمير بشير الكبير وجرجس باز.

ولمّا كان قد عَرف رغبة الحاكم الشهابي بأخذ الكرك، كَتب له وثيقةً (حجة) تُصرّح ببيعها لأولاده الأُمراء: قاسم وخليل وأمين، وأرسلها إليه، فوكّل فيها نعمان بلوكباشي فصارت مِن ذلك الحين مِلك الشهابيّين.

ولمّا كانت ثورة الوهابيّين، وقد استنجد سليمان باشا الأمير بشيراً لحربهم فوّض إلى الأمير بشير قبل زحفهم اختيار العمّال، فاختار الأمير الحرفوش لبعلبك، ومصطفى بربر لطرابلس، وغيرهما لغيرهما.

وفي سَنة ١٨٤٠م حصل بين الحماديّين والمعلوفييّن شِجار وتنازُع كاد يُحدث حرباً، فجاء الأمير حمد الحرفوش حاكم بعلبك وبعض أنسبائه والأميران حسن وفارس - أخو الأمير حيدر إسماعيل اللمعي الّذي كان بنو شبلي مِن عهدته - وذلك لمُصالحتهم، وكان مِن الفريقين جريحان فشُفي (أحدهما)، وانتهت المسألة بالحسنى.

ولكنّ الحرافشة كانوا يقصدون خُداع المعلوفيّين، فاكتشف مكرهم عيسى شبلي المعلوف. (ذكر ذلك: الأعيان ص١٢١).

٤٤

وفي هذه السَنة ثار اللبنانيّون ضدّ الدولة المصريّة، وقرّروا انقسامهم إلى أربع فِرق، فكان في الفرقة الرابعة الأميران خنجر وسلمان الحرفوش.

وفي سنة ١٨٤٥م كان الأمير حمد الحرفوش متوليّاً حُكم بعلبك، فذهب ابن عمّه الأمير محمّد إلى دمشق وأحضر أمراً بعزله وأخذ الولاية، فأرفقه الوزير بمحمّد آغا بوظو وألف وخمسمئة مِن الجُند الأكراد، فأتوا إلى قرية قب الياس مِن قضاء البقاع، فعَلِم الأمير حمد بهم، وجمعَ جيشاً مِن بلاده بينهم كثيرٌ مِن المعلوفيّين، فخيّموا في تمنين التحتا ثلاثة أيّام ومعهم الأمير حمد، فخرج ابن عمّه الأمير محمّد برجاله مِن بر الياس إلى بعلبك، فلاقاهم حمد برجاله إلى الدلهميّة، وهناك احتدمت نيران القتال، فكانت ساعة لم يثبتْ فيها إلاّ البطل المُدرّب، فكادت فرسان الأمير حمد تتقهقر لو لا إنجاد المُشاة إيّاهم، فتمّ له الفوز وقُتل مِن عسكر الأكراد نحو ستّين ومِن رجاله ثلاثةٌ فقط، فعاد إلى بعلبك ظافراً.

ويروي الشيوخ قصيداً زحلياً قاله الأمير حمد إليك منه ما أشار به إلى بوظو (ص٢٦٧).

ولك بوظو لا تسوق جنان أنتم عشائر خصمكم فرسان

أسأل (العبد) يوم اللي أتاه سلطان بأرض الكرك، دعاه مبطحا

يا كراد يا سواقة حمارا مين اللي شار بحرب الإمارا

أسأل عجاج يوم قبلي قارا مِن يد أبي السعود دعاه ملقحا

بوظو كيف بعقلك تقول نحن خزاعاكم فختنا طبول

أنشد الهنادي يوم عين الوعول مِن يد (أبي هدلا) كم قتيل مطوحا

قال في الدواني مُعلّقاً على هذا الزجل - وحادثة العبد مرّ ذكرها - ولكنّه هُنا أشار إلى العبد الثاني الّذي حَكم بعلبك، فجاء جهجاه وسلطان الحرفوشيّان إلى زحلة، وخرجوا بسكّانها لمواقعته وبينهم المعلوفيّون، فقتلوه أمام الكرك عند مَحلّة الكروم قُرب الطريق على بُعد خمس دقائق منها إلى شماليها.

وأمّا حادثة عجاج، فكان هذا نسيب أحمد باشا اليوسف فحضر بخمسمئة فارس لمُقاومة الأمير جواد الحرفوش - المُلقّب بأبي السعود - فوقع قتيلاً، وذلك بزمَن الدولة المصريّة.

ويوم عَين الوعول يُنسب إلى تلك العين الواقعة شمالي بعلبك، وكانت العساكر المصريّة سَنة ١٨٣٢ - وعددها أربعمئة فارس - تُطارد الأمير أميناً الحرفوشي وولده الأمير قبلان

٤٥

المُلقّب بأبي هدلا ومعهما أثنا عشر فارساً، فحدثت بين الفريقين موقعة أبلى فيها الأمير قبلان بلاءً حَسناً، وكرّ بفُرسانه على الهنادي وشغلهم حتّى تمكّن والده مِن الفرار، ولحقه واتّصلا بالآستانة العليّة إلى خروج الدولة المصريّة مِن سورية.

وإذ ذاك (بعد ظَفر الأمير حمد) وقعت الفتن بين الحرافشة على المُلك، فرأتْ الحكومة مِن الحِكمة أنْ تُجزّئ بلاد بعلبك وشرقي البقاع إلى مُقاطعات صغيرة يتولّى كلٌّ منهم شؤون جهة منها، إلى أنْ ارتفعت يدُهم بعد الفتك بهم سَنة ١٨٦٦، كما مَرّ.

وفي سنة ١٨٥٣م حَدَث خِصام بين الأُمراء الحرافشة والشلق - بمعنى الطويل وهو رجلٌ كرديٌ كثر عيثه - فقتلوه في تمنين التحتا، وتحامل الأكراد عليهم فقصد المُتّهمون بقتله كفر عقاب، فأكرم المعلوفيّون مثواهم نحو سَنة ونصف، وهُم الأُمراء: فدعا وأفندي وابنه فارس وولدا الأمير سليمان تامر وداود مع بعض أتباعهم وأنسبائهم.

