الوسيلة الى نيل الفضيلة

الوسيلة الى نيل الفضيلة13%

الوسيلة الى نيل الفضيلة مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 440

الوسيلة الى نيل الفضيلة
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 254658 / تحميل: 7584
الحجم الحجم الحجم
الوسيلة الى نيل الفضيلة

الوسيلة الى نيل الفضيلة

مؤلف:
العربية

الوسيلة إلى نيل الفضيلة

ابن حمزة الطوسي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: حمد الله الكريم الالاء، العظيم النعماء، والصلاة على نبيه محمد خاتم الانبياء وسيد الاولياء، وعلى آلة سادة الاتقياء، الائمة الهداة النجباء.

فأني أوصيك يا بني بتقوى الله، والاعتصام بحبله، والتمسك بطاعته، والتحرج عن معصيته، والاخلاص في العمل بما يرضيه، والتوفر على التفكر فيما يزيد في معرفتك ويقينك، وبعينك على امور معادك ودينك، ويمنعك عن التورط في الشبهات، ويردعك عن التميل إلى الشهوات، ويزعك(١) عن ركوب المحارم، ويكبحك عن التسرع إلى المآثم.

واياك وغفلة الاغترار، وفترة الاصرار، وعليك بالاستعانة بالله سبحانه على امور دينك ودنياك، فانك ان توكلت عليه كفاك.

وعليك بتلاوة كتابه في آناء ليلك ونهارك، وحالتي استقرارك واسفارك، فان ذلك شفاء لما في الصدور، ونور يوم النشور، ونجاة يوم تزل فيه الاقدام، وتقضي فيه الاحكام وعليك بالعمل بما فيه، والتنبه على ما في مطاويه، فانه (شافع

____________________

(١) يزعك: يكفيك ويمنعك.

لسان العرب ٨: ١٤٥ (زوع).

(*)

٣

مشفع، أو حامل(١) مصدق "(٢) .

وعليك بسنة نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فانها جلاء القلوب، واستراحة الكروب، وعليك بما سن لك الائمة الهداة.فانهم إلى الجنة الدعاة. ومن النار الحماة. وعليك بسيرة الصالحين. والاقتناص من شواردهم. والاقتباس من فوائدهم. والاشتغال بنفسك عن غيرك.والتوفر على الاكثار من خيرك.وليكن ما تعرف من نفسك شاغلا لك عمن سواك.فتحمد منقلبك ومثواك.وعليك بالاكلباب على طلب العلوم، فانه أرجح ميزانا، وأنجح أمرا وشأنا.

وليس يملكنك البلوغ إلى نهايه والوصول إلى غايته فعليك بما هو أكثر فائدة، وأغزر عائدة، وأعود عليك في أولاك، واخراك ودنياك.وعقباك.وعليك بالفقه، وعليك بالفقه، وعليك بالفقه.

فانه شرف لك في الدنيا، وذخر لك في الاخرة.

ولن يتيسر لك ذلك الا بحسن السيرة، ونقاء الجيب، وطهارة الاخلاق، والتوقي من العيب، واقامة دعائم الاسلام.

والاذعان لوقاعد الاحكام والتعظيم لامر الله، فان الله سبحانه لم يخلق الخلق عبثا، ولم يتركهم مهملا، بل خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، علم ضمائرهم وخبر سرائرهم، وأحصى أعمالهم، وحفظ أحوالهم.

واحتج عليهم بارسال الرسل، مبشرا ومنذرا(٣) وبانزال الكتب آمرا ومخبرا وداعيا، وزاجرا والله الحجة البالغة، والنعمة السابغة، وله الحدم على نعمه.

والشكر على قبض كرمه.

حمداً وافياً، وشكراً كافياً، ثم اني رأيت أن أجمع لك كتباً في الفقه لتحفظه على ترتيب يسهل على

____________________

(١) الماحل: الخصم المجادل، والساعى.

يقال: محل بفلان، أى سعى به إلى ذى سلطان حتى أوقعه في ورطة، لسان العرب ١١: ٦١٨ (محل).

(٢) الجامع الصغير ٢: ٢٦٤ حديث ٦٢٨٢ نقال عن سنن البيهقى.

(ظ) في نسخة " ط ": ونذيريا ومنذرا.

٤

المتيقظ الشروع في التحفظ. وقد بينته على بيان الجمل وحصرها.

ونظم العقود ونثرها، وانقسام أبوابه على التيميز بين الوابج والمندوب، والمحظور والمكروه.

والفعل والترك، والكيفية والكمية.

على وجه لا يلحقه خلل، ولا يبلغ طالبه ملل، وقد سميته ب‍ " الوسلية إلى نيل الفضلة " مستمدا من الله تعالى التوفيق على الاتمام. والتيسير(١) لدرك المرام.

وأن يجعل ذلك خالصا لرضاه، فانه لا يضيع مع استكفاه. ولا يخيب من رجاه. وهو أكرم مسؤول، وأفضل مأمول.

____________________

(١) في نسخة " م ": " والتيسر ".

٥

كتاب العبادات(١)

الشرعية ضربان: أحدهما: يجب على الاطلاق على المكلف، مثل الصلاة.

والظثاني: يجب عند شروط مثل الزكاة، والصوم، والحج.

والجهاد، فان الزكاة تجب عند حصول المال على ما سنذكره، والصوم بشرط الصحة والاقامة أو حكمها(٢) والحج بشرط الاستطاعة.

والجهاد بشرط الحجه، والاستطاعة، وغيرهما(٣) .

ولها مقدمات لا تصح من دونها، وهي ضربان: أحدهما غير تابع لها مثل الاسالم، فان العبادة لا تصح بدون الاسلام بل هو أصل في العبادات.

والثاني تبع لها.وان لم تصح من دونه.

وهو الطهارة فانها شرط في صحة الصلاة، والطواف المفروض، أو في الفضيلة في مثل دخول المسجد، وقراء‌ة

____________________

(١) في نسخة " م ": " التكاليف ".

(٢) في نسخة " م ": " أو حكمهما ".

(٣) في نسخة " ش ": " وغيرهما ".

٦

القرآن، والسعي بين الصفا والمروة.

فتقدم السلام شرط في صحة جميع العبادات وتقدم الطهارة شرط(١) فيما ذكرنا.

وللصلاة مقدمات اخر سنذكرها انشاء الله تعالى.

فصل في بيان اقسام العبادات

عبادات الشرع عشر: الصلاة، والزكاة، والصوم.والحج.والجهاد، وغسل الجنابة.والخمس، والاعتكاف، والعمرة، والرباط.

____________________

(١) ليس في النسختين " ش " و " ط ".

٧

كتاب الصلاة

للصلاة مقدمات لا تصح من دونها.

وهي ستة عشر شيئا: الطهارة، ومعرفة الوقت، والقبلة.

وعدد الفرائض، وستر العورة.

ومعرفة ما يجوز الصلاة فيه من الثياب أو المكان، وما يجوز السجود عليه، وتطهير البدن والثوب(١) وموضع السجود من النجاسة: ومعرفة النجاسات - ليتمكن من الاحتراز عنها - ومعرفة ما يتطهر عنه أوله(٢) ومعرفة ما يطهر، وكيفية التطهير.

وأما الاذان والاقامة، فمن شروط فضل الصلوات الخمس دون الصحة.

فصل في بيان الطهارة

للطهارة مقدمات تنقضها وتوجبها، فيجب بيان المقدمات.

ومايترتب عليها

____________________

(١) في نسخة " م ": " والثياب ".

(٢) في النسختين " ش " و " ط ": " به ".

٨

ببيانها، وهي تنقسم قسمين: واجب.وندب.

فالواجب ثلاثة أنواع: فعل، وكيفية وترك.

فالفعل ثلاثة أشياء: الاستنجاء والاستبراء، وغسل مخرج البول بالماء اذا وجد.

والكيفية أربعة: تنقية موضع النجو بالماء حتى تزول العين والاثر، أو بالحجارة حتى تزول العين.

والمسح عن(١) عند مخرج النجو إلى أصل القضيب بالاصبع في الاستبراء ثلاث مرات.

ونتر القضيب بين الابهام والسبابة ثلاث مرات.والاستجمار(٢) بأبكار الحجارة.أو بما يزيل العين.

سوى ما يؤكل.ووضع الحجر على موضع النجاسه لازالتها.

