الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات0%

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 443

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبد الهادي محمد تقي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 443
المشاهدات: 85372
تحميل: 5562

توضيحات:

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 443 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85372 / تحميل: 5562
الحجم الحجم الحجم
الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وتعالى بما أردت وتناجي ربّك وتدعوه بأيِّ دعاءٍ شئت.

القسم الثاني:‏

‏‏الآن وقد عرفت منك كيف أُصلّي، وماذا أقول أو أفعل في كلِّ جزءٍ من الصلاة أحبّ أنْ أسألك عمّا يُبطل الصلاة فهل هناك أُمور تُبطل الصلاة فيجب عليَّ أنْ أعيد صلاتي لو حصلت.

‏-‏ نعم وسأُعدّدها لك.

‏١ -‏ أنْ تفقد الصلاة أحد أجزائها السابقة عمداً من: ‏النيّة، أو تكبيرة الإحرام، أو الركوع، أو السجود، أو غيرها.

‏٢ -‏ أنْ يُحِدث المصليّ أثناء الصلاة [وإن كان ذلك سَهواً أو اضطراراً بعد السجدة الأخيرة].

‏٣ -‏ أنْ يلتفت المصلّي عن القبلة بتمام وجهه أو بتمام جسده عامداً.

‏‏* وإذا التفت عن القبلة أقلّ مِن ذلك كأنْ يكون التفاته بسيطاً لا يضرّ باستقباله للقبلة ؟

‏-‏ ذلك لا يضرّ بالصلاة لكنّه مكروه.

‏٤ -‏ أنْ يضحك المصلّي عامداً بصوتٍ عالٍ مسموع فيه مدّ وترجيع ( القهقهة ).

‏٥ -‏ [أنْ يبكي المصليّ عامداً سَواء اشتمل على الصوت أم لم يشتمل لأمرٍ مِن أُمور الدّنيا] ولا يضرّ البكاء لأمرٍ مِن أُمور الآخرة.

‏٦ -‏ أنْ يتكلّم المصلّي عامداً ولو بحرف واحد أثناء صلاته إذا كان ذلك الحرف مفهماً سَواء أراد إفهام معناه كما لو قال ( قِ ) فعل

١٦١

أمرٍ مِن ( وقى )، أو أراد إفهام غير معناه كما لو سُئل إثناء الصلاة ما هو ثاني حروف الأبجديّة فتلفّظ ب-‏ ( ب ) ويستثنى مِن مبطليّة الكلام ردّ السلام بمثله فإنّه واجب.

‏٧ -‏ أنْ يأتي المصلّي بعمل يخلّ بصورة الصلاة وبهيئتها كأنْ يخيط أو يحوك.

‏٨ -‏ أن يأكل المصليّ أو يشرب إثناء صلاته [وإنْ لم يخل بهيئتها].

‏٩ -‏ [أنْ يتعمد المصلّي وضع أحدي يديه على الأُخرى في حال القيام بقصد الخضوع والتأدّب مع الله سبحانه وتعالى في غير حال التقيّة] وهو المسمّى بالتكفير.

‏١٠ -‏ أنْ يقول المأموم بعد أنْ ينتهي الإمام مِن قراءة سورة الفاتحة [أو يقول المنفرد بعد الانتهاء من القراءة] كلمة ( آمين )، عامداً في غير حال التقيّة.

ثُمّ عندنا بعد ذلك ممّا يحسن أنْ أُشير إليه موضوع ( الشك ) في الصلاة.

‏‏* وهل الشكُّ في الصلاة مُبطلٌ لها ؟

‏-‏ ليس الشك في الصلاة مبطلاً لها دائماً وفي جميع الحالات، فبعض الشكوك مبطلٌ للصلاة وبعضها قابل للعلاج، وبعضها لا يُعتنَى به بل يُهمل.

وبشكلٍ عام سأُحدّد لك قواعدَ عامّة تتناول بعض حالات

١٦٢

الشك.

القاعدة الأولى: ‏كلّ مَن شكّ في صحّة صلاته بعد أنْ أنهى صلاته اعتبر صلاته صحيحة.

