نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي23%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109403 / تحميل: 7829
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فلا أطيل مناقشته في أبي هريرة ومرتبته في تلمذته عند كعب ، إذ هو ليس من غُنمي ولا غَنَمي ـ كما يقال ـ ولكن من حقي تصحيح رأيه في غفلته بل وغلطته حين جعل ابن عباس تلميذ كعب ومنحه المرتبة الثانية ، وما قدّمت من شواهد تنفي تلك المزعمة ، إذ هي ـ الشواهد ـ تثبت أن ابن عباس كان سئ الظن بكعب ، وقد كذّبه ، فكيف يعقل أنّه كان يأخذ عنه حتّى صار تلميذاً له كما في أضواء أبي ريّة الخافتة في هذا المقام؟

ثمّ إنّ الخبر الذي أشار إليه في تفسير الطبري قد رواه الطبري في تفسيره مرتين وبسندين ينتهيان إلى شمر بن عطية ، ثمّ هو يرويه أوّلاً مرسلاً إذ قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار الخ ، ورواه ثانياً عن هلال ابن يساف قال : سأل ابن عباس كعباً(1) .

وشمر هذا الذي روى الخبر تارة مرسلاً وأخرى مسنداً ـ بالرغم من توثيق جماعة له ـ لا يقبل خبره لأنّه كان عثمانياً ـ قال الآجري : قلت لأبي داود كان ـ شمر ـ عثمانياً؟ قال : جداً(2) . وكعب كان من الضالعين مع عثمان ، فهو يرفع بضبعه وإن كان ذلك على حساب توهين ابن عباس.

على أنّ القرطبي ذكر في تفسيره تسعة أقوال في تفسير الآية الكريمة ، جاء فيها قول ابن عباس مغايراً لقول كعب ، وإليك الأقوال كما ذكرها القرطبي :

____________________

(1) تفسير الطبري 27 / 52 ط2 بمصر.

(2) تهذيب التهذيب 4 / 365 ط حيدر آباد.

١٤١

قال : ( واختلف لم سمّيت سدرة المنتهى على أقوال تسعة :

( الأوّل ) ما تقدم عن ابن مسعود أنّه ينتهي إليها كلّما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها.

( الثاني ) أنّه ينتهي علم الأنبياء إليها ، ويعزب علمهم عمّا وراءها ، قاله ابن عباس.

( الثالث ) أنّ الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها ، قاله الضحاك.

( الرابع ) لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها ، قاله كعب.

( الخامس ) سمّيت سدرة المنتهى لأنّها ينتهي إليها أرواح الشهداء ، قاله الربيع بن أنس.

( السادس ) لأنّه تنتهي ـ تأوي ـ إليها أرواح المؤمنين ، قاله قتادة.

( السابع ) لأنّه ينتهي إليها كلّ من كان على سنة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ومنهاجه ، قاله عليّ رضي الله عنه والربيع بن أنس أيضاً.

( الثامن ) هي شجرة على رءوس حملة العرش إليها ينتهي علم الخلائق ، قاله كعب أيضاً

( التاسع ) سُمّيت بذلك لأنّ من رُفع إليها فقد انتهى في الكرامة )(1) .

أقول : لقد تبيّن من ذكر هذه الأقوال أنّ ابن عباس كان مستقلاً في رأيه في تفسير( سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ) ، كما بيّن أنّ كعب الأحبار كان مذبذباً بين القولين.

____________________

(1) تفسير القرطبي 17 / 95.

١٤٢

هل أخذ ابن عباس من عبد الله بن سلام؟

ـ ذكر الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) : ( عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه أنّه جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنّي قرأت القرآن والتوراة فقال : ( إقرأ هذا ليلة وهذا ليلة ) )(1) . ذكره أبو عروبة في البدريين (؟) ، قال ابن حجر : انفرد بذلك(2) . وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة ممّن شهد الخندق وما بعدها(3) .

والغريب في النص الأوّل قوله : ( أنّي قرأت القرآن والتوراة فقال صلى الله عليه وآله وسلم له : إقرأ هذا ليلة وهذا ليلة )! وأحسب نحو تلطيف جرى في عبارة الذهبي وإلاّ فنص ابن سعد في الطبقات : ( قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إقرأ القرآن ليلة والتوراة ليلة )(4) ، والفرق بين النصين واضح ، والتلطيف لائح ، فإنّ لفظة ( إقرأ ) صارت تحكي صيغة ( أمرني ) إلاّ أنّها بصورة مخففة عن معنى الأمر الصريح.

ومهما تكن تلك الصيغة فإنّها تستبطن الكذب على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(1) تذكرة الحفاظ 1 / 27. وفي طبقات ابن سعد 5 / 383 ط الخانجي بمصر : ( قال : أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرأ القرآن ليلة والتوراة ليلة ). وهذا من أقبح الكذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما بينت في المتن.

(2) تهذيب التهذيب 5 / 249 ط حيدر آباد.

(3) طبقات ابن سعد 5 / 377 ط الخانجي بمصر.

(4) طبقات ابن سعد 5 / 383 ط الخانجي بمصر.

١٤٣

لمعارضة ما صحّ من طرق كثيرة : أنّ عمر بن الخطاب أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بصحيفة فسأله عنها فقال :

والحديث برواية الدارمي وابن سعد في الطبقات عن جابر قال : ( إنّ عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنسخة من التوراة فقال : يا رسول الله : هذه نسخة من التوراة فسكت ، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغيّر ، فقال أبو بكر : ثكلتك الثواكل ما ترى بوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، رضينا بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً وبمحمد نبيّاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( والذي نفس محمّد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيّاً وأدرك نبوّتي لاتبعني ) )(1) . وهذا الخبر أخرجه أحمد في مسنده ، وعبد الرزاق في المصنف ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، والبزار في مسنده ، والروداني في جمع الفوائد ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، وغيرهم(2) .

فالحديث ثابت ، وهو صريح في غضب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمجرد مجيء عمر بصحيفة من التوراة! فكيف يعقل ويقبل أن يأمر عبد الله بن سلام أن يقرأ القرآن ليلة والتوراة ليلة؟ وما رواية ابن سلام إلاّ كرواية أبي الجلد الآتي ذكره في نحو هذا ، وهو من الدسّ الإسرائيلي الخبيث لتسميم عقول المسلمين.

وأغرب من هذا كلّه أن يذكر ذلك في دواوين الحديث عند شريحة

____________________

(1) سنن الدارمي 1 / 116.

(2) مسند أحمد 3 / 387 ، المصنف 10 / 313 و 6 / 113 و 11 / 111.

١٤٤

كبيرة من المسلمين دون أن ينبّهوا على ما فيه من مردود سيّء على عقول السذّج من الناس!

هل أخذ ابن عباس من وهب بن منبه؟

لقد كتب الدكتور جواد عليّ في محاضرته عن موارد تاريخ الطبري(1) عن وهب بن منبه ، ما أغنى وأقنى ، وعاد فذكره مرّة أخرى في ( ص212 ) في حديثه عن طلاب ابن عباس والراوين عنه وهو واحد منهم فقال : ( ولوهب روايات زعم أنّه أخذها من ابن عباس أشك في صحتها! إذ كيف يعقل أخذ وهب بن منبه هذه الإسرائيليات من ابن عباس ، وهو أعلم بها منه؟ ولا سيما بعد أن زعم الصنعانيون وآل منبه أنّه قرأ عشرات الكتب. وأنّه كان عالماً بأحكام الكتب السماوية وبالتوراة والتلمود والمدراش ، ولذلك نرى الجائز العكس ، يؤيد هذا ما جاء في الروايات أنّ ابن عباس كان يسأل أهل الكتاب عمّا كان يشكل عليه ، والظاهر أنّ رواة وهب بن منبه أو وهب بن منبه نفسه هم الذين وضعوا هذه الأقوال على لسان ابن عباس لتجد لها سبيلاً بين المسلمين أهـ )(2) .

