نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي17%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108411 / تحميل: 7749
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عبد المطّلب كفله عمه أبو طالب شقيق أبيه ، فلما اختصه الله عزّ وجلّ بالنبوة ، وابتعثه بالرسالة حماه أبو طالب ونصره ومنع منه من أراد أذاه ، وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به من الرسالة والنبوة ، وعنف من دفع ذلك وكذبه ، إلا أنه لم يظهر الإسلام(١) وكان ذلك أنفع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كان سيدا مطاعا في قومه ، فلو أسلم لكان كرجل من المسلمين ، ولم يبلغ من الذبّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بلغ وهو على حالته ، ولم يكن يتحاماه المشركون فيه كما تحاموه ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله في نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذبّ عنه ، والمحاماة عنه من دونه ما يخرج ذكره بطوله عن حدّ هذا الكتاب ، وله في ذلك أشعار كثيرة معروفة يستدعي فيها قبائل العرب لنصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤكد فيها فضله وصدقه وأمر ابنيه عليا وجعفر باتباعه ، ورغبهما في ذلك ، وأقرّ بنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر ذلك في غير موضع من شعره. فمنه

__________________

(١) روى محمد بن ادريس ، عن الصادقعليه‌السلام عن آبائه ، عن عليعليه‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هبط عليّ جبرائيل ، فقال لي : يا محمد إن الله عزّ وجلّ مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب وحجر كفلك أبو طالب ( الحجة على الذاهب ص ٤٨ ) :

وروى عن الصادق عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن أصحاب الكهف أسرّوا الايمان وأظهروا الكفر فأتاهم الله أجرهم مرتين ، وأبا طالب أسرّ الايمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتين ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٧٠ ).

وعن الشعبي مرفوعا ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : كان والله أبو طالب بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم ايمانه على بني هاشم ان تساندها قريش ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

وعن أبي علي الموضح ، انه قال : تواترت الاخبار عن علي بن الحسين عليه‌السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمنا؟ فقال عليه‌السلام : نعم. فقيل له : إن قوما هاهنا يزعمون أنه كافر. فقال عليه‌السلام : واعجباه أيطعنون على علي بن أبي طالب أو على رسول الله. وقد نهى الله أن يقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من المؤمنات الصادقات ، فانها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

٢٢١

قوله في شعر له هذه الابيات(١) :

ألا أبلغا عني على ذات بيننا(٢)

لؤيا وخصّا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا إنا وجدنا محمدا

نبيا(٣) كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة

ولا خير(٤) ممن خصّه الله في الحب

وقوله في آخر :

فأمسى ابن عبد الله فينا مصدّقا

على ساخط من قومنا غير معتب

وقوله [ في ] قصيدة له طويلة(٥) شعرا :

وما ترك قوم ـ لا أبا لك ـ سيدا

يحوط الذمار غير ذرب مؤاكل

__________________

(١) وقد أنشد هذه الابيات في شأن الصحيفة واكل الارضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحم وهي مؤلفة من سبعة أبيات مطلعها :

ألا من لهم آخر الليل منصب

وشعب العصا من قومك المتشعب

وما ذكره المؤلف ( ره ) هو من الابيات الاخيرة من القصيدة. أما القصيدة فقد ذكرت في الديوان ص ١٧.

وايمان أبي طالب للمفيد ص ٧٩ ، ناسخ التواريخ ١ / ٢٦٠ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦. أما الشيخ الاميني في الغدير ٧ / ٣٣٣ فقد ذكر القصيدة في أربعة عشر بيتا ولم يذكر البيت الأخير ( فأمسى ابن عبد الله مصدقا ) من جملتها.

وقد ذكرت القصيدة في روض الانف ١ / ٢٢١ ، والسيرة لابن هشام ١ / ٣١٩ ، الاحتجاج للطبرسي ١ / ٣٤٦ ، شرح ابن أبي الحديد ١٤ / ٧٢ ، خزانة الادب ١ / ٢٦١ ، بلوغ الادب للآلوسي ١ / ٣٢٥.

(٢) وفي السيرة : ذات بينها.

(٣) وفي السيرة : رسولا.

(٤) وفي السيرة والروض الانف : ( ولا خير ممن خصه الله بالحب ) وفي نسخة ز : ولا حيف فيمن خصه الله.

(٥) وتعرف القصيدة باللامية ، ومطلعها :

خليلي ما اذني لاول عاذل

بصفراء في حق ولا عند باطل

وقد ذكر ابن أبي الحديد القصيدة في سبعة عشر بيتا ( شرح النهج ١٤ / ٣٩ ) وابن هشام في تسعين بيتا والأمينى في الغدير ٧ / ٣٤٠ في مائة وأحد وعشرين بيتا. ومن الملاحظ أن المؤلف ره قد نقل الابيات باختلاف وتقديم وتأخير مثلا : فأيده ربّ العباد. موقعه في أواخر القصيدة جاء بها قبل : لكنا اتبعناه على كل حالة.

٢٢٢

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال [ ال ] يتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وقوله فيها :

كذبتم وبيت الله نترك أحمدا(١)

ولما نطاعن(٢) حوله ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

واخوته داب المحبّ المواصل(٣)

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها

وزينا لمن والاه ربّ المشاكل(٤)

فما مثله(٥) في الناس أيّ مؤمل

إذا قامت(٦) الحكام عند التفاضل

حليم رشيد عادل غير طائش

يوالي إلها ليس عنه بغافل

فأيده ربّ العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل(٧)

فو الله لو لا أن أجيء بسبة

تعد على أشياخنا في المحافل(٨)

لكنا اتبعناه على كل حالة

من الدهر جدا غير قول التهازل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول(٩) الأباطل

[ ضبط الغريب ]

قوله : يحوط الذمار. ذمار الرجل : كلما يلزمه حماة والدافع عنه وان ضيّعه

__________________

(١) نترك محمدا. وفي نسخة الشنقيطي : نبرى محمدا.

(٢) السيرة : ولما نطاعن دونه ونناضل.

(٣) السيرة : وأجبته حبّ حبيب المواصل.

(٤) السيرة : زينا لمن ولاه ذب المشاكل.

(٥) السيرة : فمن مثله.

(٦) اذا قاسه الحكام.

(٧) السيرة : غير فاصل.

(٨) السيرة : تجسر على أشياخنا في القبائل.

(٩) السيرة : ولا نعني بقول إلا باطل.

٢٢٣

لزمه القوم لذلك. والذمر : اللوم والتحريض.

الذرب : الجاد من كل شيء(١) قال الشاعر :

( اني لقيت ذربة من الذرب )

يعنى امرأة سليطة.

الموكل من الرجل : الذي يتكل أمره على غيره ( فيعينه ، ومثله رجل مكليه : وهو الذي يكل أمره على غيره )(٢) .

وقوله : يستسقى الغمام بوجهه.

الغمام : السحاب. والثمال : اللبن.

[ استشهاد الرسول بأبيات أبي طالب ]

[١١٤٥] ولما أن دعا رسول الله على [ مضر ]. وقال : اللهمّ اجعلها عليهم كسنيّ يوسف.

فاحبس الغيث عنهم ، واجدبوا حتى هلك اكثرهم واسترحم لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستسقى ، فما انصرف حتى همت الناس أنفسهم من شدة المطر. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن أبا طالب شهد هذا المشهد لسرّه لما سبق ، ومنه قوله : ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ).

[ واستشهاده أيضا في يوم بدر ]

ولما أن جرح عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب(٣) يوم بدر

__________________

(١) وفي نسخة ز : المجادة من كل شيء.

(٢) ومنه قول أبي المثلم ( حامي الحقيقة لا وان ولا وكل ) لسان العرب ١١ / ٧٣٥.

(٣) أسلم وكان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكة ، ثم هاجر وشهد بدرا ، وذكر ابن اسحاق

٢٢٤

وانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصار الى بعض الطريق ، سال مخ ساق عبيدة(١) وكان ضرب على ساقه ، واشتدّ عليه واحتضر ، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا له ، وأثنى عليه وبشره بالجنة.

وكان شيخنا مسنا. ويقال إنه بارز من بارزه ، وهو يتوكأ على عصا(٢) . فقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن كما قال أبو طالب. وأنشده شعرا :

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

[ نعود الى ذكر أبي طالب ]

وكان اظهار أبي طالب ما اظهر من التمسك بدين العرب ، والرغبة فيه مع تصديقه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقراره بنبوته ، مما أيد الله به أمر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانه [ لو ] أظهر الاسلام لرفضته العرب ولم يعضده من عضده منهم على نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والاخبار يطول ذكرها في تربيته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وايثاره إياه على ولده وقيامه به وبذله نفسه دونه.

