نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي0%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف: الصفحات: 326
المشاهدات: 101111
تحميل: 6801

توضيحات:

نظرات حول الإعداد الروحي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 101111 / تحميل: 6801
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

- العاطفية والوجدانية بقضية الإسلام هو العاطفة الربانيّة والوجدان الديني. فلا يمكن بحال أنْ تكون العاطفة الدعوتية في شخصية الإنسان المسلم - أركز ، وأقوى من العاطفة الدينية. أو العاطفة الإلهية بحيث تحكمها وتتمكّن منها عند التزاحم والتعارض

وقد نلاحظ في واقعنا التربوي بعض النماذج التي تعكس الأمور ، وتجعل قضية الدعوة ( هدفاً ) وقضيّة الله ( وسيلة ) لا بمعنى النفاق ، والعياذ بالله. ولكن بمعنى أنّ الأصالة النفسية للدعوة والرجحان لها في كثير من موارد التزاحم والتعارض

وقد تكون الاستقامة السلوكية. وسيلة للتأثير في الناس ، وقد يفسّر في هذا الاتجاه وهو ، أنْ لا يملك الهدف الاجتماعي سوى قيمة نفسية أضعف من القيمة النفسية لله تعالى ، وفي طولها لا في عرضها - قوله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣٦)

فليس في الآية دلالة على النهي عن هداية الناس ، وأمرهم بالرشاد ؛ لأنّ الأمر بالمعروف ، والعمل في سبيل هداية الناس من شؤون هداية النفس ، فالإنسان لا يهتدي ، إلاّ إذا امتثل أوامر الله بما فيها الأمر المتعلّق بهداية الناس ، والاهتمام بشؤون المسلمين

٢٠١

وإنّما تهدف الآية - في ضوء بعض التقادير - إلى النهي عن أنْ ترتبط قلوب العاملين الإسلاميّين بالناس ، وهدايتهم بحيث تكون هداية الناس هي الأول والأخير ، والشغل الشاغل ، والمعبود من دون الله. إنّما المؤمن الرسالي حقاً هو ذلك الذي يعبد الله ولا يعبد سواه ، ويهدف بالدرجة الأولى إلى هداية نفسه ، وعبادة ال له ، وإذا كانت هداية النفس ، وعبادة الله تنتهي إلى الاهتمام بأُمور المسلمين ، والعودة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس هذا سوى ( شأن ) من شؤون هداية النفس ، وليس له شخصية مستقلة ، أو كيان خاص

٢ - والنقطة الثانية : هي أنْ لا تخرج العلاقة الوجدانية بالدعوة ، والعمل إلى مستوى يضر العمل ، ولا يخدمه. فإنّ العواطف الدعوتية قد تدعو الإنسان إلى تجاوز مصالح العمل والدعوة والإضرار بها ؛ لأنّ من طبيعة العاطفة أنْ تكون عمياء. وإنّما تكتسب رؤيتها من العقل والانتباه

والأمر كذلك بالنسبة إلى الانفعالات. فقد يؤدّي تجمد الدعوة ، وتكذيب الناس، وسخريّتهم ، وإعراضهم عن الرسالة إلى حدوث شيء من الحزن الهادئ، والألم النفسي البطيء

وهذا أمر طبيعي نتج عن الحد الأدنى المعروض من العواطف الرسالية. ولكن قد يؤدّي ذلك إلى ( الضيق ) النفسي والهلاك والإحساس بالفشل وهذا معنى مرفوض من وجهة نظر الإسلام التربوية ؛ لأنّ مثل الانفعالات التي لا يحتفظ الإنسان المسلم معها بالحد الأدنى من الانفتاح النفسي الذي تستلزمه الدعوة ، ويستلزمه الاستمرار فيها وزيادة

٢٠٢

فعاليتها وتنشيطها ، مثل هذه الانفعالات لا تكون في مصلحة العمل ، وإنّما على حسابه وعلى حساب الدعوة والرسالة خاصّة إذا أدّى مثل هذا الضيق إلى شيء من الحيف ، والانحراف والخروج عن الجادة الإسلامية من الزاوية النفسية ، والفكرية

وهذا هو الذي كان الهدي الإلهي يحول بينه ، وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في اللحظات الحرجة والأيام الصعبة. أيام التكذيب ، والسخرية ، والإعراض. أيام الغربة والجفاء والضيق ، والاضطهاد. فليس المهم أنْ لا يألم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يحزن على الناس. ولكن المهم أن لا تتطوّر هذه الحالة إلى معنى لا ينسجم مع النموذج الأمثل للشخصية الإسلامية