أقول : إنّ الذي لا نقبله من رأي الدكتور هو ما أرتئاه من أخذ ابن عباس من وهب ، وزعم تأييده بأنّ ابن عباس كان يسأل أهل الكتاب عمّا كان يشكل عليه ، بينما الصحيح هو كان ينهى عن مساءلة أهل الكتاب ،

____________________

(1) مجلة المجمع العلمي العراقي 1 / س1 / 184 ـ 193.

(2) مجلة المجمع العلمي العراقي 1 / س1 / 212.

١٤٥

وقد مرّ نهيه فيما تقدّم ، وما شك فيه الدكتور من روايات وهب عن ابن عباس ليس كلّها ممّا يشك في صحتها.

فمثلاً ما أخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) بسنده عن وهب بن منبه يقول : ( صحبت ابن عباس قبل أن يصاب بصره وبعد ما أصيب ، فسئل عن القدر ، فقال : وجدت أصوب الناس فيه حديثاً أجهلهم به ، وأضعفهم فيه حديثاً أعلمهم به ، ووجدت الناظر فيه كالناظر في شعاع الشمس ، كلّما ازداد فيه نظراً ازداد بصره فيها تحيّراً )(1) ، فليس في هذا شيء من الإسرائيليات ، فأيّ مانع من قبوله؟

إذن كان على الدكتور أن يحتاط بتقييد روايات وهب التي رواها عن ابن عباس فيما هي من الإسرائيليات فلا نقبلها ، أمّا فيما عدا ذلك فلا مانع من قبولها إذا لم تعارض الكتاب أو السنة الثابتة.

ومثل ذلك ما أخرجه أبو بكر الآجري في كتابه ( أخلاق العلماء ) ، والبسوي في ( المعرفة والتاريخ ) بسنده عن وهب بن منبه ، قال : ( بلغ ابن عباس عن مجلس كان في ناحية بني سهم يجلس فيه ناس من قريش يختصمون فترتفع أصواتهم ، فقال ابن عباس : انطلق بنا إليهم ، فانطلقنا حتّى وقفنا عليهم ، فقال ابن عباس : أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلّم به أيوب في حاله ( وما ) قال أيوب.

____________________

(1) المعجم الكبير 10 / 262 ، ورواه الهيثمي في المجمع 7 / 201.

١٤٦

فقلت : قال الفتى : يا أيوب أمّا كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكلّ لسانك ، ويقطع قلبك ، ويكسر حجّتك؟ يا أيوب أما علمت أنّ لله عباداً أسكنتهم خشية الله من غير عيّ ولا بكم ، وإنّهم هم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألبّاء ، العالمون بالله وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت قلوبهم وكلّت ألسنتهم ، وطاشت عقولهم وأخلاقهم فرَقَا من الله وهيبة له ، وإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عزوجل بالأعمال الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له بالقليل ، يعدّون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين ، وإنّهم لأنزاه أبرار ، ومع المضيّعين المفرّطين وإنّهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول مرضى وليسوا بمرضى ، قد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم )(1) . وزاد في ( المعرفة ) : ( ثمّ قال ابن عباس على أثر كلام وهب : وكفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً ، وكفى بك آثماً أن لا تزال ممارياً ، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدّثاً في غير ذات الله عزوجل )(2) .

وهذا الذي مرّ ذكره من الخطيب في المتفق والمفترق عن وهب بن منبه قال : أقبلت مع عكرمة أقود ابن عباس رضي الله عنه بعد ما ذهب بصره ، حتّى دخل المسجد الحرام ، فإذا قوم يمترون في حلقة لهم عند باب بني شيبة ، فقال : أَمِل بي إلى حلقة المراء ، فانطلقت به حتّى أتاهم فسلّم عليهم ، فأرادوه على

____________________

(1) أخلاق العلماء لأبي بكر الآجري ص84 ـ 86 ط دمشق سنة 1392 هـ 1972م.

(2) البسوي في المعرفة والتاريخ 1 / 524 ـ 526.

١٤٧

الجلوس فأبى عليهم ، وقال : انتسبوا إلي أعرفكم ، فانتسبوا إليه.

فقال : ( أما علمتم أن لله عباداً أسكتتهم خشيته من غير عيّ ولا بكم ، إنّهم لهم الفصحاء النطقاء النبلاء العلماء بأيام الله ، غير أنّهم إذا ذكروا عظمة الله طاشت عقولهم من ذلك وانقطعت ألسنتهم ، حتّى إذا استقاموا من ذلك سارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية فأين أنتم منهم ) ، ثمّ تولى عنهم فلم ير بعد ذلك رجلان ، فأين هذا ممّا مرّ ، ولا مانع من تعدد الواقعة ، فما رواه الآجري والبسوي كان مجلس المختصمين عند باب بني سهم ، وما رواه الخطيب كان عند باب بني شيبة ، وبينهما فرق ، لكن الذي يبعث الشك في رواية الآجري والبسوي هو إحالة ابن عباس التوبيخ لأولئك المتخاصمين على تحديث وهب عن كلام الفتى الذي كلّم به أيوب ، وهذا يكشف عن معرفة ابن عباس بذلك الكلام ، فلماذا لم يقله هو وقال لوهب أخبرهم عن كلام الفتى ورواية وهب عن ابن عباس لها شواهد كثيرة :

فمن ذلك ماذكره السيد ابن طاووس في كتابه ( الإقبال ) في عمل ليلة عاشوراء نقلاً عن كتاب ( دستور المذكرين ) للحافظ محمّد بن أبي بكر المديني ، بإسناده المتصل عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من صلى ليلة عاشوراء أربع ركعات من آخر الليل يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي عشر مرّات ، وقل هو الله أحد عشر مرّات ، وقل أعوذ بربّ

١٤٨

الفلق عشر مرّات ، وقل أعوذ بربّ الناس عشر مرات ، فإذا سلّم قرأ قل هو الله مائة مرّة ، ثمّ ذكر ثواب تلك الصلاة ). إلى أن قال وهب بن منبه : صُمّت إذناي إن لم أكن سمعت هذا من ابن عباس )(1) .

ومهما يكن أمر ذلك فإنّ وهب بن منبه هو الصهيوني الأوّل كما يراه الإستاذ سعيد الأفغاني وحكاه عنه الشيخ أبو رية(2) ، فكيف نصدّق بمرويات تذكر أخذ ابن عباس عنه وهو الذي كان ينهى عن الأخذ من أهل الكتاب.

هل أخذ ابن عباس من أبي الجلد؟

ينبغي لنا أوّلاً أن نعرّف القارئ بأبي الجلد ومن ذا يكون؟ ثمّ نسأل هل أخذ ابن عباس منه؟

وللتعريف به لابدّ من الرجوع إلى المصادر الإسلامية التي ذكرته ، ثمّ العرجة على المصادر الأخرى التي أشارت إليه.