‏‏* مثلاً ؟

‏-‏ إذا شككت مثلاً بعد أنْ صلّيت صلاة الصبح وانتهيت منها هل أنّك صلّيتها ركعتين أو أكثر أو أقل ؟ فقل: ‏صلاتي صحيحة.

القاعدة الثانية: ‏كل من شك في صحّة جزء من أجزاء صلاته بعد أنْ أدّاه اعتبر ذلك الجزء الّذي شكّ فيه صحيحاً وصلاته صحيحة.

‏‏* مثلاً ؟

‏-‏ إذا شككت مثلاً في صحّة قراءتك، أو صحّة ركوعك أو سجودك بعد أنْ أنهيت القراءة أو الركوع أو السجود، فقل قراءتي صحيحة، أو ركوعي صحيح، أو سجودي صحيح.. ثمّ صلاتي بعد ذلك صحيحة.

القاعدة الثالثة: ‏كلّ مَن شكّ في الإتيان بجزء مِن أجزاء الصلاة بعد أنْ دخل في الجزء اللاحق، له أنْ يبني على أنّه قد أتى بذلك الجزء المشكوك فيه وصلاته صحيحة، بل يكفي في البناء على ذلك مجرّد الدخول فيما لا ينبغي الدخول فيه شرعاً على تقدير الإخلال بالجزء المتقدّم عمداً.

‏‏* مثلاً ؟

١٦٣

‏-‏ إذا شككت مثلاً وأنتَ في السورة الثانية هل أنّك قرأت سورة الفاتحة، أو نيستها، فلم تقرأها فقل: ‏إنّي قرأتها واستمرّ في صلاتك، وهكذا إذا شككت وأنت في حال الهويّ الى الركوع هل قرأت السورة أم لا ؟ قل: ‏إنّي قرأتها واستمرّ في صلاتك، فهي صحيحة.

القاعدة الرابعة: ‏كلّ مَن كثُر شكّه وجاوز الحدّ الطبيعي، يَهمل الشكّ ولا يعتني به ولا يلتفت إليه فصلاته التي شكّ فيها صحيحة.

‏‏* مثلاً ؟

‏-‏ إذا كنت كثيراً ما تشكّ وأنت تصلّي صلاة الصبح -‏ مثلاً -‏ في عدد ركعاتها عليك أنْ تهمل هذا الشك وتقول: ‏صلاتي صحيحة وإذا كنت كثيراً ما تشكّ في أنّك سجدت سجدة واحدة أو سجدتين تقول اِنّك سجدت سجدتين ولا تلتفت ولا تهتم بالشك، بل تعتبر صلاتك صحيحة، وهكذا دائماً كثير الشكّ في الصلاة يَهمل شكّه ويعتبر صلاته صحيحة ..دائماً..دائماً.

‏‏* وكيف أعرف أنّي كثير الشك ؟

‏-‏ كثيرا الشك يَعرف نفسه بسهولة.. يكفي أنْ يزيد شكّه على الناس الطبيعيّن مِن أمثاله ويكفي أنْ لا يُصلّي ثلاث صلوات إلاّ ويشكّ في واحدة منها.

القاعدة الخامسة: ‏كلٌّ من يشك في عدد ركعات صلاة الصبح أو صلاة المغرب أو في الركعتين الأولى والثانية مِن كلّ صلاة رباعيّة، ولم يترجّح في ذهنه أحد الاحتمالين على الآخر، لم يترجّح

١٦٤

في ذهنه عدد معيّن للركَعَات، بل بقي متحيّراً شاكّاً لا يدري كم ركَع فقد بطلت صلاته.

‏‏* مثلاً ؟

‏-‏ إذا شكّ -‏ مثلاً -‏ وهو يصلّي صلاة الصبح هل أنّه الآن في الركعة الأولى أو الثانية عليه أنْ يتأمّل قليلاً ويفكّر، وإذا لم يصِل الى قرار محدّد ولم يترجّح في ذهنه أنّها الركعة الأُولى مثلاً، أو أنّها الركعة الثانية فقد بطلت صلاته.