وفي سنة ١٨٥٨م أثار محمّد الخرفان - مِن أُمراء قبيلة الموالي - الأمير سلمان الحرفوش ليُمدّه بجيش لمُناهضة عرب الحديديّة الّذين واقعوه ودحروه إلى قرية القاع على حدود قضاء بعلبك، فجمع الأمير سلمان جنداً مِن جميع قضاء بعلبك، وكان فيه جماعة مِن المعلوفيّين المعروفين، وكان حاملي العَلم الحاج سليمان وياغي الطفيلي مِن بعلبك، فلمّا بلغوا محلّ زين العابدين - على بُعد ثلاث ساعات مِن حماة في الثامن مِن تشرين الثاني - التظى سعير الحرب، فأبلى عسكر الحرفوشيّين بلاء حسناً، واشتهر إبراهيم عيسى المعلوف بهجومه على الأعداء وإصابتهم بالرصاص، وكذلك بعض ذوي قُرباه، فزهقت الأرواح وانكسر الحديديّون بعد أنْ قُتل منهم أكثر مِن ثلاثمئة نَفر، فطمع البعلبكيّون بهم واقتفوا أثرهم، ثُمّ شغلهم النهبُ عن تأثّرهم، فتقدّم محمّد الخرفان وأعطى الأمير سلمان أفخر المسلوبات، ووعده أنْ يُزوّجه ابنته على مرأى ومسمع الأمير محمّد الحرفوش، فأوغر ذلك صدره حِقداً، وكان قد أبلى بلاء حسناً فلم يَرّ مُكافأةً، فانثنى على محمّد الخرفان ورماه بالرصاص فجندله، وعندئذٍ طمعَ الأعداء بهم فأعادوا الكرّة عليهم بثبات جأش، فأثخنوهم جراحاً ودحروهم إلى قرب مدينة حماة، وهناك انكفوا عنهم، فقُتل مِن عسكر البلعلبكيّين أكثر مِن تسعين نفراً.

٤٦

وفي سَنة ١٨١٩م لمّا قَتل الأمير ذباب الحرفوش مخايل بن بولس غرة وابن هلال مِن زحلة عندما كان في القطارة - محل استخراج القطران - في لبنان الغربي، فساء ذلك الزحليّين والأُمراء فانتهزوا فُرصة مَجيء الأمير الحرفوشي المذكور إلى زحلة، فقتله بولس غرة وابنه شاهين وفرّا، فاستقدمهما إليه الأمير بشير الكبير، وسعى بإصلاح ذات البين مع الحرفوشيّين فأرسلهما إليهم ليسمحوا عنهما، فكان ذلك مَدعاة للقيام عليهما وقتلهما، فأوغر هذا صدر الأمير وتغيّر على الحرفوشيّين الّذين كثُر عيثهم، فإنّ الأمير جواداً منهم قَتل على أثر ذلك كُلاًّ مِن الياس أبي خاطر ومرعي شبيب مِن زحلة إذ كانا في بريتال، فازداد حَنق الأمير وأشار إلى الزحليّين أنْ يُناصبوهم العداء ويقفوا لهم بالمرصاد.

وفي سنة ١٨٢٤م نُميَ إلى بطرس نجم المعلوف أنّ الأمير أميناً الحرفوشي في بدنايل الّتي كانت مِن أملاكه، فأخبر الأمير بشيراً بذلك، فأشار إليه أنْ يَسير مع شيوخ زحلة برجالهم ويُمسكوه ويقودوه إليه أسيراً، فجمعوا قومهم وساروا إلى بدنايل فالتقوا برجال الأمير وناصبوهم القتال ففرّ الأمير وقُتل بعض رجاله، ولم يُقتل مِن زحلة إلاّ إبراهيم قادره، ومِن ذلك الحين وقعتْ النِفرة بين الزحليّين والحرفوشيّين.

وفي سنة ١٨٤١م اشتهر الياس بن أبي الياس بموقعةٍ مع شبلي العريان في زحلة، وكان الزحليّون قد جمعوا شملهم ومعهم الأمير خَنجر الحرفوش وبعض أنسبائه ورجالهم، فانتشبتْ بينهم الحرب في شتورة وجلالا، وانتصر الزحليّون بعد أنْ قَتلوا مِن عسكره نحو سبعين عدا الجرحى الّذين كان بينهم شبلي العريان وشقيقه علي، ولم يُقتَل مِن الزحليّين سوى ثلاثة أنفار وأربعة جرحى.

ثُمّ وقعتْ موقعةٌ ثانية كان للزحليّين فيها النصر، وممَّن أبلى فيها بلاءً حسناً: الأمير خنجر الحرفوش، وبعض أنسبائه، والشيخ سليمان الحاج سليمان مِن بدنايل، وحسن حمية مِن طاريا.

وفي سنة ١٨٥٤ م في ٢٤ تمّوز تجمهر الزحليّون وقصدوا الزبداني والنبي شيث وسرعين مُفتّشين عن الأمير حسين الحرفوشي؛ لأنّه أهان رجلاً مِن بلدتهم، وكان ابن عمّه الأمير سلمان حاكم بعلبك قد كَثُر عيثه أيضاً، فتدخّل بعض الأعيان وأقنعوهم بالعودة، فعادوا يوم الاثنين إلى

٤٧

بلدتهم.

ونُميَ الخَبر إلى السروود فجاء زحلة، وبعد أنْ فاوض شيوخها سار بهم يوم الخميس في ٢٩ تموز مِن تلك السَنة إلى بدنايل مِن قضاء بعلبك، واستقدَم إليها الأمير سُلمان الحرفوشي المَذكور وشقيقه الأمير خنجر وبعض أنسبائهما وأصلح ذات بينهم.

ما جاء عن الحرافشة في تاريخ أعيان لُبنان للشيخ طنوس الشدياق:

في سَنة ١٦٨١م تولّى الأمير فارس الشهابي بلاد بعلبك، وسار إلى قرية نيحا الّتي فوق الفرزل في بلاد بعلبك، فجمعَ الأمير عمر الحرفوشي بني حمادة المتاولة ودَهم الأمير فارساً ليلاً فتفرّقت جماعته عنه، فقُتل بلا عقب، وقُتل مِن جماعته خمسون رجلاً.

ولمّا بلغَ الأمير موسى ذلك نهض برجاله مِن حاصبيا، ونهض الأمير علي مِن ريشيا قاصدين أخذ الثأر، فأخذوا يمخرقون هناك ففرّ الأمير عُمر مِن بعلبك، واستغاث بالأمير أحمد المعني أنْ يجري الصُلح بينه وبين الشهابيّين، فتوجّه الأمير أحمد إلى بعلبك وأجرى الصُلح بينهم بشرط أنّ آل حرفوش يؤدّون كلّ سَنة لآل شهاب خمسة آلاف قرش وجوادين مِن جياد الخيل ديّةً عن الأمير فارس.

وفي سَنة ١٧٨٩م كَتب الأمير بشير عمر الوالي إلى الأُمراء اللمعيّين أنْ يجمعوا رجالهم، ويذهبوا بهم إلى زحلة مع الأمير قاسم الحرفوش لطرد الأمير جهجاه الحرفوش، فالتقاهم الأمير جهجاه إلى أرض أبلح فانتشبت الحرب بينهم، فانكسر الأمير قاسم وعسكره، وقُبض على الأمير مُراد شديد، فردّ له الأمير جهجاه ما سُلب منه، وأطلقه عزيزاً مُكرّماً.