كان الهدي الإلهي يحول بين هذا المعنى وبين رسول الله وذاك من خلال تذكيره بالله تعالى وتحسيسه بالتصوّر الربّاني للكون ، والحياة ، وحثّه على الممارسات العبادية. وإقامة الصلاة

( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (٣٧)

( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (٣٨)

( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ ) (٣٩)

٢٠٣

والحال في انفعال الفرح والسرور عند النصر. كالحال في انفعال الحسرة والألم النفسي والضيق. عند التكذيب والسخرية والإعراض

فالسرور عند النصر أمرٌ طبيعي ومرغوب ولكن المفروض أنْ لا يتحوّل إلى فرحة نفسية غامرة تفقد الإنسان المسلم توازنه وتنسيه اللّه ، وتوهمه إمكانية الاعتماد على الذات أو تنسيه نفسه وعيوبها

( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً )

٠١٠٠ إذ تفيد هذه الآيات أنّ لحظة النصر. يحتاج الإنسان فيها إلى ذكر اللّه ، واستغفاره والتوجه إلى عيوب النفس حتى لا يطغى أو ينسى. بل حتى لا تتضررّ قضية الدعوة نتيجة لتمكن النشوة والفرح من قلوب الدعاة

الغضب الرسالي

إنّ الغضب الشخصي مرفوض في الخلق الإسلامي. أما الغضب الرسالي ، الغضب لمحارم اللّه إذا انتهكت ، ولدين اللّه إذ حُرّف ، فأمرٌ يُربّي ( عليه الإسلام )(٤٠) وهو نتيجة طبيعية للقِيم الرسالية في الشخصية الإسلامية. وإذا ما وجدْنا أنفسنا أحياناً لا نشعر بالإنكار القلبي للمنكر والغضب عليه فهذا ما يعني أنّ علينا أنْ نشحذ قوانا الانفعاليّة وننشئها على الإسلام من جديد

غير أنّ هذا الغضب. الرسالي يجب أنْ لا يخرج عملياً عن حدود الرسالة

٢٠٤

نفسها. وكثيراً ما لا يكون التصرّف الغاضب منسجماً مع مقاييس الرسالة وموافقاً لأحكامها. والجهاز الحاكم في الشخصية هو العقل الذي يحدّد الموقف الذي يستلزمه المنطق الديني ، وليس العواطف والانفعالات

والمؤمن في ميدان العمل يحتاج أكثر من غيره إلى إرادة حازمة وشخصية مستقلّة عن الأحداث والإثارات ، فيجب أنْ لا يرد إذا جُهل عليه ، ولا يثور إذا استثير وإنّما يكون حكيماً. متعقّلاً باستمرار ، وفي كل مجال

قال أبو جعفرعليه‌السلام :

( في حكمة آلِ داود : ينبغي للمسلم أنْ يكون مالكاً لنفسه ، مُقبلاً على شأنه ، عارفاً بأهل زمانه ، فاتّقوا اللّه ولا تذيعوا حديثنا )(٤١)

٠١٠٠ وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام :

( كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقيّة حزم ( الحزم ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة ) لِمَن أخَذ به ، وتحرّر من التعرّض للبلاء في الدنيا ، ومعاندة الأعداء في دولاتهم ومحاظتهم في غير تقيّة ترك أمر اللّه ، فجاملوا الناس يُسمن لكم عندهم ، ولا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم

٢٠٥

فتذلوا )(٤٢)

٠١٠٠ وليس كظم الغيظ والغضب عن العدو أمامه فقط وإنّما في كلّ أمر تقتضي فيه مصلحة الرسالة الكفّ ويقتضي فيه الغضب الحركة والاستجابة للإثارات

هذا وقد سجّل اللّه تعالى لنبيّه الكريم في القرآن قصّة ذي النون ، يونسعليه‌السلام وأمر بذكرها

( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) (٤٣)

٠١٠٠ وخلاصة القصّة وما عليها من تعليق كما في ( ظلال القرآن لسيّد قطب ) :

( أنّه أُرسل إلى قريةٍ فدعا أهلها إلى اللّه فاستعصوا عليه فضاق بهم صدراً ، وغادرهم مغاضباً ولم يصبر على معاناة الدعوة معهم ظانّاً أنّ اللّه لنْ يُضيّق عليه الأرض ، فهي فسيحة والقُرى كثيرة والأقوام متعدّدون ، وما دام هؤلاء يستعصون على الدعوة فسيوجّهه اللّه إلى قوم آخرين

ذلك معنى( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) ، وقاده غضبه الجامح وضيقه الخانق إلى شاطئ البحر ، فوجد سفينة مشحونة فركب فيها إذا كانت في اللّجة ثقلت وقال ربّانها : إنّه لا بدّ