__________________

أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقد لعبيدة راية ، وارسله في سرية قبل واقعة بدر ، فكانت أول راية عقدت في الاسلام.

قال ابن هشام في السيرة ص ٥٢٦ : لما اصيب في قطع رجله يوم بدر قال : أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما تطاعن دونه ونناضل

وتوفي في العام الثاني للهجرة.

(١) المغازي ١ / ٦٩ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٨٠ ، خزانة الادب ٢ / ٦٤.

(٢) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب لشمس الدين المتوفى ٦٣٠ ه‍ ص ٣٠٢ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ١٢٥.

٢٢٥

[ حمزة بن عبد المطّلب ]

فأما حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعمّ عليعليه‌السلام ، فكان على ما كان عليه أبو طالب من الحمية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذبّ عنه ولم يسلم الى أن خرج يوما لصيد ، ومرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد الحرام ينادي قريشا ، فنالوا منه ، وكان أكثرهم قولا فيه أبو جهل(١) .

وجاء حمزة من الصيد ، فاخبر بذلك(٢) ، فجاء مغضبا وهو مقلد قوسه حسب ما كان في صيده ، فكان من شأنه اذا دخل المسجد أن يبدأ ، فيطوف بالبيت ثم يأتي نادي بني عبد المطلب ، فيجلس فلم يلو على شيء حتى وقف على أبي جهل ، فشجه شجة منكرة ، وقال : أتشتم ابن أخي ، فأنا على دينه أقول ما يقول. فاردد عليّ ان استطعت.

فقام إليه [ رجال ](٣) من بني مخزوم لينتصروا منه ، فقام إليهم أبو جهل ، وقال : دعوا أبا عمارة ، فاني والله سببت ابن أخيه سبا قبيحا. ( وانما فعل ذلك ليستميله لأن لا يسلم )

فتمادى حمزة على الاسلام ، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأظهر

__________________

(١) وهو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي. كنيته : أبو الحكم. كناه المسلمون أبا جهل ، وكان أشد الناس عداوة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهد بدرا ، فكان من جملة قتلى المشركين ( امتناع الاسماء ١ / ١٨. السيرة الحلبية ٢ / ٣٣ ).

(٢) إذ أقبل حمزة متوحشا بقوسه راجعا من قنص له فوجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دار اخته مهموما وهى باكية ، فقال له : ما شأنك؟ قالت : ذلّ الحمى ، يا أبا عمارة لو لقيت ما لقي ابن اخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام ، وجده هاهنا جالسا ، فأذله وسبه وبلغ منه ما يكره ، فانصرف [ حمزة ] الى المسجد ( المناقب ١ / ٦٢ ).

(٣) هكذا صححناه وفي الأصل : رجل.

٢٢٦

اسلامه فعلم بنو عبد شمس أنه سيمنع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أن أسلم.

وكان حمزة منيع الجانب من قريش ، شديد العارضة ، أبيّ النفس. فكفّ بنو عبد شمس من أذى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن شتمه ، وأظهر حمزة الاسلام ، ودخل في جملة أهله.

[ عقب حمزة ]

وكان يكنى أبا عمارة ، ولا عقب له ، وكان قد ولد له ولد سماه عمارة من امرأة بني النجار ، ومات. وكانت له ابنة يقال لها : أم أبيها ، وهي التي تقدم الخبر باخراج عليعليه‌السلام لها من مكة في عمرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الحديبية ، وأنه تنافس في كفالتها معه من ذكر في الخبر. وعرضها عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتزوجها(١) . فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها ابنة أخي في الرضاعة. وكان حمزةعليه‌السلام قد رضع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أرضعتهما امرأة من مكة ( يقال لها : ثويبة )(٢) .

__________________

(١) قال الطبرى في الذخائر ص ١٠٧ : اخرج مسلم عن عليعليه‌السلام ، قال : قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مالك لا تنوق في قريش وتدعنا ( أي لم تتزوج من قريش ولا تتزوج من بني هاشم )؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعندكم شيء؟ قلت : نعم بنت حمزة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها لا تحل لي فانها ابنة اخي من الرضاعة.

وفي الاستيعاب ١ / ١٧ : عن ابن عباس ، قال : قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تتزوج ابنة حمزة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انها ابنة أخي من الرضاعة.

(٢) وكان حمزة أخا رسول الله من الرضاعة أرضعتهما وعبد الله بن عبد الأسد ثويبة بلبن ابنها مسروح ، وكانت ثويبة مولاة أبي لهب ( ذخائر العقبى ص ١٧٢ ). وقال في الاصابة ١ / ١٦ : ولدت آمنة لعبد الله رسول الله وولدت هالة لعبد المطلب حمزة ، فأرضعت منهما أبا سلمة ابن عبد الاسد. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرم ثويبة ، وكانت تدخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن تزوج خديجة ، فكانت خديجة تكرمها وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر الرسول الى المدينة. فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر.

٢٢٧

[ جهاده ]

فهاجر حمزة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المدينة وشهد بدرا ، ولما أن توافقوا للقتال يومئذ برز من المشركين عتبة(١) وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ودعوا للمبارزة ، فبرز إليهم عليعليه‌السلام وحمزة عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد كان يومئذ شيخا مسنا ، خرج الى المبارزة يتوكأ على عصاه ، ولما أن تبارزا يومئذ أنزل الله عزّ وجلّ فيهم( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) الآية(٢) .

فبارز عليعليه‌السلام الوليد بن عتبة ، فقتله ، وبارز حمزة شيبة ، فقتله. وبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، فاختلف بينهما ضربتان أثبت كل واحد منهما صاحبه ، فعطف حمزةعليه‌السلام وعليعليه‌السلام على عتبة ، فقتلاه ، واستنقذا عبيدة بن الحارث ، وقد قطع عتبة رجله(٣) ، فمات من ذلك بعد منصرفهم الى المدينة بالصفراء(٤) . وقتل حمزة يومئذ طعيمة بن عدي ، وسبأ الخزاعي ، وجماعة من المشركين.

[ شجاعته ]

وكان حمزة يدعى : أسد الله وأسد رسوله ، لنجدته وشجاعته واقدامه ، وشهد

__________________

(١) وهو عتبة بن ربيعة بن عبد قيس. كنيته : أبو الوليد من شخصيات قريش وكان يضمر عداء شديدا لرسول الله ، وقد نشأ في حجر حرب بن أميّة لانه كان يتيما ، وقد شهد بدرا. وكان ضخم الجثة عظيم الهامة طلب يوم بدر بخوذة ليلبسها ، فلم يجد ما يسع هامته. وقد قتله علي بن أبي طالب ( الروض الانف ١ / ١٢١ ، نسب قريش ص ١٥٣ ).

(٢) الحج : ١٩.

(٣) وفي نسخة ز : رجليه.

(٤) الصفراء بالتأنيث : وادي الصفراء من ناحية المدينة وهو واد كثير النخل والزرع في طريق الحاج بينه وبين بدر مرحلة وماؤها عيون ( مراصد الاطلاع مادة الصفراء ).

٢٢٨

يوم احد(١) ، فأبلى من المشركين بلاء شديدا ، وقتل منهم عددا كثيرا ، وقتل يومئذ عثمان بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين(٢) .

وكان إذا هجم يومئذ انفرجوا ، ولم يقم أحد منهم له ، فهجم في جماعة منهم ، فافترقوا ، وكان فيهم وحشي بن الحارث ، وكان من سودان مكة عبدا لجبير بن مطعم(٣) ، فاستتر منه [ خلف ] شجرة ، ولم يرد حمزةعليه‌السلام وسار مقدما أمامه في طلب المشركين.

فرماه وحشي بحربة كانت معه ، فأصاب مقتله فسقط ، وأحاط به المشركون فمثلوا به لشدة ما أبلى [ في ] هم وكثرة من قتل منهم. وكانت هند أمّ معاوية مع المشركين يومئذ تحرضهم على القتل ، فلما أن قتل حمزة أتت إليه ، فبقرت بطنه وأخذت قطعة من كبده ، فرمتها في فمها ولاكتها ، وأرادت أن تبلعها ، فلم تستطع وألقتها(٤) .

__________________

(١) عن عمر يناهز الاربع والستين سنة.

(٢) قال الواقدي في المغازي ١ / ٢٤٦ : وكان يرتجز أمام النساء :

اني على أهل اللواء حقا

ان تخطب الصعدة أو تندقا

 (٣) جبير بن مطعم بن عدي ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ١٣ ).