وأوّل ما يصادفنا الإختلاف في ضبط اسمه وكنيته : فهو أبو الجلد جيلان ـ بالجيم المعجمة ـ كما ذكره العسكري في كتابه ( شرح ما يقع فيه التصحيف ) قال : ( فأمّا أبو الجلد ـ بلا هاء ، والجيم مفتوحة ـ واسمه جيلان ابن فروة ، فهو صاحب كتب ، وكان جمّاعة لأخبار الملاحم )(3) .

____________________

(1) الإقبال / 555 ط الثانية دار الكتب الإسلامية سنة 1390 هـ.

(2) شيخ المضيرة / 93.

(3) شرح ما يقع فيه التصحيف / 409 ط1 محققة سنة 1384 هـ.

١٤٩

وجاء في ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم : ( حيلان ـ بالحاء المهملة ـ )(1) ، وقد ورد ذلك مكرراً ، ولعلّه من غلط النسخة. بينما ذكره جولد زيهر في كتابه ، وسماه : ( غيلان بن فروة )(2) ، ولعلّ ذلك من وهم المترجم أو غلط المؤلف.

ومهما يكن الصحيح في اسمه ، فقد سرى الإختلاف في نسبته إلى قومه هل هم الأزد ، أو بني أسد ، فقال ابن سعد : ( أبو الجلد الجوني ـ حيّ من الأزد )(3) ، بينما نسبه البخاري وابن حبّان إلى بني أسد فذكراه : ( الأسدي البصري )(4) ، وهذا أيضاً من الغلط ، فالرجل جوني ـ والجون بطن من الأزد ، وذكره الطبري في تفسيره فقال : ( رجل من أهل هجر )(5) .

أمّا عن ثقافته فهو كما قال ابن حبّان : ( وكان ممّن يقرأ كتب الأوائل وكان من العبّاد )(6) . وقد كشف لنا عن هوية تلك الكتب ، ابن أبي حاتم فقال : ( صاحب كتب التوراة ونحوها )(7) ، ولا غضاضة في تنوّع الثقافة مع

____________________

(1) حلية الأولياء 6 / 54.

(2) مذاهب التفسير الإسلامي / 85 ترجمة عبد الحليم النجار.

(3) طبقات ابن سعد 9 / 221 ط الخانجي بمصر.

(4) التاريخ الكبير للبخاري 1 / ق 2 / 251 ط المكتبة الإسلامية في ديار بكر تركيا ، وفيه ( جيلان ابن أبي فروة ويقال فروة الأسدي البصري ) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ح1 / ق 1 / 547 ط افست عن الطبعة الأولى بحيدر آباد سنة 1371 هـ.

(5) تفسير الطبري 1 / 344 ط محققة.

(6) مشاهير علماء الأمصار / 93.

(7) الجرح والتعديل 1 / 1 / 547.

١٥٠

الحفاظ على الهويّة الإسلامية ، لكن هلمّ الخطب حين نقرأ ما قاله عنه ابن سعد في طبقاته ، ورواه بسنده عن ابنته : أنّ أباها كان يقرأ القرآن في كلّ سبعة أيام ، ويختم التوراة في ستة يقرأها نظراً ، فإذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناس ـ كذا ـ وكان يقول : كان يقال : تنزّل عند ختمها الرحمة(1) .

ومن اللافت للنظر توثيقه من ابن سعد وأحمد وابن حبّان؟! وأغرب من ذلك ذكر أبي نعيم له في ( حلية الأولياء ، وطبقات الأصفياء ) ، وقد ترجمه ترجمة هي أوسع ما رأيت عنه ـ فوصفه بـ ( الواعظ الجعد ، المعروف بالحفظ والسرد ، حيلان بن فروة أبو الجلد ، كان للكتب المنزلة حافظاً ، وبمواعظ الأنبياء وأحوالهم واعظاً ، وبالأذكار لهجاً لافظاً ). ثمّ ذكر بأسانيده عن أبي عمران الجوني عنه ثمانية عشر أثراً ، ليس بينهما أثر واحد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو عن قرآنه ، بينما ذكر من الأنبياء موسى وعيسى وداوود ويونس ، مع ذكره قراءته الحكمة وكتب الله ، ومسألة داوود(2) !

وإذا عرفنا أنّ أبا عمران الجوني ـ المحظيّ بالرواية عن أبي الجلد جاء حديثه في الأصول الستة بما فيها صحيحي البخاري ومسلم ، ومن روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة ـ فلا غرابة بعد لو وثّقه يحيى بن معين ، وابن سعد والذهبي وغيرهم. وهذا مات عن سنّ عالية سنة 123 ـ

____________________

(1) طبقات بن سعد 7 / 1 / 161.

(2) حلية الأولياء 6 / 54 ـ 59.

١٥١

128 ـ 129 هـ.

أمّا بقية الرواة عن أبي الجلد الذين ذكرهم أبو نعيم في حليته فهم : ( مطر الوراق ، وأبو روح ، ومحمد ـ ابن سيرين ـ وعن كلّ واحد منهم روى أثراً واحداً. ثمّ قال : أسند أبو الجلد عن معقل بن يسار وغيره من الصحابة ، فذكر حديثه ذلك بإسناده إلى أبان بن أبي عيّاش عن أبي الجلد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا تذهب الأيام والليالي حتّى يخلق القرآن في صدور أقوام من هذه الأمّة كما تخلق الثياب ، ويكون ما سواه أعجب إليهم ، ويكون أمرهم طمعاً كلّه لا يخالطه خوف ، إن قصّر عن حقّ الله منّته نفسه الأماني ، وإن تجاوز إلى ما نهى الله عنه قال : أرجو أن يتجاوز الله عني ، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، أفاضلهم في أنفسهم المداهن ) ، قيل : وما المداهن؟ قال : ( الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ) )(1) .

هذه حصيلة ما عثرت عليه في المصادر المشار إليها متناً وغيرها ممّا سيأتي ذكرها آخر البحث ، وهي في جانب ممّا فيها لا يعنينا كثيراً مثل كونه من أهل هجر ، وهل هو أزدي أو أسدي؟ إنّما الذي ينبغي الوقوف عنده بتأمل هي النقاط التالية :

____________________

(1) حلية الأولياء 6 / 56.

١٥٢

1 ـ كونه صاحب كتب التوراة ونحوها.

2 ـ ختمه القرآن في كلّ سبعة أيام ، وختمه التوراة في ستة يقرؤها نظراً. فإذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناساً ويقول : كان يقال : تنزّل عند ختمها الرحمة.

3 ـ توثيقه من ابن سعد وأحمد وابن حبّان.

4 ـ وأخيراً عدّه من الأولياء الأصفياء عند أبي نعيم في حليته.

مع العلم بسياق حاله وماله ، فهو كان يهودي الأصل ، وربّما كان من أحبارهم لأنّه صاحب كتب التوراة ، وهي عادة إنّما يعتني بحفظها الأحبار منهم. وعرفناه لم يتخل عن رواسبه اليهودية ، حين كان يختم التوراة إلى جانب ختمه القرآن ، ولو كان مسلماً صحيح الإسلام لنبذها وأعرض عنها بعد أن هداه الله للإيمان ، وقد أبدله بخير منها وهو القرآن.

ولكن الرجل لم يزل في نفسه تنازعه رواسب يهوديته ، فهو يختم التوراة نظراً ، ولا يكفيه ذلك حتّى يحشد ناساً عند ختمه لها ويحكي لهم قول من قال : تنزّل عند ختمها الرحمة. مع أنّه لم ينقل عنه أنّه كان يصنع مثل ذلك عند ختمه القرآن ولو لمرّة واحدة!