فان زالت النجاسة بواحدة استعمل تمام الثلاثة سنة.

وان لم تزل بثلاثة استعمل حتى تزول فرضا، فان تعدت(٣) النجاسة عن الموضع لم يجز غير الماء اذا وجد.

والترك ستة أشياء: استقبال القبلة في حال الخلاء.

واستدبارها مع الامكان، واستعمال المستعمل من الاحجار.والحجر النجس.

والاستجمار بماله حرمة من المأكولات.

واستعمال الخرقة من وجهين اذا نشفت.

والندب ثلاثا أشياء: أدب، وذكر، ومكروه.

فالادب عشرة: الاستتار.

وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج.

وتغطية الرأس، والجلوس للحدث على موضع مرتفع، والجمع بين

____________________

(١) ليس في " م ".

(٢) في " ش " و " ط ": " واستجمار ".

(٣) في " ش " و " ط ": " تعدى ".

٩

الحجارة والماء في الاستنجاء.

وتقديم الحجر على الماء أو الاقتصار على الماء.

والاستجمار بما يزيل العين، والاستنجاء باليسار، والمسح باليد على البطن بعدما قام عنه.

ونزع الخاتم من اليسار ان كان عليه اسم معظم أو فصه حجر له حرمة.

والذكر سنة، الدعاء عند دخول الخلاء.

وعند الاستنجاء وعند الفراغ منه، وعند الخروج من

١٠

وضرورية، وهي بالثلج، أو بالتراب، أو بما يقوم مقامه عند فقده.

والاختيارية: وضوء، وغسل، وكل واحد منهما مفروض، ومسنون.

فالمفرضو من الوضوء شيئان: أحدهما الوضوء لصلاة فريضة لزمه أداؤها حالة الوضوء، والثاني للطواف المفروض.

والمسنون أحد عشر: أحدها: للتأهب للصلاة الفريضة قبل دخول وقتها.

والثاني: تجديده لكل صلاة مع بقاء حكمه.

والثالث: لاداء النوافل.

والرابع: لقراء‌ة القرآن.

والخامس: لمس المصحف.

والسادس: للسعي بين الصفا والمروة.

والسابع: للطواف المسنون.

والثامن: لدخول المسجد. أو موضع شريف.

والتاسع: للتأهب للصلاة متى شاء.

والعاشر: للنوم عليه.

والحادي عشر: للحائض.

فانها تتوضأ لا لرفع الحدث وتجلس في المصلى ذاكرة لله تعالى بمقدار زمان لاتها.

واذا توضأ نافلة نوى رفعا للحدث.

أو استباحة للصلاة جاز له أن يؤدي به كل صلاة.

والطهارة الضرورية بالثلج. أو بالتراب وهو التيمم.

وهو ضربان: أحدهما يكون بدلا من الوضوء.

والثاني (يكون)(١) بدلا من الغسل المفروض.

الا في موضع واحد يكون فيه بدلا من الغسل المندوب وهو الغسل للاحرام اذا لم يجد الماء.

____________________

(١) ليس في النسختين " ش " و " ط ".

١١

فصل في بيان ما يقارن الوضوء

الوضوء يشتمل على امور واجبة.ومندوبة.

فالواجبة: فعل، وكيفية، وترك.

فالفعل سبعة أشياء: النية.وغسل الوجه مرة واحدة.

وغسل كل واحدة من اليدين ومسح الرأس، ومسح كل واحدة من الرجلين كذلك.

والكفية ثلاثة عشر شيئا: مقارنة النية لحال الوضوء.

والاستمرار على حكمها.

والابتداء في غسل الوجه من قصاص شعر الرأس.

واستيعاب الوجه بالغسل، وحده من قصاص شعر الرأس إلى محادر(١) شعر الذقن طولا.

ومادارت عليه الابهام والوسطى عرضا، وغسل اليدين من المرفق إلى أطراف الاصابع، وادخال المرفق في السغل، ومسح مقدم الرأس ببلة الوضوء.

ومسح الرجلين من رؤوس الاصابع إلى الكعبين ببلته أيضا، والترتيب على ما رتبه الله تعالى(٢) ، والموالاة - وهي أن يوالي بين غسل الاعضاء ولا يؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم - وايصال الماء إلى ما تحت الخاتم. وغيره انه كان عليه.

والترك عشرون شيئا: استقبال الشعر في غسل الوجه وفي غسل اليدين، وفي مسح الرأس، واستئناف الماء لمسح الرأس والرجلين(٣) ومسح مؤخر الرأس ومسح أحد جانبيه.

ومسح جميع الرأس، ومسح الاذنين، وتخليلهما، والمسح على الشعر اذا جمعه وسط الرأس، والمسح على ما يحول بين العضو الماسح والممسوح.

ومسح باطن

____________________

(١) محادر شعر الذقن، بالدال المهملة، أول انحدار الشعر عن الذقن: مجمع البحرين - حدر - ٣: ٢٦١.

(٢) في " ش " و " ط " على ما رتيه الله تعالى عليه.

(٣) في " ش " و " ط ": " أو الرجلين ".

١٢

القدمين، وغسل الرجلين للوضوء مختارا.

والمسح(١) على الخفين، وعلى الشمشك(٢) ، وعلى النعل غير العربية مختارا.

والتكرار في المسح.

والزيادة في الغسل على المرتين، والاستيضاء مع القدرة.

والمندوب: خمسة أضرب: زيادة في الغسل، وأدب.وذكر، وكيفية.وترك.

فالزيادة ثلاثة أشياء، غسل الوجه.واليد اليمنى.واليسرى ثانيا.

والادب ثمانية: وضع الاناء على اليمين اذا(٣) اغترف منه باليد.وأخذه باليمين.

وادارته في غسل اليمين إلى اليسار، وغسل اليدين قبل ادخالهما الاناء من حدث النوم أو البول مرة ومن الغائط مرتين، والنية عند غسل اليدين - فان ترك تعين عند غسل الوجه - والمضمضة، والاستنشاق، والسواك خاصة في صلاة الليل.

وكيفية النية: أن يقرر في نفسه أنه يتوضأ فرضا، رفعا للحدث(٤) واستباحة للصلاة (قربة إلى تعالى، وان لم يكن فرضا لم يقرر ذلك في نفسه.

والذكر عشرة أشياء، التسمية اذا نظر إلى الوضوء، والدعاء عند غسل اليدين،

____________________

(١) في " ش " و " ط ": " أو المسح ".

(٢) الشمشل، بضم الشين وكسر الميم: قيل انه المشاية البغدادية وليس فيه نص من أهل اللغة، مجمع البحرين - شمشك - ٥: ٢٧٧، أقول: وهو لفظة أعجمية تطلق على بعض ما يلبس في الرجل.

(٣) في " ش " و " ط ": " ان ".

(٤) في " ش ": لرفع الحدث(٥) في " ط ": " الصلاة ".

١٣

وعند المضممضة، وعند الاستنشاق، وعدن غسل الوجه.

واليد اليمنى، واليسرى، ومسح الرأس، ومسح الرجلين. والفراغ من الوضوء.

والكيفية أحد عشر شيئا: الابتداء بالمضمضة قبل الاستنشاق، والاتيان بهما ثلاثا، ثلاثا، والمضمضة بكف واحدة(١) من الماء.

وكذلك الاستنشاق، وغسل الوجه باليد اليمنى، وغسل المسنونة على هيئة الواجبة(٢) ، ووضع الرجل الماء على ظهر ذراعه، والمرأة على باطنها.

ومسح مقدم الرأس قدر ثلاث أصابع مضمومة، ومسح الرجلين بالكفين من رؤوس الاصابع إلى الكعبين.

والترك ثلاثة: الاستعانة في الوضوء بالغير، والتمندل، وتأخير الاستنجاء وغسل مخرج البول.

فصل في بيان السهو العارض في الوضوء

السهو فيه أربعة أضرب: أحدها: يوجب اعادة الوضوء، وذلك في ثمانية مواضع: من شك ولم يدر تقدم وضوء‌ه أم حدثه، والشك في الوضوء مع تيقن الحدث، والشك فيهما معا، والشك في الوضوء (وهو)(٣) جالس عليه، وأن يظن الاخلال بفعل واجب من أفعال الوضوء، أو يظن فعل شئ ينقض الوضوء، أو يذكر حدثا وقد توضأ لكل صلاة عقيب احداها بلا فصل واشتبه عليه، أو يذكر ترك غسل عضو من أعضاء هذه الطهارات كذلك.