(٤) قال حسان بن ثابت وهو يبكي :

أتعرف الدار عفا رسمها

بعدك صوب المسيل الهاطل

بين السراديح فأدمانة

فمدفع الروحاء في حائل

سألتها من ذاك فاستجمعت

لم تدر ما مرجوعة السائل

دع عنك دارا قد عفا رسمها

وابك على حمزة ذي النائل

المالئ الشيزى إذا أعصفت

غبراء في ذي الشيم الماحل

والتارك القرن لذي لبدة

يعثر في ذي الخرص الذابل

واللابس الخيل إذا أحجمت

كالليث في عابته الباسل

أبيض في الذروة من هاشم

لم يمرّ درن الحق بالباطل

مال شهيدا بين أسيافكم

شلّت يدا وحشي من قاتل

صلّى عليه الله في جنة

عالية مكرمة الداخل

٢٢٩

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إنها لو ابتلعتها حتى يخالط دم حمزة دمها لما طعمتها النار ، ولكن أبى الله ذلك. ووقف عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واشتدّ حزنه عليه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لئن أمكنني الله عزّ وجلّ منهم لامثلن منهم سبعين. فأنزل الله عزّ وجلّ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ

__________________

كنا نرى حمزة حرزا لنا

في كل أمر نابنا نازل

وكان في الاسلام ذا تدرا

يكفيك فقد القاعد الخاذل

لا تفرجى يا هند واستجلبي

دمعا فأذري عبرة الثاكل

وابكي على عتبة إذ قطه

بالسيف تحت الرهج الجائل

اذ خرّ في مشيخة منكم

من كل عات قلبه جاهل

أرداهم حمزة في اسرة

يمشون تحت الحلق الفاضل

غداة جبريل وزير له

نعم وزير الفارس الحامل

ضبط الغريب :

عفا : غبر ودرس. الصوب : المطر. السراديح : جمع سرداح ، وهو الوادي. ادمانه : مكان بعينه. المدفع : حيث يندفع السيل. الحائل : الجبل. النائل : العطاء. الشيزي : الجهان التي تصنع من خشب الشين. وأعصفت : اشتدت. الغبراء : التي تثير الغبار وتهيجه. الشيم : الماء البارد. الماحل : من المحل وهو القحط. القرن : الذي يقاومك في القتال. ذو الخرص : الرمح ، والخرص سنانه. ذا تدرا : يريد انه كان كثير الدفاع عنا. الرهج : الغبار. الجائل : المتحرك الثائر مما اثارته سنابك الخيل واقدام المحاربين. الحلق : الدروع.

وقال كعب بن مالك :

ولقد هددت لفقد حمزة هدة

ظلت بنات الجوف منها ترعد

ولو أنه فجعت حواء بمثله

لرأيت رأسي صخرها يتبدد

قوم تمكن في ذؤابة هاشم

حيث النبوة والندى والسؤدد

والعاقر الكوم الجلاد اذا غدت

ريح يكاد الماء فيها يجمد

والتارك القرن الكمى مجدلا

يوم الكريهة القنا يتقصد

وتراه يرفل في الحديد كأنه

ذو لبدة شأن البرائن أربد

عمّ النبي محمد وصفيه

ورد الحمام فطاب ذاك المورد

وأتى المنية معلما في اسرة

نصروا النبي ومنهم المستشهد

ولقد أخال بذاك هندا بشرت

لتميت داخل غصة لا تبرد

٢٣٠

بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ) (١) .

وصبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدفنه مع الشهداء في مصارعهم.

ولما أن صار الى المدينة سمع بكاء نساء الانصار على من قتل منهم ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكن حمزة لا بواكي له.

فسمع ذلك الأنصار ، واجتمع نساؤهم وآتين منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلن يبكين حمزة ، فخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجزاهن خيرا ، وامرهن أن ينصرفن.

[ قاتل حمزة ]

وأسلم وحشي بعد ذلك ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غيّب وجهك عني.

فكان إذا رآه توارى منه ، وخرج بعد ذلك الى الشام(٢) ، وكان يشرب الخمر ويلبس المعصفرات وحدّ على شرب الخمر وهو أول من حدّ في الشام على شر الخمر(٣) .

__________________

الى قوله :

شتان من هو في جهنم ناويا

أبدا ومن هو في الجنان مخلّد

ضبط الغريب :

بنات الجوف : يعني قلبه وما اتصل به مما يشتمل عليه الجوف. ذؤابة هاشم : أعاليها ، وأراد سمي أنسابها وأرفعها. الكوم : جمع كوماء ، وهي من الابل العظيمة السنام. مجدلا : مطروحا على الجدالة وهي الارض. الحديد : أراد به الدروع. البراثن : للسباع بمنزلة الاصابع للانسان. الاربد : الاغبر يخالط لونه سواد.

(١) النحل : ١٢٦.

(٢) الى مدينة حمص.

(٣) قال ابن الاثير في الكامل ٢ / ٢٥١ : وهو أول من لبس المعصفر المصقول في الشام.

٢٣١

[ العباس بن عبد المطّلب ]

وأما العباس بن عبد المطّلب(١) عمّ الرسول ، فإنه كان أسن بثلاث سنين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يسلم الى أن شهد بدرا مع مشركي أهل مكة. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ قد ] قال للمسلمين يوم بدر : فمن قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم اخرجوا كرها.

فاسر العباس فيمن اسر(٢) ، وشدّ في الوثاق ، فكان يئن لشدة الرباط ، فإذا سمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يئن ، قال : احفظوني في العباس ، فانه عمي(٣) وعم الرجل صنو أبيه. ولما أن منّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من اسر من المشركين يوم بدر على أن يفدوا أنفسهم منّ عليه فيهم.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أفد نفسك وابن أخيك عقيلا ، فانه ليس له مال ، وكان قد اسر معه يومئذ. فقال : أنا ما عندي مال.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأين المال الذي دفعته يوم خروجك من مكة الى أمّ الفضل ، وقلت لها : إن اصبت فلعبد الله كذا ، وللفضل كذا ، ولك كذا ، ولفلان كذا. وذكر له ما قال.

فقال العباس : والله ما سمع مني ذلك غيرها ، وما أطلعك على ذلك إلا الله. وأسلم ، وفدى نفسه وعقيل بن أبي طالب ، وكان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة. فعقد له على الانصار ، وأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السقاية يوم فتح مكة. وعاش بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أن أدرك

__________________

(١) وأمه أول عربية كست البيت حريرا وفاء لنذرها.

(٢) أسره أبو اليسر كعب بن عمر.

(٣) رواه أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٩٤.

٢٣٢

أيام عثمان بن عفان ، فمات فيها في المدينة ، وقد كفّ بصره ، وكان طول أيامه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف لعليعليه‌السلام حقه ويحثه على القيام ، ويبذل له نفسه في ذلك ، ولما أن قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم أمره لعلي عليه والسلام ، ولم يعارضه في شيء من أمر القيام بأمره ، وقال له : أين تدفنه يا أبا الحسن؟

فقالعليه‌السلام : في الموضع الذي قبض فيه ، وفعل ذلك ، ولم يجر بينهما اختلاف خلا ما جاء في الظاهر بأنه طلب منه تراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاصمه في ذلك الى أبي بكر ، فقضى أبو بكر لعلي.

وقد قيل إن ذلك كان بينهما توقيفا لأبي بكر على ما استأثر به من حق عليعليه‌السلام .

وقد قال بعض المتكلمين لبعض الشيعة(١) عند بني العباس : أليس قد خاصم عليعليه‌السلام العباس عند أبي بكر ، قال : فأيهما كان على الحق؟

أراد إن قال العباس ظلم عليا ، وإن قال علي أوحش بني العباس. فقال : كانا على الحق كما كان الملكان اللذان تسوّرا المحراب على داودعليه‌السلام واختصما إليه. وانما أرادا تقريره على الخطيئة التي وقع فيها ، فكذلك أراد علي والعباس ، ألم تر أن العباس لما قال أبو بكر ما قال عن رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) روى المدني في الدرجات الرفيعة ص ٩١ : أن متكلما قال لهارون الرشيد : اريد أن اقرر هشام بن الحكم بأن عليا كان ظالما. فقال له : إن حصلت لك كذا وكذا. فأمر به ، فلما حضر هشام قال له المتكلم : يا أبا محمد روت الامة بأجمعها أن عليا نازع العباس الى أبي بكر في تركه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال هشام : نعم. قال : فأيهما الظالم لصاحبه.

قال هشام : فقلت له : لم يكن فيهما ظالم. قال : أفيختصم اثنان في أمروهما جميعا محقان؟ قال هشام : نعم اختصم الملكان الى داود ، وليس فيهما ظالم ، وانما أرادا أن ينبها داود على الخطيئة ويعرفاه الحكم. كذلك علي عليه‌السلام والعباس تحاكما الى أبي بكر ليعرفاه ظلمه وينبهاه على خطئه ، فلم يحر المتكلم جوابا واستحسن الرشيد ذلك.