فماذا يعنى ذلك؟ هل هي دعوة إلى العناية بالتوراة والترغيب في تلاوتها والنظر فيها ، لأنّ عند ختمها تنزل الرحمة؟ وبالتالي أليس هذه الحال هي بلبلة أفكار السذّج من المسلمين وحرفهم عن قرآنهم المجيد؟

ثمّ لا ينقضي العجب من أولئك الذين شهدوا بوثاقته ، والرجل بعدُ

١٥٣

على رواسبه اليهودية في دخيلة نفسه؟!

وحسبنا ما ذكرناه في تعريفه ، ولنقرأ الإجابة على السؤال المذكور في العنوان ، هل أخذ ابن عباس من أبي الجلد في العلم بالقرآن شيئاً؟ فكان ذلك مادة للتشهير به؟

ولابدّ من عرض ما ذكره بعض المفسرين من روايات تمسّك بها من أراد التنديد بابن عباس وأنّه كاتب أبا الجلد يستوضح منه معاني ألفاظ في القرآن الكريم كان يجهل معانيها ، لأنّها ممّا تتعلق بالآيات الكونية. ولزيادة الإيضاح في المقام ، أذكر ما وقفتُ عليه من تلك الروايات ، آخذاً لها من أوثق التفاسير وأشهرها ، إلاّ وهو تفسير الطبري ، ويعتبر المرجع الأوّل عند المفسرين الذين عُنوا بالتفسير النقلي ، ومؤلفه إمام في فنّه يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه ، ويؤخذ برواياته ، فهو بحق كان أباً في التاريخ ، وأباً في التفسير بالمأثور ، وأباً في الفقه ، وله مذهب معروف ، وأصحاب ينتحلون مذهبه يقال لهم الجريرية ، لم يكتب لهم البقاء طويلاً بين أصحاب المذاهب الأخرى.

فماذا في تفسير الطبري؟

لقد ساق الطبري عدّة روايات مسندة ، وهو صنع مشكور ، إذ عرض أمام الباحث ما رواه ، وقد يعقب على بعض ذلك بما يراه ، ويترك باب القبول والردّ مفتوحاً لمن رآه ، فلنقرأ ماذا في كتابه؟

١٥٤

1 ـ قال الطبري : ( حدّثنا المثنى ، قال : حدّثنا حجاج ، قال : حدّثنا حماد ، قال : أخبرنا موسى ابن سالم أبو جهضم ـ مولى ابن عباس ـ قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد(1) يسأله عن الرعد؟ فقال : الرعد مَلَك )(2) .

وأوّل ما يجب التنبيه عليه في المقام انّ الرواية ينتهي إسنادها إلى موسى بن سالم أبو جهضم مولى ابن عباس ـ كما مرّ ـ ولمّا كان الرجل ليس من موالي ابن عباس حقيقة ، وإنما هو مولى لبني العباس ، وقد احتملت بادئ الأمر أن تصحيفاً في النسخة من ( بني ) إلى ( ابن ) ، ولكن لدى مراجعة الطبعات الثلاث للتفسير ، تيقنت ليس ذلك من التصحيف ، بل كلها متفقة على الموجود ، ولا يبعد أن يكون ذلك من سهو قلم الطبري ، أو ناسخ النسخة الأولى التي جرى عليها الطبع وتتابعت بقية الطبعات على ذلك الخطأ. وإنما نبهت على ذلك ، وقلت : إنه يجب ، لأن رواية أبي جهضم حينئذ تكون مرسلة ، لعدم إدراكه ابن عباس ، فلا يمكن الإعتماد عليها لإثبات صحة المكاتبة.

وقد روى الطبراني في كتاب ( الدعاء ) هذه الرواية بسنده إلى

____________________

(1) في الطبعة الاولى بمصر بالميمنية 1 / 116 ( أبو الخلد ) بالخاء المعجمة ، وكذا في الطبعة الثانية بمصر 1 / 151 طبع مصطفى البابي سنة 1373 هـ ، وكذلك في الطبعة الثالثة دار المعارف 1 / 340 بتحقيق الأخوين محمود وأحمد شاكر ، غير أن المحققين الفاضلين نبها في الهامش على الصحيح في ذلك.

(2) تفسير الطبري 1 / 341.

١٥٥

الشعبي(1) ، وستأتي عنه رواية أخرى تكشف عن كذبه.

2 ـ قال الطبري : ( حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب اليه ، فكتب إليه : كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد ريح )(2) .

وبهذا الإسناد روى الطبري رواية أخرى فيها ذكر المكاتبة يسأله عن البرق : ( فكتب إليه : فالبرق الماء )(3) .

ولمّا كانت الروايتان في الحقيقة هي رواية واحدة والمكاتبة واحدة كما في كتاب ( العظمة ) لأبي الشيخ الاصبهاني(4) ، وقد كفانا مؤنة البحث عن حال رجال الإسناد ما ذكره المحقق في الهامش فقال : ( إسناد مشكل ، ما وجدت ترجمة ( بشر بن إسماعيل ) وما عرفت من هو؟ ثمّ لم أعرف من ( أبو كثير ) الراوي عن أبي الجلد )(5) .

وأضيف أنا إلى ذلك ، تبدّل جواب أبي الجلد عن الرعد في المقام ، فقد فسّره بالريح بينما كان في الرواية الأولى الملَك؟!

3 ـ قال الطبري : ( حدّثني إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدّثنا عمر بن

____________________

(1) الدعاء / 307 تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، ط دار الكتب العلمية بيروت سنة 1413 هـ.

(2) تفسير الطبري 1 / 341.

(3) نفس المصدر 1 / 343.

(4) العظمة 4 / 1287 ط دار العاصمة الرياض سنة 1408 هـ وفيه عن أبي كثير

(5) تفسير الطبري 1 / 341.

١٥٦

ميسرة ، قال : حدّثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ريح )(1) ، وأورد الطبري بنفس السند المكاتبة مرّة أخرى وفيها السؤال عن البرق(2) .

وقد مرّ أن قلت أن الروايتين هما رواية واحدة لمكاتبة واحدة يُسأل فيها عن الرعد وعن البرق ، فرّق بينهما الطبري تبعاً لذكرهما في الآية المباركة.

ومهما يكن فإنّ محقق التفسير قال بعد توثيق رجال السند : ( ولكن روايته ـ الفرات ـ عن ابن عباس منقطعة ، إنّما هو يروي عن التابعين )(3) . هذا من ناحية السند.

ولننظر ماذا في المتن من وهن؟

إنّ متون الروايات الثلاث التي تضمنت المكاتبة في السؤال عن الرعد ، نجد الجواب متفاوتاً ، ففي الأولى كان الرعد مَلَكاً ، وفي الثانية والثالثة صار ريحاً ، فكيف نطمئنّ إلى صحة المروي فيهما؟

ثمّ ما بال ابن عباس ـ إن كان يجهل حقاً ما هو الرعد وما هو البرق ـ يكتب إلى أبي الجلد البعيد عنه ليسأله عن الرعد ما هو؟ وهو قد كان يكفيه مَن كان هو أقرب إليه وهو بمرأى منه ومسمع ، ومنتدى

____________________

(1) نفس المصدر 1 / 341.

(2) نفس المصدر 1 / 343.

(3) نفس المصدر 1 / 341.