والثاني: لم يلزمه اعادة الوضوء، وجاز له المضي عليه، وذلك في ثلاثة

____________________

(١) في نسخة: " م ": واحد ".

(٢) في نسخة " ش ": " الواحدة ".

(٣) ليس في النسخة " ش ".

١٤

مواضع: من تيقن الوضوء وشك في الحدث.

أو شك في الوضوء بعد ما قام عنه، أو شك في غسل عضو كذلك.

والثالث: يجب عليه غسل المشكوك، واعادة المترتب عليه ما لم يجف العضو السابق، واعادة الوضوء ان جف، وذلك في موضعين: من شك في غسل عضو من أعضاء الطهارة جالسا عليه غسل المشكوك واعادة المترتب عليه، ومن قدم بعض أعضاء الطهارة على بعض ثم ذكر بنى على ما يجب الابتداء به وأعاد ما قدمه عليه.

والرابع: من صلى صلوات وقد جدد الوضوء لكل صلاة من غير حدث.

ثم ذكر أنه ترك غسل عضو في واحدة أعاد الصلاة الاولى، وان ترك في اثنتين أعاد الصلاتين، وعلى هذا، ومن صلى بغير طهارة تطهر وأعاد الصلاة.

فصل في بيان نواقض الطهارة

نواقضها أربعة أضرب: أحدها: ينقضها ويوجب الصغرى من الطهارة، وهو ستة أشياء: خروج البول والغائط من الانسان، وخروج شئ ملوث بالغائط من مخرجه، والريح.

والنوم والغالب على السمع والبصر.

وكل ما يزيل العقل والتمييز من الاغماء والجنون وغيرهما من سائر الامراض.

وثانيها: يوجب الطهارة الكبرى فحسب، وهو الجنابة.

وثالثها: يوجب الصغرى مرة. وكلتيهما أخرى، وهو الاستحاضة.

ورابعها: يوجبهما معا.

وهو ثلاثة أشياء: الحيض، والنفاس، ومس الميت من الناس، أو قطعة أبينت من حي، أو ميت منهم فيها عظم بعد البرد بالموت وقبل التطهير بالغسل.

ولا ينقض الطهارة غير ما ذكرناه.

١٥

فصل في بيان الطهارة الكبرى

وهي ضربان: اما يجب ايقاعها على المكلف في نفسه.أو في غيره.

وذلك شيئان: أحدهما غسل المولود بعد الولادة، والثاني غسل الميت من الناس.

والاول ضربان: أحدهما يؤمر بالغسل لاقامة الحد عليه.

والثاني أربعة أضرب: فرض، وواجب.

ومختلف فيه، ومندوب، والجميع خمسة وثلاثون غسلا.فالفرض واحد.وهو غسل الجنابة.

والواجب ثلاثة: غسل الحيض، والاستحاضة، والنفاس.

والمختلف فيه ثلاثة: غسل مس الاموات، وغسل قاضي صلاة الكسوف اذا تركها متعمدا وقد احترق القرص كله.

وغسل من سعى إلى مصلوب عامدا بعد ثلاثة أيام.

والمندوب ثمانية وعشرون: غسل يوم الجمعة، وروي: أنه سنة واجبة(١) وغسل ليلة النصف من رجب، ويوم السابع والعشرين منه، واليلة النصف من شعبان.

وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه.

وليلة سبع عشرة (وتسع عشرة)(٢) واحدى وعشرين.

وثلاث وعشرين منه، وليلة الفطر، ويوم الفطر.

ويوم الاضحى، وغسل الاحرام، وعند دخول الحرم.ودخول مكة.ودخول السجد الحرام.ودخول الكعبة.ودخول المدينة.ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعند زيارتهعليه‌السلام ،

____________________

(١) الكافى ٣: ٢١ حديث ١، ٢، ٣، والتهذيب ٣: ٩ حديث ٢٧، ٢٨، ٣٩، والاستبصار: ١: ١٠٣ حديث ٣٣٦ و ٣٣٧.

(٢) لم ترد في نسخة " ط ".

١٦

وعند زيارة الائمةعليهم‌السلام .

وغسل يوم المباهلة، ويوم الغدير، ويوم المولد، وغسل التوبة، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة.

فأما النابة: فهي بانزال الماء الذي منه الولد، وعلامته الدفق سواء كان معه شهوة أو لم يكن.

وان وجد شهوة من غير دفق، وكان مريضا فكذلك.

وان كان صحيحا لم يكن ذلك منيا اذا لم يكن معه دفق، وبغيبوبة الحشفة في فرج آدمي حي أو ميت.

قبل أو دبر، ويجب الغسل عليهما معا.

واذا أجنب الانسان بأحد ما ذكرناه حرم عليه ستة أشياء، قراء‌ة العزائم ودخول المساجد - الاعابر سبيل - الا المسجد الحرام.

ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم، ووضع شئ فيها، ومس كتابة المصحف، ومس كل كتابة معظمة من أسماء الله تعالى، أو أسماء أنبيائه، أو أئمةعليهم‌السلام .

والتوضؤ للجنابة، وكره له سبعة أشياء الاكل، والشرب - الا بعد المضمضمة والاستنشاق - والنوم - الا بعد الوضوء - والخضاب، ومس المصحف ما عدا الكتابة.

وقراء‌ة ما عدا العزائم فوق سبعين آية، والارتماس في الماء الراكد وان كان كثيرا.

فأما الغسل ففيه الفرض، والندب.

فالفرض مقدم عليه، ومقارن (له)(١) ، فالمقدم ثلاثا أشياء: الاستبراء، وكيفية: وهي أن يستبرئ بالبول - ان كان رجلا(٢) - فان لم يتأت له اجتهد، وازالة المني عن رأس الاحليل.

وعن جميع جسده ان أصابه.

والمقارن ضربان: فعل، وكيفية.فالفعل، النية.وغسل جميع البدن.

والكيفية أربعة أشياء: مقارنة النية لحال الغسل، واستدامة حكمها إلى عند الفراغ، وايصال الماء إلى جميع أصول الشعر، والترتيب: وهو أن ببدأ بغسل

____________________

(١) ليس في النسخة " ط ".

(٢) وفى استبراء المرأة قول، ذهب اليه الشيخان في المقنعة: ٦، والنهاية٢١.

١٧

الرأس، ثم بالميامن، ثم بالمياسر، وان أفاض الماء بعد الفراغ على جميع البدن كان أفضل.

والندب خمسة أشياء غسل اليدين قبل ادخالهما الاناء ثلاث مرات.

والمضمضة والاستشاق ثلاثا ثلاثا.

والغسل بصاع من الماء فما زاد، والدعاء عند الغسل.

والكافر اذا أسلم. وقد أجنب كافرا لزمه الغسل من الجنابة.

والمخالف اذا استبصر وأقام فرائضه لم يلزمه الاعاده، وان لم يقمها أعاد، وان اجتمع عليه اغسال كثيرة كفاة غسل الجنابة عن الجميع.ولم يكف عنه غيره.

وسائر الاغسال، لابد فيه من تقديم الوضوء لعيه.

أو تأخير عنه، وينوي في الغسل والوضوء معا رفا للحدث، أو استباحة(١) للصلاة، ان كان الغسل واجبا(٢) سوى غعسل من سعى إلى المصلوب بعد ثلاثة أيام، وان كان الغسل نفلا ارتفع الحدث بالوضوء لابه.

وصورة نية الغسل من الجنابة على ما اخترناه: اغتسل من الجنابة فرضا قربة إلى الله تعالى.

فصل في (بيان)(٣) احكام الحيض

الحيض: هو الكلام الاسود الغليظ الخارج من المرأة بحرارة وحرقة على وجه له دفع، ويتعلق به أحكام من بلوغ المرأة.

وانقضاء العدة، وغير ذلك، ولا تحيض امرأة دون تسع سنين، ولا من زاد سنها على ستين سنة من القرشية والنبطية.

وعلى خمسين سنة من غيرهما.

وللحائض ثلاثة أحوال: أما ترى الدم قليلا: وهو ثلاثة أيام متواليا ت، وروي

____________________

(١) في النسختين " ط " و " ش ": " واستباحة ".

(٢) في النسخة " ط ": واجابا أو كليهما.

(٣) ليس في نسخة " ش ".