٢٣٣

وآله مما أوجب حق عليعليه‌السلام ثم يدفع ذلك ولا ناظر فيه ، ولم يكن اكثر من أن تبسم وأخذ بيد عليعليه‌السلام ثم قاما.

وكان العباس يرغب في العطاء وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أتى بمال ، وأمر به فصبّ بناحية المسجد ، وخرج الى الصلاة ، فمرّ عليه ، فما التفت إليه. [ ولما ] انفتل من الصلاة قام إليه العباس ، فقال : يا رسول الله قد جاء هذا وأنا في عيال وعليّ دين ، فمر لي منه بما تراه.

فقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذ منه ما يكفيك. فجاء الى المال وبسط رداءه ، وأخذ شيئا كثيرا ، فذهب لينهض به ، فلم يستطع ، فنقص منه مرارا حتى نهض بما أخذ ، ومضى ، فأتبعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببصره ، ولم يقل له شيئا.

وفرض عمر العطاء الى ناس ، ففرض لكل رجل من أهل بدر أربعة آلاف ، وفرض للعباس اثنا عشر ألفا.

ولما كان عام الرماد [ ة ](١) واشتدّ القحط ، فخرج بالناس واستسقى لهم ، فلما أن قام ليستسقي أخذ بيد العباس ، فقال : اللهمّ هذا كبيرنا وسيدنا وعمّ نبينا ، نتوجه إليك ، فاسقنا ، فسقوا(٢) .

وتوفي العباس وهو ابن تسع وثمانين سنة(٣) وصلّى عليه عثمان بن عفان ، وأنزله في قبره ابنه عبد الله(٤) .

__________________

(١) وهو عام جدب وقحط وقع على عهد عمر سمي ذلك من رمده أو أرمده إذا هلكه وصيره كالرماد. وأرمد إذا هلك بالرمدة ، والرمادة الهلاك. وقيل سمي بذلك لان الجدب صير ألوانهم كلون الرماد.

(٢) قال الطبري في الذخائر ص ١٩٩ : أخرجه إبراهيم بن عبد الصمد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس. وقال : اللهمّ هذا عمّ نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتوجه به إليك فاسقنا. قال : فما برحوا حتى سقاهم الله تعالى.

(٣) عن عمر يناهز ثمان وثمانين سنة ( ذخائر العقبى ص ٢٠٧ ، الدرجات الرفيعة ص ٩٦ ، الكامل ٣ / ١٣٦ ).

(٤) دفن في البقيع ودخل قبره ابنه عبد الله بن العباس ( الاستيعاب ١ / ١٠٠ ، المدخل لابن الحاج

٢٣٤

[ نعود الى ذكر أولاد أبي طالب ]

[ طالب بن أبي طالب ]

وأما طالب بن أبي طالب(١) فهو الذي يقول في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الأبيات :

وقد حلّ مجد بني هاشم

فكان النعامة(٢) والزهرة

ومحض بني هاشم أحمد

رسول المليك على فترة

عظيم المكارم نور البلاد

حريّ الفؤاد صدى الزبرة

كريم المشاهد سمح البنان

اذا ضنّ ذو الجود والقدرة

عفيف تقيّ نقيّ الردا

طهر السراويل والازرة

جواد رفيع على المعتقين

وزين الاقارب والاسرة

واشوس كالليث لم ينهه

لدى الحرب زجرة ذى الزجرة

وكم من صريع له قد ثوى

طويل التأوّه والزفرة

[ ضبط الغريب ]

[ قوله ] مجد بني هاشم. المجد : نبل الشرف ، يقال منه : مجد الرجال ، ومجد

__________________

١ / ٢٦٥ ، وفاء الوفاء ٢ / ١٠٥ ).

(١) قال في العمدة : هو اكبر أولاد أبي طالب وبه يكنى وهو أسن من أخيه علي بثلاثين سنة وان قريشا أكرهته على الخروج معها في بدر. ونقل الكليني رواية عن الصادقعليه‌السلام بأنه أسلم. وهو الذي ذكر الابيات في مدح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي ذكرها المؤلف ( راجع عمدة الطالب ص ٢٠ الدرجات الرفيعة ص ٦٢ ).

وقال الطبرى في الذخائر ص ٢٤٩ : إنه مات كافرا.

(٢) وفي نسخة ز : النعائم.

٢٣٥

العباس. وأمجده : كرم فعاله. والله عزّ وجلّ هو المجيد ، بمجيد فعاله. ومجده خلقه لعظمته.

والمحض : الخالص من كل شيء الذي لا يشوبه غيره. ويقال منه : رجل ممحوض الضريبة(١) : أي مخلّص. وفضته [ محضة ] : إذا لم يخالطها شيء.

والفترة : أصلها السكون. يقال لكل ما بين رسولين من الزمان فترة. و [ الضن ](٢) : الشح. قال الله تعالى :( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (٣) .

وقوله : نقيّ الردى : أي ما ارتدي به وهو الثوب الواسع غير المخيط. والسروال : ما ليس من الثياب.

الازرة : ما اتّزر به. وأراد بطهارة ذلك ونقائه البراءة من العيوب والدنس(٤) ، والعرب تضرب ذلك مثلا للسلامة من العيوب ، قال الله عزّ وجلّ :

( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٥) . والمعتقون : الطالبون. والاشوس : الذي يعرف الغضب في نظره يقال عنه : رجل أشوس وامرأة شوساء. والزجر : يقال زجرت البعير حتى مضى وزجرت عامل سوء عن عمله فازدجر أي نهيته فانتهى ، وهي في الابل وأشباهها الحث على السير ، وفي الناس النهي والمنع. والتأوّه والتوجع : إذا قال المتوجع آه فقد تأوه.

والزفرة : من الزفر ، والزفر والزفير الواحدة من فعل ذلك وهو أن يملأ الرجل

__________________

(١) قال الشاعر :

تجد قوما ذوي حسب وحال

كراما حيثما حسبوا محاضا

( لسان العرب ٧ / ٢٢٧ )

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : الظن.

(٣) التكوير : ٢٤.

(٤) قال عدي بن زيد :

أجل إن الله قد فضلكم

فوق من أحكأ صلبا بازار

( لسان العرب ٤ / ١٧ )

(٥) المدثر : ٤.

٢٣٦

صدره غما ثم يتأوه به فهو في الزفير(١) والواحدة منه زفرة ، قال الله عزّ وجلّ حكاية عن أهل النار : «ولَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) (٢) ، والزفير ما ذكرناه.

والشهيق : مذ النفس بالزفير. وذلك أن يرمي بنفسه حتى يخرجه من صدره.

[ نعود الى ذكر طالب ]

ولمّا نفر أهل مكة الى بدر تخلف عنهم بنو هاشم ، فأكرهوهم على الخروج ، وبذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمسلمين يوم بدر : من قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم انما خرجوا كرها. ففي ذلك طالب بن أبي طالب(٣) يقول هذه الابيات :

يا ربّ إمّا خرجوا بطالب

في مقنب عن هذه المقانب

فاجعلهم المغلوب غير الغالب

وارددهم المسلوب غير سالب(٤)

قوله : المقنب : زهاء ثلاثمائة فارس(٥) .

[ عقيل بن أبي طالب ]

وأما عقيل بن أبي طالب(٦) فكان أحبّ ولد أبي طالب إليه.

__________________

(١) قال الشاعر : ( فتستريح النفس من زفراتها ) لسان العرب ٤ / ٣٢٥.

(٢) هود : ١٠٦.

(٣) وكان طالب مع العباس يوم بدر فلم يعرف خبره ( المناقب ٢ / ١٨٠ ).

(٤) وقد ذكر في عمدة الطالب ص ١٥ هذا البيت هكذا :

فليكن المطلوب غير طالب

والرجل المغلوب غير الغالب

(٥) لسان العرب ١ / ٦٩١.

(٦) وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يعطف على آل عقيل ويقدمهم على غيرهم من آل جعفر. فقيل له في ذلك ، قال : اني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين فأرق لهم ( كامل الزيارة لابن قولويه ص ١٠٧ بحار الانوار ١١ / ١٢٣ ط قديم ) وقد ذكر المؤلف من ولد عقيل الذين استشهدوا مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء ثلاثة وهم :

٢٣٧

وأسلم عليا الى رسول الله ، وجعفرا الى العباس ليربياهما كما كانت أشراف العرب تفعل ذلك بأبنائها ، وتمسك بعقيل ، وقال : إذا بقى لي عقيل

__________________

١ ـ عبد الرحمن بن عقيل.