٢٠٦

من إلقاء أحد ركّابها في البحر لينجو سائر مَن فيها من الغرق ، فساهموا فجاء السهم على يونس فالقوه أو ألقى هو نفسه فالتقمه الحوت مضيّقاً عليه أشدّ التضيق

( إنّ يونس لم يصبر على تكاليف الرسالة فضاق صدراً بالقوم وألقى عبء الدعوة ، وذهَب مغاضباً ضيق الصدر حرج النفس فأوقعه اللّه في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذّبين. وأصحاب الدعوات لا بدّ أنْ يتحمّلوا تكاليفها ، وأنْ يصبروا على التكذيب بها والإيذاء من أجلها ، وتكذيب الصادق الواثق مرير على النفس ، مرير على النفس حقّاً ، ولكنّه بعض تكاليف الرسالة ، فلا بدّ لمن يكلّفون عمل الدعوات أنْ يصبروا ويحتملوا ، ولا بدّ أنْ يُثابروا ويثبتوا ولا بدّ أنْ يكرّروا الدعوة ويبدوا فيها ويعيدوا

( إنّ مِن السهل على صاحب الدعوة أنْ يغضب ؛ لأنّ الناس لا يستحبّون لدعوته فيهجر الناس. إنّه عملٌ مريح قد يُفتِّر الغضب ويهدّئ الأعصاب ، ولكن أين هي الدعوة ؟ وما الذي عاد عليها من هجران المكذبين المعارضين ؟

إنّ الدعوة هي الأصل لا شخص الداعية ! فليضق صدره. ولكن ليكظم الغيظ ويمضِ ، وخيرٌ له أنْ يصبر فلا يضيق صدره بما يقولون

( إن الداعية أداةٌ في يد القدرة ، واللّه أرعى لدعوته وأحفظ فليؤدِ هو واجبه في كل ظرف وفي كل جو ، والبقية على اللّه والهدى هدى اللّه

( وإنّ في قضية ذي النون لدرساً لأصحاب الدعوات ينبغي أنْ يتأمّلوه ،

٢٠٧

وإنّ في رجعة ذي النون إلى ربّه واعترافه بظلمه لعبرة لأصحاب الدعوات ينبغي أنْ يتدبّروها ، وإنّ في رحمة اللّه لذي النون واستجابة دعائه المنيب في الظلمات بشرى للمؤمنين( كَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .

هوامش

___________________

(٢٥) - الوسائل مقدمات التجارة باب ٨

(٢٦) - الوسائل مقدمات التجارة باب ٧

(٢٧) - أصول الكافي ج ٢ ص ١٣٨

(٢٨) - الوسائل مقدمات التجارة باب ١٣

(٢٩) - سورة الفجر ٢٧ - ٣٠

(٣٠) - الفرقان / ٦٣

(٣١) - سورة التوبة / ١٢٠

(٣٢) - سورة البقرة / ١٥٤

(٣٣) - المعارج ١٩ - ٢١

(٣٤) - أصول الكافي ج ٢ ص ٣٠٤ - ٣٠٥

(٣٥) - أصول الكافي ج ١ ص ٣٣٣ - ٣٣٤

(٣٦) - سورة المائدة / ١٠٥

(٣٧) - سورة الحجر / ٩٧

(٣٨) - سورة النحل ١٢٧ - ١٢٨

(٣٩) - سورة الشعراء / ٣

(٤٠) - في الخبر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : ( إنّ الله بعث ملَكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فلمّا انتهيا إلى المدينة ، وجدا فيها رجلاً يدعو ، ويتضرّع

إلى أنْ قال : ( فعاد أحدهما إلى الله فقال : يا ربّ إنّي انتهيت إلى المدينة ، فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ، ويتضرّع إليك ، فقال امض كما أمرتك به فإنْ ذا رجل لم يتمعّر - أي يبدي - وجهه غيظاً لي قط ) ( الوسائل أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب ٦ )

وعن أبي جعفرعليه‌السلام : ( أوحى الله إلى شعيب النبيعليه‌السلام : ( إنّي معذّب مِن قومك مئة ألف : أربعين ألفاً من شرارهم وستّين ألفاً مِن خيارهم ، فقال : يا ربّ ، هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار ؟ فأوحى الله عزّ وجل إليه : داهنوا أهل المعاصي ، ولم يغضبوا لغضبي ) ( الوسائل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب ٨ )