١٨

مقدار ثلاثة أيام من عشرة(١) أو كثيرا: وهو عشرة أيام.

أو متوسطا: وهو ما بين الثلاثة والعشرة.

فاذا بلغت المرأة تسع سنين فصاعدا، ورأت دما لم يخل من ثلاثة أحوال: اما عرفته يقينا أنه دم حيض، أو غيره.أو اشتبه عليها.فان عرفت يقينا عملت عليه.

وان اشتبه عليها بدم استحاضة فهو حيض، وان اشتبه بدم العذرة اعتبرت بقطنة.

فان انغمست فهودم حيض، وان تطوقت فهو دم عذرة، وان اشتبه بدم القرح وكان خارجا من الجانب الايمن فهو دم قرح، وان كان خارجا من الجانب الايسر فهو دم حيض.

والصفرة والكدرة في أيام الحيض، أو فيما يمكن أن يكون حيضا حيض، وفي أيام الطهر طهر، فاذا رأت الدم بعد انقضاء تسع سنين ولم يشتبه عليها.

أو اشتبه وكان محكوما عليه بالحيض تركت الصلاة والصوم، ولها أربعة أحوال: أحدها: أن تراه ثلاثة أيام متواليات ثم ينقطع. ولا تراه بعد ذلك إلى انقضاء عشرة أيام.

والثاني: أن ينقطع الدم ثم يعود قبل انقضاء عشرة أيام.

والثالث: أن تراه يوما أو يومين، ثم ينقطع عنها ولا يعود، والرابع: أن ينقطع عنها بعد يوم أو يومين.

ثم يعود قبل انقضاء عشرة أيام بمقدار ما يتم به ثلاثة أيام.

فالاول: يلزمها أن تعمل عمل الحائض في الاايم التي رأيت فيها الدم.

ثم تغتسل، والثاني: كان الدمان معا والطهر المتخلل بينهما حيضا.

والثالث: يكون دم فساد، ويجب عليها قضاء الصلاة والصوم.

____________________

(١) الكافى ٣: ٧٦ حديث ٥، والتهذيب ١: ١٥٨ حديث ٤٥٢

١٩

والرابع: يكون جميع عشرة الاايم بحكم الحائض في احدى الروايتين(١) .

واذا رأت الدم في شهرين متواليين على حد واحد.

جعلت ذلك عادة ترجع اليها وتعمل عليها.

ويتعلق بالحائض وبزوجها أحكام تنقسم إلى أربعة أقسام: واجب.وندب، وكلاهما فعل وترك.

فالفعل الواجب ثلاثة: احتشاء الموضع بالكرسف، والاستشفار، ومنع الزوج من الوطء.

والترك الواجب عشرة، الصلاة، والصوم.والاعتكاف.والطواف، ودخول المساجد، ووضع شئ فيها.

ومس كتابة المصحف، والاسماء المعظمة، وقراء‌ة العزائم، وسجدة التلاوة.

والفعل المندوب اليه شيئان: الوضوء لا على وجه رفع الحدث وقت الصلاة، وجلوسها في المصلى ذاركة لله تعالى بمقدار زمان صلاتها.

والترك المندوب أربعة: قراء‌ة ما عدا العزائم، ومس المصحف، وحمله.والخضاب.

وما يتعلق بزوجها فأربعة، لا يصح منه طلاقها حاضرا بعد الدخول " بها "(٢) ، ويحرم عليه وطؤها، ويجب عليه الكفارة ان وطأها في أول الحيض بدينار، وفي وسطه بنصف دينار، وفي آره بربع دينار.

وان وطأ أمته حائضا كفر بثلاثة أمداد من الطعام.ويلزمه التعزير.

فاذا طهرت وكانت عادتها أقل من عشرة أيام استبرأت بقطنة، فان خرجت نقية فهي طاهر، وان خرجت ملوثة صبرت إلى النقاء، وان اشتبه عليها استظهرت بيوم

____________________

(١) الكافى ٣: ٧٦ حديث ٥ والتهذيب ١: ١٥٨ حديث ٤٥٢.

(٢) لم ترد في نسخة " ش ".

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

عن حرمة اللقاء الجنسي بين الزوجين حال الاعتكاف ، وبعد ذكر سلسلة من الأحكام المتعلقة بالصوم ، كما جاءت في الآيات (229 و 230) من سورة البقرة ، والآية (10) من سورة الطلاق بعد بيان قسم من أحكام الطلاق ، وفي الآية (4) من سورة المجادلة بعد بيان كفارة «الظهار».

وفي جميع هذه الموارد أحكام وقوانين منع من تجاوزها ، ولهذا وصفت بكونها «حدود الله»(1) .

ثمّ بعد الإشارة إلى هذا القسم من حدود الله يقول سبحانه :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ) ، وهو بذلك يشير إلى النّتيجة الأخروية للالتزام بحدود الله واحترامها ، ثمّ يصف هذه النتيجة الأخروية بقوله :( وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

ثمّ يذكر سبحانه ما يقابل هذا المصير في صورة المعصية ، وتجاوز الحدود الإلهية إذ يقول :( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ) .

على أنّنا نعلم أن معصية الله (مهما كانت كبيرة) لا توجب الخلود والعذاب الأبدي في النار ، وعلى هذا الأساس يكون المقصود في الآية الحاضرة هم الذين يتعدون حدود الله عن تمرد وطغيان وعداء وإنكار لآيات الله ، وفي الحقيقة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يستبعد هذا المعنى إذا لا حظنا أن «حدود» جمع ، وهو مشعر بأن يكون التعدي شاملا لجميع الحدود والأحكام الإلهية ، لأن الذي يتجاهل كل القوانين الإلهية لا يؤمن بالله عادة ، وإلّا فإنّه يحترم ولو بعضها ـ على الأقل.

إنّ الملفت للنظر في الآية السابقة أنّ الله تعالى عبّر عن أهل الجنّة بصيغة الجمع حيث قال تعالى :( خالِدِينَ فِيها ) بينما عبر عن أهل النّار بصيغة المفرد

__________________

(1) لقد مرّ حول «حدود الله» وتفسيره بحث أكثر تفصيلا في المجلد الثاني من هذا التّفسير.

١٤١

حيث قال( خالِداً فِيها ) .

إنّ هذا التفاوت في التعبير ـ في الآيتين المتلاحقتين ـ شاهد واضح على أن لأهل الجنّة اجتماعات (أو بعبارة أخرى أنّ هناك حالة اجتماعية بين أهل الجنّة ونزلائها) وتلك هي في حد ذاتها نعمة من نعم الجنّة ، ينعم بها ساكنوها وأصحابها ، بينما يكون الوضع بالنسبة إلى أهل النار مختلفا عن هذا ، فكل واحد من أهل النار مشغول بنفسه ـ لما فيه من العذاب ـ بحيث لا يلتفت إلى غيره ، ولا يفكر فيه ، بل هو مهتم بنفسه ، يعمل لوحده،وهذه هي حالة المستبدين المتفردين بالرأي والموقف ، والجماعات المتحدة والمجتمعة في المقابل ، في هذه الدنيا أيضا ، فالفريق الأول يمثل أهل جهنم ، بينما يمثل الفريق الثاني أهل الجنّة.

ميزات قانون الإرث الإسلامي :

في قانون الإرث عموما ، وفي نظام الإرث الإسلامي خاصّة مزايا نشير إلى قسم منها في ما يلي :

1 ـ في نظام الإرث الإسلامي ، وفي ضوء ما أقرّ من الطبقات للورثة لا يحرم أي واحد من أقرباء المتوفى من الإرث ، فليس في الإسلام ما كان متعارفا (أو لا يزال) عند العرب الجاهليين ، أو في بعض المجتمعات البشرية من حرمان النساء والأطفال من الإرث لعدم قدرتهم على حمل السلاح والمشاركة في الحروب وما شاكل ذلك ، بل يشمل نظام الإرث الإسلامي كل من يمتّ إلى المتوفى بوشيجة القربى.

2 ـ يلبي هذا النظام الحاجات الإنسانية الفطرية والمشروعة ، لأنّ كل إنسان من أبناء البشر يجب أن يرى حصيلة جهوده وثمرة أتعابه ونتاج كدّه وكدحه بيد من يعتبره امتدادا لوجوده وشخصيته ، ولهذا يكون سهم الأبناء ـ حسب هذا النظام ـ أكثر من سهام غيرهم ، في حين تكون سهام الآباء والأمهات وغيرهم من

١٤٢

الأقرباء وأنصبتهم بدورها سهاما وأنصبة محترمة وجديرة بالاهتمام أيضا.