٢ ـ عبد الله بن عقيل.

٣ ـ عبد الله بن مسلم بن عقيل.

ولم يذكر غيرهم ، ونحن نذكر من وقفنا عليه حسب ما ذكره المؤرخون :

١ ـ مسلم بن عقيل : وهو سفير الحسين عليه‌السلام لأهل الكوفة. واستشهد فيها قبل ورود الحسين عليه‌السلام الى كربلاء.

٢ ـ محمد بن عقيل : ولم يذكره سوى الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٨ وذكره المؤلف في جملة الأسرى.

٣ ـ جعفر بن عقيل : وأمه الخوصاء بنت عمرو العامري. دخل المعركة فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما ، وهو يقول :

أنا الغلام الابطحي الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الاطائب

قتله : بشر بن حوط قاتل أخيه عبد الرحمن ( ابصار العين ص ٥٣ ، الكامل ٤ / ٩٢. مقاتل الطالبيين ص ٨٧ ) وقيل : قتله عروة بن عبد الله الخثعمي.

٤ ـ محمد بن مسلم بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال أبو جعفر عليه‌السلام : حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبد الله حملة واحده ، فصاح بهم الحسين عليه‌السلام : صبرا على الموت يا بني عمومتي. فوقع فيهم محمد بن مسلم ، قتله أبو مرهم الازدي ولقيط بن إياس الجهني ( ابصار العين ص ٥٠ ، المقاتل ص ٨٧ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ).

٥ ـ محمد بن أبي سعيد بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال حميد بن مسلم الازدي : لما صرع الحسين عليه‌السلام خرج غلام مذعورا يلتفت يمينا وشمالا فشدّ عليه فارس فضربه ، فسألت عن الغلام ، قيل : محمد بن أبي سفيان. وعن الفارس : لقيط بن إياس الجهني. وقال هشام الكلبي حدث هاني بن ثبيت الحضرمي ، قال : كنت ممن شهد قتل الحسين عليه‌السلام فو الله اني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس ، وقد حالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الابنية عليه ازار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا وشمالا ، فكأني انظر الى درتين في اذنيه يتذبذبان كلما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي : إن هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام عن نفسه استحياء وخوفا. ( ابصار العين ص ٥١ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، الكامل ٤ / ٩٢ ).

٦ ـ جعفر بن محمد بن عقيل : ذكره الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٧.

٢٣٨

فلا ابالي ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لعليعليه‌السلام ، فان كان عند رسول الله فمن الله عليه بالسبق الى الاسلام.

[١١٤٦] وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعقيل : اني لاحبك يا عقيل حبّين ، حبّ لك وحبّ لحبّ أبي طالب إياك.

[ في ليلة بدر ]

[١١٤٧] عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال : لما أن كانت ليلة بدر ، أصابنا وعك من حمى ، وشيء من مطر ، وافترق الناس يستترون تحت الشجر فنظرت إليهم من الليل ، ( فلم أر أحدا غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) ، فلم يزل قائما يصلّي والناس نيام حتى انفجر الصبح ، فصاح : الصلاة عباد الله ، فأقبل الناس إليه من تحت الشجر(٢) . فصلّى بهم. فلما انتقل أقبل عليهم فذكر فضل الجهاد ورغبهم فيه ، ثم قال لهم : إن بني المطلب قوم اخرجوا كرها ولم يريدوا قتالكم ، فمن لقي منكم أحدا فلا يقتله إن قدر عليه وليأسره ، وليأت به أسيرا.

قال : فلما انهزم القوم ، وقتل من قتل ، واسر من اسر منهم ، نظرت فاذا عقيل في الاسارى ، مشدودة يده الى عنقه بنسعة(٣) ، فصددت(٤) عنه ، فصاح بي : يا علي يا بن أم [ أما والله ] لقد رأيت مكاني ، ولكنك عمدا تصدّعني.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ز.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : من الشجرة.

(٣) النسع ـ جمعها نسوع ـ : سير أو حبل عريض طويل تشدّ به الرحال.

(٤) وفي الاصل : فصدرت.

٢٣٩

قال عليعليه‌السلام : فلم اجبه بشيء ، وأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، هل لك في أبي يزيد مشدودة يده بنسعة الى عنقه.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انطلق بنا إليه. فمضينا نمشي نحوه ، فلما رآنا قال : يا رسول الله إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم ، والا فادركوه ما دام القوم يحدثان قرحتهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل قتله الله يا عقيل.

[١١٤٨] ودخل عقيل على امرأته فاطمة بنت [ الوليد بن ] عتبة بن ربيعة ، لما انصرف من قتال المشركين يوم هوازن وسيفه متلطخ بالدم. فقالت له : قد عرفت إنك قد قاتلت ولكن ما الذي جئتنا به من الغنائم.

فأخرج إليها ابرة ، وقال : هذه ما أصبت فدونكها ، فخيطي بها ثيابك. فأخذتها.

ثم سمع منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أصاب من الغنائم شيئا فليأت به ولو كانت ابرة ، ارددوا الخياط والمخيط فان الغلول في النار. فرجع إليها ، وقال لها : ما ارى إبرتك إلا فاتتك. فأخذها ، ومضى بها مع ما جاء به فوضعه في المغنم ، وجاء فيما جاء به بفصّ من جواهر أحمر ، وجارية. فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الفص ، فأعجبه فقال : لو لا التملك يعني لنحميه ، ونقله والجارية عقيلا(١) .

[ ضبط الغريب ]

الخياط : ما خيط به ، والمخيط وما قد خيط به من الثياب وغيرها.

__________________

(١) كذا في الاصل.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الفصل الخامس:

وسائل التربية الروحية

٢٨١

تربية الجانب الروحي :

عرفنا في ما مضى أنّ الجانب الروحي في شخصية الإنسان المسلم يتمثّل في مجموعة من العناصر النفسية الداخلية المنشدّة إلى الله تعالى. والمرتبطة به ، بصائر وعواطف وإرادة

فإيمانك بالله تعالى واطمئنانك له وخوفك ورجاؤك منه ، وحبه وحب المؤمنين والإخلاص والصبر والزهد ، وأمثال ذلك من المعاني التي يتشكّل منها الجانب الروحي

وأمّا الصلاة وتلاوة القرآن الكريم ، وذكر الله ، وما شاكل ذلك فهي وسائل التربية الروحية والإعداد الروحي. وليست هي في ذاتها عناصر روحية

ومن روائع دين الله ، أنّه لم يحث على ربط القلب والإرادة بالله تعالى ، ولم يلزم به فقط وإنّما بيّن طريق ذلك وأُُسلوبه الصحيح ، وتسهيلاً للناس وتوضيحاً للسبيل المستقيم في مسألة قابلة الانقسام في التربية الروحية تقوم على أساس من القوانين النفسية ، ونظم الترابط بين الذهن والقلب والإرادة ، والسلوك ، وليس المقصود من أنّ الإسلام بيّن الطريق إلى التربية الروحية وتنمية الصلة النفسية بالله تعالى ، أنّه قد تحمّل مسؤولية للتربية ، والبناء على الإنسان المسلم. وإنّما كل ما فعله هو ، أنْ وضّح المعالم ، ورسم الطريق ، وعلى المسلم أنْ يبادر ، ويعاني في سلوك هذا الطريق حتى ينتهي

٢٨٢

أخيراً إلى الدرجة اللائقة من الصلة بالله والعلاقة الروحية به

وهكذا فإنّ بناء الجانب الروحي ، والتربية الروحية لا تتمّ بالشكل الصحيح إلاّ بشروط ثلاثة :

(١) -الشرط التكويني : وهو وجود قوانين نفسية تحكم العلاقة بين الجانب الروحي والصلة النفسية بالله، وبين مجموعة من المواقف والأعمال يمكن من خلال أداء هذه الأعمال .

وعلى أساس الترابط الموجود بين الفعل والجانب الروحي ، تنمية هذا الجانب ، وتكوين الصلة الداخلية بالله تعالى

وقد تكفّل الله سبحانه بهذا الشرط في النظام التكويني للأشياء ويكشف القرآن في آيات متعدّدة عن الكثير من هذه القوانين النفسية ، والترابطات الموجودة بين أجهزة الشخصية الإنسانية. ويقيم على أساس من ذلك نظامه التربوي

(٢) -الشرط التشريعي : وهو وضوح الوسائل والمواقف التي تؤدّي إلى تلك النتائج النفسية بحكم القانون النفسي المغروس فطرياً. والمودع في جهاز التكوين البشري. وقد قام الإسلام بذلك ، فحدّد مجموعة كبيرة من وسائل التنمية الروحية ، وتكوين الانشداد الداخلي بالله. وسنأتي على ذكر هذه الوسائل إنْ شاء الله تعالى .