وفي سنة ١٦٨٦م هَرب الأمير شديد الحرفوش مِن وجه علي عبّاس مُستغيثاً بالحماديّة، فمرّ علي باشا النكدلي على العاقورة فأحرقها وأحرق أربعين قرية مِن مُقاطعاتهم (الحماديّة)، وقطع أشجارها.

وفي سنة ١٦٠٦م قصد أحمد باشا حافظ دمشق مُحاربة الأمير يونس الحرفوش، فاستنجد الأمير يونس الأمير فخر الدين المعني فأنجده.

وفي سنة ١٦١١م تُوفّي مُراد باشا وتولّى الصدارة نصوح، فأرسل إليه الأمير بشير مُدبّره مصطفى كتخدا ومعه خمسة وعشرون ألف قرش

٤٨

وخيل وثياب ثمينة، ومعه بعض الهدايا والتقدمات، فلم يُظهر للمُدبّر البشاشة؛ لقلّة الخدمة وعدم مجيء ابن الأمير معه - كما فعل مع سلفه إبراهيم مُراد باشا - ولأنّ الأمير أنجَد عسكر الشاميّين قبلاً ضدّه لمّا أخرجهم مِن حلب، ولمقاومة الحافظ حين عزم على مُحاربة الأمير يونس الحرفوش والأمير أحمد الشهابي، ثُمّ أمر نصوح باشا مُدبّر الأمير أنْ يُفهّم الأمير أنْ يفضّ السكمان مِن عنده، وأنْ يُسلّم قلعة بانياس الصبيبة وقلعة شقيف أرنون، وحينئذ يُسلّمه أوامر سلطانيّة بشأن ذلك وبقتل الأمير يونس الحرفوش.

وفي سنة ١٦١٣م رجعَ الحافظ بمَن معه إلى دمشق وتوجّه نصوح باشا إلى إسلامبول، فلمّا استقرّ الحافظ في دمشق بدأ يُحرّك الفتن، فقصد مُحاربة الأمير علي الشهابي؛ لأنّه لم يُساعده على قتال الأمير يونس الحرفوشي، فاستنجد الأمير علي بالأمير، فأرسل له عسكراً، ثُمّ اُصطلِح الحال بينهم.

وفيها انضمّ الأمير يونس الحرفوش إلى العسكر الّذي جنّده الأمير فخر الدين نَجدة لولده الأمير علي صحبة حسين اليازجي لمُحاربة العسكر الشامي الّذي قفل راجعاً إلى بلاده هَلعاً وخوفاً.

وفيها كَتب الأمير أحمد الشهابي إلى الأمير يونس أنْ يَحضر إلى دمشق ويدخل في طاعة الحافظ، وبيّن له وفرة العساكر وشدّة الاهتمام بزوال آل مَعن، فتقدّم إليه الأمير يونس الحرفوش برجاله.

وأمّا الأمير علي الشهابي، فقدّم الطاعة للحافظ لكنّه أقام مُعتزلاً عنه وعن آل مَعن - وكان الحافظ يستشير الأمير أحمد كثيراً والأمير يُسهّل له الأمر ويحثّه على النهوض - فلمّا بلغَ الأمير ذلك وجّه ولده الأمير عليّاً وأصحبه بالسكمان والشيخ حمدان والشيخ عمرو لمُحافظة جسر خان المجامع وحصن بانياس وقلعة شقيف أرنون، ووضع حسين اليازجي ومعه ألف مُقاتل في قلعة بانياس، وطويل حسين بلبكباشي ومعه أربعمئة مُقاتل في قلعة الشقيف أرنون، وأعطاهما مئة ألف قرش علايف، ووضع عياله في القلعتين.

٤٩

أوّليّة الأُمراء الحرافشة:

جاء في كِتاب دواني القُطوف: وكان الأُمراء الحرافشة يتولّون بعض شؤون هذه البقعة - سرعين والبقاعين وبعلبك - في أوّل عهدهم للحُكم، ومسكنهم في بعلبك وكرك نوح. وهُم فرقة مِن الشيعة نُسبت إلى جدّها الأمير حَرفوش الخُزاعي الّذي عُقدت له رايةٌ بقيادة فرقة في حَملة أبي عُبيدة بن الجرّاح على بعلبك، قدموا أوّلاً مِن بغداد إلى غوطة دمشق، ثُمّ إلى بعلبك وسكنوها، وأقدَم مَن ذُكر منهم في تاريخ بيروت هو علاء الدين ابن الحرفوش في سنة ١٣٠٩م، وكان مع عشران البقاع يُقاتل تركمان كسروان، فقُتل سَنة ١٣٩٣م(١) .

وفي تاريخ بيروت لصالح بن يحيى، في حوادث سَنة إحدى وتسعين وسبعمئة ٧٩١هـ ١٣٧٩م:

في هذه السَنة خرج السلطان المَلك الظاهر برقوق مِن سجن الكرك، وحضر إلى دمشق وحاصرها بعد أنْ كسر نائبها جنتمر، ولمّا كان في دمشق أرسل - وهو مُحاصر - لها مَرسومه إلى أُمراء الغرب يستدعيهم بالحضور إليه.

ولمّا اعتدى تركمان كسروان على الغرب وذهبوا إلى مصر، وكان وصولهم إليها عقيب وصول السلطان برقوق، حتّى ظنّ أنّهم حضروا في جُملة العساكر معه، وأنفق عليهم مثلما أنفق على العساكر، وأعطى السلطان برقوق نيابة الشام الطبغا الجوباني.

فلمّا عاد أُمراء الغرب إلى البلاد وجدوا عليّ بن الأعمى وجماعة تركمان كسروان قد أوقعوا بأهل الغرب وكسروهم وقتلوا منهم جماعة ونهبوا عدّة قُرى، وكان في جُملة المقتولين عماد الدين موسى بن حسّان بن أرسلان - وكان المذكور خير قومه وأجودهم - فلمّا استقرّت قواعد الدولة الظاهريّة جرّدوا لمُقاتلة تركمان كسروان علاءَ الدين بن الحرفوش وعشران البقاع، فقتلوا عليَّ بن الأعمى وهزموا جماعته مِن التركمان - إلى أنْ قال - وقُتل في ذلك اليوم علاء الدين بن الحاش، وكان ذا سطوة، وكان منطاش قد قَتل أباه

____________________

(١) في تاريخ حوادث الزمان وأنبائه، ووفيات الأعيان مِن أنبائه: لمّا ركب السلطان حُسام الدين لاجين عقيب المرض، ودعوا له الناس وضجّوا فرحاً به - خصوصاً الحرافشة - وناداه واحد مِن الحرافشة وقال له: يا قضيب الذهب (أوريني أيدك) فرفع إليه يده وهو ماسك المقرعة، ثُمّ ضرب بها رقبة الحصان الّذي تحته، وكان ذلك في سنة ٧٩٧هـ.