وعن علي بن الحسينعليه‌السلام : ( قال : قال موسى بن عمران : يا ربّ ، مَن أُولئك الذين تظلّهم في ظلّ عرشك يوم لا ظلّ إلاّ ظلّك ؟ فأوحى الله إليه ، الطاهرة قلوبهم والبريّة أيديهم الذين يذكرون جلالي ذكر آبائهم إلى أنْ قال : ( والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلّت مثل النمر إذا جرح ) ( الوسائل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب ٨ )

(٤١) - الوسائل أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٣٤

(٤٢) - أصول الكافي ج ٢ ص ١١٩

(٤٣) - الأنبياء

٢٠٨

هوامش الفصل الثالث

(١) - أعلام الورى للطبرسي ص ٩٧ - ٩٨

(٢) - نهج البلاغة نص رقم / ٤٨ تعليق صبحي الصالح

(٣) - البقرة / ٤٨

(٤) - سورة التوبة / ٢٤

(٥ و٦) - الإرشاد للشيخ المفيد ص ٣٣٧ - ٣٣٨

(٧) - الإرشاد للشيخ المفيد ص ٣٣٨ - ٣٨٩

(٨) - أُصول الكافي ج ٢ ص ١٢٥ - ١٢٧

(٩) - اصول الكافي ج ٢ موارد متفرقة

(١٠) - سورة الحديد / ١٦

(١١) - الوسائل جهاد النفس باب ١٢ ص ١٦٧ - ١٦٨

(١٢) - الوسائل جهاد النفس باب ١٣

(١٣) - أُصول الكافي ج ٢ ص ٦٢

(١٤) - جامع السعادات ج ٣

(١٥) - الوسائل أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب ١٣

(١٦) - من المناسب هنا أنْ نشير أوّلاً إلى موقف الإسلام من الحياة الدنيا. فإنّ للإسلام ثلاثة مواقف من الدنيا : موقف نظري ، وموقف تشريعي ، وموقف أخلاقي

ويتمثّل الموقف النظري في اعتبار الحياة الدنيا مرحلة من مراحل الحياة ، وليست كل الحياة( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ) وفي كونها داراً للفتنة والمسؤولية يؤكّد فيها الإنسان ذاته واختباره بين الخير والشر( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) وفي معانيها من مالٍ ، وبنين ، ونساء. نِعماً إلهيّة تستحقّ الشكر والحمد والانفتاح النفسي ، وفي كون العامل الدنيوي عاملاً رئيسّياً محرّكاً في

التاريخ. الخ

وأمّا الموقف التشريعي : فيتمثّل في السماح ، ويحثّ على استغلال الخيرات والنِّعم الإلهيّة انطلاقاً من مفهوم الخلافة عن الله ، وفي تنظيم عملية استغلال النعمة بالشكل الذي ينسجم مع مصالح الإنسان العامّة ، ودور الإنسان كعابدٍ لله تعالى

ويتمثّل الموقف الأخلاقي في محاولة الإسلام تحرير الإنسان المسلم من الأهواء والشهوات وحبّ الدنيا

وبتقريرٍ آخر لموقف الإسلام من الدنيا : إنّ للدنيا معاني ثلاثة ، وللإسلام من كل معنى موقف

(١) - الدنيا بمعنى الحياة المحدودة للإنسان على وجه الأرض ، وينظر الإسلام إليها على أنّها مرحلة من مراحل الحياة. ومخلوقة من أجل الفتنة ، وتأكيد فعالية الإنسان في الأرض ونعمة من نعم الله

(٢) - الدنيا بمعنى الأشياء التي تقع محطّاً لأغراض الناس كالمال والبنين والنساء والقناطير المقنطرة وكذلك الأوضاع كالأمن ، والراحة ، وما شاكل ذلك وهذه معان يؤمّنها التشريع الإسلامي للإنسان ويشجّعه على تناولها والسعي لها ، وإنْ كان يقوم بعملية تنظيم تشريعية من أجل تحديد هذا السعي وتنظيمه

(٣) - الدنيا بمعنى الأهواء الباطلة ، وكل هوى غير رسالي وهذه الدنيا التي تحاول ( الأخلاق ) الإسلامية تطهير وجدان المسلم وتأمره بالإعراض عنها