(٣) - المبادرة الفردية ، والمعاناة في أتباع هذا الخط وتبنّي هذه الوسائل ، وانتهاجها. وإذا كان الشرط الأول من مهمات الجانب التكويني في خلق الإنسان ، وكان الشرط التالي من مهمات الإسلام التشريعية فهذا الشرط كما هو واضح من مهمات الفرد ، الإنسان المسلم نفسه. وليس من

٢٨٣

مهمات الإنسان المسلم أنْ يستحدث وسائل عبادية منه ، وأساليب للتربية الروحية ، بل قد لا ينبغي من ذلك بعد أنْ وضح الإسلام الطريق ، ورسم المعالم في هذا الميدان ، وقد يؤدّي استحداث هذه الوسائل ، والأساليب إلى شكل من أشكال الابتداع في الدين ، وبالتالي الانحراف عن الأهداف الإسلامية للتربية الروحية. كما وقعت في ذلك اتجاهات التصوّف.

المعاناة في سبيل التربية الروحية

دور الإنسان المسلم إذن هو تبنّي التربية الروحية التي حدّدها الإسلام من صلاة ، وذكر ، وصيام ، و. ولكن تبنيها ليس دائماً أمراً سهلاً ، صحيح أنّ الإسلام عندما يوضح أساليب التنمية الروحية يكون بذلك قد سهل هذه العملية ، ولكن لتسهيل أمر نسبي. فعلى الإنسان أنْ يعاني في سبيل البناء الروحي ، ويجاهد نفسه، وأهواءه من أجل سلوك الطريق إلى الله الذي يبدأ صعباً وينتهي سهلاً وسجية للسالكين

أنْ الضواغط على التربية الروحية كثيرة ولكن إرادة الإنسان المؤمن يجب أنْ تكون أكبر من الضواغط ، وأكبر من الحواجز الطبيعية والاجتماعية والنفسية ، بيئة المؤمن الاجتماعية وبيئته الثقافية ، وزاده الفكري الذي يتلقاه ، ويتفاعل معه ، ومشاغله الحياتية ، وتربيته الأولى ، وطبيعته كانسان له أهواؤه وحسّه كل ذلك لا يشجع على الصلة بالله. ولكن في هذا أيضاً قيمة الاتصال بالله ، وتعميق العلاقة به. وفي تجاوز المصاعب ، والتمرد على القوانين الاجتماعية، والنفسية. تتبدى ( تتجلّى ) إنسانية الإنسان ، وجوهره الروحي الخلاق

وفي هذا أيضاً ميزة الإنسان المسلم الذي يتبنّى الإسلام عقيدة ، وخلقاً ، وسلوكاً ، على الإنسان المادّي

٢٨٤

فهذا يبقى خالداً إلى الطين محكوماً بقوانين الشهوة ، الحس ، وعالم الشهادة ، وذاك يرتفع ويتصاعد إلى السماء ، ويتجاوز قوانين الشهوة ، والحس ، والتعامل مع عالم الغيب. لمجرداته ، ومغيباته

الإنسان المادي يشكّل حقاً حقارة معنوية لعالم الحيوان. ضيق الأفق ، ومحدودية الطموح ، والمحسوبية للشهوات

( إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ )

والإنسان المسلم يمثّل التجاوز الحقيقي للوضع الحيواني بحدودهما الضيقة وآفاقهما المحدودة. وبالكدح والمعاناة ، وبهداية الله تنمو روحية الإنسان وتلتقي بالله

( يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ )

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )

وسنذكر فيما يلي وسائل التربية الروحية ، وهي في الإسلام كثيرة ولكننا سنقتصر هنا على ما يلي منها :

(١) - قيام الليل

(٢) - ذكر الله كثيراً

(٣) - تلاوة القرآن الكريم

٢٨٥

(٤) - الأجواء الإيمانية

(٥) - الثقافة الإيمانية

(٦) - مخالفة الأهواء - الصوم

(٧) - المحاسبة ، والنقد الذاتي

(٨) - الاعتكاف

أولاً : قيام الليل

ورد الحث الشديد - كتاباً وسنّة - على صلاة الليل

(١) -( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) ( المزمل /١-٤)

(٢) -( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) ( الإسراء / ٧٩)

(٣) -( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا

٢٨٦

يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (١)

(٤) -( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا ) (٢)

(٥) - عنهمعليه‌السلام : ( شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزّ المؤمن كفّه عن إعراض الناس )

(٦) - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( عليكم بصلاة الليل ؛ فإنّها سنّة نبيّكم ، ودأب الصالحين قبلكم ، ومَطردة الداء عن أجسادكم )

(٧) - وعنهمعليه‌السلام في مجموعة أحاديث :

( إنّ صلاة الليل تذهب ذنب النهار وتطرد الداء من الأجساد ، وتبيض الوجه ، وتطيب الريح ، وتجلب الرزق ، وتذهب بالهم ، وتجلو البصر ، وتحسن الخلق ، وتقضي الدين ، وهي مصحة للبدن ، ورضا للرب ، وتمسك بأخلاق النبيينعليه‌السلام )

(٨) - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

٢٨٧

( ليس من عبد إلاّ ويوقظ في كلّ ليلة مرّة ، أو مرّتين ، أو مراراً ، فإنْ قام كان ذلك وإلاّ فجج الشيطان ، فبال بإذنه أوَلا يرى أحدكم إذا قام ، ولم يكن ذلك منه قام وهو متحير ( متخثّر ) ثقيل كسلان )

٩) - وعنه (ع) :

(يا سليمان لا تدع قيام الليل فان المغبون من حرم قيام الليل )

وعنه (ع) :

(ليس منا من لم يصل صلاة الليل )

١٠) - وفي الحديث.

(جاء رجل الى امير المؤمنين (ع) فقال : اني حرمت الصلاة بالليل، فقال أمير المؤمنين (ع) : انت رجل قد قيدتك ذنوبك )(٣)

الأثر التربوي لصلاة الليل

إنّ هذا التأكيد الشديد على صلاة الليل إنّما هو باعتبار أثرها التربوي الخطير في حياة الإنسان الروحية. فهي وراء كونها عبادة وصلاة ، لها ما

٢٨٨

للصلاة وللعبادة من آثار. تحتوي على اثرين مهمين، سجلتهما الآية المباركة :

( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً )

فقيام الليل بما فيه من مجاهدة للنفس ، وتحكّم في الهوى ، ومعاناة في سبيل الوقوف بين يدي الله. باعتبار مواجهة أتعاب النهار وسلطان النوم ، والشعور بالوحدة في جوف الليل. وباعتبار ذلك يكون قيام الليل أشدّ وطئاً ، وأكبر أثراً على بناء الإرادة ، والصبر ، وبناء الجهاز الحاكم في الشخصية الإسلامية. وما أحوج الإنسان المؤمن في الدرب الطويل. والمسيرة الصعبة وعناء الدعوة. إلى بناء الإرادة ، وتكوين ملكة الصبر. الصبر الذي يكون لله وعلى عبادة الله

وما أحوج الإنسان القائد الذي ينتظر منه تحرير الأمة من أسر الشهوة والانحراف ، والخضوع للدنيا والركون للطواغيت أنْ يتحرّر من داخله. وأنْ يخرج عن أسر الكسَل إلى دائرة النشاط. وقيود الشهوة إلى دائرة القدرة ، والإرادة ، والتجاوز. وبالتالي ما أحوجه إلى هذه اللحظات القصيرة - من عمر الزمن - في جوف الليل. ويؤكّد فيها استعلاءه على كلّ شيء. على كل شيء غير الله الكبير المتعال

هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لما كانت عبادة الليل. بعيدة عن مشتتات الانتباه ، وتتّخذ الطابع السرّي بعيداً عن أعين الناس فهي لهذا ( أقوم قيلا ) وأكثر تثبيتاً على الكلمة الربانية ، كل التعاملات الشرعية