٥٠

وأخاه حيث أمسكهما في بعلبك، وكان السلطان قد أعطى علاء الدين المذكور إمرة طبلخاناة.

إنّ صالح بن يحيى لم يُصرّح بقتل علاء الدين بن الحرفوش في ذلك اليوم، وهو ما صرّح به دواني القُطوف، بل يقول ابن يحيى: إنّ المقتول علاء الدين بن الحاش، وهو ما تَعجّب منه طابع ذلك التاريخ، وصاحب الدواني يرى أنّ المقتول هو ابن الحرفوش، ونحن نُرجّح رأيه، وكأن ابن الحاش تحريف ابن الحرفوش.

وفي سنة ١٦١٦م لمّا كَتب السلطان فرمان ليوسف باشا سيفا برفع يده عن بلاد كسروان وبيروت، وعن مُساعدة الشيخ مظفّر وابن الأمير محمّد جمال الدين وبني الصواف المُقدّمين، وكَتب بهذا المضمون الصدر الأعظم لحسين باشا الجلالي والي طرابلس ولجركس باشا والي دمشق، وأرسل لهما الفرمان داخل كتابه.

وكَتب الوزيران إلى يوسف باشا كتابة طيّه الفرمان وصورةَ كتابة الصدر الأعظم عن يد رسوله، ولمّا سلّمه الرسول الكتاب، وأتى إلى بيروت أبي يوسف باشا قبول الأمر أرسل يُقوّي الشيخ مظفّراً، وعزم على قتل السفير.

ولمّا بلغ الأمير عليّاً ذلك كَتب إلى عمّه الأمير يونس بجمع رجال الشوف جميعهم ومُلاقاته بهم إلى جسر الأولي، وكَتب مِثل ذلك إلى الأمير علي الشهابي فحضرا إليه برجالهما، فبلغَ عسكره ثلاثة آلاف مُقاتل. فلمّا بلغ يوسف باشا ذلك استدعى الأمير شلهوب الحرفوش والأمير أرسلان والأمير موسى الكردي مِن رأس نحاش وغيرهم، والتقى الفريقان بقرية الناعمة، ونشبت بينهم حربٌ انتهت بفرار رجال يوسف باشا سيفا.

وفيها قَدِم إلى مشغرة في البقاع الأمير أحمد ابن الأمير يونس الحرفوش - زوج كريمة الأمير - وشرع ببناء دارٍ فيها، وكَتب إلى بعض مشايخ بلاد بشارة المتاولة أنْ يتقدّموا إليه، فأنف الأمير مِن ذلك وكَتب إلى والده إلى بعلبك أنْ يمنعه عن السُكنى في مشغرة، فأجابه وأرسل إلى ولده الأمير أحمد يَمنعه.

وفي هذه السنة بعد رجوع الأمير فخر الدين مِن توسكانا ووصوله إلى عكّاء، واستقباله فيها وفي صور وبلوغه صيدا قاعدة إمارته كان في جُملة

٥١

الوافدين إليه في الهدايا الأمير أحمد يونس الحرفوش، وقدّم له خيلاً، ولمّا أبى الأمير قبول هديّة حسن بك بن يوسف باشا سيفا وبَلغ يوسف باشا ذلك كان مِن جُملة ما تكلّم به:

ولماذا لا ينظر الأمير إلى ما فعلناه؟! ويغضّ نظره عن الأمير يونس الحرفوش الّذي قتل سكمان آل معن، وسبّب هدم القلاع!

وراسل مشايخ المتاولة حين كان ولده الأمير أحمد في مشغرة.

أمّا الأمير يونس الحرفوش، فأرسل مُدبّره يلتمس له مِن الأمير فخر الدين إطلاق الحاج ناصر الدين منكر، وكان قد أمر باعتقاله عند وصوله إلى البلاد بسبب تلبية أخيه دعوة الأمير أحمد الحرفوش له في الحضور إلى مشغرة، وكُفل عنه الأمير يونس باثني عشر ألف قرش يدفعها لأرباب الدَين في دمشق فأطلقه.

وفي أثناء ذلك طلبَ مِن الأمير تكملة مال الإرساليّة عن ثلاث سنين، فتوجّه بنفسه إلى عكاء وفرّق المحصّلين بطلب الأموال عن خمس سنين مِن حين ذهابه إلى البلاد الفرنجية إلى حين إيابه. فنزحت مشايخ بلاد بشارة - بنو منكر وبنو علي الصغير - إلى بلاد بعلبك إلى الأمير يونس الحرفوش.

وفي سَنة ١٦١٨م (ص٢٨٩)، كَتب الأمير فخر الدين إلى الأمير يونس الحرفوش أنْ يضبط ما لآل سيفا مِن المواشي والغِلال في القيرانيّة والهرمل.

وفي سَنة ١٦١٩م لمّا عاد الأمير فخر الدين مِن البترون إلى حدث بعلبك - وقد فزع للأمير سليمان سيفا على عمّه يوسف باشا - ومنها إلى المجر في بلاد بعلبك أقام الأمير يونس في حصن اللبوة هَلعاً، فقصده الأمير بعشرة فُرسان وأمّنه ودعاه إلى خيمته، فسار معه ورجع حالاً إلى حصن اللبوة مُحتجّاً بتقدمة الميرة للعسكر، ولم يرجع ولا أرسل ما وعد به.

أمّا الأمير، فارتحل إلى الهرمل، ومنها إلى معان، ومنها إلى قرية شدرا في عكار.

وفي سَنة ١٦٢١م (ص٢٩٥)، لمّا عُزل مرتضى باشا عن دمشق وتولّى مكانه مصطفى باشا، ولمّا وصل إلى المدينة أرسل الحاج كيوان إلى الأمير فخر الدين يطلب منه مالاً، فلمّا وصل الحاج كيوان إلى بعلبك خاطبه الأمير يونس الحرفوش أنْ يلتمس له مِن الأمير فخر الدين أنْ يأذن للأمير

٥٢

حسين أنْ يتزوّج بامرأة أخيه الأمير أحمد المُتوفّى، فيدفع له ثمانية آلاف قرش إرضاءً لخاطره، فتوجّه الحاج كيوان إلى صيدا وخاطب الأمير بدفع عشرة آلاف ذهب سَلفاً لوالي دمشق، وخاطبه بشأن زواج ابنته مِن الأمير حسين الحرفوش، وأنّه يدفع له ثمانية آلاف قرش، فارتضى الأمير بذلك وأقام الحاج كيوان وكيلاً بالزواج، وأنّه يقبض مِن الأمير يونس خمسة آلاف قرش يدفعها خدمةَ الاستقبال، ويدفع الثلاثة آلاف قرش لأحد غُرمائه في دمشق.

