نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي0%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف: الصفحات: 326
المشاهدات: 101051
تحميل: 6801

توضيحات:

نظرات حول الإعداد الروحي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 101051 / تحميل: 6801
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نوى ، فمَن غزى ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزّ وجل ، ومَن غزى يريد عرض الدنيا ، أو نوى عقالاً لم يكن له إلاّ ما نوى )

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( اخشوا الله خشية ليست بتقدير ، واعملوا لله في غير رياء ، ولا سمعة فإنّ من عمل لغير الله ، وكله الله إلى عمله يوم القيامة )

عن عليّعليه‌السلام :

( إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به ، فإذا صعد بحسناته يقول الله عزّ وجل ، اجعلوها في سجّين ، إنّه ليس إيّاي أراد به )

عن الصادق عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( اجعلوا أمركم هذا لله ، ولا تجعلوه للناس ، فإنّ ما كان لله فهو لله ، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله )

(عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

ولا شك أنّ كثيراً مِن الانجازات العظمى التي يهلّل لها في تاريخ

٢٦١

الإسلام، والمسلمين ( إدخال بلاد في سيادة الإسلام - كتاب شامخ من الكتب الإسلامية .) قد لا يحصل أصحابها من ورائها غداً على شيء ؛ لأنّهم أرادوا بها حطام الدنيا ، وغفلوا فيها عن الله ويعرض القرآن الكريم صورة حيّة لنبيّين كريمين ، وهما يقومان بإرساء قواعد إنجاز من أعظم الانجازات في التاريخ الديني للإنسان النبيان الكريمان هما إبراهيم وإسماعيل ، والصورة :

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) (٣٨)

إنّهما وهما النبيّان الكريمان على الله. وانجازهما من أعظم الانجازات يتضرّعان إلى الله. ويمدّان بطرفهما إلى السماء. ويخشعان. ويدمعان. ربّنا تقبل منا. يقولان ذلك في وعي عميق في أنّ كل إنجاز لا قيمة له في ذاته ما لم يتقبّله الله. ولا يتقبّله سبحانه إلاّ مِن المتّقين المخلصين

ولا تتمثّل قيمة الإخلاص في ( قبول ) العمل ، والإنابة عليه فقط ، وإنْ كانت هذه قيمة كبيرة محسوبة من جانب الإنسان المسلم ، وإنّما تتمثّل قيمته مضافاً إلى ذلك في مستوى الشخصية الذي بلغته. في التجرّد عن الأهواء ، ودواعي السمعة والرياء ، والتظاهر أمام الناس ، أو السعي وراء طموحات شخصية. إنّ الشخصية التي تعمل فيها ( دوافع ) أُخرى غير دينية لا يأمن منها الانحراف ، والخروج عن حدود الشريعة وتقديم الحسابات

٢٦٢

الشخصية على الحسابات الرسالية في لحظات الترجيح والتزاحم الحاسمة ، وهي مهما بلغت من مستوى الأداء ، والانجاز ، وحجم الخدمات غير مضمونة الاستقامة والاستمرار على خط الله تعالى. بما يحصل فيه من أشواك ومكاره ، وما يحفّه من شهوات ، وأهواء عصمنا الله تعالى من الزلل والرياء

( اللهم احملنا في سفن نجاتك ، ومتعنا بلذيذ مناجاتك وأوردنا حياض حبّك ، وأذقنا حلاوة ودك ، وقربك ، واجعل جهادنا فيك ، وهمنا في طاعتك ، وأخلص نيّاتنا في معاملتك فإنّا بك ولك ، ولا وسيلة لنا إليك إلاّ أنت )

هوامش

____________________

(٣٨) - سورة البقرة / ١٢٧

صعوبة الإخلاص لله تعالى

يوجد الكثير من المؤمنين من يشغله الجهاد ، والعمل في سبيل خدمة قضية الإسلام عن التأكيد من مضمون عمله وطبيعة نيته ، ودافعه. وقد لا يستسيغ المؤمن أنْ يراجع ذاته ، وينفق الوقت في ذلك ليتحقّق من درجة إخلاصه ومستوى نموّه الروحي. إلاّ أنّ الواقع إنّ مواصلة الجهاد والعمل في سبيل الله تعالى ، والاهتمام بشؤون الناس وهدايتهم ، وإنْ كان أمراً ضرورياً ، وواجباً شرعياً إلاّ أنّ التركيز ، وتحصين الذات من الانحراف والتنمية الروحية أيضاً من الأمور المهمة ، والضرورية التي لا ينبغي إغفالها. هذا مع أنّ مراجعة الذات ، والتربية الروحية لا تتنافى مع العمل في سبيل الله ، ولا هذا بالذي يشغل عن ذاك ، والاعتكاف أروع صيغة