١٥٧

ومجمع من سائر الصحابة الذين يلمّ بهم في المدينة المنوّرة أو في غيرها ، وفي مقدمتهم إمامه وإستاذه الأوّل بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؟

ثمّ هو نفسه كان يعرف ذلك فقد روى : ( أنّ اليهود سألت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الرعد ما هو؟ فقال : ( ملك من الملائكة موكّل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب ) )(1) ، وهذا هو الذي بنى عليه تفسيره الرعد بأنّه ملك من الملائكة يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه ، وصوته تسبيحه ، فإذا اشتد زجره السحاب ، اضطرب السحاب واحتّك فتخرج الصواعق من بينه(2) . وهذا رواه عنه مجاهد والضحاك وأبو مالك وشهر بن حوشب وعكرمة ، وهذا هو الذي روى عنه : أنّه كان إذا سمع الرعد قال : سبحان الذي سبحتَ له ، وكان يقول : إنّ الرعد مَلَك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي غنمه(3) .

فهل بعد هذا التفصيل نحتاج إلى التدليل على كذب مكاتبة أبي الجلد بدون أخذ وردّ إذ ليس في جوابه ـ لو صحّ السؤال ـ في الرواية الأولى من روايات الطبري سوى أنّ الرعد ملك ، فمن أين أتى ابن عباس

____________________

(1) الكشاف للزمخشري2 / 161 ط البابي الحلبي بمصر 1367 هـ ، وتفسير الطبري 1 / 343.

(2) أنظر تفسير الطبري 1 / 340.

(3) أنظر تفسير الطبري 1 / 341.

١٥٨

بكلّ ما رواه عنه تلامذته ، خصوصاً عكرمة؟ ولابدّ أن يكون قد أخذ ذلك عن غير أبي الجلد.

4 ـ قال الطبري : ( وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدّثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدّثنا القاسم ، قال : حدّثني رجل من بني تميم : أنّ ابن عباس كتب إلى أبي الجلد بمسألة عن الشجرة التي أكل منها آدم ، والشجرة التي تاب عندها ، فكتب إليه أبو الجلد : سألتني عن الشجرة التي نُهي عنها آدم وهي السنبلة ، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة ). قال المحقق في الهامش : ( الخبر في ابن كثير ج1 / 124 وهذا الإسناد ضعيف لجهالة الرجل من بني تميم )(1) .

أقول : ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى ما في المتن من كشف جديد لم نكن نعرفه من قبل ، ولم يذكره غير أبي الجلد ـ فيما أعلم ـ وهو جعل الشجرة التي نَهى آدم عنها هي السنبلة ، وجعل الشجرة التي تاب عندها آدم هي الزيتونة!! فلديه شجرتان احداهما نهي عن أن يقرب إليها :( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) (2) ، والثانية هي الشجرة التي تاب الله عليه عندها وهي الزيتونة ، وهذا ما رواه القرطبي ، مضافاً إلى ابن كثير كما مرّ روياه في تفسيريهما ، ولم يعقبا عليه بشيء مع أنّ القرآن يذكر شجرة واحدة.

ومن مخاريق أبي الجلد ، وهي أيضاً من مرويّات الطبري :

____________________

(1) تفسير الطبري 1 / 517.

(2) طه / 121.

١٥٩

ـ ما رواه الطبري في تاريخه : ( عن قتادة بن دعامة السدوسي ، عن أبي الجلد قال : نزل الفرقان لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان )(1) .

وقوله هذا مخالف لنص التنزيل حيث يقول :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) ، وإتفاق المسلمين على أنّ ليلة القدر هي أحدى الليالي الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان ، وليلة ( 24 ) من الليالي الشفع لا الوتر.

والآن إلى نماذج أخرى من تلك المخاريق التي زعم الرواة انّ ابن عباس كاتب أبا الجلد يسأله عنها :

1 ـ ما رواه أحمد بن حنبل في كتابه ( العلل ومعرفة الرجال ) قال : ( حدثنا عن أبي عمر الجوني ، عن أبي الجلد ، قال : حدّثني ابن عباس في داره سنتين يسألني ، وسألني عن السماء ما هي؟ فقلت موج مكفوف )(3) .

وفي المتن ما يستبطن كذبه ، وذلك قوله : حدّثني ابن عباس في داره سنتين ، فإن صحّ قوله ذلك فبماذا كان حديثه؟ وما باله لم يذكر لنا حديثاً واحداً ممّا حدثه به ابن عباس ما دام كان هو يحدثه طيلة السنتين؟ فهل كان ابن عباس هو الذي يستنفد الوقت كلّه بمسائله العصيّة فيستفهمها من ذلك الحبر اليهودي؟ وما هي تلك المسائل؟ لماذا لم

____________________

(1) تاريخ الطبري 1 / 528.

(2) القدر / 1.

(3) العلل ومعرفة الرجال : 1 / 36.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

نوى ، فمَن غزى ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزّ وجل ، ومَن غزى يريد عرض الدنيا ، أو نوى عقالاً لم يكن له إلاّ ما نوى )

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( اخشوا الله خشية ليست بتقدير ، واعملوا لله في غير رياء ، ولا سمعة فإنّ من عمل لغير الله ، وكله الله إلى عمله يوم القيامة )

عن عليّعليه‌السلام :

( إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به ، فإذا صعد بحسناته يقول الله عزّ وجل ، اجعلوها في سجّين ، إنّه ليس إيّاي أراد به )

عن الصادق عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( اجعلوا أمركم هذا لله ، ولا تجعلوه للناس ، فإنّ ما كان لله فهو لله ، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله )

(عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

ولا شك أنّ كثيراً مِن الانجازات العظمى التي يهلّل لها في تاريخ

٢٦١

الإسلام، والمسلمين ( إدخال بلاد في سيادة الإسلام - كتاب شامخ من الكتب الإسلامية .) قد لا يحصل أصحابها من ورائها غداً على شيء ؛ لأنّهم أرادوا بها حطام الدنيا ، وغفلوا فيها عن الله ويعرض القرآن الكريم صورة حيّة لنبيّين كريمين ، وهما يقومان بإرساء قواعد إنجاز من أعظم الانجازات في التاريخ الديني للإنسان النبيان الكريمان هما إبراهيم وإسماعيل ، والصورة :

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) (٣٨)

إنّهما وهما النبيّان الكريمان على الله. وانجازهما من أعظم الانجازات يتضرّعان إلى الله. ويمدّان بطرفهما إلى السماء. ويخشعان. ويدمعان. ربّنا تقبل منا. يقولان ذلك في وعي عميق في أنّ كل إنجاز لا قيمة له في ذاته ما لم يتقبّله الله. ولا يتقبّله سبحانه إلاّ مِن المتّقين المخلصين

ولا تتمثّل قيمة الإخلاص في ( قبول ) العمل ، والإنابة عليه فقط ، وإنْ كانت هذه قيمة كبيرة محسوبة من جانب الإنسان المسلم ، وإنّما تتمثّل قيمته مضافاً إلى ذلك في مستوى الشخصية الذي بلغته. في التجرّد عن الأهواء ، ودواعي السمعة والرياء ، والتظاهر أمام الناس ، أو السعي وراء طموحات شخصية. إنّ الشخصية التي تعمل فيها ( دوافع ) أُخرى غير دينية لا يأمن منها الانحراف ، والخروج عن حدود الشريعة وتقديم الحسابات