وفي هذه السنة أرسل الأمير يلتمس مِن الدولة سنجقية حمص للأمير يونس الحرفوش فحضر الأمير كما طلب.

وفي سنة ١٦٢٢م كَتب الأمير يونس الحرفوش إلى كرد حمزة يُخبره بعزل الأمير عن صفد، وبما حصل لجماعته في نابلس وعجلون، وبضبطِ مواشيه، فأرسل كُرد حمزة ذلك الكتاب إلى الأمير غَلطاً مع كُتبه، فلمّا قرأه الأمير فخر الدين غضب على الأمير يونس المذكور؛ لأنّه لمّا قدِم علي باشا جانبلاط إلى دمشق قبل تاريخه بسبع عشرة سَنة، وتقدّم عنده الأمير موسى الحرفوش التجأ ابن عمّه الأمير يونس إلى الأمير؛ فوقاه مِن ضرر ابن عمّه المذكور، وتولّى بلاد بعلبك بإمداده، فلمّا اعتزَّ مَنَعَ أهل الشوف مِن الزراعة في أرض البقاع، وممّا اشتروه مِن زمن الأمير منصور فريخ، وضبط للأمير علي تلّ النمورة الّذي عند قب الياس، فنهاه ولده الأمير حسين عن ذلك فلم ينتهِ.

ثُمّ نهض الأمير برجاله مِن بيروت إلى قب الياس حيث إقامة سكمانه، فدعاه الأمير حسين الحرفوش إلى وليمةٍ في منزله في حارة قب الياس، فسار معه وأبرز له صكّاً وحُكماً سُلطانيّاً بمشترى حارة قب الياس مِن تركة الأمير منصور المذكور، وقال له: هذه الحارة مُلكنا أسكنّاك بها مُدّةً طويلة والآن احتجناها، قد قاسمتمونا على الأماكن الّتي أدخلناكم إليها فاذهب إلى والدك، فاستاء الأمير حسين وتوجّه إلى والده.

وأمّا السكمان، فإنّهم لمّا تحقّقوا ما صار نهبوا القرية، ولمّا وصل الأمير حسين إلى بعلبك وأخبر والده بما كان رحل بأهل بلاده إلى الزبداني خوفاً، فأرسل الأمير ابنته زوجة الأمير حسين وولدها مِن قب الياس إلى صيدا حيث والدتها، وأمر أهل الشوف والجرد والمتن جميعاً أنْ يأخذوا غلال آل حرفوش الّتي في البقاع وضبط مواشيهم، فبلغت ستمئة مِن البقر

٥٣

والجاموس، وأمر بهدم الحارة في قب الياس.

ثُمّ أرسل الوزير أُناساً للصُلح فلم يتمّ، ولمّا بلغ الأمير يونس توجّه الأمير مِن قب الياس استدعى كرد حمزة مِن حمص واتّفقا وسارا إلى دمشق، والتمسا مِن واليها سنجقية صفد للأمير يونس، وخلع الوزير عليه، وأعطى سنجقية عجلون للأمير بشير، ودفع الأمير يونس إلى مُلاقاة الحج حسب العادة خمسة آلاف ذهب سَلفاً عن مال صفد، فلمّا بلغَ الأمير ذلك كَتب إلى وزير دمشق قائلاًُ: بلغني أنّ الأمير يونس الحرفوش زادَ على سنجقية صفد ألف ذهب وقَبِلتُم منه، فأنا أُزيد على بلاد بعلبك مئة ألف ذهب، وكَتب أيضاً إلى الدفتردار وكبير الانكشارية بمثل ذلك، فلمّا وصلتْ كُتب الأمير لم يعبأ أحدٌ بها، ثُمّ رجع الأمير يونس إلى بعلبك وجمع سكمانه ورجال بلاده.

وفي هذه السنة لمّا وصل الأمير إلى المنية أرسل إلى السكمان الّذين في صفد أنْ يُلاقوه إلى بركة الملاحة، فأتاه كتابٌ مِن والده الأمير علي ضَمّنه تقرير مِن الدولة بسنجقية صفد ونابلس وعجلون حَسب عادته، فذهب الأمير بشرذمة إلى صفد وتلا على وجوهها أوامر الدولة فأذعنوا لها، وعاد إلى منزله، وكَتب إلى مصطفى باشا يُخبره، وأرسل له صورة الأوامر وكتاب الوزير الّذي أرسله إليه مِن إسلامبول، فلم يكترث الوزير بها وادّعى أنّها مُزوّرة، وكَتب إلى الأمير يونس الحرفوش أنْ يحضر إلى جسر تل زينون برجاله ورجال آل سيفا وتُركمان لبلاد بعلبك وحِمص وعرب آل موسى فحضرَ بهم.

ثُمّ كَتب الأمير إلى ولده الأمير علي أنْ يُلاقيه بالرجال إلى قب الياس، فنهض مِن بيروت إليها بألف رجل، فالتقاه عمّه الأمير يونس والمُقدّمون اللمعيّون ومشايخ الجرد بألف رجل ودخل إلى قب الياس.

ثُمّ قدم الأمير إلى جسر القرعون ومعه الأمير علي الشهابي برجاله، وجدّد الاتّحاد بينه وبين الأمير أحمد الشهابي.

لمّا بلغَ الأمير يونس الحرفوش قُدومه فرّ تلك الليلة بعسكره إلى الديماس، ومِن الغَد قَدِم الأمير إلى قب الياس، فلاقاه ولده الأمير علي إلى المضيق، وظلّ الأمير سائراً بألف فارس إلى الكرك لأجل جلبِ العليق، فلمّا أبصرتهم جماعة الأمير يونس تحصّنوا في المزار وأخذوا يُطلقون عليهم الرصاص، فأمرَ حينئذ الأمير جماعته أنْ يَهجموا عليهم، فهجموا وقتلوا منهم ثلاثة وأربعين رجلاً، وقُتل

٥٤

مِن جماعة الأمير خمسة رجال، وهرب الباقون مِن المزار إلى القرية واختبؤوا فيها، وعند ذلك أرسل الأمير إلى أخيه وولده أنْ يبقيا السكمان في الخيام ويحضرا إليه بجميع رجالهما، ولمّا حضروا توجّه بهم الأمير إلى الكرك عشاءً، وأخذوا يُفتّشون على أولئك الرجال المُختبئين فيها، وقبض عليهم - وكانوا سبعة وخمسين رجلاً - وأمر الأمير بحرق القرية، وتوجّه إلى قرية سرعين مقرّ الحرافشة ونهبها وأحرقها، وأحرق القُرى الشرقيّة في طريقه في بلاد بعلبك، ورجع إلى قب الياس وأرسل الأسرى إلى بيروت، فلمّا بلغَ الأُمراء الحرافشة ذلك تحصّنوا في قلعة بعلبك، وكتبوا إلى الأمير يونس يُخبرونه، فأرسل إليهم فُرسانه لمُحافظة البلاد.