٢٦٣

للعزلة الواعية التي يؤمن بها الإسلام ويدعو لها ويحث عليها. وهي كما تساعد على والانشداد إلى الله تعالى تساعد كذلك على مراجعة الذات وتقييمها والتعرّف على مواطن الضعف والقوّة فيها بعيداً عن ضوضاء العمل الاجتماعي ، والانشغال بالناس ومعهم

ويوجد من جهة أخرى من يحسب أنّه في قمّة الإخلاص. لأنّه لا يطلب من وراء عمله مالاً ، ولا منصباً حكوميّاً. وأنّه لو أراد ذلك فطريقه معروف ، ولم يكن من الضروري أو اللازم أنْ يسلك طريق الجهاد والعمل الدؤوب. ولكن الإنسان أعقد من ذلك ، ودوافعه الذاتية لا تنحصر في المال ، والمنصب الحكومي

ولكل إنسان مخاطبوه والبيئة التي يتعامل معها وللإنسان أهواء معنوية كما له أهواء مادية. فهناك من يحب أنْ يظهر. وهناك من يسعى نحو الجاه ، والمركز في قلوب الناس. والرياء - كما في الحديث - أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ؛ لأنّ حب الدنيا متمكّن من قلوب الناس. وتساميهم عليها ، وتوجههم إلى الله من الأمور الصعبة. ورغم كلّ ذلك فالإخلاص ليس مستحيلاً ولا بعيد المنال ، يوفق الله تعالى له من يبذل الجهد ويصدق النية في محاولة التنمية الروحية ، والتربية الدينية والتصاعد إلى الله ، فلا ينبغي أنْ تكون صعوبة الإخلاص حاجزاً دون السعي إليه. والتنصّل منها

وللمؤمن مجالات عديدة لشحذ إخلاصه، وتنمية دوافعه الدينية. عاشر الناس. وعش انحرافهم. وتحسّس به ، وانطلق في عملك غاضباً لله. علّم نفسك على عبادة السر صلاة السر. وتسبيح السر. وصدقة السر ولا تحدّث بذلك الناس. فإنّ ذلك تثبيت للصلة بالله تعالى

٢٦٤

وتنمية ، وقطعاً لعلاقة القلب بالناس. عش مفاهيمك في الحياة من خلال تلاوة القرآن ، الدعاء الإسلامي ، قراءة الكتب الأخلاقية ففي كلّ ذلك وأمثالها شحذ للهمم ودوافع الخير ، والحياة النفسية مع الله.

شمول العبادة وسعة الإخلاص

إذا انحصرت العبادات بالمعنى الخاص - المطلوبات التي يشترط فيها قصد القربة - في دائرة محدودة هي الصلاة ، والصوم، والحج ، والاعتكاف. الخ ، فإنّ هناك مجالاً كبيراً لتوسيع الفعل العبادي بحيث يشمل الكثير من الأفعال ، والمطلوبات الشرعية التوصيلية. بل ، وكل مطلوب كذلك ؛ لأنّ هذه المطلوبات وإنْ كان لا يشترط الله سبحانه أنْ يأتي بها عن طريق قصد القربة ، ولا يلزمنا بذلك إلاّ من الممكن أنْ نجعلها عبادة ، ونقصد بها وجه الله الكريم. خذ مثلاً الأكل ، والشرب ، التوسعة على الأهل ، اللقاء مع الأصدقاء. وغير ذلك ممّا هو مطلوب شرعاً بنحو من إنجاز المطلب الشرعي ، فإنّ بالإمكان أنْ ننوي بكلّ ذلك التقرّب إلى الله تعالى. ونرجو من خلاله الأجر ، والثواب

وفي الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصية لأبي ذر :