3 ـ إنّ هذا القانون يشجع الأشخاص على السعي والعمل وبذل المزيد من الفعالية في سبيل تحصيل الثروة ، وتشغيل عجلة الإقتصاد.

وذلك لأنّ الإنسان إذا عرف أنّ نتاج كده وكدحه وحصيلة جهوده وأتعابه طوال حياته ستنتقل إلى من يحبّهم ويودّهم ، فإنّه يتشجع على المزيد من العمل والنشاط مهما كان عمره وسنه ، ومهما كانت ظروفه وملابساته ، وبهذا لا يحدث أي ركود في فعاليته ونشاطه مطلقا.

وقد أشرنا في ما مضى ـ كيف أنّ إلغاء قانون الإرث والتوارث في بعض البلاد،وتأميم أموال الموتى ، وحيازتها من قبل الدولة أدى إلى آثار سيئة في المجال الاقتصادي ، وظهر في صورة ركود اقتصادي مخيف دفع بالدولة إلى إعادة النظر في إلغاء قانون الإرث وحذفه.

4 ـ إنّ قانون الإرث الإسلامي يمنع من تراكم الثّروة ، لأنّ هذا النظام يقضي بتقسيم الثّروة ـ بعد كلّ جيل ـ بين الأفراد المتعددين بصورة عادلة ، وهذا ممّا يساعد على تفتيت الثروة ، كما يساعد على التوزيع العادل لها.

هذا والجدير بالاهتمام أنّ هذا التقسيم لا يعاني ممّا تعاني منه بعض الأشكال السائدة في عالمنا الراهن لتقسيم الثروة ، والتي ترافق غالبا سلسلة من المضاعفات والآلام الاجتماعية السيئة ، فهو نظام فريد من نوعه يشمل الجميع برحمته ، ولا يتسبب في انزعاج أي شخص أو جهة.

5 ـ إنّ الأسهم والأنصبة في قانون الإرث الإسلامي لم تنظم على أساس الارتباط والانتساب إلى المتوفى برابطة النسب خاصّة ، بل على أساس الحاجات الواقعية عند الورثة،فإذا رأينا الذكور من أولاد الميت يرثون ضعف ما ترثه الإناث ، أو يرث الأب ـ في بعض الموارد ـ أكثر من الأمّ ، فهو لأجل أنّ الرجال يتحملون مسئولية مالية أكبر في النظام الإسلامي ، ولأنّ عليهم أن

١٤٣

يتحملوا الإنفاق على زوجاتهم وعوائلهم ، ولهذا لا بدّ أن يسهم لهم ـ في الإرث ـ أكثر من الإناث.

ما هو العول ، وما هو التعصيب؟ :

في كتاب الإرث نقف على بحثين أحدهما تحت عنوان «العول» ، والآخر تحت عنوان «التعصيب» وهما حالتان تعرضان لمسألة الإرث عند ما تكون الأسهم المذكورة في الآيات المتقدمة أقل من التركة أحيانا ، أو أكثر أحيانا أخرى.

وللمثال نقول : إذا ترك الميت أختين من جانب الأب والأمّ ، وزوجا ، ورثت الأختان ثلثي المال وورث الزوج النصف ، فيكون المجموع 6 أي بزيادة 6 على مجموع المال،وهنا يطرح السؤال التالي وهو : ننقص هذا السدس الزائد 6 من جميع الورثة ـ حسب سهامهم ـ وبصورة عادلة ، أم يجب أن تنقص من نصيب أشخاص معينين خاصّة؟

المعروف عن علماء السنة أنّهم يذهبون إلى إدخال النقص على جميع الورثة ، وسمّى الفقهاء هذا القسم عولا ، لأن العول يعني في اللغة الارتفاع والزيادة.

ففي المثال الحاضر يقول فقهاء السنة : إنّ السدس الزائد يجب أن يقسم على الجميع ، وأن ننقص من جميع الورثة من كل واحد حسب سهمه(1) ، وهكذا يكون العمل في الموارد الاخرى ، وفي الحقيقة ينزل الورثة ـ هنا ـ منزلة الغرماء الذين لا تفي أموال المفلس بتسديد ديونهم جميعا وبصورة كاملة ، فهنا يدخل النقص

__________________

(1) فتكون طريقة الحساب هنا هي أنّنا يجب أن ننقص 6 / 1 من سهم الأختين الذي هو 6 / 4 وسهم الزوج الذي هو 6 / 3 بمقدار أسهمهم أي نقسم 6 / 1 على 7 أقسام فننقص من سهم الأختين بمقدار 4 ، ومن الزوج بمقدار 3 ، وذلك طبقا لقانون «الإسهام بالنسبة» المذكورة في الرياضيات فتكون النتيجة أنه ينقص من سهم الأختين بمقدار 42 / 4 ومن سهم الزوج بمقدار 42 / 3.

١٤٤

على جميع الغرماء بنسب متناسبة مع مقادير ديونهم.

ولكن فقهاء الشيعة يذهبون في هذا المجال مذهبا آخر ، فهم يدخلون النقص على أشخاص معنيين ، لا على جميع الورثة.

فهم في المثال الحاضر ، مثلا يدخلون النقص على الأختين ، ويقولون كما جاء في حديث شريف : «إن الذي أحصى رمل عالج ـ أي المتراكم من الرمل الداخل بعضه في بعض ـ ليعلم أن السهام لا تعول» أي لا تتعدى الأسهم ولا تؤول إلى الكسر ، فلا بدّ أن يكون سبحانه قد وضع لمثل هذه الحالة قانونا ، وذلك هو أن بين الورثة الذين ذكرهم القرآن الكريم من له سهم ثابت من حيث الأقل أو الأكثر كالزوج والزوجة والأب والأمّ ، ومن ليس سهم كذلك كالأختين والبنتين ، ومن هنا نفهم أن النقص يجب أن يدخل دائما على من ليس له سهم محدد في جانب القلّة أو الكثرة (أي الذي ليس له حدّ أقل أو حدّ أكثر معين) أي الذي يكون عرضة للتغير والاضطراب ، ولهذا لا يدخل النقص المذكور على سهم الزوج ، فهو يرث سهمه من التركة وهو النصف بلا نقصان بسبب العول ، وإنّما يدخل النقص على سهم الأختين فقط (فلا حظ ذلك بدقّة).

وقد يكون مجموع الأسهم أقلّ من مجموع المال ـ فيفضل شيء من المال بعد أخذ كل واحد من أفراد الطبقة الوارثة فرضه.

فمثلا إذا توفي رجلا وخلف بنتا واحدة وأمّا ، فإن سهم الأم هو 6/1 وسهم البنت هو 6/3 فيكون مجموع الأسهم هو 6/4 أي يفصل 6/2 من المال ، في هذه الصورة يذهب علماء السنة وفقهاؤهم إلى إعطاء هذا الفاضل من التركة إلى عصبة الميت(1) وهم رجال الطبقة الثانية من الإرث (كالأخوة) ويسمى هذا القسم بالتعصيب.

ولكن فقهاء الشيعة يذهبون إلى أنّ ذلك الفاضل يجب أن يقسّم بين الوارثين

__________________

(1) العصبة هم الرجال الذين ينتسبون إلى الميت بلا واسطة كالأخوة.

١٤٥

المذكورين أي بنسبة 1 و 3 ، لأنه مع وجود الطبقة السابقة لا تصل النوبة إلى الطبقة اللاحقة ، هذا مضافا إلى أن إعطاء الفاضل من التركة إلى رجال الطبقة اللاحقة يشبه ما كان سائدا في العهد الجاهلي حيث تحرم النساء من الإرث.

هذا والبحث الراهن من الأبحاث العلمية المعقدة ، وقد أعطينا هنا خلاصة موضحة منه تبعا للحاجة ، وأما التفصيل فموكول إلى محله في الكتب الفقهية المفصّلة.

* * *

١٤٦

الآيتان

( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) )

التّفسير

تعني لفظة «الفاحشة» حسب اللّغة : العمل أو القول القبيح جدّا ـ كما أسلفنا ـ ويستعمل في الزنا لقبحه الشديد ، وقد وردت هذه اللفظة في (13) موردا من القرآن الكريم، وقد استعملت تارة في «الزّنا» وأخرى في «اللواط» وتارة في الأفعال الشديدة القبح على العموم.