وفي سنة ١٦٢٣م نهض وزير دمشق بجيشه منها إلى خان ميسنون (ميسلون)، والتقى بجيش الأمير في قرية عنجر، وجرتْ حرب انتهت بانكسار الوزير وأسره.

وأمّا الأمير يونس الحرفوش والأمير عمر سيفا وكرد حمزة الّذين كانوا في جيش الوزير، فإنّهم انهزموا إلى مدينة بعلبك، فأبقى الأمير يونس في القلعة مئتين وعشرة أنفار، وظلّ سائراً إلى حصن اللبوة، ثُمّ رجع الأمير إلى قب الياس ومعه الوزير، وفي اليوم الثاني قدم الأمير سلمان بخمسمئة مُقاتل نجدةً للأمير، وفي اليوم الثالث نهض إلى قرية تمنين ومعه الوزير والأمير أحمد الشهابي، ولمّا بلغَ الأمير يونس قدومه فرّ مِن اللبوة بأولاده وعياله إلى قلعة الحصن ومعه كرد حمزة، ثُمّ نهض الأمير إلى مدينة بعلبك وأذِن بنهب غلال الحرافشة، فنهبها الدروز والبقاعيّون والكسروانيّون والجبليّون وغيرهم مِن وادي التيم وعرب الفضل.

أمّا مصطفى باشا، فكَتب إلى مُتسلّمه في دمشق أنْ يقبض على جماعة كرد حمزة، وتشتّت الباقون.

وأمّا الأمير يونس الحرفوش، فتوجّه مِن قلعة الحصن إلى حماة وولده الأمير حسين أقام في حمص، وحينئذٍ قدِم الأمير شلهوب إلى حماة وولده الأمير حسين أقام في حمص، وحينئذٍ قدِم الأمير شلهوب إلى الأمير نزيلاً فطيّب خاطره، ثُمّ توجّه الأمير يونس وكرد حمزة إلى حلب وقدّما الشكوى إلى إسلامبول، وفيها أمرَ الوزير الأمير بقتل أسرى الكرك الّذين أرسلهم إلى بيروت، فأبى وتوجّه أُناس مِن جماعة الأمير إلى اللبوة وجبة عسال، فنهبوا مِن معزى الحرافشة انثني عشر ألفاً.

وفيها أرسل الأمير مدلج الحياري مُدبّره يستغيث بالأمير على آل فياض - العرب الّذين دهموه وطردوه - فذهب نجدةً له، وأبقى ولده الأمير عليّاً

٥٥

والأمير أحمد الشهابي في مدينة بعلبك يمنعان سكمان الأمير يونس الحرفوش مِن الخروج مِن القلعة، ويقطعان الوارد إليهم. وتوجّه بألفي فارس وثلاثمئة رجال إلى قرية الراس مِن جبة اللبوة، ومعه مِن آل سيفا الأمير سليمان والأمير بلك، ومِن الحرافشة الأمير شلهوب، ثُمّ نهض مِن هناك إلى البرية فنَهَب عسكره وغَنِم، وعاد بعد أنْ تحالف على التناصر مع الأمير مدلج إلى قرية صرد مِن مُعاملة تدمر، ومنها إلى الزراعة في قاع بعلبك، ثُمّ إلى القُرى القريبة مِن حصن اللبوة، وأرسل رسولاً يُخاطب الّذين في الحصن بأنْ يُسلّموا، فأجابوه: نحنُ توابع الّذين في قلعة بعلبك، فإذا سلّموا سلّمنا.

فتركهم وأتى إلى مدينة بعلبك وأمر بحصار القلعة، فتقاعدت السكمان عن حصارها؛ لأنّ الّذين داخلها مِن جِنسهم، فحنق الأمير منهم ونصب خيمته في خندق القلعة الجنوبي تجاه السور، فلمّا رأت السكمان شدّة اهتمامه وبأسه تبعوه بخيامهم، وشرع بعمارة أتراس وخنادق وأسوار، ووضع جسوراً عاليةً وصناديق مملوءةً تُراباً وغطّى الخنادق بخَشب، وجعل يتنقّل إلى أنْ وصل إلى حائط القلعة، وأخذ الفعلة ينقبون الحائط وهو لا يُفارق المُحاصِرين أبداً.

وفيها قَدِم الأمير يونس الحرفوش نزيلاً على الأمير، طالباً الصفح والرضا فطيّب خاطره.

وبعد عشرة أيّام سار إلى معرّة النعمان فقبض عليه مُراد باشا ورفعه إلى قلعة سليمة، ثُمّ وجّهه إلى حلب، فلمّا بلغَ ولده الأمير حسيناً ذلك فرّ مِن حماة ليلاً إلى قلعة الحصن مذعوراً، وأرسل إلى الأمير شلهوب الحرفوش وأخيه الأمير علي أنْ يتّجها إلى بعلبك يلتمسان مِن الأمير صفو الخاطر عليه، وأنّه يَكتب إلى مُراد باشا مُلتمساً رفع الضرر عن والده، ودفع للأمير أربعين ألف قرش فارتضى منهما.

وفيها قدِم قبوجي باشي ومعه وكيل الأمير وخِلعة الولاية وتقرير المنصب، فالتقاه هو وولده فألبسهما خلعتين، وتُليت الأوامر بطلب مال إرسالية صفد وعجلون ونابلس، وأرسل القبوجي يُخاطب المُحاصَرين في القلعة وأنْ يُسلّموا فأبوا، وحينئذٍ وردَ خبرٌ يُحقّق أنّ الأمير يونس الحرفوش قد قُبض عليه، فأرسل الأمير يُخاطبهم، ولمّا يئسوا مِن النجاح أذعنوا وخرجوا بالأمان. وضَبط ما للأمير يونس فقط، وأدخل أولئك السكمان في خدمته، فقُتل مِن جماعة الأمير في مدّة الحصار أربعون رجلاً، ثُمّ أحضر

٥٦

الأمير مئة وخمسين مِن البنّائين وأمرهم أنْ يهدموا القلعة، ثُمّ أرسل الأمير إلى المُحاصَرين في قلعة اللبوة أنْ يَخرجوا منها آمنين فأبوا، فحنق عليهم الأمير ونبّه على السكمان أنْ يسيروا إلى رأس العين؛ ليسير بهم إلى حصار اللبوة فوراً، ولمّا وصلوا إلى رأس العين تحالفوا أنّه إذا لم يَدفع لهم الأمير في ثلاثة أيّام ما وعدهم به ابنه يتركون خدمته، فلمّا بلغ الأمير تعصّبهم وعَزمهم هذا جَمَع مَن أبقى عنده مِن المُقدّمين وقال لهم: إنّ مطلوب السكمان كلّه يَصعب علينا دفعه الآن.