( يا أبا ذر ليكن لك في كلّ شيء نية ، حتى في النوم والأكل )

التوكّل تعزيز لإرادة المسلم

في القرآن الكريم اهتمام كبير بالتوكّل والحث عليه

٢٦٥

فالتوكّل في القرآن الكريم ظاهرة عامّة في سلوك الأنبياء :

( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٣٩)

وهو ضرورة من ضرورات الإيمان ، ولازمة من لوازمه. كما يبدو ذلك في القرآن الكريم :

( إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) (٤٠)

( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤١)

وهو معنى من المعاني التي ينشئ القرآن الكريم عليها النبي ويربيه

( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) (٤٢)

( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٤٣)

٢٦٦

ويحث عليه المؤمنين :

( وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤٤)

( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا ) (٤٥)

التوكّل تعزيز لإرادة المسلم

في القرآن الكريم اهتمام كبير بالتوكّل والحث عليه

٢٦٧

فالتوكّل في القرآن الكريم ظاهرة عامّة في سلوك الأنبياء :

( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٣٩)

وهو ضرورة من ضرورات الإيمان ، ولازمة من لوازمه. كما يبدو ذلك في القرآن الكريم :

( إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) (٤٠)

( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤١)

وهو معنى من المعاني التي ينشئ القرآن الكريم عليها النبي ويربيه

( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) (٤٢)

( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٤٣)

٢٦٨

ويحث عليه المؤمنين :

( وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤٤)

( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا ) (٤٥)

فإذا عزمت فتوكّل

وجل موارد التوكّل تأتي لشيء آخر هو تعزيز إرادة الصمود في وجه تحدّيات الكفر والضلال. وتعزيز إرادة الأقوام في اللحظات الحرجة. وهو لهذا داعية للعمل ، وباعث عليه وليس مثبطاً عنه ، أو تفويضاً عنه ، وبديلاً

(أ) - تعزيز إرادة الصمود في وجه التحديات :

(*) -( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ

٢٦٩

فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) (٤٨)

(*) -( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٤٩)

(*) -( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (٥٠)

(*) -( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٥١)

٢٧٠

في هذه الآيات المباركات تبدو واضحة قيمة التوكّل في تعزيز إرادة الصمود ، والصبر في المحنة ، والبلاء. والثبات على الاستقامة فنوحعليه‌السلام يستهين بملة الكفر على ضخامة الحجم ، وشراسة المواجهة ؛ لأنّه توكّل على الله. والمؤمنون عندما يقول لهم الناس : إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. لا يخشونهم وإنّما يزدادون إيماناً. ويحتسبون الأمر عند الله وعليه يتوكّلون. وموسىعليه‌السلام يغذي قومه في الأيام الصعبة بالتوكّل ، لان التوكل زاد الصامدين الصابرين ، وهكذا الرسل يصبرون على الأذى ، والتكذيب بمعونة التوكّل والاحتساب

من أين جاءت هذه القيمة العملية الكبرى للتوكّل. وكيف يتاح للتوكل أنْ يعزز فينا إرادة الصمود، والقدرة على المواجهة؟!

هذه القيمة العملية للتوكّل تنبع في حقيقة الأمر من تفويض العنصر غير الاختياري إلى الله ، فأنت تقوم بدورك ، وتنتهي مهمتك وما تبقّى على الله تفوضه إلى الله وحده. بعد أنْ تحذر من الوقوع في الخطأ ، والتهور، وتجاهد قدر ما تستطيع. بعد هذا لن تبقى قلقاً على ما تبقّى. فأنت لا يهمّك ما تبقى لا يهمك إنْ قتلت أو مت أو عُذبت. لأنّك قد جعلت هذا بعين الله ، ووكلت الأمر إليه. يقرّر ما يشاء ويفعل ما يشاء ، وليس لك سوى الرضا ، والقناعة

(ب) - تعزيز إرادة الإقدام :

( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ

٢٧١

يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )(٥٢)

( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْما جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٥٣)

بينما كان التوكّل في الآيات السابقة تعزيزاً لإرادة الصمود للصبر ، للثبات والاستقامة، رغم الضغوط والتحدّيات ، فإنّه في هاتين الآيتين يقوم بدور المعزّز لإرادة الإقدام. والفعل. للإرادة المؤمنة الهجومية ، التي تفتح على الجبّارين معاقلهم ، وتلقنهم الدروس في عقر ديارهم والحصون التي يحتمون بها من إرادة الله.!