٢٦٢

الشخصية على الحسابات الرسالية في لحظات الترجيح والتزاحم الحاسمة ، وهي مهما بلغت من مستوى الأداء ، والانجاز ، وحجم الخدمات غير مضمونة الاستقامة والاستمرار على خط الله تعالى. بما يحصل فيه من أشواك ومكاره ، وما يحفّه من شهوات ، وأهواء عصمنا الله تعالى من الزلل والرياء

( اللهم احملنا في سفن نجاتك ، ومتعنا بلذيذ مناجاتك وأوردنا حياض حبّك ، وأذقنا حلاوة ودك ، وقربك ، واجعل جهادنا فيك ، وهمنا في طاعتك ، وأخلص نيّاتنا في معاملتك فإنّا بك ولك ، ولا وسيلة لنا إليك إلاّ أنت )

هوامش

____________________

(٣٨) - سورة البقرة / ١٢٧

صعوبة الإخلاص لله تعالى

يوجد الكثير من المؤمنين من يشغله الجهاد ، والعمل في سبيل خدمة قضية الإسلام عن التأكيد من مضمون عمله وطبيعة نيته ، ودافعه. وقد لا يستسيغ المؤمن أنْ يراجع ذاته ، وينفق الوقت في ذلك ليتحقّق من درجة إخلاصه ومستوى نموّه الروحي. إلاّ أنّ الواقع إنّ مواصلة الجهاد والعمل في سبيل الله تعالى ، والاهتمام بشؤون الناس وهدايتهم ، وإنْ كان أمراً ضرورياً ، وواجباً شرعياً إلاّ أنّ التركيز ، وتحصين الذات من الانحراف والتنمية الروحية أيضاً من الأمور المهمة ، والضرورية التي لا ينبغي إغفالها. هذا مع أنّ مراجعة الذات ، والتربية الروحية لا تتنافى مع العمل في سبيل الله ، ولا هذا بالذي يشغل عن ذاك ، والاعتكاف أروع صيغة

٢٦٣

للعزلة الواعية التي يؤمن بها الإسلام ويدعو لها ويحث عليها. وهي كما تساعد على والانشداد إلى الله تعالى تساعد كذلك على مراجعة الذات وتقييمها والتعرّف على مواطن الضعف والقوّة فيها بعيداً عن ضوضاء العمل الاجتماعي ، والانشغال بالناس ومعهم

ويوجد من جهة أخرى من يحسب أنّه في قمّة الإخلاص. لأنّه لا يطلب من وراء عمله مالاً ، ولا منصباً حكوميّاً. وأنّه لو أراد ذلك فطريقه معروف ، ولم يكن من الضروري أو اللازم أنْ يسلك طريق الجهاد والعمل الدؤوب. ولكن الإنسان أعقد من ذلك ، ودوافعه الذاتية لا تنحصر في المال ، والمنصب الحكومي

ولكل إنسان مخاطبوه والبيئة التي يتعامل معها وللإنسان أهواء معنوية كما له أهواء مادية. فهناك من يحب أنْ يظهر. وهناك من يسعى نحو الجاه ، والمركز في قلوب الناس. والرياء - كما في الحديث - أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ؛ لأنّ حب الدنيا متمكّن من قلوب الناس. وتساميهم عليها ، وتوجههم إلى الله من الأمور الصعبة. ورغم كلّ ذلك فالإخلاص ليس مستحيلاً ولا بعيد المنال ، يوفق الله تعالى له من يبذل الجهد ويصدق النية في محاولة التنمية الروحية ، والتربية الدينية والتصاعد إلى الله ، فلا ينبغي أنْ تكون صعوبة الإخلاص حاجزاً دون السعي إليه. والتنصّل منها

وللمؤمن مجالات عديدة لشحذ إخلاصه، وتنمية دوافعه الدينية. عاشر الناس. وعش انحرافهم. وتحسّس به ، وانطلق في عملك غاضباً لله. علّم نفسك على عبادة السر صلاة السر. وتسبيح السر. وصدقة السر ولا تحدّث بذلك الناس. فإنّ ذلك تثبيت للصلة بالله تعالى

٢٦٤

وتنمية ، وقطعاً لعلاقة القلب بالناس. عش مفاهيمك في الحياة من خلال تلاوة القرآن ، الدعاء الإسلامي ، قراءة الكتب الأخلاقية ففي كلّ ذلك وأمثالها شحذ للهمم ودوافع الخير ، والحياة النفسية مع الله.

شمول العبادة وسعة الإخلاص

إذا انحصرت العبادات بالمعنى الخاص - المطلوبات التي يشترط فيها قصد القربة - في دائرة محدودة هي الصلاة ، والصوم، والحج ، والاعتكاف. الخ ، فإنّ هناك مجالاً كبيراً لتوسيع الفعل العبادي بحيث يشمل الكثير من الأفعال ، والمطلوبات الشرعية التوصيلية. بل ، وكل مطلوب كذلك ؛ لأنّ هذه المطلوبات وإنْ كان لا يشترط الله سبحانه أنْ يأتي بها عن طريق قصد القربة ، ولا يلزمنا بذلك إلاّ من الممكن أنْ نجعلها عبادة ، ونقصد بها وجه الله الكريم. خذ مثلاً الأكل ، والشرب ، التوسعة على الأهل ، اللقاء مع الأصدقاء. وغير ذلك ممّا هو مطلوب شرعاً بنحو من إنجاز المطلب الشرعي ، فإنّ بالإمكان أنْ ننوي بكلّ ذلك التقرّب إلى الله تعالى. ونرجو من خلاله الأجر ، والثواب

وفي الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصية لأبي ذر :

( يا أبا ذر ليكن لك في كلّ شيء نية ، حتى في النوم والأكل )

التوكّل تعزيز لإرادة المسلم

في القرآن الكريم اهتمام كبير بالتوكّل والحث عليه

٢٦٥

فالتوكّل في القرآن الكريم ظاهرة عامّة في سلوك الأنبياء :

( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٣٩)

وهو ضرورة من ضرورات الإيمان ، ولازمة من لوازمه. كما يبدو ذلك في القرآن الكريم :

( إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) (٤٠)

( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤١)

وهو معنى من المعاني التي ينشئ القرآن الكريم عليها النبي ويربيه

( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) (٤٢)

( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٤٣)

٢٦٦

ويحث عليه المؤمنين :

( وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤٤)

( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا ) (٤٥)

التوكّل تعزيز لإرادة المسلم

في القرآن الكريم اهتمام كبير بالتوكّل والحث عليه

٢٦٧

فالتوكّل في القرآن الكريم ظاهرة عامّة في سلوك الأنبياء :

( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٣٩)

وهو ضرورة من ضرورات الإيمان ، ولازمة من لوازمه. كما يبدو ذلك في القرآن الكريم :

( إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) (٤٠)

( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤١)

وهو معنى من المعاني التي ينشئ القرآن الكريم عليها النبي ويربيه

( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) (٤٢)

( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٤٣)

٢٦٨

ويحث عليه المؤمنين :

( وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤٤)

( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا ) (٤٥)

فإذا عزمت فتوكّل

وجل موارد التوكّل تأتي لشيء آخر هو تعزيز إرادة الصمود في وجه تحدّيات الكفر والضلال. وتعزيز إرادة الأقوام في اللحظات الحرجة. وهو لهذا داعية للعمل ، وباعث عليه وليس مثبطاً عنه ، أو تفويضاً عنه ، وبديلاً