(١٧) - الوسائل جهاد النفس باب ٦٥ ص ٣١٩

(١٨) - أصول الكافي ج ٢ ص ٣٢٠

(١٩) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢١٥

(٢٠) - الوسائل جهاد النفس باب ٦٢ ص ٣١٣

(٢١) - سورة الحديد / ٢٣

٢٠٩

(٢٢) - أصول الكافي ج ٢ ص ٤٢٢ - ٤٢٣

(٢٣) - تحف العقول ص ٢٧٥

(٢٤) - سورة الحديد / ٢٨

(٢٥) - الوسائل مقدمات التجارة باب ٨

(٢٦) - الوسائل مقدمات التجارة باب ٧

(٢٧) - أصول الكافي ج ٢ ص ١٣٨

(٢٨) - الوسائل مقدمات التجارة باب ١٣

(٢٩) - سورة الفجر ٢٧ - ٣٠

(٣٠) - الفرقان / ٦٣

(٣١) - سورة التوبة / ١٢٠

(٣٢) - سورة البقرة / ١٥٤

(٣٣) - المعارج ١٩ - ٢١

(٣٤) - أصول الكافي ج ٢ ص ٣٠٤ - ٣٠٥

(٣٥) - أصول الكافي ج ١ ص ٣٣٣ - ٣٣٤

(٣٦) - سورة المائدة / ١٠٥

(٣٧) - سورة الحجر / ٩٧

(٣٨) - سورة النحل ١٢٧ - ١٢٨

(٣٩) - سورة الشعراء / ٣

(٤٠) - في الخبر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : ( إنّ الله بعث ملَكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فلمّا انتهيا إلى المدينة ، وجدا فيها رجلاً يدعو ، ويتضرّع .إلى أنْ قال : ( فعاد أحدهما إلى الله فقال : يا ربّ إنّي انتهيت إلى المدينة ، فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ، ويتضرّع إليك ، فقال امض كما أمرتك به فإنْ ذا رجل لم يتمعّر - أي يبدي - وجهه غيظاً لي قط ) ( الوسائل أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب ٦ ) .وعن أبي جعفرعليه‌السلام : ( أوحى الله إلى شعيب النبيعليه‌السلام : ( إنّي معذّب مِن قومك مئة ألف : أربعين ألفاً من شرارهم وستّين ألفاً مِن خيارهم ، فقال : يا ربّ ، هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار ؟ فأوحى الله عزّ وجل إليه : داهنوا أهل المعاصي ، ولم يغضبوا لغضبي ) ( الوسائل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب ٨ ) .وعن علي بن الحسينعليه‌السلام : ( قال : قال موسى بن عمران : يا ربّ ، مَن أُولئك الذين تظلّهم في ظلّ عرشك يوم لا ظلّ إلاّ ظلّك ؟ فأوحى الله إليه ، الطاهرة قلوبهم والبريّة أيديهم الذين يذكرون جلالي ذكر آبائهم إلى أنْ قال : ( والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلّت مثل النمر إذا جرح ) ( الوسائل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب ٨ )

(٤١) - الوسائل أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٣٤

(٤٢) - أصول الكافي ج ٢ ص ١١٩

(٤٣) - الأنبياء

الفصل الرابع :

العبودية

( الإرادة الحازمة والعمل الخالص )

٢١٠

الإرادة الربّانية محور مركزي في الشخصية الإسلامية :

قد نطلق كلمة ( الإرادة ) ونقصد بها الاختيار ، وإعمال القدرة في ترجيح جانب الفعل أو جانب الترك ، فنقول : إنّ فلاناً أراد كذا ، ولم يرد كذا. وقد نطلق كلمة ( الإرادة ) ونريد بها الشوق إلى الفعل ، أو بعضه بالنسبة إلى تركه فيقول الأصولي ، أنّ منا مبادئ الحكم. الملاك والإرادة. وقد نطلقها ونريد بها الجهاز الحاكم في الشخصية الذي يسيطر على رغبات النفس، فيمنع من بعض الأفعال ، ويلزم بالبعض الآخر. ومن هنا يُقال : أنّ إرادة فلان ضعيفة بمعنى ، أنّه منساق مع رغباته وليس لديه القدرة على التحكّم فيها ، وإرادة فلان قويّة بمعنى أنّ لديه قدرة كافية على التحكّم في الأهواء ، والرغبات الشائعة الآنية. وهذا هو المقصود

ويتلخّص هذا الجانب في شخصية الإنسان المسلم في ( حلول الإرادة الربانية محلّ الإرادة الشخصية ) بحيث تكون إرادة المسلم ، وجهازه الحاكم في شخصيته ممتثّلاً لإرادة الله تعالى ، الإرادة التشريعية بالطبع(١) ومنسجماً معها ولهذه الإرادة التي تشكّل العنصر الثالث البارز في الشخصية الإسلامية - مضافاً إلى عنصري الإيمان ، والحب - حيثيات ، وجهات ثلاث :

١ - القدرة على التحكم في الأهواء ، والشهوات ، والسيطرة عليها ، ومخالفتها ، والإرادة من هذه الجهة تسمّى بـ ( الصبر )

٢١١

( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان )

٢ - انسجام هذه الإرادة ، وتوافقها مع الإرادة الربانية التشريعية. وتسمى الإرادة بهذا اللحاظ بـ ( الطاعة ) أو ( الالتزام)

( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (النساء / ١٤)

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ )

٣ - انبعاث الإرادة الشخصية عن الإرادة الإلهية أو عن دافع ديني عام وهذا هو ( الإخلاص )

( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )

وسندرس هذه الجوانب الثلاثة إن شاء الله. وندرس معها أيضاً. قضية ( التعقّل ) في السلوك بوصفه بُعداً آخر للإرادة المُسلمة. وقضية

٢١٢

( التوكّل ) بصفة عملية تعزيز لإرادة المواجهة والإقدام في شخصية المسلم

والشخصية الإسلامية. باعتبار تمكّن الإرادة الربّانية فيها. تخرج في سلوكها ، ومواقفها من دائرة السلوك الفطري الشهوي إلى دائرة السلوك الهادف ، والملتزم. ومن دائرة السلوك الفوضوي المزدوج إلى النظام ، والوحدة والتماسك. ومن دائرة السلوك الأناني الذاتي. إلى دائرة السلوك الغيري ، الأخلاقي

وبهذا يتجلّى الفرق من هذه الناحية بين الشخصية العادية ، وتصرّفاتها الجاهلية التي لم يتمكّن فيها الإيمان الجاهلي

ولم يدخل الإيمان في وجدانها وقلبها ، وبين الشخصية الإسلامية

(*) الشخصية الجاهلية تعيش على شهواتها ، وغرائزها الفطرية المصاغة بصيغة اجتماعية مادية. وبهذا تكون لديها الغرائز ( طاقة ) و( دافعاً ) و( غاية ) أمّا في الشخصية الإسلامية فالغرائز لا تكون في العموم سوى طاقة نفسية ، ولكنّها طاقة تُستخدم في غايات أسمى ، ولخدمة هدف أخلاقي معيّن ، وانسجاماً مع خطٍ رسالي خاص ، وهذا معنى خروج الشخصية الإسلامية من دائرة الفطرية والشهوة إلى دائرة الالتزام والهدفية

(*) والإنسان له شهوات متعدّدة ، وغرائز مختلفة وميول متباينة - نابعة من الغرائز ، والشهوات الفطرية والشخصية الجاهلية لا تملك ( المحور المركزي والقيادة المركزية التي تُنسّق بين هذه الشهوات والغرائز والميول ، وبذلك فهي تُعاني من الفوضى والتعدّد ، والازدواج والاضطراب

٢١٣

النفسي. أمّا الشخصية الإسلامية فهي على العكس ، تمتلك هذا المحور المركزي ، متمثّلاً في الإرادة الربّانية ، والحس الأخلاقي المتعلّق بالله تعالى ، وهي بذلك تحقّق ( وحدة ) الشخصية ، وانسجام طاقاتها ، وتلاحمها لخدمة هدف معيّن. وهذا معنى خروج الشخصية الإسلامية من دائرة السلوك الفوضوي المزدوج إلى النظام ، والوحدة والتماسك الذاتي

(*) - والشخصية الجاهلية - التي تنتمي إلى الحضارة الجاهلية في أي وقت ، وأي مكان - شخصية أنانية لا تعمل لسوى ذاتها ، ولا تخدم غير أغراضها الشخصية والشخصية الإسلامية شخصية أخلاقية تسعى إلى مثل أخلاقي أعلى يحقّق للمجتمع مصلحته في الوقت الذي يحقّق فيه للفرد مصالحه الشخصية

الشخصية الإسلامية والشخصية المزدوجة

إذن فالشخصية الإسلامية هي التي تشكل الإرادة الربانية فيها المحور المركزي ، والجهاز الحاكم الذي ينظم لها عملياتها السلوكية ، ومواقفها في الحياة. وتصرفاته الخاصة في الأسرة والمجتمع

ولا توجد إرادة أخرى تفوق ، أو تساوي ، أو تقارب هذه الإرادة الربانية فيها. وفي مقابل ذلك نجد في واقعنا. ما يمكن تسميته بـ ( الشخصية المزدوجة ) من الناحية الدينية. والازدواج في الشخصية من الناحية الدينية هو تشتّت قواها ، واتجاه الدوافع المتقاربة في القوّة إلى

٢١٤

العمل في اتجاهات متعاكسة ، أو هو بكلمة ، عدم تمكّن ( الإرادة الربانية ) من السيطرة الكاملة على الشخصية

والتحكّم الكامل في قواها ، ودوافعها. ونلاحظ عند بعض الناس المسلمين أنّهم يعملون الخيرات ويخلصون للّه تعالى. وأحياناً كثيرة مساوية أو مقاربة يعملون لذواتهم ومراكزهم وجاههم ، حتى لو خالفوا بذلك إرادة الله عزّ وجل