وفي كلّ مشروع في الحياة العملية يستهدف بعض النتائج توجد أسباب اختيارية ، وأسباب خارج دائرة هذا الفرد أو ذاك، والإنسان كثيراً ما يتردّد ، أو يضعف وتضعف ثقته بنفسه وأدائه ، لتوقّعه دخول عناصر ليست بالحسبان تنتهي إلى فشل المشروع المذكور

والتوكّل يعالج هذه النقطة فأنت عليك أنْ تؤدّي ما باختيارك وأوكل

٢٧٢

ما ليس بالاختيار إلى الله تعالى. واستمدّ العون منه. وادعه أنْ يتمّم عملك ، يكمله لك.

الاتكالية الاعتماد على الذات. التوكّل

الاتكالية هي أنْ تنفض يدك وتسحب نفسك من معركة العيش ، ومعركة الإصلاح والتغيير ؛ لأنّك تفوض الله في هذه العملية وتستنيبه في التصرّف تماماً كما يفعل الموكّل مع الوكيل في عقد الوكالة. والاتكالية انحراف في الفكر والسلوك ؛ لأنّ قاعدة ( أعقل وتوكّل ) أي قم بما عليك ، وأوكل الباقي إلى الله. هي القاعدة السلوكية المعمول بها عند المسلم ، وليست قاعدة

( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا )

والاعتماد على الذات ، هو أن يقوم الإنسان وحده ، من دون أنْ يتوكّل على الله تعالى ، ويتطّلع إلى نصره ، ومساندته. وهو شعبة من شعب القطيعة مع الله. يرهق بها الإنسان نفسه بعبء المسيرة ، ومسؤولية الحياة. ثمّ لا يجد له ولياً ولا نصيراً. والإنسان الذي يقطع صلته النفسية بالله. ويتمرّد على ربّه جلّ وعلا بين اثنتين : بين صيغة الإنسان الضائع المشتت القلق المرهق. وصيغة الإنسان الذي يطغى. ويفاجئ الناس بأنّه ( ربّهم الأعلى ) وحتى هذا الإنسان ينطلق في ذلك من عقد الحقارة والنقص ، والشعور بالحاجة الذي يحاول أنْ يتغلّب عليه من خلال الخلع الكاذب المزعوم لصفات الإله على الذات.

٢٧٣

والتوكّل صورة بين اثنتين بين الاتكالية ، والاعتماد على الذات تتجاوز سلبيات كل منهما. وتحقّق في معنى إبداعي جديد صيغة الحياة الرائدة. المطمئنة في الحياة.

التوكّل والتخطيط

(١) - عرفنا أنْ التوكّل لا يعني نفض اليد من الالتزامات وأنّ أداءها ، ويبني الثقة بالذات ، والقدرة على الصمود والإقدام. وهو على هذا ( استعانة ) بالله ، وليس استنابة له في التصرّف. والاستعانة بالله تفترض أنّ الفعل فعل الإنسان ودور الله تعالى دور المساند والمعزّز والمعين

(٢) - والسؤال الآن : هل يتنافى التخطيط مع التوكّل ؟

أبداً. لأنّ التوكّل كما عرفنا استعانة بالله تعالى وليس اتكالية كسولة. والتخطيط في حقيقة أمره. اختيار الخطوات المناسبة التي من شأنها أنْ توصل إلى هدف معيّن

والبحث عن الخطوة المناسبة إلى هدف معيّن مثله ، مثل الخطوة ذاتها لا يتنافى مع التوكّل

الدخول إلى الأرض المقدّسة كان هدفاً فكيف حاول التوصّل إليه الرجلان اللذان يخافان أنعم الله عليهما ؟! كان ذلك عن طريق ( التخطيط + التوكّل )

( ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ )

٢٧٤

وهذا عين التخطيط ، وقمّة التخطيط ، وعلى الله فتوكّلوا إنْ كنتم مؤمنين

وفي المثال الساذج المعروف ، كيف يستطيع الإعرابي أنْ يحفظ بعيره ، قد يفهم الإعرابي التوكّل فهماً خاطئاً فيتصوّر أنْ حفظ البعير بالتوكّل وحده ، وبإيكال حفظه إلى الله ، غير أنّ الذي فهمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له ، هو ( اعقل وتوكّل ) وعقل البعير صورة بسيطة لعملية تخطيطية واضحة.