‏‏* وإذا ترجّح في ذهنه أحد الاَحتمالين، كأنْ ترجّح في ذهنه أنّها الركعة الأولى ؟

‏-‏ إذا ترجّح في ذهنه عدد معيّن للركَعَات عمل وفق ما يقتضيه ذلك الاحتمال الراجح، فإنْ ترجّح -‏ كما.... في سؤالك -‏ احتمال أنّها الركعة الأُولي فإذا يأتي بالركعة الثانية ويتمّ صلاته فهي صحيحة.

وكذلك الحال في صلاة المغرب وفي الركعتين الأُولى والثانية مِن كلّ صلاة رباعيّة.

‏‏* عرَفتُ الآن حكم الشاكّ في صلاتَي الصبح والمغرب، وفي الركعتين الأُولى والثانية مِن صلَوات الظهر والعصر والعشاء، ولكن ما هو حُكم الشاك في الركعتين الأخيرتَين الثالثة أو الرابعة مِن الصلَوات الرّباعيّة ؟

‏-‏ إذا ترجّح في ذهنه عدد معيّن للركَعَات عمل بمقتضى ظنّه

١٦٥

ووفق ما ترجّح في ذهنه.

‏‏* وإذا بقي متحيّراً شاكّاً متردّداً ؟

‏-‏ عندئذ سنحتاج الى تفصيل أكثر فلِكلّ موضعٍ هنا حُكمه الخاصّ به، وسأتناول بعضها بالتعداد ولا أُطيل:‏

‏١ -‏ مَن شكّ بين الركعة الثالثة والرّابعة أينما كان الشكّ بنى على أنّها الركعة الرابعة وأتمّ صلاته، ثُمّ جاء بركعتين من جلوس، أو بركعةٍ مِن قيام، وتسمّى هذه صلاة الاحتياط.

‏٢ -‏ مَن شك بين الركعة الرابعة والخامسة بعد أنْ دَخل في السجدة الثانية، ( وذلك بأنْ وضع الجبهة على المسجَد ولو قَبل الشروع في الذّكر ) بنى على أنّه في الركعة الرابعة ثُمّ يتم صلاته ويسجد سجدَتَي السهو بعد الصلاة.

‏٣ -‏ مَن شكّ بين الثانية والثالثة بعد أنْ دخل في السجدة الثانية بني على أنّه في الركعة الثالثة ويأتي بالرابعة بعدها، ثمّ بعد أنْ يفرغ من صلاته يأتي بصلاة الاحتياط [وهي هنا ركعةٌ مِن قيام ].

‏‏* وكيف يُصليّ صلاة الاحتياط ؟

‏-‏ بعد أنْ ينتهي مِن صلاته مباشرةً ومن دون أنْ يلتفت يميناً أو شمالاً ومِن دون أنْ يفعل ما يُبطِل الصلاة يشرع في صلاة الاحتياط، فيكبّر ثُمّ يقرأ الفاتحة [بصوت خافت] ولا تجِب فيها سورة أُخرى، ثُمّ يركع ويسجد ويتشهّد ويسلّم أنْ كانت صلاة الاحتياط ذات ركعة واحدة وأنْ كانت ثنائيّة أتى بركعةٍ ثانية على نحو الركعة الأولى.

١٦٦

‏‏* وسجود السهو ذاك الذي ذكرته ؟

‏-‏ تنوي وتسجِد بعد الصلاة مباشرةً والأفضل أنْ تكبِّر، وتقول في سجودك:‏

بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله وبركاته، ثُمّ ترفع رأسك مِن السجود وتجلس ثمّ تُعاود السجود المتقدّم مرّة ثانية، ثُمّ ترفع رأسك وتجلِس وتتشهّد وتُسلّم وبذلك تنهي سجود السهو.

أضاف أبي :

وليكن في اعتبارك أنّك تسجِد سُجود السهو ليس فقط عندما تشكّ بين الرّكعة الرابعة والخامسة بعد السجدتين، بل في مواضع أُخرى غيرها وهي:‏

أ -‏[إذا تكلّمت في صلاتك سهواً وغفلةً].

ب -‏[إذا سلّمت سهواً في غير موضع التسليم فقلت: ‏( السلام عليكم )، أو قُلت: ‏( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) وأنت بعدُ لم تُكمل صلاتك].