(أ) - تعزيز إرادة الصمود في وجه التحديات :

(*) -( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ

٢٦٩

فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) (٤٨)

(*) -( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٤٩)

(*) -( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (٥٠)

(*) -( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٥١)

٢٧٠

في هذه الآيات المباركات تبدو واضحة قيمة التوكّل في تعزيز إرادة الصمود ، والصبر في المحنة ، والبلاء. والثبات على الاستقامة فنوحعليه‌السلام يستهين بملة الكفر على ضخامة الحجم ، وشراسة المواجهة ؛ لأنّه توكّل على الله. والمؤمنون عندما يقول لهم الناس : إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. لا يخشونهم وإنّما يزدادون إيماناً. ويحتسبون الأمر عند الله وعليه يتوكّلون. وموسىعليه‌السلام يغذي قومه في الأيام الصعبة بالتوكّل ، لان التوكل زاد الصامدين الصابرين ، وهكذا الرسل يصبرون على الأذى ، والتكذيب بمعونة التوكّل والاحتساب

من أين جاءت هذه القيمة العملية الكبرى للتوكّل. وكيف يتاح للتوكل أنْ يعزز فينا إرادة الصمود، والقدرة على المواجهة؟!

هذه القيمة العملية للتوكّل تنبع في حقيقة الأمر من تفويض العنصر غير الاختياري إلى الله ، فأنت تقوم بدورك ، وتنتهي مهمتك وما تبقّى على الله تفوضه إلى الله وحده. بعد أنْ تحذر من الوقوع في الخطأ ، والتهور، وتجاهد قدر ما تستطيع. بعد هذا لن تبقى قلقاً على ما تبقّى. فأنت لا يهمّك ما تبقى لا يهمك إنْ قتلت أو مت أو عُذبت. لأنّك قد جعلت هذا بعين الله ، ووكلت الأمر إليه. يقرّر ما يشاء ويفعل ما يشاء ، وليس لك سوى الرضا ، والقناعة

(ب) - تعزيز إرادة الإقدام :

( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ

٢٧١

يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )(٥٢)

( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْما جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٥٣)

بينما كان التوكّل في الآيات السابقة تعزيزاً لإرادة الصمود للصبر ، للثبات والاستقامة، رغم الضغوط والتحدّيات ، فإنّه في هاتين الآيتين يقوم بدور المعزّز لإرادة الإقدام. والفعل. للإرادة المؤمنة الهجومية ، التي تفتح على الجبّارين معاقلهم ، وتلقنهم الدروس في عقر ديارهم والحصون التي يحتمون بها من إرادة الله.!

وفي كلّ مشروع في الحياة العملية يستهدف بعض النتائج توجد أسباب اختيارية ، وأسباب خارج دائرة هذا الفرد أو ذاك، والإنسان كثيراً ما يتردّد ، أو يضعف وتضعف ثقته بنفسه وأدائه ، لتوقّعه دخول عناصر ليست بالحسبان تنتهي إلى فشل المشروع المذكور

والتوكّل يعالج هذه النقطة فأنت عليك أنْ تؤدّي ما باختيارك وأوكل

٢٧٢

ما ليس بالاختيار إلى الله تعالى. واستمدّ العون منه. وادعه أنْ يتمّم عملك ، يكمله لك.

الاتكالية الاعتماد على الذات. التوكّل

الاتكالية هي أنْ تنفض يدك وتسحب نفسك من معركة العيش ، ومعركة الإصلاح والتغيير ؛ لأنّك تفوض الله في هذه العملية وتستنيبه في التصرّف تماماً كما يفعل الموكّل مع الوكيل في عقد الوكالة. والاتكالية انحراف في الفكر والسلوك ؛ لأنّ قاعدة ( أعقل وتوكّل ) أي قم بما عليك ، وأوكل الباقي إلى الله. هي القاعدة السلوكية المعمول بها عند المسلم ، وليست قاعدة

( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا )

والاعتماد على الذات ، هو أن يقوم الإنسان وحده ، من دون أنْ يتوكّل على الله تعالى ، ويتطّلع إلى نصره ، ومساندته. وهو شعبة من شعب القطيعة مع الله. يرهق بها الإنسان نفسه بعبء المسيرة ، ومسؤولية الحياة. ثمّ لا يجد له ولياً ولا نصيراً. والإنسان الذي يقطع صلته النفسية بالله. ويتمرّد على ربّه جلّ وعلا بين اثنتين : بين صيغة الإنسان الضائع المشتت القلق المرهق. وصيغة الإنسان الذي يطغى. ويفاجئ الناس بأنّه ( ربّهم الأعلى ) وحتى هذا الإنسان ينطلق في ذلك من عقد الحقارة والنقص ، والشعور بالحاجة الذي يحاول أنْ يتغلّب عليه من خلال الخلع الكاذب المزعوم لصفات الإله على الذات.

٢٧٣

والتوكّل صورة بين اثنتين بين الاتكالية ، والاعتماد على الذات تتجاوز سلبيات كل منهما. وتحقّق في معنى إبداعي جديد صيغة الحياة الرائدة. المطمئنة في الحياة.

التوكّل والتخطيط

(١) - عرفنا أنْ التوكّل لا يعني نفض اليد من الالتزامات وأنّ أداءها ، ويبني الثقة بالذات ، والقدرة على الصمود والإقدام. وهو على هذا ( استعانة ) بالله ، وليس استنابة له في التصرّف. والاستعانة بالله تفترض أنّ الفعل فعل الإنسان ودور الله تعالى دور المساند والمعزّز والمعين

(٢) - والسؤال الآن : هل يتنافى التخطيط مع التوكّل ؟

أبداً. لأنّ التوكّل كما عرفنا استعانة بالله تعالى وليس اتكالية كسولة. والتخطيط في حقيقة أمره. اختيار الخطوات المناسبة التي من شأنها أنْ توصل إلى هدف معيّن

والبحث عن الخطوة المناسبة إلى هدف معيّن مثله ، مثل الخطوة ذاتها لا يتنافى مع التوكّل

الدخول إلى الأرض المقدّسة كان هدفاً فكيف حاول التوصّل إليه الرجلان اللذان يخافان أنعم الله عليهما ؟! كان ذلك عن طريق ( التخطيط + التوكّل )

( ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ )

٢٧٤

وهذا عين التخطيط ، وقمّة التخطيط ، وعلى الله فتوكّلوا إنْ كنتم مؤمنين

وفي المثال الساذج المعروف ، كيف يستطيع الإعرابي أنْ يحفظ بعيره ، قد يفهم الإعرابي التوكّل فهماً خاطئاً فيتصوّر أنْ حفظ البعير بالتوكّل وحده ، وبإيكال حفظه إلى الله ، غير أنّ الذي فهمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له ، هو ( اعقل وتوكّل ) وعقل البعير صورة بسيطة لعملية تخطيطية واضحة.