والآية الأولى ـ من هاتين الآيتين ـ تشير كما فهم أكثر المفسرين ـ إلى جزاء المرأة المحصنة التي تزني. فتقول :( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ) .

وما يدل على أنّ الآية المبحوثة تعني زنا المحصنة ـ مضافا إلى القرينة

١٤٧

المذكورة في الآية اللاحقة ـ التعبير بـ «من نسائكم» أي زوجاتكم ، لأنّ التعبير بهذه اللفظة عن الزوجات قد تكرر في مواضع عديدة من القرآن الكريم ، وعلى هذا يكون جزاء المحصنة التي ترتكب الزنا في هذه الآية هو الحبس الأبدي.

ولكنه تعالى أردف هذا الحكم بقوله :( أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) فإذن لا بدّ أن يستمر هذا الحبس في حقهنّ إلى الأبد حتى يأتي أجلهنّ ، أو يعين لهنّ قانون جديد من جانب الله سبحانه.

ويستفاد من هذه العبارة أنّ هذا الحكم (أي الحبس الأبدي للمحصنة الزانية) حكم مؤقت ، ولهذا ذكر من بداية الأمر أنّه سوف ينزل في حقهنّ قانون جديد ، وحكم آخر في المستقبل (وبعد أن تتهيأ الظروف والأفكار لمثل ذلك) حينئذ سيتخلص النساء اللاتي شملهنّ ذلك الحكم (أي الحكم بالحبس أبدا) من ذلك السجن إذا كن على قيد الحياة طبعا ، ولا يشملهنّ حكم جزائي آخر ، وليس الخلاص من السجن إلّا بسبب إلغاء الحكم السابق ، وأما عدم شمول الحكم الجديد لهنّ فلئن الحكم الجزائي لا يشمل الموارد التي سبقت مجيئه ، وبهذا يكون الحكم والقانون الذي سيصدر في ما بعد ـ مهما كان ـ سببا لنجاة هذه السجينات ، على أنّ هذا الحكم الجديد يشمل حتما كل الذين سيرتكبون هذا المنكر في ما بعد. (فلا حظ بدقّة هذه النقطة).

وأمّا ما احتمله البعض من أنّ المراد من قوله تعالى :( أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) هو أنّ الله سبحانه قد جعل الرجم للمحصنات الزانيات في ما بعد ، يجعل وبذلك سيكون للسجينات سبيلا إلى النجاة والخلاص من عقوبة السجن ، فهو احتمال مردود ، لأنّ لفظة «لهنّ سبيلا» لا تتلاءم أبدا مع مسألة الأعدام ، فعبارة «لهنّ» تعني ما يكون نافع لهنّ وليس الاعدام سبيلا لنجاتهنّ ، والحكم الذي قرّره الله في الإسلام للمحصنات الزانيات في ما بعد هو الرجم (وقد ورد هذا الحكم في لسان السنة النبوية الشريفة أي الأحاديث قطعا،وإن لم ترد في القرآن الكريم

١٤٨

أية إشارة إليها).

من كلّ ما قلناه اتّضح أنّ الآية الحاضرة لم تنسخ قط ، لأنّ النسخ إنّما يكون في الأحكام التي تردّ مطلقة من أوّل الأمر لا التي تذكر مؤقتة ومحدودة كذلك ، والحكم المذكور في الآية الحاضرة (أي الحبس الأبدي) من القسم الثّاني ، أي أنّه حكم مؤقت محدود ، وما نجده في بعض الرّوايات من التصريح بأنّ الآية الحاضرة قد نسخت بالأحكام التي وردت في عقوبة مرتكبي الفاحشة ، فالمراد منه ليس هو النسخ المصطلح ، لأنّ النسخ في لسان الروايات والأخبار يطلق على كل تقييد وتخصيص (فلا حظ ذلك بدقّة وعناية).

ثمّ لا بدّ من الالتفات إلى ناحية مهمّة ، وهي أن الحكم بحبس هذا النوع من النساء في «البيوت» من صالحهن من بعض الجهات ، لأنّه أفضل ـ بكثير ـ من سجنهن في السجون العامّة المتعارفة ، هذا مضافا إلى أن التجربة قد دلّت أن للسجون والمتعقلات العامّة أثرا سيئا وعميقا في إفساد المجتمع ، إذ أنّ هذه المراكز تتحول ـ شيئا فشيئا ـ إلى معاهد كبرى لتعليم شتى ألوان الجريمة والفساد بسبب أن المجرمين سيتبادلون فيها ـ من خلال المعاشرة واللقاء وفي سعة من الوقت وفراغ من الشغل ـ تجاربهم في الجريمة.

ثمّ أنّ الله سبحانه يذكر بعد ذلك حكم الزنا عن إحصان إذ يقول :( وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً ) ويقصد أنّ الرجل غير المحصن أو المرأة غير المحصنة إن أتيا بفاحشة الزنا فجزاؤهما أن يؤذيا».

والآية وإن كانت لا تذكر قيد «عدم الإحصان» ، صراحة ، إلّا أنّها حيث جاءت بعد ذكر حكم المحصنة وذكر عقوبتها التي تختلف عن هذه العقوبة التي هي أخف من العقوبة المذكورة في الآية السابقة ، أستفيد منها إنها واردة في حق الزنا عن غير إحصان، وإنها بالتالي عقوبة الزاني غير المحصن والزانية غير

١٤٩

المحصنة اللذين لا يدخلان في عنوان الآية السابقة ، وبالتالي حيث أن الآية السابقة اختصّت ـ بالقرينة التي ذكرت ـ بالزانية المحصنة استنتجنا أنّ هذه الآية تبيّن حكم الزنا عن غير إحصان.

كما أنّ هناك نقطة واضحة أيضا ، وهي أنّ الحكم المذكور في هذه الآية (أي الإيذاء) عقوبة كلية ، يمكن أن تكون الآية الثانية من سورة النور التي تذكر أن حدّ الزنا هو (100) جلدة لكل واحد من الزاني والزانية تفسيرا وتوضيحا لهذه الآية وتعيينا للحكم الوارد فيها ، ولهذا لا يكون هذا الحكم منسوخا أيضا.

ففي تفسير العياشي روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «يعني البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب فآذوهما».

وعلى هذا يكون المراد من «اللذان» ـ وإن كان للإشارة إلى مثنى مذكر ـ هو الرجل والمرأة أي من باب التغلب.

هذا وقد احتمل جماعة من المفسرين أن يكون الحكم الوارد في هذه الآية واردا في مجال «اللواط» واعتبروا الحكم في الآية السابقة واردا في مجال «المساحقة» ، ولكن رجوع الضمير في «يأتيانها» إلى «الفاحشة» في الآية السابقة يفيد أن العمل المستلزم لهذا الحكم الصارم في هذه الآية هو من نوع العمل المذكور في الآية السابقة لا من نوع آخر،ولهذا فإن اعتبار أنّ هذه الآية واردة في شأن اللوط ، والآية السابقة واردة في شأن المساحقة خلاف الظاهر ، (وإن كان كلا العملين اللواط والمساحقة يشتركان في عنوان كلي، وهو الميل إلى الجنس الموافق) وعلى هذا تكون كلتا الآيتين واردتين في حدّ الزنا وحكمه.

هذا مضافا إلى أننا نعلم أنّ عقوبة «اللواط» في الإسلام هو القتل والإعدام وليست الإيذاء والجلد ، وليس ثمّة أي دليل على انتساخ الحكم المذكور في الآية الحاضرة.

ثمّ إنّ الله سبحانه بعد ذكر هذا الحكم يشير إلى مسألة التوبة والعفو عن مثل

١٥٠

هؤلاء العصاة ، فيقول :( فَإِنْ تابا ، وَأَصْلَحا ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً ) .

وهذا التعليم هو في الحقيقة يفتح طريق العودة ويرسم خط الرجعة لمثل هؤلاء العصاة،فإن على المجتمع الإسلامي أن يحتضن هؤلاء إذا تابوا ورجعوا إلى الطهر والصواب وأصلحوا،ولن يطردوا من المجتمع بعد هذا بحجّة الفساد والانحراف.