ج-‏ إذا نسيت أنْ تتشهّد في صلاتك فتسجد سجدَتَي السهو والأفضل قضاء التشهدّ مع ذلك.

د -‏[ما لو علمت إجمالا -‏ بعد صلاتك -‏ أنّك زِدت فيها أو نقَصت مع كون صلاتِك محكومة بالصحّة فعليك أنْ تسجد سجدَتَي السهو حينئذٍ]، والأفضل لك أنْ تأتي بسجدتَي السهو لو نسيت سجدةً واحدة في صلاتك -‏ بعد أنْ تقضيها بعد الصلاة -‏ أوتأتي بسجدَتَي السهو إذا

١٦٧

قمت في موضع الجلوس أو بالعكس سهواً، بل الأفضل أنْ تَسجد سجدَتَي السهو لكلّ زيادةٍ ونقيصة في صلاتك.

ه-‏ عليك أنْ تكرّر سجود السهو بعدد ما يُوجبه أي أسجُد مرّتين أو أكثر، وهكذا دائماً.

كدت بعد أنْ انتهى بنا الحوار الى هذا الموضع مِن الصلاة أطلب مِن أبي أنْ يقدّم لي درساً تطبيقيّاً لصلاة رباعيّة كونها أطول صلاة يوميّة واجبة لأُلاحظ عن كثَب وأناة كيف يُكبّر أبي ويقرأ ويركع ويسجد ويتشهّد ويسلّم، غير أنّي آثرت أنْ أتراجع عن طلبي هذا بعد أنْ تذكرّت أنّه يُصلّي كلّ يوم صلاة العشاء وهي صلاة رباعيّة جهريّة فقلت في نفسي إذن فلأُراقبه وهو يُصلّي.

وحين هَمَّ أبي بأنْ يبدأ صلاته الرباعيّة الجهريّة تلك، كنتُ مشدود الأعصاب إليه شديد اليقظة وأنا ألحظ كلّ شاردة وواردة من حركات صلاته، وسأصِف لكم كيف صلّى أبي:‏

بدا أوّلاً فأسبغ وضوءه:‏

ووقف في مصلاّه مستقبلاً القبلة وهو خاشع فأذّن للصلاة وأقام.

ثُمّ بدأ صلاته، فكبَّر قائلاً: ‏( الله أكبر ) ثمّ قرأ سورة الفاتحة وأتبعها بقراءة سورة القدر.

ولمّا أتمّها وهو واقف منتصب ركع، ولمّا استقرّ به الركوع سبّح قائلاً:‏ ‏( سُبحان ربّي العظيم وبحمده ).

وحين انتهى مِن نِطق الحرف الأخير مِن التسبيح وهو راكع، انتصب مستقيماً واقفاً على قدَميه.

١٦٨

ولمّا استقرّ به القيام هَوى للسجود وإذا استقّر في سجوده سبَّح قائلاً:‏ ‏( سُبحان ربِّي الأعلى وبحمده ) وحين أتمّ نطق الحرف الأخير منها وهو ساجد، جلس مِن سجوده وحين استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية فقرأ فيها كما قرأ في أختها السجدة الأُولى: ‏( سُبحان ربِّي الأعلى وبحمده ).

ثُمّ رفع رأسه مِن سجوده وجلس ليقوم منتصباً على قدَميه للرّكعة الثانية وحين استقرّ به القيام، قرأ سورة الفاتحة، ثمّ أتبعها هذه المرّة بقراءة سورة التوحيد ولمّا فرغ من قرأتها، رفع يدَيه للقنوت، وقرأ في قنوته الآية القرآنيّة الكريمة: ‏( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً ) ‏.‏

ثمّ أسبَل يدَيه من القنوت، وهوى للركوع، وحين استقرّ به الركوع قرأ: ‏( سُبحان ربّي العظيمِ وبحمده ).