التعقّل بُعد آخر للإرادة المسلمة

عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( إنّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا رسول الله ، أوصني

فقال له : ( فهل أنت مُستوصِ إنْ أنا أوصيتك ؟ ) ، حتى قال له ذلك ثلاثاً ، وفي كلّها يقول الرجل : نعم يا رسول الله

فقال له رسول الله :

( فإنّي أوصيك إذا هممتَ بأمرٍ فتدبّر عاقبته ، فإنْ يك رُشداً فامضه ، وإنْ يك غيّاً فانته عنه )

للإرادة الربانية بُعدان آخران :

(١) - التعقّل. وهو التفكير المسبق في كل فعل قبل وقوعه ، ودراسة ما ، إذا كان من الصحيح فعله أولاً

وهذا هو الذي يوصي به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث المذكور. فيقوم التعقل على أساس :

( إذا همَمت بأمرٍ فتدبر عاقبته فإن يك

٢٧٥

رشداً فامضه ، وإنْ يك غياً فانته عنه )

ويعني ذلك بالتالي عدم الاعتماد على العواطف ، والانفعالات والحماس الآني وعدم التسرّع في الموقف ، والإجراءات

(٢) - التخطيط ، والتنظيم. ويقوم على أساس تحديد الخطوات وتعيين المراحل ، والإجراءات اللازمة للوصول إلى النتيجة الفعلية ، أو الهدف المعين الذي يقوم عليها ، والعمل وفق ذلك بالدقة التامّة. وهذا شأن من شؤون الحكمة التي أمر الله تعالى بها رسوله ، والمؤمنين

( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )

تعقّل بلا إرادة وإرادة بلا تعقّل

نلاحظ - كما في كثير من المجالات - وجود إفراط وتفريط بصدد قضية التعقّل والتخطيط. فهناك من يبني مواقفه عملياً على أساس الحماس والعزم ، والتصميم من دون أنْ يتأمّل فيها ، ويتدبّر ومن دون أن يدرس الخطوات الضرورية اللازمة للوصول إلى الأهداف الاجتماعية التي يحاول تحقيقها

وهناك في المقابل من يكثر من التأمّل والتفكير

ولكن لا ينتهي إلى يقين ، وإنّما إلى وسوسة وشك وتلكّؤ ، أو إلى تجميد وتعطيل ، فيُصاب هؤلاء في العادة بمرضين :

٢٧٦

(١) - مرض الوسوسة والتردّد ، و( الجربزة ) لأنّهم بتفكيرهم الزائد وتأمّلهم العميقً يخرجون عن إطار الرؤية الفكرية للإسلام ، والعمل الإسلامي ، والبصائر ، والهدايات العامّة التي ينبغي ويجب على الإنسان أنْ يتمسّك بها في ميادين العمل والجهاد

(٢) - مرض التلكّؤ العملي ، والجمود والضمور الذاتي والانطواء على الذات

إنّ الله سبحانه يريد منّا أنْ نوازن في أمورنا جميعاً. والمطلوب هنا أنْ نوازن بين القلب والعقل ، والروح والفكر والعزم والتعقّل. وأنْ نعطي لعقولنا حقّها من التفكير ولإرادتنا حقّها من العمل. لا عمل من دون علم وتدبّر؛ لأنّ

( العامل على غير بصيرة ، كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير إلاّ بُعداً )

ولأنّ ( مَن عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح )

كما عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن جهة أخرى : ( لا علم بلا عمل ؛ لأنّ بين العمل والعلم تكاملاً )

٢٧٧

ذكره الإمامعليه‌السلام كما في الرواية التالية : ( لا يقبل الله عملاً بلا معرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرَف دلته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له ، إلاّ أنّ الإيمان بعضه من بعض )

وأمّا المتشكّكون المتلكّؤون فيقول لهم الأمام عليعليه‌السلام كما في نهج البلاغة :