هذا ويستفاد من هذا الحكم أيضا ـ أنّه يجب أن لا يعير العصاة الذين رجعوا إلى جادة الصواب وتابوا وأصلحوا على أفعالهم القبيحة السابقة ، وأن لا يلاموا على ذنوبهم الغابرة ، فإذا كان الحكم الشرعي والعقوبة الإلهية يسقطان بسبب التوبة والإنابة ، فإنّ من الأولى أن يغض الناس الطرف عن سوابقهم ، وهذا بنفسه جار في من نفذ فيه الحدّ الشرعي ثمّ تاب بعد ذلك ، فإنّه يجب أن تشمله مغفرة المسلمين وعفوهم.

العقوبات الإسلامية السهل الممتنع :

قد يتساءل البعض أحيانا : لما ذا قرر الإسلام عقوبات صارمة ، وأحكاما جزائية قاسية وثقيلة؟ فمثلا : لما ذا حكم بالحبس الأبدي أوّلا على الزانية عن إحصان ، ثمّ قرّر الحكم القتل والإعدام في شأنهما في ما بعد ، ألم يكن من الأفضل أن يتّخذ الإسلام موقفا أكثر تسامحا ولينا تجاه هذه الأفعال ، لتتعادل الجريمة والعقوبة ولا يرجح أحدهما على الآخر؟

غير أنّ العقوبات الإسلامية وإن كانت تبدو في الظاهر صعبة وقاسية وثقيلة ، إلّا أنّ إثبات الجريمة في الإسلام في المقام ليس سهلا ، أيضا فقد عين الإسلام وحدد لإثبات الجريمة شروطا لا تثبت ـ في الأغلب ـ إلّا إذا وقعت الجريمة علنا.

١٥١

فمثلا : تصعيد عدد الشهود في الزنا إلى الأربعة ـ كما في الآية الحاضرة ـ من الأمور الصعبة جدّا بحيث لا يثبت بها إلّا من كان مجرما جسورا جدّا ، ولا شك أن مثل هؤلاء لا بدّ أن ينالوا عقابا ثقيلا وقاسيا ليعتبر بهم الآخرون ، فتطهر بذلك البيئة الاجتماعية من لوث الفساد والانحراف والتورط في الجريمة ، كما أن المواصفات والشروط المعتبرة في الشهود مثل رؤية العملية الجنسية بعينها ، وعدم الاكتفاء بالقرائن ، ومثل الاتحاد في الشهادة وما شاكل ذلك تجعل إثبات الجريمة أصعب جدّا.

وبهذا الطريق جعل الإسلام احتمال التعرض لمثل هذه العقوبة القاسية الثقيلة نصيب عيني هذا النوع من المجرمين ، وهو احتمال مهما كان ضعيفا من شأنه أن يؤثر في ردع الأشخاص ، وكبح جماحهم ، وأمّا الدقّة في كيفية إثبات هذه الجريمة ، والتشدد في الشرائط التي اعتبرها في الشهادة والشهود فهو لأجل أن لا تتسع دائرة هذه الأعمال الخشنة ، ولا يقتصر استعمال العقوبات الخشنة فيها على أقل الموارد ، وفي الحقيقة أراد الإسلام أن يحافظ على الأثر التهديدي لهذا القانون الجزائي من دون أن يعرض أفرادا كثيرين لعقوبة الإعدام من جانب آخر.

ونتيجة ذلك هي أنّ هذا الأسلوب الإسلامي في تعيين العقوبة وطريق إثبات الجريمة من أكثر الأساليب تأثيرا ونجاحا في خلاص المجتمع من التورط في الآثام والمعاصي في حين لا يتعرض لمثل هذه العقوبة أفراد كثيرون ، وبهذا نصف هذا الأسلوب بالأسلوب «السهل الممتنع».

* * *

١٥٢

الآيتان

( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) )

التّفسير

شرائط قبول التوبة :

في الآية السابقة بيّن الله تعالى بصراحة مسألة سقوط العقوبة عن مرتكبي الفاحشة ومعصية الزّنا إذا تابوا وأصلحوا ، ثمّ عقب ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً ) مشيرا بذلك إلى قبول التوبة من جانب الله أيضا.

وفي هذه الآية يشير سبحانه إلى شرائط قبول التوبة إذ يقول :( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ) .

وهنا يجب أن نرى ما ذا تعني «الجهالة» هل هي الجهل وعدم المعرفة بالمعصية ، أم هي عدم المعرفة بالآثار السيئة والعواقب المؤلمة للذنوب والمعاصي؟

١٥٣

إنّ كلمة الجهل وما يشتق منها وإن كانت لها معان مختلفة ، ولكن يستفاد من القرائن أنّ المراد منها في الآية المبحوثة هنا هو طغيان الغرائز ، وسيطرة الأهواء الجامحة وغلبتها على صوت العقل والإيمان ، وفي هذه الصورة وإن لم يفقد المرء العلم بالمعصية ، إلّا أنّه حينما يقع تحت تأثير الغرائز الجامحة ، ينتفي دور العلم ويفقد مفعوله وأثره ، وفقدان العلم لأثره مساو للجهل عملا.

وأمّا إذا لم يكن الذنب عن جهل وغفلة ، بل كان عن إنكار لحكم الله سبحانه وعناد وعداء ، فإن ارتكاب مثل هذا الذنب ينبئ عن الكفر ، ولهذا لا تقبل التوبة منه ، إلّا أن يتخلّى عن عناده وعدائه وإنكاره وتمرده.

وفي الحقيقة إنّ هذه الآية تبيّن نفس الحقيقة التي يذكرها الإمام السجادعليه‌السلام في دعاء أبي حمزة ببيان أوضح إذ يقول : «إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد ولا بأمرك مستخف ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولا لوعيدك متهاون ، لكن خطيئة عرضت وسولت لي نفسي وغلبني هواي».

ثمّ إنّ الله سبحانه يشير إلى شرط آخر من شروط قبول التوبة إذ يقول :( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) .

هذا وقد وقع كلام بين المفسّرين في المراد من «قريب» فقد ذهب كثيرون إلى أنّ معناه التوبة قبل أن تظهر آثار الموت وطلائعه ، ويستشهدون لهذا الرأي بقوله تعالى :( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) الذي جاء في مطلع الآية اللاحقة ، ويشير إلى أن التوبة لا تقبل إذ ظهرت علامات الموت.

ولعل استعمال لفظة «قريب» إنّما هو لأجل أن نهاية الحياة الدنيوية مهما بعدت فهي قريبة.

ولكن بعض المفسرين ذهب إلى تفسير لفظة «من قريب» بالزمان القريب من وقت حصول المعصية ، فيكون المعنى أن يتوبوا فورا ، ويندموا على ما فعلوه

١٥٤

بسرعة ، ويتوبوا إلى الله ، لأنّ التوبة الكاملة هي التي تغسل آثار الجريمة وتزيل رواسبها من الجسم والروح بشكل مطلق حتى لا يبقى أي أثر منه في القلب ، ولا يمكن هذا إلّا إذا تاب الإنسان وندم قبل أن تتجذر المعصية في كيانها ، وتتعمق آثارها في وجوده فتكون له طبيعة ثانية ، إذ في غير هذه الصورة ستبقى آثار المعصية في زوايا الروح الإنسانية ، وتعشعش في خلايا قلبه ، فالتوبة الكاملة ـ إذن ـ هي التي تتحقق عقيب وقوع الذنب في أقرب وقت،ولفظة «قريب» أنسب مع هذا المعنى من حيث اللغة والفهم العرفي.

صحيح أنّ التوبة التي تقع بعد زمن طويل من ارتكاب المعصية تقبل أيضا ، إلّا أنّها ليست التوبة الكاملة ، ولعل التعبير بجملة «على الله» (أي على الله قبولها) كذلك إشارة إلى هذا المعنى ، لأن مثل هذا التعبير لم يرد في غير هذا المورد من القرآن الكريم ، ومفهومه هو أن قبول التوبة القريبة من زمن المعصية حق من حقوق العباد ، في حين ان قبول التوبة البعيدة عن زمن المعصية تفضل من الله وليس حقا.

ثمّ أنّه سبحانه ـ بعد ذكر شرائط التوبة ـ يقول :( فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ) مشيرا بذلك إلى نتيجة التوبة التي توفرت فيها الشروط المذكورة.

ثمّ يقول تعالى :( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) وهو إشارة إلى من لا تقبل توبته.