ثُمّ انتصب قائماً ليَهوي للسجود، وحين سجَد قرأ في سجوده: ‏( سُبحان ربِّي الأعلى وبحمدِه) ثُمّ جلَس مِن سجدَته الأُولى ليهوي للسجدة الثانية، وحين سجَد قرأ: ‏( سُبحان ربِّي الأعلى وبحمده )، ثُمّ جلَس مِن سجوده.

ولمّا استقرَّ به الجلوس تشهّد فقرأ: ‏( اشهد أنْ لا اله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبدُهُ ورسوله اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد ).

١٦٩

ولمّا فرغ مِن تشهّده قامَ منتصباً للركعة الثالثة فبدَأها -‏ بعد أنْ استقرَّ به القيام -‏ بالتسبيح قائلاً: ‏( سُبحان الله والحمدُ لله ولا إلاّ الله واللهُ أكبر )‏ ثلاثاً وبصوتٍ خافت.

ثُمّ هوى للركوع فقرأ فيه كما قرَأ في ركوعه السّابق: ‏( سُبحان ربّي العظيم وبحمده ) ثم انتصب قائماً من ركوعه، وهوى للسجود، فقرأ فيه كما قرأ سابقاً في سجوده: ‏( سُبحان ربَّي الأعلى وبحمدِه )، ثُمّ جلَسَ مستقرّاً ليهوي للسجدة الثانية فيقرأ فيها: ‏( سُبحان ربَّي الأعلى وبحمدِه ) كذلك.

ولمّا أتمّها، انتصب قائماً على قدَميه للركعة الرابعة والأخيرة، فبدأها كما بدأ سابقتَها بالتسبيح قائلاً: ‏( سُبحان الله والحمدُ لله ولا اِله إِلاّ الله والله أكبر ) ثلاثاً.

ثُمَّ هوى للركوع قارئاً: ‏( سبحان ربَّي العظيم وبحمده ).

ثمّ انتصب ليهوي للسجود قارئاً فيه: ‏( سُبحان ربّي الأعلى وبحمده )، ثُمّ جلَس ليسجد سجدته الثانية والأخيرة في هذه الصلاة فقرَأ فيها -‏ كعادته -‏ ( سبحان ربّي الأعلى وبحمده ).

ثمّ جلَس مطمئناً ليتشهد قارئاً كما قرأ في تشهده الأوّل: ‏( أشهدُ أنَّ لا اِله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمّد ).

ولمّا أتمّ تشهّده سلّم على النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ‏( السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته )، ثُمّ اختتم صلاته قائلاً: ‏( السلام علينا

١٧٠

وعلى عبادِ الله الصالحين )، ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ).

هكذا صلّى أبي صلاة العشاء، وكان قد صلّى مثلها بالضبط صلاتَي الظهر والعصر -‏ وهما رباعيّتان كذلك -‏ غير أنّه قرأ السورتين في ركعتيهما الأُولى والثانية بصوتٍ خافت.

ولقد راقبته، وهو يُصلّي صلاة المغرب، فوجدته يُصلّيها كما يُصلّي العشاء، غير أنّه لمّا انتهى من سجدته الثانية وهو في ركعته الثالثة، جلس ليتشهّد ويُسلِّم ويختم صلاته ( لأنّ صلاة المغرب ثلاث ركعات ).

ثمّ راقبته كذلك وهو يُصلّي صلاة الصبح، فوجدته يُصلّيها كما يُصلّي صلاة العشاء، غير أنّه لمّا انتهى مِن سجدته الثانية وهو في ركعته الثانية وتشهّد، سلّم هذه المرّة ليختم صلاته ( لأنّ صلاة الصبح ركعتان ).

هكذا صلَّى أبي صلَواته اليوميّة، غير أنّي إمعاناً منّي في الملاحظة والتثبّت والضبط والدقّة، سأثبت لكم بعض خصوصيّات الصلاة، كما صلاّها أبي على شكل نقاط:‏

‏١ -‏ كان يحرُص حُرصاً شديداً على أنْ يُصلّي صلاته في أوّل وقتها، فهو يُصلّي الظهر مثلاً عندما يحين وقت صلاة الظهر ( الزوال )، وهو يُصلّي المغرب في أوّل وقتها، وهكذا وحين سألته عن سبب المبادرة الى الصلاة في أوّل وقتها، تمثّل بحديثٍ للإمام الصادقعليه‌السلام قال فيه: ‏(فضلُ الوقتِ الأوّل على الأخير، كفضلِ الآخرةِ

١٧١

على الدُّنيا ).

