نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي0%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف: الصفحات: 326
المشاهدات: 101063
تحميل: 6801

توضيحات:

نظرات حول الإعداد الروحي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 101063 / تحميل: 6801
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشخصية الإسلامية الذاكرة والمذكّرة في الخضم المتلاطم من المسلمين الذين لم يحسن تربيتهم أحد :

كانعليه‌السلام يقول : -

( وأوصيكم بذكر الموت ، وإقلال الغفلة عنه ، وكيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم ؟ وطمعكم فيمن ليس يمهلكم ، فكفى واعظاً بموتى عاينتموهم حُملوا إلى قُبورهم غير راكبين وأُنزلوا فيها غير نازلين ، فسابقوا - رحمكم الله - إلى منازلكم التي أُمرتم أنْ تعمروها ، والتي رغبتم فيها ودعيتم إليها ، واستتمّوا نِعَم الله عليكم بالصبر على طاعته ، والمجانبة لمعصيته ، فإنّ غداً من اليوم قريب ، ما أسرع الساعات في اليوم ، وما أسرع الأيّام في الشهر ، وما أسرع الشهور في السنة ، وأسرع السنين في العمر )(٣٤)

( وأُحذّركم الدنيا فإنّها منزل قُلعة ، وليست بدار نُجعة قد تزيّنت بغرورها ، وغرّت بزينتها دارٌ هانت على ربّها ، فخلط حلالها بحرامها ، وخيرها بشرّها ، وحياتها بموتها ، وحلوها بمرّها ، لم يصفها الله تعالى لأوليائه ، ولم يضنّ بها على أعدائه ،

١٢١

خيرها زهيد ، وشرّها عتيد. واسمعوا دعوة الموت وآذانكم قبل أنْ يدعى بكم ، إنّ الزاهدين في الدنيا تبكي قلوبهم ، وأن ضحكوا ، ويشتدّ حزنهم ، وإنْ فرحوا ويكثر مقتهم أنفسهم وإنْ اغتبطوا بما رزقوا قد غاب عن قلوبهم ذكر الآجال ، وحضرتكم كواذب الآمال ، فصارت الدنيا أملك بكم من الآخرة ، والعاجلة اذهب بكم من الآجلة )(٣٥)

وفي كلام طويل عن وصف المتّقين ، يقولعليه‌السلام :

( أمّا الليل فصافون إقدامهم ، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلاً. فإذا مرّوا بآيةٍ فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً ، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً ، وظنّوا أنّها نصب أعينهم ، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ، وظنّوا أنّ زفير جهنّم ، وشهيقها في أصول آذانهم )(٣٦)

الوعي الكوني

إلى الآن تحدّثنا عن الوعي الكوني في شخصية الإنسان المسلم ، ويتمثّل في الأساس بوجود الله تعالى ، وارتباط الأحداث ، والأشياء به وتذكره ، ومعايشته الشعورية ، وفي الإدراك - بوعي - لمرحلية هذه الحياة ،

١٢٢

والإحساس بالموت :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) وبالحياة الأُخرى

ونستدرك هنا ونضيف الإحساس بحكمة الحياة والتقدير الشامل في الوجود ، والإحساس بهذين الأمرين ( التقدير ، الحكمة ) دور حياتي مهم قد تأتي الإشارة إليه فيما بعد عند الحديث عن الرضا بالقضاء والقدر

وقد قلنا سابقاً : إنّ كل إنسان مسلم يؤمن بهذه الأمور ، ويفهمها ، ومهمّة الإعداد الروحي الذي يهدف إلى بناء الشخصية الإسلامية التي لا يكفي فيها أن تفهم وتؤمن بهذه الأشياء ، وإنما هو ( تحسيس ) المسلم بهذه الأشياء وتوعيته الوجودية. التي يوسّع من خلالها أُفقه ، ويرتبط بالله تعالى ، وينمي من شخصيته باتجاه النصح ، وامتلاك النفس أمام صغائر الأمور ، وتفاهات الحياة الدنيا ، وخلق حالة الطمأنينة النفسية ، والاستقرار الانفعالي ، وغير ذلك من الأمور ، والمعاني النفسية ، التي لا يُمكن بناؤها ، وتربيتها إلاّ من خلال التوعية الوجودية ، والتحسيس بالحقائق الوجودية الكبرى ، التي تدرك الشخصية الإسلامية من خلال إدراكها والتحسّس بهذه الأشياء في اطار شامل ، ونظرة كلّية وتعيها في سياقها الوجودي ، وارتباطاته الكونية الثابتة