والازدواج على قسمين :

(١) - الازدواج الفكري. وهو الصدور فكرياً عن منابع ثقافية مختلفة ورؤى مذهبية متناقضة ، فتراه مرة يفكر بطريقة الإسلام في التفكير ، ويتحدّث بلغته ، ويتبنّى مفاهيمه وأخرى يفكّر بطريقة التفكير الغربي ، ويتبنّى الكثير من مفاهيم الحضارة الغربية ، وقيمها مع تغليفها بالغلاف الإسلامي وهو لا يشعر بذلك. وسنتناول هذا النحو من الازدواج في الجزء الثاني أنْ شاء اللّه تعالى

(٢) - الازدواج النفسي والسلوكي. وهو وجود عوامل ، ودوافع نفسية متناقضة الاتجاه متقاربة المستوى والدرجة ، بحيث لم يتضاءل أحدها مقابل الآخر ، فهو صاحب مركز يفكر ، ويسعى إلى تكوين مركز اجتماعي ، أو ثقافي مرموق ويحبّ الظهور في هذا المجال ، وذاك. وصاحب دين يخشى الله، ويعمل له. وهذا الازدواج ما يمكن أنْ نسميه بالشرك في العبادة ؛ لأنّ هذا الإنسان له معبودان. أحدهما الله والآخر هو الهوى. ومن الممكن إنْ نسمّي الازدواج الأول بـ ( الشرك الثقافي ) ونعمّم هذين الشركين إلى الشرك في الذات ( الإيمان بتعدّد الآلهة ) والشرك في الصفات

٢١٥

( الإيمان بمفارقة الصفات الإلهية للذات المقدّسة )

الازدواج والنفاق

والفرق على هذا الأساس بين الازدواج ، والنفاق واضح ؛ وذلك لأنّ المنافق ليس مزدوج الشخصية بين الكفر والإسلام، لا مِن جهة عقائدية ، ولا من جهة ثقافية ، ولا من جهة نفسية سلوكية. وإنّما هو كافر خالص يعلن إيمانه زوراً ومنافاة

( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) (٢)

( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) (٣)

وأمّا الإنسان المزدوج فهذا الذي تعيش في نفسه قوى متصارعة ليس لأحدها الغلبة على الأُخرى. هو هذا الإنسان الذي ساعة لربّه وأخرى لقلبه ، ويُمارس في الساعة التي لقلبه ألواناً من الفجور ، والمحارم والشبهات. هو هذا الإنسان ذو العاطفة الدينية التي تستنفر في لحظات خاصّة

الازدواج الصريح والازدواج الخفي

وفي حياتنا الدينية نجد ازدواجاً صريحاً كالذي ذكرناه يعترف فيه

٢١٦

الإنسان ، بأنّ هذا شيء يختلف عن ذاك ، وإنّه مرّة يعمل لدينه ، وأخرى يعمل لشياطينه. ويمكن للإنسان من الخارج أنْ يكتشفه ويحكم عليه. وإلى جانب هذا هناك ازدواج آخر. ازدواج خفي. يظهر فيه الإنسان متديّناً في كلّ شيء. وهو في حقيقة أمره منشطر الذات إلى شخصيتين شخصية متديّنة ، وأخرى منحرفة. ويتم هذا عن طريق إرضاء كل من الجانب الشخصي الذاتي والجانب الديني ، والتوفيق الشكلي المظهري فيما بينهما.

لنأخذ على ذلك مثلاً

ناس متقاعسون كالذين ذكروا في الرواية عن أبي جعفرعليه‌السلام : ( يكون في آخر الزمان قومٌ ينبع فيهم قوم مراؤون. ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها ، كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) همّ هؤلاء أنْ يحافظوا على دينهم في الإطار الذي يحفظ أموالهم وأنفسهم ، وإذا خرج الأمر عن هذه الحدود لم يلزموا أنفسهم بعد بالدين. ولكن كيف ترى يترك هؤلاء واجب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ؟! هل يتركونه مع إعلانهم بأنّ هذه ساعة من ساعات القلب وللرب ساعات أخرى ؟! أبداً. إنّما يقومون بعملية تبرير. أمّا عن طريق تحريف أحكام الله ، وتشويه نظرية الإسلام في ميدان من أهمّ ميادينه ، وأشرف فرائضه

أو عن طريق تحريف الواقع وتقديم ( الأعذار )

( وسائل - أبواب الأمر والنهى - ب ١٠ )