وسار إلى رأس العين يسألهم، فأجابوه طالبين منه رجلين مِن مُقدّمي عسكره إلى الميدان، فأجابهم: أقسموا لي أنّكم لا توقعون بهما ضَرَراً وأنا أحضرهما إليكم.

فعند ذلك ضجّوا وهجموا على باب المدينة مُتسابقين على مسك الرجلين، فسبقهم الأمير إلى الباب، وأخذ يتملّقهم فلم يرعووا، بل دخلوا فلم يجدوهما؛ لأنّهما اختبئا فنهبوا ما وجدوه لهما.

ثُمّ تحزّب مع الرجلين جماعةٌ وصار عسكر الأمير حِزبين، فتحيّر الأمير وولده في إطفاء تلك النار، وفي أوّل الليل جمع مشايخ العسكر الوجوه ودار بهم بين القوم، وأخذ يُعطيهم مالاً ويَعدُهم بما طلبوا، وسألهم الصُلح فأذعنوا وقطعوا حبلَ الانشقاق، وردّوا للرَجُلين ما سلبوه منهما، ثُمّ جرت أُمور لا يعنينا أمرها ولا هي مِن موضوع هذا التاريخ.

وفي اليوم الثالث نهض إلى قب الياس، ومنها إلى بعلبك، فوزّع على السكمان ما لهم وأكرمهم وأرضاهم، وكانوا أربعة آلاف وخمسمئة رَجل ورؤساؤهم ثمانين، وأطلق التنبيه عليهم أنْ يحضروا لحصار قلعة اللبوة، فلمّا بلغَ الأمير علي الحرفوش ذلك توجّه إلى بلاد الحصن - حيث أخوه الأمير حسين - ليأتي بالمال الّذي صار عليه الشرط لجهة والده الأمير يونس، ثُمّ عاد إلى أخيه ومعه الأمير سيّد أحمد - أحد أقاربه - ومُدبّر الأمير مدلج، فدفع للأمير ستّة عشر ألف قرش وصكّاً مِن الأمير حسين بالباقي عليه، والتمس منه الصُلح ورفْعِ الحصار عن قلعة اللبوة، فقبِل الأمير منه ذلك، وصفحَ وأكرم المُدبّر بخمسمئة قرش وخَلَعَ عليه، ونهض بعسكره مِن بعلبك إلى مرج عدوس ومعه ولده الأمير علي.

وفي هذه السنة لمّا كان الأمير فخر الدين في فلسطين يُرتّب أعمالها ويؤدّب الخارجين عليه وهُم آل طرباي، ورد عليه - وهو في مدينة قيسارية - خبرٌ أنّه قادم لخدمته مِن أصحاب يوسف باشا والأمير يونس الحرفوش

٥٧

جماعةٌ، وأنّهم لمّا وصلوا إلى نهر التماسيح التقوا بجماعة ابن طرباي واقتتلوا، وانفكّت العرب عنهم وبقوا مُنتظرين أمر الأمير، فأجابهم أنْ يوافوه في الغد إلى الطريق، ومِن الغد نهض فالتقوه وطيّب خاطرهم.

وفي هذه السَنة ورد على الأمير كتابٌ مِن الأمير علي الشهابي يُخبره أنّه قدِم إليه الأمير حسين الحرفوش يروم أخذ زوجته ابنة الأمير، وأنّه يَدفع ما تعهّد به في بعلبك، فأجابه: فليحضر وله الإعزاز والإكرام. فحضر الأمير علي وولده الأمير قاسم بالأمير حسين إلى صيدا، فالتقاهم الأمير وأنزلهم عنده مُكرّمين، فدفع الأمير حسين العشرة آلاف قرش للأمير مهر ابنته، وكفله الأمير علي الشهابي وولده إلى شهرٍ بالعشرة آلاف الثانية الباقية عليه مِن الأربعين ألف قرش، حسبما تعهّد في بعلبك، وفي اليوم الثاني سلّمه زوجته، وسار بها إلى بعلبك.

وفي سنة ١٦٢٤م أنعم السلطان على الأمير بولايات عربستان مِن حدود حَلب إلى حدود القدس، ولقّبه سُلطان البرّ على هذه المعاملات، وأمره بإعطائه راحتها وصيانتها، وجباية أموالها الأميريّة وتأديتها إلى إسلامبول، فجمع سكمانه وسواهم مِن أبناء العرب وزحف بهم مِن بيروت - وهم يبلغون أربعة عشر ألفاً - إلى نهر إبراهيم، ثُمّ نهض إلى البترون، ثُمّ إلى جبل عكار، وهكذا إلى جهات حلب فحماة وكلّ ما هو واقع في إيالته يجمع الأموال، ويُرتّب الأعمال، ويُلقي هيبته في النفوس. ولمّا قام بعسكره إلى بعلبك وبلغَ ذلك آل حرفوش فرّوا إلى المشرق مَذعورين، فأطلق الأمان للرعايا فحضروا لديه مُسلّمين، وقدّموا له الإقامات، وتعهّدوا له بخمسةٍ وأربعين ألف قرش خدمةً.

ثُمّ أمرَ بترميم القلعة، ومكث هُناك شهراً إلى أنْ تمّ ترميمها، فوضع فيها عسكراً وعلايف، وبعد انتهائه مِن هذه الجولة في البلاد الشماليّة انتقل إلى جنوبيها، وصفا له الزمان على هذا السلطان مُدّة تسع سنوات إلى أنْ أوثقه الكجك أحمد مع أولاده الثلاثة، وأرسلهم إلى إسلامبول.

وفي سنة ١٦٢٦م حَضر الأمير حسين يونس الحرفوش إلى حاصبيا مستشفعاً بالأمير علي الشهابي أنْ يسترضي خاطر الأمير عنه، فكَتب الأمير علي يسأله بشأنه فأجابه، ودعاه إليه فنهض الأمير علي لولده الأمير قاسم إلى صيدا، ومعهما الأمير حسين المَذكور، فالتقاهم الأمير بأحسن اللقاء

٥٨

وطيّب قلبَ الأمير حسين، فرجع إلى بلاده مسروراً.