و( التوعية ) الوجودية في المنطق التربوي الإسلامي هي منطلق التغيير ومبتدأه الأساسي ، الذي يقوم عليه التغيّر الإسلامي ، والتربية الإسلامية. والتربية التي تنطلق من التوعية على الله ، وتقديره ، وحكمته والتحسيس بالحياة نعمها ، وفتنها ، والمسؤولية فيها ، وبالآخرة نعيمها ، وعذابها وغير ذلك من عناصر الوعي الكوني الإسلامي ، هي التربية السليمة الأمنيّة

١٢٣

التي لا يخشى من نتائجها وآثارها لا من الناحية الدينية ، ولا من الناحية النفسية ، ولا من الناحية الجهادية

ونشير أخيراً إلى أنّ التربيات المعاصرة الممثلة للحضارة الغربية ، وقيمها يتوزعهما اتجاهان كل منهما يتناقض مع التربية الإسلامية ذلك أنّ أحدهما يقوم على أساس إهمال التوعية الوجودية ، أو التحسيس الكوني الشامل مدعوماً باتجاه فلسفي ، وضعي ، يميل إلى التعرّف على المعاني الكلية الشاملة ، ويقصر دور الإنسان المعرفي والإدراك البشري في حدود الجزئي ، والواقع إنّ هذا الاتجاه الفلسفي ( اتجاه الوضعية والوضعية المنطقية ) اتجاهٌ مرفوض من الزاوية المنطقية ، وفهماً اجتماعياً باعتباره اتجاهاً فكرياً ، يقصد من ورائه تثبيت الواقع الغربي الراهن ، وتجميد قوّة الرفض ، والثورة التي لا يُمكن أن تقوم إلاّ على أساس فكرة شاملة تخرج عن الإطار الضيّق للجزئيّات ، والوقائع الحياتية الحاضرة بحيث تحدّد الممكن والضروري والسليم من وجهة نظر السياق العام للتاريخ ، والطبيعة ، والمنطق الأخلاقي ، وهي معاني مستحيلة من وجهة النظر الوضعية

والاتجاه الآخر يقوم على أساس التوعية الإلحادية. في :

١ - إنكار وجود الإله الحكيم

٢ - وقصر حياة الكائن الإنساني في حدود هذه التجربة الضيقة من الحياة. وهي توعية لا تُفرّق - من حيث الآثار السلبية - عن التوعية الأُولى القائمة على أساس تحديد الأُفق البشري داخل الإطار الحسّي ، والجزئي ، إنْ لم تزد عليها في السلبيات

١٢٤

ونحن هنا لا نريد أن ندرس الاتجاهات التربوية المعاصرة ، بل ولا حتى الاتجاه التربوي الإسلامي من الزاوية العلمية. لأنّ أُسلوب هذا البحث وهدفه ينحصران داخل الإطار العملي ولا يتّصلان بحال بالأبحاث العلمية والجوانب النظرية. وإنّما يهم هنا أن نشير إلى طابع ( التجاوز ) تجاوز الأُطر الحسّية ، والجزئية ، الذي يتمثّل بالتوعية الإسلامية الوجودية حيث يستعلي الإنسان المسلم على هذه الأُطر ، ويتعامل مع الكائن الوجودي المحض الذي يميزه عن عرض المادة ، وهيمنة الحس البشري

وهو يحقّق بذلك مرحلة جديدة للإنسان تترك وراءه كلّ المراحل ضيقة الأفق ، محدودة الشعور. وفي طابع ( التجاوز ) على الأُطر الحسّية ، و( الشمول ) ، وإدراك الأشياء في سياق كلّي ، ونظرة شاملة و( المعنى ) الذي يضيفهُ الإسلام على الحياة ، والترابطات التي تحكم الإحياء، والأشياء ، تلخّص سمات الوعي الإسلامي للكون والحياة ، وهي سمات ذات أثر خطير على الحياة النفسية للإنسان المسلم