٢٨٩

التي يراها الناس منك قابلة لأنْ تكون موقفاً اجتماعياً ، وتوافقاً مع البيئة التي ننفتح لها ، وتتخاطب معها. فاكتب ما شئت أنْ تكتب للإسلام ، وتحدث ما شئت أنْ تتحدّث عن دين الله. واسع لإخوتك. كل هذا واجب وكلّه مطلوب. وكلّه فيه نحو من التثبت ، والإبقاء على خط الله. ولكن ليس هذا مثل عبادة البشر. مثل العيش وحيداً بعيداً عن أعين الناس وحيداً إلاّ من الله. وغريباً إلاّ مع الله. تلتقي به ، تتلقّى منه وتتضرّع إليه. هناك فقط ، وأكثر من غيره يتجلّى لك ( الصدور ) عن الله. والجهاد في الله هي لحظات تحاسب موقفك بين يدي الله. وتصفّي حساباتك في اليوم السابق وتؤكّد له ، ولنفسك انّك فيه وبه وليس لك من قصد إلاّ هو. وهذا هو التثبيت والتمحيص ، وبناء الإخلاص ، والصدور عن الله

صراحة. لا افهم من عبادات الإسلام شيئين إلاّ للدعاة الاعتكاف وقيام الليل. أفهم الحج عبادة عامة يجتمع فيها المسلمون ويؤدّون شعائر الحج ، ويستفيدون في الفكر والروح ، وفي هذا يشترك الدعاة مع غيرهم من المسلمين وافهم الصلاة اليومية للمسلمين عموماً ، كما أفهم الصوم. وغيره في هذا الإطار ، ولكن كلّما تلح على الذهن صلاة الليل. والاعتكاف يقترن ذلك بذكر الدعاة. وتشكّل في نفسي انطباعاً أنّهما شرعا في الإسلام لهم ، ولهم فقط وإنْ كان لهما صورة تشريعية عامة تشملهم وتشمل غيرهم

الوحدة مع الله. العزلة المؤقتة ، مراجعة الذات مع الله. أحوج ما يحتاج إليها الداعية. ليكون داعية لله. ولله ومن الله. ليحكي لربّه

٢٩٠

شيئاً من أتعابه في سبيله. ليحاسب نفسه أمامه عن أخطائه ليستزيده ويستهديه ليخلص له نيّته من كل ما يشوب نيّات العاملين في العبادة ويداخلها من حب الظهور ، والرغبة في التوافق مع الأجواء الخاصة ، ليقول له يا رب ، هذا جهدي ومستطاعي ، ومنك العون وبك الاعتصام من كل المغريات ، والضغوط والمكاره ، والأتعاب.

إعداد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه مِن خلال قيام الليل

يحفل القرآن الكريم بالآيات النازلة من أجل إعداد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوجيهه لتحمّل أعباء المسيرة ، وطريق ذات الشوكة. وقد عرفنا - فيما مر - أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ بثلاث فترات للإعداد

(١) - الإعداد ما قبل النبوّة من أجل تلقّي الكلمة. والوصول إلى مستوى تلقّي الوحي

(٢) - الإعداد ما بعد الوحي. من أجل تحمّل العبء الثقيل والقول الثقيل في الدعوة ، والتبليغ ، والمواجهة

(٣) - إعدادهصلى‌الله‌عليه‌وآله على استمرار خطه الجهادي. إلى أنْ توفّاه الله تعالى. ورفعه إليه ، ولكلّ مرحلة من هذه المراحل طابعها ، وأسبابها

المهم الآن. إنّ المرحلة الثانية من الإعداد الروحي كانت الأعداد لتحمل القول الثقيل ، وتحمل أعباء مسيرة الدعوة. وهي التي تنزل من أجلها قوله تعالى :

٢٩١

( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً )

( وكان الزاد فيها ومادّة العمل قيام الليل وتلاوة القرآن بالليل .)

إنّ قيام الليل والناس نيام والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفاسفها ، والاتصال بالله وتلقّي فيضه ونوره ، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه ، وترتيل القرآن ، والكون ساكن كأنّما يتنزّل من الملأ الأعلى ، وتتجاوب معه أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة ، واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته ، وإيقاعاته في الليل الساجي. إنّ هذا كلّه هو الزاد لاحتمال القول الثقيل والعبء الباهض ، والجهد المرير الذي ينتظر الرسول ، وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل ، وينير القلب في الطريق الشاق الطويل. ويعصمه من وسوسة الشيطان ، ومن التيه في الظلمات الحافّة بهذا الطريق المنير(٤)

وما كان من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحبه إلاّ أنْ امتثلوا فقاموا الليل كما أمرهم الله ، نصفه أو ثلثه أو ثلثيه ، إلى سنة كاملة أو أكثر ، حتى تورّمت إقدامهم ، وانتفخت ثمّ خفّف الله عنهم بعد انتهاء فترة الإعداد. كما تقول بعض الروايات.

ثانياَ : ذكر اللّه كثيراً

لذكر الله معنيان :

٢٩٢

(١) -الذكر الذهني : وهو المعايشة الشعورية ، والذهنية لعقيدة الإيمان بالله تعالى ، وهذا هو الأصل في الذكر. وقد عرفنا فيما سبق ، أنّ الذكر عنصر ضروري من عناصر الجانب الروحي من شخصية الإنسان المسلم .

(٢) -الذكر اللفظي : وهو ذكر الله تعالى باللسان كتسبيحه ، وتحميده ، واستغفاره ، وتهليله ، وتكبيره ، وما شاكل ذلك. وقد ورد الحث الشديد عليه ، باعتباره وسيلة من وسائل التربية والمعايشة الشعورية ، والذكر اللفظي لله هو ما حوى أصواتاً دالّة على التعظيم ، والتقديس له. وإنّما يستمدّ قيمته من كونه ( وسيلة ) لغاية ذات قيمة في نفسها ، وهي ذكر الله ذكراً ذهنياً إمّا مثل الصلاة والصوم ، كحركات ، وأمساك مجرّدة لا قيمة لها ، إلاّ أنّ الالتزام بها إنّما هو باعتبار دورها التربوي ، أي باعتباره انتهاء عن الفحشاء والمنكر ، وعروجاً إلى الله ، وخلق حالة التقوى ، والصوم من تلك المحارم .

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا )(٥)

وعنهعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( من أكثر مِن ذِكر الله عزّ وجل أحبّه الله ، ومَن ذكر الله كثيراً كُتبت له براءتان ، براءة من النار ، وبراءة من النفاق )(٦)

٢٩٣

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام :

( من ذكر الله عزّ وجل في السر فقد ذكر الله كثيراً ، إنّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ، ولا يذكرونه في السر )

فقال الله عزّ وجل :

( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاّ قَلِيلاً ) (٧)

وفي حديث عن الصادقعليه‌السلام :

( الذاكر للّه عزّ وجل في الغافلين ، كالمقاتل في المحاربين )(٨)

ويلاحظ في هذه النصوص ، التأكيد على الطابع السري للذكر ، وذلك للتخلّص من شوائب الرياء ، ودواعي السمعة والذكر الحسن بين الناس ، وتثبيتاً للعلاقة بالله تعالى.

صورتان تربويتان

(١) - عن الصادقعليه‌السلام :

( وكان أبي كثير الذكر ، لقد كنت أمشي معه وإنّه لَيذكر الله ، وآكل معه الطعام ،

٢٩٤

وإنّه لَيذكر الله ، ولقد كان يحدّث القوم ، وما يشغله ذلك عن ذكر الله ، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول : ( لا اله إلاّ اللّه ) وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا ، ومَن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر)(٩)

(٢) - عن أبي أسامة قال : زاملت أبا عبد اللهعليه‌السلام قال : قال لي : اقرأ فافتتحت سورة من القرآن فقرأتها ، فرقّ وبكى. ثمّ قال :

( يا أبا أسامة ، أوعوا قلوبكم ذكر الله عزّ وجل واحذروا النكت ، فإنّه يأتي على القلب تارات ، أو ساعات الشك من صباحٍ ليس فيه إيمان ولا كفر ، شبه الخرقة البالية ، أو العظم النخر ، يا أبا أسامة ، ألست وما تفقدت قلبك ، فلا تذكر به خيراً ولا شراً ولا تدري أين هو ؟)

قال : قلت له : بلى إنه ليصيبني واراه يصيب الناس

قال : ( أجل ، ليس يغري منه أحد ، قال : فإذا كان ذلك فاذكروا الله عزّ وجل واحذروا النكت فإنّه إذا أراد بعبدٍ خيراً نكت إيماناً وإذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك )(١٠)