‏٢ -‏ وكان عندما يقف بين يدَي ربّه ليُصلّي، تظهر عليه آثار الخشوع والخضوع والتذلّل، وكان يُردّد أحياناً بينه بين نفسه، ولكن بصوتٍ مسموع، قبل أنْ يَتوجّه الى مُصلاّه قوله تعالى: ‏( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) .‏ وكأنّه يروِّض نفسه لها قبل أنْ يشرع بها، فيُذكِّر قلبه بأهمّية الخشوع لله في الصلاة.

‏٣ -‏ وكان قبل أنْ يُصليّ صلاة الصبح يُصلّي ركعتين، ويُصلّي ثماني ركَعَات -‏ ركعتين ركعتين كصلاة الصبح -‏ قبل صلاة الظهر، وأُخرى بقدرها قبل صلاة العصر، ويُصلّي أربَع ركَعَات -‏ ركعتين ركعتَين كصلاة الصبح -‏ بعد صلاة المغرب ويصليّ ركعتين مِن جلوس بعد صلاة العشاء.

سألته مرّة عن تلك الصلوات.

فقال: ‏إنّها ( النوافل ) تلك التي رُوي عن الإمام العسكريعليه‌السلام أنّه قال: ‏إنّها إحدى علامات المؤمن.

‏٤ -‏ ولأنّ الهمزة في كلمة ( أكبر ) من جملة ( الله أكبر) همزةُ قطع، فيجب أنْ تظهر واضحة جليّة على لسانك عندما تكبِّر هكذا قال أبي.

قلت له مرّة: ‏إِنّ بعض الناس ينطقون هذه الهمزة شبيهة بالواو كما لو كانت الجملة ( الله وكبر).

فقال: ‏حذار أنْ تنطقها كنُطقهم، إِنّهم مخطئون وأضاف :

١٧٢

وكذلك الحال في همزة ‏( أنعمت ) من الآية الكريمة من سورة الفاتحة: ‏( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) ، فهي همزةُ قطع ويجب أنْ تظهر على لسانك واضحة جليّة أثناء النطق بها ومثلها تماماً همزة ( الأعلى ) من ( سُبحان ربّي الأعلى وبحمده ) في السجود فهي همزة قطع ويجب أنْ تظهر على لسانك واضحة جليّة أثناء النطق بها.

‏٥ -‏ وقال أبي: ‏حاول أنْ تقف على حرف الدّال من كلمة ( أحدْ ) وأنت تقرأ الآية القرآنيّة الشريفة من سورة التوحيد: ‏( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) .

ثُمّ تتريّث قليلاً قبل أنْ تَرِدفها بالآية الكريمة التالية لها: ‏( اللَّهُ الصَّمَدُ ) ، ذلك أسهَل عليك وأيسَرْ.

‏٦ -‏ كان يُحرِّك أبي أواخِر كلماته في صلاته إذا انطلق في كلامه واستمرّ به، بينما كان يُسكِّن الحرف الأخير من الكلمة التي يقف عليها إذا أراد الوقوف.

٧ -‏ سألت أبي مرّة: ‏أسمَعُك حين تقرأ قوله تعالى: ‏( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )‏ تكسِر حرف النون من كلمة ( الرّحمن ) وحرف الميم من كلمة ( الرّحيم )، وتقرأهما كذلك بالكسر عندما تقرأ قوله تعالى:‏( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) من سورة الحمد بينما أسمع كثيرا من النّاس يقرؤونها بالضمّ وهُم يُصلِّون.

كما أسمَعُك حين تقرأ قوله تعالى من سورة الحمد: ‏( إيّاك نعبُدُ ) تضمّ الباء من كلمة (نعبُدُ) بينما أسمَع بعض الناس

١٧٣

يكسرونها وهم يُصلّون.

فقال: ‏ألَمْ تَدْرس النحو بعد وتلمّ بقواعده ؟.