وقد يمكن تلخيصه في الانفتاح على الحياة ، وفي عدم تصنيمها وعبادة ما فيها من أشياء ، وفي الاستقرار النفسي ، وروح الالتزام الأخلاقي التي يبعثها التعامل الشعوري مع الله ذي الأسماء الحسنى وكلّ سمات الخير ، والجمال

الوعي التاريخي

وإلى جانب التحسيس الوجودي ، والتوعية الكونية ، يقوم القرآن الكريم ، والسنة المطهرة بعملية توعية تاريخية تحسس الإنسان المسلم بمجموعة من القضايا التاريخية التي تتصل بالنشاط الإنساني التاريخي ، والصراع بين الحق والباطل ، والهدى والضلال في التاريخ البشري

١٢٥

ونستعرض هذه القضايا بشيء من الشرح ، والتفصيل فيما يلي من نقاط :

أ - الشعور بحركة الأحداث :

قد يمرّ الإنسان بمرحلة تاريخية تنغلق فيها أبواب العمل وتتجمّد فيها حركة الدعوة ، يغلب فيها الباطل في جولة خاطفة مع الحق ، ويجد الجاهلية في حالة من القوّة والسيادة والتمكن في الأرض ، ويجد أهل الجاهليّة يتقلّبون في الأرض ويعثَون فيها الفساد بلا رادع ولا معارض ، والمؤمنون إلى جانب هذا مستضعفون محاربون من كلّ حدب وصوب ومضيق عليهم في كل جوانب حياتهم الإيمانية

قد يمر الإنسان المؤمن بهذه المرحلة ، ويجمد عقليّاً بهذه الفترة القصيرة من عُمر الزمن ، وعُمر الحياة. ويفكّر بهذا الوضع على أنّه أمر واقع ، لا مفرّ منه ، ولا دافع له ويخلده ويصنّمه ، وهو في هذه اللحظة يجمد التاريخ ويثبت ظواهره الفانية الزائلة

والقرآن الكريم يُعالج هذه الحالة فيما يعالجها عن طريق التحسيس بحركة التاريخ ، وحركة الإحداث ، والظواهر التاريخية. وعن طريق توسيع أفق الإنسان المسلم وتكوين العقلية التاريخية لديه ، وتعليمه على أنْ يفكر في هذه اللحظات ، بما هو جزء من مسلسل الحدث التاريخي المتغيّر باستمرار ، والمتحرّك على الدوام

ومن أجل هذا الهدف التربوي الكبير نفسر مجيء الكثير من القصص التاريخية في القرآن الكريم

١٢٦

( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (٣٧)

( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٣٨)

( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ) (٣٩)

( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ

١٢٧

إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) (٤٠)

( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) (٤١)

هذا وتحفل النصوص الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام في تركيز تربوي ، يُعمّق للإحساس بحركة الأحداث وهي الآيات القرآنية تهدف إلى ذلك بالنسبة إلى جهتين : جهة أصحاب السلطان ، والغنى ، وأهل النعمة ، والثراء

والجهة الأخرى ، هي الجهة المؤمنة المجاهدة التي تتعرّض لألوان الاضطهاد ، والتكذيب

تقول النصوص لأصحاب السلطان ، والغنى ، وأهل النعمة واليسار أن لا تطغوا. واعتبِروا بمَن كان قبلكم قبل أنْ يعتبر بكم من يأتي بعدكم ، واعلموا أنّ الدنيا في حركة مستمرّة تطحن كلّ المستغلّين المتكبّرين في

١٢٨

الأرض والراكضين وراء المراكز والمكانات. والظالمين للناس

وتقول للمؤمنين لا تنظروا إلى أوضاع الجاهلية كأمرٍ واقع لا مردّ له ولا دافع. وسّعوا من أُفقكم التاريخي. وانظروا الأشياء، والأوضاع في حركة مستمرّة ، والى حياة الطغاة كمتاعٍ قليل. لا تيأسوا ولا تقنطوا فإنّ الفراعنة إلى انتهاء وإنّ أوضاع الكفر إلى زوال

إنّ ضيق الأُفق التاريخي ، وتصنيم المرحلة العابرة ، والنظر إلى أوضاع الانحراف ، كأمرٍ واقع مستقر ينتهي إلى نتائج سلبية عديدة

ينتهي أولاً : إلى حالة الضيق ، وفقدان الأمل. واليأس ممّا يضعف ، أو يعدم الاندفاع الرسالي ، والحركة ، والفعالية المؤمنة.