التعقّل بُعد آخر للإرادة المسلمة

عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( إنّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا رسول الله ، أوصني

فقال له : ( فهل أنت مُستوصِ إنْ أنا أوصيتك ؟ ) ، حتى قال له ذلك ثلاثاً ، وفي كلّها يقول الرجل : نعم يا رسول الله

فقال له رسول الله :

( فإنّي أوصيك إذا هممتَ بأمرٍ فتدبّر عاقبته ، فإنْ يك رُشداً فامضه ، وإنْ يك غيّاً فانته عنه )

للإرادة الربانية بُعدان آخران :

(١) - التعقّل. وهو التفكير المسبق في كل فعل قبل وقوعه ، ودراسة ما ، إذا كان من الصحيح فعله أولاً

وهذا هو الذي يوصي به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث المذكور. فيقوم التعقل على أساس :

( إذا همَمت بأمرٍ فتدبر عاقبته فإن يك

٢٧٥

رشداً فامضه ، وإنْ يك غياً فانته عنه )

ويعني ذلك بالتالي عدم الاعتماد على العواطف ، والانفعالات والحماس الآني وعدم التسرّع في الموقف ، والإجراءات

(٢) - التخطيط ، والتنظيم. ويقوم على أساس تحديد الخطوات وتعيين المراحل ، والإجراءات اللازمة للوصول إلى النتيجة الفعلية ، أو الهدف المعين الذي يقوم عليها ، والعمل وفق ذلك بالدقة التامّة. وهذا شأن من شؤون الحكمة التي أمر الله تعالى بها رسوله ، والمؤمنين

( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )

تعقّل بلا إرادة وإرادة بلا تعقّل

نلاحظ - كما في كثير من المجالات - وجود إفراط وتفريط بصدد قضية التعقّل والتخطيط. فهناك من يبني مواقفه عملياً على أساس الحماس والعزم ، والتصميم من دون أنْ يتأمّل فيها ، ويتدبّر ومن دون أن يدرس الخطوات الضرورية اللازمة للوصول إلى الأهداف الاجتماعية التي يحاول تحقيقها

وهناك في المقابل من يكثر من التأمّل والتفكير

ولكن لا ينتهي إلى يقين ، وإنّما إلى وسوسة وشك وتلكّؤ ، أو إلى تجميد وتعطيل ، فيُصاب هؤلاء في العادة بمرضين :

٢٧٦

(١) - مرض الوسوسة والتردّد ، و( الجربزة ) لأنّهم بتفكيرهم الزائد وتأمّلهم العميقً يخرجون عن إطار الرؤية الفكرية للإسلام ، والعمل الإسلامي ، والبصائر ، والهدايات العامّة التي ينبغي ويجب على الإنسان أنْ يتمسّك بها في ميادين العمل والجهاد

(٢) - مرض التلكّؤ العملي ، والجمود والضمور الذاتي والانطواء على الذات

إنّ الله سبحانه يريد منّا أنْ نوازن في أمورنا جميعاً. والمطلوب هنا أنْ نوازن بين القلب والعقل ، والروح والفكر والعزم والتعقّل. وأنْ نعطي لعقولنا حقّها من التفكير ولإرادتنا حقّها من العمل. لا عمل من دون علم وتدبّر؛ لأنّ

( العامل على غير بصيرة ، كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير إلاّ بُعداً )

ولأنّ ( مَن عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح )

كما عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن جهة أخرى : ( لا علم بلا عمل ؛ لأنّ بين العمل والعلم تكاملاً )

٢٧٧

ذكره الإمامعليه‌السلام كما في الرواية التالية : ( لا يقبل الله عملاً بلا معرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرَف دلته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له ، إلاّ أنّ الإيمان بعضه من بعض )

وأمّا المتشكّكون المتلكّؤون فيقول لهم الأمام عليعليه‌السلام كما في نهج البلاغة :

( لا تجعلوا علمكم جهلاً ويقينكم شكّاً ، إذا علمتم فاعلموا ، وإذا تيقّنتم فأقدموا )

هوامش

____________________

(٣٩) - سورة إبراهيم / ١٢

(٤٠) - سورة يونس / ٨٤

(٤١) - سورة المائدة / ٢٣

(٤٢) - سورة النساء / ٨١

(٤٣) - سورة الأحزاب / ٤١

(٤٤) - سورة آل عمران / ١٦٠

(٤٥) - سورة يونس / ٨٤

(٤٦) - سورة المائدة ٢١ - ٢٢

(٤٧) - سورة المائدة / ٢٤

(٤٨) - سورة يونس / ٧١

(٤٩) - سورة آل عمران / ١٣٣

(٥٠) - سورة يونس ٨٣ - ٨٦

(٥١) - سورة إبراهيم ١١ - ١٢

(٥٢) - سورة آل عمران / ١٥٩

هوامش الفصل الرابع

(١) - لله سبحانه إرادتان : إرادة تتعلّق بذات الفعل والحدث ، وهذه هي الإرادة التكوينية ، ومن هنا ، إذا أراد الله شيئاً قال له كن فيكون ، وإرادة تتعلّق بفعل الإنسان ، على أنْ يصدر باختياره وحرّيته ، وهي الإرادة التشريعية ، كإرادة الصلاة والصوم ، وترك شرب الخمر

(٢) - سورة البقرة / ١٤

(٣) - سورة المنافقون / ١

(٤) - سورة البقرة / ٢١

(٥) - سورة النساء : ١٣ - ١٤

(٦) - سورة الأحزاب / ٣٦

(٧) - سورة التوبة / ٥٢

(٨) - سورة المطففين / ١٤

(٩) - أصول الكافي ج ٢ ص ٧٤

٢٧٨

(١٠) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢٣٢

(١١) - سورة الأنعام / ٤٨

(١٢) - سورة النحل / ٣٥

(١٣) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢٨٧

(١٤) - سورة آل عمران / ١٦٥

(١٥) - سورة الحج / ١١

(١٦) - سورة الأعراف / ١٣١

(١٧) - سورة الروم / ٣٦

(١٨) - سورة الشورى / ٤٨

(١٩) - سورة البقرة / ١٥٦

(٢٠) - سورة آل عمران / ١٥٣

(٢١) - سورة آل عمران / ١٤٦

(٢٢) - سورة الحج / ٣٥

(٢٣) - سورة الشورى / ٢٦

(٢٤) - سورة البقرة / ١٧٧

(٢٥) - سورة التوبة / ٥١

(٢٦) - سورة الأنعام / ٤٢

(٢٧) - سورة آل عمران / ١٧٣

(٢٨) - أصول الكافي ج ٢ باب ابتلاء المؤمنين

(٢٩) - سورة آل عمران / ١٤٦

(٣٠) - سورة طه / ١٣٢

(٣١ - ٣٢) - أصول الكافي ج ٢ ص ٣٥٧ - ٣٥٨

(٣٣) - سورة الحجرات / ١٢

(٣٤) - سورة البقرة / ٦١

(٣٥) - سورة الإسراء ٧٣، ٧٤، ٧٥

(٣٦) - في ظلال القرآن الشهيد سيّد قطب م ٥ ص ٣٥١ وما بعدها

(٣٧) - سورة الإسراء / ٧٩

(٣٨) - سورة البقرة / ١٢٧

(٣٩) - سورة إبراهيم / ١٢

٢٧٩

(٤٠) - سورة يونس / ٨٤

(٤١) - سورة المائدة / ٢٣

(٤٢) - سورة النساء / ٨١

(٤٣) - سورة الأحزاب / ٤١

(٤٤) - سورة آل عمران / ١٦٠

(٤٥) - سورة يونس / ٨٤

(٤٦) - سورة المائدة ٢١ - ٢٢

(٤٧) - سورة المائدة / ٢٤

(٤٨) - سورة يونس / ٧١

(٤٩) - سورة آل عمران / ١٣٣

(٥٠) - سورة يونس ٨٣ - ٨٦

(٥١) - سورة إبراهيم ١١ - ١٢

(٥٢) - سورة آل عمران / ١٥٩

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326