( لا تجعلوا علمكم جهلاً ويقينكم شكّاً ، إذا علمتم فاعلموا ، وإذا تيقّنتم فأقدموا )

هوامش

____________________

(٣٩) - سورة إبراهيم / ١٢

(٤٠) - سورة يونس / ٨٤

(٤١) - سورة المائدة / ٢٣

(٤٢) - سورة النساء / ٨١

(٤٣) - سورة الأحزاب / ٤١

(٤٤) - سورة آل عمران / ١٦٠

(٤٥) - سورة يونس / ٨٤

(٤٦) - سورة المائدة ٢١ - ٢٢

(٤٧) - سورة المائدة / ٢٤

(٤٨) - سورة يونس / ٧١

(٤٩) - سورة آل عمران / ١٣٣

(٥٠) - سورة يونس ٨٣ - ٨٦

(٥١) - سورة إبراهيم ١١ - ١٢

(٥٢) - سورة آل عمران / ١٥٩

هوامش الفصل الرابع

(١) - لله سبحانه إرادتان : إرادة تتعلّق بذات الفعل والحدث ، وهذه هي الإرادة التكوينية ، ومن هنا ، إذا أراد الله شيئاً قال له كن فيكون ، وإرادة تتعلّق بفعل الإنسان ، على أنْ يصدر باختياره وحرّيته ، وهي الإرادة التشريعية ، كإرادة الصلاة والصوم ، وترك شرب الخمر

(٢) - سورة البقرة / ١٤

(٣) - سورة المنافقون / ١

(٤) - سورة البقرة / ٢١

(٥) - سورة النساء : ١٣ - ١٤

(٦) - سورة الأحزاب / ٣٦

(٧) - سورة التوبة / ٥٢

(٨) - سورة المطففين / ١٤

(٩) - أصول الكافي ج ٢ ص ٧٤

٢٧٨

(١٠) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢٣٢

(١١) - سورة الأنعام / ٤٨

(١٢) - سورة النحل / ٣٥

(١٣) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢٨٧

(١٤) - سورة آل عمران / ١٦٥

(١٥) - سورة الحج / ١١

(١٦) - سورة الأعراف / ١٣١

(١٧) - سورة الروم / ٣٦

(١٨) - سورة الشورى / ٤٨

(١٩) - سورة البقرة / ١٥٦

(٢٠) - سورة آل عمران / ١٥٣

(٢١) - سورة آل عمران / ١٤٦

(٢٢) - سورة الحج / ٣٥

(٢٣) - سورة الشورى / ٢٦

(٢٤) - سورة البقرة / ١٧٧

(٢٥) - سورة التوبة / ٥١

(٢٦) - سورة الأنعام / ٤٢

(٢٧) - سورة آل عمران / ١٧٣

(٢٨) - أصول الكافي ج ٢ باب ابتلاء المؤمنين

(٢٩) - سورة آل عمران / ١٤٦

(٣٠) - سورة طه / ١٣٢

(٣١ - ٣٢) - أصول الكافي ج ٢ ص ٣٥٧ - ٣٥٨

(٣٣) - سورة الحجرات / ١٢

(٣٤) - سورة البقرة / ٦١

(٣٥) - سورة الإسراء ٧٣، ٧٤، ٧٥

(٣٦) - في ظلال القرآن الشهيد سيّد قطب م ٥ ص ٣٥١ وما بعدها

(٣٧) - سورة الإسراء / ٧٩

(٣٨) - سورة البقرة / ١٢٧

(٣٩) - سورة إبراهيم / ١٢

٢٧٩

(٤٠) - سورة يونس / ٨٤

(٤١) - سورة المائدة / ٢٣

(٤٢) - سورة النساء / ٨١

(٤٣) - سورة الأحزاب / ٤١

(٤٤) - سورة آل عمران / ١٦٠

(٤٥) - سورة يونس / ٨٤

(٤٦) - سورة المائدة ٢١ - ٢٢

(٤٧) - سورة المائدة / ٢٤

(٤٨) - سورة يونس / ٧١

(٤٩) - سورة آل عمران / ١٣٣

(٥٠) - سورة يونس ٨٣ - ٨٦

(٥١) - سورة إبراهيم ١١ - ١٢

(٥٢) - سورة آل عمران / ١٥٩

٢٨٠