وينتهي ثانياً : إلى التنازلات العملية من أجل الانصهار في التيار ، والتواجد في المجتمع الذي لا يُؤمل في تغييره ، والقاعدة في هذا المجال تقول : إنّ الإنسان الذي يفقد الأمل في عملية التغيير الاجتماعي ، يبدأ في تغيير ذاته ومواقفه من أجل الانصهار في المجتمع ، والذوبان فيه

وينتهي ثالثاً : إلى التنازل الفكري ، أو مراجعة الذات والتشكيك في الموقف المبدئي الذي يعتنقه الإنسان الذي يصنّم المرحلة

هذا إلى غير ذلك من الآثار والنتائج المترتّبة - بحكم قوانين نفسية - على النظرة المصنِّمة للمرحلة

ومن هنا نعرف قيمة التدخل الربّاني ، والتوجيه القرآني الكريم

١٢٩

للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما تجمّدت دعوته في مكّة وتجمّد عمله - بعد وفاة أبي طالب - إذ مِن الممكن في هذه الحالة أن يُصاب الصف المؤمن بهذه المعاني السلبية من جراء هيمنة الجاهلية ، وحيلولتها دون تقدّم العمل الإسلامي آنذاك

فنزل - فيما يقال - قوله تعالى :

( فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ )

والمرية هي الأثر الفكري السلبي لعمليّة التصنيم

( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٤٢)

والركون إلى الذين ظلموا هو الأثر العملي السلبي الذي يحذّر منه الله تبارك وتعالى رسوله ومن تاب معه

ب - الشعور بوحدة المسيرة :

إنّ وراء التعدّد الهائل والكثرة الهائلة للأنبياء والمرسلين والأئمّة ، والصالحين ، ووراء هذا التعدّد في رسالتهم وشرائعهم ، ووراء التعدّد في أساليبهم ، ومراحلهم. وراء كّل ذلك وحدة. وحدة. في النموذج الرسالي ، وشخصية الدعاة ( الرسل ، الأنبياء ، الأئمة ) ، ووحدة الرسالة

١٣٠

التي يحملونها رغم الاختلاف ، الذي يبدو في بعض التشريعات ووحدة في الدعوة ، والعمل ، وترابط في المراحل والمهمّات

أمّا كيف يكون هذا الترابط ؟ وكيف تكون الوحدة فهذا موضوع آخر للبحث ، والتفكير. غير أنّ المهم هنا الإشارة إلى ضرورة التحسيس بهذا المعنى. وضرورة استشعاره للمؤمن ،. فإنّ هذا الشعور ينتهي من الناحية النفسية إلى أرقى المعاني التي تكون زاد المؤمنين العاملين ، ووقودهم في الجهاد ، التوحّد مع الأنبياء والصالحين ، ومحاولة الانصهار في نهجهم الربّاني ، وعبادتهم ، وعبوديّتهم لله تعالى ، والاعتزاز بالنسب التاريخي العريق. والثقة بالنفس والتعزّي عند البلاء والمواجهة بمواجهات الموكب الكريم والرهط الكريم ، والاستفادة من تجاربهم في العمل والجهاد

( والمؤمن ذو نسبٍ عريق ضارب في شِعاب الزمان ، إنّه واحد من ذلك الموكب الكريم الذي يقود خُطاه ذلك الرهط الكريم : نوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد (عليهم الصلاة والسلام))

( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )

هذا الموكب الكريم الممتد في شِعاب الزمان من قديم ، يُواجه - كما يتجلّى في ظلال القرآن - مواقف متشابهة ، وأزمات متشابهة وتجارب متشابهة على تطاول العصور ، وكرّ الدهور ، وتغيير المكان ، وتعدّد الأقوام ، يُواجه : الضلال ، والعمى ، والطغيان ، والهوى ، والاضطهاد ، والبغي ،

١٣١

والتهديد ، والتشريد ، ولكنه يمضي في طريق ثابت الخطو ، مطمئن الضمير ، واثقاً من نصر الله ، متعلّقاً بالرجاء فيه ، متوقّعاً في كلّ لحظة وعد الله الصادق والأكيد

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) (٤٣)

( موقف واحد ، وتجربة واحدة ، وتهديد واحد ويقين واحد ، ووعد واحد للموكب الكريم. وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف وهم يتلقّون الاضطهاد ، والتهديد ، والوعيد )

ولعلّ في اعتبار القرآن الكريم الإيمان بما أنزل من قبل الرسول الإيمان بالرسُل السابقين وصفاً للمتّقين

( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) (٤٤)

وأمره بذلك

( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى

١٣٢

إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٤٥)

لعلّ في ذلك ، وغيره تربية للمؤمنين على هذا الشعور ، والإحساس بوحدة المسيرة

ولعلّ في قوله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (٤٦)

دلالة على تحسيس الله تعالى رسله بوحدة خطّهم ، ووحدة ملّتهم ، ودعوتهم ، وإشعارهم بأنّ خطّهم مترابط الحلقات ، مترابط المراحل. حتى جاء أتباع الرسل فقطعوا أمرهم ، وحولوا الوحدة إلى تعدّد في الخطوط والاتجاهات ، وصنّمت كل طبقة منهم المرحلة التي فيها حتى أصبحوا أحزاباً ، وشيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون

فمن الواضح أنّنا عندما نقول : بأنّ خطّ الرسل واحد ومسيرتهم واحدة ، فلا يعني هذا أنّه لا يوجد تنوّع ضمن هذه الوحدة

إذ من الواضح أنّ الله سُبحانه قد جعل لكلّ شرعة ومنهاجاً ، ومن هنا

هوامش

____________________

(٣٤) - نهج البلاغة نص رقم / ١١٨

(٣٥) - نفس المصدر نص رقم / ١١٥

(٣٦) - نفس المصدر نص رقم / ١٩٣

(٣٧) - آل عمران ١٩٦ - ١٩٧

(٣٨) - الحج / ٤٢ - ٤٦

(٣٩) - الحج / ٤٨

(٤٠) - القصص ٣٨ - ٤٠

(٤١) - القصص ٧٦ - ٧٨

(٤٢) - هود / ١١٣

(٤٣) - إبراهيم ١٣ - ٢٤

(٤٤) - البقرة ٢ - ٤

(٤٥) - البقرة / ١٣٦

(٤٦) - المؤمنون ٥١ - ٥٣

١٣٣

تنوّعاً في تفصيلات الرسالة ومراحل العمل ، غير أنّ هذا التنوّع يخدم الوحدة. والهدف الواحد للمسيرة كلّها. والإنسان الذي يتلّقى مِن الله سبحانه هذه الرسالة الواحدة يعمل على توزيعها إلى اتجاهات متناحرة مستغلاًّ الفوارق المرحليّة في خطوط العمل لهذه الرسالة الواحدة

ج - الإحساس بحتمية الانتصار النهائي :

وإلى جانب الشعورين الأوّلين : الشعور بحركة الأحداث ، والشعور بوحدة المسيرة المؤمنة ، يوجد لدى المؤمن شعور تاريخي ثالث هو ، الشعور بحتمية الانتصار. انتصار قضية الرسالة الربّانية وأنّ كلّ هذا الصراع ، وكلّ هذه المعاناة والجولات بين الحق والباطل ، إنّما هي تمهيدات ضرورية للتغير الاجتماعي الإسلامي العالمي بالصيغة التي يريدها الله تعالى ، وأنّ كل يوم يمر هو إسراع زمني بالنصر ، وتقدّم نحو اليوم الموعود

أرأيت وعد الله :

( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (٤٧)