قلت: ‏درسته ولكن ليس بالشكل الواسع.

قال: ‏فما يقول عُلماء النحو في حركة كلمتَي( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ؟

قلت: ‏الكسرة كما تقرأهما أنت.

قال: ‏هات لي نسخة مِن القرآن الكريم.

فأتيت له بنسخةٍ مِن كتاب الله كانت قريبةً مِنّي.

قال: ‏أخرِج سورة الحمد ولاحظها.

فأخرجْت سورة الحمد، فوجدت الكسرة ظاهرة على آخر كلمَتَي( الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ )‏ ووجدتُ حرف الباء من كلمة نعبُدُ، من قوله تعالى: ‏( إِيّاكَ نعبُدُ ) مضمومة لا مكسورة.

قلت: ‏وجدتهما كما تقرأهما أنت.

قال: ‏اقرأ إِذاً كما هو محرَّك في كتاب الله، وانتبه الى الأخطاء الشائعة في القراءة كي لا تقع فيها.

‏٨ -‏ وكان أبي لا يبدأ بقراءة الذِّكر في الرُّكوع أو السجود إلاّ بعد أنْ يستقرّ به الرّكوع أو السجود، ولا يرفع رأسه إلاّ مِن بعد أنْ ينتهي من نطق الذِّكر تماماً وهو راكع أو ساجد.

‏٩ -‏ وكان إذا رفَع رأسه في سجدته الأُولى تريّث قليلاً حتّى إذا استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية، وكذلك كان يصنع بعد

١٧٤

رفْعِ رأسه من السجدة الثانية، [أقصد] كان يجلِس ثُمّ يقوم للركعة التالية.

‏‏١٠ -‏ سألته مرّة: ‏أسمَعُك تدعو لنفسك ولأبَوَيك ولإخوانك المؤمنين بعد الصلاة مباشرةً.

قال: ‏نعم، فقد قال أبو الحسنعليه‌السلام : ‏( مَن دَعا لإخوانِه مِن المؤمنينَ والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وكَّلَ اللهُ بهِ عن كلِّ مؤمنٍ ملَكاً يدعو لهُ ).

‏١١ -‏ وسألته: ‏أراك تسبِّح بعد كلِّ فريضة ؟

قال: ‏إِنّه تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، علَّمها إيَّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو: ‏( الله اكبر ) أربعاً وثلاثين مرّة، ثُمّ ( الحمد لله ) ثلاثاً وثلاثين مرّة، ثُمّ ( سُبحان الله ) ثلاثاً وثلاثين مرّة فيكون المجموع مِئة تسبيحة.

‏‏* وهل لتسبيح الزهراء فضل ؟

‏-‏ نعم، فقد رُوي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال لأبي هارون المكفوف: ‏( يا أبا هارون، إنَّا نأمُر صِبيانَنا بتسبيح الزهراءعليها‌السلام كما نأمُرهم بالصلاة فالزمه فإنّه لم يلزمه عبدٌ فيشقى ).

وعنه أنّه قالعليه‌السلام : ‏( تسبيح الزهراء في كلَّ يوم في دُبر كلَّ صلاة، أحبٌّ إليَّ مِن صلاةِ ألف ركعة في كلّ يوم ).

ولو كان هناك ما هو أفضل منه لَعلّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة لمكانتها عنده، كما ورَد عن الأئمّةعليهم‌السلام .

‏١٢ -‏ كان أبي أحياناً يُصلّي صلاة الظهر ثُمّ يتبعها مباشرةً بصلاة العصر، أو يُصلّي صلاة المغرب ويلحقها مباشرةً بصلاة

١٧٥

العشاء، بينما كان أحياناً أُخرى يفصل بين الصلاتين، فيُصلّي الظهر ثُمّ يتفرّغ لبعض شؤونه، حتّى إذا حَلَّ وقت العصر صلّى العصر، وكذلك يفعل مع صلاتَي المغرِب والعِشاء.

وحين سألته عن ذلك أجابَني.

‏-‏ أنتَ مُخيّر بين أنْ تَفصِل بينهما أو لا تفصِل.