وفي سَنة ١٦٣٣م قادَ الكجك أحمد باشا الحافظ العساكرَ العُثمانيّة لمُحاربة الأمير، وذلك بأمر خليل باشا الصدر الأعظم؛ لأنّه بلغَ السلطان مُراد أحمد ما عَزم عليه الأمير مِن تقليد السلطنة إلى أُمور أُخرى، وأخذ الكجك بجمع العساكر مِن حدود بلاد الروم إلى حدود بلاد مصر.

وفي سنة ١٦٣٤م نهضَ بالعساكر إلى خان سعسع، واستدعى الأمير عليّاً اليمني والأمير حسين سيفا والأمير محمّد الحرفوش وأخاه الأمير حُسيناً، وولّى كُلاً منهم على بلاده، وهكذا ضمّ الكجك إليه كلّ مَن كان خصماً للأمير.

ولمّا بلغَ الأمير ذلك أخذ يجمعُ رجاله، ويبعث بها إلى أطراف البلاد، وسار الكجك بجُيوشه يدوخ البلاد، وفرّ منه أُمراء آل شهاب - أُمراء وادي التيم ومرج عيون - ووقعتْ معركةٌ قُرب خان حاصبيا انتهت بمقتل الأمير علي ابن الأمير، وشاء القَدر أنْ يُؤسر الأمير وولده، ويُبعث بهم إلى دمشق، ومنها إلى إسلامبول، ثُمّ يُقتل ويَذهب سُلطانه.

وفي سنة ١٦٨٠م فرّ الأمير عُمر الحرفوش إلى الأمير أحمد ابن الأمير ملحم المَعني، مُستغيثاً به في أمرِ الصُلح بينه وبين الأُمراء الشهابيّين بسبب قتل الأمير فارس الشهابي، فتوجّه الأمير إلى بعلبك، وأجرى الصُلح بينهم بشرط تأدية الأُمراء آل حرفوش لآل شهاب خمسة آلاف قرش وجواداً مِن جياد الخيل كُلّ سَنة.

وفي سنة ١٧٤٨م ولّى أسعد باشا العظم الأمير مِلحماً الشهابي على بلاد بعلبك، فسَيّر الأمير إليها أخويه الأمير أحمد والأمير منصور نائبَين عنه فيها، ولانكسار مالٍ على الأمير نَفَرَ منه أسعد باشا، وسار أليه بجيش فالتقى بجيش الأمير مِلحم في بر الياس، ونشبتْ بينهما حَرب انتهت بفوز الأمير مِلحم، وعاد أسعد باشا إلى دمشق مُنكسراً والأمير ملحم إلى بلاده مُنتصراً، وبعدَ مسيره وجّه الأمير عسكراً إلى بلاد بعلبك فنهبها وأزاح عنها واليها الأمير حيدر الحرفوش؛ لأنّه كان مع عسكر الوزير، وولّى مكانه أخاه الأمير حُسيناً؛ لأنّه كان معه في الوقعة.

وفي سنة ١٧٨٧م لمّا اتّفق مماليك الجزار عليه، وساعدهم على ذلك سليم باشا، وطلب النجدة مِن الأمير يوسف الشهابي فأنجده بأُمراء البلاد،

٥٩

ولمّا غُلب المتآمرون على الجزار، وشرع في الانتقام ممَّن ساعدهم عليه مِن أُمراء البلاد استنجد الأمير يوسف بأُمراء البلاد لمُدافعة الجزار، وقد انضمّ إلى المُدافعين الأمير جهجاه الحرفوش برجاله في قب الياس، وجرت أُمور ووقائع انتهتْ بفوز الجزار وبعزل الأمير يوسف وقيام ابن أخيه الأمير بشير الكبير مكانه في الولاية، ورجعَ الأمير جهجاه الحرفوش إلى بعلبك.

وفي سنة ١٧٨٩م طلبَ الأمير قاسم الحرفوش مِن الأمير بشير أنْ يُساعده على خَلع ابن عمّه الأمير جهجاه مِن الولاية والتولّي مكانه، فأجابه وأرسل لهُ عسكراً إلى زحلة، وأمرَ أهلها أنْ يتوجّهوا مع العسكر، وأرسل أمراً إلى الأُمراء اللمعيّين أنْ يَجمعوا رجالهم ويذهبوا بهم إلى زحلة فذهبوا، فزحفَ الأمير قاسم إلى تمنين، فلمّا علِم الأمير جهجاه بقدومه خرج للقائه في أرض أبلح، وانتشب بينهم القتال، فانكسر الأمير قاسم بمَن معه وسُلبت خيلهم وأسلحتهم، وقُبض على الأمير مُراد شديد أبي اللمع، فأمر له الأمير جهجاه بردّ سلاحه وجواده وأطلقه مُكرّماً، ولمّا رجع عسكر البلاد إلى زحلة مُنهزماً جهّز الأمير عسكراً آخر وأرسل معه أخاه الأمير حسيناً وبعض مناصب البلاد، ولمّا وصلوا إلى بعلبك فرّ الأمير جهجاه مِن المدينة، فدخلوها فلم يجدوا فيها قوتاً فرجعوا.

ولمّا لم ينجح حال الأمير قاسم التمس له الأمير مِن الجزار عسكراً فأرسل له، فوجّهه الأمير إلى بعلبك وأصحبه بمشايخ الدروز ورجالهم لطرد الأمير جهجاه، وحينما وصلوا إلى بعلبك فرّ الأمير جهجاه إلى رأس بعلبك، فقصدوه فرجع إليها مِن طريق آخر ونهبها، ثُمّ توجّه إلى نواحي يبرود فرجع الأمير حسين بعسكره إلى البلاد.

وفي سنة ١٧٩٠م استدعى الأمير جهجاه الحرفوش خمسمئة مُقاتل مِن زحلة، وزحف بهم على بعلبك، فدهموا عسكر الجزار ليلاً، وقَتل منهم خَلقاً كثيراً ثُمّ رجعوا إلى زحلة غانمين، فقصدهم الملاّ إسماعيل بألف ومئتي فارس، فالتقاه أهلها والأمير جهجاه وأخوه الأمير سلطان، وكمُن فرقةٌ منهم في خليج القرية، ولمّا وصلت الفرسان إلى الخليج أطلقوا عليهم الرصاص، فانهزموا إلى قرية السلطان إبراهيم مخذولين، وأعلموا في أقفيتهم السلاح فقُتل منهم خلقٌ كثير، ومِن أهالي زحلة عددٌ قليل.

٦٠