١٣٤

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٤٨)

فمهما طال النصر على أجيال الرسالة ، وضاقت الأرض بهم فإنّ النتيجة الحاسمة. في المنطق الربّاني الذي لا يكذّب ولا يخطأ. هي للذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وللإيمان والعمل الصالح. ذلك أنّ الله سُبحانه قد خلق هذا الإنسان ، وكل ما سخر له ، وأنزل كلّ الكتب ، وأرسل كلّ الأنبياء الذين نعرفهم ، والذين لا نعرفهم من أجل هذه الغاية

( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )

وما تجارب الصراع. بين الهدى ، والضلال إلاّ من أجل الوصول إلى هذه الغاية

وقد تسأل هنا : إذن لماذا هذه المدّة الطويلة والزمن المديد ، ولم تتحقّق النبوءة الإسلامية ، ولم يتحقّق النصر الكامل للإيمان على وجه الأرض ؟

إنّ الله سبحانه -- خلق هذا الكون للفتنة والاختبار ، لفتنة الإنسان واختبار فعاليّته الذاتية ، ووجدانه الأخلاقي ولم يشأ سُبحانه أن يفرض عليه قضية الإيمان - لو شاء ذلك لهدى الناس جميعاً ؛ لأنّ في فرض هذه القضية نقضاً للغرض الكوني الأصيل وهو ( أن يُحقّق الإنسان إنسانيته وأخلاقيته باختياره ومن خلال الهدي الإلهي والهدي الإلهي فقط ) ، فيقتصر دور الله سُبحانه في عمليةّ التغيير الشامل على الهداية العامّة. والهدي النازل على الأنبياء ، وبعض التدخّلات الأخرى. أمّا الفعل التغييري ،

١٣٥

فللإنسان ، ومن الواضح أنّ التغيير الإسلامي الشامل إذ يُوكل إلى الإنسان ويعتبر مسؤوليته له سيكون عملية بطيئة طويلة الأمد تحتاج إلى قرون عديدة ، وتأريخ مديد

وحتمية انتصار الحق ، واختتام المسيرة بالنصر الشامل ليست حتمية جبرٍ وإلجاء ، كالحتميات المادية المزعومة ، وحتمية الجبر الديني المزعوم ، وإنّما هي حتمية وقوع. في علم الله تعالى أن سيختار للبشر الهداية ، والإسلام. وعلم الله لا يُخطئ ولا يزل ، وعلم الله تعالى لا يقلب الواقع وإنّما يعكسه ويكشفه ويحكيه وما دام سبحانه قد علم بأنّ الإنسان سيقوم بعملية التغيير الشامل باختياره - من خلال تدخل إلهي لا يصل إلى حد الجبر والإلجاء ، فسوف تقع عملية التغيير الإسلامي الشامل باختيار هذا الإنسان وإرادته من دون جبر ، ولا إلجاء

لقد فشلت كل الحتميات المزعومة في الجمع بين ( إنسانية ) التاريخ ، وحتمية الحل المقترح لمشاكل الإنسان. وبقيت فقط الحتمية الإلهية قائمة من دون جبر ولا إلجاء ( ولتفصيل البحث في ذلك مجال آخر )

وفي القرآن. شكلان من الوعد بالنصر

١ - الوعد المشروط ، وهو ما كان من قبيل :

( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )

( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤٩)

١٣٦

وهو وعد يعبّر عن قانون اجتماعي يتدخّل بموجبه الله تعالى إلى جانب الفئة المؤمنة في صراعها مع الباطل ، إذا أحسنت اختيار خطتها وصدقتها في عزمها، ونيتها.