‏١٣ -‏ أسمَعك -‏ قُلتُ لأبي -‏ حين تقرأ سورة القدر تظهر حرف اللام عندما تقرأ قوله تعالى: ‏( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) بينما أسمع بعض الناس لا يظهرونه، حتّى كأنّ حرف اللام غير موجود كأنّه: ‏يقرأ إنّا أنزنّاهُ، لا إنَّا أنزَلْناهُ وأسمَعك تقرأ:‏ ( سُبحان ربّيَ العظيمِ وبحمده ) فتَضُم حرف السين في سُبحان وتُظهِر الفتحةَ في ‏( رَبِّيَ ) بينما أسمعُ بعضَهم لا ينطقونها كما تَنطِق ؟

‏-‏ ألم أقُل لكَ انتبه لقراءتك.

* * * * *

١٧٦

حواريّة الصَّلاة الثانية

١٧٧

١٧٨

قبل أنْ يحين موعد حواريّة الصلاة الثانية، حاولتُ أنْ أُعيد استذكار ما دار في حواريّة الصلاة الأُولى من أفكار، لاَختبر مدى فعاليّة ذاكرتي، ولأسأل عمّا لَم أحفظه أو لَم استوعبه ما دُمنا بعد لم نُودِّع حواريّة الصلاة.

وما أنْ حضَر أبي حتّى بادرته بسؤال عنَّ لي فلَم أستطع الجواب عنه، قُلت له:‏

* أيُمكن أنْ أُصلّي صلاة العشاء بركعتين ؟

‏-‏ كلاّ.. ألَم أقُل لك أنّها صلاة رُباعيّة.

‏‏* ولكنّني رأيتُك صلّيتها مرّة بركعَتين.

‏-‏ أكُنّا في سَفَر ؟

‏‏* نعم.

‏-‏ هذا صحيح، فالصلاة الربّاعيّة ( صلاة الظهر والعصر والعشاء ) يجِب أنْ تقتصر على ركعتين في السّفر، إذا تمّت شروط قصرها التالية:‏

‏١ -‏ أنْ يقصد الشخص السفَر لمسافة تبعد ( ٤٤ كليو متراً ) تقريباً أو تزيد عن محلّ سُكناه سَواء أكانت هذه المسافة للذهاب

١٧٩

فقط أم للذّهاب والإياب.

‏‏* وضّح لي أكثر.

‏-‏ إذا سافر مسافر ما لمدينةٍ تبعد عن محلّ سُكناه ( ٤٤كم ) فأكثر يجب عليه التقصير في صلاته، بأنْ يُصلّي الصلاة ذات الأربع ركَعَات ركعتين فقط.

وكذلك إِذا سافر لمدينةٍ تبعد ( ٢٢كم ) عن بلد سُكناه وكان عازماً على الرجوع منها لبلده مرّة أُخرى في ذلك اليوم مثلاً.

‏‏* ومن أيِّ مكان يبدأ بقياس المسافة ؟

‏-‏ يبدأ بقياس المسافة مِن المكان الّذي يُعد الإنسان بعد تجاوزه مسافراً عُرفاً، وغالباً ما يَبدأ مِن آخر بيوت المدينة ولمسافة ٤٤كم.

‏٢ -‏ أنْ يستمرّ المسافر في قصده فلو تغيّر رأيه وبدا له في أمره أتمّ صلاته، إِلاّ أنْ يكون قد عزَم على الرجوع الى بلده وكان مسيره المتقدّم بضميمة العود والرجوع بمقدار المسافة فيجب عليه حينئذٍ القصر.

‏٣ -‏ أنْ يكون سفَره سائغاً، فلو كان نفس السفَر حراماً كما في بعض حالات سفَر الزوّجة بدون إذن زوجها، أو كان يقصد الحرام في سفرِه بأن قصد السرِقة في سفرِه مثلا كان عليه أنْ يتمّ صلاته، ويلحق بذلك ما إذا سافر للصيد لهواً فإنّه أيضاً يتمّ صلاته.

‏٤ -‏ أنْ لا يمر المّسافر بوطنه وينزل فيه أو مقرّ أقامته فيُقيم

١٨٠