وعلّة عدم قبول هذا النوع من التوبة واضحة ، لأن الإنسان عند الاحتضار في رحاب الموت تنكشف له الأستار ، فيرى ما لم يكن يراه من قبل ، فهو يرى بعد انكشاف الغطاء عن عينيه بعض الحقائق المتعلقة بالعالم الآخر ، ويشاهد بعينيه نتائج أعماله التي ارتكبها في هذه الدنيا ، وتتخذ القضايا التي كان يسمع بها صفة

١٥٥

محسوسة ، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يندم كل مجرم على جرمه وأفعاله السيئة ، ويفرّ منها فرار الذي يرى اقتراب ألسنة اللهب من جسمه.

ومن المسلم أن التكليف الإلهي والإختيار الرباني للبشر لا يقوم على أساس هذا النوع من المشاهدات والمكاشفات ، بل يقوم على أساس الإيمان بالغيب ، والمشاهدة بعيني العقل والقلب.

ولهذا نقرأ في الكتاب العزيز أنّ أبواب التوبة كانت تغلق في وجه بعض الأقوام العاصية عند ظهور طلائع العذاب الدنيوي والنقمة العاجلة ، وللمثال نقرأ قول الله سبحانه عن فرعون إذ يقول :( حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (1) .

كما يستفاد من بعض الآيات القرآنية (مثل الآية 12 من سورة السجدة) إنّ العصاة يندمون عند ما يشاهدون العذاب الإلهي في الآخرة ، ولكن لات حين مندم ، فلا فائدة لندمهم في ذلك الوقت ، إن هؤلاء أشبه ما يكونون بالمجرمين الذين إذا شاهدوا أعواد المشنقة وأحسوا بالحبل على رقابهم ندموا على جرائمهم وأفعالهم القبيحة ، فمن الواضح أنّ مثل هذه التوبة وهذا الندم لا يعد فضيلة ، ولا مفخرة ولا تكاملا ، ولهذا لا يكون أي تأثير.

على أنّ هذه الآية لا تنافي الروايات التي نصت على إمكان قبول التوبة حتى عند اللحظة الأخيرة من الحياة ، لأن المراد في هذه الروايات هي اللحظات التي لم تظهر فيها بعد ملامح الموت وآثاره وطلائعه ، وبعبارة أخرى لم تحصل لدى الشخص العين البرزخية التي يقف بها على حقائق العالم الآخر.

هذا عن الطائفة الأولى الذين لا تقبل توبتهم ، وهم من يتوبون عند ما تظهر أمام عيونهم ملامح الموت وتبدو عليهم آثاره.

__________________

(1) يونس ، 90 ـ 91.

١٥٦

وأمّا الطائفة الثّانية الذين لا تقبل توبتهم فهم الذين يموتون كفارا ، إذ يقول سبحانه :( وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) .

ولقد ذكر الله سبحانه بهذه الحقيقة في آيات أخرى في القرآن الكريم(1) .

وهنا يطرح سؤال وهو : متى لا تقبل توبة الذين يموتون كفارا؟

احتمل البعض أن لا تقبل توبتهم في العالم الآخر ، واحتمل آخرون أن يكون المراد من التوبة ـ في هذا المقام ـ ليس هو توبة العباد ، بل توبة الله ، يعني عود الله على العبد وعفوه ورحمته له.

ولكن الظاهر هو أنّ الآية تهدف أمرا آخر وتقول : إن الذين يتوبون من ذنوبهم حال العافية والإيمان ولكنهم يموتون وهم كفار لا تقبل توبتهم ولا يكون لها أي أثر.

وتوضيح ذلك : إنّنا نعلم إن من شرائط قبول الأعمال «الموافاة على الإيمان» بمعنى أن يموت الإنسان مؤمنا ، فالذين يموتون وهم كفار تحبط أعمالهم السابقة حتى الصالحة منها حسب صريح الآيات القرآنية(2) . وتنتفي فائدة توبتهم من ذنوبهم حتى إذا تابوا حال الإيمان في هذه الصورة أيضا.

وخلاصة القول إنّ قبول التوبة مشروط بأمرين.

الأوّل : أنّ تتحقق التوبة قبل أن يرى الشخص علائم الموت.

والثّاني : أن يموت وهو مؤمن.

ثمّ أنّه يستفاد من هذه الآية أيضا إن على الإنسان أن لا يؤخر توبته ، إذ يمكن أن يأتيه أجله على حين غفلة ، فتغلق في وجهه أبواب التوبة ولا يتمكن منها حينئذ.

والملفت للنظر أن تأخير التوبة الذي يعبر عنه بالتسويف قد أردف في الآية

__________________

(1) آل عمران ـ 91 ، البقرة ، 161 ، البقرة ، 217 ، محمّد ـ 34.

(2) البقرة ، 217.

١٥٧

الحاضرة بالموت حال الكفر ، وهذا يكشف عن أهمية التسويف وخطورته البالغة في نظر القرآن.

ثمّ يقول سبحانه في ختام الآية :( أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) ، ولا حاجة إلى التذكير بأنّ للتوبة مضافا إلى ما قيل شرائط اخرى مذكورة في آيات مشابهة من الكتاب العزيز.

* * *

١٥٨

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) )

سبب النّزول

روي في مجمع البيان عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : «نزلت في الرجل يحبس المرأة ـ من دون أن يعاملوها كالزّوجة ـ عنده لا حاجة له إليها ينتظر موتها حتى يرثها» ، أي فيأخذ أموالها من بعد وفاتها.

وروي عن ابن عباس أنّ الآية الحاضرة نزلت في الذين أمهروا نساءهم بمهور كبيرة ثمّ يحبسونهن من دون حاجة إليهن ، ولا يطلقونهن لغلاء المهر وثقله ، ويؤذونهن حتى يقبلن بالطلاق بعد أن يتنازلن عن تلك المهور.

وقد روى جماعة من المفسرين سببا آخر لنزول هذه الآية لا يناسب هذه الآية ، بل يناسب الآية (22) من هذه السورة ، وسنذكر ذلك الرأي عند تفسير تلك الآية بإذن الله تعالى.

١٥٩

التّفسير

الدفاع عن حقوق المرأة أيضا :

قلنا في مطلع تفسير هذه السورة أنّ آيات هذه السورة تهدف إلى مكافحة الكثير من الأعمال الظالمة والممارسات المجحفة التي كانت رائجة في العهد الجاهلي ، وفي هذه الآية بالذات أشير إلى بعض هذه العادات الجاهلية المقيتة وحذر الله سبحانه فيها المسلمين من التورط بها ، وتلك هي :

1 ـ لا تحبسوا النساء لترثوا أموالهنّ ، فلقد كانت إحدى العادات الظالمة في الجاهلية ـ كما ذكرنا في سبب نزول الآية ـ أنّ الرجل كان يتزوج بالنساء الغنيات ذوات الشرف والمقام اللاتي لم يكن يحظين بالجمال ، ثمّ كانوا يذرونهن هكذا فلا يطلقونهنّ ، ولا يعاملونهنّ كالزوجات ، بانتظار أن يمتن فيرثوا أموالهن ، فقالت الآية الحاضرة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) وبهذا استنكر الإسلام هذه العادة السيئة.

2 ـ لا تضغطوا على أزواجكم ليهبنّ لكم مهورهنّ ، فقد كان من عادات الجاهليين المقيتة أيضا أنّهم كانوا يضغطون على الزوجات بشتى الوسائل والطرق ليتخلين عن مهورهنّ،ويقبلن بالطلاق ، وكانت هذه العادة تتبع إذا كان المهر ثقيلا باهظا ، فمنعت الآية الحاضرة من هذا العمل بقولها :( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ ) أي من المهر.

ولكن ثمّة استثناء لهذا الحكم قد أشير إليه في قوله تعالى في نفس الآية :( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) والفاحشة هي أن ترتكب الزوجة الزنا وتخون بذلك زوجها ، ففي هذه الحالة يجوز للرجل أن يضغط على زوجته لتتنازل عن مهرها ، وتهبه له ويطلقها عند ذلك،وهذا هو في الحقيقة نوع من العقوبة ، وأشبه ما يكون بالغرامة في قبال ما ترتكبه هذه الطائفة من النساء.

هذا والمقصود من الفاحشة المبينة في الآية هل هو خصوص الزنا ، أو كل

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440