٢ - الوعد المطلق. وهو الوعد الإلهي الذي ينص على أنّ التغيير الإسلامي الواقع باختيار الإنسان واقع لا محالة في مستقبل التاريخ

( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ) (٥٠)

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٥١)

وكل من الوعدين يجب معايشتهما ، والإحساس بهما من أجل المزيد من الدفع ، والأمل ، ومزيد من الانفتاح ، والتفاعل مع الحياة الإسلامية ، والعمل في سبيل اللّه

د - الشعور بالائتمام :

لقد ادخر الله سبحانه لعملية التغيير الشامل القائم على أساس الإسلام القائد المعصوم الإمام الثاني عشر من أهل البيتعليه‌السلام وكان من فضله تعالى أنْ أبقى الإمام حيّاً مدخراً إلى اليوم الموعود ، حياً يعيش بيننا ، ويتعرّف على أخبارنا ، ويستطلع تجاربنا ، فشلنا ، ونجاحنا ، ونحن نخوض ونواجه عملية التمحيص والاختبار ، من أجل أن يستمر الشعور بوجود القدوة في وعي الناس. ومن أجل أن يستشعر الإنسان المسلم هيمنة الإمام ، وقيادته

١٣٧

ليزداد دفعاً ، وحرصاً وإقداماً ، وشعوراً بالاتزان والسكينة : بعد أن كانت الأعمال تعرض عليه في شبه تقارير أُسبوعية يتعرّف بهاعليه‌السلام على نمو هذا وسقوط ذاك ، وتوقّف الثالث عند نقطة محدودة لا يحيد عنها

وانتظار الإمامعليه‌السلام له قيمة عملية كبيرة ، سواء في كونها قوّة دفع كبرى أم في كونها تأكيداً لتعامل الإنسان المسلم مع الغيب والإيمان به. ومن هنا ألحّت النصوص الواردة عنهمعليه‌السلام في ذلك وأكّدت على ثواب الانتظار وكونه مِن صفات المؤمنين هناك. كما أكّدت على المعنى الايجابي للانتظار نذكر منها :

عن الرضاعليه‌السلام عن آبائهعليه‌السلام قال :

قال رسول الله :

( أفضل أعمال أُمّتي انتظار فرج الله تعالى )

وعن السجّادعليه‌السلام قال : ( تمتدّ الغَيبة بوليّ الله الثاني عشَر مِن أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة من بعده ، وأنّ أهل زمان غَيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضلُ أهل كلّ زمان ؛ لأنّ الله تَعالى ذِكْره أعطاهم مِن العقول ، والأفهام والمعرفة ، ما صارت به

١٣٨

الغَيبة عندهم بمنزلة المُشاهدة ، وجعَلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدَي رسول الله بالسيف أُولئك المخلصون حقّاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين الله سرّاً ، وجهراً )

وقالعليه‌السلام : ( انتظار الفرج من أعظم الفرج )

( من ثبت على ولايتنا في غَيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد ، مثل شهداء بدر ، وأُحد )(٥٢)

وفي سبيل تربية الشعور بوجود الإمام ، والإحساس بذلك وتربية الشعور بهيمنته ، وقيادته ، وخلق روح الانتظار له والتطلّع ليومه المبارك توجد مجموعة من الأدعية ، والزيارات والشعائر ينبغي للمسلم ممارستها ، لذلك وقد ورد الكثير منها عن أهل البيتعليهم‌السلام

ويتّصل بمسألة الشعور بالائتمام والإحساس بوجود الإمام مسألة التواصل الشعوري مع الأنبياء ، والأئمةعليهم‌السلام ، ونصبهم شعورياً رموزاً ونماذج للاقتداء والاحتذاء ، والتأسّي بهم في المجالات كافّة ، وهذا معنى أكّد عليه القرآن الكريم في عملية توجيه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإعداده

ومِن هنا وردت الكثير من الآيات لحثّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الصبر كما صبر أُولو العزم ، وعلى

١٣٩

ذكرهم ، وتمثلهم الذهني

من أجل الاقتداء بهم عملياً من قبيل قوله تعالى :

( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (٥٣)

( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) (٥٤)

( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) (٥٥)

الوعي الذاتي

وللإنسان المسلم رؤى فكرية تتصّل بالذات كماله ذلك في مجال الوجود والحياة ، والتاريخ. ووعي الذات والتحسّس بالمعاني المرتبطة بها. هو الطريق الطبيعي أو الخطوة الطبيعية والتي يجب أن تضاف إلى خطوة الوعي الرسالي. و. في سبيل التنمية ، والبناء

وللوعي الذاتي. أشكال ، وعناصر :

١٤٠