ومثال آخر

٢١٧

هذا الذي يظهر بمظهر ديني. ويخفي في ذاته ما الله مبديه من حبّ المال ، والمركز والجاه. ماذا تراه يصنع عندما ( يجمع ) مِن أموال الله تعالى ، وحقوق الأمّة من أجل أنْ يبني المسكن الواسع ، ويقتني الدابة الفارهة ، أو عندما يسعى لتأكيد ذاته ، والظهور من أجل الظهور ؟! إنّ ما يقدّمه في هذا الميدان ، هو أنْ المسكن ضروري للخدمة والدابة الفارهة تحفظ حرمته ومكانته ، لا باعتباره الشخصي وإنّما ( باعتباره النوعي ) وتأكيد شخصيته إنّما هو من أجل تأكيد أفكاره الدينية. إلى آخر ما يلقي الشيطان في روعه من التبريرات والتزييفات أعاذنا الله تعالى من كلّ ذلك

فعن طريق الخداع ، خداع الذات والتبرير يستطيع أنْ يقضي هذا الإنسان على الصراع النفسي بين قوّتين نفسيتين ، ودافعين متقاربين في درجة التأصّل في النفس إذ تتحايل إحدى القوتين ، وهي هنا القوّة الشهوية على القوة الأخرى ، وتحقّق له راحة التوافق ، والانسجام الداخلي وتجنبه آلام الصراع والتناحر الذاتي

كيف تتحقّق الحاكمية العامّة للإرادة الربّانية ؟

تكوّن الجهاز المركزي الحاكم في الشخصية الإسلامية وهو الجهاز المؤلّف من الصبر والطاعة ، والإخلاص. أي من الإرادة الربّانية ، يتم عندما يتحقّق الشرطان التاليان :

(١) - قوة الدافع الديني في الشخصية. وكونه أقوى الدوافع وأصلها في النفس ، والدافع الديني هو العواطف ، والأحاسيس الدينية في النفس كحب الله ، وخوفه ورجائه والتطلع إلى ثوابه الجزيل. والمحاسبة

٢١٨

الأخلاقية الحاكمة بوجوب طاعة الله في النفس. وهكذا

(٢) - الوعي الذاتي ، ومعرفة حيَل النفس ، وأساليبها في الدفاع ، والخداع. وليس يكفي لحكومة الدين على شخصية الإنسان أنْ يكون أقوى الدوافع ، وأثبتها في النفس ؛ لأنّ من الممكن مع هذا أنْ يؤثّر دافع دنيوي شهوي تأثيراً بالغاً في النفس حتّى على حساب الدين ، ولكن من خلال خداع الضمير الديني. وخداع النفس.

الالتزام العملي بخط الإسلام في الحياة ( الطاعة )

نأخذ الإرادة الربانية في شخصية الإنسان المسلم من المظهر الخارجي. وهو الاستقامة السلوكية على خط الإسلام في الحياة. وموافقة الشريعة. وعدم مخالفتها في واجب ، أو حرام كحدٍّ أدنى. ثمّ البناء على أداء المستحبّات ، واجتناب المكروهات كحدٍّ أعلى للسلوك ، ويسمّى هذا بـ ( الطاعة ) و( الالتزام ) أو ( الاستقامة )

(١) - والطاعة لله تعالى في أحكامه الإلزامية. واجبة بحكم العقول التي تقرّر أنّ الله تعالى بحكم كونه خالقاً للإنسان مُوجِداً له منعماً عليه ، له حقّ الطاعة على عباده. وحق الانسجام مع شريعته أوامر ، ونواه. وتحكيمها في السلوك

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (٤)

فالطاعة لله تعالى - بالاستقامة على خط رسالته ودينه. ومتابعة أوامره

٢١٩

ونواهيه - عمل أخلاقي يقوم على أساس هذا الحق ، الذي يدركه العقل ببداهته ، وسجيته

(٢) - وطاعة الله تعالى هي الأساس السلوكي الذي يرجو به الإنسان غداً - في اليوم الآخر - التخلّص من العقاب ، وتحصيل الأجر الإلهي بخلاف المعصية التي هي تعدٍ لحدود اللّه وطريق لدخول اللّه

( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (٥)

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (٦)

( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (٧)

(٣) - والطاعة. أو الالتزام بالخط العملي للإسلام في الحياة يعتبر جزءاً ضرورياً متمّماً للشخصية الإسلامية ، فلا يمكن أنْ تكون الشخصية الإسلامية كاملة من دون الطاعة ، والالتزام الجدي بخط الله. بل لا يمكن أنْ تكمل العناصر الأخرى من دون الطاعة ؛ وذلك لأنّ للمعاصي آثاراً

٢٢٠