هوامش

___________________

(١) - سورة الذاريات / ١٥ - ١٨

(٢) - سورة الإنسان / ٢٥

(٣) - الوسائل بقية الصلوات المندوبة باب ٣٩ و٤٠

(٤) - في ظلال القرآن سيد قطب م ٨ ص ٣٤٧

(٥) - أصول الكافي ج ٢ ص ٤٩٩

(٦) - الوسائل أبواب الذكر من كتاب الصلاة باب ١٤

(٧) - نفس المصدر ص ٥٠١

(٨) - نفس المصدر ص ٥٠٢

(٩) - أصول الكافي ج ٢ ص ٤٩٩

القرآن الأساس الفكري والروحي

والقرآن الكريم هو المنبع الثقافي والروحي للإنسان المسلم. منه يأخذ تصوره عن الله تعالى ، وعن الوجود ، والحياة ، والمجتمع ، والناس. ومنه يأخذ معالم التشريع الإلهي لهذا الإنسان على هذه الأرض. ومنه يتعرف على أهداف الله في الخلق ، وأغراضه من هذا الخلق والحياة .والقرآن الكريم سند روحي أيضاً ، يتصاعد الإنسان في تلاوته لأنّه يلتقي بالله تعالى، وهو يتحدث إليه ، ويتحبب إليه ، ويحنو عليه ، - وفيه يشعر هذا الكائن الضعيف بالحنان الإلهي ودفء التكريم لهذا الكائن الفقير ، ويعايش الحقائق الوجودية الكبرى ، ويذكر الله. ويتحسّس الحياة معنى ومسؤولية ، وابتلاء. فيسمو ، ويسمو حتى لكأنّه في عالم آخر من عوالم التكوين

٢٩٥

ويبدأ الانحراف في مسيرة الإنسان المسلم عندما يبحث عن زاد آخر غير القرآن ، وغير ما ثبته القرآن الكريم من مقاييس ، ويتلقى الثقافة ، والفكر ، والتربية من تحت منبر آخر غير منبر القرآن الكريم ، وقد سجّلت رواية الحارث الهمداني بداية الانحراف الحضاري في المسيرة الإسلامية عندما بدأ الناس في عهد عليعليه‌السلام يخوضون في المسجد بالأحاديث ، لا أعرف الآن هذه الأحاديث بالضبط. ولكنّها تؤشر بداية مرحلة العقل ، وتوديع مرحلة الروح ، ومرحلة القرآن الكريم

وهكذا ( فعلوها ) واستمر المسلمون في الانحراف. وتصدّى أهل البيتعليه‌السلام لهذا الانحراف عن طريق بناء أجيال قرآنية ( تعي ) قيمة هذا القرآن. كما ( تفهمها ) وتبني سلوكها ، وفكرها في ضوء هذا الوعي والشعور

و( التلقي ) من القرآن الكريم. هو المعنى الأساس الذي انحرفت به الثقافة الغربية في الماضي ، وفي الحاضر ، فسواء في الماضي ، أو في الحاضر بدأنا نتلقى من مصادر أخرى غير القرآن. وبدأنا إذا التقينا بالقرآن الكريم نحكم عليه ونؤوله ، ونجره إلى ما نريد من أهواء جراً ، ومع أنّه كان في التقدير الإلهي ولا يزال ( حاكماً ) و( مهيمناً ) وسلطاناً على كل المقاييس الفكرية والثقافية

ونحن على الدوام ظلمنا أنفسنا. ولا أقول القرآن. عندما ودعناه وعندما حكمنا عليه مرة ( الروايات )(١٣) باعتباره أنّه كتاب ألغاز ، وأحاجي لا يفهمه إلاّ من خوطب به ، ومرّة ( الثقافات ) لأنّها أحكام العقول ، وأحكام العقول مقدّمة على ظواهر النصوص والتي هي قواعد الصرف ، والنحو الجامدة وغيرها. كل ذلك ، والقرآن لا زال ربيعاً لقلوب

٢٩٦

المؤمنين تسامى به الدهر ، منار هدى ، وسبيل نجاة ، وبصائر للناس وذكرى للعالمين

وأداء حق القرآن علينا لا يتم إلاّ من خلال :

(١) - إحلاله الموقع النفسي والشعوري الذي يتناسب معه بوصفه الكتاب الرباني الوحيد في الناس.

(٢) - تحكيمه في كل شؤوننا الثقافية ، والفكرية ، والصدور عنه ، والتلقي منه بلا تدخل أو تأويل.

(٣) - معايشته المستمرة في التأمل ، والتدبر والتلاوة والحفظ.

تلاوة القرآن الكريم

(١) - عن الصادقعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( إنّ أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميين ، ما خلا النبيّين ، والمرسلين فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم ، فإنّ لهم من الله العزيز الجبّار مكانةً عُليا )

(٢) - وعنهعليه‌السلام :

( من قرأ القرآن ، وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ، ودمه ، وجعله الله عزّ وجل

٢٩٧

مع السفرة الكرام البررة. وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة )

(٣) وعنهعليه‌السلام قال :

( القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم إنّ ينظر في عهده ، وان يقرأ منه في كل يوم خمسين آية )

(٤) وعنهعليه‌السلام :

( يدعى ابن آدم المؤمن للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة ، فيقول : يا رب ، أنا القرآن ، وهذا عبدك المؤمن ، قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي ، وتفيض عيناه إذا تهجّد ، فارضه كما أرضاني. قال : فيقول العزيز الجبّار : عبدي ابسط يمينك فأملأها من رضوان الله ، وأملأ شمالك من رحمة الله ، ثمّ يقول : هذه الجنة مباحة لك ، فاقرأ ، واصعد ، فإذا قد قرأ آية صعد درجة )

إلى آخر النصوص الكثيرة الواردة في الحث على النظر إلى عهد الله وقد وردت أيضاً نصوص أخرى في أدب التلاوة. أهمّها التفكّر ، والتدبّر ، والخشوع ، والاستفادة ، والترتيل والحزن

٢٩٨

وأمّا مقدار القراءة فليس له في النصوص تحديد حدّي معيّن. وكذلك لم يكن في سلوكهم ما يشير إلى حد مقدار قراءتهم. وإنّما قراءة القرآن أمر مستحب في ذاته. والإكثار منه مستحب مهما بلغ من الكثرة. ولكن بشرطين :

(١) - إن لا تزاحم تلاوة القرآن الكريم أمراً أهم

(٢) - إن لا تكون كثرة القراءة على حساب التأمل والتدبر.

ولعل من أهم أشكال أداء حق القرآن الكريم ، ومعايشته والارتباط به هو أنْ يحاول الإنسان المسلم البحث في القرآن الكريم. من تفسير بعض السور ، والكتابة في بعض الموضوعات القرآنية التي يستقصي فيها جميع ما ورد من آيات في ذلك الموضوع ، أو الكتابة عن تاريخه ، وعلومه. الخ فان هذا يزيدنا بصيرة أكثر في الطريق إلى فهم القرآن الكريم ، ومعايشته ومن خلال القراءة والبحث ، وحفظ الكثير من آيات القرآن. يكون - وما أروع أنْ يكون - القرآن سليقة للمؤمن ، وذوقاً له.

رابعاً : الأجواء الإيمانية

وللأجواء تأثير كبير في التربية الروحية - وكل تربية - فعلى الإنسان المسلم أنْ يقصد الأجواء الإيمانية لكي يتأثر بها ، ويستزيد

إنّ المسجد من أهم الأجواء الإيمانية. وكذلك المشاهد المشرّفة

ومن الطبيعي أنّ الإنسان عندما يدخل مكاناً مخصّصاً أو زماناً مخصّصاً

٢٩٩

لشيء يكون أكثر تهيؤاً من الناحية النفسية لأداء ذلك النشاط. والمكتبة مثلاً - لما كانت مكاناً للمطالعة - يكون الإنسان فيها أكثر توجهاً واستعداداً للمطالعة والدرس. والمسجد. وهو المكان المخصص للعبادة. يكون الإنسان فيه أكثر تهيؤاً للعبادة واستعداداً للتعامل مع الله تعالى. بما يملكه من إيحاء وتأثير في النفس ، وقدرة على التأثر من خلال المجتمع للصلاة. وبسبب هذا وغيره حثت النصوص الإسلامية على ارتياد المساجد ، والصلاة فيها ، وعمارتها بالصلاة ، والعبادة

ومن هنا جاء عن الإمام عليعليه‌السلام :

( من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان : أخاً مستفاداً في الله ، أو علماً مستطرقاً ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدل على هدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يترك ذنباً خشية أو رجاء )(١٤)

ومثل المساجد ، والمشاهد المشرّفة التي يتذكّر فيها الإنسان المؤمن الرجال الصالحين الذين زرعوا ربيع الهدى في النفوس ، وفجّروا الأرض ينابيع من دم. وعلماً غزيراً وتربية معصومة. غيّرت الأجيال اللاحقة بزاد الإيمان والهدى ، والصلاح

كانت الزيارات يوماً في عهد الأئمةعليه‌السلام مواصلة للثورة التي قام بها الإمام الحسينعليه‌السلام ، أو القضية التي حملها أبناؤه وآباؤه الطاهرون

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326